>وَقَدَّسَ أَرْواحَهُمْ بِسِرِّهِ وَبِرِّهِ<
الروح وتكامل الإنسان:
مجموعة كثيرة من ذوي الضمائر الحية وأهل البصيرة وكبار العرفاء الذين هم مقتدين بالأنبياء والأئمة الاطهار (عليهم السلام) واولياء الله الخاصين؛ يعتقدون بأن الروح هو من العالم الإلهي؛ لتكامل ورشد الإنسان؛ وتحلّيه بالحقائق، وهو في سفر من عالم الامر، أو عالم الملكوت؛ وفق ما قاله الله سبحانه وتعالى:
P... وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي...O([1])، إلى هذا الجسد المادي، وبعد ان يصل إلى مرحلة الكمال فإنه يرجع إلى أصله، ويستقّر في قالبه المادي هناك Pفِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍO([2]).
كمال الروح إنّما يتحقق بشيئين؛ هما قوة العلم والعمل.
التحلي بالعلم بالحق، العلم بالمعاد، العلم بالحياة، العلم بالعلاقات الصحيحة التي بين الإنسان وذي جنسه، العلم بالحقائق والعمل بها، وهذا هو المعنى من قداسة وقدسية الروح. وسرّ وبرّ الله يشمل عناياته والطافه التي تظهر في صعيد حياة الإنسان، على شكل معرفةٍ وعملٍ وجهاد واجتهاد. وتكون سبباً لطهارة الروح من الدنس والأوساخ وكدورة القلب، وتربطه إلى عالم العشق والقداسة، وتحرك جميع اعضائه وجوارحه خلفه، وفي النتيجة يصنع من الإنسان موجوداً ملكوتياً ومنبعاً للخير والبركة.
وفي مجال القوة العلمية والعملية اللذان هما السببان الاصليان لطهارة وقداسة الروح، فأحد كبار رجال الدين، يستنبط ويستنتج من سورة والعصر معتقداً، بأن الذين نجوا من الخسران، هم الذين نوّروا قلوبهم بنور العلم وزيّنوها بالعمل به، ويستفاد هذا المعنى من سورة العصر.
وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِْنْسانَ لَفِي خُسْرٍ؛ يعني المنشغلين بالأمور المادية والطبيعية الدنيوية؛ ولم يعرفوا شيئاً سوى هذه الدنيا وما فيها، وهم كالسمكة في البحر غارقة في شهوتها الحيوانية المطلقة.
إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا، والمقصود هنا؛ اولئك الذين نوّروا قلوبهم وعقولهم بنور المعرفة، وفهموا و وعوْا المعاد وعرفوا الانبياء والأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، والوظائف والمسؤليات التي هي عبارة عن القوة النظرية للروح والتكامل.
وقاموا بتنفيذ أوامر الله سبحانه وتعال، والأعمال الصالحة، يعني من اجل الوصول إلى الكمال؛ أدّوا جميع الأوامر الإلهية.
وتواصواْ بالحق؛ والمقصود هنا أنهم قاموا بتعليم الناس التوحيد والنبوة والإمامة والفضائل الإنسانية.
وتواصواْ بالصبر؛ يعني أناروا للناس طريق التخلّق بأخلاق الله، وبذلوا قصارى جهودهم لتطهير الناس من الذنوب.
وعلى أي حال، فإن سرّ وبرّ الله سبحانه وتعالى الذي هو سبباً لقداسة ارواح العرفاء، هو نفس ذلك العلم والعمل الذي هداهم إليه برحتمه ولطفه.
العارف >رومي< أنشأ في مقام نصح الإنسان؛ فقال:
أقرب، وأقرب، إلينا يا أبا الوفاء، تخلى عن (نحن، وأنا) وأسرع إلينا.
وتخلّى أكثر من (نحن وأنا)، حتى لا يكون هناك (نحن وأنا).
تخلّى عن الغرور والتكبّر، في مقابل تكبر هكذا كبرياء.
فقال: الست انت القائل: بلى، فشكر بلى هي في تحمل البلاء.
ما هو سرّ بلى، حتى اطرق بابه انا الفقير والفاني.
ارحل من المكان ولا ترحل، أيّ مكان لا يكون حضرته فيه.
تطهّر من نفسك واصبح ترابي، حتى ينمو من ترابك النبات.