عاقبة الخائفين:
1 ـ المرأة الزانية:
يقول الإمام الباقر (عليه السلام):
كانت هنالك إمرأة زانية، تعمل من أجل تلويث شباب بني إسرائيل آنذاك، وكانت جميلة جداً لدرجة ان مجموعة من الشباب قالت لو أن العابد الفلاني قد رآها، لاستسلم لها.
فسمعت تلك المرأة الزانية كلامهم، وقالت في نفسها: والله لن أرجع إلى البيت حتى أغوي ذلك العابد بالشهوة.
فلما جنّ الليل ذهبت إلى بيت العابد وطرقت الباب وقالت: أريد الدخول، فلم يقبل العابد دخولها في ذلك الوقت من الليل، فصاحت المرأة ان مجموعة من الفساق يتبعونني وإن لم تفتح لي الباب، سوف أكون معهم وانت السبب.
فلما سمع العابد كلامها، فتح الباب لها من أجل نجاتها من اولئك الفساق. فلما دخلت البيت، نزعت جميع ملابسها بسرعة، فسحر جمالها الفتان وبدنها عيني العابد، فمد يديه ولمس بدنها، ولكنه سرعان ما أرجع يديه ووضعها في النار التي كانت مشتعلة تحت القدر. فقالت تلك المرأة له: ماذا تفعل؟ فأجابها: إن اليد التي تقوم بعمل يخالف أوامر الله، لجديرة بأن تُحرق. فهرولت المرأة إلى الخارج مسرعةً، فرأت مجموعة من بني إسرائيل وصاحت: ألحقوا ذلك العابد، فو الله لقد أهلك نفسه، فهرع الناس إلى ذلك العبد الخائف من الله وشاهدوا متعجبين، ان العابد قد أحرق يديه بالنار خوفاً من عذاب الله([1]).
2 ـ يحيى والخوف من الله:
ينقل لنا الشيخ الصدوق رواية عن أبيه فيقول:
>قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كان من زهد يحيى بن زكريا (عليه السلام) أنّه أتى بيت المقدس فنظر إلى المجتهدين من الأحبار والرهبان عليهم مدارع الشعر، وبرانس الصوف، وإذا هم قد خرقوا تراقيهم وسلكوا فيها السلاسل وشدوها إلى سواري المسجد، فلما نظر إلى ذلك أتى أمه فقال: يا أماه انسجي لي مدرعة من شعر وبرنسا من صوف حتى آتي بيت المقدس فأعبدالله مع الاحبار والرهبان، فقالت له أمه: حتى
يأتي نبي الله وأوامره في ذلك، فلما دخل زكريا (عليه السلام) أخبرته بمقالة يحيى، فقال له زكريا: يابني مايدعوك إلى هذا وإنما أنت صبي صغير؟ فقال له: يا أبه أما رأيت من هو أصغر سناً مني قد ذاق الموت؟ قال: بلى، ثم قال لأمه: انسجي له مدرعة من شعر، وبرنسا من صوف، ففعلت فتدرع المدرعة على بدنه، ووضع البرنس على رأسه، ثم أتى بيت المقدس فأقبل يعبد الله عزوجل مع الاحبار حتى أكلت مدرعة الشعر لحمه، فنظر ذات يوم إلى ما قد نحل من جسمه فبكى، فأوحى الله عزوجل إليه: يايحيى أتبكي مما قد نحل من جسمك؟ وعزتي وجلالي لو اطلعت إلى النار اطلاعة لتدرعت مدرعة الحديد فضلا عن المنسوج، فبكى حتى أكلت الدموع لحم خديه، وبدا للناظرين أضراسه فبلغ ذلك أمه فدخلت عليه وأقبل زكريا (عليه السلام) واجتمع الاحبار والرهبان فأخبروه بذهاب لحم خديه، فقال: ما شعرت بذلك، فقال زكريا (عليه السلام): يا بني ما يدعوك إلى هذا؟ إنما سألت ربي أن يهبك لي لتقر بك عيني، قال: أنت أمرتني بذلك ياأبه ، قال: ومتى ذلك يابني؟ قال: ألست القائل: إن بين الجنة والنار لعقبة لا يجوزها إلا البكاؤون من خشية الله؟ قال: بلى، فجد واجتهد وشأنك غير شأني، فقام يحيى فنفض درعته فأخذته أمه، فقالت: أتأذن لي يابني أن أتخذ لك قطعتي لبود تواريان أضراسك وتنشفان دموعك؟ فقال لها: شأنك، فاتخذت له قطعتي لبود تواريان أضراسه وتنشفان دموعه حتى ابتلتا من دموع عينيه فحسر عن ذراعيه ، ثم أخذهما فعصرهما فتحدر الدموع من بين أصابعه ، فنظر زكريا (عليه السلام) إلى ابنه وإلى دموع عينيه فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إن هذا ابني وهذه دموع عينيه وأنت أرحم الراحمين. وكان زكريا (عليه السلام) إذا أراد أن يعظ بني إسرائيل يلتفت يمينا وشمالا فإن رأى يحيى (عليه السلام) لم يذكر جنة ولا نارا، فجلس ذات يوم يعظ بني إسرائيل وأقبل يحيى قد لف رأسه بعباءة فجلس في غمار الناس والتفت زكريا (عليه السلام) يمينا وشمالا فلم ير يحيى فأنشأ يقول : حدثني حبيبي جبرئيل (عليه السلام) عن الله تبارك وتعالى أن في جهنم جبلا يقال له السكران، في أصل ذلك الجبل واد يقال له الغضبان لغضب الرحمن تبارك وتعالى، في ذلك الوادي جب قامته مائة عام، في ذلك الجب توابيت من نار، في تلك التوابيت صناديق من نار، وثياب من نار، وسلاسل من نار، وأغلال من نار، فرفع يحيى عليه السلام رأسه فقال: واغفلتاه من السكران، ثم أقبل هائما على وجهه، فقام زكريا عليه السلام من مجلسه فدخل على أم يحيى فقال لها: يا أم يحيى قومي فاطلبي يحيى فإني قد تخوفت أن لانراه إلا وقد ذاق الموت، فقامت فخرجت في طلبه حتى مرت بفتيان من بني إسرائيل فقالوا لها: ياأم يحيى أين تريدين؟ قالت: أريد أن أطلب ولدي يحيى، ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه، فمضت أم يحيى والفتية معها حتى مرت براعي غنم فقالت له: يا راعي هل رأيت شابا من صفته كذا وكذا؟ فقال لها: لعلك تطلبين يحيى بن زكريا؟ قالت: نعم ذاك ولدي، ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه، قال: إني تركته الساعة على عقبة ثنية كذا وكذا، ناقعا قدميه في الماء، رافعا بصره إلى السماء يقول: >وعزتك مولاي لاذقت بارد الشراب، حتى أنظر إلى منزلتي منك< فأقبلت أمه فلما رأته أم يحيى دنت منه فأخذت برأسه فوضعته بين ثدييها وهي تناشده بالله أن ينطلق معها إلى المنزل فانطلق معها حتى أتى المنزل، فقالت له أم يحيى: هل لك أن تخلع مدرعة الشعر وتلبس مدرعة الصوف فإنه ألين؟ ففعل، وطبخ له عدس فأكل واستوفى فنام فذهب به النوم فلم يقم لصلاته ، فنودي في منامه: يايحيى بن زكريا أردت دارا خيرا من داري وجوارا خيرا من جواري؟ فاستيقظ فقام فقال: يارب أقلني عثرتي، إلهي فوعزتك لا أستظل بظل سوى بيت المقدس، وقال لأمه: ناوليني مدرعة الشعر فقد علمت أنكما ستورداني المهالك، فتقدمت أمه فدفعت إليه المدرعة وتعلقت به، فقال لها زكريا: ياأم يحيى دعيه فإن ولدي قد كشف له عن قناع قلبه ولن ينتفع بالعيش، فقام يحيى (عليه السلام) فلبس مدرعته ووضع البرنس على رأسه، ثم أتى بيت المقدس فجعل يعبد الله عزوجل مع الأحبار حتى كان من أمره ما كان<([2]).
3 ـ بجانب النار المحرقة:
يقول الإمام الصادق (عليه السلام):
كان عابد في بني إسرائيل قد دعى إمرأة إلى بيته، وفي تلك الليلة بات مترصداً فعل السوء لها، ولكنه مباشرة مد يديه إلى النار وتراجع عن نيّته. ولكنّه مرة ثانية غلبت عليه نية السوء، ومرة أخرى مد يديه إلى النار. وكرّر هذا الشيء إلى الصباح كلما راودته نفسه. فلمّا أصبح الصباح قال للمرأة: أخرجي من بيتي فإنّك ضيفة سيئة([3]).
4 ـ معاقبة النفس:
يقول أحد أصحاب الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم):
بينما كنا في أحد الصيف الحارة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالسين تحت ظل شجرة، إذا رأينا فجأة شاباً قد أقبل من بعيد، ونزع ملابسه عن جسمه، وقلّب جميع بدنه ووجهه على حصاة الصحراء الحارة، وكان يقول بينما هو في هذا الحال: يا نفس ذوقي، لأن العذاب الموجود عند الله، هو أكبر من اعمالك الحسنة.
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعاين هذا الشاب، فلمّا فرغ الشاب من عمله هذا، ولبس ملابسه وأراد الذهاب، طلبه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال له: يا عبد الله، رأيت منك شيئاً لم أعهده لأحد من قبل، فما هي سبب فعلتك هذه؟
فأجاب: الخوف من الله، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لقد أديت حق الخوف من الله، والله عز وجل مباهٍ بك ملائكته في السموات، ثم التفت إلى أصحابه وقال: من منكم مستعد هنا إلى الذهاب إلى ذلك الشاب كي يدعوا له؛ فذهب جميع أصحابه إليه ودعا الشاب بهذا الدعاء: اللهم اجعل جميع أفعالنا في رضاك، وزودنا بالورع عن ذنوبك، وأدخلنا الجنة، واجعلها دار مقرّنا([4]).
5 ـ الشاب الخائف والرجل العابد:
يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام):
صعد رجل مع عائلته إلى سفينة، مسافراً، وفي الطريق وإثر الأمواج العاتية للبحر، غرقت السفينة ومن كان عليها إلا زوجته، فإنها نجت. وتمسكت بخشبة وذهب بها موج البحر إلى جزيرة من الجزر التي كانت موجودة في بالقرب منها. وكان يعيش في تلك الجزيرة رجل لص يقطع الطريق ويرتكب كل محرّم دون هوادة، ويفعل كل قبيح. فلما أصبح الصبح رآها بجنبه، فقال لها: هل أنت من الإنس أم الجن؟ فأجابت: بل من الإنس، فلم يقل ذلك أي كلام آخر وهمّ بأن يفعل بها الفاحشة، فلما أستوى على بطنها وأراد أن يزني بها، أرتعدت فرائصها، فتعجب اللص من ذلك وسألها، فأشارت بيدها: أخاف من الله، فقال لها: وهل فعلت الفاحشة من قبل؟ فأجابت: أقسم بعزته، أني لم أفعل أبداً ذلك في حياتي. فنزل عنها اللص وقال لها: مع أنك لم تفعلي هذا من قبل، فإنك تخافين من الله، وقد أجبرتك عليه، فوالله إني لأجدر منك أن أخاف من الله.
استيقظ اللص من نوم الغفلة بفضل رحمة الله، وصممّ على التوبة ورجع إلى أهله، وفي الطريق التقى براهب ورافقه في السفر، وكانت أشعة الشمس ملتهبة تؤذيهما معاً، فقال الراهب لللص: ادعوا ان يظلل علينا الغمام، حتى لا نحترق بأشعة الشمس الملتهبة.
فقال اللص: إني لا أملك حسنة واحدة عند الله، ولا أجرأ على طلب شيء منه. فقال الراهب: إذن أدعوا أنا وانت أمّن على دعائي، فقبل اللص بذلك، فدعا الراهب وأمّن اللص على دعائه، فجاءت غمامة في تلك اللحظة وظللتهما ومشوا كثيراً من الطريق تحت ظلها. حتى وصلوا إلى مكان يفترقوا فيه، فلما أراد أن يذهب كل واحد منهما في طريقه، جاءت الغمامة فوق ذلك الشاب التائب وظللته، فقال الراهب للشاب: انت أفضل مني، لأن الدعاء قد استجيب بفضلك، فقل الآن ما هي قصتك؟
فقصّ عليه الشاب ما جرى بينه وبين تلك المرأة. فقال له الراهب: لأجل أن قلبك قد نفذ فيه الخوف من الله سبحانه وتعالى، فإنّه قد غفر لك جميع ما تقدّم من ذنبك، فانظر ما فاعل أنت تجاه ربك في المستقبل[5].
6 ـ الخوف من عذاب الذنوب أفضل سبب للتوبة:
على الإنسان ان ينتبه في مسألة الذنب والمعصية، فعليه أن يعرف اي وجود يعصي، وأي أمر يخالف، وأي مولى يحارب؟
فالذنب والمعصية تكون دائماً في مقابل الله سبحانه وتعالى الذي وهبه الحياة، وأسبغ عليه نعمه المتعددة والتي لا تحصى منذ بدأ خلقه.
الله الذي أنعم على الإنسان بنعمة العافية وحفظه من جميع المكاره والمصائب، تلك التي عجزت عن حلها الوسائل المادية، فأعانه سبحانه وتعالى عليها.
الذنب أمام ربّ يعشق ويحب الإنسان، ومن اجل ان لا يسقط الإنسان في فخ الشيطان، أرسل مائة وأربع وعشرين ألف نبي ورسول، و مائة وأربعة عشركتاباً سماوياً، واثنا عشر إماماً، وكل هؤلاء الحكماء والمصلحين والعارفين ومحبي الخير، الذين جعلهم في خدمة الإنسان.
الذنب أمام عزيز يريد خير الإنسان فقط، ولا يحبّ الشرّ للإنسان حتى ولو كانت أصغر من الذرة.
الذنب أمام مولى رؤوف والذي يعفوا عن عباده بمجرّد طلب العفو والمغفرة، ويغض الطرف عن عقاب الإنسان.
الذنب أمام وجود مقدس الذي هو مع الإنسان في كل مكان، حتى أنه أقرب إليه من حبل الوريد.
الذنب أمام وجود مطهر والذي غيره لا يتحمل تصنّع الإنسان، ولا يوجد غيره مسعف للإنسان في المحن والشدائد، ولا يوجد غيره يلبّي طلبات الإنسان.
وكما يقول الإمام الحسين (عليه السلام) في دعاء عرفة:
>يامَنْ قَلَّ لَهُ شُكْرِي فَلَمْ يَحْرِمْنِي وَعَظُمَتْ خَطِيئَتِي فَلَمْ يَفْضَحْنِي وَرَآنِي عَلى المَعاصِي فَلَمْ يَشْهرْنِي يامَنْ حَفِظَنِي فِي صِغَرِي يامَنْ رَزَقَنِي فِي كِبَرِي يامَنْ أَيادِيهِ عِنْدِي لاتُحْصى وَنِعَمُهُ لاتُجازى يامَنْ عارَضَنِي بِالخَيْرِ وَالإحْسانِ وَعارَضْتُهُ بِالاِسائَةِ وَالعِصْيانِ يامَنْ هَدانِي لِلاِيمانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ أَعْرِفَ شُكْرَ الاِمْتِنانِ، يامَنْ دَعَوْتُهُ مَرِيضاً فَشَفانِي وَعُرْياناً فَكَسانِي وَجائِعاً فَأَشْبَعَنِي وَعَطْشاناً فَأَرْوانِي وَذَلِيلاً فَأَعَزَّنِي وَجاهِلاً فَعَرَّفَنِي وَوَحِيداً فَكَثَّرَنِي وَغايِباً فَرَدَّنِي وَمُقِلاً فَأَغْنانِي وَمُنْتَصِراً فَنَصَرَنِي وَغَنِيّاً فَلَمْ يَسْلُبْنِي وَأَمْسَكْتُ عَنْ جَمِيعِ ذلِكَ فَابْتَدَأَنِي ؛ فَلَكَ الحَمْدُ وَالشُّكْرُ يامَنْ أَقالَ عَثْرَتِي وَنَفَّسَ كُرْبَتِي وَأَجابَ دَعْوَتِي وَسَتَرَ عَوْرَتِي وَغَفَرَ ذُنُوبِي وَبَلَّغَنِي طَلَبِي وَنَصَرَنِي عَلى عَدُوِّي وَإِنْ أَعُدَّ نِعَمَكَ وَمِنَنَكَ وَكَرائِمِ مِنَحِكَ لااُحْصِيها، يامَوْلايَ أَنْتَ الَّذِي مَنَنْتَ أَنْتَ الّذِي أَنْعَمْتَ أَنْتَ الَّذِي أَحْسَنْتَ أَنْتَ الَّذِي أَجْمَلْتَ أَنْتَ الَّذِي أَفْضَلْتَ أَنْتَ الَّذِي أَكْمَلْتَ أَنْتَ الَّذِي رَزَقْتَ أَنْتَ الَّذِي وَفَّقْتَ أَنْتَ الَّذِي أَعْطَيْتَ أَنْتَ الَّذِي أَغْنَيْتَ أَنْتَ الَّذِي أَقْنَيْتَ أَنْتَ الَّذِي آوَيْتَ أَنْتَ الَّذِي كَفَيْتَ أَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَ أَنْتَ الَّذِي عَصَمْتَ أَنْتَ الَّذِي سَتَرْتَ أَنْتَ الَّذِي غَفَرْتَ أَنْتَ الَّذِي أَقَلْتَ أَنْتَ الَّذِي مَكَّنْتَ أَنْتَ الَّذِي أَعْزَزْتَ أَنْتَ الَّذِي أَعَنْتَ أَنْتَ الَّذِي عَضَدْتَ أَنْتَ الَّذِي أَيَّدْتَ أَنْتَ الَّذِي نَصَرْتَ أَنْتَ الَّذِي شَفَيْتَ أَنْتَ الَّذِي عافَيْتَ أَنْتَ الَّذِي أَكْرَمْتَ، تَبارَكْتَ وَتَعالَيْتَ فَلَكَ الحَمْدُ دائِماً وَلَكَ الشُّكْرُ وَاصِباً أَبَداً، ثُمَّ أَنا ياإِلهِي المُعْتَرِفُ بِذُنُوبِي فَاغْفِرْها لِي. أَنا الَّذِي أَسَأْتُ أَنا الَّذِي أَخْطَأْتُ أَنا الَّذِي هَمَمْتُ أَنا الَّذِي جَهِلْتُ أَنا الَّذِي غَفَلْتُ أَنا الَّذِي سَهَوْتُ أَنا الَّذِي أَعْتَمَدْتُ أَنا لَّذِي تَعَمَّدْتُ أَنا الَّذِي وَعَدْتُ أَنا الَّذِي أَخْلَفْتُ أَنا الَّذِي نَكَثْتُ أَنا الَّذِي أَقْرَرْتُ أَنا الِّذِي اعْتَرَفْتُ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَعِنْدِي، وَأَبُوُء بِذُنُوبِي فَاغْفِرْها لِي يامَنْ لاتَضُرُّهُ ذُنُوبُ عِبادِهِ وَهُوَ الغَنِيُّ عَنْ طاعَتِهِمْ وَالمُوَفِّقُ مَنْ عَمِلَ صالِحا مِنْهُمْ بِمَعُونَتِهِ وَرَحْمَتِهِ.
فَلَكَ الحَمْدُ إِلهِي وَسَيِّدِي أَمَرْتَنِي فَعَصَيْتُكَ وَنَهَيْتَنِي فَارْتَكَبْتُ نَهْيَكَ فَأَصْبَحْتُ لا ذا بَرائةٍ لِي فَأَعْتَذِرُ وَلا ذا قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرُ فَبِأَيِّ شَيٍْ أَنْتَصِرُ فَبِأَيِّ شَيٍْ أَسْتَقْبِلُكَ يامَوْلايَ أَبِسَمْعِي أَمْ بِبَصَرِي أَمْ بِلِسانِي أَمْ بِيَدِي أَمْ بِرِجْلِي؟ أَلَيْسَ كُلُّها نِعَمَكَ عِنْدِي وَبِكُلِّها عَصَيْتُكَ يامَوْلايَ؟<.
نعم، فهكذا الله، وهكذا العبد، فهو المنعم عليه بكلّ هذه النعم وهو المذنب، فلنفكّر مرّة أخرى أننا أمام أي عظيم نرتكب الذنب والمعصية، وبأي جرأة تعدّينا على أوامره؟
أليس جدير ونحن ملوّثين بجميع هذه الذنوب أن نخاف من عذابه وانتقامه وسخطه؟ من ذنوب؛ حسب ما ورد عن المعصوم (عليه السلام) في دعائه بعد زيارة الإمام الرضا (عليه السلام)؛ أن لو اطّعلت عليها الأرض لابتعلتني، والسماء لطبقت علي، والجبال لنزلت علي، والبحار لأغرقتني([6]).
وما أفضل أن نطالع بدقّة في القرآن الكريم والروايات الشرفة والأخبار الواردة حول عقاب الذنوب وجزاء المعاصي، فربما تكون هذه المعرفة والبصيرة سبباً في تخويفنا، وهذا الخوف يكون سبباً في التوبة عن الذنوب المتقدمة، وسبباً لورعنا عن المعاصي في المستقبل.
جزاء الذنوب في القرآن الكريم:
{فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالآْخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ}([7]).
وقال تعالى:
{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}([8]).
وقال أيضاً:
{لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ}([9]).
فهؤلاء كما ذُكر في >تفسير نور الثقلين<([10])، هم قوم كانوا مؤمنين صادقين ارتابوا وشكوا ونافقوا بعد ايمانهم، وكانوا أربعة نفر، ومن أجل تكفير أخطائهم أنفقوا كل اموالهم في سبيل الله.
فيجب أن نعلم أن هذا العفو والغفران هو لأناس قد تابوا من كفرهم في دار الدنيا ورجعوا للإسلام ولا يشمل الكفّار في يوم القيامة.
{وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ}([11]).
وقال تعالى أيضاً:
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ}([12]).
جزاء السيئات والخطايا:
{بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ}([13]).
وقال تعالى أيضاً:
{وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ}([14]).
وقال سبحانه وتعالى:
{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الآْنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً}([15]).
وأيضاً:
{وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ}([16]).
جزاء النفاق والمنافق:
{وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ}([17]).
{بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً}([18]).
وقال سبحانه وتعالى:
{إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً}([19]).
{إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَْسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً}([20]).
جزاء الشرك والمشرك:
{لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً }([21]).
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}([22]).
{وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً}([23]).
جزاء الذنوب في الروايات الشريفة:
العبادات المخالفة لأوامر الحق
عَنْ أَبي عَبْدِاللّهِ قالَ: عَبَدَ اللّهُ حِبْرٌ مِن أَحْبارِ بَني إِسْرائِيلَ حَتّى صارَ مِثْلَ الْخَلالِ فَأَوْحَى اللّهُ عَزَّوَجَلَّ إِلى نَبيِ زَمانِهِ قُلْ لَهُ: وَعِزَّتي وَجَلالي وَجَبَرُوتي لَوْ أَنَّكَ عَبَدْتَني حَتّى تَذُوبَ كَما تَذُوبُ الاِْلْيَةُ في الْقَدْرِ ما قَبِلْتُ مِنْكَ حَتّى تَأتِيَني مِنَ الْبابِ الّذي أَمَرْتُكَ.([24])
نعم، العبادة الواقعية، هي التي تكون مبنية قواعدها على أوامر إلهية، والعبادة الخالية من الأوامر والبرامج الإلهية هي بدعة، والبدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
الغفلة عن أوامر الحق
عَنْ أَبي عَبْدِاللّهِ قالَ: إِيّاكُمْ وَالْغَفْلَةَ فَإِنَّهُ مَنْ غَفَلَ فَإِنَّما يَغْفَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِيّاكُمْ وَالتَّهاوُنَ لاَِمْرِ اللّهِ عَزَّوَجَلَّ فَإِنَّهُ مَنْ تَهاوَنَ بِأَمْرِ اللّهِ أَهانَهُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ([25]).
التخلّي عن أهل البيت (عليهم السلام)
عَنْ أَبي الْحَمْزَةِ قالَ لَنا عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ: أَىُّ الْبِقاعِ أَفْضَلُ؟ قُلْتُ: اللّهُ وَرَسُولُهُ وَابْنُ رَسُولِهِ أَعْلَمُ، قال: إِنَّ أَفْضَلَ البِقاعِ مابَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقامِ وَلأَنَّ رَجُلاً عَمَرَ ما عَمَرَ نُوحٌ في قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَة إِلاّ خَمْسينَ عاماً يَصُومُ نَهاراً وَيَقُومُ لَيْلاً في ذلِكَ الْمَقامِ ثُمَّ لَقَى اللّهَ عَزَّوَجَلَّ بِغَيْرِ وِلايَتِنا لَمْ يَنْتَفِعْ بِذلِكَ شَيْئاً([26]).
عَنْ أَبي عَبْدِاللّهِ (عليه السلام) قالَ: مِنّا الإمامُ الْمَفْرُوضُ طاعَتُهُ، مَنْ جَحَدهُ ماتَ يَهُودِيّاً أَوْ نَصْرانيّاً وَاللّهِ ما تُرِكَ الاَْرْضُ مُنْذُ قَبَضَ اللّهُ عَزَّوَجَلَّ آدَمَ إِلاّ وَفيها إِمامٌ يَهْتَدى بِهِ إِلَى اللّهِ حُجّةً عَلَى الْعِبادَ، مَنْ تَرَكَهُ هَلَكَ، وَمَنْ لَزِمَهُ نَجا حَقّاً عَلَى اللّهِ([27]).
اتّباع أئمة الظلم
عَنْ أَبي جَعْفَر (عليه السلام) قالَ رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): لاَُعَذِّبَنَّ كُلَّ رَعِيَّة في الاِْسْلامِ أَطاعَتْ إِماماً جائِراً لَيْسَ مِنَ اللّهِ عَزَّوَجَلَّ وَإِنْ كانَتِ الرَّعِيَّةُ أَعْمالَهَا بَرَّةً تَقِيَّةً، وَلاََعْفُوَنَّ عَنْ كُلِّ رَعِيِّة في الاِْسْلامِ أَطاعَتْ إِماماً هادِياً مِنَ اللّهِ عَزَّوَجَلَّ وَإِنْ كانَتِ الرِّعِيّةُ في أَعْمالِها ظالِمَةً مُسيئَةً([28]).
يجب أن لا ننسى هذه الملاحظة بأن اطاعة أئمة الحق يضعف ارادة الإنسان لارتكاب الذنوب تدريجياً، ويقوي ميل الإنسان لمسائل الحق، ففي هذه الحالة، تكثر الحسنات وتكون سبباً لغفران السيئات وجفاف جذور الذنوب في وجود الإنسان.
المدّعون الكاذبون
قالَ أَبُو عَبْدِاللّهِ في قَوْلِ اللّهِ عَزَّوَجَلَّ: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ} قالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إِمامٌ وَلَيْسَ بِإِمام([29]).
اعداء أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
قالَ أَبُو عَبْدِاللّهِ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ كَعابِدِ الْوَثَنِ، وَالنّاصِبُ لآلِ مُحَمَّد شَرٌّ مِنْهُ، قُلْتُ جُعِلْتُ فِداكَ وَمَنْ أَشَرُّ مِنْ عابِدِ الْوَثَنِ؟ فَقالَ إِنَّ شارِبَ الْخَمْرِ تُدْرِكُهُ الشَّفاعَةُ يَوْمَ القِيامَةِ وَإِنَّ النَّاصِبَ لَوْ شَفَّعَ فيهِ أَهْلُ السَّماواتِ وَالاَْرْضِ لَمْ يُشْفَعوا([30]).
بالطبع، يجب علينا ان نعلم ان الشفاعة في يوم القيامة تشمل الذي تاب قبل مماته وهذه حقيقة دل عليها القرآن الكريم والروايات الشريفة.
البغي، قطيعة الرحم، الحلف بالله كاذباً
عَنْ أَبي جَعْفَر (عليه السلام) قالَ: في كِتابِ عَلِىٍّ ثَلاثُ خِصال لا يَمُوتُ صاحِبُهُنَّ أَبَداً حَتّى يَرى وَبالَهُنَّ، الْبَغْيُ، وَقَطيعَةُ الرَّحِمِ، وَالْيَمينُ الكاذِبَةِ يُبارِزُ بِها([31]).
المتكبرون
قالَ أَبُوجَعْفَر (عليه السلام): اَلْعِزُّ رِداءُ اللّهِ وَالْكِبْرِياءُ إِزارُه فَمَنْ تَناوَلَ شَيْئاً مِنْهُ أَكَبَّهُ اللّهُ في جَهَنَّمَ([32]).
السرور من ارتكاب الذنب
عَنْ أَبي جَعْفَر بْنِ مُحَمَّد عَنْ أَبيهِ (عليهما السلام) قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): مَنْ أَذْنَبَ ذَنْباً وَهُوَ ضاحِكٌ دَخَلَ النّارَ وَهُوَ باك([33]).
الاستهزاء بالصلاة
عَنْ أَبى بَصير قالَ: دَخَلْتُ عَلى أُمِّ حَميدَة أُعَزّيها بِأَبي عَبْدِاللّهِ (عليه السلام) فَبَكَتْ وَبَكَيْتُ لِبُكائِها ثُمَّ قالَتْ: يا أَبا مُحَمَّد لَوْ رَأَيْتَ أبا عَبْدِاللّهِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَرَأَيْتَ عَجَباً، فَتَحَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ قالَ: أَجْمِعُوا لي كُلَّ مَنْ بَيْني وَبَيْنَهُ قرابَةً قالَتْ: فَلَمْ نتُرِكَ أَحَدٌ إِلاّ جَمَعْناهُ قالَتْ: فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ ثُمَّ قالَ: إِنَّ شَفاعَتَنا لا تَنالُ مُسْتَخِفّاً بِالصَّلاةِ([34]).
اضاعة الصلاة
عَنْ زُرارَة قالَ : سَمِعْتُ أَبا جَعْفَر (عليه السلام) يَقُولُ: دَخَلَ رَجلٌ مَسْجِداً فيهِ رَسُولُ اللّه فَخَفَّفَ سُجُودَهُ دُونَ ما يَنْبَغى وَدُونَ ما يَكُونُ مِنَ السُّجُودِ، فَقالَ رَسُولُ اللّهِ: نَقَرَ كَنَقْرِ الغُرابِ لَوْ ماتَ، ماتَ عَلى غَيْرِ دينِ مُحَمَّد([35]).
البخل والامتناع عن اداء الزكاة
عن أَبي عَبْدِاللّهِ (عليه السلام): مَنْ مَنَعَ الزَّكاةَ فَلْيَمُتْ إِنْ شاءَ يَهُودِيّاً أَوْ نَصْرانيّاً([36]).
الافطار بدون عذر
عَنْ يُونِس بن حَمادِ الرّازى قالَ: سَمِعْتُ أَبا عَبْدِاللّهِ (عليه السلام) يَقُولُ: مَنْ أَفْطَرَ يَوْماً مِنْ شَهْرِ رَمَضانَ خَرَجَ روحُ الإيمانِ مِنْهِ([37]).
ذنب اللسان
قالَ رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): يُعَذِّبُ اللّهُ اللّسانَ عَذاباً لا يُعَذِّبُ بِهِ شَيْئاً مِنَ الْجَوارِحِ فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ عَذَّبْتَني عَذاباً لَمْ تُعَذِّبَ بِهِ شَيئاً، فَيُقالُ لَهُ خَرَجْتَ مِنْكَ كَلِمَةٌ، فَبَلَغْتَ مَشارِقَ الأَرْضِ وَمَغارِبَها فَيَسْفِكُ بِها الدّمُّ الحَرامِ، وَانْتُهِبَ بِها المالُ الحَرامِ، وَانْتُهِكَ بِها الْفَرْجُ الْحَرامِ وَعِزَّتي لأُعَذِّبَنَّكَ عَذاباً لا أُعَذِّبُ بِهِ شَيْئاً مِنْ جَوارِحِكَ([38]).
طالب العدل وهو ظالم
عَنْ أَبي عَبْدِاللّهِ (عليه السلام) إِنَّهُ قالَ: إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النّاسِ عَذاباً يَوْمَ القِيامَةِ مَنْ وَصَفَ عَدْلاً وَعَمِلَ بِغَيْرِهِ([39]).
أثر الغضب السيء
عَنَ أَبي عَبْدِاللّهِ (عليه السلام) قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) الغَضَبُ يُفْسِدُ الإيمانَ كَما يُفْسِدُ الخِلُّ العَسَلَ([40]).
التعصّب
عَنْ أَبي عَبْدِاللّهِ (عليه السلام) قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) مَنْ كانَ فى قَلْبِهِ حَبَّةٌ مِنْ خَرْدَل مِنْ عَصَبِيَّة بَعَثَهُ اللّهُ يَوْمَ القِيامَةِ مَعَ أَعْرابِ الْجاهِلِيَّةِ([41]).
وجامع في القاموس في باب التعصّب أنّه قيل: >هو الشخص الذي يدافع عن ظلم قبيلته وأقربائه، ويتعصّب في غير مكانه لأهله وعشيرته، أو يدافع عنهم، والشخص الذي يصرّ على الباطل<.
مانع حق المؤمن
قالَ أَبُو عَبْدِاللّهِ (عليه السلام): يا يُونِسَ مَنْ حَبَسَ حَقَّ الْمُؤْمِنِ أَقَامَهُ اللّهُ يَوْمَ القِيامَةِ خَمْسَ مِأَةَ عام عَلى رِجْلَيْهِ حَتّى يَسيلَ مِنْ عَرَقِهِ أَوْدِيَةٌ وَيُنادي مُناد مِنْ عِنْدِ اللّهِ هذَا الظّالِمُ الّذي حَبَسَ عَنِ الْمُؤْمِنِ حَقَّهُ فَيُوبَخُ أَرْبَعينَ يَوْماً ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ([42]).
الاقتداء بالطاغوت والحب الشديد للدنيا
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: بينا عيسى ابن مريم (عليه السلام) في سياحته إذ مر بقرية فوجد أهلها موتى في الطريق والدور، فقال: إن هؤلاء ماتوا بسخط و لو ماتوا بغيرها تدافنوا قال فقال أصحابه: وددنا تعرفنا قصتهم، فقيل له: نادهم يا روح الله فقال: يا أهل القرية فأجابه مجيب منهم: لبيك يا روح الله، قال: ما حالكم و ما قصتكم؟ قال: أصبحنا في عافية و بتنا في الهاوية. فقال: ما الهاوية؟ فقال: بحار من نار فيها جبال من النار. قال: و ما بلغ بكم ما أرى؟ قال: حب الدنيا و عبادة الطاغوت. قال: و ما بلغ بكم من حب الدنيا؟ قال: كحب الصبي لأمه إذا أقبلت فرح و إذا أدبرت حزن. قال: و ما بلغ من عبادتكم الطاغوت؟ قال: كانوا إذا أمرونا أطعناهم. قال: فكيف أجبتني من دونهم. قال: لأنهم ملجمون بلجم من نار عليهم ملائكة غلاظ شداد. و أنني كنت فيهم ولم أكن منهم. فلما أصابهم العذاب أصابني معهم، فأنا معلق بشعرة أخاف أن أنكب في النار. قال فقال عيسى (عليه السلام) لأصحابه: النوم على دبر المزابل و أكل خبز الشعير يسير مع سلامة الدين([43]).
بالطبع فإن الآيات والروايات التي تبين عقاب الذنوب أكثر مما ذكرنا، ومن أراد الاطلاع أكثر فعليه أن يراجع كتب >بحار الانوار<، و>عقاب الاعمال<، و>الكافي<، و>المحجة البيضاء<.
نعم، فعندما يعلم الإنسان جزاء وعقاب الذنوب عن طريق القرآن والروايات النابعة من الوحي؛ ينتابه خوف شديد من ذلك؛ وهذا الخوف هو من أهم العوامل الرادعة لارتكاب الذنوب. وهو وسيلة لطلب المغفرة من الذنوب السابقة وتكفيرها، وهذا هو الخوف الضروري واللازم للإنسان، الذي أشار إليه القرآن الكريم والروايات:
{وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى}([44]).
الابتعاد عن الطاغوت خوفاً من الله عزوجل
عن الفضل بن الربيع قال: حج هارون الرشيد إلى بيت الله الحرام، فأتاني فخرجت مسرعاً فقلت: يا أمير لو أرسلت إلي أتيتك. فقال: ويحك قد حل في نفسي شيء فانظر لي رجلا أسأله، فقلت: ها هنا سفيان بن عيينة فقال: امض بنا إليه. فأتيناه فقرعت الباب فقال: من ذا؟ فقلت: أجب الأمير فخرج مسرعاً. فقال: يا أمير، لو أرسلت إلي أتيتك. فقال له: خذ لما جئناك له رحمك الله. فحدثه ساعة ثم قال له: عليك دين؟ قال: نعم فقال: أبا عباس اقض دينه فلما خرجنا قال: ما أغنى عني صاحبك شيئاً انظر لي رجلاً اسأله، فقلت له: هاهنا عبد الرزاق بن همام. قال: امض بنا إليه فأتيناه فقرعت الباب فقال: من هذا؟ قلت: أجب الأمير. فخرج مسرعاً فقال: يا أمير لو أرسلت إلي أتيتك قال خذ لما جئناك له فحادثه ساعة ثم قال: له عليك دين؟ قال: نعم قال: أبا عباس اقض دينه. فلما خرجنا قال: ما أغنى صاحبك شيئا انظر لي رجلاً اسأله قلت: ها هنا الفضيل ابن عياض. قال: امض بنا إليه فأتيناه فإذا وهو قائم يصلي يتلو آية من القرآن يرددها فقال: اقرع الباب فقرعت الباب
فقال: من هذا فقلت: أجب الأمير فقال: ما لي ولأمير المؤمنين فقلت: سبحان الله أما عليك طاعة? فقال: أليس قد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: ليس للمؤمن أن يذل نفسه، فنزل ففتح الباب ثم إرتقى إلى الغرفة فأطفا المصباح ثم إلتجأ إلى زواية من زوايا البيت فدخلنا فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت كف هارون قبلي إليه، فقال: يا لها من كف ما ألينها إن نجت غداً من عذاب الله عز وجل. فقلت في نفسي ليكلمنه الليلة بكلام نقي من قلب تقي. فقال: له خذ لما جئناك له رحمك الله. فقال: إن عمر بن عبد العزيز لما ولى الخلافة دعا سالم بن عبد الله ومحمد بن كعب القرظي ورجاء ابن حيوة فقال لهم إني قد ابتليت بهذا البلاء فأشيروا علي. فعد الخلافة بلاء وعددتها أنت وأصحابك نعمة فقال له سالم بن عبد الله: إن أردت النجاة غداً من عذاب الله فصم عن الدنيا وليكن إفطارك من الموت، وقال له محمد بن كعب القرظي: إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أبا وأوسطهم عندك أخا وأصغرهم عندك ولدا فوقر أباك واكرم أخاك وتحنن على ولدك. وقال له رجاء ين حيوة: إن اردت النجاة غداً من عذاب الله عز وجل فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك ثم مت إذا شئت. وإني أقول لك أني أخاف عليك أشد الخوف يوم تزل فيه الأقدام فهل معك رحمك الله من يشير عليك بمثل هذا؟ فبكى هارون بكاء شديدا حتى غشي عليه فقلت له أرفق بالأمير
فقال: يا ابن أم الربيع تقتله أنت وأصحابك وارفق به أنا ثم أفاق فقال له: زدني رحمك الله فقال: يا أمير بلغني أن عاملاً لعمر بن عبد العزيز شكا إليه فكتب إليه عمر يا أخي أذكرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد وإياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد وانقطاع الرجاء قال فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر بن عبد العزيز فقال له ما أقدمك قال خلعت قلبي بكتابك لا أعود إلى ولاية أبدا حتى ألقى الله عز وجل. قال فبكى هارون بكاء شديدا ثم قال له: زدني رحمك الله. فقال: يا أمير المؤمنين إن العباس عم المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله أمرني على إمارة فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة فإن استطعت أن لا تكون أميرا فافعل. فبكى هارون بكاء شديدا وقال له : زدني رحمك الله. فقال: يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عز وجل عن هذا الخلق يوم القيامة فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من اصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة. فبكى هارون وقال له : عليك دين؟ قال: نعم دين لربي يحاسبني عليه فالويل لي إن سألني والويل لي إن ناقشني والويل لي إن ألهم حجتي. قال: إنما اعني دين العباد .قال إن ربي لم يأمرني بهذا، أمر ربي أن أوحده وأطيع أمره، فقال عز وجل:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}([45]) فقال له: هذه ألف دينار خذها فأنفقها على عيالك وتقو بها على عبادتك. فقال: سبحان الله أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا? سلمك الله ووفقك. ثم صمت فلم يكلمنا فخرجنا من عنده فلما صرنا على الباب قال هارون: أبا عباس إذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا، هذا سيد المسلمين. فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت يا هذا قد ترى ما نحن فيه من ضيق الحال فلو قبلت هذا المال فتفرجنا ببه. فقال لها: مثلي ومثلكم كمثل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه فلما كبر نحروه فأكلوا لحمه. فلمّا سمع هارون هذا الكلام قال: ندخل فعسى أن يقبل المال فلما علم الفضيل خرج فجلس في السطح على باب الغرفة فجاء هارون فجلس إلى جنبه فجعل يكلمه فلا يجيبه فبينا نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء فقالت: يا هذا قد آذيت الشيخ منذ الليلة فانصرف رحمك الله فانصرفنا.
يقول >ابو المحاسن< لنا قصة حول خوف الفضيل من مقام الله سبحانه وتعالى، عن بُشر الحافي؛ فيقول: كنت مع الفضيل في الحج، فبقينا معاً إلى منتصف الليل، ثم قام وطاف بالبيت حتى مطلع الفجر، فقلت له: يا أبا علي، ألا تريد النوم؟ فأجاب: الويل لمن سمع نار جهنم، كيف ترتاح روحه أن تنام؟([46])
وفي هذا المجال هناك حكاية منقولة تتضمن نفس الحالة، وهي:
بعث >تيمور گوركاني< أحد خوّاصه عند الشيخ >زين الدين تايبادي<، واراد ملاقاته. فأجاب الشيخ: مالنا والأمير، فاضطر تيمور أن يأتي بنفسه إلى الشيخ. فنصحه الشيخ في هذا اللقاء. فقال تيمور: يا شيخ! لِمَ لم تنصح >الملك غياث الدين<؟ فأجابه الشيخ: بلى، قد فعلت، ولكنه لم يستمع إلى ذلك. فسلّطك الله عليه، وإن أنت لم تحكم بين عباد الله بالعدل، يسلّط الله عليك آخر. فسأل تيمور: ومن يسلّط علي؟ فأجابه الشيخ: عزرائيل([47]).
([2]) أمالي الشيخ الصدوق: 27، المجلس الثامن، حديث3؛ بحار الانوار: 14/166، باب قصص زكريا ويحيى (عليهما السلام) حديث4.
([24]) ثواب الاعمال: 203، باب عقاب من اتى الله من غير بابه، بحار الانوار: 27، 176، باب 7، حديث23، اعلام الدين400
([25]) ثواب الاعمال: 203، باب عقاب المتهاون بأمر الله سبحانه، بحار الانوار:69/227، باب 112 حديث 3، المحاسن: 1/96، باب23، عقاب من تهاون بامر الله.
([27]) ثواب الاعمال وعقاب الاعمال:205، عقاب من مات ولا يعرف امامه، بحار الانوار: 23/85، باب4، حديث27، المحاسن: 92، باب 17 عقاب من لم يعرف امامه.
([28]) بشارة المصطفى:217 باب بشارة المصطفى لشيعة المرتضى الاختصاص:259، حديث في زيارة المؤمن لله، بحار الانوار: 25/110، باب 3 حديث1.
([30]) ثواب الاعمال: 207، باب عقاب الناصب والجاحد لأمير المؤمنين، بحار الانوار: 27/234، باب 10، حديث46.
([31]) الكافي: 2/347، باب قطيعة الرحم، حديث4، وسائل الشيعة: 23/202، باب تحريم اليمين الكاذبة، باب تحريم اليمين الكاذبة، حديث 29382/ الخصال: 1/124، باب الخصال الثلاثة: حديث119.
([33]) ثواب الاعمال: 223، باب عقاب من اذنب وهو ضاحك، بحار الانوار: 6/36، باب التوبة وانواعها وشرائطها، حديث57.
([37]) من لا يحضره الفقيه: 2/118، باب ما يجب على من أفطر، حديث 1892، وسائل الشيعة: 10/251، باب 2 من افطر في شهر رمضان، حديث13337.
([38]) الكافي: 2/125، باب الصمت وحفظ اللسان، حديث16، وسائل الشيعة: 27/21، باب عدم جواز القضاء والافناء حديث33103، بحار الانوار 68/304 باب السكوت والكلام، حديث 80.
([39]) الكافي: 2/300، باب من وصف عدلاً وعمل به غيره، حديث2، وسائل الشيعة15/296 باب انه لا يجوز لمن وصف عدلاً، حديث 20556.
([41]) الكافي:2/308 باب العصبية حديث3، بحار الانوار: 70/284، باب 133 العصبية والفخر، وسائل الشيعة: 15/370، باب 57 تحريم التعصب.