أهل البيت^ أئمة الإنسانية
من خصائص كوكب الأرض وربما بعض الكواكب الأخرى هي وفرة المعادن فيها من قبيل الذهب والفضة والعقيق والفيروز والماس والحديد. أن جميع البشر يعتبرونها عناصر ذات أهمية بالغة جدا ولهذا فهي غالية ومفيدة ولها دور أساسي في اقتصاد الناس وحياتهم كما أن وجود مناجم لها في هذه البقعة من الأرض وتلك الدولة يؤثر بشكل كبير على اقتصاديات الدول ومركزها وأهميتها العالمية.
من هنا أصبح البحث عن المناجم والخبرة في العثور عليها وطريقة استخراج المواد الخام وتنقية فلزاتها وتسويق المواد المستخرجة كل هذا وغيره أصبح ذا أهمية في حياة الناس وكان البشر منذ القدم يقومون بهذا النشاط ويبذل الإنسان جهودا مضنية ويتحمل المشاق في سبيل ذلك.
ومن المعادن التي حازت أهمية بالغة في حياة الإنسان ومستقبلة هو الذهب ولهذا نرى الإنسان ومنذ عصور قديمة يبحث عن مناجم الذهب وكان الكثيرون يتحملون المشاق من اجل استكشاف المناطق التي يوجد فيها مناجم للذهب من أجل استخراجه والذهب وغيره لا يوجد نقيا في الطبيعة إنما هو على شكل خامات مليئة بالشوائب ولهذا فانه يستخرج من مناجم الذهب مواد خام تتعرض إلى عمليات للتنقية قبل أن يتحول إلى سبائك نقية.
ومن هذه السبائك ويقوم الفنانون والحرفيون والصاغة في العمل على هذه السبائك وصناعة الخواتم والقلائد أو وضعه في البنوك كسيولة لدعم العملة وتسيير اقتصاد البلد إضافة إلى صناعة الحلي وتلبية غريزة الإنسان في الجمال .
وبهذا المناسبة نشير إلى إن السماوات والأرض هي بمثابة منجم وان الخبير إلاوحد فيه هو الله عز وجل.
ومن هذا المنجم قام الله سبحانه باستخراج عنصرا ذهبيا هو الإنسان فخلقة وجعله خليفة له في كوكب الأرض يقوم باستثمار طاقاته وما أودعه لله فيه من قابليات من اجل تحقيق خلافته في إعمار الأرض وفي بناء حياة كريمة في الدنيا وتأمين السعادة الأبدية في الآخرة.
وكان من واجب الإنسان في الأرض أن يفجر طاقاته وما أودعه الله فيه من قوى في طريق الإيمان فتتجلى في وجوده صفات الله الذي استخلفه في الأرض وأمره بإعمارها.
وهذه المهام لا تتحقق إلا بوضع سبيكة الإنسانية والطاقات الآدمية تحت تصرف قادة ومعلمين ربانيين اصطفاهم الله لهداية الناس وتوجيههم إلى معرفة الحقائق لصياغة كائن الهي مما أودعه الله في النفوس الآدمية من قابليات وطاقات خام وقدرة على السمو.
إن الله سبحانه شاء برحمة منه أن يختار لبناء الإنسانية خبراء ربانيين يهدون الناس إلى بناء صروح الخير والجمال وهم أهل البيت^.
ما الذي حصل فيسلم الإنسان خامات ذهب إلى صاغة غير مؤتمنين يلوثون نفوسهم وأرواحهم.
وما أسوأ أن يسلم المرء نفسه بأيدي اللصوص وقطاع الطريق طريق الإنسانية، نعم ما أسوأ أن يسلم المرء نفسه بأيدي المغيرين الذين لا ينفكون يغيرون على القيم النبيلة، وحينئذ فإن هؤلاء سوف يحيلون الإنسان إلى غول أو في أحسن الأحوال إلى حيوان وما هو أسوأ وأحط من الحيوان.
تعالوا أيها الناس إلى أن نطرد الفراعنة والطغاة من أمثال نمرود وقارون وأبي لهب وأبي جهل والأمويين والعباسيين، وعملاء الشرق والغرب المعاصرين، تعالوا نطردهم من وجودنا وحياتنا، تعالوا نسلم أنفسنا بأيدي الأنبياء والأئمة الأطهار من أجل أن يصوغوا من سبائك وجودنا أناساً طيبين من أمثال سلمان وأبي ذر وبرير وزهير وميثم ورشيد الهجري وحجر بن عدي و ....
أسلم قلبك لعشق الواحد |
|
واترك القطرة تأخذ طريقها إلى البحر |
والى أن لا يبقى من العاشقين أثر |
|
سلّم تربة مجنون إلى ماء ليلى |
وأوقف روح فرهاد على شير بن |
|
واجعل من قلب وامق مهراً لعذراء |
وخذ بايدي الزاهدين إلى الحور والقصور |
|
واجعل العشاق يلتقون |
فؤادي من فراقك ما عاد يخفق |
|
فيا روحي افتح على فؤادي لحظة |
حتى يحترق وهج وجهك |
|
هبه فيضاً اللرؤية والنظر |
أيها الزاهد أسلم قلبك لقصة العشق |
|
والحديد العتيق للحلوى |
فإلى متى تصنع من كل هوى صنما |
|
أسلم فؤادك لله الواحد الأحد |
أهل البيت قدوة السالكين
أشرنا فيما مضى إلى أن السالك في درب الحبيب يجب عليه أن يجعل من أهل البيت^ القدوة له والمثال في كل شؤون حياته.
إن الله وهو أرحم الراحمين قد بيّن طريق الوصول إلى كسب الفضائل، ثم أمر عباده أن يسلكوا طريق الكمال مقتدين بالأئمة المعصومين، فمن أراد بلوغ الكمال فعليه أن يحذو حذوهم وأن يسلك طريقهم، وهذا لا يعني أنه يمكن لمن يسلك الطريق طريق أهل البيت أن يبلغ ما بلغوه من درجات الكمال، فلقد بلغ أهل بيت النبي’ مرتبة لم يبلغها حتى عبدالله جبريل مع منزلته الرفيعة، إذ قال للنبي’ في قصّة المعراج:
«لو دنوت أنملة لاحترقت»([55]).
أسوة الإنسانية
إن الله عز وجل، اصطفى أهل البيت^ وجعلهم للإنسانية جمعاء قدوة وأسوة، حتى يمكن لمن أراد التكامل أن يقتدي بهم كل حسب سعته وطاقته قال سبحانه وتعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها}([56]).
وقد قيل في تأويل هذه الآية الكريمة أن الله عز وجل أنزل من العالم العلوي ماء الحياة والعلم والمعرفة فتتلقى النفوس من ذلك كل حسب قدرها، فإن كان الوادي فسيحاً بعيد الغور، وكانت له سعة كبيرة فإنّه حظة من المعرفة والعلم والكمال، كان كبيراً وكان بإمكانه أن يتدرج في مدارج الكمال حتى يصل مقام المحسنين، وإذا كان الله سبحانه وتعالى يقول: {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}([57]).
فإن ذلك لا يعني نفس الرسول فقط؛ لأن موضوع الأسوة ينتقل إلى أوصيائه وخلفائه بالحق، وهم الأئمة الأطهار من أهل بيته^، فمقام الأسوة ليس مقاماً شخصياً مرتبطاً بشخص النبي’ وإنما هو مقام حقوقي ينتقل إلى أهل بيته وأوصيائه، وعلى السالك في طريق الولاية أن يعرف أن الأنس بملائكة الغيب وسماع تسبيحهم لا يحصل إلا بالتأسي بالنبي’ وبآله الأطهار والاقتداء بهم، ذلك أنّهم قد طووا هذا الطريق ولا يمكن لغيرهم طيّه إلا بالاقتداء بهم والسير على خطاهم، قال رسول الله’:
«الروح والراحة والرحمة والنصرة واليسر واليسار والرضا والرضوان، والمخرج والفلج والقرب والمحبّة من الله ومن رسوله لمن أحب علياً وائتم بالأوصياء من بعده»([58]).
وعن الإمام علي بن موسى الرضا× قال:
«من سرّه أن ينظر إلى الله بغير حجاب وينظر الله إليه بغير حجاب فليتولّ آل محمد’ وليتبرأ من عدوهم وليأتم بإمام المؤمنين منهم، فإنه إذا كان يوم القيامة نظر الله إليه بغير حجاب ونظر إلى الله بغير حجاب»([59]).
إن أهل البيت^ قد طووا جميع المراحل وبلغوا جميع المقامات واجتازوا جميع دروب العبودية وكل طرق الفضيلة، بكل إخلاص فأصبحوا أسوة وقدوة للجميع.
إنهم قد بلغوا المرحلة التي فيها القرآن كثير فهم مشرفين على هذه الكثرة وفي المرحلة التي فيها بسيط فهم شهود على هذه البساطة ذلك أن حقيقتهم هي ذاتها حقيقة القرآن وبد ونهم لا يمكن إدراك القرآن، ويكون بلوغ مقام القرب أمراً مستحيلاً.