أهل البيت الأسمى والأفضل
من بين كائنات الوجود ما هي الكائنات التي هي من حيث الخلقة مادية محضة وما هي الكائنات التي هي مفعمة بالنور تزخر بالوجود المعنوي وما هي الكائنات التي هي مزيج من المادة واللامادة وما هي الأسمى وما هي الأفضل؟
إنّ سبب التسامي وعلّة الأفضلية بين هذه الأنواع الثلاثة من الوجودات هو إما انتخاب الحق له أو بسبب سعة الوجودية أو الإيمان الكامل والتام واليقين الشامل والجامع و العمل الجدير وبسبب آخر وعلّة أخرى خفيت علينا ومن أجل توضيح الموضوع أكثر نشير إلى الأسمى والأفضل لكل نوع من هذه الأنواع:
أفضل البقاع
أشار القرآن الكريم وكذا ما ورد في الروايات إلى أن أفضل بقاع الأرض بقعة لها شأن عظيم وقد كرمها الله وجعلها أفضل البقاع وجعلها الله سبحانه محلاً لأداء العبادة كبرى يؤديها المؤمن في أيام معدودات وجعل لهذه الأعمال من الثواب العظيم والأجر الكريم ما يعجز عن تصوره البشر، وحذّر من انتهاك حرمتها وأنذر من فعل ذلك بالعقاب الأليم وما هي هذه البقعة إلا الأرض التي تنهض عليها الكعبة العظمى بيت الله الحرام.
الكعبة الشريفة
أختار الله سبحانه وتعالى هذه البقعة لتنهض عليها الكعبة بيته الحرام فكانت بقعة مقدسة شريفة.
قال الإمام الصادق×: >إنّ الله اختار من كل شيء شيئاً واختار من الأرض موضع الكعبة<([25]).
وشاء الله عز وجل أن يكون أول بيت له في هذه البقعة المباركة المقدسة وشاء الله سبحانه أن تكون في هذه الأرض مدينة مباركة يعمّ خيرها للعالمين فمنها انبثق النور ... نور الهداية الإلهية للناس أجمعين.
فأضحت هذه البقعة مصدر النور الحقيقي، وحيث مقام إبراهيم الخليل والمكان الآمن الذي يشعر فيه الإنسان بالطمأنينة والسلام قال عز من قائل: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً}([26]).
إنّ مكة المكرمة وقد احتضنت بيت الله الحرام أصبحت مركز إشعاع للنور الإلهي والأمن والسكينة، قال الإمام الصادق×: >من أتى الكعبة فعرف حقها وحرمتها لم يخرج من مكة إلا وقد غفر الله له ذنوبه وكفاه الله ما يهمه من أمر دنياه وآخرته<([27]).
أشرف الأزمنة
يلفت القرآن الكريم نظر الناس إلى أزمنة وأوقات في السنة ويحث المؤمنين إلى الإهتمام بها لما فيها من عظيم الثواب وجزيل الشكر من قبيل ليلة القدر([28]) والأيام العشرة الأول من شهر ذي الحجة الحرام([29]) وأيام الله([30]) فهذه فرص فريدة لكسب الثواب والتقرب إلى الله عز وجل بالعبادة والتقوى والورع والإنابة إلى إليه عز وجل.
ليلة القدر
جاء عن النبي’ قوله: >تفتح أبواب السماوات في ليلة القدر فما من عبد يصلي فيها إلاّ كتب الله تعالى له بكلّ سجدة شجرة في الجنة»([31]).
العشرة الأوائل من ذي الحجة الحرام
إنّ العشر الأوائل من ذي الحجة الحرام من الأيام المعلومات كما ورد ذلك في القرآن الكريم([32]) وهي من أفضل الأوقات لأداء عمرة التمتع والحج واليوم التاسع منها هو يوم عرفة وليلة العاشر هي ليلة البينونة والواجب أدائها في المشعر واليوم العاشر يوم الأضحى المبارك.
وعندما يطل شهر ذي الحجة الحرام ترى عباد الله الصالحين والمؤمنين ينهضون للعبادة كأفضل ما يكون يعبدون الله ويستغفرونه وينيبون إليه ويتضرعون فهم إما في حالة دعاء ومناجاة أو في حالة ركوع وسجود وصلاة؛ خاشعين لله يسبحون آناء الليل وأطراف النهار، لأنها من أفضل الأيام، فهي مفعمة بالبركات والخيرات، وقد جاء في الأثر عن سيدنا ونبينا محمد’ أنه قال: >ما من أيام العمل أحب إلى الله عز وجل من أيام هذه العشرة<([33]).
ولهذا يقوم المؤمن للصلاة في هذه الأيام بهمة ونشاط وإخلاص ويعمل ما وسعه من أعمال الخير.
أيام الله
أيام الله أيام تتألق بالدروس والعبر مزدانة بالآيات فهي أيام انتصار وأيام عبر أيام لها طعم الشهد أو مذاق الحنظل، أيام سرور وأيام حزن مرير، أيام تتدفق فيها الرحمة كالنبع البارد، وأيام تتأجج بغضب الله كبركان ثائر ... أيام رحمة للمؤمنين، وأيام غضب يعصف بالكافرين والمنافقين.
إنّ الاستعبار بأيام الله والتأمل في تلك الحوادث الكبرى واستلهام الدروس والعبر هو من الأعمال المطلوبة من الإنسان المؤمن لأن ذلك مما يزيد في وعي الإنسان وينمي إدراكاته، فيدرك حركة التاريخ ويتفهم غائية الرسالات الإلهية فتصحو الأمم وتنهض الشعوب ويقوم الناس لله رب العالمين، قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ}([34]).
وإضافة إلى ما ورد آنفاً فإن أفضل الأوقات للعودة إلى الحق والإنابة إلى رب الأرباب والتوبة إلى الله عز وجل هو هذه الأيام المباركة، وهذا ما أشارت إليه الآثار عن الأئمة الأطهار^ .
([1]) سورة الشورى: الآية 23 {ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}.
([2]) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 455؛ المحاسن 1/90 ب16 حديث 40، بحار الأنوار: 27/177 باب 7 حديث 24.
([8]) ينابيع المودة : 1/95، باب 4، حديث 6؛ فرائد السمطين: 2/423 حديث 517؛ جامع الأخبار: 14، الفصل الخامس وجاء في الأمالي للصدوق: 269، المجلس الخامس والأربعون، حديث 18، ولكن مدينة العلم جاء بدلها مدينة الحكمة.