المناقشة في الكتب لا تقدح بمؤلّفيها :
السؤال : نحن الشيعة نؤمن بمذهبنا 100% ، ولا عندنا أيّ شكّ ، ولكن هناك من يأتي من بعض أهل السنّة ، ليشكّك بالمذهب عن طريق الكتب الأربعة لدينا ـ الكافي وغيره ـ في الروايات الواردة فيها عن تحريف القرآن
|
الصفحة 283 |
|
الكريم ، فكيف يكون الجواب عليهم ؟ وهل هذا الكلام صحيح بكتاب الكافي وصاحبه الكلينيّ ؟
قال الأردبيليّ في ترجمته : ( محمّد بن يعقوب بن إسحاق أبو جعفر الكلينيّ، خاله علان الكلينيّ الرازيّ ، وهو شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم ، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم ، صنّف كتاب الكافي في عشرين سنة ) (1) .
والفيض الكاشانيّ : ( أمّا الكافي فهو وإن كان أشرفها وأوثقها ، وأتمّها وأجمعها ، لاشتماله على الأُصول من بينها ، وخلوّه من الفضول وشينها ... ) (2) .
وأمّا تفسير القمّيّ ، وصاحبه الشيخ القمّيّ :
قال النجاشيّ في الفهرست : ( ثقة في الحديث ، ثبت ، معتمد ، صحيح المذهب ، سمع فأكثر ، وصنّف كتباً ) (3) .
وأمّا المجلسيّ ، وكتبه المعتمدة الموثوقة :
قال الأردبيليّ عنه : ( محمّد باقر بن محمّد تقيّ بن المقصود علي الملقّب بالمجلسيّ ، أُستاذنا وشيخنا ، شيخ الإسلام والمسلمين ، خاتم المجتهدين ، الإمام العلاّمة ، المحقّق المدقّق ، جليل القدر ، عظيم الشأن ، رفيع المنزلة ، وحيد عصره ، فريد دهره، ثقة ، ثبت ، عين ، كثير العلم ، جيّد التصانيف ... له كتب نفيسة جيّدة ... منها : كتاب بحار الأنوار المشتمل على جلّ أخبار الأئمّة الأطهار ) (4) .
وأخيراً الإمام الطبرسيّ :
حسين محمّد تقيّ الدين النوريّ الطبرسيّ ، المتوفّى سنة 1320هـ ،
____________
1- جامع الرواة 2 / 218 .
2- الوافي 1 / 6 .
3- رجال النجاشيّ : 260 .
4- جامع الرواة 2 / 78 .
|
الصفحة 284 |
|
ومن مؤلّفاته : مستدرك الوسائل وفصل الخطاب .
قال آقا بزرك الطهرانيّ : ( هو الشيخ الميرزا حسين بن الميرزا محمّد تقيّ بن الميرزا علي محمّد بن تقيّ النوريّ الطبرسيّ ، إمام أئمّة الحديث والرجال في الأعصار المتأخّرة ، ومن أعاظم علماء الشيعة ، وكبار رجال الإسلام في هذا القرن ) (1) .
الجواب : إنّ المبنى عند أكثر الشيعة أن يخضع كلّ كتاب إلى البحث في السند والدلالة ، ولا يوجد كتاب صحيح من أوّله إلى آخره غير القرآن الكريم .
والعلماء الأعلام قديماً وحديثاً جمعوا الأحاديث ، ورتّبوها حسب المواضيع الفقهيّة ، والعقائديّة والأخلاقية و... ، وجمعهم لهذه الأحاديث ، لا يعني قولهم بصحّة جميعها ، وإنّما جمع الكثير من العلماء الأحاديث للحفاظ عليها ، وإيصالها إلى الأجيال الأُخرى ، وحتّى الذين جمعوا ما اعتقدوا صحّته ، فإنّه يتماشى مع مبانيهم في التصحيح والتضعيف ، فإذا اختلفت المباني اختلفت النتائج .
ولا يُفهم من عدم قبولنا لجميع الأحاديث ، قدحنا في مؤلّفي تلك الكتب ، فإنّهم وكما نقلت من أقوال : علماء أتقياء ، ولكن الاجتهاد شيء آخر ، فلا نخلط بين أن يكون المؤلّف عالماً ورعاً تقيّاً ، وبين مناقشتنا لما جاء في كتابه ، فلا منافاة بينهما ، بالأخصّ مع اختلاف المباني ، وباب الاجتهاد مفتوح .
هذا ، وإنّ الكتب الأربعة هي : الكافي للكليني ، ومن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ، والتهذيب والاستبصار للشيخ الطوسيّ ، وليس تفسير القمّيّ ، ولا مؤلّفات المجلسيّ والنوريّ والطبرسيّ من الكتب الأربعة .
وأمّا كتاب فصل الخطاب ، فإنّه جمع فيه من أحاديث أهل السنّة في التحريف ، أكثر ممّا جمعه وأورده من مصادر الشيعة ، هذا أوّلاً .
وثانياً : فقد ألّف علماء الشيعة عدّة كتب في ردّ كتاب فصل الخطاب .
____________
1- مستدرك الوسائل 1 / 41 .
|
الصفحة 285 |
|
وثالثاً : ألّف السجستانيّ كتاب المصاحف ، وابن الخطيب كتاب الفرقان ، أثبتا فيه التحريف ، وكلاهما من علماء أهل السنّة .
ونحن نرفض أي قول في التحريف أيّاً كان قائله .
( موالي . الكويت . 19 سنة . طالب )
السؤال : ما مدى صحّة هذه الرواية ، علماً بأنّ العامّة يتّهموننا ، بأنّنا نروي عن الحمير :
روى الكلينيّ في أُصول الكافي هذه الرواية عن الحمار يعفور ، وهي : أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) مسح على كفل حماره ، فبكى الحمار ، وسأله النبيّ (صلى الله عليه وآله) : ما يبكيك ؟
فردّ الحمار قائلاً : حدّثني أبي عن جدّي ، عن أبيه عن جدّه ، عن الحمار الأكبر الذي ركب مع نوح في السفينة : أنّ نبيّ الله نوح مسح على كفله ، وقال : يخرج من صلبك حمار يركبه خاتم النبيّين ، فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار .
الجواب : قال ثقة الإسلام الكلينيّ S ـ بعد ذكره لرواية أشير فيها إلى أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يملك حماراً اسمه ( عفير ) ـ : وروي أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : ( إنّ ذلك الحمار كلّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال : بأبي أنت وأمّي ، إنّ أبي حدثني ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أبيه أنّه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال : يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيّد النبيّين وخاتمهم، فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار ) .
هذه هي الرواية التي ذكرها الكلينيّ S في الكافي ، ولا أدري ما هو إشكال الخصم فيها ، فإن كان إشكال في أنّها ذكرت أنّ للنبيّ (صلى الله عليه وآله) حمار اسمه عفير ، فهذا ما ذكره غير واحد من علمائه كالقاضي أبي الفضل عياض ابن موسى الحصبيّ ( ت 544 هـ ) حيث قال : ( وما روى عن إبراهيم بن حمّاد بسنده من كلام الحمار الذي أصابه بخيبر وقال له : اسمي يزيد بن شهاب ، فسمّاه
|
الصفحة 286 |
|
النبيّ يعفوراً ) ، وابن الأثير في أسد الغابة ( 1 / 140 ) : ( كان له حمار أخضر اسمه عفير وقيل يعفور ) والمناويّ في فيض القدير : ( وكان له حماراً اسمه عفير ) وغيرهم .
وإن كان إشكال الخصم ـ كما ذكرت ـ أنّنا نروي عن الحمير ، فما أجهل صاحب هذا الإشكال حيث إنّه لا يفرّق بين سند الرواية ومتنها ، فهذه الرواية مرسلة كما هو واضح من قول الكلينيّ S : ( وروي أن أمير المؤمنين قال : ... ) ، وما ذكر في الرواية من قول الحمار : ( إن أبي حدثني ، عن أبيه ...) هو داخل متن الرواية الذي بدأ من قول المرويّ عن أمير المؤمنين (عليه السلام): ( إنّ ذلك الحمار كلّم رسول الله ... ) إلى آخر الرواية ـ وليس سنداً لها .
وإن كان إشكال البعض في هذه الرواية من حيث إنها ذكرت تكلّم الحمار مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فما أبعد صاحب هذا الإشكال عن كتاب الله وما ذكره من تكلّم سيلمان (عليه السلام) مع الهدهد ، ونبيّنا أفضل من سليمان . ويظهر أن صاحب الإشكال لا يعلم بما في صحاحه ، حيث روى البخاريّ في صحيحه (1) تكلّم البقرة والذئب بمرأى ومسمع من الصحابة فتعجّبوا وقالوا : ( سبحان الله بقرة تتكلم ؟! ... سبحان الله ذئب يتكلّم ؟! ... ) .
وفي الختام نذكر ما رواه ابن عساكر ـ وهو من أعلام القوم ـ في تاريخ مدينة دمشق ( 4 / 232 ) : ( ... عن أبي منظور قال : ... فكلّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحمار ، فكلّمه الحمار ، فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله) : ما اسمك ؟ قال : يزيد بن شهاب ، أخرج الله عزّ وجلّ من نسل جدّي ستين حماراً كلّهم لم يركبهم إلا نبي ، قد كنت أتوقعك أن تركبني ، لم يبق من نسل جدّي غيري ، ولا من الأنبياء غيرك ... قال له النبيّ (صلى الله عليه وآله) : فأنت يعفور ، يا يعفور ، قال : لبيك ... ) .
( سعد الربيعي . ألمانيا . ... )
____________
1- صحيح البخاري 4 / 149 .
|
الصفحة 287 |
|
الكتب الأربعة والكلام في أسانيدها :
السؤال : هناك قول منسوب إلى شرف الدين الموسويّ ، لا أعلم أين ذكر ، فهل هو صحيح ؟ وما تفسيره ؟
وهو : قال عبد الحسين شرف الدين الموسويّ : الكافي والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه والتهذيب متواترة .. مقطوع بصحّة مضامينها ، والكافي أقدمها وأعظمها وأحسنها وأتقنها .
فهل هذا القول صحيح ؟ وإذا كان صحيحاً ، فما معنى قوله : مقطوع بصحّة مضامينها ؟ هل أنّ كلّ ما ورد فيه من أحاديث هي صحيحة ؟ أرجو موافاتي بالإجابة بالسرعة الممكنة ، مع احترامي وتقديري ، وبارك الله فيكم .
الجواب : إنّ الرأي المعتمد عند الشيعة هو : أنّ كلّ حديث يخضع للبحث في السند والدلالة ، وما إلى ذلك من الأُصول ، مثل العرض على الكتاب ، ودراسة تاريخيّة لزمن صدور الحديث .
وذهب جماعة من المحدّثين إلى أنّ روايات الكتب الأربعة قطعية الصدور .
وذهب البعض ـ ومنهم السيّد شرف الدين (قدس سره) ـ إلى أنّ الكتب الأربعة مقطوع بصحّة مضامينها ، بمعنى : أنّ الأحاديث الضعيفة فيها والغير معتمدة ، تؤيّدها بنفس المضمون أحاديث أُخرى صحيحة السند ، فتكون المضامين مقطوع بصحّتها .
وكما قلنا : فإنّ الرأي المعتمد عند الشيعة ـ وعليه أكثر المتأخّرين ـ يخالف هاتين النظريتين ، وهذا القول لا يقدح بالكتب الأربعة ، وكما ربما يتوهّمه بعض الجهلة ، فإنّ المبنى الصحيح والموافق للعقل عند الشيعة ، فتح باب الاجتهاد واستمراره ، فإذا اجتهد أيّ عالم في أيّ مسألة ، فيحقّ للمجتهد الآخر مناقشة ما توصّل إليه الآخر ، وتأييده أو نقضه ، والمسائل الرجالية أيضاً من هذا القبيل .
|
الصفحة 288 |
|
وهذا البحث المبنائيّ ، ينجرّ أيضاً لمناقشة مباني أهل السنّة القائلين بصحّة البخاريّ ومسلم ، إذ كيف يمكن دعوى القطع بصدور رواية رواها واحد عن واحد ، ولاسيّما أنّ في الرواة من هو معروف بالكذب والوضع ، ولا أقلّ نجزم بوجود رواة مختلف فيهم ، فأيّ دليل يلزمنا أن نقلّد البخاريّ ومسلم فيما اجتهدا فيه ؟! بالأخصّ مع علمنا بوجود روايات متناقضة أشدّ التناقض فيما بين البخاريّ ومسلم ، بل في كلّ من البخاريّ ومسلم .
( بدر الدين . المغرب . ... )