النظرة السطحية للمجتمعات الشرقية و العربية ، تقودنا إلى الحكم بأن نظرة المتعلمين فيها للمرأة و الأسرة ، تتلخص باتجاهات عدة أهمها ثلاثة:
أولاً ، الاتجاه السلفي المحافظ :
يضم هذا الاتجاه
رجال الدين المحافظين التقليديين ، الذين ينطلقون من مسلمات نظرية مبنية على أسس ، تعتبر في نظرهم خالدة ، لا تخضع للتغيير لا في زمان ولا في مكان ، و المثل الأعلى عندهم لمرأة اليوم كما هو لمرأة الأمس تلك التي تروى الأخبار عنها منذ ما يزيد على الألف عام ، و سمات آرائها الرئيسية هي:
1- دونية المرأة و نقصان عقلها و دينها و ضعف جسمها و إيمانها ، و هي تابعة للرجل و مخلوقة للإنجاب ، و تلقي البذر كالأرض .
2- إبقاء المرأة حبيسة بيتها ، و ضمن حجابها ، و إبعادها عن الاختلاط في الحياة الاجتماعية العامة، إلا في الضرورة ولأضيق الحدود، و لهذا لا حاجة لها لأنواع معينة من العلوم ، التي تتعلق بأسرتها و دينها و لا حاجة لها بالعلوم التقنية ، التي لم تؤهل لها أصلاً.
3- المرأة في طبيعتها و تكوينها مصدر الشهوة و الإثارة و الشرور ، و لهذا لا بد من التزامها وخ ضوعها إلى مجموعة من التقيدات ، التي تحكم تصرفها ، لإبقاء الحاجز الطبيعي و النفسي بينها و بين مجتمع الرجال.
ثانياً ، الاتجاه المعتدل :
و هذا الاتجاه يقر بمدى التخلف و الظلم ، الذي تعانيه المرأة بصورة عامة في المجتمعات العربية ، و يرى لزوم تمتعها بالحريات مع الإقرار ضمناً بعدم قدرتها على مجاراة الرجل ،ريال و بلزوم التمييز بين الجنسين في الأدوار الموكلة لكل منهما في المجتمع.
ثالثاً ، الاتجاه التقدمي :
و أصحاب هذا الاتجاه ، يرون أن مشكلة المرأة و الأسرة مشكلة المجتمع بأسره ، و إن حل هذه المشاكل لا يتم غلا من خلال عملية الصراع الاجتماعي ، الذي تشترك فيه المرأة مع الرجل لقلب الأوضاع المتخلفة ابتداءً بالمفاهيم الموروثة و انتهاءً بالفئات المتحكمة عن طريق الوراثة و التقليد ، فهم دعاة تحرير المرأة من الظلم و الاضطهاد و مساواتها بالرجل.
و نحن لا نلوم المستشرقين و بعض الباحثين على استخلاص هذه النتائج ، و أنه لا وجود لهكذا أصناف نعم لكل مجتمع سلبياته و إيجابياته ، إنما الذي يستسيغه الفكر ، إينما كان هو النظرة الواقعية دون الاعتماد الكلي على الأقوال ، صحيح وجود هذه الأصناف ، و حتى الحكومات الشرقية ، و إن كانت تنادي بحقوق المرأة عند ثورتها ، ولكن ما أن تسلمت زمام الحكم ، حتى نسيت كل ما شادت به الأمس .
و الاتجاه الأهم المنسي في أغلب الأوقات أما عمداً أو سهواً ، هو اتجاه أهل البيت و القرآن ، فالقرآن في الإسلام فلسفة متميزة بصدد الحقوق الأسرية للرجل و المرأة . تغاير ما مضى بالأمس ، كما تختلف مع ما هو قائم في عالم اليوم.
لم يحدد للرجل و المرأة في كل المواقع لوناً واحداً من الحقوق و الواجبات و المسؤوليات و الجزاء ، فقد ذهب إلى أن بعض الحقوق و الواجبات و الجزاء أكثر انسجاماً مع واقع المرأة ، و بعض آخر أكثر انسجاماً مع واقع الرجل.
و بالتالي جاء وضع المرأة مسانخاً لوضع الرجل في مواقع ، و في مواقع آخر افترق وضعهما ، و هذا الافتراق بين الرجل و المرأة ، ليس ناشئاً من نظرة الإسلام السلبية للمرأة ، كما هو الحال في اتجاهات أخرى ، و ليس لاعتبار دونية المرأة ، كما يتصوره البعض باتهامهم الإسلام بأنه دين الرجال و عدم إنسانية المرأة – بل لأجل اختلاف طبيعة المرأة عن طبيعة الرجل.
الثابت هو ، إن الإسلام لم يذهب إلى أن حقوق الرجل و المرأة على نسق واحدة ، و متشابهة ، إلا أن الإسلام لم يذهب إطلاقاً لإعطاء الرجل امتيازاً و ترجيحاً على النساء ، بل راعى أصل المساواة الإنسانية بينهما ، و لم يكن معارضاً لمساواة الرجل و المرأة في الحقوق ، بل عارض التشابه في الحقوق.
فالطريق لتشخيص الحقوق الطبيعية ، و نوعيتها يتم من خلال مراجعة
التكوين و الخلق ، فكل استعداد طبيعي ، يمثل سنداً طبيعياً لحق طبيعي.
يقول كاريل : ( إن الاختلافات الموجودة بين الرجل و المرأة ، لا تأتي من الشكل الخاص للأعضاء التناسلية ، و من وجود الرحم و الحمل ، أو من طريقة التعليم ، إذ أنها ذات طبيعة أكثر أهمية من ذلك ، أنها تنشأ من تكوين الأنسجة ذاتها ، و من تلقيح الجسم كله بمواد كيميائية محددة يفرزها المبيض ) .
و لقد أدى الجهل بهذه الحقائق الجوهرية بالمدافعين عن الأنوثة إلى الاعتقاد بأنه ، يجب أن يتلقى الجنسان تعليماً واحداً ، و أن يمنحا قوى واحدة و مسؤوليات متشابهة ، و الحقيقة أن المرأة ، تختلف اختلافاً كبيراً عن الرجل ، فكل خلية من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها ، و الأمر نفسه صحيح بالنسبة لأعضائها ، و فوق كل شيء بالنسبة
لجهازها العصبي ، فالقوانين الفسيولوجية غير قابلة للين مثل قوانين العالم الكوكبي . فليس في الإمكان إحلال الرغبات الإنسانية محلها.. و من ثم فنحن مضطرون إلى قبولها كما هي ، فعلى النساء أن ينمين أهليتهن تبعاً لطبيعتهن دون أي يحاولن تقليد الذكور ، فإن دورهن في تقدم الحضارة أسمى من دور الرجال ، فيجب عليهن ألا يتخلين عن وظائفهن المحددة.
وحركة الدفاع عن حقوق المرأة المهضومة في أوربا كانت عاجلة و مرتجلة ، بحكم أن يقظة أولئك جاءت متأخرة ، فلم تمهلهم العواطف وا لأحاسيس ، ليرجعوا إلى العلم ، و يستهدوا به من هنا اختلط الحابل بالنابل في طيات هذه الحركة ، ففتحت أمام المرأة أبواباً مغلقة ، و رفعت عنها مجموعة من المتاعب ، و أعطتها كثيراً من الحقوق ، في نفس الوقت الذي جلبت فيه الكثير من المتاعب و المصاعب للمرأة و للمجتمع البشري.
وهذه تحليلات دقيقة لأحد مفكري الأمة.
source : http://www.tebyan.net/Society/Women%E2%80%99sWorld/2004/1/10/28195.html