يتضح من هذه الدراسة المختصرة امور :
1 . ان الفرق الجوهري بين السنة والشيعة ليس في النظرية السياسية او نظام الحكم بل في مسألة وجود اثني عشر وصياً معصوما للنبي (صلى الله عليه وآله) وان منزلتهم في بيان القرآن وأحكام الشريعة كمنزلة النبي سواء كان هذا البيان قوليا او سيرة عملية وان هؤلاء الاوصياء الاثني عشر لهم امتياز في الحكم كامتياز النبي (صلى الله عليه وآله) فاثبت ذلك الشيعة ونفاه أهل السنة .
2 . ان الاصل في وجود المعصومين المنصوص عليهم من اهل بيت النبي بعد النبي (صلى الله عليه وآله) المؤيدين بمؤيدات الهية خاصة ليس لان الحكم الاسلامي بحاجة الى معصوم بل لان الرسالة الخاتمة بحاجة الى صيانة من الاجتهادات الخاطئة التي قد تصبح جزءا من الرسالة بحكم قربها من عهد الرسول (1) وايضا بحاجة الى توضيح تفاصيلها في حوادث نوعية في المجتمع الاسلامي سوف تحصل بعد النبي تحتاج الى موقف معصوم يستهدى به من قبيل ما حصل في عهد ابي بكر حين حارب الممتنعين عن الزكاة مع اقرارهم بها وسبى نساءهم ولم يفرق بينهم وبين غيرهم من المرتدين بعد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال الماوردي : حكي عن الشافعي انه قال : أخذ المسلمون السيرة في قتال المشركين من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأخذوا السيرة في قتال المرتدين من ابي بكر (رض) واخذوا السيرة في قتال البغاة من علي بن ابي طالب (رض) . /كتاب قتال اهل البغي ص 74 . اقول وفي هذا النص دليل على ما قلناه من ان الاجتهادات لقربها من عهد النبي تاخذه صفة خاصة وتصبح جزءا من الرسالة ، وقد روت كتب الحديث والسيرة ان عبد الرحمن بن عوف حين عرض البيعة على علي (صلى الله عليه وآله) اشترط عليه ان يسير بكتاب الله وسيرة النبي وسيرة والشيخين فرفض علي (عليه السلام) ذلك وقال ان كتاب الله وسنة نبيه لا يحتاج معهما الى إجِّيري احد أي لا يحتاجان الى عادة وطريقة احد .
النبي او سائر المشركين ، حتى جاء علي (عليه السلام) وسار بسيرة اخرى مع مقاتليه في الجمل ولما نهى جيشه عن النساء اللواتي كن في الجيش اعترضوا عليه قائلين كيف تحل لنا دماؤهم ولا تحل لنا نساؤهم ؟ قال كذلك السيرة في أهل القبلة . وقال لهم ان لم تصدقوني واكثرتم عليَّ فأيكم يأخذ امه عائشة ؟ قالوا لا ، أينا يا أمير المؤمنين بل اصبت وأخطأنا وعلمت وجهلنا ، هذا بالاضافة الى ان جيل النبوة يوجد فيه منافقون لميعرفهم حتى النبي قال تعالى (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب عَظِيم)التوبة/101 وهؤلاء سوف يقومون بالرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله) وسوف لا يتحرجون من الكذب على النبي (صلى الله عليه وآله) والناس لا يعلمون انه كذب ويقولون هو احد اصحاب النبي وبذلك تحدث بلبلة فكرية لا مخرج منها الا بوجود الراوي المعصوم والمبيِّن المعصوم ويتأكد ذلك حين ترتبط روايات هؤلاء بتشخيص المصاديق الواقعية من الايات المتشابهة التي يتوقف تشخيص مصداقها الواقعي على بيان النبي .
3 . بعد مرور تجارب معصومة من قبل الاثني عشر سواء في الاستنباط من الكتاب والسنة او في الرواية عن النبي او في المواقف العملية من الحوادث تكون الامة قد استوعبت تراثا هاديا وفكرا وسيرة في الظروف المختلفة تعكس بامانة احكام الاسلام ، يصونها من الوقوع في الاختلاف الفكري المستعصي على الحل وتقل اخطاؤها فيما لو استأنفت الحياة الفكرية والاجتماعية والسياسية لوحدها وتكون اخطاؤها لو حصلت / وهي تحصل بشكل طبيعي / في استنباط الفكر او الموقف العملي اقل ضررا على الرسالة مما لو استأنفت الحياة دون تجارب هؤلاء الاوصياء المعصومين ، وفي هذا السياق يتضح الوجه الايجابي (1) لغيبة المعصوم فان من ابرز
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وجود وجه ايحابي للغيبة لايعفي المسؤولين عن اسبابها المباشرة التي كانت تتمثل بالتضييق على المعصوم الثاني عشر خوفا على كرسيهم ، وقد جرت سنة الله تعالى المكر باعدائه وتحويل المخطط السئ الى عنصر ايجابي في مسيرة المؤمنين مع ابقاء تبعة المكر السئ على اهله (وَمَكْرَ السَّيِّىءِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَحْوِيلاً) فاطر/43 (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) ومن سنة الله تعالى في الاولين انجاؤه لنبيه عيسى وتغييبه وترك تلاميذ عيسى وشيعته ليمارسوا حياتهم على اساس ما تحملوه من تجارب الفكر والعمل المعصومة
حكم الغيبة واسرارها الواضحة هي اتاحة الفرصة للامة التي حملت تراث الائمة الاثني عشر ان تمارس مسؤولياتها الفكرية والعلمية والسياسية على اساس فهمها البشري غير المعصوم للكتاب والتراث الفكري الذي خلفته التجربة المعصومة للنبي (صلى الله عليه وآله) والائمة (عليهم السلام) ، وتأتي فكرة عودة المعصوم الغائب في آخر الدنيا وظهوره مرة ثانية على المسرح الاجتماعي والسياسي لأجل تقييم التجارب السابقة للمسيرة غير المعصومة والكشف عن مستوى تمثيلها وصدق تعبيرها وأمانتها ، ولاجل تحقيق الوعدالالهي المذكور في قوله تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ) الأنبياء/105 ويتمثل هذا الوعد بحياة حرة سعيدة في ظل النظامالالهي على الارض كلها حيث تستأصل كل عوامل الاختلاف والانحراف المؤدية الى الشر والفساد .
4 . ان البيعة والشورى ليستا في قبال النص بل يقعان على امتداده ، فأهل السنة حين يتحدثون عن نظرية الحكم في زمن النبي يقدمونها على اساس النص على شخص الحاكم وهو النبي (صلى الله عليه وآله) ولا يحق لأحد في زمانه ان يتقدم عليه ، وتأتي البيعة في طول هذه النص وليست في عرضه ، فالنص يشخص من هو المؤهل للحكم والبيعة يجب ان تتم مع المنصوص عليه بشخصه وهو النبي في القرآن . فهم لا يختلفون عن الشيعة من هذه الناحية الا فيما ذكرناه آنفا من وجود اثني عشر بعد النبي لهم هذه المنزلة في الحكم أي ان النص من النبي على اشخاصهم يمنحهم الحق ، والبيعة يجب ان تتم معهم لا مع غيرهم . وهو ما يؤثر عن علي (عليه السلام) حين طولب بالبيعة قال : (انا احق بهذا الامر منكم لا ابايعكم وانتم اولى بالبيعة لي) (1) وقال : ان فلانا وفلانا قد بايعاني وطالباني بالبيعة لمن سبيله ان يبايعني (2) .
ومن هنا يتضح خطأ ابن ابي الحديد حين جعل الكلمات المأثورة عن علي (عليه السلام)
ــــــــــــــــــــــــــــ
التي خلفها عيسى وامه مريم و يحيى وزكريا ثم يظهر الله تعالى نبيه عيسى في آخر الزمان لتقييم تجارب عمل امته التي تحملت رسالته وبالطبع هنا سوف يدين من لم يؤمن برسالة محمد (صلى الله عليه وآله) ويعتبر عدم الايمان بمحمد (صلى الله عليه وآله) وقد بشرهم به وأخذ العهد منهم ان يؤمنوا به معلما من اهم معالم الاخفاق بعده .
(1) شرح النهج 6/118 .
(2) بحار الانوار 28/248 .
في البيعة علامة على بطلان مذهب الشيعة في القول ان الامامة بالنص ، وكذلك يتضح خطأ تفسير هذه الكلمات من علي (عليه السلام) على انها صدرت تقية بتصور ان المنصوص عليه ليس بحاجة الى بيعة الناس ، والواقع ان فائدة البيعة لا تنحصر بمنح الشرعية للشخص المبايع ، بل هناك فائدة اخرى تتمثل بمنحه القدرة على النهوض بالامر وهذه الفائدة هي المتصورة عند وقوعها مع النبي أو مع أوصيائه المعصومين الاثني عشر الذين لهم منزلته وولايته (صلى الله عليه وآله) .
5 . الرأي القائل بأن ولاية الفقيه وسلطته الواسعة جدا قائمة على النص وليس على بيعة الامة ليس هو الراي الوحيد الذي ينتجه التراث الامامي الاثنا عشري الذي يقوم على العقيدة بالغيبة وانتظار ظهور الامام الثاني عشر (عليه السلام) ، بل يوجد الى جانبه رأي آخر يقول ان الفقيه يستمد سلطته من البيعة ولاسلطة له قبلها ، وهو رأي مشروع ومعترف به ولم يُتَّهَم اصحابُه بانهم خرحوا عن مسلمات الفكر الامامي الاثني عشري القائم على العقيدة بالمهدي (عليه السلام) وانتظار ظهوره . وفي ضوء ذلك بالامكان ان تقوم حكومة على رأسها فقيه يستمد سلطته من الامة فيما لو رأى جمهور الامة بيعة ذلك الفقيه ، وفي الحقيقة حتى الفقيه الذي يرى ان سلطته قائمة على اساس النص تبقى سلطته هذه من دون واقعية وفعلية على الساحة السياسية مالم يبايعه الناس وبسطوا يده ويمنحوه القدرة على النهوض بمشروعه السياسي . وكذلك الحال في الراي القائل بوجوب التقية وعدم الثورة في عصر الغيبة عند توفر شروطها ليس هو الراي الوحيد الذي ينتجه الاعتقاد بغيبة الثاني عشر إذ يوجد الى جنبه راي آخر هو عكسه ، وكذلك الحال في تعطيل الحدود فيوجد الى جنبه الراي القائل بتنفيذها من قبل الفقيه عند توفر القدرة . ويتضح من ذلك ان العقيدة بغيبة المهدي وانتظار ظهوره تجتمع مع هذه الآراءالفقهية المتنوعة والمتعارضة والسر في ذلك هو ان هذه الاراء هي مسائل فقهية تعكس افهام الفقهاء لادلة هذه المسائل ، وهم حين يختلفون في مسائل الفقه تبعا لما يفهمه كل واحد منهم من النص وفق قواعد فهم النص ، يتفقون على مسألة غيبة المهدي وانتظار ظهوره حين ينظرون الى ادلتها ، نعم قد يختلفون في بيان حكمة الغيبة واسرارها وليس من شك ان هذه الاسرار والحكم المستنبطة ليس جزءا من المعتقد .
6 . ورد لفظ الامامة في التراث الفكري الشيعي على ثلاثة معاني :
المعنى الاول : وهو معنى خاص ويراد به منصب الحجة على الخلق بعد النبي (صلى الله عليه وآله)وهذا المعنى ينحصر باثني عشر من اهل بيت النبي وتلحق بهم الزهراء (عليها السلام)في ذلك .
المعنى الثاني : وهو معنى عام ويراد به منصب الحكومة وإقامة الحدود سواء شغل هذا هذه المنصب المعصوم او شغله غيره ، وهذا المعنى يعتقد الشيعة فيه انه للنبي (صلى الله عليه وآله)ومن بعده للائمة الاثني عشر (صلى الله عليه وآله) ومن بعده للفقهاء العدول . وقد انتشر هذا المعنى للفظة عند متكلمي السنة وفقهائهم منذ القرن الاول الهجري الى اليوم ، اما عند الشيعة فقد بقي منحصرا في التراث الروائي ولم يستخدم في التراث الفقهي الا عند ثلة معاصرة منهم قبيل الثورة الاسلامية في ايران .
المعنى الثالث : وهو معنى خاص يراد به خصوص الاثني عشر وصيا للنبي حيث اصبحت علما خاصا لهم (عليهم السلام) لغلبة استعماله من قبل الشيعة فيهم (عليهم السلام) ، وصار يدل ايضا على المعنى الاول والثاني معا باعتبار التقاء المعنيين في عصر الائمة الاثني عشر في شخصهم (عليهم السلام) ، وهو المراد به عند متكلمي الشيعة في كتبهم الكلامية المشهورة .
شبهات وردود
الحلقة الاولى
الرد على الشبهات التى اثارها احمد الكاتب
حول العقيدة الاثني عشرية
مقدمة الطبعة الثانية للحلقة الأولى
صدرت الطبعة الاولى من هذا الكتاب في شهر ربيع الاول سنة (1417هـ) وتلقتها الاوساط العلمية والثقافية بإستحسان ورضا تجاوز ظني وكانت قد انطوت على اخطاء طباعية استدركتها في هذه الطبعة مع إضافات وإعادة صياغة بعض المطالب ، ثم رأيت ان أضيف إلى بحوث الكتاب ملحقاً بترجمة عدد من الاعلام الذين ورد ذكرهم بأمل استيفائهم في المستقبل ان شاء الله (1) .
المؤلف
جمادى الاولى 1417
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ادرجناهم في هذه الطبعة في المواضع المناسبة وفي ثنايا الكتاب .
المقدمة
هذه أوراق متواضعة تكفلت الرد على بعض الشبهات التي وجهت ضد الاسلام والتشيع .
وقصة إثارة الشبهات أمام التشيع بمفهومه الخاص (1) قديمة وهي لا تنقطع إلا بظهور المهدي محمد بن الحسن العسكري (عجل الله فرجه) مؤيَّداً بالبراهين الالهية ومصدِّقا لحركة آبائه (عليهم السلام) وشيعتهموهي في ذلك نظير قصة إثارة الشبهات أمام رسالة محمد (صلى الله عليه وآله) من قبل أهل الكتاب التي لا تنتهي إلا بظهور عيسى بن مريم (عليه السلام) مؤيداً بالبراهين الالهية ومصدِّقاً برسالة محمد (صلى الله عليه وآله) ومتعبداً بشريعته .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ويتمثل هذا المفهوم بالاعتقاد باثني عشر حجة معصوما بعد النبي لهم منزلته في كل شىء إلا النبوة والازواج مع إلحاق الزهراء (عليها السلام) بهم في هذه المنزلة دون خصوصية الحكم ، والاعتقاد بان المهدي المنتظر الذي بشَّر به النبي (صلى الله عليه وآله) هو محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام) المولود سنة (255 هـ) وانه قد غاب بأمر الله تعالى غيبتين إحداهما صغرى كان له فيها نواب أربعة يعرف خبره وأمره بواسطتهم ، توفي آخرهم سنة 329 هـ وبوفاته بدأت الغيبة الكبرى وانقطع خبره فيها ، وقد أمر شيعته بالرجوع في عصر الغيبة الكبرى إلى رواة الاحاديث الفقهاء العدول حيث روي عنه (عليه السلام) انه قال «أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فانهم حجتي عليكم وأنا حجة الله» وأمرهم أيضاً كما أمرهم آباؤه من قبل بانتظار الفرج بظهوره في آخر الزمان وإلى جانبه عيسى (عليه السلام) ليحقق الله بهما وعلى أيديهما أروع عهد ينتظره المؤمنون . (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ) الانبياء/105 (وَإِن مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَ يَوْمَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) النساء/159 . ويستلزم هذا المفهوم تولي هؤلاء الحجج والبراءة من أعدائهم وبخاصة الذين ناصبوهم العداوة ودفعوهم عن مقامهم ومنزلتهم التي أنزلهم الله ورسوله بها ، وفي قبال هذا المفهوم الخاص للتشيع هناك مفهوم عام تبناه أهل السنة وأرادوا به تفضيل علي (عليه السلام) على عثمان ، أو تفضيل علي (عليه السلام) على أبي بكر وعمر وقد وصفوا هذا التشيع بالبدعة الصغرى وسموا النوع الثاني منه بالتشيع الغالي ، أما المفهوم الخاص فقد سموه بـ(الرفض) والبدعة الكبرى وسموا أصحابه بالرافضة وأسقطوا الاحتجاج برواياتهم بدعوى ان الرافضة يحُطّون من منزلة أبي بكر وعمر (أي يصغِّرون من منزلتهم) . (انظر ميزان الاعتدال للذهبي ترجمة ابان ابن تغلب ومقدمة تهذيب التهذيب لابن حجر) .
وكما لم يؤمن أكثر أهل الكتاب برسالة الاسلام على الرغم من وضوح دلائل صدقها ، وراحوا يثيرون الشبهة تلو الشبهة على مر القرون وقابلهم علماء المسلمين بالرد على شبهاتهم إتماماً للحجة وإزاحةً للعقبة من طريق الحق (لِّيَهْلِك مَنْ هَلَك عَن بَيِّنَة وَ يَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَة) الانفال/42 .
كذلك لم يتشيع أكثر المسلمين لاهل البيت (عليهم السلام) ولم يقفوا عليهم في الحلال والحرام على الرغم من تواتر حديث الغدير وحديث الثقلين وحديث المهدي (عليه السلام)وصحة حديث «الائمة من بعدي اثنا عشر» وغيرها . وراحوا يثيرون الشبهة تلو الاخرى تارة بتضعيف سند الحديث وأخرى بتحريف دلالته وثالثة بدفع واقعه التطبيقي ، وقد قابلهم علماء الشيعة بالرد على شبهاتهم إتماماً للحجة وإزاحة للعقبة من طريق الحق (لِّيَهْلِك مَنْ هَلَك عَن بَيِّنَة وَ يَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَة) الانفال/42 .
وعلى الرغم من دور الشبهة السلبي في تطويق انتشار الحق ومحاصرة أهله / وهو الهدف من إثارتها / فإن للشبهة دوراً إيجابياً في تحريك أهل الحق وبعث هممهم للبحث و التنقيب ومن ثم إغناء الساحة الفكرية بما يزيد الحقيقة جلاءً ووضوحاً وهو هدف غير مقصود من قبل أصحاب الشبهة .
فهل ينسى دور شبهات المبشرين في بعث همة العالم السني محمد رحمة الله العثماني (1) ليؤلف كتابه (إظهار الحق) .
أو ينسى دور شبهاتهم وردودهم في كتابهم (الهداية) على كتابه (إظهار الحق) في بعث همة العالم الشيعي محمد جواد البلاغي ليؤلف (الهدى إلى دين المصطفى) و (الرحلة المدرسية) .
أو ينسى دور شبهات الزيدية في فترة الغيبة الصغرى في بعث همة الشيخ النعماني (ت362هـ) ليؤلف كتاب (الغيبة) أو الشيخ محمد بن علي بن بابويه (ت381هـ) ليؤلف
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وقد ألف كتابه بعد المحاورة بينه وبين أحد المبشرين النصارى في الهند ويدعى (فاندر) سنة (1270 هـ - 1854 م) . والكتاب من غرر الكتب في بابه مطبوع في مجلدين ثم ألف جماعة من المبشرين كتاب (الهداية) رداً عليه وقد طبع كتاب (الهداية) في مصر سنة 1899م ، ثم كتب العلامة البلاغي رحمه الله (ت 1933م) (الهدى إلى دين المصطفى) في مجلدين و(الرحلة المدرسية) في مجلد واحد رداً على كتاب الهداية .
كتابه (إكمال الدين) .
أو ينسى دور شبهات كتاب (المغني) (1) للقاضي عبد الجبار في بعث همة السيد المرتضى (ت436هـ) ليؤلف كتابه (الشافي في الامامة) (2) .
أو ينسى دور شبهات كتاب (التحفة الاثنا عشرية) تأليف شاه عبد العزيز الدهلوي الهندي في بعث همة السيد مير حامد حسين الهندي (ت1306هـ) ليؤلف كتابه (عبقات الانوار) (3) .
أو ينسى دور شبهات حاول أصحابها ربط ظهور التشيع بمفهومه الخاص بعبد الله بن سبأ في بعث همة العلامة الاميني ليؤلف موسوعته (الغدير) وفي بعث همة العلامة العسكري ليؤلف كتاب (خمسون ومأة صحابي مختلق) وكتاب (رواة مختلقون) وكتاب (عبد الله بن سبأ) (4) .
وهكذا فان فرائد الكتب والدراسات في حقل النبوة والامامة والسيرة والتاريخ إنما هي نتائج البحث في رد الشبهات .
ولا أزعم أنني في هذه الاوراق سوف أقدم نظير ما قدمه أولئك الفطاحل ولكني أحاول ان أيسر للباحث عن الحقيقة بعض ما قدموه بشكل مختصر وبخاصة وان الشبهات هي الشبهات وان كتّابها ومثيريها يأخذ بعضهم من بعض في أغلب الاحيان .
اخترت قارئي الكريم للحلقات الاولى من أوراق الرد هذه شبهات وشكوكاً أثارها احمد الكاتب حول الشيعة والتشيع في نشرته (الشورى) (5) وكتبه الثلاثة المتداولة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجزء المتم للعشرين خاص بالامامة للرد على الشيعة .
(2) وهو مطبوع في أربعة أجزاء حققه العلامة عبد الزهراء الحسيني الخطيب .
(3) قال العلامة السيد محسن الامين (رح) في أعيان الشيعة ج18/371 (عبقات الانوار في إمامة الائمة الاطهار بالفارسية لم يكتب مثله في السَّلَف والخَلَف) وقد طبعت عدة من أجزائه ، وجاء حديث الثقلين وحده في ستة مجلدات وقد عرّبه واختصره العلامة السيد علي الميلاني فكان حديث الثقلين في مجلدين ، وحديث الغدير في أربعة مجلدات وقد بلغ المختصر المعرَّب من عبقات الانوار اثني عشر مجلداً ولمّا يكمل بعد .
(4) لا زال كتاب رواة مختلقون والجزء الثالث من عبد الله بن سبأ والجزء الثالث من خمسون ومائة صحابي مختلق لما تعد للطبع بعد لانشغال المؤلف - أمد الله في عمره - بغيرها .
(5) صدر منها لحد صدور الطبعة الاولى من هذا الكتاب أحد عشر عدداً .
بالدسك الكومبيوتري . فقد انكر ولادة المهدي محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام) وغيبتة وجعل القول بذلك من ابتكار النواب الاربعة ، ونفى أيضاً صحة الاحاديث النبوية في الائمة الاثني عشر الواردة عند الشيعة والسنة وادعى ان العقيدة باثني عشر إماماً لم يكن لها أثر في القرن الثالث الهجري وانها كانت وليدة القرن الرابع الهجري هذا مضافاً إلى نفيه القول بأصل الوصية والنص على الائمة المعصومين بعد النبي وربط ذلك بعبد الله بن سبأ .
وهذه الشبهات وغيرها وان كانت تكراراً لشبهات الزيدية والمعتزلة وأهل التسنن وقد كتب علماؤنا في الرد عليها آلاف الصفحات ومئات الكتب غير أني كما قلت آنفاً أحاول في هذه الاوراق ان اختصر الرد وأيسره لطلاب الحقيقة وبخاصة وان كثيراً منهم لا يتسع وقته لمراجعة مطولات الكتب ولا مختصراتها .
وقد كرست فاتحة هذه الحلقات لتسع شبهات مما أثاره حول العقيدة الاثني عشرية لنكات لا تخفى على القارىء اللبيب أرجو ان لا يذهب وقته معها سدىً وان يغتفر لي نواقصها والله ولي التوفيق .
سامي البدري
قم المشرفة
17 ربيع الاول 1417هجري