السؤال: ما الدّلیل علی الرّجعة من الکتاب و السّنّة ؟
الجواب: إنّ فکرة الرجعة التی تحدّثت عنها بعض الآیات القرآنیة والأحادیث المرویّة عن أهل بیت الرسالة ممّا یشنّع بها على الشیعة، فکأنَّ من قال بها رأى رأیاً یوجب الخروج عن الدین، غیر أنّ هؤلاء نسوا أو تناسوا أنّ أوّل من أبدى نظریة الرجعة هو الخلیفة عمر بن الخطّاب، فقد أعلن عندما شاعت رحلة النبیّ الأکرم صلى الله علیه و آله بأنّه ما مات، و لیعودنّ فیقطعنّ أیدی و أرجل أقوام...
عن أبی هریرة قال: لمّا توفّی رسول اللَّه صلى الله علیه و آله قام عمر بن الخطّاب، فقال: إنّ رجالًا من المنافقین یزعمون أنّ رسول اللَّه صلى الله علیه و آله توفّی، و إنّ رسول اللَّه صلى الله علیه و آله و اللَّه ما مات، و لکنّه ذهب إلى ربّه کما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعین لیلة، ثمّ رجع إلیهم بعد أن قیل قد مات، واللَّه لیرجعنّ رسول اللَّه صلى الله علیه و آله کما رجع موسى، فلیقطعنّ أیدی رجال و أرجلهم زعموا أنّ رسول اللَّه صلى الله علیه و آله مات!![1]
و لا یخفى أنّ کلام الخلیفة لو کان کلاماً حقیقیاً لابدّ أن یُحمل على أنّ النبیّ ما مات موتاً لا رجوع فیه و إنّما یرجع فیقوم بما أخبر عنه الخلیفة، و لو أراد من نفی مو ته أنّه ما زال حیّاً فهو خلاف رأی جمیع الصحابة الذین اتّفقوا على موته صلى الله علیه و آله، و لم یکن مو ت النبیّ صلى الله علیه و آله أمراً یدرکه جمیع الناس و لا یدرکه الخلیفة.
و قد سأل المأمون العباسی الإمام الرضا علیه السلام عن الرجعة، فأجابه بقوله: «إنّها حقّ قد کانت فی الأُمم السالفة و نطق بها القرآن و قد قال رسول اللَّه صلى الله علیه و آله یکون فی هذه الأُمّة کلّ ما کان فی الأُمم السالفة حذو النعل بالنعل و القذّة بالقذّة».[2]
إنّ الرجعة بمعنى عود جماعة قلیلة إلى الحیاة الدنیویة قبل یوم القیامة ثمّ مو تهم و حشرهم مجدّداً یوم القیامة لیس شیئاً یضادّ أُصول الإسلام، و لیس فیه إنکار لأیّ حکم ضروری، و لیس القول برجعتهم إلى الدنیا یلغی بعثهم یوم القیامة، و کیف لا یکون کذلک و قد أخبر سبحانه عن رجوع جماعة إلى الحیاة الدنیویة، نظیر:
1- إحیاء جماعة من بنی إسرائیل.[3]
2- إحیاء قتیل بنی إسرائیل .[4]
3- مو ت أُلوف من الناس و بعثهم من جدید .[5]
4- بعث عزیر بعد مائة عام من موته.[6]
5- إحیاء الموتى على ید عیسى علیه السلام .[7]
فلو کان الاعتقاد برجوع بعض الناس إلى الدنیا قبل القیامة أمراً محالًا، فما معنى هذه الآیات الصریحة فی رجوع جماعة إلیها؟
و لو کان الرجوع إلى الدنیا على وجه الإطلاق تناسخاً فکیف تفسّر هذه الآیات؟
إنّ الاعتقاد بالذکر الحکیم یجرّنا إلى القول بأنّه لیس کلّ رجوع إلى الدنیا تناسخاً، و إنّما التناسخ الباطل عبارة عن رجوع الإنسان إلى الدنیا عن طریق النطفة و المرور بمراحل التکوّن البشری من جدید لیصیر إنساناً مرّة أُخرى، و أین هذا من الرجعة وعود الروح إلى البدن الکامل من جمیع الجهات من دون أن یکون فیها رجوع من القوّة إلى الفعلیة، أو دخول روح فی بدن آخر، إنساناً کان أو حیواناً؟!
اتّفقت الشیعة على بطلان التناسخ و امتناعه، و قد کتبوا فیه مقالات و رسائل یقف علیها من کان له إلمام بکتبهم وعقائدهم، و قد ذکروا أنّ للتناسخ أنواعاً و أقساماً، غیر أنّ الرجوع إلى الدنیا من خلال دخول الروح إلى البدن الذی فارقه عند الموت لا یعدّ تناسخاً، و إنّما هو إحیاء للمو تى، الذی کان معجزة من معاجز المسیح.
کلّ ذلک یدلّ على أنّه لیس أمام القول بالرجعة عراقیل و موانع، و إنّما هو أمر ممکن لو دلّ علیه الدلیل القطعی نأخذ به و إلّا فنترکه فی سنبله، و الحال أنّ بعض الآیات و الروایات تدلّ على أنّه سیتحقّق الرجوع إلى هذه الدنیا قبل یوم القیامة لبعض الناس على وجه الإجمال، و أمّا من هم؟ و فی أیّ وقت یرجعون؟ و لأیّ غرض یعودون إلى الدنیا؟ فلیس هنا مقام بیانها، إنّما نکتفی ببیان بعض الآیات الدالّة على وقوعه قبل البعث، و إلیک الآیات.
قال سبحانه: وَ إذا وَقَعَ القَولُ عَلَیهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرضِ تُکَلّمُهُمْ أنَّ النّاسَ کَانُوا بِآیاتِنا لا یُوقِنونَ* وَ یَومَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجَاً مِمَّنْ یُکَذّبُ بِآیاتِنا فَهُمْ یُوزَعُونَ.[8]
لا یشکّ من أمعن النظر فی سیاق الآیات و ما ذکره المفسّرون حولها، فی أنّ الآیة الأُولى تتعلّق بالحوادث التی تقع قبل یوم القیامة، وعلیه تکون الآیة الثانیة مکمّلة لها، و تدلّ على حشر فوج من کلّ جماعة قبل یوم القیامة، والحال أنّ الحشر فی یوم القیامة یتعلّق بالجمیع لا بالبعض، یقول سبحانه: وَ یَومَ نُسَیّرُ الجِبالَ و ترى الأرضَ بارِزةً وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أحداً.[9]
أفبعد هذا التصریح یمکن تفسیر الآیة السابقة بیوم البعث والقیامة؟
و هذه الآیة تعرب عن الرجعة التی تعتقد بها الشیعة فی حقّ جماعة خاصّة، و أمّا خصوصیاتها فلم یحدّث عنها القرآن الکریم، و جاء التفصیل فی السنّة.[10]
مصادر:
[1] - السیرة النبویة لابن هشام 4: 305.
[2] - بحار الأنوار 53: 59، ح 45.
[3] - البقرة: 55- 56.
[4] - البقرة: 72- 73.
[5] - البقرة: 243.
[6] - البقرة: 259.
[7] - آل عمران: 49.
[8] - النمل: 82- 83.
[9] - الکهف: 47.
[10] - أضواء على عقائد الشیعة إلامامیة، الشیخ جعفر السّبحانی ص 459- 464.
مصدر: مکتب سماحة آیة الله العظمی مکارم الشیرازی
source : rasekhoon