وعن الفضيل، عن أبي عبدالله× قال: >من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذبات غفر الله له ذنوبه ولو كان مثل زبد البحر<.
وعن مسمع كردين قال: قال لي أبو عبدالله: يا مسمع أنت من أهل العراق أما تأتي قبر الحسين؟ قلت: لا، أنا رجل مشهور من أهل البصرة، وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة، وأعداؤنا كثيرة من أهل القبائل من النُّصاب وغيرهم، ولست آمنهم أن يرفعوا عليَّ [حالي] عند ولد سليمان فيمثلون عليَّ.
قال لي: أفما تذكر ما صنع به؟ قلت: بلى، قال: فتجزع؟ قلت: أي والله واستعبر لذلك، حتى يرى أهلي أثر ذلك عليَّ، فامتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي.
قال: رحم الله دمعتك أما أنك: من الذين يعدون في أهل الجزع لنا والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويخافون لخوفنا، ويأمنون إذا أمنّا أما إنك سترى عند موتك وحضور آبائي لك ووصيتهم ملك الموت بك، وما يلقونك به من البشارة؛ ما تقرُّ به عينك قبل الموت، فملك الموت أرقُّ عليك وأشدُّ رحمة لك من الأم الشفيقة على ولدها.
قال: ثم استعبر واستعبرت معه، فقال: الحمد لله الذي فضلنا على خلقه بالرحمة وخصّنا أهل البيت بالرحمة، يا مسمع إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا وما بكى لنا من الملائكة أكثر، وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا، وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا إلاّ رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سال دموعه على خدّه فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنّم لأطفأت حرّها حتى لا يوجد لها حرّ.
وإن الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتى يرد علينا الحوض، وإن الكوثر ليفرح بمحبنا إذا ورد عليه، حتى أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.
يا مسمع من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، ولم يشق بعدها أبداً وهو في برد الكافور وريح المسك وطعم الزنجبيل، أحلى من العسل، وألين من الزبد وأصفى من الدمع، وأذكى من العنبر، يخرج من تسنيم ويمرُّ بأنهار الجنان تجري على رضراض الدر والياقوت، فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء، يوجد ريحه من مسيرة ألف عام، قِدحانُه من الذهب والفضة وألوان الجوهر، يفوح في وجه الشارب منه كلُّ فائحة، يقول الشارب منه: ليتني تُركت ههنا لا أبغي بهذا بدلاً، ولا عنه تحويلاً.
أما إنّك ممن تروي منه، وما من عين بكت لنا إلا نعمت بالنظر إلى الكوثر، وسقيت منه، منه ليعطى من اللّدّة والطعم والشهوة له أكثر مما يعطاه من هو دونه في حبنا.
وإن على الكوثر أمير المؤمنين× وفي يده عصا من عوسج، يحطم بها أعداءنا، فيقول الرجل منهم: إني أشهد الشهادتين! فيقول: انطلق إلى إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك، فيقول: تبرأ مني إمامي الذي تذكره، فيقول: ارجع وراءك فقل للذي كنت تتولاه وتقدمه على الخلق فاسأله إذا كان عندك خير الخلق أن يشفع لك، فإن خير الخلق حقيق أن لا يرد إذا شفع، فيقول: إني أهلك عطشاً؟ فيقول: زادك الله ظمأ، وزادك الله عطشاً.
قلت: جعلت فداك وكيف يقدر على ا لدُّنو من الحوض ولم يقدر عليه غيره؟ قال: ورع عن أشياء قبيحة، وكفَّ عن شتمنا إذا ذكرنا، وترك أشياء اجترأ عليها غيره؛ وليس ذلك لحبنا، ولا لهوى منه، ولكن ذلك لشدة اجتهاده في عبادته وتدينه، ولما قد شغل به نفسه عن ذكر الناس، فأما قلبه فمنافق، ودينه النصب باتباع أهل النصب وولاية الماضين، وتقدمه لهما على كل أحد.
وعن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه، عن أبي عبدالله× قال: سمعته يقول: إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع، ما خلا البكاء على الحسين بن علي عليهما السلام فإنه فيه مأجور.
وقال أبو عبدالله الصادق عليه السلام في حديث طويل: ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله عزّ وجلّ، ولم يرض له بدون الجنة.
غبار الزائرين
وقد اشتهرت هذه القصة عن امرأة ناصبية وزوجها اللذين نذرا أن رزقا ولداً أن يقطع الطريق على زوار الحسين فيسلبهم ويقتلهم، ولما رزقا ولداً وشب وبلغ مبلغ الرجال جاء موعد الوفاء بالنذر فأرسلاه لقطع الطريق على الزائرين المتوجهين إلى كربلاء.
فكمن في الطريق وشاء الله أن يلقى عليه النعاس فأخذته سنة من نوم، فرأى أن القيامة قد قامت وفي أثناء نومه مرّت قافلة من الزوار وأثارت الغبار فتساقط عليه.
فلما كانت القيامة أمر به ليلقى في النار ثم عدل به عنها بسبب غبار زوّار الحسين فانتبه مذعوراً ورأى غبار الزوار عليه. وتاب إلى الله ولزم مرقد أبي عبدالله ا لحسين وله مديح في سيد الشهداء جاء فيه:
إذا شئت النجاة فزر حسيناً |
|
لكي تلقى الإله قرير عين |
فإن النار ليس تمسُّ جسماً |
|
عليه غبار زوّار الحسين ([13]) |
([5]) تهذيب الأحكام: 6/9، باب 3، حديث 11؛ المناقب: 3/365؛ وسائل الشيعة: 14: 367، باب 18، حديث 19404؛ بحار الأنوار: 97/194، باب 5، حديث 9.
([6]) المقنعة: 474، باب 20؛ تهذيب الأحكام: 6/78، باب 26، حديث 1؛ وسائل الشيعة: 14/543، باب 79، حديث 19784؛ بحار الأنوار: 97/145، باب 1، حديث 34.