حتی الآن لم يعرف المؤلف الحقيقي لهذا الكتاب، و ربما من شدة إخلاصه أراد الاّ يُعرف، هذا الكتاب يحتوي على مئة فصل، وكل فصل يشتمل على بحر من حقائق الإمام جعفر الصادق(ع) ويحتوي على اسمى المسائل العرفانية والاخلاقية.
فتعلّم المسائل المذكورة في هذا الكتاب هو سهلٌ، والعمل به ميسّر لأي مكلف.
إنّ بعض الكتب التي أُلفت تحت مسّمى العرفان، ليست خالية من المسائل الملفقة والدخيلة، أو من القصص العجيبة أو الغريبة، ولكنّه خليط من الثقافة الإنسانية والإلهية ولا يمكن الاعتماد عليها.
أمّا كتاب «مصباح الشريعة»؛ فهوكتابٌ مطابق للآيات القرآنية والروايات المروية عن الرسول الأعظم| والأئمة المعصومين(ع) في غالبه ولا نستطيع أن نقول أننا لا يمكننا الاعتماد عليه.
هذا الكتاب كان دائماً مصدراً للعرفان والأخلاق؛ وموضوعه يصدر من ينابيع و عيون الحقيقة للعرفان والأخلاق، من بحر علم الإمام المعصوم(ع) الذي لا ساحل له. وكان محط إهتمام كثير من علماء الدين وقد شرح بعض عشاق السير والسلوك هذا الكتاب، والبعض الآخر شرحه شرحاً مبسطاً، وقسم لم يكمله، وآخرون ترجموه لفظيا وحرفياً، مع شرح مختصر لبعض الفصول.
جدير بالذكر؛ أن هذا الكتاب كان محط اهتمام علماء الشيعة الكبار. يمكن ان نقسم وجة نظر العلماء لهذا الكتاب إلى خمس اقسام:
1ـ مجموعة من العلماء اختاروا الصمت في نفي واثبات ورد وقبول هذا الكتاب.
2ـ ومجموعة أخرى من العلماء والفضلاء، يعتقدون ان المؤلف لهذا الكتاب، قد الّفه من الثقافة التي تولدت لديه من دروس الإمام جعفر الصادق(ع) وقد نظم هذا الكتاب في مائة باب، وهو من تعبير المؤلف، وليس من كلام الإمام(ع) مباشرة.
3ـ ان أكثر علماء الدين واعلام التربية والاخلاق والعرفان، ينظرون إلى هذا الكتاب بكل احترام، وهو مقبول عندهم، ومعمول به، ويعتقدون بأن الكاتب؛ إنّما الّف الكتاب من خلال جمعه لروايات الإمام جعفر الصادق(ع) وهو مليء بعشرات الجمل المنتخبة من الروايات التي أوصلها ببعض، وفصّل لكل باب رواية.
4ـ فيما البعض الآخر من العلماء الأعلام، ينظرون نظرة تشاؤم لهذا الكتاب ويعتبرونه من تصنيف وتأليف أهل التصوف، أو من صنع الفضيل بن عياض وبالإجمال، فإنهم لا يقبلون هذا الكتاب إطلاقاً.
5ـ و اختار فريق من العلماء جانب الاحتياط في قبول ورد هذا الكتاب؛ وقالوا أنّه بالرغم من أنه سنده ليس قطعياً، فلامانع من العمل بمحتويات الكتاب ـ التي تطابق وتوافق الآيات والروايات الشريفةـ والعلامة المجلسي& رأيه من رأي هذا الفريق وانا الفقير و بعد البحث والتحرّي عن هذا الكتاب أری رأي العلامة المجلسي.
ومن العلماء الذين ردوا هذا الكتاب؛ هو الشيخ الحر العاملي صاحب كتاب (وسائل الشيعة)، في كتاب (هداية الامة)، وكذلك من رده صاحب كتاب (رياض العلماء)، أما العلماء الذين نظروا لهذا الخزانة المليئة بالجواهر؛ نظرة احترام وأقرّوا العمل بالكتاب ومحتوياته، ولم يشكّوا انّه نابع من ينبوع الولاية؛ هو السيد رضي الدين علي بن طاووس (رضوان الله عليه)، الذي أشا- اصمية هذا الکتاب في الفصل السابع من الباب السادس من كتاب (امان الأخطار):
و يصب (السانی) معه کتاب مصباح الشريعة و مفتاح الحقيقة فانه کتاب لطيف شريف في التعريف بالتسيک (السلوک) ان الله جل جلاله و الاقبال عليه و الظفر بالاسرار التي اشتملت عليه الأمان للسيد ابن طاووس الباب السادس ص 41-92.
ومن الذين قبلوا بهذا الكتاب دون ترديد وشك، الشهيد الثاني، من كتاب (التنبيهات العلية على اسرار الصلاة) وفي (كشف الريبة) وفي (منية المريد) وكذلك (مسكن الفؤاد) وينقله نقلاً يفُهم منه ونستنتج ان الشهيد الثاني؛ كان يثق بهذا الكتاب و المرويّ عن الإمام الصادق(ع)، وكان مطمئناً الی ثبوت وانتساب هذه الجوهرة العظيمة؛ إلى الإمام جعفر الصادق(ع) دون شك أو ترديد.
وکان الفيض الكاشاني أيضاً، من الذين كانوا ينقلون مطالب من هذا الكتاب في كتبه الأخلاقية والعرفانية ويعتبره مصدراً موثوقاً، ومسلّمٌ بنسبته إلى الإمام جعفر الصادق(ع).
ينقل الحاج ميرزا أبو القاسم الذهبي الشيرازي رأي العالم الفاضل المرحوم المجلسي& في كتاب العرفان والأخلاق (مصباح الشريعة) فيقول:
«عليك بملازمة كتاب (مصباح الشريعة) فالشهيد الثاني نقله بإسناده عن الإمام جعفر الصادق(ع) ولا حاجة للتحقيق في سنده، لأن محتواه يدل على صحة الكتاب».
وقد ذكر بعض من علماء الشيعة الأعلام؛ ومن أوثق وأعلم المشايخ الاعلام في كتبهم الأخلاقية والعرفانية أحاديث من هذه الخزانة بالمليئة بالجواهر؛ أمثال ـ ابن فهد الحلي في (عدة الداعي) والكفعمي في(مجموع الغرائب) وسيد هاشم البحراني في مقدمة كتابه (البرهان) والنراقي في (جامع السعادات) والمرحوم السيد حسين القزويني في البحث الخامس من (جامع الشرائع) والسيد علي خان في (شرح الصيحفة السجادية) والعالم العارف الشريف لاهيجي في (تفسير النفس) والمرحوم الإمام الخميني(ره).
ينقل الذهبي الشيرازي في مقدمة شرحه لكتاب (مصباح الشريعة) المسمى بـ(مناهج أنوار المعرفة):
بعد البحث والتحقيق؛ في آثار سيد المرسلين وأخبار آل طه ويس سلام الله عليهم، لم اجد مجموعة كاملة ومتكاملة كرسالة (مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة)؛ الذي يحوي على أسرار؛ و رموز؛ وحقائق الشريعة المقدسة؛ ذلك لأن هذه الرسالة منسوبة ومسندة للإمام الناطق بالحق الإمام الهمام جعفر بن محمد الصادق(ع)، لذا هو أفضل سند لفضلاء الدين والمعرفة.
ومن الفضلاء؛ الذين لم يشك في صحة وسند هذا الكتاب، المرحوم الحاج الميرزا حسين النوري الطبرسي؛ الذي هو علم من اعلام العلم، والحديث، والدراية، والرواية.
هذا الرجل العظيم في خاتمة كتابه (المستدرك) ـ ذی الفوائد العظيمة ـ أجرى بحثاً مطوّلاً ومبسوطاً، حول اسباب ودلائل؛ الذين لا يعترفون بصحة سند هذا الكتاب، أو يشكون فيه. فأجابهم بأدلة وبراهين واضحة وقوية ومنطقية، واعتبر هذا الكتاب موثوق ونقل اخباره في كتابه العظيم (المستدرك).
وفي نهاية بحثه هذا، يقول هذا الفطحل العظيم حول كتاب (مصباح الشريعة):
«وَقَدْ أَطْنَبْنا الكلامَ فى شرح حالِ المِصْباح، مَع قِلّةِ ما فيه مِن الأَحْكامِ حِرْصاً عَلى نَشْرِ المآثِر الْجَعْفَريَّة وَالآدابِ الصّادِقيّة وَحِفْظاً لابنِ طاووسَ وَالشّهيْد وَالْكَفْعَمي(ره) عَن نِسْبَةِ الوَهْمِ وَالإِشْتِباهِ إِلَيْهِمْ وَاللّهُ الْعاصِمْ»[1].
ومن الذين وثقوا واطمئنّوا بسند الكتاب، هو العارف المرحوم الحاج ميرزا جواد ملكي التبريزي، فينقل في كتاب (أسرار الصلاة) رواية من (مصباح الشريعة) التي تكون متناسبةً مع كتابه، ويعتبره مصدراً موثوقاً.
المرحوم حجة الإسلام والمسلمين؛ الحاج الشيخ حسن مصطفوي؛ كتب في مقدمة شرحه المختصر لهذا الكتاب فيقول:
«تم تأليف هذا الكتاب حقاً؛ من معدن الوحي والالهام، وبواسطة شخصية لها ارتباط بعالم الغيب».
في هذا الكتاب تم ذكر دقائق المعارف واسرار الحقائق ولطائف الأخلاق، مراحل السير والسلوك، وخصوصيات مراتب الإيمان بصورة دقيقة وعلمية، لدرجة انه من المستحيل ان تجد نقطة ضعف فيه، او انحرافاً وتبعثراً في جملاته ومواضيعه، وهذا يدل على ان مرتبة الكتاب فوق الكتب المؤلّفة المتداولة بين العلماء والمحققين العرفاء.
هذا بعض من وجهات نظر المحققين، وكبار علماء الشيعة؛ حول كتاب (مصباح الشريعة)، والذي انا بدوري أختاره منبعاً اصيلاً للعرفان والأخلاق وبواسطة مواضيعه، استطعت ان أعرف العارف والعرفاء، واثبت بان العرفان؛ حالة الهية، ملكوتية، سماوية موجودة في عمق و روح الإنسان، ونموّها وظهورها، يعتمد على المعرفة، والإيمان، والاقتداء بالانبياء والأئمة^، والعبادة الخالصة. وعلى أهل على الإيمان ان لا يستوحشوا من كلمة «العارف والعرفان»، ليفروا ويتهموا أهله، بدون بحث وتحقيق، ولا سمح الله ان يتفوهوا بأشياء لا يرتضيها الله عزّ وجلّ.
إلى اولئك الذين لم يقبلوا صحة الكتاب، علينا ان نقول لهم: إذا دققتم النظر في جميع مواضيع الكتاب، كان بإمكانكم ان تمضوا على ما مضى عليه العلامة المجلسي(ره)، وتمتنعون من رده كليّاً، أو نسبته إلى الصوفية.
ويمكن ان نقول خلاصة للكلام بان اغلب مواضيع كتاب (مصباح الشريعة) حقاً، هي من علوم نابعة دون شكٍ أو ترديد، من ينبوع الولاية المطلقة المتدفّقة، ومن بحر علوم الاولين والآخرين إلا وهو الإمام الصادق(ع). وليس هناك أي مجال للشك لكل مؤمن مسؤول وعاشق سالك لهذا الطريق، إن أراد تنمية وتقوية حالته العرفانية، ان يراجع هذا الكتاب ويتخذه مصدراً، ويتأمل فيه قدر المستطاع.
والبرنامج ـ الذي أعدّه هذ الفقير ـ في شرح هذا البحر العظيم هو:
نقل تمام الرواية بداية كل فصل، وشرحها جملة جملة و الاستعانة القرآن الكريم، والروايات الشريفة، والكتب الأخلاقية، والأشعار الحكيمة، التي تتناسب مع محتوى الكتاب.
وضمن التفسير والشرح، سوف اذكر الاشياء التي أُلهمها من قبل الله عزوجل. سائلاً الله رب العزة أن يحفظني من الخطأ وان يوفق القراء في الدنيا والآخرة الی الاستفادة من هذه المعارف الملكوتية.
[1]- خاتمة المستدرك: 1/216.