العبادة هي حقيقة مركبة من سلسلة من الوقائع والحقائق ولا تسع هذه المقدمة لتوضيح وتفسير العبادة؛ وان شاء الله، حينما نصل إلى الفصول التي تشير الی هذه المسألة، سنقوم بالشرح والبيان.
فالعرفاء لم يغترّوا بهذه الحياة، ولم ينحنوا أمام اللذات المحرّمة، ولم يبعيوا آخرتهم بدنياهم.
يقول صاحب كتاب «كشف الحقائق»:
وأعلم أن أهل الشريعة والحكمة يقولون: إن الحياة الدنيا ما هي إلا أيام معدودة، لكنّ حياة الآخرة لا انقطاع لها ولا أمد، لذا فكل من عرف حقيقة الدنيا والهدف المنشود منها، واتضحت له علل اجتماع النور مع الظلام؛ يعني اجتماع الروح وهو النور المطلق مع الجسد وهو الظلام الحالك، وعرف ماهية فائدته، وقضى عمره من الحياة واستفاد منها للسير نحو الهدف المنشود، واشترى الحياة الآخرة بالدنيا، وتحمل شتّى المحن، واختار سبيل الجهاد؛ لأجل الحياة الأخروية التي ملئها السعادة والرضوان، يعني أنه صرف جميع وقته في الحياة الدنيا بكسب العمل الصالح، وطلب العلم النافع، وهما بذور الحياة الطيبة، وسبب اللذة الدائمة، فنعم في الآخرة بحياة هادئة.
وان الذي لم يفهم حقيقة حياة الدنيا، ولم يعرف الهدف الحقيقي من ماهية الدنيا، وأمضى جميع وقته في اللهو واللعب وطلب الملذات والشهوات الحيوانية والتي هي بذور العذاب والعقوبة، فسوف يواجه في الآخرة؛ العذاب الشديد، وهذا معنى هذا الحديث «الدُّنيا مَزْرَعَةُ الآخِرَةِ»[1].
وكذلك معنى هذه الآية:
{مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآْخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الآْخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [2].
[1]- مجموعة ورام: 1/183؛ عوالي اللآلي: 1/267، حديث 66.
[2]- الشورى 42: 20.