سُئل عارف يقظ، وعاشق هائم:
من هو العارف وكيف حاله؟
فقال: العارف هو الرجل الذي يكون منهم ويعيش منزوياً عنهم، كل ساعة يكون اُخشع، لأنه في كل ساعة يصبح قريباً من الله سبحانه وتعالى اکثر.
وكذلك العارف فحالته لا تكون مستقرة، لأنه في كل ساعة يُلهم من عالم الغيب وتتغير حاله حتى يصبح ذا حالات مختلفة وليس ذا حالة واحدة.
العارف متألف بجميع الآداب لأن المعرفة أدّبته، والمعرفة على ثلاثة اقسام:
1ـ معرفة التوحيد وهذه المعرفة تختص بعامة المؤمنين.
2ـ معرفة الحجج والبيان وهذه المعرفة تختص بالحكماء والعلماء.
3ـ معرفة الصفات الوحدانية وهذا القسم مختص بأهل الولاية. اولئك هم الذين يملكون قلوباً نقية، يستطيعون بواسطتها مشاهدة الحق وما أخفى الله على العالمين من الأسرار.
فقد نُقل من ذلك العاشق الهائم، مناجاة تبيّن أنس هذه الطائفة مع المحبوب الحقيقي.
فقد روي انه: كلّما كان يتهيء للصلاة، كان يبكي بشدة ويقول: إلهي بأي قدم أخطو اليك، وبأي وجه أتوجّه إلى قبلتك، وبأي لسان أناجي حضرتك؟ إلهي من لا شيء صنعت رأس مال واتيت اطرق بابك.
الهي أنت تعلم وفضلك وكرمك ورحمتك، الهي إذا اصابني غداً حزن منك فإلى أين ألجأ وأشكو؟
الهي لا تحجبنا عنك بذل الغشاوة، وارفع غشاوة الغفلة عن بصيرتنا.
الهي إذا عفوتا عنا بكرمك فأنت أملنا والهنا، وإن عاقبتنا مع كبر سننا فنحن فقراؤك.
الهي حاجتنا هي لعفوك وأملنا في رحمتك.
الهي إذا قلت اجعلني مع المحسنين فإني كلما أنظر إلى نفسي، أراها مسيئة، ولم تسلك الطريق المستقيم.
الهي بكرمك احفظني حتى لا اسلك طريق المعصية.
الهي جئت اطرق بابك، غير آيس من كرمك ورحمتك[1].
إلهي أنقذني من هوى النفس، وانقذني من محيط البلاء.
حرّرني من نفسي ولو للحظه، ونجّني من غمّ ما سواه.
استوحش قلبي من هذا العالم، وخلّني من ديار الفناء.
فالنفس الأمّارة تقصدني، فأنجني من هذا الشبح.
ضيّعت نفسي من أجل هوى النفس، خلّصني من هوى النفس يا ربّ.
فكلام الناس قد آذاني وأحرقني، فنجّني من نار بلا نور[2].
فأول مرتبة المعرفة هو ان الله يرزق العبد يقيناً تطمأن فيه جميع اعضائه، وتوكلاً تسلم به جميع جوارحه في الدنيا، وحيرة يسلم بها من حيرة الآخرة، لان الاضطراب في الطلب هو من ضعف اليقين، فإن أصبح لديه يقين بأن الطلب لا يزيد ولا ينقص، فإنه يفرغ من اضطراب الجوارح كما قال المصطفى(ص):
«واعْلَمْ أَنَّ ما أَصابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخطيَكَ وَأَنَّ ما أَخْطاكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصيبَكَ»[3].
لا مفرّ من واديك أيها المحبوب، كيف أرجع عن واديك أيها الحبيب.
يرمونني في دائرة زلف شعرك، فانخدع بعينيك الساحرتين أيها الحبيب.
فعطّرت زلف شعرك الأسود، ومفتاح عطره إلى روحي أيها الحبيب.
عاملني كيف تشاء وكما تحب، فإني لا أتعذّب من طباعك أيها الحبيب.
فغبار الدارين أعمی عيني، لا أرى شيئاً سوى وجهك أيها الحبيب.
والعارف هو ذلك الإنسان الذي يبذل قصارى جهده في طاعة الله وعبادته و تأدية حقوق الله سبحانه وتعالى، وان يعرف الله حق معرفته وان يؤمن بأن إياب الخلق إليه سبحانه وتعالى، بمعنى أنه كلما كانت معرفة العبد بربه اعمق، كلما كان نشاطه أكثر في خدمته لله جل وعلا.
وينزل إليه من امر الله سبحانه وتعالى أو منّته، يجب عليه ان يعلم أنّه أمر الله وان يشكره سبحانه وتعالى، والرجوع إلى الله جل وعلا على معنيين:
1ـ ان يكون مبتلى ويصبر ويرجع إلى المولى عز وجل.
2ـ ان يكون متنعماً وعليه أن يرجع إلى شكر المولى عز وجل.
[1]- نامه دانشوران: 9/67.
[2]- الفيض الكاشاني.
[3]- بحار الأنوار: 2/154، باب 20، حديث 7.