عربي
Thursday 12th of December 2024
0
نفر 0

الخوف من سوء العاقبة

أشار القرآن الكريم إلى سوء عاقبة بعض الأفراد من الامم السابقة وكذا بعض المسلمين، ويريد من الناس أن يعتبروا و يراقبوا ويحافظوا على أنفسهم حتى لا يسقطوا في حاوية سوء العاقبة.
الخوف من سوء العاقبة

ان أهل المعرفة والحق يعتقدون ان الإنسان إلى آخر لحظه من عمره في مواجهة مستمرة مع عدوين هما: أعداء في الداخل و اعداء في الخارج. 

فالاعداء الباطنيون؛ مثل هوى النفس وتوابعه كالرياء والنفاق، والكبر، والغرور، والتجبر، والحسد، والبخل، و. . . ، والاعداء الظاهريون، مثل ابليس، و شياطين الانس، أشباه الإنسان من الأصدقاء، والقوى المستبدة والاستعمارية، كل هؤلاء الاعداء يسعون بأن يحرفوا الإنسان عن الصراط المستقيم ويجرّوه إلى وادي الضلالة والجهل. 

و شك،فالإنسان لا يستطيع بسهولة ان يتخلص من كل هذا، بل انه يحتاج إلى لمعرفة أولئك الاعداء ومحاربتهم بإصرار. 

و أولياء الله في وجود كل هذه المخاطر، فإنهم دائماً قلقين من عاقبة أمورهم و وجلين من نهاية اعمالهم، وهل أنهم سينتصرون ام ان النصر يكون حليف اعدائهم الباطنيين والظاهريين! وهذا الخوف الايجابي و التوجس من عاقبة الأمور، له أهمية كبيرة؛ لأنه يدفع بهم الی ان يكونوا في حالة من المراقبة والانتباه، وتلزمهم على معرفة اعدائهم ومحاربتهم وتصنع منهم اناساً عارفين وذوي بصيرة. 

وما أجمل تعبير النبي(ص) في هذا المجال:

«لا يَزالُ الْمُؤْمِنُ خائِفاً مِنْ سُوءِ الْعاقِبَةِ لا يَتَيَقَّنُ الْوُصُولَ إِلَى رِضْوانِ اللّهِ حَتّى يَكُونَ وَقْتَ نَزْعِ روحِهِ وَظُهورِ مَلَكِ الْمَوْتِ له»[1]. 

أمثلة من القرآن الكريم حول سوء العاقبة:

أشار القرآن الكريم إلى سوء عاقبة بعض الأفراد من الامم السابقة وكذا بعض المسلمين، ويريد من الناس أن يعتبروا و يراقبوا ويحافظوا على أنفسهم حتى لا يسقطوا في حاوية سوء العاقبة. 

برصيصا العابد:

{كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلإِْنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ}[2]. 

يعتقد أكثر المفسرين ان هذه الآية تبين سوء عاقبة احد رجال بني إسرائيل و يدعی برصيصا. 

وقصته كالتالي: 

كان فيبني إسرائيل عابداسمه برصيصا، عبدالله زمانا من الدهر حتى كان يؤتى بالمجانين يداويهمويعوذهم فيبرؤون على يده، وإنه أتي بامرأة في شرف قد جُنّت وكان لها إخوة فأتوه بها وكانت عنده، فلم‌يزل به الشيطان يزين له حتى وقع عليها فحملت، فلما استبان حملها قتلها ودفنها، فلما فعل ذلك ذهب الشيطان حتى لقي أحد إخوتها فأخبره بالذي فعل الراهب وأنه دفنها في مكان كذا، ثم أتى بقية إخوتها رجلا رجلا فذكر ذلك له، فجعل الرجل يلقى أخاه فيقول: والله لقد أتاني آت ذكر لي شيئا يكبر علي ذكره، فذكره بعضهم لبعض حتى بلغ ذلك ملكهم، فسار الملك والناس فاستنزلوه فأقر لهم بالذي فعل، فأمر به فصلب، فلما رفع على خشبته تمثل له الشيطان فقال: أنا الذي ألقيتك في هذا، فهل‌أنت مطيعي‌فيما أقول لك أخلصك مما أنت فيه؟ قال: نعم، قال: اسجد لي سجدة واحدة، فقال: كيف أسجد لك وأنا على هذه الحالة؟ فقال: أكتفي منك بالايماء، فأومأ له‌بالسجود، فكفر بالله، وقُتل الرجل[3]. 

ثعلبة بن حاطب:

{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الْصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِى قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}[4]. 

فقد ذکر المفسرون، أن هذه الآيات نزلت في حق «ثعلبة بن حاطب» الذي كان واحداً من الأنصار، وقصته كالتالي:

جاء ثعلبة بن حاطب الأنصاري إلى رسول الله(ص)، وقال: يارسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً، فقال: «ويحك يا ثعلبة، قليل تؤدي‌شكره خير من كثير لا تطيقه»، ثم جاءه بعد مدة وكرر عليه القول فقال له: «أما لك فيّ أسوة حسنة؟ والذي نفسي بيده لو أردت أن تسير الجبال معي ذهباًوفضة لسارت»، ثم جاءه بعد مدة وكرر عليه القول وقال: والذي بعثك بالحق‌لئن رزقني الله مالاً لأعطين كل ذي حق حقه، فقال له رسول الله(ص): «اللهم ارزق ثعلبة مالاً»، فاتخذ غنماً فنمت كما ينمو الدود، فكان يصلي مع رسول الله(ص) الظهر والعصر ويصلي عند غنمه باقي الصلوات، ثم‌أصبح لا يشهد مع رسول الله(ص) سوى الجمعة، ثم كثرت غنمه وزادت فتقاعد حتى لايشهد الجمعة ولا الجماعة. 

فقال رسول الله(ص) ذات يوم:«ما فعل ثعلبة؟»، فقيل له: اتخذ غنماً لا يسعها وادٍ، فقال: «يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة، ياويح ثعلبة»، فلما وجبت الزكاة أرسل الرسول(ص) رجلين ليجمعا الصدقة وقال لهما: «مُرا بثعلبة بن حاطب وبرجل من بني سُليم فخذاصدقاتهما»، فمرا على حاطب وأمراه بدفع الزكاة فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أخت‌الجزية، وطلب منهما العودة إليه عند الفراغ من جمعها، فذهبا إلى السُلمي‌فأخرج أطيب ما عنده، فرجعا إلى حاطب فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلاأخت الجزية، اذهبا حتى أرى رأيي، فأقبل الرجلان على رسول الله(ص)، فقال قبل أن يسألهما: «يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة»[5]. 

فبقي مشغولاً بجمع الثروة ومضاعفتها، حتى ذهبت جميع ثروته من يديه واصبحت عاقبته إلى سوء كما صرّح بذلك القرآن الكريم. 

امثلة من تاريخ الإسلام:

«الزبير» أحد اعظم رجال الإسلام البارزين، وكان له دور مؤثر وكبير في الجهاد في سبيل الله، ومسائدة الرسول(ص). 

ففي احدى المعارك التي كان فيها مع رسول الله(ص)، كُسر سيفه،  فأخذ الرسول فوراً خشبة ومسح بيديه الكريمتان عليه فتبدلت إلى سيف باذن الله، فأخذ الزبير السيف واستعمله في طريق الإسلام وتحقيق أهداف الرسالة. 

فقد قالوا ان افضل اربعة مدافعين عن الإسلام هم: علي بن أبي طالب(ع)، والزبير بن العوام، وأبو دجانة الأنصاري، وسلمان الفارسي. 

وكان الزبير، أحد القلائل الذين قبلوا دعوة أمير المؤمنين(ع) للدفاع عن الحق، بعد وفاة الرسول الأعظم(ص)؛ دون قيد أو شرط. 

وكان أحد الأربعة، الذين قبلوا الدفاع عن الحق بعد وفاة الرسول(ص) ولم يجد أمير المؤمنين(ع) خامساً لهم، والثلاثة البقية هم: سلمان وابو ذر والمقداد. 

وبايع الزبير، يوم السقيفة علياً(ع). 

وكان ممن أوصت به بنت الرسول(ص) السيدة فاطمة الزهراء(س) أن يكون في تشييع جنازتها بعد وفاتها. 

وكتب علي(ع) في رسالة إلى أحد أصحابه: الزبير، هو أحد اشجع شجعان هذه الأمة. 

ولكن للأسف مع جميع تلك المنزلة والفضل، وكل تلك الشجاعة والفتوة والمصاعب التي تحمّلها في طريق الإسلام وأهل بيت الرسول، تورّط ووقع في حب الجاه والدنيا؛ الذي أدّى به إلى الخروج من دائرة الحق والعداوة مع أفضل خلق الله. 

فكانت عاقبته أن اغتر بحديث معاوية، وترغيب عائشة له، فقام بتضليل أهل البصرة وسائر المدن الإسلامية، وجمع آلاف الناس ضد أمير المؤمنين(ع) ـ الذي كاد ان يعيد الثقافة الإسلامية إلى مسيرها الصحيح بعد مدة طويلة ـ  و شغل الإمام مدة من الزمن في محاربة الأعداء في معركة اسمها «الجمل»، ثم بعد في معركة الصفين والنهروان، وذلك الإمام الهمام في آخر المطاف استشهد في المحراب، ونال شرف الشهادة، ولم يصل إلى هدفه وهو إصلاح الإمة الإسلامية. 

وتورّط الزبير في دماء آلاف المسلمين والأبرياء في معركة الجمل، وأوجد فتنة شديدة لدولة الحق آنذاك، و قتل دون کسب مادي ودنيوي، فقد قتل على يد رجل في الصحراء، وساءت عاقبته، لدرجة انه يُذكر بإمام الضلالة والكفر في الكتب الإسلامية[6]. 

نعم، إن أهل الصحوة وعشاق الله حتى آخر لحظة من عمرهم و من خلال العبر التي جاءت في القرآن الكريم والتاريخ، فإنهم يعيشون حالة من الخوف والوحشة حول عاقبة امرهم. 

نعم، ومن بركة هذا الخوف، فإنهم دائماً في حالة مراقبة انفسهم، ومن أجل دفع الخطر عن حياتهم الروحانية، فإنهم دائماً في حالة جد واجتهاد. 

لذا فإن الخوف من سوء العاقبة، حقيقة يحتاج لها الإنسان المؤمن. وإذا لم تكن مع الإنسان، فإنه لا يتحرك لإزالة ودفع موانع حسن العاقبة عن طريق حياته. 

 


[1]- سفينة البحار: 2/209. 
[2]- الحشر 59: 16. 
[3]- مجمع البيان: 9/265، بحار الانوار: 14/286، الميزان: 19/247، سفينة البحار: 1/71
[4]- التوبة 9: 75-77. 
[5]- تفسير القرطبي: 8/209. 
[6]- سفينة البحار: 3/441؛ دار الأسوة. 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الأمل في القرآن الكريم و الروایات
أوصاف العارفين في کلام امام العارفين(ع)
تحقيق حول مصباح الشريعة
اسباب الخوف من الموت
من هو العارف؟
وصايا الإمام الصادق(ع) للمفضل
الأثر السيء للتكبر
العرفان من لسان الإمام علي(ع)
حقيقة باطن العارفين
النبّاش؛ سارق الأكفان

 
user comment