المرأة الزانية
جاء في الاخبار:
كانت إمرأة زانية، تفتن شباب بني إسرائيل آنذاك، وكانت جميلة جداً لدرجة ان بعض الشباب قالوا لو أن العابد الفلاني قد رآها، لاستسلم لها.
فسمعت تلك المرأة الزانية كلامهم، وقالت في نفسها: والله لن أرجع إلى البيت حتى أغوي ذلك العابد بالشهوة.
فلما جنّ الليل ذهبت إلى بيت العابد وطرقت الباب وقالت: أريد الدخول، فلم يقبل العابد دخولها في ذلك الوقت من الليل، فصاحت المرأة ان مجموعة من الفساق يتبعونني وإن لم تفتح لي الباب، سوف أكون معهم وانت السبب.
فلما سمع العابد كلامها، فتح الباب لها من أجل نجاتها من اولئك الفساق. فلما دخلت البيت، نزعت جميع ملابسها بسرعة، فسحر جمالها الفتان وبدنها عيني العابد، فمد يديه ولمس بدنها، ولكنه سرعان ما أرجع يديه ووضعها في النار التي كانت مشتعلة تحت القدر. فقالت تلك المرأة له: ماذا تفعل؟ فأجابها: إن اليد التي تقوم بعمل يخالف أوامر الله، لجديرة بأن تُحرق. فهرولت المرأة إلى الخارج مسرعةً، فرأت مجموعة من بني إسرائيل وصاحت: ألحقوا ذلك العابد، فو الله لقد أهلك نفسه، فهرع الناس إلى ذلك العبد الخائف من الله وشاهدوا متعجبين، ان العابد قد أحرق يديه بالنار خوفاً من عذاب الله[1].
يحيى والخوف من الله
ينقل لنا الشيخ الصدوق رواية عن أبيه فيقول:
«قال رسول الله(ص): كان من زهد يحيى بن زكريا(ع) أنّه أتى بيت المقدس فنظر إلى المجتهدين من الأحبار والرهبان عليهم مدارع الشعر، وبرانس الصوف، وإذا هم قد خرقوا تراقيهم وسلكوا فيها السلاسل وشدوها إلى سواري المسجد، فلما نظر إلى ذلك أتى أمه فقال: يا أماه انسجي لي مدرعة من شعر وبرنسا من صوف حتى آتي بيت المقدس فأعبدالله مع الاحبار والرهبان، فقالت له أمه: حتى يأتي نبي الله وأوامره في ذلك، فلما دخل زكريا(ع) أخبرته بمقالة يحيى، فقال له زكريا: يابني مايدعوك إلى هذا وإنما أنت صبي صغير؟ فقال له: يا أبه أما رأيت من هو أصغر سناً مني قد ذاق الموت؟ قال: بلى، ثم قال لأمه: انسجي له مدرعة من شعر، وبرنسا من صوف، ففعلت فتدرع المدرعة على بدنه، ووضع البرنس على رأسه، ثم أتى بيت المقدس فأقبل يعبد الله عزوجل مع الاحبار حتى أكلت مدرعة الشعر لحمه، فنظر ذات يوم إلى ما قد نحل من جسمه فبكى، فأوحى الله عزوجل إليه: يايحيى أتبكي مما قد نحل من جسمك؟ وعزتي وجلالي لو اطلعت إلى النار اطلاعة لتدرعت مدرعة الحديد فضلا عن المنسوج، فبكى حتى أكلت الدموع لحم خديه، وبدا للناظرين أضراسه فبلغ ذلك أمه فدخلت عليه وأقبل زكريا(ع) واجتمع الاحبار والرهبان فأخبروه بذهاب لحم خديه، فقال: ما شعرت بذلك، فقال زكريا(ع): يا بني ما يدعوك إلى هذا؟ إنما سألت ربي أن يهبك لي لتقر بك عيني، قال: أنت أمرتني بذلك ياأبه، قال: ومتى ذلك يابني؟ قال: ألست القائل: إن بين الجنة والنار لعقبة لا يجوزها إلا البكاؤون من خشية الله؟ قال: بلى، فجد واجتهد وشأنك غير شأني، فقام يحيى فنفض درعته فأخذته أمه، فقالت: أتأذن لي يابني أن أتخذ لك قطعتي لبود تواريان أضراسك وتنشفان دموعك؟ فقال لها: شأنك، فاتخذت له قطعتي لبود تواريان أضراسه وتنشفان دموعه حتى ابتلتا من دموع عينيه فحسر عن ذراعيه، ثم أخذهما فعصرهما فتحدر الدموع من بين أصابعه، فنظر زكريا(ع) إلى ابنه وإلى دموع عينيه فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إن هذا ابني وهذه دموع عينيه وأنت أرحم الراحمين.
وكان زكريا(ع) إذا أراد أن يعظ بني إسرائيل يلتفت يمينا وشمالا فإن رأى يحيى(ع) لم يذكر جنة ولا نارا، فجلس ذات يوم يعظ بني إسرائيل وأقبل يحيى قد لف رأسه بعباءة فجلس في غمار الناس والتفت زكريا(ع) يمينا وشمالا فلم ير يحيى(ع)فأنشأ يقول: حدثني حبيبي جبرئيل(ع) عن الله تبارك وتعالى أن في جهنم جبلا يقال له السكران، في أصل ذلك الجبل واد يقال له الغضبان لغضب الرحمن تبارك وتعالى، في ذلك الوادي جب قامته مائة عام، في ذلك الجب توابيت من نار، في تلك التوابيت صناديق من نار، وثياب من نار، وسلاسل من نار، وأغلال من نار، فرفع يحيى(ع) رأسه فقال: واغفلتاه من السكران، ثم أقبل هائما على وجهه، فقام زكريا(ع) من مجلسه فدخل على أم يحيى فقال لها: يا أم يحيى قومي فاطلبي يحيى فإني قد تخوفت أن لانراه إلا وقد ذاق الموت، فقامت فخرجت في طلبه حتى مرت بفتيان من بني إسرائيل فقالوا لها: ياأم يحيى أين تريدين؟ قالت: أريد أن أطلب ولدي يحيى، ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه، فمضت أم يحيى والفتية معها حتى مرت براعي غنم فقالت له: يا راعي هل رأيت شابا من صفته كذا وكذا؟ فقال لها: لعلك تطلبين يحيى بن زكريا؟ قالت: نعم ذاك ولدي، ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه، قال: إني تركته الساعة على عقبة ثنية كذا وكذا، ناقعا قدميه في الماء، رافعا بصره إلى السماء يقول: «وعزتك مولاي لاذقت بارد الشراب، حتى أنظر إلى منزلتي منك» فأقبلت أمه فلما رأته أم يحيى دنت منه فأخذت برأسه فوضعته بين ثدييها وهي تناشده بالله أن ينطلق معها إلى المنزل فانطلق معها حتى أتى المنزل، فقالت له أم يحيى: هل لك أن تخلع مدرعة الشعر وتلبس مدرعة الصوف فإنه ألين؟ ففعل، وطبخ له عدس فأكل واستوفى فنام فذهب به النوم فلم يقم لصلاته، فنودي في منامه: يايحيى بن زكريا أردت دارا خيرا من داري وجوارا خيرا من جواري؟ فاستيقظ فقام فقال: يارب أقلني عثرتي، إلهي فوعزتك لا أستظل بظل سوى بيت المقدس، وقال لأمه: ناوليني مدرعة الشعر فقد علمت أنكما ستورداني المهالك، فتقدمت أمه فدفعت إليه المدرعة وتعلقت به، فقال لها زكريا: ياأم يحيى دعيه فإن ولدي قد كشف له عن قناع قلبه ولن ينتفع بالعيش، فقام يحيى(ع) فلبس مدرعته ووضع البرنس على رأسه، ثم أتى بيت المقدس فجعل يعبد الله عزوجل مع الأحبار حتى كان من أمره ما كان»[2].
بجانب النار المحرقة:
يقول الإمام الصادق(ع):
كان عابد في بني إسرائيل قد دعى إمرأة إلى بيته، وفي تلك الليلة بات مترصداً فعل السوء لها، ولكنه مباشرة مد يديه إلى النار وتراجع عن نيّته. ولكنّه مرة ثانية غلبت عليه نية السوء، ومرة أخرى مد يديه إلى النار. وكرّر هذا الشيء إلى الصباح كلما راودته نفسه. فلمّا أصبح الصباح قال للمرأة: أخرجي من بيتي فإنّك ضيفة سيئة[3].
[1]- بحار الأنوار: 7/387
[2]- أمالي الشيخ الصدوق: 27، المجلس الثامن، حديث3؛ بحار الانوار: 14/166، باب قصص زكريا ويحيى’- حديث4.
[3]- بحار الانوار: 14/166، باب قصص زكريا ويحيى’، حديث4.