عربي
Sunday 19th of May 2024
0
نفر 0

دليل الخوف

فالذي لا يهرب من الأمور الخطرة؛ المسببة له الخسران الأبدي؛ عليه ان يعلم ان الخوف من الله ومن عقاب الغد، لم يستقر بعد في قلبه. وإن كان يحسب نفسه عارفاً، لكنه لم تطأ قدماه وادي العرفان الاسلامي بعد.
دليل الخوف

يشير الإمام(ع) إلى النتائج العملية لكل من الخوف، والأمل والعشق ويبدأ أولاً بتوضيح نتيجة وثمرة الخوف، ويقول:

إن ظهور الخوف في قلب العارف دليله هو (الهرب) ويجب ان نوضح ماذا يعني الإمام من الهرب هنا؟

يجب ان يعلم الإنسان انه يواجه حقيقتين وهما:

1ـ مجموعة من المسائل والأمور التي هي تصبُ في مصلحته، وإن لم تكن ذات نفع ظاهري. 

2ـ مجموعة من المسائل والأمور التي تكون بضرره، وإن كان لها نفع ظاهري. 

و بكل تأكيد، لا يريد أي عاقل الضرر،  وأهل العقل يهربون دائماً من الضرر. وقد ثبتت هذه المسألة، و هي ان كل شيء سوى الله سبحانه وتعالى ومايتعلق به، لا ينفع الإنسان؛ بل ويضرّ به. ومن أجل هذا،  فإن العارفين يعيشون وفق القواعد والمعايير القرآنية، ولا يتعاملون في سوق الدنيا؛ إلا مع الله سبحانه وتعالى، لأنهم يعلمون بأن الله جل وعلا هو الوحيد الذي يشتري الإنسان ولا يريد منه سوى الإيمان والعمل الصالح وفي المقابل؛ فإنّه  يجازيه بالثواب الحسن الوفير. فغير الله، يستخدم الإنسان؛ في سبيل الأكل والشهوة وفي المقابل لا يجازيه بشيء، لانه في الأصل لا يملك شيئاً كي يهبه له. فغير الله؛ يؤدي بالإنسان إلى الفقر المادي والروحي، ويجعل دنياه وآخرته هباءً منثوراً، ويهيئ له الاسباب الابدية؛ لهلاكه لذا فإن العارف يهرب ويستوحش من غير الحق؛ ورسالة الأنبياء وإمامة الأئمة؛ وحكمة الحكماء؛ وعرفان العارفين الحقيقيين؛ والاخلاق الحسنة والاعمال الحميدة. 

فالذي لا يهرب من الأمور الخطرة؛ المسببة له الخسران الأبدي؛ عليه ان يعلم ان الخوف من الله ومن عقاب الغد، لم يستقر بعد في قلبه. وإن كان يحسب نفسه عارفاً، لكنه لم تطأ قدماه وادي العرفان الاسلامي بعد. 

حقاً، هل يمكن الحصول على الرشد والكمال، والبصيرة والمعرفة وكسب حصول المعرفة، بالادّعاء فقط دون العمل، أو بالكلام دون العلم؟

من أي شيء يجب ان نهرب:

وبالإجمل، فإنّه يستفاد من الآيات القرآنية والروايات الإسلامية مايلي:

1ـ ان يتجنب الإنسان مجالسة المذنبين والفساق الذين لا أمل في رجوعهم وتوبتهم ومن هنا فإن مجالسة هؤلاء يعتبر مانعاً للحصول على الرشد والكمال الانساني، فيجب علينا ان نحارب وبشدة، الارتباط مع هؤلاء الناس. 

2ـ اجتناب كل ما هو حرام واعتبر ذنب من وجهة نظر القرآن الكريم والروايات الشريفة. 

و هنا نشير إلى قسم من الآيات والروايات بخصوص الموردين السابقين:

الآية الأولى: عبّاد الشهوة:

{وَ ذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ}[1]. 

نعم، فعلى اساس الامر الذي اُعطي لنبيه(ص)، يجب على المؤمنين والعارفين، ان يقطعوا روابطهم مع الذين يتخذون الدين سخرية، وان يهربوا من مجالسة الجهلاء وان لا يعاشرونهم على الإطلاق. 

كما يأمرنا القرآن في كل عصر بالمحاربة والجهاد لاقتلاع جذورهم وتطهير طريق الله من الدنس ولوث وجودهم. 

بالطبع فإن هناك من يعرّف نفسه بأنه قطب وزاهد وفقير إلى الله  في الوقت الذي يشکل فيه رکناً من أركان السلطنة والبلاط الفاسد، و من اعمدة الحكومات الخائنة وحتى ان بعضهم يعرفون أنفسهم على شكل القطب أو الفقراء إلى الله، كي يصلوا إلى مقاصدهم الخبيثة و المشؤومة و هؤلاء لا يؤيدهم الإسلام. و من معهم من المخدوعين الذين يمضون في مسير الضلال والظلام. 

هؤلاء هم محور البرامج الشيطانية ولم يذوقوا ذرة من العرفان الاسلامي، وهم كالذئاب على هيئة اغنام، كما وصفهم الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي «قطاع الطريق». 

فالعارف الحقيقي من هو من دائرة العارفين الحقيقيين، ومحور العرفان والهداية، هو الوجود المقدس لمولى الموحدين، وامام العارفين، أمير المؤمنين(ع)، الذي أفنى عمره في محاربة المستكبرين ورؤساء الفساد والظالمين والكفار و المنافقين وضحى بروحه الطيبة في المحراب من أجل هذا الطريق، الذي هو طريق الله. وما أقل حياء الذين يدعون أنهم من العارفين والفقراء ومن موالي أمير المؤمنين(ع)؛ بينما هم مدنسون بالذنوب والرياء. 

الآية الثانية: الذين يفرّقون وحدة المسلمين:

{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْ ءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ}[2]. 

وهذه الآية تعلمنا بأن العارف بالطريق، يجب عليه ان يهرب من هؤلاء المرائين، ويتجنب معاشرتهم على الإطلاق، لانهم يخرّبون دنياهم وآخرتهم. 

الآية الثالثة: المستهزئون:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[3]. 

فالأمة الإسلامية بعد قرون و قرون من التجربة، ينبغي أن تكون قد وصلت إلى هذه النتيجة؛ بأنه لن يناله ولا يأتيه من قبل اليهود والنصارى والكفار أو بعبارة أخرى من الغرب والشرق إلا الضرر؛ لذا، فاليوم، هو ليس يوم الصداقة وبناء جسور المحبة معهم، بل اليوم هو يوم محاربتهم واقتلاعهم من جذورهم عن طريق البشرية نحو التکامل. 

الآية الرابعة: المنخدعون بالظاهر:

{يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآْخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ}[4]. 

يطلب الله سبحانه وتعالى منا في هذه الآية؛ ان نبتعد عن المنافقين والجواسيس الخبثاء، والمتكبرين وكل فرد يكون مخالفاً لله ورسوله ويكون وجوده ضرر للأمة الإسلامية. 

الارتباط مع هؤلاء يجلب للإنسان الخسارة في الدنيا والآخرة، والذي يخاف من الخسارة في الدنيا والعذاب في الآخرة، يجب عليه ان يبتعد من هؤلاء الخبثاء ولا يرتبط بهم مطلقاً. 

الآية الخامسة: المخالفون للعهود:

{وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ}[5]. 

الآية السادسة: كفر الوالدين:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِْيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[6]. 

الآية السابعة: المنكرون للمعاد:

{قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآْخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ}[7]. 

حقاً، كيف تبيّن هذه الآية من موضع قوي تكليف الأمة الإسلامية في مقابل اليهود والنصارى، بالأخص المجرمين الاوربيين والامريكيين والاسرائليين، و الأمة الإسلامية يجب ان تحدّد موقفها من اعداء الله بكل قوة اعتماداً على الله كما وردت في الآية، ولعنة الله على الخائنين الذين يدعون أنهم رؤساء و زعماء للأمة الإسلامية ومن ثم يتعاونون مع المجرمين ويقفون ضد الإسلام والمسلمين، فإذا كان هؤلاء حقاً يؤمنون بالله واليوم الآخر، لم يكن ليعقدوا معاهدة الصداقة معهم، بل كانوا يحاربونهم ويدافعون عن الاسلام والمسلمين. 

الآية الثامنة: المنافقون:

{الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ}[8]. 

و امثال هذه الآيات في القرآن الكريم كثيرة ويمكن ان يستفاد منها:

انّ العارف مکلّف في المرحلة الأولى ان يعرف الافراد المنافقين الذين فضحهم القرآن الكريم، وان يعمل بوظيفته الإلهية فإن كانت وظيفته ان يهرب منهم فليهرب، لأن هذا الهروب يأتي على أساس الخوف من الله. وإن كانت مسوؤليته محاربتهم فليتقدم في ميدان الجهاد ويخلص من شرهم عن  طريق الله، ولينتبه إلى قول الإمام جعفر الصادق(ع) حول حقيقة ونتيجة خوف العارفين: وَدَليلُ الْخَوفِ الهَرَبُ. فدليل وعلامة العارف المليء قلبه بالخوف، هو ابتعاده عن أهل المعاصي والكفر والفسق والمخالفين لعهودهم واجتنابه للمعاصي. 

 


[1]- الأنعام 6: 70. 
[2]- الأنعام 6: 159. 
[3]- المائدة 5: 57. 
[4]- المائدة 5: 41. 
[5]- التوبة 9: 12. 
[6]- التوبة 9: 23. 
[7]- التوبة 9: 29. 
[8]- التوبة 9: 67-68. 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الخوف الممدوح
من العبودية إلى الربوبية
نبع العرفان
الخوف من ضآلة النفس امام عظمة الخالق
النبّاش؛ سارق الأكفان
صفات الله في الأدعية
وصايا الإمام الصادق(ع) للمفضل
العرفان من لسان الإمام علي(ع)
مراحل الربوبية
طهارة القلب

 
user comment