عربي
Sunday 24th of November 2024
0
نفر 0

في سفاهة ـ أعوذ بالله ـ يعاب عليه أدنى الناس لو فعله ؟

في سفاهة ـ أعوذ بالله ـ يعاب عليه أدنى الناس لو فعله ؟

النقطة الثانية : كون الإجماع على تفضيل أبي بكر وعمر على علي (عليه السلام) ، وأنّهما أحقّ بالخلافة منه .

والجواب : لا يوجد إجماع في مسألة التفضيل ؟ وإنّما مدرك هذه الأقوال هو بضع روايات فيها الكثير من التأمّل ، فالمفاضلة الواردة في حقّ الثلاثة ـ أبي بكر وعمر وعثمان ـ على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) تنسب إلى ابن عمر ، كما هو الوارد في صحيح البخاريّ في مناقب عثمان ، وبملاحظة سنّ ابن عمر على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكونه لم يبلغ الحلم بعد ، يدرك أنّ عالَمه هو عالم الصبيان، إذ لم يكن ابن عمر قد بلغ مبلغ الرجال ، لينقل حال المفاضلة هذه عندهم ، كما هو واضح .

والمفاضلة الواردة في حقّ الأربعة ـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ـ فراويها جعدبة بن يحيى ، الذي يمكن العودة إلى ترجمته في لسان الميزان لننظر مصداقية نقله هذا ، بعد القدح الوارد فيه هناك (1) .

وإن كان هناك بحث يجب القيام به في موضوع المفاضلة هذه ، فالآيات والروايات صادحة بتفضيل الإمام علي (عليه السلام) على من سواه بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ويمكن للمتتبّع الحصيف أن يقرأ تفسير الآيات الكريمة التالية ، وأسباب نزولها ، ليجد موضع الإمام علي (عليه السلام) منها : آية المباهلة ، آية التطهير ، آية المودّة ، آية الولاية ، سورة الدهر ، وغيرها من الآيات الواردة في حقّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وبيان منزلته ومكانته العالية .

بل كفاه (عليه السلام) أن يكون حبُّه علامة الإيمان ، وبغضه علامة النفاق ، ليكون قسيم النار والجنّة بجدارة ، إذ المحبّون له سيكونون من المؤمنين ومن أهل الجنّة حتماً ، والمبغضون له سيكونون من المنافقين ومن أهل النار حتماً ،

____________

1- لسان الميزان 2 / 105 .


الصفحة 97


وذلك حسب الحديث الوارد عن الإمام علي (عليه السلام) : " إنّه لعهد النبيّ الأُمّي إليَّ ، لا يحبّني إلاّ مؤمن ، ولا يبغضني إلاّ منافق " (1) .

وروى الترمذيّ بسنده عن أنس بن مالك قال : " كان عند النبيّ (صلى الله عليه وآله) طير ، فقال : " اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير " ، فجاء علي فأكل معه " (2) .

قال المباركفوريّ : " وأمّا الحاكم فأخرجه في المستدرك وصحّحه " (3) .

وقال الذهبيّ : " وأمّا حديث الطير ، فله طرق كثيرة قد أفردتها بمصنّف ، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل " (4) .

فأحبّ الخلق إلى الله تعالى هو أكثر الناس اتباعاً لنبيّه (صلى الله عليه وآله) ، وهو أهل طاعته سبحانه ، قال تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ } (5) .

ومن هنا كانت طاعته (عليه السلام) طاعة لله ورسوله (صلى الله عليه وآله) : " من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع علياً فقد أطاعني ، ومن

____________

1- فضائل الصحابة : 17 ، صحيح مسلم 1 / 61 ، فتح الباري 7 / 58 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 151 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 494 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 47 و 137 و 6 / 534 ، خصائص أمير المؤمنين : 104 ، صحيح ابن حبّان 15 / 367 ، الأذكار النووية : 279 ، نظم درر السمطين : 102 ، كنز العمّال 13 / 120 ، دفع شبه التشبيه : 241 ، الجامع لأحكام القرآن 7 / 44 ، علل الدارقطنيّ 3 / 203 ، تاريخ مدينة دمشق 38 / 349 و 42 / 217 و 274 و 51 / 119 ، سير أعلام النبلاء 5 / 189 و 12 / 366 و 509 و 17 / 169، انساب الأشراف : 97 ، الجوهرة : 62 ، البداية والنهاية 7 / 391 ، ينابيع المودّة 1 / 149 و 2 / 180 .

2- الجامع الكبير 5 / 300 .

3- تحفة الأحوذيّ 10 / 153 .

4- تذكرة الحفّاظ 3 / 1043 .

5- آل عمران : 31 .


الصفحة 98


عصى علياً فقد عصاني " (1) .

أخرج هذا الحديث الحاكم في المستدرك على الصحيحين ، والذهبيّ في تلخيص المستدرك في نفس الصفحة ، وصرّح كلّ منهما بصحّته على شرط الشيخين .

كيف لا يكون الأفضل وقد ورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : " أوحي إليَّ في علي ثلاث : أنّه سيّد المسلمين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين " ، رواه الحاكم في المستدرك وقال : " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه " (2) .

والأفضل هو مَن يكون خيرة الله من خلقه مع النبيّ المصطفى (صلى الله عليه وآله) ، كما في قوله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام) : " يا فاطمة : أما ترضين أنّ الله عزّ وجلّ أطلع إلى أهل الأرض فأختار رجلين ، أحدهما أبوك ، والآخر بعلك " (3) .

أمّا كون أبي بكر وعمر أحقّ بالخلافة من علي (عليه السلام) فهذا لا وجه له ، إذ لم تكن الأحقّية المدّعاة بتنصيب من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) ، أو بإجماع من الأُمّة ، للخلاف الكبير الوارد في مؤتمر السقيفة ، أو حتّى بامتيازات خاصّة تؤهّلهما لتولّي شؤون المسلمين دونه (عليه السلام) ، فقد ورد عن عمر بن الخطّاب قوله ـ في أكثر من مورد ومورد ـ : " لولا علي لهلك عمر " (4) .

بل قال عمر في نفسه : " كل الناس أفقه من عمر " (5) .

____________

1- المستدرك 3 / 121 ، كنز العمّال 11 / 614 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 27 .

2- المستدرك 3 / 137 .

3- المصدر السابق 3 / 129 .

4- تأويل مختلف الحديث : 152، شرح نهج البلاغة 1 / 18 و 141 و 12 / 179 و 205 ، نظم درر السمطين: 130، جواهر المطالب 1/195 و 296، ينابيع المودّة 1 / 216 و 227 و 3 / 147.

5- الغدير 6 / 98 عن أربعينة الرازي : 467 ، المبسوط 10 / 153 ، كنز العمّال 16 / 538 ، المجموع 16 / 327 ، مجمع الزوائد 4 / 284 ، شرح نهج البلاغة 1 / 182 و 17 / 171 ، كشف الخفاء 1 / 269 و 388 و 2 / 117 ، الجامع لأحكام القرآن 5 / 99 و 15 / 179 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 478 ، الدرّ المنثور 2 / 133 ، فتح القدير 1 / 443 .


الصفحة 99


وقد صرّح أبو بكر معترفاً بعجزه عن إدارة شؤون المسلمين بقوله : " أقيلوني فلست بخيركم " (1) .

وقد صرّح عمر بن الخطّاب ـ وهو أوّل من أختار أبا بكر وبايعه على الخلافة ـ : " أنّ بيعة أبي بكر كانت فلته وقى الله شرّها ، حيث قال : " فلا يغترّنّ امرؤ أن يقول : إنّما كانت بيعة أبي بكر فلته وتمّت ، ألا وأنّها قد كانت كذلك ، ولكن الله وقى شرّها " (2) .

وأخيراً : فما بالك تحتجّ علينا بما ورد في كتبكم ، وأنت تعلم أن هذا ليس بحجّة في المناظرة ، ألا ترى ما ذكرنا لك ، واحتججنا عليك بما ورد في كتبكم ، ولم نأتِ بما في كتبنا ورواياتنا ، وإلاّ فعندنا أنّهم لا فضل لهم ، حتّى تأتي النوبة لمفاضلتهم مع الإمام علي (عليه السلام) !!

وأمّا تفضيل عثمان على علي (عليه السلام) ، فلا اعتقد أنّه يستحقّ الإجابة بعدما سمعت ما تقدّم .

وأمّا ما ذكرت من عدم منازعته لهما فلا نسلّم به ، بل إنّه طالب بحقّه بأقصى ما تسمح به مصلحة الإسلام ، وأنّه امتنع عن البيعة حتّى أكره بعد ستة أشهر كما يعترف البخاريّ ، وأمّا ما ذكرته من كتبكم فلا حجّة فيه علينا ، مع أنّه ضعيف في نفسه .

النقطة الثالثة : الولاية لعلي (عليه السلام) وأولاده .

والجواب : التولّي لعلي (عليه السلام) وأولاده ـ الأئمّة الأحد عشر من بعده ـ لم يكن وليد رأي أو اجتهاد ، أو دعوة للإرث التقليدي من النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، أو بفعل عامل

____________

1- شرح نهج البلاغة 1 / 169 .

2- صحيح البخاريّ 8 / 26 ، فتح الباري 12 / 132 ، المصنّف للصنعانيّ 5 / 442 ، المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 570 ، السنن الكبرى للنسائيّ 4 / 273 ، صحيح ابن حبّان 2 / 148 و 155 ، شرح نهج البلاغة 2 / 23 و 11 / 13 ، الثقات 2 / 153 ، تاريخ مدينة دمشق 30 / 283 ، جامع البيان 2 / 446 ، البداية والنهاية 5 / 266 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 487 .


الصفحة 100


القرابة والمصاهرة للنبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وإنّما هذا الأمر وليد النصوص النبوية المعصومة، التي دعت إلى ولاية علي وأهل بيته (عليهم السلام) .

فقد ورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) في حديث الثقلين المتواتر المشهور : " إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً " (1) .

وواضح لمن له أدنى مسكة علم أنّ التمسّك بالكتاب والعترة هو الاتباع والأخذ بهديهما ، وهو معنى الولاية لهما .

وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : " من سرّه أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي ، فليوال علياً من بعدي ، وليوالي وليّه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهماً وعلماً ، وويل للمكذّبين بفضلهم من أمّتي ، للقاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي " (2) .

وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : " من أحبّ أن يحيى حياتي ، ويموت ميتتي ، ويدخل

____________

1- فضائل الصحابة : 15 ، الجامع الكبير 5 / 328 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 196 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 418 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 45 و 130 ، خصائص أمير المؤمنين : 93 ، المعجم الصغير 1 / 135 ، المعجم الأوسط 4 / 33 و 5 / 89 ، المعجم الكبير 3 / 66 و 5 / 154 و 166 و 170 و 182 ، شرح نهج البلاغة 9 / 133 ، نظم درر السمطين : 232 ، كنز العمّال 1 / 172 و 186 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 122 ، المحصول 4 / 170 ، الإحكام للآمدي 1 / 246 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطنيّ 6 / 236 ، أنساب الأشراف : 111 و 439 ، البداية والنهاية 5 / 228 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 416 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 95 و 99 و 105 و 112 و 119 و 123 و 132 و 345 و 349 و 2 / 432 و 438 و 3 / 65 و 141 و 294 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 211 و 3 / 177 ، لسان العرب 4 / 538 و 11 / 88 ، تاج العروس 7 / 245 .

2- حلية الأولياء 1 / 128 ، كنز العمّال 12 / 103 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 240 ، ينابيع المودّة 1 / 379 و 2 / 489 ، شرح نهج البلاغة 9 / 170 ، مجمع الزوائد 9 / 108 .


الصفحة 101


الجنّة التي وعدني ربّي ، قضباناً من قضبانها غرسها بيده ، وهي جنّة الخلد ، فليتولّ علياً وذرّيته من بعده ، فإنّهم لن يخرجوكم من باب هدى ، ولن يدخلوكم في باب ضلالة " (1) .

وأمّا عصمة أهل البيت (عليهم السلام) ، ففي حديث الثقلين دلالة واضحة عليها ، إذ جعل الله سبحانه العصمة من الضلال بالتمسّك بالثقلين معاً ، وغير المعصوم لا يهدي إلى الحقّ مطلقاً ، كما قال تعالى : { أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } (2) .

أمّا قولك : إنّ الولاية له ولأولاده بمعنى العصمة فهي خلط منك ، لأنّ معنى الولاية شيء ـ وهي خلافة الله في أرضه ، والولاية في شؤون الدين والدنيا ـ ومعنى العصمة شيء آخر ، وهو العصمة من الخطأ والنسيان ، وكلّ منفر للناس من أوّل حياته إلى آخرها .

نعم ، نحن نقول : لابدّ للولي أن يكون معصوماً ، إذ لو جاز عليه الخطأ لجاز للناس عدم اتباعه فيه ، فلا تكون له ولاية عليهم ، وغيرها من الأدلّة مذكورة في محلّها ، فالعصمة لازمة للولاية وليست بمعناها ، فافهم .

وأمّا قولك : إنّ بعض الصحابة أفضل منهم ، لو سلّمنا فإنّه لا يلزم التناقض ؛ لأنّه لو فرضنا أنّ هناك صحابيّاً أفضل من بعض الأئمّة (عليهم السلام) ، ولكنّه ليس أفضل من الولي في زمنه ، وهو علي أو الحسن أو الحسين (عليهم السلام) .

ونحن على أقلّ الاحتمالات وتنزّلاً معك نثبت من خلال ما نقلتموه أنتم في تراجمهم أنّ كلّ واحد منهم كان أفضل الخلق في زمانه ، فتأمّل .

ثمّ متى ادعى الشيعة أنّ أساس التفضيل القرابة والنسب ، نعم إنّ القرابة منقبة وفضيلة ، ولكن ليست هي المقوّم للولاية ، وإنّما الولاية اختيار من الله تعالى ، ونصّ من الرسول (صلى الله عليه وآله) عليهم ، وكلّ إمام على الإمام الذي بعده .

____________

1- كنز العمّال 11 / 612 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 242 ، ينابيع المودّة 1 / 382 .

2- يونس : 35 .


الصفحة 102


ونحن إذا كنا نتبع ما يقوله أهل السنّة في عقائدهم ـ ومثالاً له ما تقوله في أنّ العصمة للأنبياء فقط في تبليغ الوحي ـ لكنّا من أهل السنّة ، ولسنا من اتباع أهل البيت (عليهم السلام) ، والدليل من الكتاب والسنّة بخصوص عقيدة العصمة بيننا وبينكم ، وإن أردت فراجع كتبنا .

وأمّا ما ذكرت من الحديثين ـ بعد الغضّ عن البحث في السند ـ فإنّ فيهما قضية كلّية لا مانع من تخصيصها بدليل آخر عقليّ أو نقليّ ، وإلاّ كيف ناقضت نفسك ، وأخرجت رسول الله (صلى الله عليه وآله) منهما ، فما تقول نقوله بخصوص أئمّتنا .

( يونس مطر سلمان . البحرين . 18 سنة . طالب ثانوية )

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

السؤال : هل كانت الشيعة في زمن الرسول ؟ وما رأي ...
السؤال : لماذا نرى بالمذهب الشيعي الصلاة على ...
هل منزلة الأئمة الأطهار أرفع منزلة من الأنبياء ...
السؤال : من المؤكّد أنّ العصمة الموعودة من الله ...
الخطبة الشقشقية
لماذا صار يوم عاشوراء اعظم الايام مصيبة
السؤال : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في ...
السؤال : هل توجد رواية في كتب أهل السنّة تبيّن ...
ما هو سرّ الخليقة وفلسفة الحياة؟!
السؤال : قال الإمام علي أمير المؤمنين : " أنا الذي ...

 
user comment