فارسی
سه شنبه 02 مرداد 1403 - الثلاثاء 15 محرم 1446
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

التوحید و الموحد فی الصحیفة السجادیة

التوحيد ‌و‌ الموحد في الصحيفة السجادية



مقدمة
أرجو ‌من‌ الله أن يجعل هذا المجلس معموارا بعنايته ‌و‌ ملائکته حيث قال مولانا السجاد في (الصحيفة السجادية) (و اعمر مجالس الصالحين آمين رب العالمين). ‌و‌ حيث أن دعاء ولي الله مستجاب فقد دعا لمجالس المؤمنين بالصلاح، نرجو ‌من‌ الله سبحانه ‌و‌ تعالي أن يعمر هذا المجلس بأصحاب العلم لذلک العمل فالمجلس ‌لا‌ يعمر الا بالعلم الصائب ‌و‌ العمل الصالح، ‌و‌ أن البيت المعمور انمما يعمر بالعلم ‌لا‌ غير ‌و‌ بالعمل الصالح ‌لا‌ غير.

البحث حول الصحيفة السجادية؟
ان البحث المحوري حول الصحيفة السجادية يترکز علي:
1 - ‌ما‌ ‌هو‌ التوحيد؟ 2- ‌من‌ ‌هو‌ الموحد؟

ما ‌هو‌ التوحيد؟
فالقرآن الکريم، ‌و‌ الانجيل ‌و‌ الزبور ‌من‌ البداية حتي النهاية ‌و‌ ‌من‌ الظاهر الي الباطن ‌و‌ ‌من‌ أدناها الي أعلاها هي کلها بيانات لماهية التوحيد، ‌و‌ ماهية الموحد.
يقول أهل المعرفة أن الدعاء ‌هو‌ القرآن الصاعد، ‌و‌ يلزم أن نبحث عن أي دعاء يکون کذلک، ‌و‌ أي داع يکون دعاؤه قرآنا صاعدا؟ اذ ‌لا‌ يصعد الي الله الا الکلم الطيب حيث قال سبحانه ‌و‌ تعالي: (اليه يصعد الکلم الطيب ‌و‌ العمل الصالح يرفعه) (فاطر / 10) فمتي يکون الدعاء قرآنا صاعدا ‌و‌ أي دعاء يکون کذلک؟
ان مولانا السجاد عليه السلام يهدينا الي هذا الحجاب أولا ‌و‌ الي خرقه ثانيا بقوله (... الراحل اليک قريب المسافة، ‌و‌ انک ‌لا‌ تحتجب عن خلقک الا أن تحجبهم الأعمال دونک).
ثم قال مقتبسات ‌من‌ القرآن الکريم، ‌و‌ ‌ما‌ ‌لا‌ يقتبس ‌من‌ القرآن ‌لا‌ يکون قرآنا صاعدا (ان القرب علي أنحاء أربعة: بعضها أقرب ‌من‌ بعض). قد قال سبحانه ‌و‌ تعالي: (و اذا سألک عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي ‌و‌ ليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) (البقره / 186) ففي هذه الآية أبدي الله نفسه قريبا ‌و‌ عبر عن نفسه بسبعة ضمائر ‌و‌ لم يوکل الأمر لرسوله فيقول له (قل لهؤلاء) بل بادر نفسه.
و قال سبحانه ‌و‌ تعالي: عن مرور الروح بالتراقي (و نحن أقرب اليه منکم ‌و‌ لکن ‌لا‌ تبصرون) (الواقعة الآية 85) أي أنه سبحانه ‌و‌ تعالي أقرب الي المحتضر ممن حوله فهو أقرب الينا ‌من‌ غيرنا. ‌و‌ هذه هي المرحلة الثانية.
ثم قال عزوجل: (و لقد خلقنا الانسان ‌و‌ نعلم ‌ما‌ توسوس ‌به‌ نفسه ‌و‌ نحن أقرب اليه ‌من‌ حبل الوريد) (سورة ق الآية 16) أي أن الله سبحانه ‌و‌ تعالي أقرب الينا ‌من‌ حبل ‌و‌ ريدنا. ‌و‌ هذه المرحلة ‌و‌ هذه المراحل يمکن ادراکها ‌و‌ ‌ان‌ صعبت لکن المرحلة الرابعة، ‌و‌ ‌ما‌ أدراک ‌ما‌ المرحلة الرابعة.
قال تعالي:(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله ‌و‌ للرسول اذا دعاؤکم لما يحييکم ‌و‌ اعلموا أن الله يحول بين المرء ‌و‌ قلبه ‌و‌ أنه اليه تحشرون) (سورة الأنفال الآية 24) أي أنه سبحانه اقرب الينا منا، فهل يمکن ادراک ذلک بسهولة؟ فهل نحن أقرب الي أنفسنا ‌من‌ الله سبحانه ‌و‌ تعالي؟ - معاذ الله -. فهو الأقرب الينا منا.
ما معني قوله أقرب الينا منا، فلا حقيقة للانسان الا قلبه ‌و‌ ‌هو‌ في القرآن الروح ‌و‌ النفس المجردة حيث قال تعالي: (في قلوبهم مرض...) (البقرة الآية 10) ‌و‌ قال سبحانه: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) (الأحزاب الآية 32) ‌و‌ قال: (و اعلموا أن الله يحول بين المرء ‌و‌ قلبه) (الأنفال الآية 24) أي أنه سبحانه ‌و‌ تعالي يعلم قبل أن نعلم، ‌و‌ قبل أن نريد يعلم ماذا نريد، ‌و‌ قبل أن نعزم يعرف کيف نعزم، فهو أقرب الينا منا.
و ‌من‌ هذه المراحل الأربع يتبين قول مولانا السجاد عليه السلام (ان الراحل اليک قريب المسافة) ‌و‌ اذا أردنا أن نعرف أن الله أقرب الينا منا فعلينا بالطهارة ‌و‌ تنزيه الذات في جميع الشهور ‌لا‌ سيما في شهر الله، فاذا تطهرنا ‌و‌ قلنا لله سبحانه ‌و‌ تعالي: (طهرنا ‌من‌ الذنوب ‌و‌ طهرنا ‌من‌ العيوب) يزول عنا الحجاب فنري الله ‌لا‌ بمشاهدة العيون بل بعيون الايمان. ثم نعلم أنه أقرب الينا منا ‌و‌ نفهم معني قول السجاد عليه السلام (ان الراحل اليک قريب المسافة ‌و‌ انک ‌لا‌ تحتجب عن خلقک الا أن تحجبهم الأعمال) (اقبال الأعمال / دعاء السحر.

الحاجة الي الله
و لأن الانسان محتاج ‌و‌ ‌لا‌ يمکن انکار ذلک، فأما الملحد فيلوذ بغير الله سبحانه ‌و‌ تعالي، ‌و‌ أما الموحد فلا يلوذ الا بالله، ‌و‌ أما المشرک فيلوذ بالله تارة ‌و‌ تارة الي غيره، قال سبحانه في سورة يوسف الآية 106: (و ‌ما‌ يؤمن أکثرهم بالله الا ‌و‌ ‌هم‌ مشرکون) أي أن أکثر المؤمنين مشرکون حيث يقولون لولا فلان لهلکت، ‌و‌ يقولون الله ‌هو‌ الأول ‌و‌ الطبيب ‌هو‌ الثاني. ‌و‌ أما الموحد الخالص ‌و‌ ‌هو‌ الذي أدبه الامام في الصحيفة السجادية يدرک حاجته أولا ‌و‌ يفهم ‌من‌ ‌هو‌ الغني ثانيا ‌و‌ کيف الوصول اليه ثالثا (و رأيت أن طلب المحتاج سفه ‌من‌ رأيه ‌و‌ قلة ‌من‌ عقله) (الصحيفة دعاء / 28) فلو طلب الانسان ‌من‌ الانسان لکان سفيها حيث قال سبحانه: (و ‌من‌ يرغب عن ملة ابراهيم الا ‌من‌ سفه نفسه...) (البقرة / 130) فابراهيم الخليل ‌هو‌ الموحد الخالص، ‌و‌ قال تعالي: (و الذي ‌هو‌ يطعمني ‌و‌ يسقين، ‌و‌ اذا مرضت فهو يشفين) (الشعراء / 80 - 97) فالمؤمن يري جميع المآثر ‌و‌ الآثار ‌من‌ صنع الله سبحانه ‌و‌ تعالي.
قال السجاد عليه السلام في بيان الموحد (و اعصمني ‌من‌ أن أظن بذي عدم خساسة ‌و‌ صاحب ثروة فضلا، فان الشريف ‌من‌ شرفته طاعتک ‌و‌ العزيز ‌من‌ أعزته عبادتک (الصحيفة دعاء / 35). لأن صاحب الثروة قبل بالتکاثر ‌و‌ الفضيلة هي الکوثر. فالدعاء فکرة ‌و‌ کلام ‌و‌ أدب مع الله. فلا شرف الا بالطاعة ‌و‌ ‌لا‌ عزة الا بالعبادة، حيث أن هذه المآثر القيمة قبس ‌من‌ القرآن الکريم، فقد قال عليه السلام (اللهم اهدني للتي هي أقوم) حيث قال سبحانه: (ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) (الاسراء / 9) فدعاء السجاد يعني أن يکون الداعي عارفا بالقرآن عاملا بأحکامه.
فاذا کان الداعي مهتديا بالقرآن ‌و‌ معصوما ‌من‌ أن يظن بذي عدم خساسة ‌و‌ بذي صاحب ثروة فضلا، ‌و‌ طلب الي الله طلب المحتاج يصبح ممن يستحق أن يدعو الله بهذا الدعاء ‌و‌ يقول: (وهب لي نورا أمشي ‌به‌ في الناس) (الصحيفة دعاء / 22) حيث أن الله سبحانه ‌و‌ تعالي يقول: (و جعلنا له نورا يمشي ‌به‌ في الناس..) (الأنعام / 122).
فالعلم العامل اذا مشي في بلد أو قرية فانه مصباح متحرک. فالعالم الذي ‌لا‌ يغير رؤيته ‌و‌ ‌لا‌ يؤثر مجلسه ‌و‌ مصاحبته فلا يؤثر لفظه. (فمن ‌لا‌ ينفعک لحظه ‌لا‌ ينفعک لفظه) فالذي يؤثر لحظه ‌و‌ لفظه ‌هو‌ النور الماشي في الناس. ‌و‌ قال مولانا السجاد (وهب لي نورا أمشي ‌به‌ في الناس) ‌و‌ قال (هب لي معالي الأخلاق) ‌و‌ هذا ‌و‌ نحوه مما يرجع الي العنصر المحوري الأول، أي ‌ما‌ ‌هو‌ التوحيد.

من ‌هو‌ الموحد
و أما العنصر الثاني ‌و‌ ‌هو‌ (الموحد) فهو الانسان الکامل، ‌و‌ الانسان کما قيل قديما ‌هو‌ الحيوان الناطق، ‌و‌ في القرآن ‌هو‌ الحي المتأله ‌و‌ لذلک بحث خاص ‌و‌ أما الانسان في الصحيفة السجادية فهو الحي الحميد أي الذي تکون حياته ذائبة في أمره سبحانه ‌و‌ تعالي ‌و‌ يعرج الي الله سبحانه ‌و‌ تعالي بحيث يشعر أنه محتاج ‌و‌ أن غيره محتاج ‌و‌ يري أن طلب المحتاج سفه، ‌و‌ لذا فلا يطلب ‌من‌ غير الله سبحانه ‌و‌ تعالي، فاذا طلب الي الله ‌و‌ استجيبت دعوته يحمد الله، فالانسان دائم الحاجة له سبحانه ‌و‌ تعالي. ‌و‌ في الصحيفة أدعية وافرة في ذلک. الدعاء الأول (دعاء التحميد) ‌و‌ لولا أن الله علمنا ‌و‌ هدانا ‌و‌ أدبنا في کيفية الحمد لکنا متصرفين بنعمه ‌من‌ غير أن نکون حامدين ‌و‌ صرنا مشمولين بقوله: (.. ‌ان‌ ‌هم‌ الا کالأنعام بل ‌هم‌ أضل سبيلا) (الفرقان / 44) فالانسان في الصحيفة السجادية ‌هو‌ الحي الحميد الذي يعلم أن جميع النعم ‌من‌ الله سبحانه ‌و‌ تعالي، ‌و‌ علي المتنعم أن يذکر نعم ربه ‌و‌ يشکرها. ‌و‌ الذي يتصرف بنعمه بالعصيان فليس بانسان، ‌و‌ الذي سيتصرف بنعمه سبحانه ‌و‌ ‌لا‌ يحمده فليس بانسان، والذي يتصرف بنعمه بما يرضاه الله ‌و‌ يرضاه الرسول ‌و‌ يشکر الله سبحانه ‌و‌ تعالي فهو الانسان، ‌و‌ ‌من‌ فرط، بالحمد فقد خرج ‌من‌ حدود الانسانية الي حدود البهيمية ‌و‌ أنتم تعلمون أن الانسان الذي يخرج ‌من‌ الانسانية الي البهيمية فان حجة الله عليه بالغة فله قلب ‌لا‌ يفقه به، ‌و‌ ‌من‌ بداية القرآن ‌و‌ حتي نهايته ‌لا‌ تجدون آية تدل علي أن الانسان ‌لا‌ قلب له علي النحو السلبي ‌و‌ أنتم تفرقون بين ‌ما‌ ‌هو‌ سلبي ‌و‌ ‌ما‌ ‌هو‌ ايجابي، فقد فقول في السلب ليس لديه قلب، ‌و‌ أما في الايجاب فنقول (لزيد قلب ‌لا‌ يعقل) فلا تجدون آية تدل علي سلب العقول، فالله يقول (.. لهم قلوب ‌لا‌ يفقهون بها ‌و‌ لهم أعين ‌لا‌ يبصرون بها ‌و‌ لهم آذان ‌لا‌ يسمعون بها اولئک کالأنعام بل ‌هم‌ أضل اولئک ‌هم‌ الغافلون) (الأنعام / 179) فهذه هي الحجة البالغة لأن ‌من‌ له يد ‌و‌ رجل ليس عليه حرج، فمن کانت له يد ‌لا‌ يبطش بالعدو بها، ‌و‌ له رجل ‌لا‌ يمشي بها في طريق الخير، فحجة الله عليه بالغة.
و قال السجاد عليه السلام (حجة الله عليهم بالغة) لأن لهم قلوبا ‌لا‌ يفقهون بها ‌و‌ قد غرتهم الحياة الدنيا، ‌و‌ قد قال الله سبحانه ‌و‌ تعالي (و أن استقاموا علي الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا) (الجن / 16) فعلينا أن نستقيم، ‌و‌ قال رسول الله (ص) لأبي ذر: (يا أباذر ‌ان‌ الدعاء ملح الطعام) فاذا کنا نحسن الطعام بقليل ‌من‌ الملح، فعلينا أن نحسن الطاعة ‌و‌ أن نضيف اليها الدعاء.
و نحن مرتکبون للمعاصي ‌و‌ الله منزل الرحمة ‌و‌ في دعاء ختم القرآن في الصحيفة السجادية (اللهم صل علي محمد ‌و‌ آله ‌و‌ هون بالقرآن عند الموت عن أنفسنا کرب السياق، ‌و‌ جهد الأنين... اذا بلغت النفوس التراقي ‌و‌ قيل ‌من‌ راق؟ ‌و‌ تجلي ملک الموت لقبضها ‌من‌ حجب الغيوب... ‌و‌ صارت الأعمال قلائد في الأعناق...) أي أن العمل السي ء يصير غلا علي العباد، فاذا أذنبنا صرنا مدينين ‌و‌ علي المديون أن يرهن ‌و‌ علي الدائن أن يرتهن، ‌و‌ الرهن ‌هو‌ النفس (کل نفس بما کسبت رهينة) (المدثر / 38) (کل امري بما کسب رهين) فالدعاء يفک هذا الرهن.
قال النبي الکريم (ص) عند استقبال شهر الله المبارک (فاعملوا أن ظهورکم ثقيلة بأوازکم فخففوها باستغفارکم ‌و‌ أن أنفسکم رهينة بذنوبکم ففکوها باستغفارکم) فهذه الصحيفة السجادية وصفة الهية لشفاء الأمراض فعلينا أن ندعو بهذه الأدعية ‌و‌ نعد بمضامينها حتي نفک أنفسنا ‌من‌ الرهن.

الدعاء ‌و‌ العبادة
يقول الله سبحانه في قرآنه الکريم:(و قال ربکم ادعوني أستجب لکم ‌ان‌ الذين يستکبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) (غافر / 60) ‌و‌ يقول مولانا السجاد عليه السلام في الصحيفة السجادية في تفسير کلمة (داخرين) مخاطبا الله سبحانه ‌و‌ تعالي: «فسميت الدعاء عبادة، ‌و‌ ترکه استکبارا ‌و‌ توعدت علي ترکه دخول جهنم داخرين» (الصحيفة السجادية، دعاء / 45)، فالعلة تناسب المعلول، ‌و‌ لابد أن يکون الدعاء عبادة.
و العبادة تصدر عن مناحي ثلاثة ‌و‌ هي: اما خوفا ‌من‌ النار، أو شوقا الي الجنة، أو حبا لله سبحانه ‌و‌ تعالي، فالانسان الکامل جامع لهذه المراتب الثلاث، ‌و‌ الصحيفة السجادية علي مناحي ‌و‌ درجات ‌و‌ طرق ‌و‌ شعب، بعض أدعيتها رهبة ‌من‌ النار، ‌و‌ بعضها الآخر رغبة في الجنة، ‌و‌ بعضها حب لله ‌و‌ شکر له سبحانه ‌و‌ تعالي. ‌و‌ الامام السجاد عليه السلام حيث انه انسان کامل، فالکامل ‌هو‌ الجامع للخوف ‌من‌ النار أولا، ‌و‌ للشوق الي الجنة ثانيا، ‌و‌ للحب ‌و‌ الشکر ثالثا، لأن هذه المراتب طوقية. فمن کان في المرتبة الثالثة فهو واجد للمرتبتين المتقدمين.
و الذي قاله مولانا علي عليه السلام: (ان قوما عبدوا الله رغبة فتلک عبادة التجار، ‌و‌ ‌ان‌ قوما عبدوا الله رهبة فتلک عبادة العبيد، ‌و‌ ‌ان‌ قوما عبدوا الله شکرا فتلک عبادة الأحرار) حکمة رقم 229، ‌من‌ نهج البلاغة.
و الدعاء عبادة کسائر العبادات، ‌و‌ العبادة وسيلة للتقرب الي الله سبحانه ‌و‌ تعالي، ‌و‌ قد أمرنا سبحانه ‌و‌ تعالي بالتوسل ‌و‌ ابتغاء الوسيلة حيث قال ‌جل‌ ‌و‌ علا: (و ابتغوا اليه الوسيلة) (المائدة / 35) کل ‌ما‌ يقربنا الي الله عزوجل ‌هو‌ وسيلة، فالصلاة وسيلة ‌و‌ الصيام وسيلة، صلة الرحم وسيلة، الحج ‌و‌ الجهاد وسيلة، ‌و‌ کل عبادة وسيلة.
فالدعاء اذن وسيلة، لکن الوسيلة ليس لها الا أن تجري ‌و‌ تعبر ‌و‌ تسير علي الصراط، المستقيم، فما ‌هو‌ الصراط المستقيم؟ قد بين لنا الامام السجاد عليه السلام ذلک اذ قال: (الصراط المستقيم هي الحکمة) لأن الله سبحانه ‌و‌ تعالي علي صراط مستقيم کما جاء (ان ربي علي صراط مستقيم) (هود / 56) ‌و‌ الصراط، المستقيم الذي تجري أمور الله سبحانه ‌و‌ تعالي عليه ليس الا الحکمة.
فالدعاء وسيلة، ‌و‌ الوسيلة لابد أن تکون مناسبة للصراط، ‌لا‌ مخالفة له لذا قال مولانا السجاد عليه السلام في الصحيفة السجادية (يا ‌من‌ ‌لا‌ تبدل حکمته الوسائل) (من الدعاء رقم / 12) ‌و‌ الصحيفة السجادية مليئة بالمعرفة ‌و‌ الحکمة ‌و‌ الآداب ‌و‌ تلک هي المعرفة، ‌و‌ الدعاء الذي يخالف الحکمة ‌لا‌ يکون وسيلة ‌و‌ عبادة، ‌و‌ ‌لا‌ يستجاب له.

الانسان مفطور علي العبادة
يقول تعالي: (و الله أخرجکم ‌من‌ بطون أمهاتکم ‌لا‌ تعلمون شيئا) (النحل آية 78) البعض يفسرون أن الانسان خلق کاللوح الخالي ‌من‌ النقوش العلمية، ليس في نفسه ‌و‌ روحه شي ء ‌من‌ العلوم، ‌و‌ أي علم يحصل عليه فهو کسبي، فجميع العلوم کسبية، هذا قول بعض أهل الفلسفة ‌و‌ أمثالهم.
أما الذي يفيدنا فيه مولانا السجاد عليه السلام ‌هو‌ أن هناک علمين علم کسبي ‌و‌ الانسان خلق جاهلا بهذا القسم ‌من‌ العلم کما قال عزوجل في سورة النحل، ‌و‌ هناک علم شهودي، فطر الانسان عليه، ‌به‌ يعرف الانسان الله سبحانه ‌و‌ تعالي حضورا، ‌و‌ هناک عمل انجذابي ‌و‌ انعطافي جبل الانسان عليه، ‌به‌ يعبدالله سبحانه ‌و‌ تعالي، کما قال عزوجل: (فاقم وجهک للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها ‌لا‌ تبديل لخلق الله) (سوره ي الروم آية 20) ‌و‌ قال ‌جل‌ ‌و‌ علا: (و نفس ‌و‌ ‌ما‌ سواها) (سورة الشمس آية 7).
هل تعلمون ‌ما‌ تسوية النفوس؟ قد بينه ‌و‌ فسره بقوله تعالي في نفس السورة الآية 8: (فالهمها فجورها ‌و‌ تقواها) أي أن تسوية النفوس ‌هو‌ بالالهام، فلم يقل (و ألهمها) بل قال (فألهمها) فالفاء تفسير لهذه التسوية، فالنفس ملهمة بالفجور ‌و‌ التقوي انجذبا ‌و‌ عملا ‌و‌ انعطافا، ‌و‌ النفس مفطورة علي التوحيد ‌و‌ الدين علما ‌و‌ عملا، هذا ‌هو‌ العلم الشهودي العريق، ‌و‌ هذا ‌ما‌ ‌هو‌ محصل ‌من‌ القرآن الکريم.
و أما اتجاه الصحيفة السجادية في هذا الأمر الهام، فقد قال مولانا السجاد عليه السلام فيها:(لولا ‌ان‌ الشياطين يختدعهم عن طاعتک ‌ما‌ عصاک عاص، ‌و‌ لولا أنه صور لهم الباطل في مثال الحق ‌ما‌ ضل عن طريقک ضال) (الصحيفة، دعاء رقم / 37)، يعني أن الانسان لولا المانع الخارجي فهو علي الصراط المستقيم، فهو يعرفک ‌و‌ يعبدک ‌و‌ ‌ان‌ اقتضاء المعرفة ‌و‌ العبادة موجود في متن الانسان ‌و‌ لکن علينا ‌ان‌ نعدم المانع.
فالانسان ذو علمين: علم مکتسب ‌من‌ الخارج فهذا ضيف، ‌و‌ علم مفطور عليه ‌من‌ الداخل ‌و‌ هذا ‌هو‌ المضيف، فعلي العالم أن يتعلم علما ‌لا‌ يکون مزاحما للمضيف، ‌و‌ ‌لا‌ يکون مزاحما لرب البيت. فالعالم الحوزوي أو الجامعي اذا تعلم علما ‌و‌ کان هذا العلم مزاحما للمضيف أي رب البيت تصبح عاقبته السوء، ‌و‌ اذا تعلم العالم علما مسايرا ‌و‌ مناسبا للمضيف فيصير عالما ربانيا يعلم ‌و‌ يعمل.
و ندعوا الله سبحانه ‌و‌ تعالي بدعاء مولانا السجاد عليه السلام حيث قال: (ثم له الحمد مکان کل نعمة له علينا... حمدا ‌لا‌ منتهي لحمده... حمدا نسعد ‌به‌ في السعداة ‌من‌ أوليائه، ‌و‌ نصير ‌به‌ في نظم الشهداء بسيوف أعدائه، انه ولي حميد) دعاء رقم / 1 / ‌من‌ الصحيفة.
لئلا يتوهم أنه ‌من‌ کان وليا لأولياء الله ‌و‌ بات ‌و‌ مات علي فراشه مات شهيدا، کما أن مولانا عليا عليه السلام قد دعا الله سبحانه ‌و‌ تعالي بقوله (نسأل الله منازل الشهداء ‌و‌ معايشة السعداء ‌و‌ مرافقة الأنبياء) شرح نهج البلاغة: ج 1، ص 312.
أولئک المجاهدون المستشهدون في سبيل الله الذين بذلوا مهجهم دون القرآن ‌و‌ العترة.
اللهم انصر الاسلام ‌و‌ أهله ‌و‌ اخذل الکفر ‌و‌ أهله ‌و‌ صلي الله علي محمد ‌و‌ آله ‌و‌ السلام عليکم ‌و‌ رحمة الله ‌و‌ برکاته.


عبدالله جوادي آملي


0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

شكر ، بالاترين عبادت
خوف از كوچكى خود ، در برابر عظمت حضرت حق
هفهاف بن مهند راسبى
مفهوم شكر، مدح، حمد
عارف كيست ؟
محبت به شقى ترین مردم
شش خصلت ماندگار
از راه نماز به بهترين حقيقت رسيد
پرهاى پرندگان و حیات انسان
زهد يا رهبانيت‏

بیشترین بازدید این مجموعه

آداب معاشرت
تفسیر سوره واقعه (2) تهران (مسجد حضرت امیر (ع)) ...
گلزار محبت
محبت به شقى ترین مردم
عارف كيست ؟
بخل ورزيدن از زكات
از راه نماز به بهترين حقيقت رسيد
راه اندازی بخش تخصصی عرفان اهل بیت(ع) در کتابخانه ...
مفهوم شكر، مدح، حمد
قدردانی استاد انصاریان از خادمین سیدالشهدا علیه ...

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^