المرحلة الرابعة
وفيها يكون البدن تحت إمرة وقيادة وإرادة الإنسان، بحيث يمكنه القيام بأعمال خارقة للعادة في إطار بدنه.
يقول الإمام الصادق×: >ما ضعف بدن عما قويت عليه النية<([30]).
المرحلة الخامسة
وهذه المرحلة من أعلى المراحل وفيها تصبح الطبيعة تحت نفوذ الإنسان وتحت سيطرته وطوع إرادته، ومن هنا تأتي معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء؛ وذلك أن المعجزات هي تصرّف وتسخير للطبيعة وتنضوي تحت الولاية التكوينية.
فالعصا واستحالتها إلى أفعى وثعبان وتحويل الأعمى إلى بصير وبعث الحياة في الموتى ومعرفة ما رواء الأستار، إن كل ذلك يأتي من باب التصرّف والولاية التكوينية.
ويظن البعض أن وقوع معجزة ما على يد نبي أو كرامة على يد ولي ليس له علاقة بإرادة صاحب المعجزة أو الكرامة ولا دخل لشخصيتة في ذلك وأنه فقط واسطة أو مسرح لوقوع هذه الحادثة المدهشة، وأن الذات إلى الاحدية المقدسة هي وحدها فقط وبشكل مباشر وراء ذلك، لأن المعجزة إنما هي خرق للقانون الطبيعي وهو خارج عن قدرات الإنسان مهما بلغ من قدرته.
وهذا التصور خاطئ ذلك أن الله عز وجل جعل لكل شيء سبباً وهو سبحانه يأبى أن يحدث فعل بدون واسطة وخارج نظامه ولأن هذا التصور يصطدم مع نصوص القرآن الكريم.
إن القرآن الكريم يصرح بشكل واضح أن الأنبياء هم من كانوا يقومون بالمعجزات، ولكن بإذن الله سبحانه وأنهم صلوات الله عليهم يقومون بالمعجزات بترخيص من الله عز وجل.
ومن البديهي أن الأذن الإلهي والترخيص الربّاني ليس من سنخ الأذن الإنساني الذي نفهمه ونتصور وهو الطلب من إنسان ما الأذن بفعل شيء.
كما أنه ليس هناك منعاً أخلاقياً أو اجتماعياً، بحيث يطلب الإنسان ترخيصاً بما يقوم به مثلاً.
إن الإذن الإلهي هو نوع من الكمال يبلغه النبي وهو بإرادة الله:
{وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ}([31]).
وفي هذه الآية الكريمة دلالة واضحة على أن المعجزة هي من النبي، ولكن بإذن الله وهو إذن تكويني فكل كائن في هذا العالم وفي أي درجة كان ومرحلة إنما هو منفذ لإرادة الله ومشيئته، وهو مظهر من مظاهره، وأن الأنبياء وفي كل ما يفعلون ومن ضمن ذلك قيامهم بالمعجزات إنما يستمدون ذلك من النبع الأزلي للغيب، وقد أشرنا إلى ما ورد في قصة النبي سليمان وعرش بلقيس ملكة سبأ:
{قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}([32]).
وفي الآية الكريمة تصريح إلى نسبة هذا العمل الخارق إلى الإنسان، أي ذلك الشخص فهو يقول أنا آتيك به واستناداً إلى علمه بجزء من الكتاب، فهناك علم لديه من اللوح المحفوظ وما حصل من علم خارق إنما جاء بموجب ما لديه من علم، وهكذا الأعمال الخارقة تأتي من خلال بلوغ الإنسان واطلاعه بنوع من العلوم لها علاقة واتصال باللوح المحفوظ ومقام القرب من الحق.
إذن فالقرآن الكريم يشير إلى تدرج الإنسان في حركة جوهرية وبلوغه مرحلة يمكنه أن يتصرف بالطبيعة وتكون له ولاية على الكائنات، وهذه كلها نتيجة للقرب الإلهي وكلما زادت درجة القرب من الله عز وجل زادت قدرته في التصرّف واشتدت ولايته.
عن الإمام الصادق× عن جدّه رسول الله’ عن الله عز وجل في حديث قدسي: >ما تقرّب إليّ عبد بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه، وأنه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته<([33]).
وعلى هذا فإن الطريق الوحيد لبلوغ المقامات الإنسانية والوصول إلى درجة الإنسان الكامل هو سلوك طريق العبودية؛ لأن جوهر وكنه العبودية وحقيقتها هي الربوبية والولاية.
وقد بلغ أهل البيت في عبادتهم وأخلاقهم وعبوديتهم لله تعالى مرحلة أصبحوا فيها الأكثر قرباً من الله عز وجل من سائر الكائنات من الجن والإنس والملائكة والكائنات صاحبة العقل الأخروي، ولهذا فقد أصبحت دائرة ولايتهم من السعة والإمتداد مستوى شملت الكائنات.
([2]) الكافي: 1/191، باب في أن الأئمة شهداء الله، حديث5؛ بصائر الدرجات: 83/باب 13، حديث6، بحار الأنوار: 23/342، باب 40، حديث 26.
([7]) شواهد التنزيل: 1/400، حديث 422، وفي المصادر الشيعية، الأمالي للصدوق: 564، المجلس الثالث والثمانون، حديث3، بحار الأنوار: 35/429 باب 24 حديث1، وسائل الشيعة: 27/188، باب 13، حديث 33564.
([10]) الكافي: 1/229 باب أنه لم يجمع القرآن كله، حديث 5، الخرائج والجرائح: 2/796 باب 16، بحار الأنوار: 26/17، باب 12، حديث 37.
([11]) الكافي: 1/193 باب أن الأئمة ولاة أمر الله، حديث 4، بصائر الدرجات: 23، حديث 3، بحار الأنوار: 36/249، باب 41 حديث 96.
([12]) معاني الأخبار: 35 باب معنى الصراط، حديث 5، بحار الأنوار: 24/12 باب 24 حديث 5، ينابيع المودة: 3/359.
([16]) عوالي اللئالي: 1/404 حديث 63؛ بحار الأنوار: 69/278، باب 116، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 5/361.
([17]) نهج البلاغة: 815، حكمة 237، كشف الغمة: 2/150، وسائل الشيعة: 1/63 باب 9، حديث 136، بحار الأنوار: 41/14، باب 101، حديث 4.