عربي
Saturday 27th of April 2024
0
نفر 0

طلاب الدنيا لا يدركون أهل البيت^

طلاب الدنيا لا يدركون أهل البيت^

الانحصار في النبوّة والإمامة

انطلاقاً مما ورد ندرك أن العصمة ليست أمراً انحصارياً، وإنما الأمر الانحصاري لا يمكن أن يدركه أحد مهما جدّ واجتهد وأخلص هو مقام النبوّة الرفيع ومرتبة الإمامة السامية.

{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ}([1]).

إن عدد الأنبياء وبناءً على ما ورد في الروايات يبلغ مئة وأربعة وعشرين ألف نبي وأن عدد الأئمة بعد النبي الأكرم محمد’ هم إثناء عشر إماماً فقط وهذا العدد لا ينقص ولا يزيد، إنّما الشئ الذي يتيسر الحصول عليه وبلوغه هو العصمة فباب الوصول إلى هذه المرتبة الرفيعة مفتوح للجميع فالسيدة فاطمة الزهراء÷ لم تكن نبيّة ولا إماماً ولكنها كانت معصومة، وهكذا بالنسبة للسيد مريم البتول لم تكن نبيّة ولم تبلغ مرتبة الإمامة، لكنها كانت معصومة ويعتقد كثير من العارفين أن السيدة زينب قد بلغت مرتبة العصمة، وإن سيدنا العباس بطل كربلاء هو الآخر قد نال هذا الشرف العظيم، وكذا علي الأكبر نجل الإمام الحسين الشهيد× وهؤلاء لم يكونوا أئمة ولا أنبياء.

وعلى هذا فإن بلوغ هذه المرحلة وهي النزاهة التامة من ارتكاب الخطأ والخطيئة أو العصمة أمر يسر للجميع وهي وإن كانت هبة إلهية أيضاً فإنّها مفتوحة للجميع، حيث يمكن للإنسان أن يصل مرحلة النزاهة من ارتكاب الخطأ في العلم والعمل، ومن ثم بلوغ درجة العصمة.

{وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ}([2]).

وهذا السؤال والطلب ليس لسانياً إنما هو تعبير عن الاستعداد للتسامي والرقي الروحي، فإن كل محاولة للتنزّه والتقرّب الى الله لن تبقى دون جواب واستجابة، وعندما يطلب الإنسان وذلك بلسانه ويوافقه تطلّع حقيقي في القلب والنفس والروح، فإن الله عزّ وجلّ لابد وأن يستجيب لهذه الإرادة الخيّرة في أعماق الإنسان ولابدّ أن يحصل على المقام الذي يستحق.

اكتساب العصمة

يتوجب أن نلتفت بعمق إلى أن العصمة ملكة اختيارية في مرحلتين علمية وعملية، وإن تحقق العصمة ليس أمراً تكوينياً وجعلياً، بل أنها فضيلة تكتسب في ظلال توفيق خاص من الله عزّ وجلّ وإذن لا يمكن أن نقول أن المعصوم عندما لا يرتكب ذنباً فليس له ثواب.

إنّ المعصوم كما وصفه القرآن الكريم هو  إنسان مسلح بـ >برهان من ربه< هذا البرهان الذي يتجلى في صورة ملكة تبلورت في داخل شخصيته ومن خلال هذه الملكة فإن المعصوم يقاوم عدوه في الباطن، حيث رغباته وغرائزه وميوله السلبية محددة وحبيسة في إطار من التقوى والورع.

ومن هنا فإن المعصوم وإن أراد التلذذ بارتكاب الذنوب ولكن بسبب التنكيل والردع فإن نفسه لا تجرأ على مجرّد التفكير في الذنب وارتكابه ذلك أن النور الذي يسطع في باطنه يكشف له عاقبة عمله فيراه على حقيقته البشعة.

حقيقة الإثم في عين المعصوم

إن السالك الواصل والمعصوم العارف، يرى كنه وباطن وحقيقة ونتيجة الذنب والمعصية والإثم.

{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً}([3]).

أجل إن باطن وحقيقة هذا الأكل الحرام هو نار مشتعلة، وهذه هي الصورة الحقيقية للذنب التي يراها بوضوح الإنسان المصون من الخطأ فكراً وسلوكاً، فهو لا يفكر أبداً بارتكاب الذنب أبداً.

كما أن حقائق الأشياء مشهودة لديه بوضوح تام وهذا ما يجعله في مأمن من الوقوع في الخطأ.

يقوم الإمام أمير المؤمنين علي× في نهج البلاغة بعد أن يذكر قصته مع أخيه عقيل الذي طلب أكثر من حقه: >وأعجب من ذلك طارق([4]) طرقنا بملفوفة في وعائها ومعجونة شنئتها، كأنما عجنت بريق حيّة أو قيئها، فقلتُ: أصِلَةٌ أم زكاة أم صدقة؟ فذلك محرم علينا أهل البيت، فقال: لا ذا ولا ذاك، ولكنّها هدية، فقلت: هبلتك الهبول أعن دين الله أتيتني لتخدعني؟ أمختبط أنت أم ذو جِنّة أم تهجر؟<([5]).

إنّ هذا الإمام المعصوم رأى الرشوة في صورتها الحقيقية وعلى خلاف ما أدّعاها المرتشي بزعمه أنها هدية، رآها في تلك الصورة المريعة التي إذا ما رآها الإنسان على هذه الصورة، فإنه سوف يفرّ منها ويولّي عنها رُعباً، ومن هنا فإن المعصوم يرى حقائق الأشياء وعلى أساس هذه الرؤية يتصرف.

وإذن فإن المعاصي والذنوب يراها المعصوم في صور مخيفة ومنفرة فهي نار شديدة مشتعلة، أو أفاعي سامّة وغير ذلك من الصور المخيفة والمنفّرة.

الشاهد ليس غافلاً

يصف الإمام أمير المؤمنين علي× الملائكة ويبين تحقق العصمة في وجوداتها ففي صفات الملائكة عدم السهو والنسيان، وعدم السقوط في حبائل الشيطان.

«لا يغشاهم نوم العيون، ولا سهو العقول، ولا فترة الأبدان ولا غفلة النسيان»([6]).

القدرة على ارتكاب الذنب لدى المعصوم

من الخطأ أن يتصور المرء أن المعصوم هو معصوم جبراً يعني أنه يفتقد تماماً القدرة على ارتكاب الذنب، والحقيقة أن المعصوم قادر على ارتكاب الذنب، لكنه لا يرتكب الذنوب، بعبارة أخرى أن عدم صدور الذنب عن المعصوم ليس ذاتياً لا يوجد امتناع ذاتي في عدم صدور الذنب من المعصوم، ولا هو مستحيل عقلاً، ولكنه مع كل ذلك لا يرتكب الذنب ولا حتى يخطر في باله ذلك.

وعلى أية حال فإن ملكة العصمة سواء في العلم أو في العمل لا تعني أبداً القضاء على القوى الإنسانية والغرائز البشرية؛ لأن كل منها يمكن الاستجابة له عن طريقين: الحلال والحرام، وكذا استخدام القوى الآدمية من سمع وبصر و ... فحاسة السمع يمكن أن يسمع بها الإنسان الموسيقى الإنسانية وما تزخر به الطبيعة من أصوات وأنغام جميلة أخاذة، وكذا البصر يمكن للإنسان أن يرى به المناظر الخلابة وغيرها من الحواس إن تحطيم وتدمير هذه القوى ليس بالأمر الصحيح ولا بالصائب، بل هو مستحيل في الغالب، ولذا فإن كل قوة من قوى الإنسان يمكن استخدامها وتوظيفها في طريق الحلال.

إنّ المعصوم يمكنه ومن خلال ضبط النفس وتهذيبها أن يصل إلى مرحلة بحيث ينأى تماماً عن ارتكاب الذنب وألا يخطر في باله مع الاحتفاظ بكل قواه الآدمية والبشرية، وكما أشرنا سابقاً كيف أن قوتي الشهوة والغضب تستحيلان في النهاية إلى صورة التولّي والتبرّي.

إن المعصوم يسعى جاهداً ومن خلال رياضته لنفسه وتهذيبها وتزكيتها أن يستعصي على ارتكاب الذنب، ولكن ارتقاؤه الروحي سيولّد لديه قوّة وقدرة تكوّن عنده حالة من الامتناع العرضي([7]).

أهل البيت في ذروة العصمة

قال رسول الله’ حول مسألة عصمة أهل البيت^:

«أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون»([8]).

وقال’:

«إنّا أهل البيت قد أذهب الله عنّا الفواحش، ما ظهر منها وما بطن»([9]).

و«الأوصياء لا ذنوب لهم، لأنّهم معصومون مطهرون»([10]).

إن السيدة الزهراء والإمام علي× وأحد عشر كوكباً منها هم أناس بلغوا مرتبة الكمال والعصمة، وقد عرفهم الناس وآمن الكثير من المسلمين بعصمتهم وأن الله سبحانه اصطفاهم ليكونوا حجته على الناس وهم يؤكدون على عصمتهم في حواراتهم واحتجاجاتهم مع الناس وأن الله سبحانه طهرهم من كل رجس ومن كل إثم ومعصية، وأنّهم عباد الله المخلصين لا يخدعهم الشيطان ولا يزلّهم وأن الله جعلهم حجة على الناس ومحجة لهدايتهم.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الطاقة الوجودية لأهل البيت^
8. سوء الاصراف بالنعم
النفس ومراحلها السبعة:
أهل البيت النور المطلق
التوسل بأهل البيت
مراحل عبادة العارفين:
>الَّذي نَوَّرَ قُلُوبَ الْعارِفينَ بِذِكْرِهِ<
الخوف من سوء العاقبة
حب أهل البيت
حديث من العرفاء:

 
user comment