تأويل نسيان موسى :
السؤال : إذا نظرنا إلى قصّة النبيّ موسى مع الخضر في سورة الكهف ، لوجدنا أدلّة تثبت عدم عصمة النبيّ موسى (عليه السلام) ، في البداية نسيانه الحوت ، ثمّ نسيانه للوعد الذي قطعه مع الخضر ، ثمّ عدم اعتباره من قصّة السفينة والولد حتّى سأل الخضر عن الأجر .
الجواب : إذا رجعنا إلى الآيات القرآنية الواردة بعد هذه الآية ، نجد أنّها ترفع اللبس الذي طرحتموه في السؤال ، فالآية التي ذكرتموها ظاهرة في أنّ موسى (عليه السلام) قد عرض عليه النسيان ؛ قال تعالى : { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا ... } (1) ، لكن الآيات التي بعدها تقول : { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ } (2) .
فالملاحظ أنّ الفتى نسب النسيان إليه ، وجاء بضمير المفرد { فَإِنِّي نَسِيتُ } ، ولم يقل : " فإنا نسينا " كي تكون النسبة لكليهما ، فالحوت كان موضوعاً في سلّة السفر ، وكان الفتى هو المكلّف بحملها ، فلمّا جلسا طلب موسى من فتاه أن يأتي بالحوت ، فلم يجد الفتى الحوت ، وقال نسيته .
ولا يتصوّر أنّ هذا كلام الفتى وليس كلام المعصوم كي نتمسّك به ، أو نعتمد عليه ، وذلك لأنّ القرآن الكريم في طرحه القصص لا يطرح القصّة هباءً منثوراً ، وإنّما يطرحها ضمن ضوابطها الإلهية وقوانينها الربانية ، أي يحكي الحالة الواقعية لتلك القصّة .
وعليه فيراعي كيفية النسبة والأسلوب ، والآية القرآنية الأُولى وإن أتت بألف التثنية ، لكن ذلك لا يدلّ مع وجود القرائن الأُخرى على أنّ النسبة حقيقة
____________
1- الكهف : 61 .
2- الكهف : 62 ـ 63 .
|
الصفحة 364 |
|
لكليهما ، وإنّما النسبة حقيقة لكن لبعضهما ، وهذا سيّال في كلام العرب ، فنقول : جاء القوم وهم يحملون متاعهم ، مع أنّ الحامل للمتاع هو بعض القوم لا عمومهم ، ولكن نسبت ذلك إلى هذا المعنى العام الشامل للجميع ، لأجل تلبّس البعض بذلك ، وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة عند العرب .
وأمّا الآيات الأُخرى التي ذكر فيها نسيان موسى (عليه السلام) للعهد الذي قطعه مع الخضر (عليه السلام) ، فنقول : بعد قيام الدليل العقلي على نفي النسيان عن الأنبياء (عليهم السلام) ، فلا يمكن بعد ذلك التمسّك بظاهر الآية ـ على تقدير أنّ ذلك ظاهرها ـ وترك الدليل القطعي ، ولذلك أجاب السيّد المرتضى بقولـه : وأمّا قولـه : { لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ } (1) فقد ذكر فيه وجوه ثلاثة :
أحدها : إنّه أراد النسيان المعروف ، وليس ذلك بعجب مع قصر المدّة ، فإنّ الإنسان قد ينسى ما قرب زمانه ، لمّا يعرض لـه من شغل القلب وغير ذلك .
الثاني : إنّه أراد أن لا تؤاخذني بما تركت ، ويجري ذلك مجرى قولـه تعالى : { وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ } (2) أي ترك ، وقد روي هذا الوجه عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : { وقال موسى : لا تؤاخذني بما نسيت ، يقول : بما تركت من عهدك } .
الثالث : إنّه أراد لا تؤاخذني بما فعلته ممّا يشبه النسيان ، فسمّاه نسياناً للمشابهة ، كما قال المؤذّن لأخوة يوسف (عليه السلام) : { إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } (3) ، أي إنّكم تشبهون السرّاق ... .
وإذا حملنا هذه اللفظة على غير النسيان الحقيقي فلا سؤال فيها ، وإذا حملناها على النسيان في الحقيقة ، كان الوجه فيه أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) لا يجوز عليه
____________
1- الكهف : 73 .
2- طه : 113 .
3- يوسف : 70 .
|
الصفحة 365 |
|
النسيان فيما يؤدّيه عن الله تعالى أو في شرعه ، أو في أمر يقتضي التنفير عنه ، فأمّا فيما هو خارج عمّا ذكرناه فلا مانع من النسيان (1) .
فإذا كان لفظ النسيان صريح في النسيان الحقيقة ، فيجب حمل الآية على ما يوافق البراهين القطعية القرآنية وغيرها الناطقة بعصمة الأنبياء ، وبما يشمل النسيان ، فكيف الحال فيما إذا كان لفظ النسيان ظاهر في ذلك ، ويحمل معنى الترك في ذاته أيضاً ، فلا يمكن بعدها التمسّك بهذا الظاهر ، وطرح ذلك الفرع القطعي القائم على نفي جميع ذلك عن الأنبياء .
( تسنيم الحبيب . الكويت . 19 سنة . طالبة جامعة )
طلب المعصوم تخفيف سكرات الموت لا يدلّ على ارتكابه للمعصية :
السؤال : ذكر الشيخ الحائري اليزدي في إلزام الناصب (2) : أنّ نبي الله عيسى (عليه السلام) أحيا سام بن نوح (عليهما السلام) في قصّة مفصّلة .
ثمّ إنّ سام طلب من النبيّ عيسى (عليه السلام) أن يدعو الله لـه ليخفّف عنه سكرات الموت ، السؤال هو : أليس سام وصي نوح (عليهما السلام) ؟ وألا يفترض أن يكون أوصياء الأنبياء معصومين ؟ فلماذا يطلب سام (عليه السلام) تخفيف سكرات الموت عنه ؟!
وجزاكم الله خير الجزاء ، ودمتم موفّقين .
الجواب : إنّ سام وصي نوح (عليه السلام) ، وكُلّ وصي معصوم ، وطلبه في تخفيف سكرات الموت لا يدلّ على ارتكابه للمعصية .
ثمّ هذه الرواية نقلها صاحب إلزام الناصب عن مجمع البيان في تفسير القرآن للعلاّمة الطبرسي (3) ، والعلاّمة (قدس سره) ذكرها بلا سند ، فهي رواية
____________
1- تنزيه الأنبياء : 121 .
2- إلزام الناصب 2 / 271 .
3- مجمع البيان 2 / 299 .
|
الصفحة 366 |
|
مرسلة لا حجّية لها ، وعلى فرض صحّتها نقول : إنّ طلب الأنبياء والأوصياء للتخفيف في سكرات الموت يختلف عن المعنى الذي يطلبه عامّة البشر .
ومثاله مثال التوبة التي يطلبها المعصوم من الله تعالى ، والتوبة التي نطلبها نحن ، حيث توبتنا ناشئة من الذنب ، بخلاف توبة المعصوم (عليه السلام) .
( أحمد العباسي . الكويت . 21 سنة . طالب جامعة )
السؤال : هل عصمة الملائكة اختيارية كعصمة الأنبياء ؟ وهل مسألة ترك الأولى ممكنة بالنسبة للملائكة ؟ وفّقكم الله لكُلّ خير .
الجواب : إنّ عصمة الملائكة ليست اختيارية كعصمة الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) ، بل إنّ عصمتهم واجبة لأنّهم وسائط التدبير ، وليس لهم شأن إلاّ إجراء الأمر الإلهي في مجراه وتقريره في مستقرّه ، كما في قولـه تعالى : { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } (1) .
ومن حيث عدم معصيتهم لله فإنّهم ليست لهم نفسية مستقلّة ذات إرادة مستقلّة تريد شيئاً غير ما أراد الله سبحانه ، وهذا ما أشار إليه قولـه تعالى : { لاَ يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } (2) .
ومن هذا يتّضح جواب السؤال الثاني بأن لا أولوية لهم حتّى يحقّ تركها ، فكُلّ الأوامر يجب أن تنفّذ على طبق الإرادة الإلهية .
(... . السعودية . ... )