نهج البلاغة هو مجموعة الخطب والرسائل والحكم التي جمعها الشريف الرضي من كلام مولانا أمير المؤمنين (ع).
وهو مصدر مهم من مصادر الخطابة يستفيد منه الخطيب في مجالين:
- الأول: رفع مستواه البلاغي حيث أن حفظ النصوص من نهج البلاغة يساعد الخطيب على تقوية بيانه الخطابي، وعلى رفع قدرته الأدبية وعلى زيادة تذوقه الأدبي لما في نهج البلاغة من أساليب البيان والبديع، وهي عناصر مهمة يجب توفرها لدى الخطيب الناجح.
- الثاني: الاستفادة من نهج البلاغة كمادة علمية في المادة الخطابية فالخطيب الناجح هو الذي يسعى لتضمين حديثه على المنبر فقرات من نهج البلاغة بما يناسب موضوعه فبمقدوره أن يطوع نصوص نهج البلاغة لأي موضوع يريد التحدث حوله سواء في العقائد أو في السياسة أو في المجتمع، ذلك لأن الخطيب سيجد في خطب أمير المؤمنين المتنوعة والتي قيلت في مناسبات مختلفة مادة دسمة في كل موضوع حياتي لأن الإمام قال تلك الخطب في أوقات مختلفة وفي أحداث متبانية وفي مناسبات متنوعة فتعددت أغراض نهج البلاغة واتسعت دائرتها لتشمل الحياة بأسرها.
أما كيفية الاستفادة من نهج البلاغة؟ أو كيف يستطيع الخطيب أن يعد موضوعاً خطابياً استناداً إلى نهج البلاغة؟ فعلى من يريد الاستفادة من نهج البلاغة اتباع الخطوات التالية:
- الخطوة الأولى: أول ما يحتاجه الخطيب الذي يريد استنباط موضوع من نهج البلاغة هو معجم نهج البلاغة، معجم لفظي ومعجم موضوعي، فإذا أراد أن يحضر موضوعاً حول الصدق مثلاً فعليه أن يراجع هذا المعجم في الابتداء ويستخرج ما ورد من نصوص في الصدق فيبتدأ أولاً بالمعجم الموضوعي فيستخرج كل ما ورد في المعجم من نصوص في هذا المجال ثم بعد ذلك يراجع المعجم اللفظي الذي يكمل به المعجم الموضوعي.
- الخطوة الثانية: أن يقوم الخطيب بعملية مقارنة ومقايسة بين تلك النصوص التي استخرجها، فهناك نصوص تتحدث عن الإنسان الصادق، ونصوص تتحدث عن العوامل المؤثرة في بناء المجتمع الصادق، ونصوص تبين ثمار ونتائج الصدق، ونصوص أخرى تتحدث عن تربية الأولاد على الصدق ونصوص أخرى تتحدث عن صفات الصادقين وهكذا.
- الخطوة الثالثة: أن تنظم هذه النصوص تنظيماً منطقياً، فمثلاً أن نذكر الأسباب ثم النتائج والآثار فينتظم الموضوع حسب ما حصلنا عليه من النصوص بطريقة منطقية مقبولة فنقدم الحديث حول أهمية الصدق، ثم الحديث عن (كيف يصبح الإنسان صادقاً) ثم الحديث عن الرجال الصادقين ونماذج عنهم وعن حياتهم ثم الحديث عن نتائج الصدق وفوائده الاقتصادية والاجتماعية ثم الحديث عن الثواب والأجر الذي يحصل عليه الإنسان الصادق.
- الخطوة الرابعة: إعطاء الأمثلة الموافقة لكل نص من النصوص فإذا كان الحديث يدور حول أسباب الصدق يسرد الخطيب مثالاً من التاريخ أو من الحياة ليقرب المعنى إلى الأذهان وعندما يصل إلى موضوع صفات الصديقين يعطي نماذج حيّة عنهم، فيتكلم عن أبي ذر وصدقه، ويعطي صورة عما كان عليه هذا الصحابي الجليل من صدق الحديث. وعندما يكون الإنسان صادقاً تصبح نجاته في الصدق.
أما كيف يستعد الخطيب ليكون على أهبة الاستعداد للتحدث حول نهج البلاغة؟ أول عمل يجب أن يقوم به الخطيب استعداداً للمنبر هو أن يحفظ من كل موضوع نصاً أو نصين على الأقل من نهج البلاغة حتى يصبح قادراً على الاستفادة منها في أي وقت شاء فحفظ نصوص من النهج إضافة إلى الاستفادة منه في مجال الموضوعات يقوم الجانب الأدبي والبلاغي من الخطيب ويجعل لسانه مشبعاً بكلمات أمير المؤمنين يذكرها على البديهة وتأتي على لسانه من دون تكلف وتردد.
وبالإضافة إلى حفظ النصوص هناك أبيات شعرية منسوبة لأمير المؤمنين (ع) تنفع الخطيب وتمكنه من الإحاطة بفكر الإمام وبلاغته.
أما الكتب التي يجب أن تتوفر في مكتبة الخطيب فكتاب نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح ففي نهاية هذا الكتاب يذكر المحقق فهرساً موضوعياً لنهج البلاغة وشرحاً لبعض الكلمات التي هي بحاجة إلى ذكر معناها. ولما كان الفهرس الموضوعي غير كاف فلا بد من الاستعانة بكتاب المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة حيث جمع كل ما ورد في هذا الكتاب حسب الحروف الهجائية.
أما الشروح التي لا بد أن تتوفر في مكتبة الخطيب فهي شروح كثيرة أسهلها وانفعها للخطيب الشرح المسمى ببهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، فقد قام المصنف بشرح كلمات أمير المؤمنين شرحاً موضوعياً على خلاف الشراح الآخرين الذين اعتادوا الابتداء بالخطب ثم الرسائل ثم الحكم، فهذا الكتاب المشتمل على أربعة عشر جزءً تضمن كافة الأغراض والموضوعات التي وردت في نهج البلاغة، فقد جمع المصنف لكل موضوع ما ورد فيه، من النصوص والروايات ورتبها ترتيباً موضوعياً حسب أهمية الموضوع ثم شرحها بأجمعها في خطاب واحد.
ولما كان الخطيب سيتعرض إلى سيل الأسئلة فكان عليه أن يتهيأ للإجابة على الاستفسارات والأسئلة والإجابة عن الشبهات.
واهم هذه الشبهات التي تتردد على بعض الألسن أن نهج البلاغة من تأليف الشريف الرضي وانه ليس من كلام أمير المؤمنين (ع).
فكان على الخطيب أن يجيب على هذه الشبهة بذكر الحقائق التالية:
1ـ اكثر ما ورد في نهج البلاغة من الخطب والرسائل والحكم أوردها أدباء مصنفون من أمثال المبرد والجاحظ وابن قتيبة وقد عاشوا قبل الشريف الرضي فلو كان نهج البلاغة من تأليف الشريف الرضي فمن أين جاء أولئك بتلك النصوص ونسبوها إلى أمير المؤمنين (ع).
2ـ ذكر المسعودي في مروج الذهب أن الناس ويقصد بهم الأدباء يحفظون الكثير من كلمات أمير المؤمنين (ع) ، ولما كان وفاة المسعودي قبل ولادة الشريف الرضي وانه ذكر جانباً من كلمات نهج البلاغة، لذا كان من المؤكد أن نعتقد بأن الشريف الرضي ليس إلا جامع لنصوص نهج البلاغة.
3ـ استدل العديد من المشككين بقول الشريف الرضي في مقدمته لنهج البلاغة حيث ذكر لفظ تأليف لكلمات أمير المؤمنين (ع) ونتعجب كيف غاب ورود لفظ التأليف بمعنى الجمع سيما وانه قد أردف بعبارة كلمات أمير المؤمنين، أي أنه جامع لهذه الكلمات وليس المؤلف لها، إذ كيف يؤلف إنسان كلاماً قاله غيره.
ومن الأمور التي يجب أن يعرفها الخطيب ويذكرها للناس عدد الشروح وأهمها، وصفة كل شرح فبعض الشروح يركز على المعنى اللغوي وبعضه على الجانب التاريخي والبعض الآخر على الجانب البلاغي والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
الدكتور السيد محسن الموسوي القزويني
source : http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=111223