عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

رسالة مفتوحة من الشيخ الآصفي الى فضيلة الشيخ القرضاوي

بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة الشيخ القرضاوي عالم داعية من علماء المسلمين تعرفه الساحة الإسلامية بالسعي والاهتمام بقضايا الأُمة الكبرى، والحضور الفاعل في الساحة، وله تاريخ حافل بالعمل وضريبة العمل من السجون والمطاردة في فترة مطاردة الاخوان المسلمين في مصر، وكان فضيلة الشيخ من أبرز الدعاة والعلماء، في هذه الجماعة. وقد التقى بالشيخ حسن البنا(رحمه الله)، وتأثّر به، وتعلّق بالدعوة من يومه.

وعرفناه من دعاة التقريب، والتوحيد، ومكافحة الفتن الطائفية، ولم يزل ذلك عهدنا به أُسوة بشيخه الشيخ حسن البنا(رحمه الله) الذي كان من الروّاد الأوائل والمؤسّسين لحركة التقريب في مصر.

ولكنّنا في الآونة الأخرة لمسنا فى تصريحات الشيخ وكلماته توجّهاً جديداً يختلف عما كنّا نعرفه به من الحرص على التقريب والتفاهم بين المسلمين.

... وآخر ما قرأنا له في هذا الاتجاه مقابلته لصحيفة (المصري اليوم)، وفيها يصرّح الشيخ:

بأنّه يعتقد أن الشيعة فرقة مبتدعة، وبالتالي ضالّة ويذكر أن هناك خطوطاً حمراء بين أهل السنّة والشيعة، منها سبّ الصحابة، ومنها نشر المذهب في البلاد السنيّة الخالصة، وأن لدى الشيعة الملايين بل البلايين وكوادر مدربة على نشر المذهب، وليس لدى السنّة أي حصانة ثقافية ضد هذا الغزو!!... الخ

فوجدت في هذا التوجّه الجديد ما لا ينسجم مع تاريخ الشيخ القرضاوي وحرصه على التقارب والتفاهم. وما لا ينسجم مع متبنيّات وأفكار المدرسة التي تخرّج منها، وبرز فيها، وهي مدرسة (شيخي الإسلام ; الشيخ حسن البنا والشيخ محمود شلتوت رحمهما الله تعالى) من التقارب والتفاهم.

فلا يتضمن اللقاء والتفاهم بين المذاهب الإسلامية معنى التوافق الكامل بينها في الأُصول والفروع، وليس معنى الاختلاف في الأُصول والفروع أن يرمي أحدنا الآخر بالابتداع والضلال والسقوط، إذا كان هذا الاختلاف في دائرة الاجتهاد في فهم الكتاب والسنّة، ولم يخرج منها.

البدعة في الدين

ولست أدري ماهو تعريف فضيلة الشيخ للبدعة والابتداع؟!

وهل يجوز أن يصف كل من إختلف عنه في الرأي في فهم الكتاب والسنّة بالابتداع.

ولو كان الأمر كذلك لجاز أن يصف المجتهدون وأصحاب الرأي والنظر بعضهم بعضاً بالابتداع، لأن كل واحد يفهم آيات من الكتاب أو أحاديث من السنّة على غير ما يفهمه الآخر، أو يأخذ برواية، يتركها الآخر، ويأخذ الآخر برواية لا يأخذ بها الأوّل، بسبب الاختلاف في معايير الجرح والتعديل والتوثيق.

فيكون، بناءً على ذلك، كل مذهب من المذاهب الإسلامية في الأُصول والفروع مبتدعاً بالنسبة الى المذهب الآخر، وبالعكس، حتى لو كان المذهبان في إطار أهل السنّة.

ولا أعتقد أنَّ الشيخ القرضاوي يُقرّ هذا التعريف للبدعة.

البدعة هي أن يضيف الإنسان في الدين شيئاً ليس في الكتاب والسنّة.

وأمّا الاختلاف في فهم الكتاب والسنّة فهو من الاختلاف في الاجتهاد في الأُصول والفروع، وليس من البدعة.

وليس لدى الشيعة الإمامية مصدر غير الكتاب والسنّة.

ودور الاجماع عندنا دور ثانوي وهو دليل كاشف عن السنّة، وليس دليلاً قائماً برأسه كالكتاب والسنّة.

مرجعية أهل البيت(عليهم السلام) السياسيّة والدينيّة من الكتاب والسنّة

وقد فهم الشيعة من حديث الغدير المعروف مرجعية الإمام عليّ(عليه السلام)السياسية بعد رسول الله، وحديث الغدير من سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وهو من الأحاديث المتواترة أو المستفيضة ولها طرق صحيحة في أسانيد الفريقين.

وفهموا من حيث الثقلين المتفق عليه «إنّي تاريك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي» مرجعية أهل البيت(عليهم السلام) الدينية في الأُصول والفروع.

وفهموا من آية التطهير في سورة الأحزاب بضميمية الروايات الكثيرة، وفيها الصحاح، الواردة عن رسول الله في تشخيص كلمة أهل البيت الواردة في هذه الآية بأنّهم رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) ، دون غيرهم.

وإنّ الله تعالى طهّرهم من كل رجس، والكذب من أبشع أنواع الرجس، فهم صادقون في كل ما يقولون في الأُصول والفروع... وهذا الحدّ من العصمة (: العصمة عن الكذب) يكفينا في كلّ ما نقوله من مرجعية أهل البيت(عليهم السلام)السياسيّة والدينية بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) .

وأهل البيت(عليهم السلام) يصرّحون بأنّهم ليسوا من نمط المجتهدين، يجتهدون في استخراج الحكم الشرعي من الكتاب والسنّة، بالآليات الاجتهادية المعروفة، كما يعمل سائر المجتهدين... وإنّما هم يروون حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ويرثونه جيلاً بعد جيل، كابراً عن كابر، في الأُصول والفروع.. فإذا حكموا بحكم في الأُصول أو في الفروع، فهو ليس من الاجتهاد في شيء، وإنّما هو مقتبس من حديث رسول الله الذي يتوارثونه.

وليس لنا ولا لمسلم أن يكذّبهم في ذلك، بعد ما برّأهم الله من رجس الكذب في كتابه صراحة.

والشيعة واضحون في النقاط الثلاثة التي وضحتها عن دلالة آية التطهير وحديث الغذير وحديث الثقلين على مرجعية أهل البيت(عليهم السلام) السياسية والدينة، وقد كتبوا في ذلك مئات الكتب، وأوضحوا آرائهم وأدلتهم في ذلك، وكتبهم وآراؤهم مطبوعة ومنشورة وموفورة في المكتبات.

وسواءً اقتنع فضيلة الشيخ بهذه الأدلة أو لم يقتنع، فإنّ احتجاج الشيعة بالكتاب والسنّة على مرجعية أهل البيت(عليهم السلام) السياسيّة والدينيّة يجري طبق منهج علمي، كمايجري سائر المجتهدين في فتاواهم، على منهج علمي في الاستدلال والاحتجاج، إقتنع به غيرهم من الفقهاء أم لم يقتنعوا. وعدم اقتناعهم بها لا يصادر شرعيّة فتاواهم، ولا يخرجها عن حوزة الكتاب والسنّة.. وأقل ما يقال في إستناد شيعة أهل البيت(عليهم السلام) في كتبهم على مرجعية أهل البيت(عليهم السلام)بالكتاب والسنّة انّه يجري طبقاً للأصول العلميّة المعروفة في الاستدلال ولا يغيّر هذه الحقيقة عدم اقتناع الشيخ بها.

ولست الآن بصدد الاحتجاج والاستدلال، وإنما أنا بصدد العرض والتذكير فقط.

فهل يصح أن يصفهم الشيخ بالابتداع إذا اخلتفوا عن أهل السنّة في فهم الكتاب والسنّة، في (آية التطهير من سورة الأحزاب) و (حيث الغدير) و(حديث الثقلين)، حتى إذا كان أهل السنة تسعة أعشار المسلمين في العالم، كما يقول الشيخ القرضاوي حفظه الله، (وبالمناسبة لا أدري من أين جاء فضيلة الشيخ بهذه النسبة تسعة أعشار لحجم أهل السنّة في العالم؟!)

الفرقة الناجية

ولماذا يحقّ له أن يقول أنّ أهل السنّة هم الفرقة الناجية فقط، ولا يحق ذلك لشيعة أهل البيت(عليهم السلام)؟ وقد أخذوا بصريح حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله) المتفق عليه بين المسلمين في اتباع أهل البيت(عليهم السلام) وهو حديث الثقلين الذي يرويه مسلم والترمذي في صحيحيهما فيمن يرويه، وهو صريح في مرجعية أهل البيت(عليهم السلام) الدينيّة في الأصول والفروع، وهم لا يتجاوزون تعليمات أهل البيت(عليهم السلام) في اجمال لاو تفصيل.

فهل يصح إذا اختلفنا في فهم الكتاب والسنّة أن يرمي بعضنا بعضاً بالابتداع والضلال والهلاك؟

ولماذا لا يكون المقصود بالفرقة الناجية كلّ من تمسّك بالكتاب والسنّة علي أي اجتهاد، والمقصود بالابتداع والضلال والهلاك... هو الخروج عن إتّباع الكتاب والسنّة والإعراض عنهما.

وأما المنهج الذي يتخذه فضيلة الشيخ القرضاوي في الاستدلال بحديث الفرقة الناجية على نفي الآخرين، فلا يبقى معه حجر على حجر.

فالشيخ يقول: إنّ حديث الفرقة الناجية صريح في أنّ سائر الفرق غير أهل السنّة والجماعة ضالة وهالكة، لأنّ الحقّ واحد لا يتعدد.

وإذا كان أهل السنّة والجماعة هم الفرقة الناجية، فلا محالة تكون سائر الفرق هالكة، ضالة، مبتدعة، ومنها الشيعة لصراحة حديث الفرقة الناحية بذلك، كما يدّعي فضيلة الشيخ القرضاوي.

أقول: إذا صح هذا الاستدلال فالضلال والهلاك والابتداع لابد أن ينسحب على المذاهب السنيّة أيضاً المختلفة في الأُصول والفروع.

فإنّ أهل السنّة لهم مذاهب في الفقه والأصول، وليسو مذهباً واحداً. وتختلف هذه المذاهب في اجتهاداتها في الفروع والأُصول، وليس فقط في الفقه والفروع.. وقد تقاتلوا فيما بينهم في بعض الأُصول.

فلماذا يستثنى الشيخ الفروع أوّلاً؟ وحكم الله لا يتعدد في الفروع، كما لا يتعدد الحق في الأُصول، وأهل السنّة مختلفون في الفروع، اختلافاً كبيراً.

ولماذا يتغاضى عن إختلاف أهل السنّة في الأُصول ثانياً؟

وعليه فإنّ أمر البدعة والابتداع ينسحب على أهل السنة أيضاً ولا يقتصر على الشيعة.

ليس الأمر كذلك يا شيخنا المفضال، ولا ينبغي أن يغيب عن مثلك أمر بهذه الدرجة من الوضوح.

إنّ كلّ من يعتمد الكتاب والسنّة نصاً واجتهاداً فهو من الفرقة الناجية، ومن يخرج عن دائرة الكتاب والسنة، ويعرض عنهما جزئياً أو كلياً فهو من الفرقة الضالّة الهالكة. إذا كان الاجتهاد قائماً على أصول علمية طبعاً، ولم يكن تبعاً للأهواء، والظروف السياسة، كما يجهد الخوارج والتكفيريون في إهدار دماء المسلمين، في مقابلة واضحة وصريحة لحديث رسول الله(صلى الله عليه وآله) بحرمة دماء المسلمين، إلاّ بحقّها، وحقّها معروف في الشريعة، وليس منها القتل على الهويّة.

الاختراق الشيعي للأوساط السنية

وأما حديث الاختراق الشيعي الذي يدعيه فضيلة الشيخ للبلدان والأوساط السنية، فليت الشيخ يقدم لنا شواهد ووثائق علميّة إحصائية على هذا الاختراق.

وأنا اعتقد إن حجم هذه القضية الواقعي دونما يقلق فضيلة الشيخ القرضاوي بكثير، وأنّه مُبالغ فيه كثيراً.

وليت الشيخ يمسع، أو على الأقل يقرأ مذكرات الأشخاص الذين تحولوا من التسنن الى التشيع، وقد كتب كثير منهم في مذكراته الشخصية عن سبب إنتقاله من التسنن الى التشيع، ليعرف الشيخ إنّ هؤلاء إبتدأوا بحركة ذاتيّة بسبب أو آخر، ليحقّقوا هل تصحّ القضايا الغريبة الشاذة التي تُنسب الى هذه الطائفة الإسلامية الكبيرة أم لا؟

وهل يصح تكفيرهم أم لا؟ وكيف قاموا وثبتوا رغم هذا الركام من البدع والخرافات الأسطورية التي يحملونها في عصر العلم والمعرفة والتواصل العلمي والإعلامي؟ وجملة من حالات الانتقال المذهبي تم بعد إنتصار الثورة الإسلامية في إيران (التجربة الإسلامية المعاصرة الأولى في إقامة الدولة الإسلامية).

فقد لفتت هذه الثورة أنظار المسلمين في العالم، وبشكل خاص الإسلاميين منهم الى الهويّة المذهبيّة للتشيّع، وأعادت الى أذهانهم الاتهامات الأُسطورية التي سمعوها عن الشيعة من حديث تحريف القرآن والسجود لتربة الحسين(عليه السلام) في الصلاة، (وليس على تربة الحسين)، ونسبة الخيانة الى الأمين جبرئيل(عليه السلام)في اختيار رسول الله(صلى الله عليه وآله) للوحي دون عليّ(عليه السلام)، وتالية الإمام عليّ(عليه السلام)، واستحلال الزنا تحت عنوان المتعة، واستقبال مراقد أهل البيت(عليهم السلام)في الصلاة، دون قبلة المسلمين، وأمثال هذه التّهم التي أُضيفت الى الشيعة، قبل الانتشار الواسع للكتب، وحركة الطباعة الحديثة، وإنتشار أدبيات أهل البيت(عليهم السلام)، وثقافتهم، ومعارفهم، وكلماتهم، وسيرتهم في أوساط العالم الإسلامي.

فأخذوا يرجعون الى الكتب الشيعية مباشرة في الأُصول والفروع، والمسائل الثقافية والى روايات أهل البيت(عليهم السلام)، وأحاديثهم، وثقافتهم، وأدعيهم، فانتهوا الى نتائج عكسية تماماً، ويقرأون للشيخ القرضاوي عنهم أنه ينسبهم الى ممارسة (الشركيات في المزارات والمقابر)، وهي مما لا يغفرها الله تعالى لصاحبها، ويغفر ما دون ذلك، فإذا قرأوا أدبياتهم، وأدعيتهم، وثقافتهم الدينية، وكلمات أئمتهم من أهل البيت(عليهم السلام)، وجدوا عندهم التوحيد الخالص، الذي لا أخلص منه، فتهتزّ ثقتهم بما يقرأون وما يسمعون عن الشيعة... فيبدأوا بقراءة التشيع من جديد من مصادره الأصيلة، فتطمئن نفوسهم إليه ويعلنون التشيّع.

وبطبيعة الحال يتحوّل كلّ واحد منهم الى داعية لمدرسة أهل البيت(عليهم السلام) في الوسط الذي يعيش فيه.

ولربّما، لو لم تكن المسبقات الذهنيّة والصورة المشوّهة الظالمة المقلوبة عن التشيع في أذهانهم لم يحصل مثل هذا الامتداد الذي يشكو منه فضيلة الشيخ في شمال أفريقيا.

ومع ذلك، فهو حسب علمي دون الحجم الذي يقلق الشيخ، بكثير، وليت الشيخ حفظه الله يطلب من مكتبه أن يعيدوا النظر في هذه المسألة، ليقدموا له تقريراً أكثر دقة ومتانة.

ونحن ليس عندنا في الحوزات العلمية أي تخطيط وإعداد لهذا التمدّد المذهبي في الأوساط السنيّة، بمعنى الانتقاص من سائر المذاهب ونقضها في الأُصول والفروع، والسعي الى ابطالها.

بل يعتبره الكثير منّا عملاً مغايراً للشعار الذي ترفعه المرجعيات والحوزات الشيعية عن التقريب والتوحيد، لأنّه عمل استفزازي للأوساط وللمرجعيات والمدارس السنيّة.

ولو كان يوجد شيء من هذا القبيل في حوزاتنا العلمية والتبليغية لبان، ولم يكن إخفاؤه ، ولذكر لنا فضيلة الشيخ شواهد عينيّة منها، ولم يقتصر الأمر على إدّعاء صرف الملايين بل البلايين، كما يقول الشيخ حفظه الله، لإعداد هذا الكادر العلمي الكبير لهذه الغاية.

وهل يمكن التكتم بمشروع تبليغي واسع من هذا النوع، وبهذا الحجم الذي يتحدث عنه الشيخ حفظه الله، في عالمنا المكشوف المنفتح، اليوم.

وهاهي حوزاتنا، مدارسنا مفتوحة لكل من يريد الإطلاع عليها، من دون حرج، ومناهجها الدراسية واضحة ومعروفة ومطبوعة ورائجة.

نعم، نحن نكتب ونؤلّف في فقه أهل البيت(عليهم السلام) وآرائهم في الأُصول والفروع، وأدعيتهم، وثقافتهم، وسيرتهم، وننشر ذلك، ونتحدث عن ذلك في الفضائيات والاذاعات والصحف.

ولا أظن إنّ الشيخ حفظه الله يحظر علينا ذلك، في هذا العالم المكشوف المنفتح المترابط بالفضائيات والانترنيت والصحافة العالمية التي تطبع في عدة أقاليم من العالم في وقت واحد.

ولا نتصور أن الشيخ يدعو علماء الشيعة وخطباءهم أن لا يتحدثوا في الفضائيات، ولا يطبعوا في المطابع، ولا ينشروا مذهب أهل البيت وثقافتهم، وأدبياتهم، وفقههم، وتاريخهم، ولا يدخلوا في نقاش علمي موضوعي مع غيرهم.

وإنّما المعقول في دعوة الشيخ أن لا يبادر أحد الى إثارة الفتن بين المسلمين، ونقض المذهب الآخر، ويحمل معه مشروع الانتقاص من الآخرين، ونقض أفكارهم وأصولهم وفروعهم وتشويه أفكارهم ومبانيهم.

وهذا ما نننفيه، وندعوا الشيخ إن كان يعرف لذلك شاهداً أو يمتلك وثيقة عنه أن يعرضه...

وهذا ما ننفيه، ونطلب من فضيلة الشيخ أن يزوّدنا بشواهد، إذا كانت موجودة عنده، بالحجم الذي يذكره الشيخ.

فقد يصدر هنا وهناك كتاب، أو مقابلة، أو يتحدث متحدث على هذه الشاكلة، ولكنه عمل فردي محدود جدّاً.

ثم لو صحّ ذلك، ولا يصح، فلا تصح مواجهة الفتنة بالفتنة، وإنّما كان ينبغي للشيخ أن يعالج هذه القضية معالجة الطبيب الحريص على سلامة جسم الأُمّة الإسلامية، وبينه وبين علماء الشيعة أكثر من علاقة وصداقة وارتباط، لا أن يثير أهل السنّة ضد الشيعة، ويحذرهم منهم، ويحدث حاجزاً نفسياً جديداً بين الشيعة والسنّة، بالإضافة الى الحواجز القائمة بينهم.. وقد كنا نعرف الشيخ بالسعي في إزالة الحواجز النفسية بين السملمين، لا تأكيدها وتعميقها وتأصيلها.

ونتمنّى أن يهتمَّ الشيخ بعشرات الكتب التي تصدر بأسماء حقيقية ووهميّة في كل عام لتشويه صورة الشيعة ومذهب أهل البيت(عليهم السلام) وتسقيطهم، وإضافة التهم اليهم على الطريقة القديمة قبل قرن، وتكفيرهم، وتستقبلنا هذه الكتب في البلد الحرام في كل سنّة، في موسم الحج، وكذلك الكتّاب المتخصّصون في الهجوم على الشيعة بأساليب استفزازية غير علمية، وكذلك الفضائيات التي تصب الزيت على النار كالمستقلة، وتعمل لتأجيج الفتنة، والمواقع الكثيرة على شبكة الانترنيت المتخصصة بالهجوم على الشيعة والتشيع، والتي يزداد عددها كل يوم أكثر من الهم على القلب... وأنا أعلم أن فضيلة الشيخ القرضاوي مطلع على ذلك كله، ولا يخفى على مثله ما يجري في الفضائيات والكتب ودور النشر ومواقع الانترنيت من التجني على الشيعة.. وليس من المتوقّع أن تمرّ هذه الهجمات الظالمة على الشيعة من دون ردود فعل معاكسة; لا يمكن السيطرة عليها في بعض أحيان ; ولست أدري أين ينتهي هذا العدّ العكسي الذي تواصله هذه الفضائيات ودور النشر والمواقع على شبكة الانترنيت، من مسألة التقريب والتفاهم والتوحيد بين المسلمين.

سبّ الصحابة

وأما حديث (السبّ) فقد تكرر التوضيح من علماء الشيعة لهذه المسألة المثيرة الحسّاسة، وقالوا: ليس في ثقافتنا وأدبياتنا السبّ والشتم.. وقد نهى عنه أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب(عليه السلام) في كلام له، يرويه الشريف الرضي في النهج «لا أحبّ لكم أن تكونوا سبّابين»، ولا ننفي أن يحصل ذلك في بعض الأوساط الشيعية، كما يحصل في بعض أوساط أهل السنّة ما هو أقبح من ذلك، وهو تكفير الشيعة وتكفير علمائهم، من حملة التوحيد والقرآن ودعاة التقريب والتوحيد. وقد مارس معاوية وبنو أمية ما هو أقبح من كل ذلك، حيث أعلنوا سبّ الإمام عليّ(عليه السلام) ولعنه على المنابر طيلة خلافتهم (عدا أيام عمر بن عبدالعزيز)... وبقى هذا الجرح الذي فتقه معاوية نازفاً الى اليوم، للأسف.

نعم، نحن نبرأ من أعداء آل محمد(صلى الله عليه وآله) وممن حاربهم وقتلهم وطاردهم، وهل يسع أحداً من المسلمين من أهل العلم، أن يمنعنا من ذلك، وقد تبرّأ منهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) علانية، وفي أكثر من موقع ودعا عليهم.

الشعائر الحسينية

ويبقى أن أشير الى ما يألفه شيعة أهل البيت(عليهم السلام) ويتوارثونه من إحياء ذكرى شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) وإقامة مجالس النياحة عليه(عليه السلام) في كل عام، رغم مرور أربعة عشر قرن على مصرع الحسين(عليه السلام)، وقد عدّها الشيخ القرضاوي من البدع التي يعمل بها الشيعة.

أقول: وماذا يُنْكِر الشيخ على الشيعة في إحياء ذكرى الحسين(عليه السلام)؟!!

وهل هناك في الشريعة ردع عنه أو عن مثله، إطّلع عليه الشيخ القرضاوي، ولم نطّلع عليه.

وقد بكاه رسول الله(صلى الله عليه وآله) أكثر من مرة، ونعاه له جبرئيل.. ونعاه رسول الله الى المسلمين ولعن قتلته، وقد وردت في ذلك روايات كثيرة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) في مصادر معتبرة للحديث من مصادر الفريقين لحفّاظ الحديث النبوي.

منهم الحاكم النيسابوري في المستدرك، والإمام أحمد في المسند، والبيهقي في دلائل النبوّة، والخطيب في تاريخ بغداد، وابن عساكر في تاريخ دمشق، والحافظ المحب الطبري في ذخائر العقبى، والحافظ أبو المؤيد الخوارزمي في مقتل الحسين، والدارقطني في المسند، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة، وابن حجر في الصواعق، وابن الجوزي في المنتظم، وسبطه في تذكرة الخواص، وابن كثير في التاريخ، وابن الأثير في التاريخ، والحافظ الزرندي في نظم الدرر، والحافظ أبو القاسم الطبراني في المعجم الكبير، والحافظ القسطلاني في المواهب، والمتقي الهندي في كنز العمّال، وغيرهم من حفاظ الحديث النبوي، وغيرها من مصادر الحديث النبوي، لا طاقة لي بإحصائهم وإحصائها في هذه العُجالة.

ومن المصادر الشيعية أضعاف ذلك ولست بصدد إحصاء هذه المصادر، وليس هنا موضعه، ولا السياق سياقه.

ولكني أقول: أن من المؤكد أنّ جبرئيل(عليه السلام) نعى الحسين(عليه السلام) الى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأن رسول الله نعى الحسين الى أبيه عليّ وأُمه فاطمة(عليهما السلام)، والى أم المؤمنين أُم أيمن رضي الله عنها، والى المسلمين، وأن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد بكى الحسين(عليه السلام) أكثر من مرّة وفي أكثر من موقع.

فماذا يُنْكِرُ الشيخ على شيعة أهل البيت(عليهم السلام) إذا أحيوا ذكرى شهادة الحسين(عليه السلام) كل عام، وبكوا عليه، وأقاموا مجالس النياحة عليه، أُسوة برسول الله(صلى الله عليه وآله).

وقد ورد التأكيد في أحاديث أهل البيت(عليهم السلام) على إحياء ذكرى مصرع الحسين(عليه السلام) وإقامة مجالس النياحة عليه(عليه السلام) في كل عام. ونحن نأخذ بحديث أهل البيت(عليهم السلام)، ونقول بحجيّته كما ذكرت ذلك..

ولعلّ بعض السرّ في ذلك أن أحداث عاشوراء سنة 61 هجرية تحمل ثقافة مقاومة الظالم ومكافحته.. وقد عمل بنو أمية وبعدهم بنو العبّاس للقضاء على هذه الثقافة في الحديث والفقه، واستبدالها بثقافة مصانعة الأُمراء الظالمين، ومجاملتهم، وطاعتهم، وتحمّل ظلمهم، وعدم ازعاجهم، وقد رووا في ذلك روايات عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، لا أشك أنها منتحلة على رسول الله(صلى الله عليه وآله) .

وأسّسوا لذلك فقهاً، ليس هو من فقه الإسلام في شيء، ولا تقاوم تلك الروايات التي يروونها عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) في مصانعة الظالم، والسكوت عنه، والتمكين له... . أقول لا تقاوم هذه الروايات محكمات كتاب الله في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعدم الركون الى الظالمين، وتحريم طاعتهم لزوم الكفر بهم، ورفضهم، وإجتنابهم، ولا تقاوم ما صحَّ عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومقاومة الظالم.

ورغم ذلك كله فقد أصبحت ثقافة الخنوع للظالم والإنقياد له، وقبوله، وحضور الجمعة معه، وتحريم رفضه، هو الثقافة الرسمية والفقه الرسمي في الدولتين الأموية والعبّاسية، واستمرت بعد ذلك هذه الثقافة الى اليوم.

أقول: لعلّ بعض السرّ في التأكيد على إحياء ذكرى الحسين(عليه السلام) إن وقعة الطف تحمل ثقافة مضادة لهذه الثقافة، وهي ثقافة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورفض الظالم وعزله، ومكافحته ومقاومته والخروج عليه وكان أهل البيت(عليهم السلام)يعملون لتثبيت هذه الثقافة بين المسلمين، في مقابل ثقافة الخنوع والتمكين للظالم.

نعم، يجري في ذكرى شهادة الإمام الحسين(عليه السلام) بعض الممارسات غير الموجهة، في دائرة محدودة، يُنْكِرُها علماء الشيعة أنفسهم، ويمنعون عنه، ويعملون على تهذيب الشعائر الحسينية منها، وهي شيء آخر غير أصل الذكرى وأحيائها، وحساب كلّ منهما مستقل عن حساب الآخر.

 


source : www.sibtayn.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مراحل عبادة العارفين:
شارب الخمر وتوبته
الخوف من سوء العاقبة
النفس ومراحلها السبعة:
حديث من العرفاء:
أهل البيت^ والعبودية-2
وَالْحُبُّ فَرْعُ الْمَعْرِفَةِ
أهل البيت النور المطلق
التوسل بأهل البيت -2
10. علل اختفاء النعم

 
user comment