عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

البكاء على أهل البيت

البكاء على أهل البيت

البكاء على أهل البيت

آيات عديدة تؤكد مشروعية البكاء والحداد منها:

{ لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ ...}([3]).

وفي آية أخرى: {... قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى}([4]).

وعن الإمام علي×:

>ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا أولئك منّا وإلينا<([5]).

وقوله تعالى: {... وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}([6]).

وقد بكى يعقوب النبي× على ابنه يوسف عشرين سنة وقال: {... يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}([7]).

إن البكاء ظاهرة إنسانية وإذا ما جاءت على أناس ضحوا من أجل الإنسانية فإن ذلك يجذّر القيم الأخلاقية في النفوس.

حقيقة البكاء

البكاء حالة إنسانية تنشأ من سلسلة انفعالات تتسبب في


إنكسار القلب أو امتلائه بفرحة كبرى.

البكاء حقيقة كبرى وجزء من تجارب الأنبياء والأولياء وكانت جزءً من سلوكهم وفي بعض المنعطفات في حياتهم وخلال طقوسهم العبادية وخلال المناجاة في الأسحار.

البكاء جزء من شخصية عباد الله المخلصين وتنشأ من خلال الإحساس بفراق المحبوب أو الهجران، أنها نواح الروح التي تحنّ إلى بارئها ومبدأها.

واليوم يطرح البكاء كحالة علاجية يقترحها الأطباء حيث يكمن علاج بعض الحالات النفسية من خلال البكاء وذرف الدموع.

وهذا جلال الدين محمد البلخي المعروف بجلال الدين مولانا العارف الكبير يقول في البكاء:

>إذا لم تبك الغيوم متى ينمو العشب ـ وإذا لم يبك الطفل متى يفور اللبن([8]).

إذا لم يبكي الطفل بائع الحلوى

 

فلن يموج بحر الرحمة([9])

 

البكاء دواء لكل داء بلا علاج

 

والعيون الباكية هي ينابيع الله

 

 

البكاء علامة المؤمن يقول القرآن الكريم: {وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ...}([10]).

والروايات الواردة في البكاء خوفاً وخشية من الله عزّ وجلّ في منتصف الليل من أهل البيت^ وما كانوا يقولونه في مناجاتهم ممتزجاً بالدموع يمثل إرثاً إنسانياً وأخلاقياً خالداً.

يقول الإمام أمير المؤمنين علي× في دعاء كميل وهو يتساءل على أي شيء أبكي:

>لأليم العذاب وشدّته أم لطول البلاء ومدّته؟!<.

ويقول الإمام السجاد في الدعاء المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي:

>فما لي لا أبكي؟! أبكي لخروج نفسي، أبكي لظلمة قبري، أبكي لضيق لحدي، أبكي لسؤال منكر ونكير إيّاي، أبكي لخروجي من قبري عرياناً ذليلاً، حاملاً ثقلي على ظهري<.

البكاء على مصائب أهل البيت^

إن البكاء على المصائب والمحن التي تعرض لها أهل البيت^ هي عبادة هامّة لأن البكاء عليهم إنّما هو بكاء على الإنسانية المعذبة وهو بكاء من أجل القيم الأخلاقية الرفيعة التي طالما تتعرض للعدوان. وعندما تتجلى هذه المظلومية في يوم عاشوراء وعندما تقطع الفضيلة إرباً إرباً ممثلة بالحسين وأصحابه وأهل بيت رسول الله’ فإن البكاء على الحسين هو في الحقيقة بكاء من أجل الإنسانية المعذبة وهو عملية لغسل القلب والروح والتسامي.

يقول الإمام الرضا×:

>من تذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منّا،كان معنا في درجاتنا يوم القيامة، ومن ذكَّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكى العيون<([11]).

روي عن سليمان الأعمش أنّه قال: كنت نازلاً بالكوفة وكان لي جار وكنت آتي إليه وأجلس عنده، فأتيت ليلة الجمعة إليه، فقلت له: يا هذا ما تقول في زيارة الحسين×؟ فقال لي: هي بدعة وكلُّ بدعة ضلالة وكلُّ ضلالة في النار. قال سليمان: فقمت من عنده وأنا ممتلئ عليه غيظاً فقلت في نفسي: إذا كان وقت السحر آتيه وأُحدِّثه شيئاً من فضائل الحسين× فإن أصرَّ على العناد قتلته، قال سليمان: فلمّا كان وقت السحر أتيته وقرعت عليه الباب ودعوته باسمه، فإذا بزوجته تقول لي: إنّه قصد إلى زيارة الحسين من أوَّل الليل.

قال سليمان: فسرت في أثره إلى زيارة الحسين× فلمّا دخلت إلى القبر فإذا أنا بالشيخ ساجد لله عزَّ وجلّ وهو يدعو ويبكي في سجوده ويسأله التوبة والمغفرة، ثمَّ رفع رأسه بعد زمان طويل فرآني قريباً منه، فقلت له: يا شيخ بالأمس كنت تقول زيارة الحسين× بدعة وكلُّ بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار واليوم أتيت تزوره؟ فقال: يا سليمان لا تلمني فإني ما كنت أثبت لأهل البيت إمامة حتى كانت ليلتي تلك، فرأيت رؤيا هالتني وروعتني.

فقلت له: ما رأيت أيها الشيخ؟ قال: رأيت رجلاً جليل القدر لا بالطويل الشاهق، ولا بالقصير اللاصق لا أقدر أصفه من عظم جلاله وجماله، وبهائه وكماله وهو مع أقوام يحفّون به حفيفاً ويزفّونه زفيفاً وبين يديه فارس وعلى رأسه تاج وللتاج أربعة أركان وفي كل ركن جوهرة تضيء من مسيرة ثلاثة أيام فقلت لبعض خدّامه: من هذا؟ فقال: هذا محمد المصطفى، قلت: ومن هذا الآخر؟ فقال: عليّ المرتضى وصيُّ رسول الله، ثم مددت نظري فإذا أنا بناقة من نور، وعليها هودج من نور، وفيه امرأتان والناقة تطير بين السماء والأرض، فقلت: لمن هذه الناقة؟ فقال: لخديجة الكبرى وفاطمة الزهراء‘، فقلت: ومن هذا الغلام؟ فقال: هذا الحسن بن علي، فقلت: وإلى أين يريدون بأجمعهم؟ فقالوا: لزيارة المقتول ظلماً شهيد كربلاء الحسين بن علي المرتضى، ثم إنّي قصدت نحو الهودج الذي فيه فاطمة الزهراء وإذا أنا برقاع مكتوبة تتساقط من السماء فسألت ما هذه الرقاع؟ فقال: هذه رقاع فيها أمان من النار لزوّار الحسين× في ليلة الجمعة فطلبت منه رقعة فقال لي: إنّك تقول: زيارته بدعة؟ فإنّك لا تنالها حتى تزور الحسين× وتعتقد فضله وشرفه، فانتبهت من نومي فزعاً مرعوباً، وقصدت من وقتي وساعتي إلى زيارة سيدي الحسين× وأنا تائب إلى الله تعالى، فوالله يا سليمان لا أفارق قبر الحسين حتى يفارق روحي جسدي.

وقال أمير المؤمنين علي× وهو ينظر إليه:

>يا عبرة كل مؤمن! فقال: أنا يا أبتاه؟ فقال: نعم يا بني<([12]).

قال الإمام الصادق×:

>من ذكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه دمع مثل جناح بعوضة، غفر الله له ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر<([13]).

وقال× أيضاً:

>نفس المهموم لظلمنا تسبيح، وهمه لنا عبادة، وكتمان سرنا جهاد في سبيل الله، ثم قال أبو عبدالله: يجبّ أن يكتب هذا الحديث بالذهب<([14]).

وذكر سيد الشهداء الحسين× ومصرعه: >فبكى أبو عبدالله× وبكينا قال ثم رفع رأسه فقال قال الحسين بن علي×: أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا بكى<([15]).

وعن الإمام الحسين× قال:

>ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة، أو دمعت عيناه فينا دمعة، إلا بوأه الله بها في الجنة حقبا<([16]).

وروى معاوية بن وهب عن الإمام الصادق× أنه قال:

>كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين×<([17]).




([1]) قرب الإسناد: 18؛وسائل الشيعة: 14/501، باب 66، حديث 19691.

([2]) بحار الأنوار: 7/13.

([3]) سورة النساء: الآية 148.

([4]) سورة الشورى: الآية 23.

([5]) بحار الأنوار: 44/287.

([6]) سورة الحج: الآية 32.

([7]) سورة يوسف: الآية 84.

([8]) مولوي، مثنوي معنوي، الكتاب الخامس.

([9]) المصدر السابق: الكتاب الثاني.

([10]) سورة المائدة: الآية 83.

([11]) الأمالي، الصدوق: 73، المجلس السابع عشر، حديث4؛ نفس المهموم: 140؛ بحار الأنوار: 44/278، باب 34، حديث 1.

([12]) بحار الأنوار: 44 /279.

([13])تفسير القمي: 2/292، بحار الأنوار: 44/278، باب 34، حديث 3.الأمالي للطوسي: 115، المجلس الرابع، حديث 1178؛ بشارة المصطفى: 105؛ الأمالي، المفيد: 338، المجلس الأربعون، حديث 3؛ بحار الأنوار: 44/278، باب 34، حديث 4.

([14])الأمالي للطوسي: 115، المجلس الرابع، حديث 1178؛ بشارة المصطفى: 105؛ الأمالي، المفيد: 338، المجلس الأربعون، حديث 3؛ بحار الأنوار: 44/278، باب 34، حديث 4.

([15]) كامل الزيارات: 108، باب 36، حديث 6؛ بحار الأنوار: 44/279، باب 34، حديث 5؛ مستدرك الوسائل: 10/311، باب 49، حديث 12072.

([16]) الأمالي للطوسي: 116، المجلس الرابع، حديث 181؛ الأمالي، المفيد: 34، المجلس الأربعون، حديث 6؛ بشارة المصطفى: 62؛ بحار الأنوار: 44/279، باب 34، حديث 8.

([17]) الأمالي للطوسي: 161، المجلس السادس، حديث 268؛ وسائل الشيعة: 3/282، باب 87، حديث 3657؛ بحار الأنوار: 44/280، باب 34، حديث 9.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الخوف من سوء العاقبة
النفس ومراحلها السبعة:
حديث من العرفاء:
أهل البيت^ والعبودية-2
وَالْحُبُّ فَرْعُ الْمَعْرِفَةِ
أهل البيت النور المطلق
التوسل بأهل البيت -2
10. علل اختفاء النعم
11.استكمال البركة
مراحل عبادة العارفين:

 
user comment