حب أهل البيت
إبراز الحب
يختلف الصيد باختلاف طرقه وأساليبه، فقد يكون الصيد أسداً وربما كان نمراً وأحياناً يكون طائراً أو سمكة وأخرى غزالاً أو فراشة، ومن البديهي أن تكون أدوات الصيد متناسبة مع نوع الصيد وإلاّ فشلت عملية الصيد وخاب الصياد ومن هنا فإن الصياد الذي يريد أن يصطاد صيداً يعد لهذا الصيد عدّته وأدواته.
ونحن الذين في أمسّ الحاجة إلى رحمة الله ولطفه في الدارين الأولى والآخرة علينا أن نسلك طريقاً ينتهي برضا الله والجنّة من هنا يتوجب أن نعد من الأدوات ما يناسب هذه الحقائق وحينئذ ننطلق إلى صيد اللطف ورحمة الحق والحصول على رضا الحبيب والجنّة ورضوان من الحق أكبر.
ولما كان صياد السمك أعلم من غيره بأدوات صيد السمك وصائد الفراشات أبصر من الآخرين في اصطياد الفراشات والخطيب أعرف الناس في صيد الكلمات، فإن الله تبارك وتعالى هو الأبصر والأخبر بالأدوات والوسائل المتناسبة مع تلك الحقائق؛ وانطلاقاً من القرآن الكريم فإن أدوات الحصول على السعادة في الدارين لا تكون إلاّ بحب أهل البيت^ والانقياد لهم وطاعتهم.
إن الطريق إلى حب أهل البيت× يتمّ بالمعرفة، فإن ولوج الإنسان إلى أجواء وخفاء المعرفة هو الذي يقود المرء إلى اكتشاف الجمال المعنوي والحسن الأخلاقي والحنان والتجليات الروحية والقلبية، ومن هنا ستكون هذه المعرفة أساساً في الحب لهؤلاء الذين
اصطفاهم الله من بين خلقه.
إن حرارة العشق ولهب الحب الذي ينطوي عليه الإنسان يدفع بالإنسان وفي كل الظروف أن يصطبغ بلون المحبوب وصفة المعشوق، ولما كان أهل البيت مصطبغين بصبغة الحق تعالى فإننا عندما نصطبغ بصبغتهم نكون قد اصطبغنا بصبغة الحق وسنحصل بشباكنا على صيد فريد هو من نسيج الحب والعمل الصالح والعشق والطاعة وستكون من نصيبنا الرحمة واللطف والغفران والجنة والرضوان.
المعرفة مقدمة الحب
إن من الضروري جداً الالتفات إلى هذه النقطة وهي ما لم نحصل على المعرفة فلن نحصل على الحب والعشق والمودّة وهذا ما نلاحظه أيضاً في تجارب العشق المجازي، فما لم يجد العاشق جمال المعشوق وما لم يعرف جمال المحبوب فلن يهيم العاشق بمعشوقه.
ومن الطبيعي أن ظهور العشق فإن الإنسان شاء أم أبى ينقاد إلى دائرة الطاعة للحبيب، فيكتسب شيئاً فشيئاً من صبغة المعشوق بحسب سعة العاشق من الوجود ..
وقد جاء في الأثر: >سلمان منّا أهل البيت<([1]).
وهذا الحديث النبويّ الشريف أفضل دليل على هذه الحقيقة في أن:
الحب أجر الرسالة
العشق والحب والمودّة لأهل البيت^ حقيقة كبرى أشار إليها القرآن بصريح قوله تبارك وتعالى: {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى}([2]).
والقربى وفقاً لروايات الشيعة وطائفة هامة من روايات السنّة هم أهل البيت^ والمعطى الهام هنا أن مفردة المودّة إنّما هي توأم الطاعة.
ومن المدهش جداً إن أجر الرسالة لم يكن طلباً بالصلاة الكثيرة أو الحج أو الصوم وأداء الخمس والزكاة أو الجهاد، إنّما قال المودّة في القربى ومن هنا يتضح أن حب آل البيت^ تشرّب ثقافتهم وإتباع أمرهم إنما هي حقيقة كبرى ترقى إلى أن تكون أجر الرسالة المحمدية.
روايات في حب آل البيت^
قال رسول الله’: >لكل شيء أساس وأساس الإسلام حبنا أهل البيت<([3]).
وعن الإمام أمير المؤمنين علي× أنه قال: >سمعت رسول الله’ يقول: أنا سيد ولد آدم وأنت يا علي والأئمة من بعدك سادة أمتي. من أحبّنا فقد أحب الله ومن أبغضنا فقد أبغض الله، ومن والانا فقد والى الله، ومن أطاعنا فقد أطاع الله ومن عصانا فقد عصى الله<([4]).
حب آل البيت مؤشر على:
1 ـ حب الله للإنسان.
إن مودّة آل البيت إنّما تؤشر على حب الله للإنسان فهذا الحب إنما. هو هدية إلهية للإنسان، وهذا الحب يضيء في قلب الإنسان ويبعث على إحساسه بالسعادة.
يقول الإمام الباقر×: >إني لأعلم أن هذا الحب الذي تحبّونا ليس بشيء صنعتموه ولكن الله صنعه<([5]).
وقال الإمام الصادق×: >إن حبنا ينزّله الله من السماء من خزائن تحت العرش كخزائن الذهب والفضة ولا ينزّله إلاّ بقدر ولا يعطيه إلاّ خير الخلق وإن له غمامة كغمامة القطر فإذا أراد الله أن يخصّ به من أحبّ من خلقه أذن لتلك الغمامة فتهطّلت كما تهطّلُ السحاب فتصيب الجنين في بطن أمه<([6]).
من هنا فإن حبّ آل البيت^ هدية سماوية من الله ومؤشر واضح على حب الله للإنسان العاشق لأهل البيت^.
2 ـ طهر المولد
وبحسب الروايات وهي عديدة فإن حب آل البيت^ مؤشر آخر على طهر المولد فالإنسان المحبّ لأهل البيت^ إنّما هو طاهر في ولادته قال أمير المؤمنين علي× >إن رسول الله’ قال لأبي ذر: >يا أبا ذر! من أحبنا ـ أهل البيت ـ فليحمد الله على أول النعم. قال: يا رسول الله: وما أوّل النعم؟ قال’ طيب الولادة، إنه لايحبنا إلاّ من طاب مولده<([7]).
وقال الإمام الباقر×: >من أصبح يجد برد حبنا على قلبه فليحمد الله على بادئ النعم، قيل: وما بادئ النعم؟. قال×: طيب المولد<([8]).
3 ـ طهر القلب
وحب آل البيت^ مؤشر على طهر القلب وشاهد على طيب السريرة.
قال الإمام الصادق×: > والله والله لا يحبّنا عبدٌ حتى يظهر الله قلبه<([9]).
4 ـ الإيمان وقبول العلم
وحب آل البيت مؤشر على إيمان الإنسان وقبول أعماله من قبل الله عزّ وجل قال رسول الله’: >عاهدني ربي أن لا يقبل إيمان عبد إلاّ بمحبة أهل بيتي<([10]).
وقال أمير المؤمنين علي×: >أنه لعهد النبي’ الأمي إليَّ أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق<([11]).
وقال×: >لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني، ما أبغضني، ولو صببتُ الدنيا بجماتها على المنافق على أن يحبّني ما أحبني، وذلك أنه قضى فانقضى على لسان النبي الأمي’ أنه قال: يا علي لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق<([12]).
([1]) عيون أخبار الرضا: 2/64، باب 31 ح282؛ كشف الغمة: 968؛ المناقب: 1/85؛ بحار الأنوار: 22/326، باب 10ح28.
([3]) الكافي: 2/46 ح2؛ الأمالي للصدوق: 268 ح26 مجلس 45؛ وسائل الشيعة: 15/184 باب 4 ح20232؛ بحار الأنوار: 27/82 باب 4 ح22.