عربي
Monday 20th of May 2024
0
نفر 0

الخوف الممدوح

حقاً الإنسان الذي يملك الخوف يبتعد عن الذنب، ولديه الأمل في الاستفادة من الدنيا والآخرة بإطاعة اوامر الله سبحانه وتعالى.
الخوف الممدوح

الخوف الممدوح، هو خوف مثل الحالات السامية الروحية التي تعتبر من ضروريات الإنسان. 

بدون هذا الخوف لا يوجد طريق للرقي والسمّو، وبدونه ايضا لا يوجد مكان لقرب الإنسان من الله سبحانه وتعالى. 

ان هذا الخوف يعتبر من الأوصاف السامية للموقنين ومن الآثار البارزة للمتقين ومن علائم اتّصال المحبين بالله سبحانه وتعالى. 

فعشاق الله سبحانه وتعالى ماكانوا منفصلين عن هذا الخوف أبداً ولم يعيشوا بدونه. 

قال خاتم الأنبياء(ص): «أَنَا أَخْوَفُكُمْ مِنَ اللّهِ»[1]. 

فما أكثر المسائل المهمة المنقولة حول خوف الأنبياء في القرآن الكريم والكتب الإسلامية وما أكثر البرامج المهمة التي جاءتنا في هذا المجال من أولياء الله وأئمة الهدى(ع) والعارفين. 

ألم تسمعوا بان رأس دائرة العارفين وروح العشاق، الإمام علي(ع) كان يغمى عليه عدة مرات في الليلة، من خوف الله و من خشيته ومن اوضاع العالم للذين خرجوا من(رحمه‌الله). 

يقول سالك و هذا الطريق:

إنّ اقل درجة للخوف هو تجليه في الاعمال والأطوار، هنالك عندما يتجنب المرء ارتکاب كل ذنب، يتبين أنه من الخوف المفيد، والجدير بالذكر أن اجتناب الذنوب هذا يسمى الورع في الثقافة الإلهية، أما إذا اجتنب الإنسان الشبهات فإنّه امتلك التقوى، وعندما لا ينظر إلا إلى الله ولا يتنفس إلا بذكر الله، فإنّه امتلك الصدق، ودخل في زمرة الصدّيقين. 

الخوف هو بمثابة الجناحين يستطيع بواسطتها عباد الله ان يحلقوا به إلى أي مقام لائق، وبها يجتازون أهوال يوم القيامة. 

كيف للإنسان ان يأمن من عذاب القيامة غداً وهو غارق في الشهوات وغارق في كل اللذات المحرمة ولا يملك خوفاً يحفظه من السقوط في مستنقع الذنوب؟

نقرأ في حديث هامّ عن الإمام الصادق(ع) أنّه يقول: 

«لا يَكُونُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِناً حَتّى يَكُونَ خائِفاً راجِياً، وَلا يَكُونُ خائِفاً راجِياً حَتّى يَكُونُ عامِلاً لِما يَخافُ وَيَرْجُو»[2]. 

حقاً الإنسان الذي يملك الخوف يبتعد عن الذنب، ولديه الأمل في الاستفادة من الدنيا والآخرة بإطاعة اوامر الله سبحانه وتعالى. 

وقد نُقلت جملة من بعض الحكماء حول هذا الموضوع وهي:

«من خافَ شَيْئاً هَرَبَ مِنْهُ وَمَنْ خافَ اللّهَ هَرَبَ إِلَيْه». 

نعم، فالإنسان الذي يخاف الذنب وعواقبه يهرب منه، والذي يخاف الله يلجأ إليه لكي يبدل خوفه أمناً. 

فالخوف الممدوح هو الخوف الذي يجلب الامن والاستقرار للباطن، واستقرار الفكر والروح؛ في الدنيا والآخرة، كما ورد في القرآن المجيد:{. . . وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً. . .}[3]. 

وعلة الأمان في الدنيا والآخرة هو الإيمان والعمل الصالح والخشية من الله، والخوف من ارتكاب الذنب، وعذاب الغد. 

فأصحاب هذا الخوف قد ورد مدحهم في القرآن المجيد والروايات الشريفة والأخبار وقد ورد ذكرهم في عباده الصالحين. 

إذا لم يكن هذا الخوف في أحد، فإنّه يعتبر ناقصاً وبناء على قول نبي الإسلام العظيم(ص): الناقص ملعون. 

إذا لم يكن هذا الخوف، يعني الخوف من عظمة الله وصغر الإنسان، الخوف من مقام الله، الخوف من الذنب، الخوف من سوء العاقبة غير موجود بسبب انعدام التربية الصحيحة للإنسان، فما هي العلّة لرشد وتكامل الإنسان وحفظه وصونه من الأخطار الداخلية والخارجية؟

إذا لم يكن هذا الخوف، فكيف للإنسان ان يكون عبداً لله، وما الذي يجعله يجتنب الذنب، وينقذ نفسه من عذاب الاخرة؟

فبدون هذا الخوف، كيف يتأتّی للإنسان ان يكون انساناً، وكيف له ان يحارب أعداء الشرف و الفضيلة؟

الحكمة في القرآن:

القرآن المجيد في آيات مختلفة قد عبّر عن الحكمة ـ وهي مجموعة من الحقائق الملهمة والعقائد الحقيقية والاعمال الحسنة والنور الإلهي والحالات العرفانية الباطنية ـ بأعظم النعم وافضل الإحسان وقد مدح القرآن أصل الحكمة والمتحلين بها. 

فيقول سبحانه وتعالى في سورة البقرة:

{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً. . .}[4]. 

وفي سورة لقمان، مدح الباري سبحانه وتعالى لقمان الحكيم[5] بالحكمة، حيث قال:

{وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ. . .}[6]. 

ويقول سبحانه وتعالى في سورة البقرة:

{. . . وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ}[7]. 

وقد مدح الله سبحانه وتعالى آل ابراهيم في سورة النساء بتحليهم بالحكمة، حيث قال سبحانه وتعالى:

{. . . فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ}[8]. 

 {. . . وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالإِْنْجِيلَ}[9]. 

وذكر في سورة البقرة الآية (129) وسورة آل عمران الآية (164) وسورة الجمعة آية (2) بأن إحد الأهداف العظيمة لرسالة الرسول الأكرم(ص) هو تعليم الحكمة. 

فالحكيم هو الشخص الذي وجوده قويٌ بجذور القوانين والأصول الإلهية، ووجوده منبع خير وفيض للآخرين، والمجتمع الحكيم هو المجتمع الذي يعيش وفق الضوابط والموازين الإسلامية. 

رأس الحكمة مخافة الله:

نظراً للأهمية التي خصّ القرآن الكريم بها الحكمة، وايضاً للمدح الذي جاء في القرآن والروايات للحكماء، نرى ان الرسول الاعظم| يقول:

«رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخافَةُ اللّهِ»[10]. 

ومن هذه الجملة وتلك الامثال نفهم دور الخشية والخوف من الله في صياغة الانسان وانها من ضروريات حياة عباده الصالحين. 

وجاء في الحديث الشريف:

«رأْسُ الْحِكْمَةِ خَشْيَةُ اللّهِ»[11]. 

انواع الخوف الممدوح:

1 ـ الخوف من وقوع الخطر للناس وإعلان ذلك لنجاتهم.

2 ـ الخوف من سوء العاقبة.

3 ـ الخوف من مقام الله سبحانه وتعالى.

4 ـ الخوف من عواقب الذنوب المرتكبة، ويعتبر هذا الخوف من أفضل أسباب التوبة.

5 ـ الخوف من نقصان أو قلة العبادة أمام عظمة الله سبحانه وتعالى.

6 ـ الخوف من صغره امام عظمة الله الذي ليس لها حد.

 


[1]- جامع السعادات. 
[2]- المحجة البيضاء: 7/251. 
[3]- النور: 24/55. 
[4]- البقرة: 2: 269. 
[5]- هذا الفقير، قد ألف كتاباً في 450 صفحة، والذي طبع ثلاث مرات حتی الآن، جمع فيها حكم لقمان الحكيم، وشرحهاً شرحاً مسهباً. 
[6]- لقمان 31: 12. 
[7]- البقرة: 2: 251. 
[8]- النساء: 4: 54. 
[9]- المائدة: 5: 110. 
[10]- الشافي: 1/229. 
[11]- كلمة الله: 415. 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الخوف الممدوح
من العبودية إلى الربوبية
نبع العرفان
الخوف من ضآلة النفس امام عظمة الخالق
النبّاش؛ سارق الأكفان
صفات الله في الأدعية
وصايا الإمام الصادق(ع) للمفضل
العرفان من لسان الإمام علي(ع)
مراحل الربوبية
طهارة القلب

 
user comment