السيد حيدر الآملي& والشيخ محيي الدين بن عربي
جاء في التفسير الكلامي العرفاني الموسوم > المحيط الأعظم والبحر الخضم< لمؤلفه السيد حيدر الآملي رحمه الله.
أعلم أن أسرار وحقائق القرآن هي أسرار إلهية، وحقائق ربانية، هبطت من عالم القدس والطهر عن أرواح مقدسة طاهرة وذوات شريفة قال الله تعالى:
{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ}([39]).
على هذا فليس لها هبوط وظهور إلا في النفوس الكاملة والذوات المطهرة من الذنوب والمعاصي، وهي الرجس والخبث الذي أشار إليه القرآن في قوله تعالى: {الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ}([40]).
وهذه الأرواح الطاهرة والذوات الكاملة لا يبلغها أحد إلا الأنبياء والرسل وبعدهم هؤلاء الأئمة من أهل التوحيد الذين اتبعوهم بصدق وساروا على طريقهم.
ومن هنا قلنا ونقول: أن الراسخين في العلم وهم بشكل مطلق الأنبياء، ثم الرسل، ثم الأئمة، وبعدهم الأولياء وبعدهم العلماء وهم ميراث أهل التوحيد.
وعلى هذا فلا أحد غيرهم يدخل في زمرتهم كما تجد ذلك في كلام المشايخ الثقات، وفي هذا قال الله تعالى: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}([41]).
وفي هذه الآية الكريمة إشارة إلى طهارة أهل البيت وتقدسهم ونزاهتهم من المعاصي والذنوب، ذلك أن هذا الرجس هو أحد اثنين إما أن يكون بمعنى الكفر والشرك أو بمعنى الذنب والفسق، فإن كان بالمعنى الأول وهو منتف بحكم طهارتهم وتنزههم.
وإن كان بالمعنى الثاني فإن كانوا غير منزهين عن هذا وأمثاله فالطهارة لا تصدق عليهم، لأن الذنب والفسوق من أسوأ النجاسات وأخبثها وأن الحق تعالى شهد لهم بالطهر والتنزّه، وعلى هذا فإن الضرورة تحكم بأنهم يجب أن يكونوا طاهرين ومطهرين وإلا استلزم الخلاف في كلام الله وهذا محال.
وأما مقالة مشايخ الصوفية فإن شخصهم الأعظم أبا عبدالله محمد بن علي المعروف بابن عربي في معرفة سرّ سلمان الذي ألحقه بأهل البيت إنّا روينا من حديث جعفر بن محمد بصادق عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسن بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عن رسول الله’ أنه قال: >مولى القوم منهم< وخرّج الترمذي عن رسول الله أنه قال: >أهل القرآن هم أهل الله وخاصّته<، وقال تعالى في حق المختصين من عباده {إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ} فكل عبد إلهي توجد لاحد عليه من حق المخلوقين، فقد نقص من عبوديته لله بقدر ذلك الحق فإن ذلك المخلوق يطلبه بحقه وله عليه سلطان به، فلا يكون عبداً محضاً خالصاً لله، وهذا هو الذي رجح عند المنقطعين إلى الله انقطاعاً عن الخلق ولزومهم السياحات والبراري والسواحل والفرار من الناس والخروج من ملك الحيوان فإنهم يريدون الحرية من جميع الأكوان ولقيت منهم جماعة كبيرة في أيام سياحتي ومن الزمان الذي حصل لي في هذا المقام ما ملكت حيواناً أصلاً، بل ولا الثوب الذي ألبسه فإني لا ألبسه إلا عارية لشخص معين أذن لي في التصرف فيه والزمان الذي أتملك الشيء فيه أخرج عنه في ذلك الوقت، إما بالهبة أو العتق إن كان ممن يعتق، وهذا حصل لي لما أردت التحقق بعبودية الاختصاص لله قيل لي لا يصح لك ذلك حتى لا يقوم لأحد عليك حجة قلت ولا لله إن شاء الله قيل لي وكيف يصح لك أن لا يقوم لله عليك حجة، قلت إنما تقام الحجج من المنكرين لا على المعترفين وعلى أهل الدعاوى وأصحاب الحظوظ لا على من قال مالي حق ولا حظ ولما كان رسول الله’ عبداً محضاً قد طهره الله وأهل بيته تطهيراً وأذهب عنهم الرجس، وهو كل ما يشينهم فإن الرجس هو القذر عند العرب، هكذا حكى القرّاء قال تعالى: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} فلا يضاف إليهم إلا المطهر ولابد فإن المضاف إليهم هو الذي يشبههم فما يضيفون لأنفسهم الامن له حكم الطهارة والتقديس، فهذه شهادة من النبي’ سلمان الفارسي بالطهارة والحفظ الإلهي والعصمة، حيث قال رسول الله’: >سلمان منّا أهل البيت< وشهد الله لهم بالتطهير وذهاب الرجس عنهم، وإذا كان لا ينضاف إليهم إلا مطهر ومقدس وحصلت له العناية الإلهية بمجرد الإضافة فما ظنك بأهل البيت في نفوسهم فهم المطهرون، بل عين الطهارة، فهذه الآية تدل على أن الله قد شرك أهل البيت مع رسول الله في قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ} وأي وسخ وقذر أقذر من الذنوب فطهر الله سبحانه نبيه’ بالمغفرة فما هو ذنب بالنسبة إلينا لو وقع منه’ لكان ذنبه في الصورة لا في المعنى؛ لأن الذم لا للحق به على ذلك من الله ولا منا شرعاً فلو كان حكمه حكم الذنب لصحبة ما يصحب الذنب من المذمّة ولم يصدق قوله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً فدخل في الشرفاء أولاد فاطمة كلهم ومن هو من أهل البيت، مثل سلمان الفارسي إلى يوم القيامة في حكم هذه الآية من الغفران، فهم المطهرون اختصاصاً من الله وعناية بهم لشرف محمد’ وعناية الله به ولا يظهر حكم هذا الشرف لأهل النبي^ إلا في الدار الآخرة، فإنهم يحشرون مغفوراً لهم وأما في الدنيا فمن أتا منهم حداً أقيم عليه كاالتائب إذا بلغ الحاكم أمره وقد زنى أو سرق أو شرب الخمر، أقيم عليه الحدّ مع تحقق المغفرة. ولا يجوز ذمّه وينبغي لكل مسلم مؤمن بالله وبما أنزله أن يصدق الله تعالى في قوله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً، فيعتقد في جميع ما يصدر من أهل البيت أن الله قد عفا عنهم فلا ينبغي لمسلم أن يلحق المذمّة بهم ولا ما يشنأ اعراض من قد شهد الله بتطهيره وذهاب الرجس عنه لا يعمل عملوه ولا بخير قدموه، بل سابق عناية من الله بهم؛ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، وإذا صح الخبر الوارد في سلمان فله هذه الدرجة فإنه لو كان سلمان على أمر يشنئون ظاهر الشرع وتلحق المذمّة لأهل البيت من ذلك بقدر ما أضيف إليهم وهم المطهرون بالنص فسلمان منهم بلا شك، فأرجو أن يكون عقب علي وسلمان تلحقهم هذه العناية، كما لحقت أولاد الحسن والحسين، وعقبهم وموالي أهل البيت فإن رحمة الله واسعة يا ولي، وإذا كانت منزلة مخلوق عند الله بهذه المثابة أن يشرف المضاف إليهم بشرفهم وشر منهم ليس لأنفسهم وإنما الله تعالى هو الذي اجتباهم وكساهم حلّة الشرف كيف يا ولي بمن أضيف إلى من له الحمد والمجد والشرف لنفسه وذاته فهو المجيد سبحانه وتعالى فالمضاف إليه من عباده الذين هم عبادة وهم الذين لا سلطان لمخلوق عليهم في الآخرة قال تعالى لإبليس (إن عبادي) فأضافهم إليه (ليس لك عليهم سلطان)، وما تجد في القرآن عباداً مضافين إليه سبحانه إلا السعداء خاصّة وجاء اللفظ في غيرهم بالعباد فما ظنك بالمعصومين المحفوظين منهم القائمين بحدود سيدهم الواقفين عند مراسمه فشرفهم أعلى وأتمّ وهؤلاء هم أقطاب هذا المقام ومن هؤلاء الأقطاب ورث سلمان شرف مقام أهل البيت فكان رضي الله عنه من أعلم الناس بما لله على عباده من الحقوق وما لأنفسهم والخلق عليهم من الحقوق وأقواهم على أدائها وفيه قال رسول الله’: «لو كان الإيمان بالثريا لناله رجال من فارس»، وأشار إلى سلمان الفارسي وفي تخصيص النبي’ ذكر الثريا دون غيرها من الكواكب إشارة بديعة لمثبتي الصفات السبعة؛ لأنّها سبعة كواكب فافهم سرّ سلمان الذي ألحقه بأهل البيت ما أعطاه النبي’ من أداء كتابته وفي هذا فقه عجيب فهو عتيقه’ ومولى القوم منهم والكل موالي الحق ورحمته وسعت كل شي وكل شيء عبده ومولاه، وبعد أن تبيّن لك منزلة أهل البيت عند الله وأنه لا ينبغي لمسلم أن يذمهم مما يقع منهم أصلاً فإن الله طهرهم، فليعلم الذام لهم أن ذلك راجع إليه([42]).