عربي
Sunday 24th of November 2024
0
نفر 0

أهل البيت قدوة السالكين

أهل البيت قدوة السالكين

أهل البيت قدوة السالكين

أشرنا فيما مضى إلى أن السالك في درب الحبيب يجب عليه أن يجعل من أهل البيت^ القدوة له والمثال في كل شؤون حياته.

إن الله وهو أرحم الراحمين قد بيّن طريق الوصول إلى كسب الفضائل، ثم أمر عباده أن يسلكوا طريق الكمال مقتدين بالأئمة المعصومين، فمن أراد بلوغ الكمال فعليه أن يحذو حذوهم وأن يسلك طريقهم، وهذا لا يعني أنه يمكن لمن يسلك الطريق طريق أهل البيت أن يبلغ ما بلغوه من درجات الكمال، فلقد بلغ أهل بيت النبي’  مرتبة لم يبلغها حتى عبدالله جبريل مع منزلته الرفيعة، إذ قال للنبي’ في قصّة المعراج:

«لو دنوت أنملة لاحترقت»([1]).

أسوة الإنسانية

إن الله عز وجل، اصطفى أهل البيت^ وجعلهم للإنسانية جمعاء قدوة وأسوة، حتى يمكن لمن أراد التكامل أن يقتدي بهم كل حسب سعته وطاقته قال سبحانه وتعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها}([2]).

وقد قيل في تأويل هذه الآية الكريمة أن الله عز وجل أنزل من العالم العلوي ماء الحياة والعلم والمعرفة فتتلقى النفوس من ذلك كل حسب قدرها، فإن كان الوادي فسيحاً بعيد الغور، وكانت له سعة كبيرة فإنّه حظة من المعرفة والعلم والكمال، كان كبيراً وكان بإمكانه أن يتدرج في مدارج الكمال حتى يصل مقام المحسنين، وإذا كان الله سبحانه وتعالى يقول: {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}([3]).

فإن ذلك لا يعني نفس الرسول فقط؛ لأن موضوع الأسوة ينتقل إلى أوصيائه وخلفائه بالحق، وهم الأئمة الأطهار من أهل بيته^، فمقام الأسوة ليس مقاماً شخصياً مرتبطاً بشخص النبي’ وإنما هو مقام حقوقي ينتقل إلى أهل بيته وأوصيائه، وعلى السالك في طريق الولاية أن يعرف أن الأنس بملائكة الغيب وسماع تسبيحهم لا يحصل إلا بالتأسي بالنبي’ وبآله الأطهار والاقتداء بهم، ذلك أنّهم قد طووا هذا الطريق ولا يمكن لغيرهم طيّه إلا بالاقتداء بهم والسير على خطاهم، قال رسول الله’:

«الروح والراحة والرحمة والنصرة واليسر واليسار والرضا والرضوان، والمخرج والفلج والقرب والمحبّة من الله ومن رسوله لمن أحب علياً وائتم بالأوصياء من بعده»([4]).

وعن الإمام علي بن موسى الرضا× قال:

«من سرّه أن ينظر إلى الله بغير حجاب وينظر الله إليه بغير حجاب فليتولّ آل محمد’ وليتبرأ من عدوهم وليأتم بإمام المؤمنين منهم، فإنه إذا كان يوم القيامة نظر الله إليه بغير حجاب ونظر إلى الله بغير حجاب»([5]).

إن أهل البيت^ قد طووا جميع المراحل وبلغوا جميع المقامات واجتازوا جميع دروب العبودية وكل طرق الفضيلة، بكل إخلاص فأصبحوا أسوة وقدوة للجميع.

إنهم قد بلغوا المرحلة التي فيها القرآن كثير فهم مشرفين على هذه الكثرة وفي المرحلة التي فيها بسيط فهم شهود على هذه البساطة ذلك أن حقيقتهم هي ذاتها حقيقة القرآن وبد ونهم لا يمكن إدراك القرآن، ويكون بلوغ مقام القرب أمراً مستحيلاً.

طلاب الدنيا لا يدركون أهل البيت^

إن كل من يراجع أهل البيت^ في كل شؤون حياته فإنه يتلقى من نورهم وعلمهم بقدر فهمه وسعته وطاقته من الإدراك فيكون نصيبه من ولايتهم وحقيقتهم التي هي ولاء لله عز وجل وحقيقة القرآن الكريم بقدر ما يتسع لذلك، فالذين لديهم سعة وجودية بقدر ما؛ عندما يقتدون بأهل البيت^ يدركون حقيقتهم بحسب طاقتهم، فيكونوا مؤمنين ويقتدون بآثارهم ويأخذون بأحكامهم وبسبب هذا الإيمان والإقتداء يحصلون على الثواب.

أما الذين سقطوا في ظلمة الطبيعة وهووا في ظلمات الدنيا و

{كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها}([6]).

إن هؤلاء لن يجدوا الحقيقة ولن يدركوا الرسالة والولاية وهؤلاء لن يتخذوا من أهل البيت أسوة ولا قدوة ولا مثالاً، بل يكفرون بهم.

ومن هنا يأتي تصريح القرآن الكريم في إشارته إلى وجود أناس يرون النبي’ أمامهم لكنهم لا يدركون ولا يبصرون الحقيقة .. حقيقة كونه نبياً ورسولاً من عند الله عزّ وجلّ ذلك أنهم غارقون في المادّية ويتخبطون في ظلمة الطبيعة فهم لا يرون الصراط المستقيم ولا يعرفونه.

إن الذين لا يريدون أن يعرفوا باطن القرآن الكريم أو لا يستطيعون ذلك، فإنهم لن يعرفون حقيقة أهل البيت وسيكونوا عاجزين عن إدراك حقيقتهم ذلك أن على قلوبهم أغشية وحجب تحول دون تلقي أنوار الحقيقة الساطعة ... حقيقة أهل البيت^ وحقانية إمامتهم.

وهذه الحجب التي تغلف قلوبهم جاءت من كثرة ما ارتكبوا من الذنوب والفسق والفجور فأصبحوا من أهل العناد سادرين في لجوجهم وغيهم ينظرون ولا يبصرون:

{وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ}([7]).

إنهم أهل نظر وليسوا بأهل بصيرة وبصر يرون ظاهر الأمور سطحيين في رؤيتهم قد عميت عليهم الحقيقة، وقد تراكمت الذنوب في نفوسهم حتى أسودت وانطفأت بصيرتهم فهم لا يبصرون:

{أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي}([8]).

الحق نور ساطع

إن حقيقة أهل البيت^ وهم من هم في رفيع المنزلة والقرب الإلهي ليسوا وراء حجاب، إنّهم كالحق في ظهوره وسطوع نوره، فهناك من لا يؤمن بالله العظيم؛ لأن بصيرته قد عميت، فهو لا يرى نور السماوات والأرض وهو لا يرى الله الذي خلق الوجود وأوجد الحياة:

{اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ}([9]).

إن هذا الحجاب الذي يمنع رؤيتهم للحق ويحول دون رؤيتهم للنبوّة والولاية سيبقى على عيونهم وبصائرهم إلى يوم القيامة، ثم يوم القيامة تظهر لهم الحقائق جليّة ساطعة واضحة كما هي واضحة اليوم للنبي’ وآله الأطهار، وسوف يرون كل شيء ساطعاً سطوع الشمس في رابعة النهار، وما يرونه غداً جلياً يخفى عليهم اليوم.

إنّ أهل البصيرة والرؤية يرون الآن الحق والحقيقة في النبوّة والولاية ومقامات أهل البيت لديهم واضحة بيّنة، ومن أجل ذلك اتخذوا منهم أسوة وقدوة ومثالاً يقتدون بهم بكل وجودهم.

وجمال المحبوب ليس من دونه نقاب وستار

دع غبار الطريق يخلد للأرض لكي يمكنك النظر([10]).

أجل أن الحق لا يكون عليه حجاب والرسالة والولاية ليستا وراء ستار.

إن حقائق ساحة الغيب والشهود التي هي جميعاً آيات إلهية، إنها كلها في حالة سطوع وإشعاع وهي جميعاً ليست وراء حجاب، وإنما الإنسان هو الذي يعيش في حالة من الظلام، وقد حجبت عن رؤيته ستائر الذنوب، ولهذا فهو محروم من رؤية الحق فالحجاب مضروب عليه بسبب الذنوب وليس على الحق حجاب، لأن الله عز وجل قد تجلّى بنوره للخلق جميعاً يقول إمام العاشقين ومولى العارفين علي أمير المؤمنين×:

«الحمد لله المتجلّي لخلقه بخلقه»([11]).

روي عن أبي بصير وهو من أصحاب الإمام الصادق× أنه قال: >دخلت المسجد مع أبي جعفر (الإمام محمد الباقر×) والناس يدخلون ويخرجون فقال لي: سل الناس هل يرونني؟ فكل من لقيته قلت له: أرأيت أبا جعفر؟ يقول: لا وهو واقف حتى دخل أبو هارون المكفوف، قال: سل هذا، فقلت: هل رأيت أبا جعفر؟ فقال: أليس هو بقائم، قال: وما علمك؟ قال: وكيف لا أعلم وهو نور ساطع<([12]).

أجل أنه قد كفّ بصره فقط أما بصيرته فهي مفتوحة يرى بها نور الحقيقة، فمن كف بصره وانفتحت بصيرته رأى نور الحق يتجلّى له وينفتح على قلبه فيشعر بالنور يغمر روحه ونفسه، ولكن من انفتح بصره وانطفأت بصيرته وعميت عليه أنوار الحقيقة لن يرى الحق أبداً، بل وسوف ينكر وجودها ويكذب بها.

فمن ا لممكن أن يقرأ المرء سيرة النبي’ وآل بيته ومن الممكن أن يتحدث عنهم، كما يمكن أن يؤلف كتاباً عنهم، لكنه يجهل حقيقتهم، بعبارة أخرى أنه يمكنه النظر إلى شخوصهم، ولكن تخفى عليه شخصياتهم.

كما هو الحال لدى العلماء المسيحيين والكتّاب العلمانيين فهم قد كتبوا وألفوا عن النبي’ وآله لكنهم لا يؤمنون بهم وسقطوا في هاوية الانحراف والتحريف فظلّوا في جهلهم سادرين وكانوا من الهالكين.

وقد جاء في سيرة وحياة الإمام موسى بن جعفر الكاظم× لما كان في سجن الربيع إن هارون الرشيد صعد يوماً على سطح القصر الذي سجن فيه الإمام× فرأى ثوباً مطروحاً في الساحة فقال للربيع:

ـ ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟

 فأجاب الربيع:

 ما ذاك بثوب وإنما هو موسى بن جعفر× له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال([13]).

لقد كان هارون ينظر بعينه ولكن عميت بصيرته فحرم من رؤية الحقيقة ولو تلقى باطنه نور الحقيقة لأطلق الإمام× من سجنه ولسلّم إليه أزمة الحكم؛ لأنه من حق الإنسان الصالح والعبد الصالح وهو الإمام× ولتحوّل إلى تابع للإمام يقتدي به ويسير على خطاه لا يتردد في ذلك لحظة واحدة.

وفي مقابل ذلك نرى في سيرة الإمام الحسن العسكري× كيف سلّمه الظالمون إلى صالح بن وميف وأمروه بالتضييق عليه وإيذائه، فلما رأوا أنه لا يفعل ذلك جاءوا وقالوا: قد أمرناك أن تضيّق عليه ولا توسع، فقال لهم ابن وصيف: ما أصنع به وقد وكّلت به رجلين شرّ من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة إلى أمر عظيم.

ثم أمر بإحضار الموكّلين، فقال لهما: ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟ فقالا له: ما نقول في رجل يصوم نهاره ويقوم ليله كلّه ولا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا، فلما سمع ذلك العباسيون انصرفوا خاسئين<([14]).

أجل أن من يرى الحقيقة يصبح من طلابها وبدل أن يقوم بأداء مهمته الشيطانية، فإنه يشغف بالحقيقة ويصبح من عشاقها.




([1]) المناقب: 1/178، بحار الأنوار: 18/382، باب3/ ح86.

([2]) سورة الرعد: الآية 27.

([3]) سورة الأحزاب: الآية 21.

([4]) تفسير العياشي: 1/169.

([5]) المحاسن: 1/60، باب78، ح101، بحار الأنوار: 27/90، باب4، ح42، أهل البيت في القرآن والحديث: 2/580 ح880.

([6]) سورة الأنعام: الآية 122.

([7]) سورة الأعراف: الآية 198.

([8]) سورة الكهف: الآية 101.

([9]) سورة النور: الآية 35.

([10]) حافظ الشيرازي: ديوان الأشعار.

([11]) نهج البلاغة: 157، خطبة 108، إعلام الدين، بحار الأنوار: 34/239، باب33.

([12]) الخرائج والجرائح: 2/595، بحار الأنوار: 46/243، باب5 ح31.

([13]) عيون أخبار الرضا: 1/95، باب7، ح14، بحار الأنوار: 48/220 باب9، ح24.

([14]) الكافي: 1/512 باب مولد الحسن بن علي× ح23، الإرشاد للمفيد: 2/3304، روضة الواعظين:1/248، بحار الأنوار: 50/308 باب4ح6.

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الخوف من سوء العاقبة
النفس ومراحلها السبعة:
حديث من العرفاء:
أهل البيت^ والعبودية-2
وَالْحُبُّ فَرْعُ الْمَعْرِفَةِ
أهل البيت النور المطلق
التوسل بأهل البيت -2
10. علل اختفاء النعم
11.استكمال البركة
مراحل عبادة العارفين:

 
user comment