دعاوه فى الصلاه على اتباع الرسل و مصدقيهم
1- الالتزام بخط الرساله:
و هذا دعاء يستذكر فيه اتباع الرسل الذين اتبعوهم فى المواقف الصعبه، و التحديات الشديده و الاوضاع القاسيه، فوقفوا معهم بعد ان ابتعد عنهم الناس، و نصروهم بعد ان خذلهم الاقرباء، و صدقوهم و انفتحوا على رسالتهم الالهيه و آمنوا بهم من خلال ايمانهم بالغيب فى سر الوحى و توحيد الله و اليوم الاخر عندما عارضهم المعاندون، و رفضهم المستكبرون. فكانت قلوبهم مشتاقه الى هولاء المرسلين بالحقائق الايمانيه من خلال انفتاحهم على الايمان بالرساله.
هولاء الذين نتمثلهم هم طليعه الناس فى كل دهر و زمان، حيث يمتازون على اهل عصرهم بالوعى و العمق و الشموليه و سعه الافق فى معرفه و حى النبوات، فكانوا عنوان الايمان فى مسيره الانبياء منذ انطلقت النبوه من لدن آدم (ع) حتى انتهت الى محمد (ص)، من ائمه الهدى الذين تقدموا الاجيال فى خط الهدى، و قاده التقى الذين قادوا الناس الى تقوى الله فى معنى الطاعه و الانقياد.
و من بين هولاء اصحاب محمد (ص) الذين عاشوا الصحبه مسووليه فى خط الدعوه و الجهاد، فكانت صحبه الرسول فى خط الرساله لا فى خط الذات، و لذلك اصغوا اليه بمسامع عقولهم قبل آذانهم، فعرفوا الحجه القاطعه فى حجته، و راوا الحقيقه الواضحه فى دعوته، فكانوا صفوه المجاهدين الذين ابلوا البلاء الحسن معه، و اخلصوا الوفاده له، و سبقوا الى اللحاق به، و جاهدوا فى نصرته و الذب عنه، و تحركوا فى التضحيه حتى بلغوا اعلى درجاتها، و جعلوا الرساله كل همهم و الرسول كل حياتهم، ففارقوا الازواج و الاولاد، و قاتلوا الابناء و الاباء، لا قرابه لهم الا مع الله، و لا علاقه لهم الا برسوله، لاتهزهم العواطف، و لا تثنيهم المشاعر، فالقضيه كل القضيه هى ان تقوى النبوه، و ينطلق النبى، و تنتصر المسيره، حبا به من خلال حبهم لله الذى يرجون معه تجاره لن تبور. و لقد تحملوا كل الجهد النفسى، و القهر الاجتماعى من خلال هجران عشائرهم لهم لتعلقهم بالحبل المتين للرساله، و براءه الاقرباء منهم لانهم راوا فى النبى القريب الاقرب لانه يمثل الرساله.
2- الانفتاح على الرساله هو المقياس:
و هكذا نجد الامام (ع) يوكد الصحبه المخلصه كقيمه ايمانيه ترتفع بالانسان، لان هولاء الذين التزموا بها و اخلصوا لها هم الذين قامت الرساله على اكتافهم، و قويت من خلال قوتهم، و ثبتت من مواقع ثباتهم، فكانوا جنود الرساله فى قياده الرسول، و كانوا الدعاه فى صوت الداعى، مما يفرض علينا دراسه حركتهم فى حركه الرساله، و جهادهم فى جهادها، او دعوتهم فى دعوتها، لانهم عاشوا الحركيه و الجهاد و الدعوه الى الله تجسيدا للقيم الرساليه التى رباهم عليها الرسول (ص).
و بهذا يكون استذكارهم استذكارا للقدوه، و استعاده تاريخهم تاكيدا للتاريخ الحى الذى يمثل الجذور الضاربه فى الزمن فى حياه الامه، كما يكون الدعاء لهم، بالمغفره و الرضوان و التوسل الى الله ان يرضيهم برضوانه، جزاء لما بذلوه فى اجتذابهم الناس اليه و دعوتهم له، اعترافا منا بالجميل الذى قدموه الينا فى انطلاقه الرساله التى نتفيا فى ظلالها و نتقلب فى نعمائها.
فالامام (ع) يطلب من الله ان يشكرهم على تضحيتهم فى اختيارهم الغربه عن ديارهم و قومهم من اجل الرساله و الرسول، و تفضيلهم حياه الضيق على حياه السعه، و تحملهم آلام الظلم من اجل اعزاز دين الله و رسالته.
و قد يكون من الطبيعى ان لا تكون الصحبه المجرده اساسا للقيمه، بل لا بد ان تكون صحبه منفتحه على الرسول فى رسالته، متحركه معه فى مسيرته، مقتديه به فى سيرته، مخلصه له فى روحيته، لان هناك من الذين صحبوه من لم يكونوا فى مستوى المسووليه، فهناك المنافقون الذين كثر الحديث عنهم فى القرآن و عن الاوضاع الخائنه التى كانوا يكيدون فيها لله و للرسول، و يتحالفون فيها مع اعداء الله. و هناك الذين انحرفوا عن الخط و خالفوا السنه من خلال التعقيدات و التطورات القلقه التى احاطت بالاسلام و المسلمين بعد النبى (ص) عندما انفتحت لهم الدنيا باطماعها و شهواتها و زخارفها فانجذبوا اليها و انحرفوا عن الخط المستقيم.
على هذا الاساس نرى الامام (ع) فى الدعاء يركز على المواقف الايمانيه الاسلاميه لهم فى خط الجهاد و الدعوه و القدوه، و لا يقتصر على مجرد عنوان الصحبه.
3- التابعون فى خط الرساله:
و هناك التابعون الذين عبر عنهم القرآن الكريم بالقول: (و الذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لاخواننا الذين سبقونا بالايمان و لا تجعل فى قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك غفور رحيم)(الحشر: 10).
هولاء الذين انطلقوا فى خط المسيره على ضوء الرساله و سلامه المنهج، فلم يغيروا و لم يبدلوا، بل استقاموا على الطريقه الحقه، و انفتحوا على الافق المشرق، و انطلقوا فى الوجهه التى انطلق نحوها النبى و اصحابه، فكانوا الامتداد الواعى للاسلام الحركى المتحرك فى خط الوضوح، السائر على هدى اليقين، بعيدا عن كل شك و ريبه و عن كل اهتزاز و انحراف، لا دين لهم الا ما دانوا به، و لا هدى لهم الا ما اهتدوا به، فى عمليه تعاون و تكامل و تكاتف و تازر، فهم المصدقون لما جاءهم، و السائرون عليه، الواعون لدورهم فى امتداد الرساله و اكمال المسيره، لينقلوا الاسلام من جيل الى آخر و من مرحله الى اخرى، لانه امانه الله التى اراد للاجيال ان تتحمل مسووليتها.
و هذا ما يجب على الدعاه الى الله و العاملين فى سبيله ان يخططوا له فى تركيز القاعده الاسلاميه، على صعيد الفكر و الحركه و الانتماء و الدعوه فى كل عصر، ليرتكز الناس عليها، و ليقفوا عندها، و لينطلقوا منها فى حركه الزمن و فى ساحات الصراع، ليتبع كل جيل جديد الجيل الذى سبقه، و ليهيى ء الاجواء لهدايه الجيل الذى ياتى بعده، الامر الذى يجعل القضيه فى مستوى المسووليه الكبرى و هى مسووليه الرساله، لان الرساله- فى مصطلحها الدقيق- اذا كانت هى الاصطفاء من الله لبعض خلقه فى انزال وحيه و تبليغ رسالته، فانها بمعناها العام التوجيهى و التبليغى و الحركى تتسع لكل الذين ينتمون الى الرسول و رسالته فى مسووليتهم عن الاستمرار بها، ليكون كل واحد منهم رسولا على صعيد الدعوه و القدوه، اذا لم يكن رسولا على صعيد الوحى و الاصطفاء.
و فى ضوء هذا، لا نجد هناك مجالا للاسترخاء، و لا عذرا فى القعود، و لا مبررا للابتعاد عن خط الدعوه و حركيتها، بالوقوف فى مواقف المتفرجين على الصراعات و التحديات الكبرى التى تتحدى الاسلام فى عقيدته و شريعته و منهجه و حركته، لتخرج الناس من الايمان الى الكفر، و لتبتعد بهم عن الصراط المستقيم على اساس حركه الفكر المادى، و التبشير المسيحى، و العنصريه اليهوديه، و التخطيط النفاقى، و الهيمنه الاستكباريه، و السقوط الاخلاقى فى خط الانحراف، و نحو ذلك... فان الله قد حمل المسلمين الدعوه الى الخير و الامر بالمعروف و النهى عن المنكر، و اعتبر ذلك اساسا للفلاح و نيل الدرجات العليا عنده، فاراد لهم ان يتحدوا و لا يتفرقوا و لا ينحرفوا و لا ينقلبوا على اعقابهم.
4- آثار الصلاه على الصحابه و التابعين و الاخيار:
و ينطلق الدعاء بالصلاه على هولاء بحيث تترك تاثيرها الروحى على سلوكهم العملى بالعصمه الفكريه السلوكيه التى تعصمهم من معصيه الله بما ياخذون به من طاعه الله و يقفون فيه عند حدوده، لتكون لهم الجنه جزاء و ثوابا على ما قدموه من مواقف الايمان و التقوى.
كما ترزقهم القوه الاراديه الواعيه التى تحررهم من قبضه الشيطان و كيده و وسوسته و تثبيطه، ليكونوا جند الرحمن و حزبه و اولياءه، و تهيى ء لهم المعونه على ما طلبوا العون فيه من البر و الخير، ليزدادوا قوه فى الحركه و الانضباط، و تقيهم من طوارق الليل و النهار مما قد يصيبهم بالشر و يسى ء الى امنهم او حياتهم او دينهم او ما يتعلق بهم من اموال و اهل و اولاد و اعوان.
و تركز و عيهم الايمانى ليبقى لهم حسن الرجاء بالله و الطمع بما عنده، و الياس عما بيد الناس، فلا يكون لهم رغبه حقيقه الا به، و لا رهبه الا منه، و ينفتحون على الدنيا انفتاح الزاهدين بها، العارفين بطبيعتها المحدوده، التى لا تمنح الانسان الثبات و الاستقرار و الخلود، ليتصرفوا- معها- من موقع هذا الوعى بحكمه و توازن و التزام، و يشتاقون الى الاخره اشتياق المومن الذى يرى فيها دار السلام و الخلود، فيدفعهم ذلك الى العمل الدائب لما بعد الموت، ليحصلوا على الدرجات العليا عند الله من خلال رضوانه و عفوه و مغفرته...
و تتحرك الصلاه فى روحيتها و ايحاءاتها و تاثيراتها، لتهون عليهم كربات الموت عندما تخرج الارواح من الاجساد، و تحميهم من الضغوط الصعبه التى قد توثر فيهم بالفتنه عن دينهم، و من النتائج السلبيه من الوقوع فى النار و البقاء فيها، لتكون القضيه المهمه هى الحصول على مقعد صدق عند مليك مقتدر فى دار المتقين.
فى هذا الجو، نلتقى بالصلاه الالهيه على عباد الله المتقين، لنجد فيها العالم الواسع الذى ينفتح به الله على كل حياتهم ليفيض عليها الخير و التوفيق و البركه و الانضباط و التوازن فى خط الاستقامه على طريق هداه، و ليحميهم من كل سوء يصيب دنياهم و آخرتهم، و لينتهى بهم الى ساحه مغفرته و رضوانه، ليدخلهم- فى نهايه المطاف- الى جنته و يبعدهم عن ناره، فلا تعود الصلاه فى الدعاء مجرد كلمات ضبابيه غامضه، بل تتحول الى كون روحى واسع يعيش المومن فى جمالاته الروحيه و الماديه فى الطاف الله و عنايته.
5- موقعنا فى درب الرسالات:
و هكذا نجد فى هذا الدعاء نقطه مهمه فى استعاده تاريخ المومنين المجاهدين من اتباع الرسل و مصدقيهم لا سيما فى الموقع الاسلامى الذى تنطلق فيه المسيره التى تبدا من الرسول و صحابته و التابعين لهم باحسان، لنستشعر موقعنا فى هذا الدرب الطويل، و لنستفيد من تجربتهم باعتبار ان لهم حق السبق فى الايمان و الدعوه و الجهاد، بالمستوى الذى انطلقوا فيه، ليثبتوا قاعده الاسلام على اساس القوه الفكريه او العمليه، و ليفسحوا المجال للامتداد فى ما يستقبله المسلمون من تطورات و تغيرات فى اوضاع المستقبل، لنبنى على هذه القاعده، و لنمتد فى خطها الطويل، و لنكمل المرحله التى نعيش فيها، و لنهيى ء الجو للمرحله القادمه فى الاجيال الجديده.
و من الطبيعى ان ذلك كله يمنحنا التفكير فى حدود تجاربهم، مما قد يستهلكه الزمن لانه محدود بحدود الظروف الموضوعيه التى عاشوا فيها فى الوسائل و الخطوات، و مما يبقى مع الزمن من الثوابت التى تتصل بحقيقه الانسان فى حركه انسانيته و تطلعاته فى قضايا الحق و العدل و الخير و الايمان، فنزداد بذلك وعيا و انفتاحا على تجارب جديده تحركها افكارنا و تصنعها طاقاتنا و تهيى ء خطواتنا لافق جديد، فى سبيل قوه جديده و انتصار كبير.
اللهم و اتباع الرسل و مصدقوهم من اهل الارض بالغيب عند معارضه المعاندين لهم بالتكذيب و الاشتياق الى المرسلين بحقائق الايمان فى كل دهر و زمان ارسلت فيه رسولا و اقمت لاهله دليلا من لدن آدم الى محمد صلى الله عليه و آله من ائمه الهدى و قاده اهل التقى، على جميعهم السلام، فاذكرهم منك بمغفره و رضوان.
1- المغفره و الرضوان لاتباع الرسل:
يا رب، فى مرحلتنا هذه من عمر الزمن الذى بداته بقدرتك لتكون الحياه، و ليكون الانسان فى حركته فى الايمان بك، و فى السير على هداك فى خط طاعتك من خلال الرسل الذين ارسلتهم الينا ليدلونا على مواقع القرب منك و وسائل المسير اليك، اننا يا رب، نقف لنتطلع الى تاريخ الاجيال التى سبقت جيلنا من اتباع الرسل الذين وقفوا معهم فى خط الايمان بك، و اتبعوهم فى نهج الهدى المنفتح على وحيك، و من مصدقيهم الذين صدقوهم عندما كذبهم الناس، و آمنوا بهم عندما عارضهم المعاندون، ايمان المومن بالغيب الذى نصبت عليه دليلا من رسالاتك، و فتحت له آفاق المعرفه من وحيك، بما اطلقته من حركه الفكر فى عقله، و من فطره الروح فى وجدانه.
اننا نتابع روح الايمان فى حراره الشوق التى تلهب مشاعرهم الى دعوات المرسلين بالحقائق الثابته التى توكد للحياه قوتها فى جذور الوعى، و تفتح للانسان اكثر من نافذه على المعرفه لنفسه و لربه و للوجود من حوله، ليكون المرسلون هم الذين يفتحون للعقل آفاق التفكير، و يمهدون للفكر سبل الاخذ باسباب السلم، و هم الادلاء عليك و على ما يصلح امور الحياه و الناس، لتكون الحجه لك عليهم و لا يكون لهم حجه عليك بعد الرسل من آدم الى محمد (ص)، حيث تتابعت الرسالات و انطلقت الحجج، و انفتحت آفاق العقل على اشراقه العلم فى كل دهر و اوان فى مسيره ائمه الهدى و قاده التقى الذين يمنحون الانسان عقلا بالاضافه الى عقله، و روحا الى روحه..
اللهم اننا نتوسل اليك ان تنالهم منك بالمغفره و الرضوان، و ان تذكرهم بالرحمه و اللطف الحميم و الكرامه الخالده، لانهم اخلصوا لك فى الايمان، و اطاعوك فى الاراده المتحركه الواعيه، و دعوا اليك، فى خط دعوه الرسل، بالحكمه و الموعظه الحسنه، و جاهدوا فى سبيلك حتى كانت كلمتك هى العليا و كلمه الشيطان هى السفلى، من خلال ما بذلوه من جهد الروح و الجسد، و جاهدوا فيه بالحركه و الامتداد.
2- جهاد اصحاب الرسول (ص):
يا رب، ان الطليعه المنفتحه على الله و رسوله و رسالاته فى الدعوه اليك و الجهاد فى سبيلك، اصحاب محمد (ص) الذين احسنوا الصحبه بالايمان به، و الالتزام باوامره و نواهيه، و الثبات على دينه، و امتدوا بالاسلام، فكرا و عقيده و منهجا و حركه، و دخلوا الحرب معه انتصارا له، فاظهروا بها كل قوه و اخلاص و تضحيه، و عاونوه فى مهماته الصعبه، و اندفعوا سراعا فى تصديق رسالته عندما انطلق فى رسالته و دعوته اليهم، فكان لهم السبق فى الاستجابه له و لدعوته، و فى الوقوف معه و الاتباع له، من موقع القناعه الفكريه التى تستمع للحجه القويه لتومن بها، و ذلك لانفتاح قلوبهم على الحق، و انطلاق خطواتهم الى الصراط المستقيم، فلم تقعد بهم عصبيه، و لم تمنعهم مكابره، بل لانت قلوبهم لذكر الله و ما انزل من الحق على رسوله، و لم تبتعد بهم عاطفه الازواج و الاولاد التى تثقل اوضاعهم، و تتحدى مشاعرهم، و تعقد افكارهم، فلم يستريحوا الى مكامن الاحساس فى ذواتهم، و مواقع الاثاره فى وجدانهم،
ففارقوا الازواج و الاولاد، و هاجروا معه، و حاربوا فى صفه، فكان الرجل يفارق زوجته اذا اصرت على الكفر و امتنعت عن الهجره معه، و كانت المراه تفارق زوجها فى مثل ذلك، و هكذا الحال مع الاولاد، و قاتلوا آباءهم و اخوانهم و ابناءهم الذين اختار و الكفر على الايمان و وقفوا ليحاربوا النبى (ص) و المسلمين معه، فى صفوف المشركين، و ذلك من اجل تركيز النبوه فى قواعدها الثابته، و الانتصار على اعداء النبى (ص) الذين هم اعداء الاسلام، بقيادته الحكيمه و بروحيته المرتفعه الى الله، المنفتحه على محبته.
هولاء الذين انطوت قلوبهم على محبه النبى (ص) و عيا منهم لاسرار العظمه فى شخصه، و عناصر الحق فى موقعه و موقفه، و للنتائج الكبيره عند الله التى يرجون فيها تجاره لا تبور، هولاء يحبون الله و رسوله اكثر مما يحبون انفسهم و ازواجهم و اهلهم، لذلك كان الاخلاص للاسلام يتجاوز عندهم كل الحدود الماديه و العاطفيه، فلم يسقطوا تحت تاثير ترك عشائرهم لهم و طردهم من حضيرتهم، لانهم تمسكوا بالاسلام دينا و بالنبى محمد رسولا، لان ذلك هو المظهر الحى للعروه الوثقى التى تحمى صاحبها من الاهتزاز و السقوط، و لم يبتعدوا عن الحق الثابت لديهم تحت ضغط القرابات عليهم، بالانتفاء منهم و البراءه من الانتساب اليهم، لانهم ارتاحوا للظلال الوارفه بالحب و الحنان و الخير و القرب الى الله، فى سكناهم فى ظل قرابه النبى (ص) الروحيه التى تعلو عليها كل قرابه، لانها القرابه بالله فى دينه، اذا كانت القرابات الاخرى تتحرك بالدم و العلاقات الانسانيه الذاتيه.
اللهم، ان هولاء كانوا يمثلون الطليعه السابقه الى الاسلام و الدعوه و الجهاد التى ركزت القاعده، و ثبتت الارض و انفتحت على المستقبل فى خط الحركه الاسلاميه المنطلقه نحو الافاق العاليه، و الابعاد الشاسعه المتراميه، فاذكرهم منك بمغفره و رضوان...
3- عظيم الثواب لهم:
اللهم اذكر لهم- بما تذكر به اولياءك من عظيم ثوابك و جزيل اجرك- ما تركوه من علاقاتهم و ملذاتهم و شهواتهم و اطماعهم و راحتهم للوصول الى قربك و الحصول على رضاك، و ما عملوا به فى سبيل الدعوه اليك و الجهاد فى خطك المستقيم فى مواجهه اعدائك و اعداء دينك، فلا تنس لهم- يا رب- ذلك كله، و اعطهم من رضاك ما تقربه عيونهم و ترتاح له نفوسهم، و ترتفع به درجاتهم، من خلال جهدهم فى جمع الناس الى دينك و ترغيبهم الى طاعتك و تقريبهم اليك و اتباعهم لرسولك، و صحبتهم له و اخلاصهم لرسالته، و ما بذلوه من الجهد الكبير فى الدعوه اليك قربه لك و خضوعا لاوامرك...
و اشكر لهم- يا رب- هجرتهم بلادهم و ديار اهلهم، مع عمق الالفه لها، و المحبه الذاتيه لها فى ذكريات طفولتهم و ملاعب شبابهم، و مرتع احبائهم و اقربائهم، من اجل الثبات على دينك و الجهاد فى سبيلك، مع ما يفرضه ذلك عليهم من ضيق العيش بعد ان كانوا فى سعه منه، و من وحشه الغربه بعد ان عاشوا فى انس الوطن، فانك تشكر لعبادك المخلصين لك، المجاهدين فى سبيلك، بان تمنحهم رضوانك و تسكنهم جنتك و تجزل لهم الثواب العظيم.
هولاء هم الذين عاشوا لك و هاجروا اليك و جاهدوا فى سبيل اعزاز دينك ممن واجهوا ظلم المشركين و تعذيبهم قبل الهجره حتى قالوا: (ربنا اخرجنا من هذه القريه الظالم اهلها)(النساء: 75)، كل ذلك اعزازا لدينك.
4- التابعون هم الامتداد لصحابه الرسول (ص) الاطهار:
يا رب، لقد انطلق رسولك بالدعوه اليك لتبدا مسيره الاسلام المنطلقه نحو الحياه كلها من اجل ان ياخذ الناس بوحيك فى كل ما يفكرون به و يعملون له و يتحركون نحوه، ليكون منهاجهم الذى ينهجونه، و شريعتهم التى يسيرون عليها، و دينهم الاقوم، و سبيلهم الامثل، و ليكون الدين كله لك، ليتكامل نظام العمل فى حياتهم مع نظام الكون فى وجودهم، فكان له من الناس اصحاب و انصار سبقوا غيرهم الى الايمان به و جاهدوا معه فى سبيلك، من المهاجرين الذين هاجروا فرارا بدينهم خوفا من الفتنه، و حبا لنبيك و اخلاصا لرسالتك طلبا للنصره.
ثم تتابعت الاجيال- من بعدهم- فانطلق الذين اتبعوهم باحسان، فاحسنوا الايمان، و اخلصوا العمل، و تحركوا فى الطريق المستقيم الذى يوصلهم الى مواقع رضوانك، و خططوا للمستقبل الاسلامى فى افكارهم و اعمالهم، و اطلقوا للاسلام حركته شرقا و غربا، حتى ظهر امرك على الشرك كله و لو كره الكافرون.
و كانوا يقولون: (ربنا اغفر لنا و لاخواننا الذين سبقونا بالايمان) فهم لا ينكرون فضل السابقين من المهاجرين و الانصار الذين ركزوا القاعده، و فتحوا الطريق، و حركوا الدعوه، و احسنوا العمل، و اعطوا- من انفسهم- القدوه، و لذلك فانهم يستغفرون لهم فى بعض ما اخطاوا فيه، كما يستغفرون لانفسهم، تدليلا على النهج المشترك، و المصير الواحد، و يبتهلون الى الله ان يعمر قلوبهم بالمحبه للمومنين فى كل امورهم، لتكون علاقه الايمان فى الواقع الايمانى علاقه تشد السائرين فى المسيره كلها الى بعضهم البعض، فكانوا يقولون: (و لا تجعل فى قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك رءوف رحيم)(الحشر: 10)، لانهم يدركون ان الموده القلبيه، و الاخلاص الروحى، و محبه الايمان، هى التى تركز للمجتمع قواعده، و تثبت للاسلام مواقفه، و تعطى للحق قوته، و تفتح للسائرين آفاق النصر فى مسيره الصراع، و تمنحهم رافه الله، من خلال رافتهم ببعضهم البعض، و رحمته، على خط رحمتهم بالمومنين منهم.
اللهم اجزهم خير جزائك، و اعطهم افضل عطائك، و ارفع درجتهم فى مدارج القرب اليك و مواقع الرضوان لديك، لانهم ارادوا متابعه الطريق التى بداها المومنون الاولون، و اختاروا الوجهه التى توجهوا اليها، و ساروا على طريقتهم و منهاجهم، فى وضوح من الرويه،
و يقين فى العقيده، فلم يصرفهم عن السير فى هذا الطريق الصعب اى ريب فى البصيره، و لم يختلج فى صدورهم شك فى الحق الذى يمثلونه و فى الائتمام بالسابقين فى خط الدعوه و الجهاد و العمل فى سبيلك، فكانوا الجماعه التى تمنح القافله- التى بدات الطريق و سارت فيه- عونهم و مساعدتهم لتقويه الخط و استقامه النهج مما كان السابقون يفكرون فيه و يعملون له، فانطلقوا معهم يدينون بدينهم و يهتدون بهديهم ثقه بهم و باخلاصهم، فهم لا يتهمونهم على الاسلام فى ما ادوه اليهم من شرائعه و احكامه و آثاره التى سمعوها من النبى قولا و شاهدوها من سيرته عملا، و لا يختلفون فى امرهم، بل كانت نظرتهم اليهم واحده، و كلمتهم فيهم مجتمعه.
و هذا الذى اردته- يا رب- من كل جيل من اجيال الاسلام فى تكامل المراحل، فى المسيره الطويله فى قياده الحياه، فينفتح الاخر على الاول، و يمهد الاول للاخر الطريق فى عمليه تعاون فى حركه الزمن و تتابع الخطوات، لان ذلك يعطى الاسلام قوته و حيويته فى تحريك التجارب التى تتجمع فى كل جيل، فيكون التابعون هم الذين يمثلون الامتداد الواعى للاجيال فى مسيره المسلمين الدعاه و المجاهدين و العاملين فى سبيل الله.
و هذا ما ينبغى للعلماء و الدعاه و القيادات الاسلاميه ان تنهجه فى عمليه صنع الاجيال فى حركه الاسلام فى التاريخ، لينطلق الجميع فى تركيز القاعده، و تثبيت المواقع، و تقويه المواقف، و تاصيل المفاهيم، و انفتاح الافق، حتى لا يكون تتابع المراحل مجرد تكرير للماضى فى الحاضر، بل تكون المساله تطويرا للحركه فى مسيره الزمن مع بقاء المفاهيم الاصيله الثابته على اصالتها و ثباتها، فلايتهم التابعون من قبلهم فى اخلاصهم و جهادهم، و لكنهم قد يناقشونهم فى بعض ما اخطاوا فيه، او انحرفوا فيه من غير قصد.
5- اللهم اعصم التابعين من اوليائك:
اللهم انا نلجا اليك فى كل مهماتنا التى تشغل تفكيرنا و تربك مشاعرنا، فى كل ما يعيشه المسلمون من اوضاع و ما يواجههم من مشاكل، و يتحرك فى ساحاتهم من تحديات على صعيد ما يكسبونه فى الدنيا و ما ينتظرهم فى الاخره، و قد علمتنا- يا رب- ان نصلى على عبادك المومنين، كما صليت عليهم فى كتابك، و كما اردت للملائكه ان يصلوا عليهم، فقلت سبحانك: (هو الذى يصلى عليكم و ملائكته)(الاحزاب: 43).
و قلت- عز اسمك- عن الصابرين: (اولئك عليهم صلوات من ربهم)(البقره: 157) فجعلت الصلاه منك تعبيرا عن الرحمه و المغفره و العفو و الرضوان لهم فى كل حياتهم، و جزاء لهم على ما عملوه من الخير، و ما اكدوه من المواقف المرضيه عندك.
و نحن نتوسل اليك ان تصلى على التابعين للنبى و آله و اصحابه، فى جيلنا الحاضر، و فى الاجيال القادمه الى يوم القيامه،
و لتكن هذه الصلاه فى تاثيرها الروحى على عقولهم و قلوبهم و مواقفهم عاصمه لهم من معصيتك، فلا يفكرون فى اى شى ء من اسباب سخطك، و لا يتحركون فى حياتهم فى اتجاه ذلك، و منفتحه بهم على المدى الفسيح الرحب من رياض جنتك، و مانعه لهم من تاثير الشيطان على افكارهم و ارواحهم و اقوالهم و افعالهم فى كيده الذى يكيد به عبادك ليبتعد بهم عن مواقع رضاك، معينه لهم على ما استعانوك عليه من الخير الشامل الذى يعيشون فيه و ياخذون به و يعملون له، و واقيه لهم من كل طوارق الليل و النهار مما يضغط على اوضاعهم و يتعب ابدانهم و يرهق حياتهم، ما عدا الطوارق الخيره التى توحى بالخير و تقوى مواقعه و تحرك الروح و الجسد نحوه، فهيى ء لهم منها المزيد، و مشجعه لهم على اليقين بانك الغايه فى كل آفاق الرجاء التى يتطلعون فيها الى سعاده الدنيا و الاخره، و المومل فى تحقيق ما يطمعون به عندك من الثواب الجزيل و الاجر العظيم، و الحياه المطمئنه، و النعيم الخالد، فلا رجاء لغيرك و لا طمع الا لديك، و لا تهمه لك فى ما اعطيت عبادك من نعمك، و حرمتهم من فضلك، لانك الاعلم بما يصلحهم و ما يفسدهم، على هدى ما جاء عن عبدك الصالح موسى بن جعفر- فى ما رواه الكلينى فى الكافى- قال: «ينبغى لمن عقل عن الله ان لايتهم الله فى قضائه و لا يستبطئه فى رزقه» و لا تهمه لعبادك فى ما اعطيتهم باساءه الظن فيهم اذا منعوهم ما فى ايديهم كما جاء فى حديث عبدك جعفر الصادق (ع) قال: «من صحه يقين المرء المسلم ان لا يرضى الناس بسخط الله و لا يلومهم على ما لم يوته الله».
فلا يرغبون فى احد من خلقك، و لا يخافون من عبد من عبادك، بل تكون الرغبه اليك و الرهبه منك، لانك القادر على كل شى ء، فانت تملك الامر كله، و لانك الحكيم فى كل قضائك، فانت الخبير بخفايا الامور فى الوجود كله فى ما تعطى و تمنع، و بمصالح العباد مما تدبر فيهم امورهم، و لانهم لا يملكون من امرهم شيئا فى النفع و الضر، فكيف يتهمك احد منهم فى قضائك، او يتهم بعضهم بعضا فى ما يحدث لهم من امروهم و قضاياهم؟.
اللهم اعطهم فى صلاتك عليهم الزهد فى عاجل الدنيا مما يجذب الشهوات، و يغرى الاطماع، و يعمى الابصار عن زخارفها و بهارجها و لذاتها و شهواتها، حتى لا يتركوا ما احببت، و لا يفعلوا ما كرهت رغبه فى الحصول عليها.
و امنحهم الانفتاح على العمل للاخره و الاستعداد لها بتاكيد المحبه لك و الخوف منك فى كل ما ياخذون به او يدعونه، ليبتغوا فى ما اتيتهم الدار الاخره كفايه لهم، و لا ينسوا نصيبهم من الدنيا فى حاجاتهم و ضرورياتهم، فيهون عليهم، بتلك الروح الايمانيه المحبه لله الخائفه منه، كل كرب من كربات النفس عندما تخرج من البدن لتلقى وجه الله، و تتحمل مسووليتها و تفارق الاحباب و الاصحاب.
و ارزقهم العافيه من كل النتائج السيئه التى قد تترتب على اعمالهم مما يخافه العباد فى وقوفهم بين يديك، بالعفو عنهم و المغفره لهم، ليكون ايمانهم بك وسيله الى الغفران لذنوبهم.
و اجعل لهم فى لقائك- من خلال صلواتك عليهم- الامن و الطمانينه فى مواقع الراحه و النعيم الخالد الذى و عدت به المتقين من عبادك.
يا رب، انك تعرف منا- نحن الذين آمنا بك و اتبعنا رسولك، و انطلقنا فى تجربته فى الحياه فى خط رضوانك، و جاهدنا بكل جهدنا فى سبيلك- ان النفس التى تمثل حركه وجودنا بكل غرائزها و نقاط ضعفها، اماره بالسوء، و ان الشيطان يزين لنا القبيح حتى نتصوره حسنا، و يقبح لنا الحسن حتى نتخيله قبيحا، و ان ذلك كله قد ينحرف بنا عن سواء الطريق، و يودى بنا الى الاخذ ببعض معصيتك و البعد عن مواقع رضاك...
اللهم، انك تعلم انك لم تخلق العصمه فى عمق وجودنا، و لم توكدها فى ذاتياتنا، بل جعلتها عنوانا لحركتنا فى خط الايمان من اجل ان تكون لنا اراده العصمه فى امتثال امرك و نهيك.
اننا نبتهل اليك ان تغفر لنا و لاخواننا الذين سبقونا بالايمان كل ما اسلفناه من ذنوبنا، و ضعفنا فيه من مواقفنا، و ان تعصمنا مع المومنين الذين ياتون من بعدنا، عصمه قويه ثابته تمنعنا عن التعرض لمعاصيك،
و تدفعنا الى الاخذ باسباب طاعتك، حتى نكون عبادك الذين اعنتهم على انفسهم بما تعين به الصالحين على انفسهم فى كل حياتهم، فى اقوالهم و افعالهم، يا رب العالمين.