فارسی
شنبه 22 دى 1403 - السبت 10 رجب 1446
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه
0
نفر 0

دعاوه فى طلب العفو و الرحمه

دعاوه ‌فى‌ طلب العفو ‌و‌ الرحمه
 
 ‌فى‌ هذا الدعاء انفتاح على الله ‌فى‌ الحصول على عفوه ‌و‌ رحمته ‌و‌ ذلك ‌من‌ خلال عده نقاط:
 النقطه الاولى: الاستعانه بقدرته تعالى على تاكيد الالتزام بالسلوك المستقيم الذى ينطلق ‌من‌ المناعه الاخلاقيه ‌فى‌ انضباط الانسان الداخلى ‌فى‌ حركه شهوته، فلا تندفع بالقوه الغريزيه الى المحارم التى جعلها الله ‌من‌ الحرمات الممنوعه على الانسان التى ‌لا‌ يجوز له انتهاكها، فيطلب الانسان ‌من‌ ربه ‌ان‌ يكسر شهوته عن كل محرم ‌من‌ هذه المحارم ‌و‌ يضعفها ‌و‌ يحبسها ‌فى‌ نطاق الالتزام بخط التقوى حتى ‌لا‌ تاخذ حريتها ‌فى‌ الاندفاع الى الجانب الحيوى ‌من‌ الجسد ‌فى‌ ‌خط‌ الانحراف عن اوامر الله ‌و‌ نواهيه.
 ‌و‌ ‌فى‌ ابعاده عن كل المعاصى ‌و‌ الاثام، فلا يرغب فيها ‌و‌ ‌لا‌ يحرص عليها خوفا ‌من‌ عقاب الله ‌و‌ طلبا لمرضاته، بل يندفع الى طاعته ليكون التزامه التزام العبد المطيع باراده مولاه، ‌و‌ ‌فى‌ الابتعاد عن اذى المومنين ‌و‌ المومنات ‌و‌ المسلمين ‌و‌ المسلمات، ليكون الانسان المسالم الذى ينفتح على الاخرين ‌من‌ عباد الله، بالامتناع عن الحاق الاذى بهم ‌و‌ الاضرار باوضاعهم ‌و‌ الاعتداء عليهم، لان الله يريد للمومن ‌ان‌ يسلم المسلمون ‌من‌ يده ‌و‌ لسانه، ‌و‌ ‌ان‌ يكون الانسان الذى يعيش الخير ‌فى‌ روحه ‌و‌ عقله ‌و‌ حركته ‌فى‌ داخل ذاته ‌و‌ خارجها على مستوى الممارسه ‌فى‌ عمله لنفسه ‌و‌ على صعيد العلاقات ‌فى‌ تعامله مع الاخرين.
 ‌و‌ هكذا تتلخص النقطه الاولى ‌فى‌ الدعاء الى الله بان يعينه على نفسه ‌فى‌ مواطن الضعف الداخلى مما يختزنه ‌من‌ نقاط الضعف الانسانى، ليكسر شهوته عن كل محرم، فلا تتحرك بالعنفوان الغريزى ‌فى‌ حاله تمرد، ‌و‌ ليبعد رغبته ‌و‌ حرصه عن الماثم فلا يندفع الى المعصيه ‌فى‌ شوق ‌و‌ لهفه، ‌و‌ ‌ان‌ يمنعه بالايحاء النفسى ‌و‌ بالقوه الضاغطه عن ايذاء المومنين ‌و‌ المومنات ‌و‌ المسلمين ‌و‌ المسلمات ‌فى‌ كل قضاياهم الخاصه ‌و‌ العامه.
 ‌و‌ ‌فى‌ ضوء ذلك ينطلق الخط الاخلاقى المستقيم ‌فى‌ حياه الانسان المومن ‌فى‌ الاراده الذاتيه لتاكيد المناعه الروحيه ‌ضد‌ الانحراف ‌و‌ لاستلهام القوه الالهيه للعون على ذلك.
 النقطه الثانيه: الانفتاح على حقه لدى الاخرين الذين اساووا اليه ‌فى‌ ارتكاب ‌ما‌ حرم الله عليهم ‌من‌ انتهاك حرمته ‌و‌ ‌من‌ العدوان عليه ‌فى‌ امره، ممن ذهبوا بظلامته ‌من‌ الاحياء ‌و‌ الاموات، فلم يسترجع حقه منهم، ‌و‌ لم يحصل على الاقتصاص لنفسه انتصافا منهم، الامر الذى يجعلهم ‌فى‌ موقع المسووليه عند الله، ‌و‌ ‌فى‌ ساحه سخطه ‌و‌ عقابه، فيقف بين يدى الله ليعفو عنهم ‌و‌ ليصفح عن اساءتهم له، ‌و‌ ذلك ‌من‌ خلال اسقاط حقه الشخصى، فلا يطالبهم بشى ء ‌من‌ ذلك ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره مما يوجب له القصاص منهم بطريقه ‌و‌ اخرى، ليبقى الحق العام ‌و‌ ‌هو‌ ‌حق‌ الله ‌فى‌ موقع عفو الله و رحمته، فلا يحاسبه على ‌ما‌ فعله، ‌و‌ ‌لا‌ يوقفه على ‌ما‌ ارتكب فيه، ‌و‌ ‌لا‌ يفضحه على رووس الخلائق، بل يغفر له ‌ما‌ فعله ‌من‌ الذنب ‌و‌ يعفو عنه عما ذهب ‌به‌ ‌من‌ السيئه.
 انها الروح الانسانيه التى تسمو ‌و‌ تصفو ‌و‌ تنفتح على انسانيه الاخر، فلا تريد له سوءا ‌و‌ ‌لا‌ تضمر له شرا، ‌و‌ تفكر ‌فى‌ مستقبله الاخروى الذى قد يخضع للعقوبه الالهيه ‌من‌ خلال انتهاك حقه، فيبتهل الى الله ‌ان‌ يعفيه ‌من‌ ذلك لينطلق ‌فى‌ ساحه الاخره خفيفا ‌من‌ اثقاله العمليه، بعيدا عن مواقع الجزاء، ‌و‌ ليكون ذلك الموقف الانسانى ‌فى‌ العفو عنه ‌و‌ اسقاط حقه ‌فى‌ المطالبه بالقصاص صدقه ‌من‌ ازكى الصدقات، ‌و‌ قربه ‌من‌ اعلى القربات، فيجتذب عفوه عنه عفو الله عن خطاياه بالذات، ‌و‌ يحصل ‌من‌ دعائه له على رحمته، لينطلقا معا- ‌فى‌ يوم القيامه- ‌فى‌ اجواء السعاده بالفضل الالهى ‌فى‌ العفو ‌و‌ الرضوان ‌و‌ يمرحا ‌فى‌ ساحات النجاه بمن الله عليهما معا ‌فى‌ ‌ما‌ يمن على عباده المومنين.
 النقطه الثالثه: الالتفات الى الخطايا التى ارتكبها الانسان الداعى ‌ضد‌ الناس مما لحقهم ‌من‌ الاذى منه، ‌او‌ مما حصل لهم ‌به‌ ‌او‌ بسببه ‌من‌ الظلم الواقع بهم ‌فى‌ انفسهم ‌و‌ اموالهم ‌و‌ اعراضهم، فلم يستطع ايصال حقوقهم اليهم، ‌او‌ التخفف ‌من‌ مسئووليته تجاههم بالحصول على سماحهم له ‌و‌ عفوهم عنه، مما يودى ‌به‌ الى الوقوف- غدا- ‌فى‌ ساحه القصاص بين يدى الله عندما يطالبونه بحقوقهم التى يتحرك العدل الالهى للاستجابه الى اصحابها ‌فى‌ ‌رد‌ مظالمهم بطريقه ‌و‌ اخرى، فيطلب ‌من‌ الله قبل الوصول الى ذلك اليوم العظيم ‌ان‌ يرضيه عنه مما يمنحه ‌من‌ رزقه ‌و‌ يوفيه حقه ‌من‌ عنده، ليكون ذلك وسيله ‌من‌ وسائل اسقاطه حقه بما يحصل عليه ‌من‌ التعويض الالهى الذى ‌لا‌ ‌بد‌ له ‌ان‌ يرضى به، لان اقتصاصه ممن اساء اليه ‌لا‌ يصل الى الدرجه العليا ‌من‌ الرضوان الالهى هناك ‌و‌ النعمه الكبيره منه، ‌و‌ هكذا تحل مشكله الحق الشخصى للاخرين عنده ليبقى ‌حق‌ الله ‌فى‌ مخالفه الانسان لامره ليطلب منه الغاء النتائج السلبيه التى يفرضها حكمه عليه ‌و‌ ليتخفف ‌من‌ ثقل العدل على مصيره، ‌و‌ ذلك ‌من‌ خلال العفو ‌و‌ المغفره، لان قوه الانسان ‌لا‌ تملك البقاء ‌فى‌ ‌خط‌ التوازن امام نقمه الله، ‌و‌ لان طاقته المحدوده الضعيفه ‌لا‌ تنهض بغضبه، فان الاخذ بالحق بكل دقائقه ‌و‌ تفاصيله يودى الى هلاك الانسان لكثره معاصيه ‌و‌ خطاياه، ‌و‌ ‌ان‌ الامتناع عن افاضه الرحمه عليه يسقطه ‌فى‌ مواقع الضياع.
 انها الروحيه المنفتحه على الله ‌فى‌ الابتهال اليه بان يتدخل لايفاء الاخرين حقوقهم على هذا الانسان المسى ء الى الناس، ‌من‌ فضله الذى ‌لا‌ يمكن لهم ‌ان‌ يرفضوه، ‌و‌ لتعويضهم عما بدر منه ‌من‌ الاساءات بالمزيد ‌من‌ رضوانه الذى يمنحهم كل مواقع الخير هناك.
 ‌و‌ ‌فى‌ هذا ايحاء داخلى للنفس الانسانيه الخاطئه بالتفكير ‌فى‌ اساءه الانسان الى الاخرين، ‌و‌ ‌فى‌ حقهم المتوجب عليه، ليدفعه ذلك الى احترام انسانيتهم ‌فى‌ علاقته بهم، ‌و‌ ليمنعه ذلك ‌من‌ الاساءه الجديده اليهم، لان تذكر النتائج السيئه ‌فى‌ الاساءه الى الناس مما يقبل عليه ‌من‌ سخط الله ‌و‌ عقابه ‌لا‌ ‌بد‌ ‌ان‌ يكون رادعا له عن تجديد عدوانه عليهم.
 النقطه الرابعه: الرغبه الى الله بان يهب له نفسه التى ابعدتها الخطايا عن رحمته، ‌و‌ اثقلتها المعاصى بالمزيد ‌من‌ نقمته، ‌و‌ بذلك خسر الانسان الخاطى ء نفسه لتضيع ‌فى‌ متاهات الضياع المصيرى ‌فى‌ الاخره.
 ‌ان‌ هبه الله لهذا الانسان نفسه ليست بعيده عن كرم الله ‌و‌ عطائه ‌فى‌ ‌ما‌ يبذله لعباده ‌من‌ الرزق المادى ‌و‌ المعنوى، فلا ينقصه البذل، ‌و‌ ‌لا‌ يعجزه الغفران، فهو الكريم ‌فى‌ عطائه لخلقه، ‌و‌ ‌هو‌ القادر على كل شى ء ‌من‌ مواقع ارادته.
 ‌و‌ ‌ما‌ قيمه نفس هذا الانسان لديه؟ فلم يخلقها الله لحاجه منه اليها ليدفع بها سوءا عنه، ‌او‌ ليحصل منها على نفع له، بل كانت مظهرا لقدرته على مثلها، ‌و‌ حجه على خلق ‌ما‌ يشاكلها ‌فى‌ الهيئه، عندما يقف المعاندون ليستبعدوا اعاده النفس الى الحياه بعد الموت، فان القادر على ايجادها قادر على بعثها- ‌من‌ جديد- بعد الموت (و ضرب لنا مثلا ‌و‌ نسى خلقه قال ‌من‌ يحيى العظام ‌و‌ هى رميم ‌قل‌ يحييها الذى انشاها اول مره ‌و‌ ‌هو‌ بكل خلق عليم) (يس: 79 -78).
 ‌و‌ هكذا ‌لا‌ تمثل النفس الانسانيه ‌فى‌ وجود هذا الخاطى ء ايه اهميه ‌فى‌ مواقع قدره الله ‌و‌ رحمته ‌و‌ كرمه، مما يدفع ‌به‌ الى الطلب الى ربه ‌ان‌ يتحمل عنه ذنوبه التى اثقلت ظهره، ‌و‌ ‌ان‌ يعينه على التخفف ‌من‌ سيئاته التى اجهدت ضميره، فيهب لنفسه نفسه لتربح موقعها ‌فى‌ ساحات رضوانه بالرغم ‌من‌ ظلمها لنفسها ‌و‌ ربها بالمعاصى، ‌و‌ يدفع برحمته الى احتمال اثقالها ‌لا‌ سقاطها عن مصيره، فان رحمته تتكفل بذلك كله. فليست هذه القضيه اول قضيه ‌من‌ قضايا استيعاب الرحمه للمسيئين بالعفو عن سيئاتهم، ‌او‌ شمول العفو للظالمين انفسهم بالانحراف عن طاعه الله.
 انه الاسلوب الروحى الابتهالى الذى يلجاء فيه الانسان المومن الى ربه، فيشعر بخساره نفسه ‌و‌ ضياعها ‌فى‌ متاهات العقاب، ليهب له نفسه لترجع اليه راضيه مطمئنه الى عفو الله ‌و‌ رضوانه، مما يجعله مشدودا الى الله ‌فى‌ الحصول على الطمانينه الروحيه ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره ‌من‌ خلال رحمته التى وسعت كل شى ء.
 النقطه الخامسه: الابتهال الى الله بان يجعله الانسان الذى يمثل النموذج الخاطى ء الذى منحه تجاوزه عن خطاياه، فانقذه ‌من‌ مصارع الخاطئين ‌من‌ عباده، ‌و‌ خلصه بتوفيقه الالهى ‌من‌ مواقع الهلاك التى اعدها للمجرمين، ‌و‌ بذلك استطاع ‌ان‌ يتحرر ‌من‌ اسر غضبه ‌و‌ سجن عدله، فكان طليق عفو الله، كاى طليق ‌من‌ الاسرى، ‌و‌ كان المحرر بصنع الله ‌من‌ حاله الوثاق الذاتى التى يفرضها عدل الله.
 فليس هذا الذى يطلبه ‌من‌ ربه منطلقا ‌من‌ شعور داخلى بانه البرى ء الذى ‌لا‌ يستحق عقوبه الله ‌و‌ ‌لا‌ يستوجب نقمته، فهو الذى يعرف جيدا انه قد مارس الخطيئه بكل جهده، ‌و‌ تمرد على ربه بكل قوته، مما جعله ‌فى‌ موقع العقاب الذى يستحقه بفعل موقعه الانحرافى، مما يجعله ‌فى‌ حاله الخوف الشديد ‌من‌ ربه اكثر ‌من‌ الطمع به، ‌و‌ ‌فى‌ موقع الياس ‌من‌ النجاه بالدرجه التى يرجح فيها على الرجاء للخلاص، ‌من‌ دون قنوط يبعده عن التطلع الى رحمته التى وسعت غضبه، ‌او‌ طمع ناشى ء ‌من‌ الاغترار بما ‌لا‌ ‌حق‌ له به، بل لان حسناته ‌لا‌ ترقى الى الدرجه التى توحى اليه بالامل الكبير ‌فى‌ استحقاقه الذاتى، ‌و‌ لان حجته ‌فى‌ الدفاع عن نفسه ‌لا‌ تبلغ مستوى القوه ‌فى‌ كل مسوولياته التى يتحمل كل تبعاتها ‌من‌ الجزاء.
 انه الابتهال الذى يعيش الانسان معه احساسا بالقلق الروحى ‌فى‌ الخوف الانسانى ‌من‌ الله الذى يحصى على عباده ادق خطواتهم العمليه ‌و‌ خطراتهم الذهنيه، مما يجعل الصديقين الذين بلغوا الدرجه العليا ‌فى‌ القرب منه ‌من‌ خلال الصدق الشامل ‌فى‌ موقفهم منه، ‌لا‌ يطمعون بالامن ‌من‌ العذاب خشيه ‌من‌ بعض نزواتهم الخفيه ‌و‌ وساوسهم الشيطانيه ‌ان‌ تكون السبب ‌فى‌ انزال العقاب بهم بالرغم ‌من‌ كل مواقفهم الصادقه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الجانب المقابل، فان الاحساس بالرحمه المنفتحه على الخلق كله بما ‌لا‌ تصل اليه اوهامهم، يجعل المجرمين ينفتحون على الامل بالعفو ‌و‌ المغفره ‌من‌ الرحمه الالهيه، لان الله ‌هو‌ العظيم ‌فى‌ موقع الربوبيه التى تمنح الفضل لكل احد ‌من‌ الناس، فلا يمنع ايا منهم عن فضله، ‌و‌ ‌لا‌ يستقصى منهم حقه، بل يترك لهذا ‌و‌ ذاك بعضه ‌او‌ كله.
 فهو الذى اذا ذكره الناس بالتسبيح ‌و‌ التحميد ‌و‌ التهليل ‌و‌ التكبير بما ‌هو‌ اهله، فلن يبلغ احد درجه ذكره، لان ايا ‌من‌ عباده ‌لا‌ يصل الى مداه ‌فى‌ الفضل ‌و‌ النعمه ‌و‌ العظمه ‌و‌ الجلال، ‌و‌ ‌هو‌ الذى تنزهت اسماوه الحسنى الداله على معانى كماله ‌و‌ جلاله عن الاقتراب ‌من‌ ايه نسبه لاى شخص ‌فى‌ معنى العظمه ‌فى‌ الذات، ‌و‌ ‌هو‌ الذى انتشرت نعمته ‌فى‌ كل خلقه، فلم يخل احد منهم ‌من‌ بركاتها، ‌و‌ ‌هو‌ المحمود الذى ‌من‌ شانه الحمد على كل نعمه ‌و‌ كرمه، ‌و‌ ‌هو‌ رب العالمين.
 ‌و‌ هكذا نجد ‌ان‌ هذا الدعاء ‌فى‌ طلب العفو ‌و‌ الرحمه يمثل جوله ‌فى‌ حياه الانسان الداخليه ‌و‌ الخارجيه ‌فى‌ نقاط ضعفه ‌و‌ ‌فى‌ آفاق الله الواسعه ‌فى‌ مواقع رحمته ‌و‌ نعمته ‌و‌ كرمه، مما يجعله حركه ثقافيه ‌فى‌ معنى العبوديه الانسانيه لله، ‌و‌ ‌فى‌ ‌سر‌ الربوبيه المنفتحه بالخير ‌و‌ النعمه ‌و‌ البركه على الخلق، ‌و‌ المتمثله بكل مواقع العظمه ‌فى‌ ذاته المقدسه.
 اللهم صل على محمد ‌و‌ آله، ‌و‌ اكسر شهوتى عن كل محرم، وازو حرصى عن كل ماثم، ‌و‌ امنعنى عن اذى كل مومن ‌و‌ مومنه ‌و‌ مسلم ‌و‌ مسلمه.
 
اللهم كسر شهوتى عن كل محرم:
 
 ‌يا‌ رب، لقد خلقت ‌فى‌ جسدى الغرائز التى حركت فيها القدره على اثاره الشهوه ‌فى‌ ‌خط‌ الحلال ‌و‌ الحرام ‌من‌ خلال عناصر الاثاره ‌فى‌ الداخل ‌و‌ الخارج، ‌و‌ قد يوسوس فيه الى شياطين الجن ‌و‌ الانس فينحرفون ‌بى‌ عن الاستقامه ‌فى‌ خطك ‌فى‌ ثوران الشهوه ‌فى‌ اتجاه ‌ما‌ حرمت على ‌فى‌ اكثر ‌من‌ اتجاه.
 ‌و‌ ‌ها‌ انا اتوسل اليك ‌ان‌ تحطم قوه هذه الشهوه المحرمه ‌و‌ تكسر شدتها، لانتصر عليها بعقلى ‌و‌ ايمانى ‌و‌ اراده التقوى ‌فى‌ سلوكى، فلا اتهجم على ‌اى‌ محرم مما حرمت على ‌فى‌ حركه شهوه الجنس الغريزى، لتتوازن لدى الشهوات ‌فى‌ دائره الايجاب ‌لا‌ ‌فى‌ دائره السلب.
 
 اللهم ازو حرصى عن كل ماثم:
 
 ‌يا‌ رب، لقد اودعت ‌فى‌ مشاعرى الداخليه قوه الحرص على الاشياء التى تجتذبنى منافعها ‌و‌ لذائذها ‌و‌ زخارفها، ‌و‌ قد تتنوع ‌فى‌ اشكالها، ‌و‌ قد تتفنن ‌فى‌ الوانها، ‌و‌ تتشابه فيها وجوه الحلال ‌و‌ الحرام، فينطلق الحرص الكامن ‌فى‌ النفس ‌فى‌ خوف على ضياع الفرصه الملائمه للحصول على المنفعه ‌و‌ اللذه المنحرفه، فاقع ‌فى‌ الاثم الذى يجرنى الى سخطك.
 اللهم اصرف عنى هذا الضغط النفسى الذى يتحرك الحرص ‌فى‌ داخله ليجتذبنى الى العمل ‌او‌ الموقف ‌او‌ الموقع الذى يدفعنى الى ‌ما‌ يوقعنى ‌فى‌ الذنب، ‌و‌ استبدل ذلك بالحرص على الحصول على رضاك ‌فى‌ مواقع طاعتك.
 
 اللهم امنعنى عن اذى كل مومن:
 
 ‌يا‌ رب، قد يتحرك الواقع الاجتماعى المنفتح على التعقيدات النفسيه المتضاده، ‌و‌ الخلافات الحاده المتباينه، ‌و‌ يتدخل الشيطان ‌فى‌ حركه الكلمات القاسيه التى تثير الاعصاب، ‌و‌ ‌فى‌ قسوه المواقف التى تلهب المشاعر، ‌و‌ ‌فى‌ الاوضاع القلقه ‌و‌ العصبيات الخانقه التى تدفع الى الاذى المتبادل ‌و‌ العدوان الضارى، فيودى ‌بى‌ ذلك الى فقدان التوازن ‌فى‌ الموقع ‌و‌ اهتزاز العقيده ‌فى‌ الموقف، فاندفع الى ايذاء المومنين ‌و‌ المومنات ‌و‌ المسلمين ‌و‌ المسلمات، ‌و‌ ‌هو‌ موقف ‌لا‌ يتناسب مع ارادتك الربوبيه ‌فى‌ المنع ‌من‌ الحاق الاذى بالمومنين الذين آمنوا بك ‌و‌ بالمسلمين الذى اسلموا امرهم لك.
 انك تريد للمومنين جميعا- ‌و‌ انا منهم- ‌ان‌ يعيشوا الاخوه الايمانيه ‌فى‌ علاقاتهم ببعضهم البعض، لانك قلت: (انما المومنون اخوه) (الحجرات: 10)، مما يجعل القيام باى عمل ‌من‌ اعمال الايذاء للمومنين ‌ضد‌ ذلك. اللهم اننى عبدك الذى يجب ‌ان‌ يكون كل سلوكه مع الاخرين ‌فى‌ ‌خط‌ رضاك، فلا اريد ‌ان‌ اوذى ‌اى‌ مومن ‌و‌ مومنه، ‌اى‌ مسلم ‌و‌ مسلمه، ‌و‌ ‌ها‌ انا ابتهل اليك ‌ان‌ تمنعنى- بقوتك- بلطفك ‌من‌ الاتجاه ‌فى‌ هذا الواقع السلبى، فاذا ضعفت عن التماسك ‌فى‌ الموقف الصحيح، فامنحنى القوه ‌فى‌ الاراده للثبات فيه.
موقف الاعتراف بالظلم ‌و‌ طلب المغفره:
 
 ‌يا‌ رب، انا الان بين يديك اقف موقف الاعتراف ‌و‌ الابتهال ‌و‌ الطلب ‌و‌ الاستغفار، فقد عشت حياتى مع الناس ‌فى‌ اندفاع الانسان الذى يستغرق ‌فى‌ ذاته، ‌و‌ ‌لا‌ يتطلع الى غيره ‌فى‌ حاجاته ‌و‌ آلامه ‌و‌ قضاياه، ‌و‌ لذلك عمل على استغلال ‌ما‌ اعطيته ‌من‌ القوه، ‌و‌ منحته ‌من‌ النعمه، ‌و‌ هيات له ‌من‌ وسائل العلو ‌و‌ الجاه، ‌فى‌ ظلم الانسان الاخر، ‌و‌ ايقاع الاذى ‌به‌ بشكل مباشر ‌و‌ غير مباشر مما كنت السبب فيه، فحطمت له مصالحه، ‌و‌ اسقطت مكانته، ‌و‌ ظلمته ‌فى‌ نفسه ‌و‌ اهله ‌و‌ ماله ‌و‌ عرضه ‌و‌ ولده، انطلاقا ‌من‌ عقده الانسان القوى ‌فى‌ السيطره على الانسان الضعيف.
 ‌و‌ لم انتبه الى انك ‌و‌ هبتنى القدره لاعانه الضعيف ‌لا‌ لاضطهاده، ‌و‌ منحتنى النعمه ‌لا‌ ساعد بها المحروم ‌لا‌ لا ستغلاله، ‌و‌ رزقتنى الجاه لقضاء حاجات الناس ‌لا‌ لتعطيلها، ‌و‌ لكن الشيطان وسوس لى، ‌و‌ سولت لى نفسى، ‌و‌ غلبنى هواى، ‌و‌ غرنى سترك المرخى على، فوقعت ‌فى‌ الخطيئه، ‌و‌ سقطت ‌فى‌ ‌و‌ حول المعصيه.
 ‌و‌ كانت النتيجه ‌ان‌ ابتعدت عن ارجاع حقه اليه ‌فى‌ دار الدنيا، لانه مات فيها، ‌او‌ لانه كان ‌فى‌ ارض بعيده عنى ‌لا‌ املك الوصول اليه، ‌او‌ ‌لا‌ اعرف مداه فيها، ‌او‌ سبقته بمظلمته الى الدار الاخره لاننى تركت الدنيا قبله، فلم تكن لدى ايه فرصه للتسامح منه، ‌او‌ للتخفف ‌من‌ تبعه حقه بما حملتنى ‌من‌ المسووليه لديك.
 اللهم انك تملك الحق كله، ‌و‌ تهيمن على الملك كله، فانت تملك الحق ‌و‌ صاحبه، ‌و‌ تسيطر على الملك ‌و‌ مالكه، فتفضل على بارضائه ‌من‌ غناك، ‌و‌ بايفائه حقه ‌من‌ ملكك، ليرضى عنى بذلك، لانه يحصل منك باكثر مما يستحقه عندى، لان حاجته الى ذلك ‌فى‌ مرحله الاخره اكثر ‌من‌ حاجته اليه ‌فى‌ الدنيا، ‌لا‌ سيما اذا كان العوض منك مغفره ‌و‌ رضوانا بما يجلب له السعاده ‌فى‌ دار الجنه، فلا يطالبنى بحقه ‌من‌ حسناتى.
ثم هب لى- ‌يا‌ رب- المغفره على عصيانى لك ‌فى‌ ذلك مما استحق ‌به‌ منك الحكم بالعذاب، عدلا ‌من‌ حكمك ‌لا‌ تجور فيه، لانك اقمت الحجه على بامرك ‌و‌ نهيك، ‌و‌ دعوتنى الى طاعتك ‌و‌ حذرتنى ‌من‌ معصيتك، ‌و‌ توعدتنى بالعقاب على الانحراف عن خطك، اللهم فارزقنى السلامه ‌من‌ ذلك كله، لانى عبدك الضعيف الذى ‌لا‌ يملك ايه قوه ‌فى‌ نفسه، فكيف يواجه نقمتك التى ‌لا‌ تثبت امامها ايه قوه، فان ذلك فوق طاقه المخلوقين، فلا تنهض ايه قوه لديهم بشى ء منها امام سخطك.
 اننى ‌يا‌ رب ‌لا‌ اقوى على المجازاه بالحق الذى لك على، فانك ‌ان‌ قضيت على بالمكافاه تهلكنى، ‌و‌ ‌ان‌ لم ترحمنى ‌و‌ تنقذنى ‌من‌ كل ذلك كنت ‌من‌ الهالكين ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره.
 

 ‌جل‌ ‌ما‌ اطلبه منك- ‌يا‌ رب- ‌هو‌ العفو:
 
 ‌ما‌ الذى اطلبه منك- ‌يا‌ رب- ‌و‌ ماذا يمثل ‌من‌ اهميه لديك؟
 انك- ‌يا‌ رب- الرب العظيم بقدرته، الغنى بملكه، الذى ‌لا‌ يعجزه شى ء، ‌و‌ ‌لا‌ ينقصه بذل ‌اى‌ شى ء، ‌و‌ ‌لا‌ يثقله شى ء، لانك المالك للملك كله، ‌و‌ المهيمن على الامر كله.
 
انك- ‌يا‌ رب- تملك نفسى، فهى خلقك ‌و‌ ملكك، ‌و‌ هى منك ‌و‌ اليك، فلم يكن خلقك لها ‌من‌ موقع حاجه اليها لدفع سوء ‌او‌ لجلب نفع، لانك فوق مستوى الحاجه، فكل الوجود، بكل ‌ما‌ فيه، فقير اليك، محتاج الى ‌ما‌ عندك، ‌و‌ لست بحاجه الى ‌اى‌ شى ء منه، لانك الغنى الحميد، بل كان خلقك لها مظهرا ‌من‌ مظاهر قدرتك على ‌ان‌ تخلق مثلها ‌فى‌ كل خصائصها الجسديه ‌و‌ الروحيه ‌و‌ العقليه ‌و‌ الحركيه، ‌و‌ حجه ‌و‌ دليلا على شكلها ‌فى‌ الهيئه ‌و‌ الصوره، ليعرف الخلق انك الله القادر على كل شى ء حتى باعاده الميت الى الحياه بعد الموت ، ليكون ذلك سبيلا الى توحيدهم لك ‌و‌ عبادتهم اياك ‌من‌ موقع ادراكهم اسرار عظمتك ‌و‌ مواقع قدرتك...
 
اللهم ‌و‌ هذه ذنوبى بين يديك، قد اثقلتنى بتبعاتها ‌و‌ اتعبتنى بنتائجها على مستوى قضايا المصير، ‌و‌ بهظتنى باثقالها، ‌و‌ حملتنى هموم التفكير فيها ‌و‌ الاحساس بالقلق الحائر على المستقبل.
 اننى اتوسل اليك- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ تحملها عنى ‌و‌ تطردها ‌من‌ ساحه وجودى باللطف ‌فى‌ غفرانك، ‌و‌ الرحمه ‌فى‌ عفوك، ‌لا‌ تخفف منها، لاقف بين يديك- غدا- موقف الانسان المنفتح على محبتك ‌و‌ رضوانك بتحرره ‌من‌ ثقل ذنوبه، ‌و‌ ابتهل اليك بان تعيننى على الخروج ‌من‌ دائرتها بتقويه عزمى على الوقوف ‌فى‌ مواقع طاعتك، فلا تضعف لدى عزيمه، ‌و‌ ‌لا‌ تهتز عندى اراده، بل تنطلق نفسى نحوك بعزم ‌و‌ ايمان، لتتجدد لى القوه على الطاعه ‌فى‌ المستقبل كما تتحرك ‌فى‌ الحاضر، ‌و‌ على رفض المعصيه ‌فى‌ كل حالاتى، ‌و‌ الاتجاه نحو الخط المستقيم ‌فى‌ كل دروبى ‌فى‌ حركه المسووليه.
 ‌يا‌ رب، انك حدثتنا ‌فى‌ كتابك المجيد ‌ان‌ هناك ‌من‌ يخسر نفسه ‌و‌ اهله يوم القيامه، فقلت: (ان الخاسرين الذين خسروا انفسهم ‌و‌ اهليهم يوم القيامه الا ذلك ‌هو‌ الخسران المبين) (الزمر: 15).
 اللهم اننى اعرف ‌ان‌ خساره الانسان لنفسه تنطلق ‌من‌ خلال خسارته للفرص المطروحه امامه ‌فى‌ ساحات عمله، عندما يقف بين الحق ‌و‌ الباطل ليختار الباطل، ‌و‌ يواجه موقع الخير ‌و‌ الشر ليكون ‌فى‌ موقع الشر.
 اللهم اننى اسالك ‌ان‌ تهب لى نفسى، بالرغم ‌من‌ ظلمها ‌فى‌ علاقتها بك ‌و‌ ‌فى‌ حركتها ‌فى‌ ‌خط‌ المسووليه، ‌و‌ تمنح نفسى- ‌فى‌ عطيتك- نفسى، فان لدى نفسا ‌فى‌ اعماق فطرتى ‌و‌ صفاء روحى تتطلع اليك ‌و‌ تومن بك، ‌و‌ نفسا تنحرف بين وقت ‌و‌ آخر عن صراطك المستقيم عندما يطوف بها طائف ‌من‌ الشيطان، فتندفع النفس الاولى الى النفس الثانيه ‌فى‌ عمليه لوم ‌و‌ تانيب ‌و‌ اعاده الخطوات الى مسارها الطبيعى، لتنطلقا- معا- ‌فى‌ آفاق رضوانك، ‌و‌ لتتحركا نحو ساحات قربك.
 ‌و‌ ‌ها‌ انا- ‌يا‌ رب- ‌فى‌ موقف التذكر ‌فى‌ اجواء النفس الثانيه، لتعود اليك ‌و‌ تتحرر ‌من‌ ضغط الشيطان بالتوبه، فاجعلها ‌فى‌ موقع رضوانك، لتتحد نفسى ‌فى‌ ذلك الموقع امامك.
 ‌يا‌ رب، اننى اتطلع الى رحمتك لتقوم بحمل ‌ما‌ اثقلنى ‌من‌ الذنوب، فان رحمتك وسعت كل شى ء ‌و‌ امتدت الى الوجود كله، ‌و‌ احاطت بالانسان التائب الذى يعيش ‌فى‌ الحلم الكبير الدائم بالتحرك ‌فى‌ ظلالها ‌فى‌ كل حياته ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره، فهى التى تفتح- ‌فى‌ قلب العدل- نافذه العفو، ‌و‌ تغلق فيه باب القصاص.
 ‌و‌ هى التى انطلق تاريخها الرحيم بالمسيئين الذين اساووا القول ‌و‌ العمل فانفتحت عليهم لتخلصهم ‌من‌ نتائج ذلك.
 ‌و‌ هى التى شملت كل الخاطئين الذين عاشوا الخطيئه ‌فى‌ غفلاتهم، فكانت سبيلا ‌لا‌ نتقالهم الى لطف المغفره.

 توازن المومن بين الخوف ‌و‌ الطمع، ‌و‌ الياس ‌و‌ الرجاء:
 
 ‌يا‌ رب، اننى- ‌فى‌ كل طلباتى للعفو ‌و‌ ‌فى‌ كل رجائى للمغفره- اطلب منك ‌ان‌ تجعلنى ‌فى‌ المسيره الطويله التى سار عليها ‌من‌ قبلى ‌من‌ الخاطئين، الذين اوقعتهم الخطيئه فحملتهم الى مصارعهم، ‌و‌ ‌من‌ المجرمين الذين ورطتهم الجريمه ‌فى‌ المواقع المهلكه، فاطلقت اسارهم بعفوك، فتحرروا ‌من‌ كل اثقال الخطيئه ‌و‌ اصبحوا ‌من‌ طلقائك، ‌و‌ اعتقتهم ‌من‌ وثاق عدلك بصنعك الجميل ‌فى‌ مغفرتك.
 اننى اطلب اليك- ‌و‌ انت العفو الغفور- ‌ان‌ تدخلنى ‌فى‌ ‌ما‌ ادخلت فيه هولاء، ‌و‌ تخرجنى مما اخرجت منه هولاء، فسعدوا بك، ‌و‌ انطلقوا الى الحياه ‌فى‌ امن ‌و‌ ثقه ‌و‌ انفتاح.
 
افعل ذلك بى- ‌يا‌ الهى- فانا بالرغم ‌من‌ ممارستى للخطيئه، فانى ‌لا‌ انكر نتائجها ‌فى‌ استحقاق عقوبتك، ‌و‌ ‌لا‌ ابرى ء نفسى ‌من‌ الخضوع لما توجبه على نقمتك، فاجعل ذلك الاحساس العميق بالندم ‌و‌ الانفتاح عليك سببا ‌فى‌ عفوك ‌و‌ مغفرتك.
 
و انا- ‌يا‌ رب- الانسان الذى يعيش الخوف ‌فى‌ نفسه ‌فى‌ شعور بالقلق الكبير على المستقبل، فهو يخاف منك خوفا كبيرا يتجاوز طمعه فيك عندما يتطلع الى خطاياه امام قله حسناته، فلا يرى لنفسه سبيلا للخلاص ‌من‌ تاثير ذلك كله.
 ‌و‌ انا- ‌يا‌ رب- الانسان الذى يزحف الياس الى قلبه، فينفذ الى نبضاته، ‌و‌ يمتد الى كل مشاعره، فيضعف الرجاء ‌فى‌ داخله ‌من‌ خلال هذا التراكم الكلى ‌و‌ النوعى للذنوب ‌و‌ التبعات، كما لو كان ‌فى‌ زاويه مغلقه ‌لا‌ ينفذ اليها النور ‌من‌ قريب ‌او‌ ‌من‌ بعيد، فيغلب الياس على الرجاء، ‌و‌ لكنه ‌لا‌ يتحول- مهما كانت قوته- الى قنوط ‌فى‌ احساس الانسان بالطريق المسدود امامه، بل يبقى الطمع بالمغفره، ‌و‌ الرجاء بالرحمه، حيا ‌فى‌ داخله ‌من‌ دون ‌ان‌ يكون اغترارا ‌و‌ سكونا الى الباطل ‌و‌ امتدادا فيه ‌و‌ انخداعا به.
 سيبقى الامل الاخضر ‌فى‌ قلبى بانك تغفر لى ذنوبى، ‌و‌ يبقى الطمع المفتوح عليك يتحرك ‌فى‌ نفسى، ‌و‌ لكن على الانسان ‌ان‌ يبقى ‌فى‌ نظره واقعيه الى نتائج الذنوب ‌فى‌ عمليه الاستحقاق، ‌و‌ ‌فى‌ حساب دقيق ‌فى‌ عدد السيئات مقارنه بالحسنات، ليلتقى بالكثره هناك ‌و‌ القله هنا... فيزهر الخوف ‌فى‌ قلبه ليكون عنصر حذر ‌فى‌ المستقبل لئلا يجدد الخطيئه، ‌و‌ حاله ندم ‌فى‌ الاعماق لكى ‌لا‌ يتجراء على المعصيه.
 ‌ان‌ زياده الخوف على الطمع ‌لا‌ تلغى الطمع ‌من‌ حيث المبداء، ‌و‌ ‌ان‌ قوه الياس على الرجاء ‌لا‌ تلغى الامل، ‌و‌ بذلك يبقى ‌فى‌ قلبى- كاى مومن- نور الخوف ‌من‌ عذاب الله، حتى ‌فى‌ حال الطاعه، لانى لم ابلغ- مهما فعلت- مواقع استحقاق رضوانه، ‌و‌ نور الرجاء لرحمته، حتى ‌فى‌ حال المعصيه، لان رحمته وسعت غضبه.
 ‌ان‌ هناك فرقا بين ‌خط‌ التوازن ‌فى‌ الخوف ‌و‌ الطمع ‌و‌ الياس ‌و‌ الرجاء ‌فى‌ موقف الانسان امام ربه ‌و‌ بين موقفه امام نفسه، فعندما يتطلع الى الله فانه يقف بين عدله ‌و‌ رحمته، فيتوازن الامران لديه، ‌و‌ عندما يتطلع الى نفسه ‌فى‌ حجم خطاياه فان الخوف يزيد، ‌و‌ الياس يكبر، ‌من‌ دون ‌ان‌ يسيطر ذاك على الكيان كله، ‌او‌ يطبق هذا على القلب كله.
توازن المومن بين عفو الله ‌و‌ عدله:
 
 اما انت ‌يا‌ الهى، ‌يا‌ اشد المعاقبين ‌فى‌ موضع النكال ‌و‌ النقمه، ‌و‌ ‌يا‌ ارحم الراحمين ‌فى‌ موضع العفو ‌و‌ الرحمه، ‌يا‌ ‌من‌ انطلقت كل الاشياء بحكمته ‌و‌ انقادت الامور باجمعها لمشيئته.
 اما انت- ‌يا‌ الهى- الرب الذى ‌لا‌ يبلغ احد ‌من‌ المخلوقين كنه سره، ‌و‌ ‌لا‌ يصل ‌اى‌ مخلوق الى عمق فعله، فلا يملك ‌اى‌ انسان حتى الصديقون ‌ان‌ يثق بالنجاه ‌من‌ عقابه، ‌و‌ الحصول على الجزيل ‌من‌ ثوابه، فهم قد يعيشون الصدق باعظم ‌ما‌ ينطلق ‌به‌ الناس، ‌و‌ قد يتحركون ‌فى‌ خطه الفكرى ‌و‌ العملى، ‌و‌ لكنهم قد يخافون ‌من‌ اناته ‌و‌ امهاله فلا يعاجلهم بعقوبته اذا اذنبوا، فلا يرون ذلك سببا ‌فى‌ الامان بل يبقون ‌فى‌ دائره الحذر.
 اما المجرمون الذين عاشت الجريمه ‌فى‌ كيانهم فكرا ‌و‌ تخطيطا، ‌و‌ تحركت ‌فى‌ حياتهم عملا ‌و‌ عدوانا، فانهم، بالرغم ‌من‌ معرفتهم باستحقاقهم للعذاب ‌من‌ خلال عدلك، ‌و‌ احساسهم بالخوف ‌من‌ جهه سخطك، ‌لا‌ يياسون ‌من‌ رحمتك، لانها سبقت غضبك ‌و‌ امتدت الى اكثر المذنبين ضراوه ‌من‌ عبادك، ‌و‌ قد قلت ‌فى‌ محكم كتابك: (انه ‌لا‌ يياس ‌من‌ روح الله الا القوم الكافرون) (يوسف: 87).
 كل ذلك لانك الرب العظيم الذى ‌لا‌ يمنع احدا ‌من‌ خلقه فضله لانه ذو الفضل، ‌و‌ ‌لا‌ يدقق ‌فى‌ اخذ حقه ‌من‌ كل شخص، فانت الذى تهب الاخرين العفو بما لك حق، ‌و‌ تغمرهم بكل ‌ما‌ لديك ‌من‌ نعمه ‌و‌ فضل ‌من‌ دون ‌ان‌ تطلب منهم شيئا.
 ‌و‌ ‌ها‌ انا- ‌يا‌ رب- اقف بين رحمتك التى تدفعنى الى الامل الكبير بالعفو ‌و‌ المغفره، ‌و‌ عدلك الذى يهددنى بالعقاب ‌و‌ الهلكه.
 فهل تغفر لى ‌ما‌ ارتكبت ‌من‌ الخطايا، ‌و‌ هل تفتح لى ابواب رحمتك؟
يا رب، انت الذى تنزه ذكرك ‌و‌ ارتفع ‌و‌ امتد ‌فى‌ آفاق العظمه عن كل المذكورين ممن عداك، ‌و‌ انت الذى تقدست اسماوك الحسنى التى ملات اركان كل شى ء عن كل الذين يملكون الحسب ‌و‌ النسب، لانك الاعظم ‌من‌ كل شى ء، ‌و‌ انت الذى ظهرت ‌و‌ انتشرت ‌و‌ كثرت نعمتك ‌فى‌ جميع المخلوقين حتى ‌لا‌ يبلغها ‌اى‌ نوع ‌من‌ انواع الاحصاء (و ‌ان‌ تعدوا نعمه الله ‌لا‌ تحصوها) (ابراهيم: 34).
 فلك الحمد على ذلك كله، كما انت اهله، ‌و‌ كما ينبغى لكرم وجهك ‌و‌ ‌عز‌ جلالك ‌يا‌ رب العالمين.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

دعاوه فى الصلاه على حمله العرش و كل ملك مقرب
دعاوه فى الالحاح على الله تعالى
دعاوه فى یوم الاضحى و یوم الجمعه
دعاوه اذا استقال من ذنوبه
دعاء دخول شهر رمضان
دعاوه عند الصباح و المساء
دعاوه فى طلب العفو و الرحمه
دعاوه لنفسه و اهل ولایته
و كان من دعائه (علیه السلام) بعد الفراغ من صلاه ...
دعاوه عند الشده و الجهد و تعسر الامور

بیشترین بازدید این مجموعه


 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^