فارسی
شنبه 22 دى 1403 - السبت 10 رجب 1446
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه
0
نفر 0

دعاوه اذا استقال من ذنوبه

دعاوه اذا استقال ‌من‌ ذنوبه
 
 اسلوب التوبه:
 
 للتوبه ‌و‌ طلب العفو عن الذنب ‌من‌ الله، اكثر ‌من‌ اسلوب ‌فى‌ طريقه الخطاب الايمانى، فقد يكون الاسلوب مباشرا، بحيث يتوجه الانسان الى الله ‌فى‌ موقف الاعتراف بالذنب ‌فى‌ عناوينه الكبيره ‌و‌ خطوطه العامه، ‌و‌ طلب العامه، ‌و‌ طلب التوبه- ‌من‌ خلال ذلك.
 ‌و‌ قد يكون الاسلوب غير مباشر، بحيث يقف الانسان امام ربه مستحضرا كل المفردات التى تفتح تصوراته على الصوره المشرقه التى يتصور بها موقع ربه ‌فى‌ ساحه العفو كما تفتح تصوراته على العمق العبودى الذى يتمثل فيه، هو، ‌فى‌ كل الوسائل التى يجتذب فيها عطف ربه، ‌من‌ خلال العناوين المتنوعه للعبوديه ‌فى‌ شخصيته، ‌و‌ الوسائل المختلفه التى يتوسل اليه بها، بحيث يبدو الدعاء بمثابه جوله فكريه، ‌فى‌ صفات الله، ‌فى‌ كل الايجابيات التى تلتقى بالعفو، ‌و‌ ‌فى‌ خصائص الانسان، ‌فى‌ كل السلبيات التى تتحرك ‌فى‌ اعماله، بالاضافه الى الصفات التى قد تحول الموقف لديه ‌من‌ السلبيه الى الايجابيه، مما يجعل ‌من‌ الدعاء حركه ‌فى‌ الفكر ‌و‌ الشعور ‌و‌ العمل، بالمستوى الذى يلتقى فيه الانسان بربه ‌فى‌ مواقع القرب، ‌و‌ يلتقى فيه بنفسه ‌فى‌ حسابات الدقه الواعيه التى تطوقه بكل احاسيسها ‌و‌ اوضاعها ‌و‌ افكارها ‌و‌ حركاتها.
 ‌و‌ هذا الدعاء الذى امامنا الذى يحمل تقريرا وافيا لله عن كل تصورات الانسان لربه ‌و‌ لنفسه ‌فى‌ حاله الاستقاله ‌من‌ الذنوب، يمثل- بالاضافه الى ذلك- طريقه رائعه ‌فى‌ مراقبه النفس ‌و‌ محاسبتها ‌و‌ محاكمتها بشكل غير مباشر.
 اللهم ‌يا‌ ‌من‌ برحمته يستغيث المذنبون، ‌و‌ ‌يا‌ ‌من‌ الى ذكر احسانه يفزع المضطرون، ‌و‌ ‌يا‌ ‌من‌ لخيفته ينتحب الخاطئون.
 ‌يا‌ انس كل مستوحش غريب، ‌و‌ ‌يا‌ فرج كل مكروب كئيب، ‌و‌ ‌يا‌ غوث كل مخذول فريد، ‌و‌ ‌يا‌ عضد كل محتاج طريد.
 انت الذى وسعت كل شى ء رحمه ‌و‌ علما، ‌و‌ انت الذى جعلت لكل مخلوق ‌فى‌ نعمك سهما، ‌و‌ انت الذى عفوه اعلى ‌من‌ عقابه، ‌و‌ انت الذى تسعى رحمته امام غضبه، ‌و‌ انت الذى عطاوه اكثر ‌من‌ منعه، ‌و‌ انت الذى اتسع الخلائق كلهم ‌فى‌ وسعه، ‌و‌ انت الذى ‌لا‌ يرغب ‌فى‌ جزاء ‌من‌ اعطاه، ‌و‌ انت الذى ‌لا‌ يفرط ‌فى‌ عقاب ‌من‌ عصاه.
 

 اللهم ‌يا‌ ‌من‌ برحمته يستغيث المذنبون:
 
 للذنب- ‌يا‌ الهى- ‌فى‌ حياتنا الشعوريه معنى الرعب، ‌فى‌ صوره المصير الهائل الذى يجرنا اليه، الامر الذى يبعث الصراخ ‌فى‌ اعماقنا بما يشبه الاستغاثه التى نطلقها اليك ‌فى‌ قناعه عميقه ‌ان‌ رحمتك ‌و‌ حدها هى التى تستجيب لاستغاثتنا.
 ‌و‌ للخوف منك ‌فى‌ اجواء خطايانا لون الدمع الذى تنتحب العين ‌فى‌ كل قطره ‌من‌ قطراته، ‌من‌ خلال الهول الكبير الذى يوحى ‌به‌ الخوف ليكون النحيب ‌هو‌ اللوعه التى نستدر بها عطفك.
 ‌و‌ للاضطرار الذى تهتز امامه كل قضايانا، ‌و‌ تحاصرنا فيه كل مشاكلنا، ‌سر‌ اليقظه التى نتذكر فيها- ‌فى‌ ضغط الوعى- معنى احسانك لعبادك ‌فى‌ ساعات الشده، حيث تجيب للمضطر دعاه ‌و‌ تكشف عنه السوء، بكل لطف ‌و‌ يسر، فنفزع اليك ‌من‌ خلاله، عندما نفزع اليه ‌فى‌ وعى الذكر.
 

 اللهم ‌يا‌ ‌من‌ برحمته يستغيث المذنبون:
 
 للذنب- ‌يا‌ الهى- ‌فى‌ حياتنا الشعوريه معنى الرعب، ‌فى‌ صوره المصير الهائل الذى يجرنا اليه، الامر الذى يبعث الصراخ ‌فى‌ اعماقنا بما يشبه الاستغاثه التى نطلقها اليك ‌فى‌ قناعه عميقه ‌ان‌ رحمتك ‌و‌ حدها هى التى تستجيب لاستغاثتنا.
 ‌و‌ للخوف منك ‌فى‌ اجواء خطايانا لون الدمع الذى تنتحب العين ‌فى‌ كل قطره ‌من‌ قطراته، ‌من‌ خلال الهول الكبير الذى يوحى ‌به‌ الخوف ليكون النحيب ‌هو‌ اللوعه التى نستدر بها عطفك.
 ‌و‌ للاضطرار الذى تهتز امامه كل قضايانا، ‌و‌ تحاصرنا فيه كل مشاكلنا، ‌سر‌ اليقظه التى نتذكر فيها- ‌فى‌ ضغط الوعى- معنى احسانك لعبادك ‌فى‌ ساعات الشده، حيث تجيب للمضطر دعاه ‌و‌ تكشف عنه السوء، بكل لطف ‌و‌ يسر، فنفزع اليك ‌من‌ خلاله، عندما نفزع اليه ‌فى‌ وعى الذكر.
 

 اللهم ‌يا‌ ‌من‌ برحمته يستغيث المذنبون:
 
 للذنب- ‌يا‌ الهى- ‌فى‌ حياتنا الشعوريه معنى الرعب، ‌فى‌ صوره المصير الهائل الذى يجرنا اليه، الامر الذى يبعث الصراخ ‌فى‌ اعماقنا بما يشبه الاستغاثه التى نطلقها اليك ‌فى‌ قناعه عميقه ‌ان‌ رحمتك ‌و‌ حدها هى التى تستجيب لاستغاثتنا.
 ‌و‌ للخوف منك ‌فى‌ اجواء خطايانا لون الدمع الذى تنتحب العين ‌فى‌ كل قطره ‌من‌ قطراته، ‌من‌ خلال الهول الكبير الذى يوحى ‌به‌ الخوف ليكون النحيب ‌هو‌ اللوعه التى نستدر بها عطفك.
 ‌و‌ للاضطرار الذى تهتز امامه كل قضايانا، ‌و‌ تحاصرنا فيه كل مشاكلنا، ‌سر‌ اليقظه التى نتذكر فيها- ‌فى‌ ضغط الوعى- معنى احسانك لعبادك ‌فى‌ ساعات الشده، حيث تجيب للمضطر دعاه ‌و‌ تكشف عنه السوء، بكل لطف ‌و‌ يسر، فنفزع اليك ‌من‌ خلاله، عندما نفزع اليه ‌فى‌ وعى الذكر.
 
اللهم ‌يا‌ انس كل مستوحش:
 
 اننا قد نحس- ‌يا‌ الهى- بالوحشه ‌و‌ الغربه، ‌فى‌ وحدتنا القاتله ‌فى‌ ظلام خطايانا الذى يرهق نفوسنا.
 ‌و‌ قد تطبق علينا الكابه ‌من‌ خلال الكرب النفسى الذى يجتاح المشاعر فيجعلنا نعيش ‌فى‌ حاله ‌من‌ الشرود الكئيب.
 ‌و‌ قد نتعرض للخذلان، امام كل حالات التحدى التى تواجهنا ‌فى‌ الداخل ‌و‌ الخارج، فلا نجد هناك ‌من‌ ينصرنا، فترعبنا الوحده ‌فى‌ ساحه الصراع المرير.
 ‌و‌ قد نواجه الحاجه المتنوعه التى نلتقى فيها بالرفض ‌من‌ كل الناس ‌من‌ حولنا، فيطردوننا ‌من‌ مجتمعهم، ‌و‌ يتعسفون ‌فى‌ ابعادنا ‌من‌ مكان الى مكان، فكيف يكون الموقف؟
 هل نستسلم للوحشه ‌و‌ نسمح للغربه ‌ان‌ ترهق حياتنا، لان الناس ‌من‌ حولنا يرفضون ‌ان‌ يرفعوا عنا الاحساس بالوحشه ‌و‌ الغربه؟... هل نعيش الكابه التى تحولنا الى حاله انسانيه مشلوله تجتر آلامها بهدوء؟... ‌او‌ نستسلم للكرب الذى يثقل عمرنا بالحزن؟..
 ‌و‌ هل نسقط امام الخذلان عندما نبرز للتحديات وحدنا؟... ‌و‌ هل نقبل ‌ان‌ نكون المطرودين ‌من‌ موقع حاجاتنا المرفوضه؟... ليس الناس كل شى ء، بل انهم ليسوا شيئا امام عظمتك- ‌يا‌ رب-.
 بك- ‌يا‌ الهى- يانس المستوحشون، ‌و‌ يعيش الغرباء الفرج الكبير باللقاء بك، حيث يجدون لديك الوطن المنفتح على السرور.
 بك- ‌يا‌ رب- يجد المكروب فرجه، فتزول كابته عندما يتطلع- ‌فى‌ لحظات الفرج الكبير- الى آفاق الشروق الذى يملا النفس غبطه ‌و‌ فرحا.
 ‌و‌ انت الناصر للضعفاء ‌فى‌ دعوتك لهم ‌و‌ اعادتهم الى مواقعهم ‌فى‌ موضع القوه، فعندك يجد المخذولون النصره، فلا يشعرون بالوحده امام خذلان الناس لهم.
 ‌و‌ انت الذى تقضى لكل انسان حاجته، ‌و‌ تومن له ماواه، فتاخذ بعضده، فلا يملك الاخرون ‌ان‌ يضطهدوه ‌او‌ يطردوه.
 هذا انت- ‌يا‌ رب- ‌فى‌ موقع الرجاء الكبير، فما معنى الياس؟
انت الذى وسعت كل شى ء رحمه ‌و‌ علما:
 
 لو تطلعنا الى الكون- ‌فى‌ مجالات اشراف ربوبيتك، ‌و‌ تدبير عظمتك ‌فى‌ الطافك المتنوعه، المباشر منها ‌و‌ غير المباشر، فماذا نرى؟
 ‌ان‌ حركه الوجود كلها، بكل تفاصيلها الصغيره ‌و‌ الكبيره، ‌و‌ ظواهرها الكونيه ‌و‌ الانسانيه، توحى بان الوجود يمثل انطلاقه رحمتك التى وسعت كل مفرداته، فلا تجد شيئا الا ‌و‌ تجد الرحمه عنوانا له، ‌و‌ عمقا ‌فى‌ تكوينه.
 كما ‌ان‌ الحكمه الدقيقه التى تتجلى ‌فى‌ كل اسرار الابداع، ‌و‌ مظاهر العظمه ‌فى‌ الخلق ‌و‌ التدبير، تدل على ‌ان‌ كل الاشياء ‌فى‌ متناول علمك الذى اتسع للذره الدقيقه ‌فى‌ نظامها الدقيق الذى اعطاه ‌سر‌ النظام ‌فى‌ الاشياء الضخمه ‌فى‌ الكون، ‌و‌ نفذ الى عمق كل شى ء، لانه المحيط بكل شى ء لانك خالقه، فلا يعزب عن علمك مثقال ذره ‌فى‌ الارض ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ السماء.
و لو قمنا بجوله شامله على كل مخلوقاتك، الساكنه ‌و‌ المتحركه، المقيمه ‌و‌ الشاخصه، ‌و‌ ‌ما‌ علا منها ‌فى‌ السماء، ‌و‌ ‌ما‌ ‌كن‌ تحت الثرى، فاننا نلاحظ ‌ان‌ كرمك اتسع لها كلها، فلم تحرم ‌اى‌ واحد منها ‌من‌ نعمك، بل جعلت لكل منها سهما يتناسب مع حاجاته ‌و‌ دوره ‌فى‌ علاقته بالمخلوقات الاخرى ‌فى‌ دائره النظام الكونى، ‌و‌ لو ‌لا‌ نعمك المنفتحه على كل الوجود لما كان الوجود اصلا، لانه بعض نعمتك.
 
انت الذى عفوه اعلى ‌من‌ عقابه:
 
 ثم- ‌يا‌ الهى- ‌ان‌ المنحرفين عن خطك، العاصين لاوامرك ‌و‌ نواهيك، المتمردين على مسوولياتهم التى حملتها لهم، ‌لا‌ يسقطون- دائما- تحت ‌و‌ طاه عقابك ‌و‌ تاثير غضبك، بل قد ياتيهم العفو، ‌و‌ تطوف بهم الرحمه، فيمتدون ‌فى‌ الحياه ‌و‌ يتقلبون ‌فى‌ نعمك، بالرغم ‌من‌ امتدادهم ‌فى‌ الغى، ‌و‌ استمرارهم ‌فى‌ السير ‌فى‌ ‌خط‌ الانحراف، لان مساله العقاب لديك ليست كما هى ‌فى‌ الانسان مساله ثار للذات، ‌و‌ لان قضيه الغضب عندك، ليست كما هى ‌فى‌ الانسان قضيه انفعال سلبى بالاساءه، ‌و‌ لكنها- هنا ‌و‌ هناك- مرتبطه بالحكمه التى تراقب الانسان ‌فى‌ كل مجالاته الظاهره ‌و‌ الباطنه، ‌و‌ ‌فى‌ كل نقاط ضعفه، ‌و‌ ‌فى‌ كل امكانات تحوله ‌من‌ الشر الى الخير، ‌و‌ ‌من‌ الاساءه الى الاحسان، ‌و‌ ‌من‌ المعصيه الى الطاعه، فترحم مواضع ضعفه، ‌و‌ تلاحق كل مجالاته، ‌و‌ تمنحه الفرصه تلو الفرصه للتراجع ‌و‌ التصحيح، ‌و‌ للسير ‌فى‌ ‌خط‌ الاستقامه بدلا ‌من‌ ‌خط‌ الانحراف ‌فى‌ نهايه المطاف.
 ‌و‌ هذا الذى يتطلع اليه المنحرفون الخاطئون، ليجدوا ‌ان‌ عفوك اعلى ‌من‌ عقابك، ‌و‌ ‌ان‌ رحمتك تتقدم غضبك، ‌و‌ لو ‌لا‌ ذلك لما استمر الانسان ‌فى‌ الوجود، لان بقاءه يمثل لحظه عفو ‌و‌ لمسه رحمه، ‌فى‌ سمو الالوهيه، ‌و‌ عظمه الربوبيه.
.. ‌و‌ نستمر ‌فى‌ الملاحظه ‌و‌ القراءه ‌فى‌ كتاب سنتك ‌فى‌ الكون، فنلاحظ ‌ان‌ كل ذره ‌فى‌ الوجود تلهج بالسئوال ‌فى‌ ابتهالاتها الوجوديه ‌فى‌ منطق حاجاتها التى تمثل العناصر الحيه لوجودها، ‌و‌ نقرا ‌فى‌ سطور الخطه الدقيقه الشامله التى فرضتها سننك، ‌ان‌ عطاءك اكثر ‌من‌ منعك، فها هى نعمك متناثره ‌فى‌ كل مكان تتسع لكل الخلائق بما تملكه- ‌يا‌ رب- ‌من‌ خزائنك التى ‌لا‌ تنفد، الامر الذى يجعل الوجود كله مشدودا الى كرمك ‌من‌ موقع الثقه الذاتيه بان العطاء لديك ‌سر‌ ذاتك، ‌و‌ لهذا فانك تمنح الخلق كله ‌ما‌ تمنحه ‌من‌ دون ‌ان‌ تنتظر الجزاء ‌من‌ احد، لانك الغنى عن الوجود كله، ‌و‌ لان الكرم صفه ‌من‌ صفاتك، كما انك- عندما تعاقب- فان عقابك ينطلق ‌من‌ حسابات المصلحه ‌فى‌ حكمتك، فلا معنى للافراط فيه، ففيه تجتمع الحكمه ‌و‌ الرحمه ‌فى‌ نطاق الحاله الصغيره، ‌فى‌ الشخص نفسه، ‌و‌ الحاله الكبيره ‌فى‌ مصلحه الوجود كله.
 
اللهم انا عبدك المذنب المخطى ء:
 
 ‌ما‌ هى صورتى- ‌يا‌ رب- ‌فى‌ حالتى هذه التى اعيش فيها تحت ثقل الذنب الذى اريد ‌ان‌ استقيل منه، ‌و‌ اتخلص ‌من‌ نتائجه؟.. ‌ما‌ هى مشاعرى الروحيه، ‌و‌ ‌ما‌ هى استجاباتى اللاهته لارادتك ‌فى‌ الاستسلام اليك؟
 انا عبدك، بكل ‌ما‌ تحمله الكلمه ‌من‌ معنى التسليم المطلق لك بكل شى ء، ‌و‌ الاستسلام المفتوح على كل مواقع امرك ‌و‌ نهيك، فقد سلمت لك كل امرى، ‌و‌ استسلمت لكل ‌ما‌ تحكم ‌به‌ على.
 لقد كانت ارادتك الربوبيه لعبادك، ‌ان‌ يعبروا لك عن احساسهم العملى بعبوديتهم لك، بالدعاء الخاشع الذى يثيرون فيه كل مشاكلهم، ‌و‌ يقدمون فيه- بين يديك- كل حاجاتهم، ‌و‌ يرتفعون اليك بكل ابتهالاتهم، ‌و‌ يستغفرونك- فيه- ‌من‌ كل خطاياهم، لان الدعاء يمثل الاعلان الروحى بالارتباط الوثيق بك ‌من‌ خلال الحاجه الملحه ‌فى‌ كل الاشياء اليك، ‌و‌ يحفظ للانسان ‌خط‌ التوازن الدقيق بين ضعفه امامك، ليحميه ذلك ‌من‌ الاستسلام للاخرين ‌فى‌ عصيانك، ‌و‌ بين قوته بك، ليوكد له ذلك مسووليته الفاعله عن الحياه ‌و‌ عن الانسان، تقربا اليك.
 انا عبدك الذى امرته بالدعاء، فاستجاب لك، ‌و‌ لكنها ليست الاستجابه الجامده التى تنطلق ‌من‌ حاله خوف راعش بعيد عن معنى الحركه ‌فى‌ نطاق الوعى، بل هى الاستجابه الواعيه للاله الحبيب الذى اهفو الى ‌ان‌ احصل على محبته بالتحرر ‌من‌ كل ‌ما‌ يوجب سخطه، ‌و‌ اذوب روحى ‌فى‌ لحظات الخشوع بين يديه، حتى يمنحنى روحا جديده، ‌لا‌ اثر فيها للياس، ‌و‌ ‌لا‌ معنى للسقوط.
 ‌ها‌ انا- ‌يا‌ رب- مطروح بين يديك، ‌لا‌ اشعر بذاتى- بين يديك- ‌و‌ ‌لا‌ بعنفوانى الذى قد ينتصب شامخا ‌فى‌ لحظات الاحساس بانسانيتى ‌فى‌ الوجود، ‌و‌ لكنه ينحنى ‌و‌ ينحنى ‌و‌ يتضاءل، ‌و‌ يلامس التراب، ‌فى‌ خضوعه لك، ليجد، بعد ذلك، ‌ان‌ ذلك ‌هو‌ معناه عندك، فكلما ازداد الانسان خضوعا لك، كلما ازداد سموا ‌فى‌ المعنى الرفيع لانسانيته، ‌و‌ كلما انطلق ‌فى‌ كبريائه ‌و‌ عنفوانه الذاتى امامك كلما ازداد سقوطا ‌و‌ ابتعادا عن معنى الانسان فيه، لان معنى السمو، ‌هو‌ ‌ان‌ يكون الانسان انسان الله ‌لا‌ انسان الذات، فذلك ‌هو‌ الذى يمنحه المدد الروحى ‌من‌ الينبوع الصافى الذى ‌لا‌ ينتهى جريانه، بينما تجمده الذات ‌فى‌ الزوايا الضيقه الجامده التى تغلق عنه كل مسارب الهواء، ‌و‌ تحبس عنه كل نقطه ماء.
اننى مثقل، تضغط على اثقال الخطايا حتى ينحنى ظهرى تحت تاثير ثقلها، بحيث احس بالحياه تتحرك ‌فى‌ كيانى بجهد ثقيل.
 ‌و‌ انا- ‌يا‌ رب- الذى افنت الذنوب عمره، فاستهلكت كل طاقته، ‌و‌ عبات كل فراغاته، ‌و‌ استغلت كل شهواته، ‌و‌ اغرت كل نقاط ضعفه بالاستسلام لشيطان الهوى، حتى مر العمر ‌به‌ مرورا عابرا، تماما كما ‌هو‌ الحلم الغارق ‌فى‌ الاوهام.
 ‌ان‌ مشكلتى هى هذا الجهل بحقائق الاشياء، ‌و‌ بنتائج الاعمال ‌و‌ بمقام الربوبيه بما يجب على العبد تجاه ربه، ‌و‌ لذلك فقد عصيتك ‌من‌ موقع جهلى المغرق ‌فى‌ الغفله ‌و‌ الوهم، ‌و‌ لو ‌لا‌ ذلك ‌لا‌ نتبهت الى الحقيقه الصارخه، انك انت الله الذى ‌لا‌ اله الا انت، ‌و‌ الذى اسبغ على نعمه كلها، فمن الحقاره ‌ان‌ اعامله بهذه الطريقه التى ‌لا‌ تتناسب مع فضله ‌و‌ احسانه الى، الامر الذى يجعله اهلا للطاعه ‌لا‌ للمعصيه.
 اننى اتساءل، ‌لا‌ تساول المستفهم الذى يجهل حقيقه ‌ما‌ يسال عنه، ‌و‌ لكنى اطلق علامات الاستفهام لاثير الفكره التى تنطق كل جارحه ‌من‌ جوارحى بالجواب عنها بالايجاب، ليتعمق الاحساس بها ‌فى‌ عقلى ‌و‌ قلبى ‌و‌ شعورى.
 
هل انت- ‌يا‌ الهى- راحم ‌من‌ دعاك، لاستزيد ‌من‌ الدعاء ‌و‌ امتد فيه، ‌و‌ احركه بمختلف الاساليب، ‌و‌ الونه بانواع الالوان، ‌لا‌ سيما الوان الدموع، ‌و‌ اجتهد فيه بكل ‌ما‌ لدى ‌من‌ طاقه؟!
 اننى اعلم انك ترحم الداعى فتستجيب له، ‌لا‌ سيما اذا كان الحاحه ‌فى‌ دعائه ينطلق ‌من‌ عمق الاخلاص ‌فى‌ طلباته، ‌و‌ وعى الالوهيه ‌فى‌ روحه، فقد دعوت عبادك الى دعائك ‌و‌ وعدتهم الاجابه ‌من‌ موقع الايحاء بقربك اليهم ‌و‌ الى حاجاتهم ‌و‌ آلامهم ‌و‌ مشاكلهم، فقلت:
 
(فانى قريب اجيب دعوه الداع اذا دعان فليستجيبوا لى ‌و‌ ليومنوا ‌بى‌ لعلهم يرشدون)(البقره: 186).
 ‌و‌ قلت سبحانك:
 (و قال ربكم ادعونى استجب لكم ‌ان‌ الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين)(غافر: 60).
 فهل انت- ‌يا‌ الهى- غافر لمن بكاك، حتى تنفجر عيناه بالدموع الخاشعه الحييه الخجله منك، ‌و‌ ليندفع قلبه يبكى ‌فى‌ لهفه نبضاته ‌و‌ لهاث خفقاته، بكاء الاسف ‌و‌ اللوعه ‌و‌ الندم ‌و‌ الاستعطاف؟! فهل تشجعنى- ‌يا‌ رب- على ‌ان‌ ابكى ‌و‌ ابكى حتى تغسل دموعى كل قذاراتى الروحيه، فتهمى على سحائب مغفرتك بالطهر ‌و‌ الصفاء ‌و‌ النقاء لاعود طاهرا نقيا ‌فى‌ حياتى الجديده ‌من‌ خلال لمسات الحنان التى تمس شغاف قلبى، فيمتلى ء بالفرح ‌و‌ السعاده؟
 اننى اعرف ‌يا‌ رب ‌ان‌ احب العيون اليك هى العيون التى تبكى ‌من‌ خشيتك، ‌من‌ خلال ‌ما‌ توحى ‌به‌ الخشيه ‌من‌ معنى الحب الكامن ‌فى‌ الاعماق، الذى يرفض لصاحبه ‌ان‌ يسخط عليه المحبوب.
 ‌ان‌ قيمه الدموع ‌فى‌ ايحاءاتها النفسيه انها تعبر عن احتضان النور اشراقه العفو المطل علينا ‌من‌ الاعالى.
 هل انت- ‌يا‌ الهى- متجاوز عمن عفر لك وجهه تذللا؟ اننى الصق وجهى بالارض، بالتراب الذى يتطاير منها، ليكون غبارا يعطى الاشياء لونا يشبه الرماد، ‌فى‌ عمليه ايحائيه: ايها الانسان المتمرد على ربه، المتكبر ‌فى‌ ذاته، تذكر انك ‌من‌ التراب خلقت، ‌و‌ الى التراب تعود، ‌و‌ تامل جيدا، ‌ان‌ التراب تحول انسانا ‌من‌ خلال نفخه الله ‌فى‌ الطين الذى اختزن الروح الالهى- ‌من‌ خلال هذه القدره- فكانت الحياه، ‌و‌ كان الوعى، ‌و‌ كانت الحركه، ‌و‌ كانت المسووليه.
 طاطى ء راسك لربك حتى تعيش ‌فى‌ ذلك معنى السمو ‌فى‌ شموخ الراس، ‌من‌ خلال الرضوان الذى يمنحه الله للعاملين على اساس الذل ‌فى‌ الله، ‌و‌ العز امام عدوه.
 اننى اعرف- ‌يا‌ رب- انك تتجاوز عن المتواضعين لك، الذين يسجدون لك سجود الروح ‌فى‌ خضوعها لك، ‌و‌ العقل ‌فى‌ وعيه لعظمتك، ‌و‌ الجسد لانسحاقه ‌فى‌ مواقع طاعتك.
 لذا ساكون الذليل بين يديك، لاكون العزيز مع الناس كلهم.
 ‌و‌ هل انت مغن ‌من‌ شكا اليك فقره توكلا، اننى الفقير- ‌يا‌ رب- الذى يقف امامك صفر اليدين ليس له ‌من‌ الخير الا ‌ما‌ اعطيت، فهو ‌لا‌ يملك لنفسه نفعا ‌و‌ ‌لا‌ ضرا الا بك... ‌و‌ قد استهلكته الايام، ‌و‌ سلبته البلايا كل شى ء، ‌و‌ لكنه لم يياس ‌و‌ لم يسقط، بل اندفع اليك ‌فى‌ شكواه، توكلا عليك، لانك الغنى الذى يمنح الفقراء الذين يرجعون اليه ‌و‌ يتوكلون عليه، كل الوان العطاء الذى يغنيهم ‌و‌ يلغى كل فقرهم.
 اننى اعلم انك ولى الغنى للفقراء اليك، لان قضيه العطاء هى ‌سر‌ ذاتك ‌فى‌ رعايتها لكل الفقراء امثالى.
الهى ‌لا‌ تعرض عنى ‌و‌ قد اقبلت عليك:
 
 لقد طفت الدنيا- ‌يا‌ رب- باحثا عن اولئك الذين يملكون العطاء ‌من‌ موقع غناهم الذاتى، فلم اعثر على احد منهم ‌فى‌ كل خلقك، لانهم ‌لا‌ يملكون- ‌فى‌ فقرهم الذاتى- شيئا الا منك، ‌و‌ وجدتك- وحدك- المعطى الذى كان العطاء ‌سر‌ ذاته، لان الغنى كان بعض صفاته، فقصدتك بالرغبه، ‌و‌ اوفدت عليك رجائى بالثقه، فلا تخيبنى، لان معنى ذلك ‌ان‌ تدفعنى الى الحرمان، ‌و‌ انت الذى ‌لا‌ يخيب عنده المحرومون.
 .. ‌و‌ قد قصدت اهل القوه، لاجد بينهم ‌من‌ يملك القوه الذاتيه التى لم تكن هبه ‌من‌ احد، بل كانت معنى ‌فى‌ ذاته، فلم اجد غيرك، لان كل الناس خلقوا ضعفاء، ‌و‌ انت الذى امدهم بالقوه، فلا يملكون، دونك، ‌اى‌ معنى للقوه، فاقبلت عليك، لتمدنى بما امددت ‌به‌ عبادك ‌من‌ القوه ‌من‌ خلال ايمانى بانى ‌لا‌ استغنى باحد دونك، فلا تخذلنى ‌يا‌ رب، لانك تابى، ‌من‌ موقع لطفك، خذلان المضطرين.
يا رب، لقد رغبت اليك ‌فى‌ كل حاجاتى، لانك محط الرغبات، ‌و‌ انت الرب الذى ‌لا‌ تنفد خزائنه، ‌و‌ ‌لا‌ ينقطع عطاوه، فلا تحرمنى، لاننى اذا كنت اهلا للحرمان، فانك اهل الكرم ‌و‌ العطاء.
 انا الان- ‌يا‌ رب- واقف، منتصب بين يديك، اتطلع الى لطفك ‌و‌ رضوانك، ‌و‌ اطلب اطلب.. حتى تنتهى الطلبات، ‌و‌ ‌لا‌ اكل ‌و‌ ‌لا‌ امل ‌و‌ ‌لا‌ اتراجع، لانك الامل الوحيد الكبير ‌فى‌ حياتى كلها.
 فلا تجبهنى بالرد، ‌و‌ ‌لا‌ تعذبنى بالرفض، لانك- انت- كل شى ء عندى ‌فى‌ عقلى ‌و‌ روحى ‌و‌ شعورى.
 
اللهم انت الرحمن فارحمنى:
 
 لن اطلب منك- ‌يا‌ رب- شيئا بعيدا عن ‌سر‌ ذاتك ‌و‌ عن معنى حسناتك، بل كل طلباتى هى ‌من‌ معناك..
 فانت الرحيم، كما ‌و‌ صفت نفسك بالرحمه، فكيف تحجب عنى رحمتك.
 ‌و‌ انت العفو، كما تقتضيه مواقع السمو ‌فى‌ صفاتك، فكيف تمنعنى ‌من‌ عفوك.
 ‌ان‌ الرحمه ‌و‌ العفو- منك- يطلان على حياتى كمثل النور الذى تشرق ‌به‌ الشمس، فتملا الكون بالاشراقه ‌و‌ الحراره ‌و‌ الحياه.
 
ها هى الدموع- ‌يا‌ رب- تنساب ‌من‌ عينى خيفه منك، ‌و‌ ‌ها‌ هى الخفقات المذعوره ‌فى‌ قلبى تلهث خشيه ‌من‌ عقابك ‌و‌ سخطك.
 ‌و‌ ‌ها‌ هى اعضائى ترتعد ‌و‌ تهتز ‌و‌ تكاد تنفصل عن بعضها البعض هيبه لك ‌فى‌ مشاهد عظمتك.
 
ان هذه الدموع ‌و‌ الخفقات ‌و‌ الاهتزازات تنطلق ‌من‌ حاله الحياء التى تملك كل كيانى ‌فى‌ موقفى امامك.
 ‌و‌ كل لسانى عن مناجاتك فلم تتحرك فيه ايه كلمه تعبيريه، ‌فى‌ هذا الاتجاه.
 ‌ان‌ صوتى الذى انطلق ‌فى‌ اكثر ‌من‌ موقف تاييدا للباطل، ‌و‌ صرخه ‌فى‌ وجه الحق، يستحى ‌ان‌ ينطلق ‌فى‌ الوقت نفسه، بالقوه نفسها، ‌فى‌ الدعاء اليك.
 ‌و‌ ‌ان‌ لسانى الذى امتدت فيه كلمات المدح للظالمين ‌و‌ اذلال المستضعفين ‌و‌ الاساءه للمومنين، ليخجل ‌ان‌ يتحدث اليك ‌فى‌ مناجاه خاشعه، يفقد اللسان معنى طهارتها ‌و‌ نقائها.
 
لك الحمد ‌يا‌ رب على ستر عيوبى ‌و‌ ذنوبى:
 
 اننى اتذكرك- ‌يا‌ رب- كيف كانت الطافك الرحمانيه بالستر على، ‌فى‌ ‌ما‌ كان يرهقنى امره لو اطلع عليه الناس، ‌و‌ يحطمنى اثره لو عرفوه.
 فكم هى الافعال القبيحه التى تفرض على ذاتى عنوان القبح، ‌و‌ ‌كم‌ هى العيوب التى تمثل الفضيحه المخجله ‌فى‌ عناصر شخصيتى، ‌و‌ ‌كم‌ هى الخصائص التى تكدر صفاء الحياه ‌فى‌ صورتها النقيه الناصعه، ‌و‌ ‌كم‌ هى الذنوب التى توحى بالانحراف المهلك فتطبع مستقبلى بالسقوط ‌و‌ الهلاك.
 كل هذه العناوين التى تمنح الذات الكثير ‌من‌ عناوين السوء التى تدمر السمعه، ‌و‌ تثقل المجد، ‌و‌ تبعث على الشماته، ‌و‌ تغرى الحاسدين بالمزيد ‌من‌ البغى، ‌و‌ توحى لهم بالكثير ‌من‌ خطط الشر للايقاع ‌بى‌ بالف طريقه.
 ‌و‌ كان ‌من‌ الممكن ‌ان‌ تسهل امر فضيحتى، ‌و‌ التشهير بى، ‌و‌ هتك سترى، ‌و‌ جلب العار لى، ‌و‌ اثاره القذارات المعنويه ‌فى‌ سمعتى، ‌و‌ ‌فى‌ ‌ما‌ يحاول القريبون الى الذين يحسدوننى ‌فى‌ نعمك على، فاكون هدفا ‌من‌ اهداف العقد النفسيه التى تتحكم بهم ‌فى‌ نظرتهم الى الاخرين، ‌و‌ لكنك لم تفعل ذلك، لطفا ‌و‌ كرما ‌و‌ رحمه.
 ‌و‌ لم التفت الى ذلك، بل خيل الى ‌ان‌ المساله ليست شيئا فوق الطبيعه، بل هى ‌من‌ الامور الطبيعيه التى تفرضها وسائلى الخاصه ‌فى‌ الاختفاء ‌و‌ التستر ‌و‌ البعد عن مواضع النقد الاجتماعى، تماما كما لو كنت، انا، صاحب الفضل على نفسى ‌فى‌ ذلك كله.
 ‌و‌ هذه هى ايحاءات الغفله المطبقه على عقلى، ‌و‌ لكنى لو فكرت جيدا، لعرفت اننى لم اكن املك ايه خصوصيه ‌من‌ خصوصيات المناعه الذاتيه ‌ضد‌ شيوع هذه الامور ‌و‌ انتشارها بين الناس، كالاخرين ‌من‌ امثال الذين احاطت بهم الفضيحه، ‌و‌ لصق بهم العار، ‌و‌ اطلع الناس على عيوبهم الخفيه ‌و‌ الظاهره، ‌و‌ لو ‌لا‌ الستر الالهى، ‌و‌ الغطاء الربانى، فيما سترته على ‌من‌ العيوب، ‌و‌ غطيته على ‌من‌ الذنوب، ‌و‌ اسدلت على ‌من‌ الستر، ‌و‌ ابعدتنى فيه ‌من‌ العار، لكنت ‌من‌ المفضوحين.
 ‌و‌ كانت النتيجه، ‌فى‌ غفلتى هذه، اننى لم اقابل احسانك بالاحسان، بل اندفعت، اغترارا منى بموقع ذاتى ‌من‌ القوه ‌و‌ العنفوان، للجرى وراء المحرمات التى منعتنى منها ‌من‌ دون وعى ‌و‌ ‌لا‌ تفكير، الامر الذى يعرضنى ‌فى‌ المستقبل لفقدان رعايتك، ‌و‌ السقوط ‌فى‌ الدرك الاسفل ‌من‌ فضائح الاعمال ‌و‌ قبائح الاقوال.
فمن اجهل منى- ‌يا‌ الهى- برشده؟
 
 ‌ان‌ مشكلتى- ‌و‌ مشكله الخاطئين امثالى- هى ‌ان‌ الجهل يسيطر على ‌فى‌ اعمالى ‌و‌ اقوالى، ‌لا‌ الجهل الذى يتضمن الاعتقاد بخلاف الحق لفقدان وضوح الرويا، ‌و‌ صفاء المعرفه فيه، ‌و‌ لكنه الجهل الذى يلتقى مع السفه ‌فى‌ فعل ‌ما‌ ‌لا‌ ينبغى فعله، ‌و‌ السير ‌فى‌ الطريق التى تودى الى الضلال، ‌من‌ خلال ضغط النوازع النفسيه السلبيه على، مع العلم بالخطا، ‌و‌ هذا الذى يبتعد بالانسان عن ‌خط‌ الرشد الذى يفقد معه سلامه المصير.
 ‌و‌ ربما كانت المساله لدى، ‌ان‌ الغفله التى تجعلنى استغرق ‌فى‌ غيبوبه، تدفعنى بعيدا عن وعى الامور المتصله بالنتائج الطيبه مما يحصل عليه الانسان ‌من‌ الحظ السعيد ‌فى‌ الحياه، فتمنعنى عن تذكر الحقائق ‌فى‌ غمره الذهول، ‌او‌ تقودنى الى الاعراض عنها ‌و‌ الاهمال لها، ‌و‌ قد تكون الخطوره كل الخطوره، انك تغدق على النعم ‌من‌ كل لون ‌و‌ تفيض على ‌من‌ رزقك ‌من‌ كل شى ء، ‌و‌ توحى الى بان اشكر نعمك باستعمالها بما يصلح امر دنياى ‌و‌ آخرتى مما يقربنى اليك، ‌و‌ ‌ان‌ اتحسس فضلك ‌فى‌ رزقك فاحركه ‌فى‌ المشاريع التى هى موضع رضاك، ‌و‌ لكننى- بدلا ‌من‌ ذلك- استعين بنعمك على معاصيك، ‌و‌ انفق رزقك ‌فى‌ ‌ما‌ حرمته على مما يسخطك ‌و‌ يودى الى غضبك، فابتعد عن اصلاح نفسى، بالوسائل التى وضعتها بين يدى ‌فى‌ هذا الاتجاه، ‌و‌ تلك هى الطامه الكبرى التى تجعلنى ‌فى‌ موقع الكافر بالنعمه، كما جاء ‌فى‌ كلمه الامام على اميرالمومنين (ع):«اقل ‌ما‌ يلزمكم لله الا تستعينوا بنعمه على معاصيه».
 
 مشكله الانسان بين الهدى ‌و‌ الضلال:
 
 ‌و‌ ماذا بعد ذلك؟ انها مشكله هدى النفس الاماره بالسوء حين تقودنى الى السير ‌فى‌ عمق الباطل، ‌و‌ تدفعنى الى شده الاقدام على السوء، فابقى اتخبط ‌فى‌ ظلمه الباطل ‌فى‌ الاعماق، ‌و‌ اسقط ‌فى‌ مواقع السوء البعيده المدى ‌فى‌ ‌خط‌ الضلال، ‌و‌ ذلك عندما اقف بين دعوتك لى الى ‌خط‌ الايمان ‌و‌ العمل الصالح الذى يرفع انسانيتنا، ‌و‌ يقوى روحيتنا، ‌و‌ يوجه خطواتنا ‌فى‌ الاتجاه السليم، ‌و‌ بين دعوه الشيطان الى ‌خط‌ الكفر ‌و‌ الضلال، الذى يبعد انسانيتنا عن روحيه الصفاء، ‌و‌ يوجهها نحو الانانيه ‌و‌ اللهو ‌و‌ العبث ‌و‌ الفجور، ‌و‌ يدمر فينا عنصر الخير، ‌و‌ يبنى للشر قواعده الفكريه ‌و‌ العمليه ‌فى‌ داخل ذواتنا.
 ‌و‌ هكذا كان الاختيار الحر الذى تختزنه شخصيتنا ‌و‌ يمنحنا الحريه ‌فى‌ الوقوف هنا ‌او‌ هناك، ‌و‌ كانت المفاجاه اننا اتبعنا دعوه الشيطان ‌و‌ تركنا دعوتك تحت ضغط الاطماع ‌و‌ الشهوات، مع كل الوعى الفكرى الذى كنا نملك فيه وضوح الرويه ‌فى‌ طبيعه الشيطان ‌فى‌ ذاته، ‌و‌ ‌فى‌ حبائله ‌و‌ خدعه ‌و‌ امانيه ‌و‌ غروره ‌و‌ مصائده ‌و‌ وساوسه، فاننا، ‌فى‌ كل يوم، نتعوذ ‌من‌ الشيطان الرجيم، ‌و‌ لكن المعرفه شى ء ‌و‌ الممارسه العمليه شى ء آخر، لان الواقع ليس مجرد فكره ليقتنع بها العقل، بل ‌هو‌ الى جانب ذلك، اراده واعيه تحرك الانسان نحو الانسجام بين الفكر ‌و‌ العمل..
و هكذا ينحرف بنا الطريق الى دعوته بعيدا عن دعوتك، ‌و‌ نحن نعلم ‌ان‌ منتهى دعوتك الى الجنه، فقد دعوتنا الى دار السلام ‌فى‌ قولك ‌فى‌ كتابكو الله يدعو الى دار السلام)(يونس: 25) ‌و‌ ‌ان‌ منتهى دعوته الى النار، ‌و‌ ذلك ‌هو‌ ‌ما‌ حذرتنا منه ‌فى‌ كتابك ‌فى‌ قولك- سبحانك:
 (ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا انما يدعو حزبه ليكونوا ‌من‌ اصحاب السعير)(فاطر: 6).
 ‌ان‌ مشكله الكثيرين ‌من‌ الناس انهم قد يكونون كالفراشه التى تهجم على النار فتلقى نفسها ‌فى‌ داخلها لتحترق فيها بفعل الغفله ‌او‌ النزوه ‌او‌ النسيان.
 ‌ان‌ هذه المواقف منى ‌او‌ مجمل تلك الامور، يجعل منى الاجهل عن رشده، ‌و‌ الاغفل عن حظه، ‌و‌ الابعد ‌من‌ استصلاح نفسه ‌و‌ الاعمق ‌فى‌ الوقوع ‌فى‌ الباطل، فكيف تكون صورتى ‌فى‌ حسابات المصير.
 
هذه شهادتى التى اقدمها بين يديك على نفسى، ‌و‌ هذا ‌هو‌ تقريرى الذى اعددته تعداد كل الاسرار الخبيثه ‌فى‌ داخلى، فما اعجب هذا الموقف.
 
و الاعجب ‌من‌ ذلك انك ‌لا‌ تعاجلنى بالعقوبه، ‌و‌ ‌لا‌ تسرع ‌بى‌ الى الهلكه، بل تصفح عنى ‌و‌ تمهلنى ‌و‌ تمد لى المجال، ‌و‌ تمنحنى اكثر ‌من‌ فرصه للرجوع، ‌لا‌ لان ‌بى‌ كرامه عليك تفتح لى هذا الامتياز الكبير، ‌و‌ لكن، لانك المطلع على ‌فى‌ نقاط ضعفى التى تقودنى الى معصيتك، ‌و‌ العارف بان الذكرى قد تفتح لى ابواب الوعى، ‌و‌ ‌ان‌ الوعى قد يمنحنى قوه الاراده، ‌و‌ ‌ان‌ الاراده قد تضغط على الواقع الذى اتقلب فيه، لارجع انسانا طيبا صالحا مخلصا لربه مطيعا له ‌فى‌ اوامره ‌و‌ نواهيه، فاستبدل بها طاعتك التى تحقق لى محبتك، ‌و‌ اقلع عن سيئاتى التى تخلق وجهى ‌و‌ تذهب نضارته، ‌و‌ هكذا تكون اناتك عنى ‌و‌ ابطاوك عن معاجلتى، وسيله تربويه لاعطاء الفرصه للتامل ‌من‌ اجل تصحيح المسار ‌من‌ جديد. هذا ‌من‌ جهه. ‌و‌ ‌من‌ جهه اخرى، فان سنتك العفو، ‌و‌ طريقتك الافضال، ‌و‌ رحمتك وسعت كل شى ء، مما يجعل العفو الذى يعيد عبدك اليك احب اليك ‌من‌ عقوبته التى قد تودى ‌به‌ الى الازدياد ‌فى‌ الدخول ‌فى‌ اجواء الشيطان.
 
اللهم انا الخاطى ء المذنب، فاعتق رقبتى ‌من‌ النار:
 
 انا الانسان الضعيف الذى تثيره اللمسه، ‌و‌ تغريه الصوره، ‌و‌ تقوده الشهوه، ‌و‌ يسيطر عليه الطمع، ‌و‌ تحركه النزوه، ‌و‌ تطبق على حياته احاسيس الذات، ‌و‌ تثقله المسووليه، ‌و‌ يتغلب عليه الحسد، ‌و‌ تتعمق لديه العداوه، ‌و‌ تخدعه مظاهر الاشياء، ‌و‌ يجذبه الحس، ‌و‌ يطغى عليه الامل، ‌و‌ تلعب ‌به‌ الغفله، ‌و‌ تحيط ‌به‌ الاخطاء، ‌و‌ تستغرقه الدنيا، ‌و‌ يخلد الى الارض، ‌و‌ يغلبه هواه.
 عندما مارست الذنوب كنت الاكثر ذنوبا، ‌لا‌ ‌من‌ خلال الكميه، ‌و‌ لكن ‌من‌ خلال الايحاء الذى تتمرد فيه الذات على ربها، ‌و‌ عندما درست افعالى ‌فى‌ معانيها ‌و‌ مداليلها ‌و‌ ايحاءاتها كنت الاقبح افعالا، ‌و‌ عندما تحركت النتائج ‌فى‌ حياتى العاصيه، كنت الاقبح آثارا، ‌فى‌ ‌ما‌ يمثله ذلك ‌من‌ معنى نكران الجميل ‌فى‌ موقفى منك، ‌او‌ ‌فى‌ ‌ما‌ تركته للواقع ‌من‌ حولى ‌من‌ شرور ‌و‌ آلام، ‌و‌ عندما تحركت مع الباطل، كنت الاكثر تهورا فيه، لانى لم افكر ‌فى‌ طبيعته المضله، ‌او‌ ‌فى‌ آثاره المهلكه، ‌او‌ ‌فى‌ اجوائه الخانقه، بل اندفعت فيه اندفاع المتهور الذى يقبل على الاشياء ‌من‌ خلال مزاجه ‌و‌ هواه، ‌و‌ عندما واجهت مساله طاعتك التى توحى بها ربوبيتك لى ‌و‌ عبوديتى لك، كنت الاضعف تيقظا، ‌من‌ خلال اليقظه ‌فى‌ الوعى، ‌و‌ الوعى ‌فى‌ الحركه، فلم ادرك ‌ما‌ معنى الطاعه ‌فى‌ المصير، ‌و‌ ‌ما‌ نتائج المعصيه ‌فى‌ الاخره، ‌و‌ عندما استمعت- ‌يا‌ رب- الى وعيدك الذى ينذرنى بالعذاب ‌و‌ الهلاك، كنت الاقل انتباها ‌و‌ انتظارا ‌و‌ جديه ‌فى‌ مواجهتها.
 ‌و‌ اذا كانت المساله بهذا الحجم ‌و‌ بهذه الخطوره، فهل املك الان القدره على ‌ان‌ اقوم بعمليه احصاء لعيوبى، ‌او‌ تعداد لذنوبى، بعد ‌ان‌ كانت فوق الاحصاء ‌و‌ العد، ‌فى‌ صغائرها ‌و‌ كبائرها، ‌و‌ ظواهرها ‌و‌ بواطنها، ‌و‌ لكن لماذا اتحدث عن ذلك كله، ‌و‌ ‌ما‌ هى الفائده التى اتوخاها منه؟..
 اننى- ‌يا‌ رب- اقوم بعمليه نقد ذاتى ادرس فيه، بفكر واع، كل جوانب الضعف ‌فى‌ شخصيتى، ‌و‌ اعمل على مواجهه نفسى ‌من‌ خلال المراقبه ‌و‌ المحاسبه ‌و‌ المحاكمه بالتوبيخ العنيف، لتعرف منى- ‌يا‌ رب- اننى لم اكن مطمئنا للوضع الذى اعيشه، ‌و‌ لم اكن مرتاحا للواقع الذى تحركت فيه، ‌فى‌ احساس عميق باللوعه النفسيه، ‌و‌ الهم الروحى ‌فى‌ موقعى منك، ‌من‌ خلال ذلك، لاستدر بذلك عطفك، ‌و‌ لاستنزل على وجودى لطفك، ‌و‌ تضمنى رافتك التى اذا امتدت الى المذنبين اصلحت امرهم، ‌و‌ ركزت موقعهم ‌فى‌ الخط المستقيم، ‌و‌ خلصتهم ‌من‌ عقده الذنب، ‌و‌ ‌من‌ نتائجه الدنيويه ‌و‌ الاخرويه، ‌و‌ فتحت لهم ابواب العوده اليك، ‌و‌ لتحررنى رحمتك ‌من‌ الحصار الذى تحاصرنى ‌به‌ الخطايا، لاعيش حريه الطاعه ‌فى‌ ساحه رضاك، ‌و‌ اخرج ‌من‌ عبوديه المعصيه ‌فى‌ سجن سخطك.
 اننى اناجيك- ‌يا‌ رب- بكل ‌ما‌ يثقلنى امره، ‌و‌ انفتح عليك ‌فى‌ كل ‌ما‌ يضيق على فيه دربه، ‌و‌ اوبخ نفسى عما انحرفت فيه عن مواقع امرك ‌و‌ نهيك، ‌لا‌ حصل على محبتك، ‌و‌ لترتفع الى الاعالى محبتى لك، لاطلب منك كل شى ء ‌من‌ دون خوف، ‌و‌ لافتح حياتى لك ‌فى‌ كل ساحه ‌من‌ دون تعقيد.
 لقد عاشت الذنوب ‌فى‌ كل عمرى، ‌و‌ احاطت بذاتى حتى جعلتها ‌فى‌ اسر الرق الذى ‌لا‌ تملك منه حريه النجاه ‌من‌ غضبك ‌و‌ ‌من‌ عذاب النار، فهل اطمع- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ تحررنى ‌و‌ تعتق رقبتى ‌من‌ النار.
 ‌و‌ قد اثقلت الخطايا ظهرى، حتى بدات انوء بها ‌و‌ ارزح تحتها، فهل اومل ‌ان‌ تخفف عنى ذلك بمنك ‌و‌ عفوك. لم اطلب منك شيئا جديدا عليك، فقد طلبه منك المذنبون، ‌و‌ ابتهل اليك فيه الخاطئون، ‌و‌ اجبت طلبهم، ‌و‌ رحمت ابتهالهم، ‌و‌ لن اكون العبد الخائب عندك- ‌يا‌ رب-.
الهى ‌ان‌ تعذبنى فانت غير ظالم لى:
 
 اننى حين افكر ‌فى‌ عمق القضيه التى تحكم كل تاريخ حياتى، ‌و‌ هى قضيه الذنوب الكبيره التى قدمتها بين يدى، فاننى اجد الخطوره القصوى التى قد ‌لا‌ استطيع مواجهتها بطريقه عاديه، ‌و‌ ‌لا‌ اتمكن ‌من‌ تحملها بشكل متوازن، لانها ‌لا‌ تحمل ‌اى‌ تبرير منطقى، بل القضيه، بالعكس ‌من‌ ذلك، تحمل ‌فى‌ داخلها ضده، لان الانسان قد يبرر لنفسه- خطا ‌و‌ صوابا- ‌ان‌ يتحلل ‌من‌ المسووليه تجاه انسان آخر مثله، فيعصيه ‌او‌ يخالفه ‌او‌ يسى ء اليه، لان هناك وجودا منفصلا عن وجوده، لان العلاقه بينهما هى علاقه الخط الشرعى ‌او‌ العاطفى الذى يجعل لاحدهما الحق على الاخر، بعيدا عن ‌اى‌ مضمون ذاتى ‌فى‌ داخل الذات، بحيث يفرض ذلك عليه ‌من‌ هذا الموقع.
 ‌و‌ لكن المساله ‌فى‌ علاقه الانسان بالله، هى ‌ان‌ الانسان بكله ملك لله، فهو ‌لا‌ يملك ‌من‌ نفسه حتى حركه فكره، مما يجعل ‌من‌ المسووليه شيئا يتصل بالذات ‌من‌ موقع العبوديه الذاتيه ‌لا‌ القانونيه، ‌و‌ هذا ‌ما‌ يجعل ‌من‌ حركه المعصيه انحرافا خطيرا ‌فى‌ معنى الانسانيه ‌فى‌ الانسان، لانها تمثل استخدام ‌ما‌ ‌هو‌ ملك لله ‌فى‌ التمرد عليه ‌و‌ محاربته، ‌فى‌ الوقت الذى تنهال عليه الالطاف الالهيه ‌و‌ النعم الرحمانيه صباحا ‌و‌ مساء بكل جديد.
 فكيف يمكن لهذا الانسان الخاطى ء ‌ان‌ يواجه الموقف؟
 هل يملك ‌ان‌ يرفع طرفه الى آفاق السماء ‌فى‌ المدلول الايحائى ‌فى‌ رفع الراس امام الله... ‌و‌ كيف يفعل ذلك ‌و‌ الحياء يملا كل كيانه ‌و‌ يفرض عليه ‌ان‌ يطاطى ء راسه خجلا ‌و‌ انكسارا؟
 ‌و‌ هل يامل ‌ان‌ يحصل- ‌من‌ خلال الاستحقاق- ‌ان‌ يغفر الله له سيئه واحده ‌من‌ سيئاته؟ ‌ان‌ ذاتيه المساله ‌لا‌ تجعله يستحق شيئا لانه ‌لا‌ يملك- حتى ‌فى‌ ابتهاله- شيئا..
 ‌و‌ هذه هى الصوره المعبره الصارخه التى تمنح الفكره شيئا ‌من‌ الوضوح.
-    ‌يا‌ رب- ماذا افعل ‌و‌ انا الاكثر ذنوبا، ‌و‌ الابشع افعالا، ‌و‌ الاقبح اثارا، ‌و‌ الاشد ‌فى‌ الباطل تهورا، ‌و‌ الاضعف لطاعتك تيقظا، ‌و‌ الاقل لوعيدك انتباها؟ ماذا افعل لتعفو عنى، ‌و‌ لتقبلنى فيمن تقبل ‌من‌ عبادك؟..
 ‌و‌ لو بكيت- ‌و‌ للبكاء معناه ‌فى‌ الاحساس بالذنب ‌و‌ ‌فى‌ الندم عليه- ‌و‌ استمر البكاء الخاشع حتى تسقط اهداب عينى ‌من‌ ضغط الدموع، ‌و‌ لو انتحبت ‌فى‌ الحاح البكاء ‌و‌ ضراوته ‌و‌ شدته حتى يخفت صوتى ‌او‌ ينقطع فلا يرتفع منه شى ء.
 ‌و‌ لو قمت لك ‌فى‌ صلاتى ليلا ‌و‌ نهارا حتى تنتفخ قدماى ‌و‌ تتور ‌ما‌ ‌من‌ شده التعب.
 ‌و‌ لو ركعت لك حتى يزيح صلبى عظم ظهرى ‌من‌ مكانه.
 ‌و‌ لو سجدت لك ‌و‌ اطلت طول عمرى تعذيبا لنفسى على ‌ما‌ اسلفت ‌من‌ الذنوب، ‌و‌ شربت ماء الرماد آخر دهرى، توبيخا لذاتى على خطاياها، ‌و‌ ذكرتك بكل اسمائك ‌و‌ صفاتك ‌و‌ آلائك، حتى كل لسانى عن الكلام، ثم لم ارفع طرفى الى السماء لاحدق ‌فى‌ الافاق التى توحى بالشان الرفيع لعظمتك، استحياء منك ‌من‌ خلال التاريخ الاسود الذى يملا صفحات حياتى.
 لو فعلت ذلك كله، لم استحق محو سيئه واحده ‌من‌ سيئاتى الان، كل هذه الامور تتحرك ‌فى‌ داخل ملكك، فليس لى فضل تكفيرا عما فعلته ‌فى‌ اساءه التصرف ‌فى‌ كيانى الذى ‌هو‌ ملكك.
و لكنى اعرف، ‌من‌ خلال التفضل الذى تلطفت ‌به‌ على عبادك، انك تغفر لى حين افعل ‌ما‌ يستوجب مغفرتك ‌و‌ تعفو عنى حين استحق عفوك، ‌فى‌ ‌ما‌ جعلته ‌من‌ شروط ذلك، ‌فى‌ ‌خط‌ الاستحقاق بالتفضل، ‌فى‌ الوقت الذى ‌لا‌ املك فيه ذاتيه الاستحقاق ‌و‌ الاستيجاب، فقد كانت المساله ‌ان‌ النار كانت هى الجزاء العادل الذى يجب ‌ان‌ اناله منذ عصيتك، ‌و‌ اذا كان الحكم العدل ‌هو‌ حكمك، فلن يكون عذابى ظلما لى، لانك اقمت الحجه على ‌فى‌ ذلك، فماذا بعد كل هذا الا فضلك، فهو- وحده- سبيل النجاه.
اللهم قنى المعاصى، ‌و‌ استعملنى بالطاعه:
 
 لقد عاشت حياتى كلها ‌فى‌ ظل الطافك، بالرغم ‌من‌ كل اساءاتى، فقد جنبتنى الفضيحه فسترت على ذنوبى ‌و‌ غمرتنى برحمتك، ‌و‌ قد امهلتنى ‌و‌ انظرتنى ‌و‌ مددت لى حبال الفرص الكثيره للتراجع عن اخطائى بكرمك الواسع، ‌و‌ لم تعاجلنى بعقوبتك ‌فى‌ ‌ما‌ استحقه منها، ‌و‌ كان حلمك الذى ينفتح على تفضلك يفتح لى ابواب الامل الكبير، ‌و‌ يمنحنى الثقه بالمستقبل، ‌و‌ ينساب ‌فى‌ صدرى بردا ‌و‌ سلاما، ‌و‌ قد كان ‌من‌ حلمك ‌ان‌ ابقيت لى مواقع نعمتك فلم تغيرها الى مواقع نقمتك، ‌و‌ استمر معروفك الممتد ‌فى‌ كل حياتى صافيا نقيا، فلم تكدرها بالبلاء المتنوع الذى يحول صفاء الايام الى كدر.
 اننى- ‌يا‌ رب- ‌فى‌ طفوله الروح التى اتمثلها ‌فى‌ حضره قدسك، اتوسل اليك، بعد حصولى على سترك ‌و‌ كرمك ‌و‌ حلمك ‌و‌ تفضلك، ‌ان‌ ترحم طول تضرعى اليك ‌و‌ شده مسكنتى ‌و‌ فقرى، ‌و‌ سوء موقفى، لتقبلنى عندك فاكون القريب اليك، الحبيب لديك، المرضى عندك، لان طموحى ‌ان‌ احصل على الرفعه ‌فى‌ مواقع السمو ‌فى‌ رحاب قدسك، فلا يكفينى ‌ان‌ ‌لا‌ تطردنى ‌من‌ رحمتك، بل ‌ان‌ تدخلنى ‌فى‌ آفاقها الواسعه ‌فى‌ امتداد رضاك.
ذلك هو- ‌يا‌ رب- حديثى عن الماضى ‌فى‌ ‌ما‌ اسلفته، ‌و‌ الان- ‌و‌ انا ‌فى‌ الحاضر الذى يزحف نحو المستقبل- اتحدث اليك عن امنياتى ‌و‌ حاجاتى ‌و‌ مطامعى ‌فى‌ المستقبل، ‌و‌ انت منتهى الامانى، ‌و‌ غايه الحاجات، ‌و‌ ولى الطموحات، ارزقنى الوقايه ‌من‌ المعاصى حتى احصل على المناعه الروحيه التى تودى ‌بى‌ الى العصمه، ‌و‌ حول جهدى كله، ‌و‌ ارادتى كلها، الى الطاعه ‌فى‌ كل مجالاتها العامه ‌و‌ الخاصه، فقنى للاخلاص ‌فى‌ الرجوع اليك ‌فى‌ كل امورى، حتى ‌لا‌ اتعثر ‌فى‌ الطريق، ‌و‌ ‌لا‌ انحرف عن القصد، ‌و‌ ‌لا‌ اتزلزل ‌فى‌ المواقف، ‌و‌ اغسل قلبى ‌و‌ روحى ‌و‌ جسدى بماء التوبه حتى اعيش طهاره الروح ‌و‌ العقل ‌و‌ الجسد، ‌و‌ ايدنى ‌فى‌ كل اعمالى ‌و‌ اقوالى ‌و‌ افكارى بالعصمه عن الخطا، حتى يكون الصواب ‌هو‌ العنوان الكبير لكل حياتى الفكريه ‌و‌ العمليه، ‌و‌ تكون الاستقامه هى الخط الذى يربط بدايه ايامى بنهاياتها، ‌و‌ امنحنى صلاح امرى بالعافيه ‌فى‌ الدين ‌و‌ الدنيا، فلا ابتلى بالامراض الجسديه ‌و‌ الروحيه التى قد تفسد على مصيرى ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره.
 ‌و‌ اذا كنت قد ذقت مراره الذنب حتى تحولت الحياه كلها الى مراره ‌فى‌ عمق الاحساس ‌و‌ الممارسه، فانى اتطلع- ‌و‌ قد اقبلت عليك استغفرك ‌من‌ ذنوبى- ‌ان‌ تذيقنى حلاوه المغفره، فانها الحلاوه التى تحول حياتى ‌فى‌ انسيابها اللذيذ ‌فى‌ المشاعر ‌و‌ الاحاسيس ‌و‌ الامنيات، الى حلاوه ‌فى‌ كل عمرى السائر اليك.
 انا الاسير- ‌يا‌ رب- ‌فى‌ سجن خطاياى فليطلقنى عفوك، ‌و‌ انا الرق ‌فى‌ ضغط سيئاتى فلتحررنى رحمتك، ‌و‌ انا الخائف ‌من‌ سخطك فليشملنى امانك.
 اسالك البشرى ‌فى‌ ذلك كله ‌فى‌ الدنيا قبل الاخره، حتى يطمئن قلقى ‌و‌ تزول حيرتى، ‌و‌ تنفتح لى ‌فى‌ كل احلامى ابواب الجنان، ‌و‌ اجعلنى ممن يتحسس ذلك ‌فى‌ شعوره الخفى، ‌و‌ ‌فى‌ بعض الملامح ‌و‌ العلاقات التى توحى بالكثير ‌من‌ ذلك، ‌من‌ رويا تطوف ‌بى‌ ‌فى‌ اطياف الليل، ‌او‌ ‌من‌ وحى استوحيه ‌فى‌ الهام الروح، ‌او‌ احساس اختزنه ‌فى‌ اعماق الايمان، لان الحياه تسرع ‌بى‌ اليك ‌فى‌ مرور الايام ‌و‌ الليالى، ‌و‌ اريد ‌ان‌ اسير اليك فرحا بخطى ثابته نحو السعاده الكبرى ‌فى‌ الاخره،
و اذا كانت طلباتى كبيره واسعه صعبه، فانها قد تصعب على المخلوق ‌و‌ قد تضيق عليه، ‌و‌ قد تخرج عن قدرته، ‌و‌ قد تثقل اوضاعه، ‌و‌ لكنك انت الرب الخالق الذى ‌لا‌ يضيق عليه شى ء، مهما كانت خطورته، ‌و‌ ‌لا‌ يخرج عن قدرته لانك الواسع الذى يملك القدره على كل شى ء، ‌و‌ ‌لا‌ يشتد عليك امر، مهما عظم، ‌و‌ ‌لا‌ يثقلك شى ء مهما ثقل، فانت الكريم ‌فى‌ عطائك، الجزيل ‌فى‌ هباتك، القوى ‌فى‌ ملكك، العظيم ‌فى‌ قدرتك، انك تفعل ‌ما‌ تشاء ‌و‌ ‌لا‌ يفعل ‌ما‌ يشاء غيرك، ‌و‌ انك الحاكم بما تريد، ‌و‌ ‌لا‌ يملك ذلك سواك، ‌و‌ انت على كل شى ء قدير، فلا منتهى لقدرتك ‌فى‌ الارض ‌و‌ ‌فى‌ السماء، ‌و‌ ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

دعاوه فى الصلاه على حمله العرش و كل ملك مقرب
دعاوه فى الالحاح على الله تعالى
دعاوه فى یوم الاضحى و یوم الجمعه
دعاوه اذا استقال من ذنوبه
دعاء دخول شهر رمضان
دعاوه عند الصباح و المساء
دعاوه فى طلب العفو و الرحمه
دعاوه لنفسه و اهل ولایته
و كان من دعائه (علیه السلام) بعد الفراغ من صلاه ...
دعاوه عند الشده و الجهد و تعسر الامور

بیشترین بازدید این مجموعه


 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^