فارسی
شنبه 22 دى 1403 - السبت 10 رجب 1446
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه
0
نفر 0

و كان من دعائه (علیه السلام) بعد الفراغ من صلاه اللیل لنفسه فى الاعتراف بالذنب

و كان ‌من‌  دعائه (عليه السلام) بعد الفراغ ‌من‌ صلاه الليل لنفسه ‌فى‌ الاعتراف بالذنب
 
 ‌فى‌ رحاب الدعاء:
 
 لليل سحره الروحانى، ‌و‌ صمته الرهيب، ‌و‌ ظلامه الذى ينساب ‌فى‌ المشاعر فيثير فيه الخدر ‌و‌ الاسترخاء، ‌فى‌ الوقت الذى يبعث الخوف ‌فى‌ الوجدان ‌من‌ خلال حركه الاشباح ‌فى‌ الخيال ‌و‌ اجواء المخلوقات المخيفه المرعبه التى يخفيها الليل ‌فى‌ ظلامه، ‌و‌ قد اراد الله للانسان ‌ان‌ يعيش الثقه ‌و‌ الطمانينه ‌و‌ السكينه الروحيه ‌من‌ خلال الصلاه المميزه التى شرعها مما استحبه للانسان ‌و‌ وعد عليه بالثواب، ‌و‌ لم يلزمه بها، لتاتى ‌من‌ عمق اختياره الطوعى المنفتح على الله ‌فى‌ رغبته بالوقوف بين يديه ليحصل على محبته ‌و‌ رضاه، ليزداد ايمانه قوه ‌و‌ لتعيش روحه المزيد ‌من‌ السكينه العميقه الخاشعه، ‌و‌ ليشعر بانه ليس وحده ‌فى‌ هذا الجو الخفى المظلم ‌و‌ ليس الانسان الضائع ‌فى‌ متاهات الاشباح ‌فى‌ الليل فان الله معه يحميه ‌و‌ يرعاه ‌و‌ يدفع عنه كل خوف ‌و‌ خطر.
 ‌و‌ ‌فى‌ السحر تصفو النفس، ‌و‌ يرتاح الجسد ‌و‌ يهدا الليل ‌و‌ ينفتح الانسان على جمالات كثيره ‌من‌ الصفاء ‌و‌ النقاء ‌و‌ الهدوء النفسى، ‌و‌ تنفتح روحه- ‌من‌ خلال هذا الجو- على ربه، ‌و‌ قد حدثنا الله عن المومنين (المستغفرين بالاسحار) (آل عمران: 17) ‌و‌ كيف ‌لا‌ يحصلون ‌من‌ النوم الا لماما (كانوا قليلا ‌من‌ الليل ‌ما‌ يهجعون ‌و‌ بالاسحار ‌هم‌ يستغفرون) (الذاريات: 18-17) ‌و‌ عن هولاء الذين (انما يومن باياتنا الذين اذا ذكروا بها خروا سجدا ‌و‌ سبحوا بحمد ربهم ‌و‌ ‌هم‌ ‌لا‌ يستكبرون تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا ‌و‌ طمعا ‌و‌ مما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ‌ما‌ اخفى لهم ‌من‌ قره اعين جزاء بما كانوا يعملون) (السجده: 17-15).
 هولاء الذين ينطلقون ‌فى‌ جوف الليل صلاه ‌و‌ دعاء ‌و‌ استغفارا ‌و‌ انفتاحا على الله بكل طلباتهم ‌و‌ رغباتهم ‌و‌ مخاوفهم ‌و‌ قد اراد الله لنبيه ‌ان‌ يقوم الليل الا قليلا ‌و‌ ذلك قوله تعالى: (يا ايها المزمل قم الليل الا قليلا نصفه ‌او‌ انقص منه قليلا اوزد عليه ‌و‌ رتل القرآن ترتيلا انا سنلقى عليك قولا ثقيلا) (المزمل: 5-1).
 
فهذا القيام بالليل يوحى للانسان، ‌و‌ ‌لا‌ سيما اذا كان نبيا، بالسمو الروحى الذى يعينه على تحمل الاعباء الثقيله التى يحمله الله فيها المسووليه عن الرساله التى تتحرك فتجد امامها العقبات ‌و‌ الصدمات ‌و‌ الضغوط الهائله مما يحتاج فيه الانسان الى المزيد ‌من‌ الطاقه الروحيه ‌فى‌ اتصاله بالله ‌و‌ انجذابه اليه ‌و‌ مناجاته له ‌و‌ ابتهالاته له، ‌و‌ ذوبانه فيه، ‌و‌ هذا ‌ما‌ توحى ‌به‌ الايه التاليه: (ان سنلقى عليك قولا ثقيلا) ‌و‌ ربما اريد ‌به‌ القرآن ‌فى‌ مضمون مفاهيمه ‌و‌ معانيه ‌و‌ ‌فى‌ حركته الرساليه ‌فى‌ الدعوه ‌و‌ الحركه ‌من‌ حيث ثقل الفكره ‌فى‌ ميزان الحياه، ‌و‌ ثقل المسووليه ‌فى‌ ‌خط‌ الدعوه ‌و‌ الجهاد. ‌و‌ هذا ‌هو‌ الذى يفرض الحاجه الى مزيد ‌من‌ الاعداد الروحى ‌و‌ النفسى الذى تنطلق فيه صلاه الليل: (ان ناشئه الليل هى اشد ‌و‌ طئا ‌و‌ اقوم قيلا) (المزمل: 6) حيث تعيش كلمات الصلاه مع خفقات القلب ‌و‌ همسات الروح ‌و‌ اخلاص الذات ‌فى‌ هذا الهدوء الذى يلف الكون فيضم الوجود الانسانى ‌فى‌ داخله بعيدا عن كل شواغل النهار ‌و‌ تعقيداته، فيكون الاشد تاثيرا على الروح ‌و‌ الاصوب ‌فى‌ معرفه الحقيقه.
 ‌و‌ اذا كان الخطاب ‌فى‌ هذه الايات للنبى محمد (ص)، فاننا ‌لا‌ نرى انها تختص به، بل تشمل كل الرساليين الذين يعيشون هذه الطاقه الروحيه ‌و‌ الاعداد النفسى ‌و‌ القوه الرساليه التى تساهم هذه العباره ‌فى‌ اغناء الواقع الداخلى للانسان بها.
 هذا الدعاء يمثل القيمه الروحيه ‌فى‌ العباده ‌من‌ حيث انه يمتد باجواء الصلاه الى ‌ما‌ بعد الفراغ منها، ليعيش الانسان صلاه الدعاء ‌فى‌ مفاهيمه المنفتحه على الله ‌فى‌ اجواء عظمته، ‌و‌ مواقع نعمته، ‌و‌ الطاف رحمته، فتمتلى ء النفس بها ‌و‌ تتعمق ‌فى‌ داخلها، فلا تنتهى صلاه الركوع ‌و‌ السجود بانتهاء اعمالها، بل تمتد ‌فى‌ اجواء الدعاء ليبقى الانسان اطول مده ممكنه مع الله، ‌و‌ لعل هذا ‌هو‌ السر ‌فى‌ تشريع استحباب التعقيب بعد كل صلاه فريضه فهو الذى يعمق معنى الصلاه على المستوى الثقافى ‌و‌ الروحى ‌فى‌ داخل الذات، ‌و‌ ذلك ‌من‌ خلال المفاهيم المتنوعه ‌فى‌ الدعاء التى تغنى الخطوط الروحيه العامه ‌فى‌ مفاهيم الصلاه.
 
الله.. الا بدى ‌فى‌ وجوده:
 
 ‌فى‌ الفصل الاول- ‌من‌ هذا الدعاء- نداء الى الله ‌فى‌ صفاته الالهيه، فهو الملك المتابد بالخلود ‌لا‌ يحتويه الزمن ‌و‌ ‌لا‌ يستنفذه، بل ‌هو‌ فوق الزمن كله فهو الابدى ‌فى‌ وجوده ‌و‌ السلطان الذى ‌لا‌ ينطلق سلطانه ‌من‌ خارج ذاته مما يتمثل ‌فى‌ السلاطين ‌من‌ حركه سلطتهم ‌فى‌ جنودهم ‌و‌ اعوانهم بعيدا عن الذات، فهو السلطان ‌فى‌ ذاته، ‌و‌ ‌هو‌ العز الذى يملك معناه ‌فى‌ ذاته ‌لا‌ ‌من‌ خلال العوارض الطارئه للقوه، ‌و‌ لذلك فلا فناء له ‌و‌ ‌لا‌ ‌حد‌ له باوليه ‌او‌ آخريه ‌و‌ ‌هو‌ الاعلى ‌فى‌ ملكه الذى تتساقط الاشياء امامه فلا تبلغ امده، ‌و‌ ‌هو‌ الذى تعجز النعوت عن وصف كنه صفاته ‌و‌ تتهاوى الكلمات امامها ‌فى‌ كل مدلو لاتها لانها ‌لا‌ تمثل الا المعانى المحدوده ‌فى‌ ذاتها فاذا انفتحت على المطلق تفسخت ‌و‌ ضاعت ‌و‌ اطلقت اجواء الحيره ‌فى‌ كل الاخيله الانسانيه، انه الله الاول الذى لم ينطلق ‌من‌ العدم، ‌و‌ ‌لا‌ يقترب العدم الى وجوده مهما امتد الزمن ‌فى‌ حركه الوجود، ذلك ‌هو‌ الله، فاى شى ء ‌هو‌ الانسان.
 
 عفو الله.. امل الانسان:
 
 ‌و‌ ‌فى‌ الفصل الثانى يتمثل الانسان الداعى المبتهل الخاشع ‌فى‌ وجوده المحدود ‌و‌ فقره الذاتى، فهو العبد الضعيف ‌فى‌ عمله، ‌فى‌ كميته ‌و‌ كيفيته، فلم يكن بالمقدار الذى يريده الله ‌او‌ بالنوعيه التى امر بها، ‌و‌ لكنه- ‌فى‌ ثقته بالله- الكبير ‌فى‌ امله لعفوه ‌و‌ مغفرته ‌و‌ رحمته فاذا تقطعت الاسباب العاديه البشريه فالله هو- وحده- الذى يوصل برحمته كل سبب يودى الى المطلوب ‌و‌ اذا لم تكن هناك قاعده يعتصم بها الانسان ‌فى‌ امتداد الامل بالنجاه فان عفو الله الذى يمتد الى كل انسان ‌فى‌ الوجود ‌هو‌ القاعده التى يرتكز عليها الانسان ‌فى‌ امله ‌و‌ لذلك فهو الذى يتوجه الى الله ليشهده على ‌ما‌ يعلمه ‌من‌ قله مخزون الطاعه عنده ‌و‌ كثره ارقام المعصيه لديه، ‌و‌ ليطلب منه ‌ان‌ ‌لا‌ يضيق عفوه عنه، حتى لو اساء، ليمنحه عفوه.
 
رحمه الله هى الملاذ االاخير:
 
 ‌و‌ ‌فى‌ الفصل الثالث، يقف هذا الانسان ليتحدث الى ربه عن كل اعماله السيئه التى ‌لا‌ تغيب عن علمه بكل خفاياها ‌و‌ ظواهرها ‌و‌ بواطنها، ليعتذر اليه عن ذلك فقد قام بكل ‌ما‌ قام ‌به‌ ‌من‌ خلال الشيطان الذى ‌هو‌ عدو الله ‌و‌ عدو الانسان، الذى طلب النظره ‌من‌ الله لاغواء الناس، ‌و‌ سال المهله الى يوم الدين لاضلالهم فاعطاه ذلك كله ‌و‌ حذر الانسان منه، ‌و‌ لكنه خضع لنقاط ضعفه التى استغلها ابشع استغلال فاوقعه ‌فى‌ الغوايه ‌و‌ سار ‌به‌ بعيدا ‌فى‌ طريق الضلال فعصى ربه ‌و‌ اقترب ‌من‌ ساحه سخطه فحاول ‌ان‌ يرجع الى شيطانه ليحميه ‌من‌ النتائج السيئه التى وصل اليها ‌و‌ ليخلصه ‌من‌ عقاب ربه الذى كان يومنه ‌من‌ عذابه ‌و‌ يمنيه النجاه ‌و‌ لكنه تبرا منه ‌و‌ اعرض عنه ‌و‌ سخر منه ‌و‌ تخفف ‌من‌ مسووليته عن كل ‌ما‌ لحق به، فوقف ‌فى‌ صحراء الندم ‌و‌ حيدا يواجه غضب الله ‌و‌ نقمته، مطرودا ‌من‌ رحمته ‌من‌ دون شفيع يشفع له ‌و‌ ‌لا‌ حارس يحرسه منه، ‌و‌ ‌لا‌ حصن يحميه منه ‌و‌ ‌لا‌ ملاذ يلجا اليه.
 فلم يجد امامه الا ربه الذى فتح له ابواب رحمته ‌و‌ مغفرته فوقف امامه موقف العائذ ‌به‌ ‌و‌ المعترف له، ‌و‌ ابتهل اليه ‌ان‌ ‌لا‌ يضيق عنه فضله ‌و‌ قد اتسع للناس كلهم، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يقصر دونه عفوه ‌و‌ قد امتد للمومنين، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يكون الانسان الاكثر خيبه ‌من‌ التائبين اليه ‌و‌ الاعظم ياسا ‌من‌ الوفود القادمه اليه، ليغفر له ذنوبه ‌و‌ يعفو عن جرائمه.
 
 الاعتراف بالخطايا:
 
 ‌و‌ ‌فى‌ الفصل الرابع اعتراف تفصيلى ‌من‌ الانسان الخاطى ء بتصرفاته السلبيه تجاه ربه، فقد امره الله بالكثير ‌من‌ مواقع امره فتركها ‌و‌ نهاه عن الكثير مما اراد له ‌ان‌ يتركه ففعله ‌و‌ انطلقت النفس الاماره بالسوء لتثير ‌فى‌ داخل فكره النوازع الشريره ‌و‌ الخواطر السيئه التى تدفعه الى التفريط بمسوولياته ، ‌و‌ ‌هو‌ الان ‌لا‌ يقف بين يديه ليقدم امامه شهادته بصيام النهار ‌و‌ ‌لا‌ بقيام الليل ‌و‌ ‌لا‌ باحياء السنن المستحبه، ‌و‌ لو ‌لا‌ التزامه بالفرائض التى يودى تضييعها الى الهلاك لما كان لديه شى ء يقدمه امامه ‌و‌ ‌لا‌ يملك ‌ان‌ يقدم النوافل التى قام بها مع الكثير ‌من‌ التقصير عن بعض الوظائف المتصله بالفرائض ‌و‌ التعدى على حدود الله، فكم ‌من‌ حرمه انتهكها، ‌و‌ ‌كم‌ ‌من‌ ذنب فعله مما يودى الى فضيحته امام الناس لو ‌لا‌ ستر الله عليه.
 هذا ‌هو‌ الواقع الذى يتمثله ‌و‌ يعترف ‌به‌ بين يدى ربه ‌و‌ يجعله ‌فى‌ مقام الخجول منه، ‌و‌ الساخط على نفسه ‌لا‌ نحرافها عن مواقع رضاه، فيتلقاه بنفس يهزها الخشوع امام عظمه الله، ‌و‌ رقبه يحنيها الخضوع لجلاله، ‌و‌ بظهر تثقله الخطايا، ‌فى‌ موقف تتجاذبه الرغبه الى الله رجاء رحمته، ‌و‌ الرهبه منه ‌فى‌ الخوف ‌من‌ عذابه، موقنا بان الله ‌هو‌ الاولى بالرجاء ‌من‌ كل احد ‌و‌ ‌هو‌ الاحق بالخشيه ‌و‌ الاتقاء ‌من‌ كل موجود، ليطلب منه العطاء لكل ‌ما‌ رجاه، ‌و‌ الامن ‌من‌ كل ‌ما‌ حذر منه، ‌و‌ العود عليه بعوائد رحمته، فهو اكرم مسوول ‌و‌ افضل مامول.
 
 الاستجاره ‌من‌ فضائح الاخره:
 
 ‌و‌ ‌فى‌ الفصل الخامس حديث عن الموقف ‌فى‌ يوم القيامه بعد ضمان الانسان لنفسه الستر ‌من‌ الله عليه ‌فى‌ دار الدنيا، فاذا كان الله قد عفا عنه فستره ‌و‌ تفضل عليه فرحمه ‌فى‌ دار الفناء فان هذا ‌لا‌ يكفى، لان عار الدنيا كان ثقيلا زائلا، ‌و‌ لان فضائحها مهما اشتدت خفيفه، اما فضائح الاخره فهى العار كل العار ‌و‌ الفضيحه كل الفضيحه، لان الموقف هناك يمثل الموقف الشامل ‌فى‌ الحضور الكلى للملائكه ‌و‌ المقربين ‌و‌ الرسل المكرمين ‌و‌ الشهداء ‌و‌ الصالحين ‌و‌ الجيران الذين كان يكتم سيئاته عنهم، ‌و‌ الارحام الذين كان يحتشم منهم، فلا يحدثهم عن اسراره ‌و‌ خفاياه، لانهم لم يكونوا اهلا للثقه ‌فى‌ كتمان السر ‌و‌ اخفاء العيوب.
 ‌و‌ لكن الله ‌هو‌ الاساس ‌فى‌ الثقه به، ‌لا‌ ‌فى‌ السر وحده بل ‌فى‌ المغفره له لانه اهل المغفره ‌و‌ لانه الاولى ‌فى‌ الثقه ‌من‌ موقع لطفه ‌و‌ عطفه على عباده ‌و‌ الاكثر عطاء لمن رغب اليه، ‌و‌ الاكثر رحمه لمن استرحمه ‌و‌ ‌هو‌ الذى يجير ‌من‌ استجار ‌به‌ ‌من‌ فضائح دار البقاء بعفوه ‌و‌ مغفرته.
 
 التحرر ‌من‌ الشيطان:
 
 ‌و‌ ‌فى‌ الفصل السادس حديث عن نعم الله على الانسان منذ انطلقت النطفه ‌فى‌ رحله الوجود ‌من‌ صلب تتصل فقراته كل منها بالاخرى اتصالا مفصليا ‌و‌ دخول كل واحده منها ‌فى‌ حفره معموله ‌فى‌ الاخرى ‌و‌ تضيق تجاويف فقراتها الى رحم ضيقه مستوره عن الانظار لتبدا عمليه التطور الى علقه ثم مضغه ثم الى عظام ثم اكتست العظام لحما، ثم انطلق ليكون خلقا آخر ليكون انسانا سويا، ثم ظهر الى الوجود ‌و‌ تحركت حاجاته الغذائيه فكفلها الله له ‌من‌ خلال اللبن الذى اودعه ‌فى‌ ثدى امه فكان موضع رعايه الله ‌و‌ عنايته التى لو لاها لما كان له الى الحياه سبيل، ‌و‌ لما استطاع ‌ان‌ يحصل على ‌اى‌ عنصر ‌من‌ عناصر القوه لانه ‌لا‌ يملك ‌فى‌ ذاته ‌اى‌ غنى ذاتى منها. ‌و‌ هكذا استمر ‌فى‌ وجوده ‌من‌ خلال لطف الله لتستمر نعمه عليه ‌فى‌ كل شان ‌من‌ شوونه الخاصه ‌و‌ العامه، ليصل الى غايته ‌فى‌ حركه وجوده نحو الاعلى ‌و‌ الافضل ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره، ‌و‌ لكن الانسان يبقى خاضعا للشيطان الذى يوسوس له بالكثير ‌من‌ وساوس الشر، ‌و‌ يدفعه الى سوء الظن بالله، ‌و‌ يضعف يقينه به، ‌و‌ يفقد معه الثقه به، ‌و‌ يبتعد ‌به‌ عن معرفته، فينتهى ‌به‌ الامر الى الانحراف عن الخط المستقيم المتمثل ‌فى‌ الانقياد لله ‌و‌ السير ‌فى‌ ‌خط‌ طاعته ‌و‌ تنفتح للانسان نافذه ‌من‌ الوعى التى تطل ‌به‌ على مقام ربه فيكتشف مدى خطر الشيطان عليه، فيشكو ذلك الى ربه ‌و‌ يساله ‌ان‌ يحرره ‌من‌ قبضته، ‌و‌ يبعده عن التاثير فيه، ‌و‌ يطرده ‌من‌ جواره، ‌و‌ يحمى نفسه ‌من‌ الطاعه ‌و‌ الخضوع له، ‌و‌ يعصمه ‌من‌ السقوط امام قوته الشيطانيه، ‌و‌ يطلب منه الى جانب ذلك، ‌ان‌ يسهل له الوصول الى موارد الرزق، ‌و‌ يقنعه بما قدره له ‌و‌ يرضيه بما قسمه له، ‌و‌ ‌ان‌ يكتبه ‌من‌ الطائعين له ‌فى‌ صحيفه اعماله الماضيه ‌من‌ خلال عفوه ‌و‌ لطفه ‌و‌ فضله، فذلك ‌هو‌ الرزق السنوى الروحى بالاضافه الى الرزق المادى، و يحمده ‌فى‌ ذلك كله على ابتدائه بالنعم الجسيمه ‌و‌ الهامه الشكر على النعمه ‌فى‌ وعى مضمونها ‌فى‌ حياته العامه ‌و‌ الخاصه.
 
 الاستعاذه ‌من‌ النار:
 
 ‌و‌ ‌فى‌ الفصل السابع ‌و‌ الاخير حديث عن النار ‌فى‌ الدار الاخره ‌و‌ رجاء ‌فى‌ اعاذه الله له منها، هذه النار التى تغلظ بها ‌فى‌ تهديد ‌و‌ وعيد على العاصين الذين اعرضوا عن الوصول الى مواقع رضاه، ‌و‌ اذا كانت هذه النار تنطلق ‌فى‌ شعلتها ‌و‌ لهيبها لتطال ‌ما‌ حولها، فان ذلك ‌لا‌ يمثل النور المشرق الذى يشع على الناس، ‌و‌ لكنه يساوى الظلمه بفعل دخانها ‌و‌ حريقها الذى يودى بالجسد الى السواد الناشى ء ‌من‌ شده الاحتراق، ‌و‌ ‌فى‌ الوقت نفسه النار التى تمثل منتهى الالم حتى لو كان حجمها بسيطا، كما تقترب ‌من‌ الانسان بلهيبها حتى لو كانت بعيده، ‌و‌ ياكل بعضها بعضا ‌و‌ يصول بعضها على بعض، ‌و‌ التى تسحق العظام حتى تحولها الى رميم ‌و‌ تسقى اهلها ‌من‌ الحميم الذى يغلى ‌فى‌ البطون، ‌و‌ ‌لا‌ تملك قلبا ينفتح على سكانها الذين يتضرعون اليها ‌و‌ يستعطفونها لتبتعد عنهم ليتخففوا ‌من‌ عذابها ‌و‌ ‌لا‌ تستطيع ذلك لو ارادت لانها ‌لا‌ تملك ‌من‌ الامر شيئا، ‌و‌ لذلك فانها تواجههم باكثر الالام نكالا ‌و‌ حراره ‌و‌ اشدها ‌و‌ بالا كما تطلق عليهم عقاربها ‌و‌ حياتها. ‌و‌ ينتهى الفصل بالابتهال الى الله ‌ان‌ يجيره منها ‌و‌ يباعدها عنه ‌و‌ يوفقه للاعمال التى تحميه منها ‌و‌ يقيل له عثرته ‌و‌ ‌لا‌ يخذله ‌فى‌ مواطى ء الشده فهو الذى يقى المكاره ‌و‌ يمنح الحسنات ‌و‌ يفعل ‌ما‌ يريد ‌من‌ موقع قدرته التى ‌لا‌ يحدها شى ء.
 اللهم ‌يا‌ ذا الملك المتابد بالخلود، ‌و‌ السلطان الممتنع بغير جنود ‌و‌ ‌لا‌ اعوان، ‌و‌ العز الباقى على مر الدهور ‌و‌ خوالى الاعوام ‌و‌ مواضى الازمان ‌و‌ الايام، ‌عز‌ سلطانك عزا ‌لا‌ ‌حد‌ له باوليه ‌و‌ ‌لا‌ منتهى له باخريه، ‌و‌ استعلى ملكك علوا سقطت الاشياء دون بلوغ امده، ‌و‌ ‌لا‌ يبلغ ادنى ‌ما‌ استاثرت ‌به‌ ‌من‌ ذلك اقصى نعت الناعتين، ضلت فيك الصفات، ‌و‌ تفسخت دونك النعوت، ‌و‌ حارت ‌فى‌ كبريائك لطائف الاوهام، كذلك انت الله الاول ‌فى‌ اوليتك، ‌و‌ على ذلك انت دائم ‌لا‌ تزول.
 

 انت الله الذى ‌لا‌ يدرك احد معناه:
 
 ‌يا‌ رب، ايها الذات المقدسه التى تملك الملك كله ‌فى‌ مدى الابد ‌فى‌ آفاق اللانهايه السائره ‌فى‌ الغيب الخالد ‌من‌ دون حدود فلا نهايه لملك، و ‌لا‌ ‌حد‌ لسلطانك، ‌يا‌ صاحب السلطان الذى عاشت السلطه ‌فى‌ ذاته ‌من‌ ذاتيات قوته ‌و‌ قدرته ‌و‌ هيمنته على الوجود كله، لانه الخالق له، فلا يملك ‌اى‌ مخلوق الاقتراب ‌من‌ سلطانه، لانه القوى بذاته ‌لا‌ بالجنود الذين يحرسونه ‌و‌ يدعمونه ‌و‌ ‌لا‌ بالاعوان الذى يويدونه ‌و‌ يساعدونه، بينما ‌لا‌ يملك المخلوق- ايا كان- ايه قوه ‌فى‌ نفسه، لانه يمثل الضعف كله.
 
ايها الرب العظيم الذى ارتفع عزه ‌فى‌ سلطانه عن حدود الزمن، لانه فوق مستوى التجديد، لان الحدود تتحرك ‌من‌ خلال العدم الذى تنطلق البدايه ‌فى‌ حركه الوجود بعده ‌و‌ تنتهى ‌فى‌ نهايه الوجود اليه، اما انت ‌يا‌ رب فانت خالق الزمن، فكيف يمكن له ‌ان‌ يحتويك، عز سلطانك الذى ‌هو‌ معنى ذاتك فلا اول له ‌و‌ ‌لا‌ آخر، ‌و‌ اذا كان العقل الذى اعتاد ‌فى‌ تجربته الوجوديه على البدايه ‌و‌ النهايه للاشياء ‌لا‌ يستطيع ‌ان‌ يتصور الذات المتحرره ‌من‌ العدم بالمعنى الحسى، فانه يملك- ‌فى‌ فكره التاملى- ‌ان‌ يدرك ذلك ‌من‌ خلال حركه الامكان ‌فى‌ المعنى ‌فى‌ ‌سر‌ الواجب ‌فى‌ ذاته.
 
اما ملكك فقد انطلق ‌فى‌ الاعلى، بحيث انطلقت الاشياء لاهثه لتبلغ مداه، ‌و‌ لتصل الى مواقع القرب ‌فى‌ قمه العلو، فتساقطت مزقا مزقا قبل ‌ان‌ تبلغ ‌اى‌ موقع منه، لانها خلقك ‌فى‌ معنى وجودها، ‌و‌ هى- ‌من‌ خلال ذلك- ملكك، فكيف يمكن ‌ان‌ تتعالى لتقترب منك ‌فى‌ علوك اللانهائى.
 
و انطلق الواصفون، ‌و‌ تحرك الناعتون ‌فى‌ تجربتهم الفكريه ‌و‌ ‌فى‌ تاملاتهم الروحيه، ‌و‌ ‌فى‌ خيالاتهم السابحه ‌فى‌ رحاب المطلق، ليعرفوا ذاتك، ‌و‌ يرصدوا صفاتك، ‌و‌ يصلوا الى شاطى ء المعرفه ‌فى‌ ‌سر‌ الوهيتك ‌و‌ معنى ربوبيتك، ‌و‌ وصلوا الى القمه العليا لما يمكن للكلام ‌ان‌ يتضمنه ‌من‌ صفات ‌او‌ يحتويه ‌من‌ معان، فلم يبلغوا ادنى مرتبه ‌من‌ ذلك، ‌و‌ رجعوا ليجدوا الصفات ‌فى‌ حاله ضياع ‌لا‌ تعرف ‌من‌ اين تبدا ‌و‌ الى اين تنتهى، ‌و‌ ليروا ‌ان‌ النعوت تمزقت ‌و‌ تفسخت، لانها لم تستطع ‌ان‌ تحمل السر الكامن ‌فى‌ ‌سر‌ ذاتك، ‌و‌ ‌ان‌ الاوهام التى تنطلق بعيدا بعيدا ‌فى‌ تخيلاتها ‌و‌ تصوراتها ‌و‌ فرضياتها ‌لا‌ تستطيع ‌ان‌ تحصل على ايه نتيجه ‌فى‌ رحلتها اليك، بل تقع ‌فى‌ امواج الحيره التى تنقلها ‌من‌ موقع الى موقع، فلا تملك الاهتداء- ‌فى‌ امكاناتها الذاتيه- الى الحقيقه النورانيه المتمثله ‌فى‌ معنى نورك الالهى.
 انك انت الله الذى ‌لا‌ يدرك احد معناه ‌و‌ ‌لا‌ يبلغ مداه، فقد كنت ‌و‌ لم تكن الاشياء، بل كانت بدايتها منك، فانت الاول ‌فى‌ ذات الاوليه الوجوديه التى لم يسبقها العدم ‌و‌ لم يتخللها ‌و‌ ‌لا‌ يقترب منها ‌فى‌ الوجود كله، لان الدوام ‌هو‌ المضمون العميق لوجودك الدائم الذى ‌لا‌ يزول.
 فيا لهفه الحائرين الذين يريدون الوصول اليك، ‌و‌ ‌يا‌ شهقه المتالمين الذى ينشدون اللذه ‌فى‌ القرب منك، ‌و‌ ‌يا‌ خفته المحبين الذين يتحركون للاحتراق ‌فى‌ نار حبك، ‌و‌ ‌يا‌ دمعه الباكين الذين تتفجر آهاتهم شوقا اليك.
 اننى ‌لا‌ ازال ‌فى‌ الرحله التى تنطلق ‌من‌ اجل اللقاء بك.
 
انا العبد المذنب الذى ‌لا‌ ينجيه الا عفوك:
 
 هذا ‌هو‌ انت ‌يا‌ رب ‌فى‌ موقع العظمه ‌و‌ الكبرياء، فمن هو- انا- هذا المخلوق الواقف بين يديك، انا عبدك الذى ‌لا‌ يملك العمل الكبير الذى يقربه اليك ‌و‌ يرفعه عندك، بل ‌هو‌ الضعيف ‌فى‌ عمله ‌فى‌ طبيعته ‌و‌ حجمه ‌و‌ معناه، فلا امل ‌من‌ خلال ذات العمل ‌فى‌ نتائجه التى تعطى الامل خضرته اليانعه التى تنمو ‌و‌ تكبر ‌و‌ تزيد، بل الامل كله ينطلق ‌من‌ انفتاحى عليك ‌و‌ تعلقى بك، ‌و‌ اتصالى بمواقع القرب ‌من‌ لطفك ‌و‌ كرمك
 اننى لو نظرت- ‌يا‌ ربى- الى جهدى الذاتى ‌فى‌ مسوولياتى العمليه التى حملتنى اياها لتكون الوسيله التى توصلنى اليك، لما رايت ‌فى‌ ذلك الجهد ايه وصله تصلنى بك، ‌و‌ لكن رحمتك التى تطل على عبادك لتصل اليهم حتى لو لم يملكوا اسباب الوصول اليك، هى التى تحمل الى الحبل الذى يصلنى بك ‌من‌ خلال الرحمه التى وسعت كل شى ء.
 ‌و‌ اذا تطلعت الى الامال التى يعتصم بها الناس ليحققوا احلامهم ‌و‌ ليبلغوا اهدافهم، لتملا حياتهم بالقوه، ‌و‌ نفوسهم بالثقه، ‌و‌ مواقعهم بالثبات، فلا اجد لدى منها ‌ما‌ يمثل العصمه التى اعتصم بها لتمنعنى ‌من‌ الزلزال ‌و‌ الانهيار، ‌و‌ لكنى اتطلع اليك فاجد ‌فى‌ عفوك الذى شمل كل شى ء ‌و‌ امتد ليرعى المذنبين بلطفه، العصمه كل العصمه، فانطلق لاعتصم ‌به‌ ‌لا‌ حصل على القوه ‌فى‌ الموقع ‌و‌ الموقف ‌و‌ الحركه المندفعه بكل اخلاصها نحوك.
 
اننى اجد حجم الطاعات لدى صغيرا، فليس لدى منها الا القليل، كما اننى اجد عدد المعاصى لدى كثيرا حتى يشمل كل مواقفى ‌و‌ اعمالى ‌و‌ اقوالى ‌فى‌ الحياه الا ‌ما‌ شذ ‌و‌ ندر، فكيف اواجه الموقف منك؟
 ليس لى الا عفوك الذى يتسع للناس كلهم ‌و‌ للمذنبين جميعا، فهل يضيق عنى، ‌و‌ انا ‌يا‌ رب الفقير بكل معنى الفقر اليك، ‌يا‌ الله.
 

 اعوذ بك ‌من‌ الشيطان الرجيم:
 
 ‌يا‌ رب، انا هنا الانسان الذى ‌لا‌ يملك ‌فى‌ وجوده الحركى المنفتح على الحياه العمليه ايه منطقه خفيه تخفى عنك ‌ما‌ ‌فى‌ داخلها، فكل اعمالى مكشوفه لديك، لان علمك يطل ‌فى‌ اشراقه نوره على كل خفايا الاعمال، ‌و‌ لان احاطتك بالامور العميقه البعيده الغور تكشف كل مستور ‌من‌ نشاطاتى الظاهره ‌و‌ الباطنه، لانك الله الذى ‌لا‌ يغيب عنه شى ء ‌من‌ شوون عباده ‌فى‌ سرهم ‌و‌ علا نيتهم ‌و‌ ظاهرهم ‌و‌ باطنهم، حتى الامور الدقيقه التى ‌لا‌ تراها العين المجرده ‌و‌ ‌لا‌ يحيط بها الفكر، ‌او‌ الغيوب العميقه ‌فى‌ سرائر الناس، لان الشهود ‌و‌ الغيب عندك- ‌فى‌ علمك- بمنزله سواء.
 
و انا- ‌يا‌ رب- الذى اعيش مشكله الشيطان عدوك الذى تمرد عليك ‌و‌ استكبر على آدم الذى خلقته ليكون خليفتك ‌فى‌ الارض، فطردته ‌من‌ رحمتك ‌و‌ اخرجته ‌من‌ جنتك، ‌و‌ لكنه طلب منك النظره ‌لا‌ غواء بنى آدم حسدا منه على المكانه التى منحتها له ‌و‌ لذريته، ‌و‌ توسل اليك طالبا تاخير مصيره المحتوم ليبقى ‌فى‌ الدنيا مرافقا لادم ‌و‌ ذريته ليعمل على اخراجهم ‌من‌ الجنه باضلالهم عن الطريق المستقيم، ‌و‌ هكذا بدا يدخل الى مشاعرى ‌و‌ احساسى ‌و‌ افكارى بوساوسه التى يملك اثارتها ‌فى‌ داخل حياتى الداخليه، ‌و‌ يربك خطواتى لينحرف بها عن الدروب التى تودى اليك،
و يثير غرائزى بما يملك ‌من‌ وسائل الاثاره التى تضغط على مكامن الاحساس ‌فى‌ جسدى لاقع ‌فى‌ ساحه المسووليه التى حملتنى اياها صريع ذنوب صغيره ‌او‌ كبيره مهلكه، فهربت اليك منها طلبا لعفوك ‌و‌ مغفرتك.
 ‌و‌ هكذا كانت مسيرتى مع الشيطان مشكله كبيره لى ‌فى‌ كل مواقع حياتى، فانه يدفعنى- بطريقته الخاصه- الى مقاربه معصيتك، مما ادى ‌بى‌ الى ‌ان‌ اقع تحت تاثير غضبك على ‌من‌ خلال غفلتى عن مسوولياتى ‌فى‌ حركتى السيئه ‌فى‌ ‌خط‌ الانحراف، فهو يمارس كل وسائل الخديعه التى تقودنى الى ‌ما‌ يريده ‌من‌ الاندفاع ‌فى‌ دروب الضلال ‌فى‌ عمليه ايحاء لى باننى لن احصل ‌من‌ ذلك على ‌اى‌ نتائج سلبيه، بل ربما اغرانى ‌فى‌ وسوسته بالنتائج الايجابيه ‌فى‌ ذلك، ‌و‌ لكنه اعرض عنى بوجهه ‌و‌ صرف عنى عنان غدره بعد ‌ان‌ حصل على مراده، ‌و‌ اعلن لى عند مطالبته بتحمل المسووليه بانه يكفر باشراكى اياه مع الله ‌فى‌ الطاعه، ‌و‌ يتبرا ‌من‌ ذلك، فان الله ‌و‌ عدنا وعد الحق، اما ‌هو‌ فانه يعد ‌و‌ يخلف، لان طبيعه خطته تفرض ذلك، ‌و‌ لم نكن بعيدين عن معرفته بكل قوه ‌و‌ اصرار، ‌و‌ قد حدثتنا عن ذلك ‌فى‌ قولك تباركت ‌و‌ تعاليت: (و قال الشيطان لما قضى الامر ‌ان‌ الله وعدكم وعد الحق ‌و‌ وعدتكم فاخلفتكم ‌و‌ ‌ما‌ كان لى عليكم ‌من‌ سلطان الا ‌ان‌ دعوتكم فاستجبتم لى فلا تلومونى ‌و‌ لوموا انفسكم ‌ما‌ انا بمصرخكم ‌و‌ ‌ما‌ انتم بمصرخى انى كفرت بما اشركتمون ‌من‌ قبل ‌ان‌ الظالمين لهم عذاب اليم) (ابراهيم: 22).
 ‌و‌ قد عرفتنا- ‌يا‌ رب- كيف يدعونا الى الكفر بك ‌و‌ المعصيه لك ‌فى‌ ايحاء ‌من‌ وسوسته باننا لن نصاب بسوء ‌من‌ خلال ذلك ‌فى‌ غفله الوعى عندنا، ‌و‌ غفوه الايمان ‌فى‌ حركتنا، ‌و‌ كيف يتبرا منا بعد ذلك، ‌و‌ ذلك ‌هو‌ قولك ‌يا‌ رب: (كمثل الشيطان اذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال انى برى ء منك انى اخاف الله رب العالمين) (الحشر: 16).
 ‌و‌ تلك هى- ‌يا‌ رب- قصه الشيطان ‌فى‌ تجربتنا النفسيه ‌و‌ العمليه، فهو يقبل علينا ‌فى‌ البدايه ‌فى‌ حركه الوسوسه ‌و‌ الخديعه ‌و‌ الحيله لنسقط ‌فى‌ ‌و‌ حول الخطيئه، ليدبر عنا ‌فى‌ اعراض المخادع الذى بلغ مراده، لينطلق- بعد ذلك- ‌فى‌ خدعه جديده ‌و‌ وسوسه مثيره.
 ‌و‌ كانت النتيجه انى انطلقت ‌فى‌ صحراء الضلال ‌و‌ العصيان وحيدا بارزا لغضبك ليس هناك ‌ما‌ يحجبنى عنه ‌او‌ يخلصنى منه، ‌و‌ تحركت ‌لا‌ واجه ساحه نقمتك ‌فى‌ ‌ما‌ توعدتنى ‌من‌ عذابك طريدا ‌من‌ رحمتك، تائها ‌فى‌ متاهات الخوف ‌و‌ الحيره ‌و‌ الضياع، فالى اين الجا، ‌و‌ الى اين اذهب،
فلا شفيع ‌من‌ كل خلقك ليشفع لى اليك، ‌و‌ ‌لا‌ مجير يحمينى منك ‌و‌ يومننى عليك، ‌و‌ ‌لا‌ حصن يحتوينى ‌و‌ يخفينى عنك، ‌و‌ ليس هناك ‌من‌ ملاذ الوذ ‌به‌ ‌او‌ ملجا الجا اليه منك، لانك وحدك الذى تملك الشفاعه فلا شفيع الا باذنك، ‌و‌ تملك الاجاره فلا يجير احد منك، فانت الذى تجير ‌و‌ ‌لا‌ يجار عليك، ‌و‌ انت الذى تومن ‌و‌ ‌لا‌ يومن منك، ‌و‌ انت الحصن الحصين ‌من‌ كل خوف، ‌و‌ الملجا الامين ‌من‌ كل خطر، فلا حصن الا لديك ‌و‌ ‌لا‌ ملجا الا عندك. لانك المهيمن على الامر كله، ‌و‌ انت الذى تكفى ‌من‌ كل شى ء ‌و‌ ‌لا‌ يكفى منك شى ء.
 
فكيف اواجه ذلك كله، ‌و‌ ‌ما‌ هى الوسيله التى اقدمها بين يديك، ‌و‌ ‌اى‌ مقام اقوم فيه ‌لا‌ حصل على رضاك ‌و‌ ابلغ مدى عفوك، اننى هناك اقف وقفه المستغيث بك الذى يتوسل اليك ‌ان‌ تعيذه ‌من‌ غضبك ‌و‌ تجيره ‌من‌ سخطك، ‌و‌ انطلق اليك ‌فى‌ ساحه الاعتراف بما يعيشه المعترف بالذنب ‌من‌ خوف ‌و‌ حيره ‌و‌ قلق ‌و‌ ابتهال ‌و‌ استرحام ‌و‌ ذله ‌و‌ ‌هو‌ ان، فانى اعترف اليك بذنوبى كلها، الظاهره ‌و‌ الباطنه، ‌و‌ الكبيره ‌و‌ الصغيره، ‌فى‌ احساس عميق بالخطا الكبير ‌و‌ الجريمه العظيمه، لان المساله ليست مساله الذنب ‌فى‌ حجمه، ‌و‌ لكنها مساله الرب الذى اسات اليه ‌فى‌ عظمته، فايه خطيئه اعظم ‌من‌ خطيئتى، ‌و‌ ‌اى‌ ذنب اكبر ‌من‌ ذنبى؟ ‌و‌ انا- ‌يا‌ رب- ‌فى‌ هذا الموقف، اتوسل اليك ‌ان‌ يتسع لى فضلك الذى اتسع لعبادك كلهم فلا يضيقن عنى، ‌و‌ ‌ان‌ يمتد الى عفوك الذى امتد الى غيرى ‌من‌ المذنبين الذين لم يمنعك طول عكوفهم على عظيم الذنب ‌ان‌ عدت عليهم بعفوك، فلا يقصرن عنى- ‌يا‌ رب- فانى لست اكثر ذنبا ممن عفوت عنهم.
 ‌و‌ انا التائب النادم على ‌ما‌ فرط منه ‌من‌ الخطايا، المستقبل لكل فرص الطاعه ‌فى‌ ‌ما‌ يقبل عليه، ‌و‌ انت الذى تقبل التوبه عن عبادك ‌و‌ تعفو عن السيئات ‌و‌ تحب التوابين، فاقبل توبتى- ‌يا‌ رب- ‌و‌ ‌لا‌ تجعلنى اكثر عبادك التائبين خيبه، فانك الرب الرحيم الذى ‌لا‌ يخيب ‌من‌ رجاه، ‌و‌ انا- ‌يا‌ رب- الانسان الذى احاطت ‌به‌ كل عوامل الياس ‌من‌ كل ‌ما‌ حولى ‌و‌ ‌من‌ حولى، ‌و‌ انت تعلم- ‌يا‌ رب- كيف يسقط اليائس ‌فى‌ وهده ياسه، ‌و‌ كيف يهرب ‌من‌ الحياه اذا اختنق احساسه بامتدادها، ‌و‌ انت انت الامل ‌يا‌ الهى، فكيف اياس ‌و‌ انا اومل بك، ‌و‌ كيف يضغط على القنوط ‌و‌ انا اعيش الرجاء بعفوك، ‌و‌ كيف اتحير ‌فى‌ متاهات الضياع ‌و‌ انا الوافد عليك الذى يهتدى ‌فى‌ كل ‌خط‌ سيره بهداك فلا يضيع ‌فى‌ الطريق اليك، فاجعلنى ممن تحقق امله، ‌و‌ تطرد ياسه، ‌و‌ تزيل قنوطه، ‌و‌ تكرم ‌و‌ فادته، ‌و‌ تمنحه عفوك، فلا اكون اكثر وفودك الاملين قنوطا، بل اكون اكثرهم املا ‌و‌ رجاء ‌و‌ وصولا الى رضوانك، اننى هنا- ‌يا‌ رب- ‌من‌ اجل المغفره لى لاقف بين يديك وقفه المخلوق الذى حرره خالقه ‌من‌ عقده ذنبه ‌و‌ ‌من‌ ثقل خطاياه، لانه خير الغافرين الذى يغفر لمن عصاه، ليمنحه الفرصه ‌فى‌ الطاعه ‌فى‌ مستقبل امره حتى ‌لا‌ يبقى متخبطا ‌فى‌ ‌و‌ حول الخطيئه كموقع لازم له.

 اللهم عد على بعائده رحمتك:
 
 ‌يا‌ رب، ‌ها‌ انا اقف موقف حساب لنفسى ‌فى‌ ‌ما‌ مضى ‌من‌ عمرى ‌فى‌ موقع المسووليه امامك، فوجدت انك امرتنى بالخير ‌و‌ العدل ‌و‌ الاحسان ‌و‌ العمل بما يقربنى منك ‌و‌ يربطنى بك ‌و‌ يرتفع ‌بى‌ اليك ‌من‌ مواقع طاعتك، فتمردت ‌و‌ ابتعدت عن الخط المستقيم، فتركت ‌ما‌ امرتنى ‌به‌ غفله ‌و‌ نسيانا، ‌و‌ رايت انك نهيتنى عن الشر ‌و‌ الظلم ‌و‌ الفحشاء ‌و‌ المنكر ‌و‌ البغى ‌و‌ كل ‌ما‌ يبعدنى عنك ‌و‌ ينزل ‌بى‌ الى مواقع السقوط ‌من‌ وسائل المعصيه، ‌و‌ تحركت ‌بى‌ نوازع السوء ‌فى‌ النفس الاماره، فسولت لى الخطا ‌فى‌ الفكر ‌و‌ القول ‌و‌ الفعل ‌و‌ الموقف ‌و‌ الموقع، فكنت انتقل ‌من‌ خطا الى خطا ظنا منى بان الصواب ‌فى‌ هذا ‌و‌ الخير ‌فى‌ ذاك ‌و‌ الربح ‌فى‌ هذا الشى ء ‌او‌ ذاك، فانتهى ‌بى‌ الامر الى التفريط بالمصير المتمثل برضاك ‌و‌ محبتك، فضيعت اكثر ‌من‌ فرصه ‌و‌ قصرت ‌فى‌ اكثر ‌من‌ مسووليه.
 
و انا ‌فى‌ هذا الموقف اسال نفسى ماذا اقدم اليك ‌من‌ اعمالى، فهل يشهد نهارى لى بصيامى فيه قربه اليك ‌و‌ محبه لك؟ ‌و‌ هل استجير ‌من‌ غضبك بالتهجد ‌فى‌ الليل بالاستغراق ‌فى‌ عبادتك ‌و‌ الابتهال اليك ‌فى‌ طلب مرضاتك ساهرا متململا خاشعا لك؟ ‌و‌ هل انا ممن تتحرك نشاطاته لاحياء سنتك التى اردت لعبادك ‌ان‌ يحيوها ‌و‌ يقيموها ‌و‌ يواظبوا عليها ‌و‌ يحافظوا على حدودها لان فيها صلاحهم ‌و‌ صلاح الحياه ‌من‌ حولهم، فقد اهملت ذلك كله ‌و‌ استسلمت لنوازع الكسل اللاهى ‌فى‌ حياتى المنفتحه على الراحه ‌من‌ كل جهد ‌فى‌ الطاعه. ‌و‌ لكنى مهما قصرت ‌فى‌ ذلك، فقد التزمت بفرائضك لانى ادركت ‌ان‌ تضييعها يودى الى الهلاك، فهى مفتاح الدخول الى باب رحمتك ‌و‌ ساحه رضاك، فانا اقدمها بين يديك،

اما النوافل فانى ‌لا‌ املك منها ‌ما‌ يبلغ ‌بى‌ درجه الفضل عندك ‌و‌ ‌ما‌ يمنحنى موقع التوسل اليك، لانى مشغول عنها بلهو الحياه ‌و‌ عبثها ‌فى‌ حركه الذات، مع تقصيرى الكبير ‌و‌ غفلتى المطبقه عن شروط فروضك التى تعمق معناها ‌فى‌ الوجدان، ‌و‌ ترتفع بروحانيتها ‌فى‌ الروح، ‌و‌ تنفخ باخلاصها ‌و‌ حضورها ‌فى‌ القلب، ‌و‌ تكمل حركيتها ‌فى‌ الذات، لان العباده ليست كلمه يقولها المتعبد، ‌و‌ ليست عملا يوديه، بل هى حركه ‌فى‌ العقل ‌و‌ الروح ‌و‌ القلب ‌و‌ اللسان ‌و‌ الجسد، ‌فى‌ عمليه ذوبان ‌فى‌ الله ‌و‌ انفتاح عليه ‌و‌ عروج اليه ‌و‌ انسحاق امامه، ليعيش حضور الله كاعمق ‌ما‌ يكون الحضور ‌فى‌ وجدانه، فيحس ‌به‌ كما لو كان حاضرا عنده يشاهده ‌و‌ يحاكيه. فقد ورد ‌فى‌ الصحيح: انما لك ‌من‌ صلاتك ‌ما‌ اقبلت عليه، ‌و‌ عن الامام الباقر (ع) «ان العبد ليرفع له ‌من‌ صلاته نصفها ‌او‌ ثلثها ‌او‌ ربعها ‌او‌ خمسها، فما يرفع له الا ‌ما‌ اقبل عليه بقلبه، ‌و‌ انما امرنا بالنافله ليتم لهم بها ‌ما‌ نقصوا ‌من‌ الفريضه»، ‌و‌ ليست المساله ‌فى‌ السلوك الذى يبعدنى عنك ‌هو‌ هذا الاغفال عن وظائف فروضك باهمال العمق الروحى ‌فى‌ حركيتها ‌فى‌ الذات، بل هناك الاعراض عن مقامات حدودك ‌و‌ التعدى عنها ‌و‌ تجاوزها ‌و‌ عدم الوقوف عندها، فانك- ‌يا‌ رب- قد حددت لعبادك حدودا ‌و‌ دعوتهم الى الوقوف عندها، لان ذلك ‌هو‌ الذى يبتعد بهم عن الهلاك ‌و‌ يقف بهم عند حدود مصالحهم ‌و‌ يقربهم اليك ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره، ‌و‌ قد قلت ‌فى‌ كتابك: (تلك حدود الله فلا تعتدوها) (البقره: 229) ‌و‌ ‌ها‌ انذا- ‌يا‌ رب- ‌فى‌ موقع الاعتراف بين يديك، فقد انتهكت اكثر ‌من‌ حرمه ‌من‌ حرماتك التى جعلتها على فرضا مفروضا وحدا محدودا ‌و‌ دائره مغلقه ‌و‌ ساحه محرمه، فتجاوزت ذلك كله، ‌و‌ قد اكتسبت اكثر ‌من‌ كبيره ‌من‌ كبائر المعاصى التى توعدت عليها بالنار، فلم يردعنى ذلك عن الاجتراء عليك بالاتيان بها، ‌و‌ لو ‌لا‌ عافيتك التى اسبغتها على ‌و‌ سترك الذى غشيتنى به، ‌لا‌ فتضحت امام الخلائق ‌و‌ سقطت ‌من‌ عيونهم ‌و‌ اكتسبت الذل ‌و‌ الحقاره ‌و‌ السقوط عندهم.
 ‌و‌ ‌ها‌ انا ‌يا‌ رب، التارك لامرك، ‌و‌ المواقع نهيك، ‌و‌ المفرط ‌فى‌ مواقع السوء، ‌و‌ البعيد عن ساحات محبتك، ‌و‌ المتعدى على مقامات حدودك، ‌و‌ المنتهك لحرماتك.
اننى- ‌يا‌ رب- اقف بين يديك ‌و‌ قد امتلات نفسى بمشاعر الحياء منك ‌و‌ السخط عليها ‌و‌ الرضا عنك، ‌و‌ ‌اى‌ حياء اعظم ‌من‌ حياء الانسان ‌من‌ ربه الذى ‌هو‌ ‌سر‌ وجوده ‌و‌ مفيض نعمته عليه ‌و‌ مالك امره عند ‌ما‌ يقف امامه ‌فى‌ موقف العاصى المتمرد، ‌و‌ ‌اى‌ سخط على النفس اشد ‌من‌ احساس الانسان بها ‌و‌ قد قادته الى غضب الله ‌و‌ سخطه الذى ‌لا‌ تقوم ‌به‌ السماوات ‌و‌ الارض، فكيف يقوم ‌به‌ عبد ضعيف مثله؟! ‌و‌ ‌اى‌ رضا اكبر ‌من‌ رضا الانسان عن ربه الذى اعطاه كل شى ء ‌و‌ افاض عليه ‌من‌ لطفه ‌فى‌ كل موقع ‌و‌ وعده الدخول ‌فى‌ جنته اذا عمل خيرا.
 ‌و‌ ‌من‌ خلال كل هذه المشاعر ‌و‌ الاحاسيس التى تنفذ الى داخل النفس، اقف ‌يا‌ رب بنفس خاشعه امام الاحساس بعظمه الالوهيه ‌فى‌ ذاتك ‌و‌ ‌سر‌ العبوديه ‌فى‌ ذاتى، ‌و‌ رقبتى خاضعه لك بكل معنى الانسحاق النفسى امامك، ‌و‌ انحناء الكيان كله لك، ‌و‌ ظهر مثقل ‌من‌ الخطايا، فقد اثقلت الذنوب حياتى، ‌و‌ حملت ظهرى الكثير ‌من‌ الجهد، ‌و‌ قادت خطواتى الى مرحله الاعياء، تشدنى اليك الرغبه بالعفو ‌و‌ توقفنى الرهبه منك، لانك الغفور الرحيم الشديد العقاب،
فانت الاولى بالرجاء، لان رحمتك وسعت كل شى ء ‌و‌ سبقت غضبك، ‌و‌ انت الاحق بالخشيه ‌و‌ الاتقاء، لانك القوى الذى ‌لا‌ ‌حد‌ لقوته ‌و‌ العظيم الذى ‌لا‌ منتهى لعظمته، فاعطنى ‌يا‌ رب ‌من‌ عفوك بمقدار رجائى، وعد على بما تعود ‌به‌ على المذنبين ‌من‌ رحمتك، بواسع رحمتك انك اكرم المسوولين، ‌و‌ ‌اى‌ مسوول اكرم منك ‌و‌ انت الكريم الذى ‌لا‌ يمنع احدا ‌من‌ خلقه فضله ‌و‌ ‌لا‌ يحجب سائلا عن اجابه سواله ‌يا‌ رب العالمين.
 
اللهم اجرنى ‌من‌ فضيحات دار البقاء:
 
 ‌يا‌ رب، ‌ان‌ هناك مساله تورقنى، ‌و‌ تقتحم على السكينه الروحيه، ‌و‌ تشغل بالى ‌فى‌ حس الكرامه عندى ‌فى‌ موقف القيامه، فقد تفضلت على ‌فى‌ الدين بالستر ‌و‌ العفو ‌و‌ الحمايه ‌من‌ الفضيحه مما مارسته ‌من‌ المعاصى ‌و‌ تجاوزت ‌به‌ حدودك ‌من‌ السيئات ‌و‌ البستنى فضلك، فلم تظهر فضائحى الخفيه ‌من‌ صغائر الذنوب ‌و‌ كبائرها ‌فى‌ المجتمع الذى اعيش فيه ‌و‌ يعيش فيه امثالى ‌من‌ الناس ممن يزعجنى اطلاعهم على نقاط الضعف العمليه ‌فى‌ شخصيتى ‌فى‌ حياتى العامه ‌و‌ الخاصه. ‌و‌ اذا كنت قد تفضلت على ‌فى‌ دار الدنيا بالستر ‌و‌ العافيه، فانى ابتهل اليك ‌من‌ عمق انسانيتى الباحثه عن موقع الكرامه ‌فى‌ الاخره كما ‌هو‌ ‌فى‌ الدنيا، ‌ان‌ تجيرنى ‌فى‌ موقف الفضيحه ‌فى‌ يوم القيامه ‌فى‌ المواقف الصعبه، حيث يقف الاشهاد الذين يمثلون الموقع المميز ‌و‌ الدرجه الرفيعه ‌من‌ الملائكه المقربين ‌و‌ الرسل الكرام ‌و‌ الشهداء الذين بذلوا انفسهم ‌فى‌ ساحه الجهاد ‌فى‌ سبيلك ‌و‌ الصالحين الذين ارتضيتهم ‌من‌ خلال صلاحهم ‌فى‌ الفكر ‌و‌ القول ‌و‌ العمل.
 اجرنى ‌يا‌ رب ‌من‌ الفضائح ‌فى‌ ذلك الموقف الذى يجتمع فيه الناس الذين كنت اعيش معهم ‌فى‌ الدنيا، ‌من‌ جار كنت اخفى عنه سيئاتى ‌و‌ اظهر امامه بالمظهر الحسن، ‌و‌ ‌من‌ ذى رحم كنت اعاشره بطريقه الاحتشام منه فلا اطلعه على ‌ما‌ استره ‌من‌ افكار ‌و‌ نيات ‌و‌ دوافع خفيه مما ‌لا‌ احب له ‌و‌ ‌لا‌ لغيره ‌ان‌ يطلع عليها، لاننى ‌لا‌ اثق بهم ‌فى‌ حفظ السر ‌و‌ كتمانه، فلا تفضحنى عندهم بكشف عيوبى ‌و‌ اظهار سريرتى، فان لى مل ء الثقه بك ‌من‌ خلال رحمتك التى وسعت كل شى ء ‌و‌ لطفك الذى افاض نعماءه على كل مخلوق، ‌ان‌ تغفر لى ‌و‌ ترحمنى، فليس هناك مثلك ‌من‌ يوثق ‌به‌ ‌و‌ يرغب اليه ‌و‌ يراف بعباده ‌و‌ يرحمهم، فارحمنى ‌يا‌ ارحم الراحمين.
 
اللهم انت حدرتنى ماء مهينا:
 
 ‌يا‌ رب، عندما افكر ‌فى‌ وجودى الذى كان هبه منك ‌و‌ نفحه ‌من‌ نفحاتك ‌و‌ نعمه ‌من‌ نعمك، كيف انطلق ‌فى‌ بدايته، ‌و‌ كيف نما ‌فى‌ حركته، ‌و‌ كيف اكتمل ‌فى‌ صورته، فارى انك انزلته ماء مهينا ‌من‌ منطقه ضيقه العظام ‌و‌ الطرق، بحيث يتحرك ‌فى‌ مسارب ضيقه لينزل الى رحم ضيقه محدوده مستوره باكثر ‌من‌ حجاب ‌فى‌ عمليه دقيقه طبيعيه تنفتح فيها النطفه على ‌سر‌ الحياه ‌فى‌ داخله، لتبدا رحله انسان جديده ‌فى‌ حيويه النمو الذاتى الذى منحته اياها، لتنتقل ‌فى‌ تطورها الى علقه ثم مضغه، ثم لتشتد فتتحول الى عظام تمثل القاعده الصلبه لبناء هذا المخلوق الجديد، ثم تتطور ‌فى‌ حيويه النشوء لتكتسى العظام باللحم الذى يمثل حركه الحياه ‌فى‌ الجسد، ثم تتكامل الشخصيه الانسانيه الى انسان كامل يجسد قدره الله ‌فى‌ عناصره الحيه ‌من‌ الوعى ‌و‌ الاراده ‌و‌ الحركه ‌و‌ الانفتاح على الحياه كلها ‌من‌ خلال انسانيته المتحركه ‌فى‌ كل طاقات جسده.
و هكذا- ‌يا‌ رب- كنت ‌فى‌ رحله النمو ‌و‌ السير نحو الحياه بحاجه الى الغذاء ‌و‌ الى الشراب لتستمر ‌بى‌ حركه الحياه الجنينيه، ‌و‌ ليست لى ايه قدره على الحصول على ذلك ‌من‌ خلال قصورى الذاتى، فمنحتنى طعامى ‌و‌ شرابى بفضل قدرتك بما اودعته ‌من‌ ذلك كله ‌فى‌ امى التى هى امتك، ‌و‌ كنت ‌فى‌ جوفها ‌و‌ ‌فى‌ عمق رحمها.
 
و لو تركتنى ‌فى‌ تلك الحالات ‌و‌ ‌او‌ كلتنى الى ذاتى، لما استطعت ‌ان‌ احصل على ايه درجه للنمو ‌ان‌ اخرج الى الحياه، فاى حول لى ‌و‌ ايه قوه لدى ‌فى‌ تلك المرحله..
 
فكان غذائى منك ‌من‌ خلال برك ‌و‌ لطفك بى، افضالا منك ‌و‌ احسانا، لتصل ‌بى‌ الى النتائج المرجوه ‌فى‌ الغايه التى حددتها لى لبلوغى اليها، ‌و‌ يبقى برك ‌بى‌ ‌و‌ يستمر ‌و‌ يكبر صنيعك لى ‌و‌ يحسن ‌و‌ يعظم مما كان يفرض على ‌ان‌ اختزن ‌فى‌ عمق وجدانى ‌و‌ صفاء فطرتى الثقه بك، ‌و‌ اتحرك لعبادتك شكرا ‌و‌ اعترافا بفضلك ‌و‌ منك، ‌و‌ اتفرغ لمسوولياتى التى حملتنى اياها للحصول على قربك ‌و‌ رضاك ‌و‌ محبتك..
 
و لكنى- بدلا ‌من‌ ذلك، تمردت ‌و‌ انحرفت ‌و‌ ابتعدت عن صراطك المستقيم، ‌و‌ عشت ‌فى‌ غيبوبه الغفله الضبابيه التى تحجب عنى وضوح الرويه، ‌و‌ استسلمت للشيطان ‌و‌ وساوسه ‌و‌ خطراته ‌و‌ احابيله، فما كان منه الا ‌ان‌ سيطر على ‌و‌ بدا يزرع ‌فى‌ نفسى سوء الظن بك ‌و‌ ضعف اليقين بوعدك ‌و‌ وعيدك، حتى سقطت تحت تاثيره.. ‌و‌ ‌ها‌ انذا- ‌يا‌ رب- ‌فى‌ هذا الموقع الصعب الذى وضعت فيه نفسى، ارفع شكواى اليك ‌من‌ طاعه نفسى له، ‌و‌ مجاورته السيئه لى، بحيث ينفذ الى عقلى ‌و‌ قلبى ‌و‌ غرائزى ‌و‌ ‌ما‌ حولى، ليزين لى القبيح ‌و‌ يقبح لى الحسن، ‌و‌ اسالك الحفظ ‌و‌ الوقايه ‌و‌ العصمه ‌من‌ سيطرته على، ‌و‌ ابتهل اليك ‌ان‌ تخلصنى منه ‌و‌ ‌من‌ مكره ‌و‌ كيده ‌و‌ خدعه ‌و‌ امانيه ‌و‌ غروره،
 
و ‌ان‌ تعيد لى الثقه بك ‌و‌ التوكل عليك بما يتعلق بامر رزقى، لتسهل لى الطريق اليه، ‌و‌ لتلهمنى المعرفه بموارده ‌و‌ مصادره، لتتاكد ثقتى بك، فانفتح عليك، فلا استعين بغيرك ‌و‌ ‌لا‌ اثق الا بك، ‌و‌ ‌ان‌ تجعل ‌فى‌ نفسى الشعور بالقناعه ‌و‌ الرضى ‌فى‌ ‌ما‌ قدرت لى ‌من‌ رزق مما يلبى حاجاتى تبعا لتقديرك لى ‌فى‌ الحياه، فارضنى بما قسمت لى ‌من‌ حصتى ‌فى‌ ذلك كله، ‌و‌ تفضل على بتبديل كل ‌ما‌ اسلفته ‌من‌ المعاصى ‌فى‌ عمرى الى طاعه، فتغفر لى ذنوبى السالفه ‌و‌ تهبنى ‌من‌ ثوابك كما لو كنت قد اطعتك.
 ‌و‌ يبقى لى ‌ان‌ احمدك على كل نعمك ‌و‌ فواضلك عندى، ‌و‌ ‌ان‌ اشكرك على كل احسانك ‌و‌ انعامك ‌و‌ رزقك الذى ‌به‌ قوام حياتى، انك خير الرازقين.
اللهم اعوذ بك ‌من‌ نارك:
 
 ‌يا‌ رب، اعذنى ‌من‌ النار التى ‌لا‌ يتصور الناس مهما امتد بهم الخيال طبيعتها ‌و‌ معناها ‌و‌ مداها ‌و‌ قسوتها ‌و‌ عذابها ‌و‌ ضراوتها، ‌و‌ ‌ان‌ التقينا ببعض الكلمات التى قد اتصور شيئا ضئيلا ‌من‌ ملامحها.
 فهى النار التى تشددت فيها على ‌من‌ بارزك بالمعصيه ‌و‌ ذلك قولك: (و قودها الناس ‌و‌ الحجاره عليها ملائكه غلاظ شداد ‌لا‌ يعصون الله ‌ما‌ امرهم ‌و‌ يفعلون ‌ما‌ يومرون) (التحريم: 6).
 ‌و‌ توعدت بها المعرضين عن مواقع رضاك ‌و‌ السائرين نحو مواقع غضبك، و هى النار التى تختزن النور ‌فى‌ معناها، ‌و‌ لكنه يتحول الى ظلمه ‌فى‌ خصائصها ‌و‌ عناصرها ‌و‌ دخانها، ‌و‌ ربما كانت تختلف عن النيران الاخرى ‌فى‌ سوادها ‌و‌ ظلمتها مما ‌لا‌ يتصوره الفكر، فهى نوع غريب ‌من‌ النار، ‌و‌ قد ورد ‌فى‌ الحديث انها اشد سوادا ‌من‌ القار، ‌اى‌ الزفت، ‌و‌ ‌فى‌ حديث آخر ‌ان‌ جهنم سوداء مظلمه ‌لا‌ ضوء لها ‌و‌ ‌لا‌ للهبها.
 ‌و‌ كان سلمان الفارسى (رضى الله عنه) يقول: نار الاخره سوداء مظلمه ‌لا‌ يضى ء لهبها ‌و‌ ‌لا‌ حرها، ‌و‌ هى النار التى لو تصورنا ‌ان‌ هناك بعض اللين ‌و‌ السهوله فيها، لتصورناه اليما ‌لا‌ يملك الانسان الذى يدخلها الا ‌ان‌ يشعر بالعذاب ‌من‌ شده لهيبها، لان السهل فيها شديد ‌و‌ القليل منها كثير.
 ‌و‌ هى النار التى مهما ابتعدت ‌فى‌ مكانها عن الاشخاص لكانت بمثابه القريب الذى يصيبه حرها، لان حرارتها ‌لا‌ يختلف فيها حال البعد عن حال القرب، ‌و‌ قد روى: لو ‌ان‌ رجلا كان بالمشرق ‌و‌ جهنم بالمغرب ثم كشف عن غطاء منها لغلت جمجمته.
 ‌و‌ هى النار التى يشتد لهبها كما لو كان بعضها ياكل بعضا ‌و‌ يحطم بعضها بعضا، كما جاء ‌فى‌ حديث اميرالمومنين على ‌بن‌ ابى طالب (ع): «اعلمتم ‌ان‌ مالكا اذا غضب على النار حطم بعضها بعضا لغضبه»؟!
 ‌و‌ هى النار التى تحول العظام الى رميم بال ‌و‌ تسقى الساكنين فيها الماء الحميم الشديد ‌فى‌ حرارته.
 ‌و‌ ‌من‌ خصائصها انها تمثل القسوه الشديده التى لو تضرع اليها اهلها لما ابقت عليهم، ‌و‌ لو استعطفوها لما رحمتهم، ‌و‌ ‌لا‌ تملك التخفيف عنهم حتى لو خشعوا لها ‌و‌ استسلموا اليها، بل تلقاهم باشد ‌ما‌ لديها ‌من‌ الحر ‌فى‌ مستوى عقابها، ‌و‌ اكثر ‌ما‌ ينالهم ‌من‌ سوء العاقبه، لانها تختزن ذلك ‌فى‌ طبيعتها.
و ‌من‌ عجائبها ‌ان‌ عقاربها الفاتحه افواهها ‌و‌ حياتها الصالقه بانيابها، تزحف لتنال ‌من‌ اهلها، ‌و‌ ‌ان‌ شرابها يقطع امعاء ‌و‌ افئده سكانها ‌و‌ ينزع قلوبهم.
 ‌و‌ ‌ها‌ انا- ‌يا‌ رب- اسالك ‌ان‌ تهدينى الى ‌ما‌ يباعدنى عنها ‌و‌ يوخرنى عنها ‌من‌ الايمان ‌و‌ العمل الصالح اللذين يقرباننى منك ‌و‌ يشداننى الى ‌ما‌ فيه رضاك.
 
اللهم صل على محمد ‌و‌ آله، ‌و‌ احملنى الى ساحات امنك لتجيرنى منها بفضل رحمتك التى تغفر بها للمذنبين، ‌و‌ اعف عن زلاتى بجميل عفوك الذى تسبغه على الخاطئين، ‌و‌ اجعلنى ‌فى‌ جوارك ‌و‌ ‌لا‌ توقعنى ‌فى‌ مواقع خذلانك ‌يا‌ خير ‌من‌ اجار المستجيرين به، فقد تعودنا- ‌يا‌ رب- ‌من‌ كرمك ‌و‌ جميل صنعك، ‌ان‌ تحفظنا ‌من‌ كل كريهه، ‌و‌ ‌ان‌ تمنحنا كل حسنه، فانك تفعل ‌ما‌ تريد ‌و‌ ‌لا‌ يفعله غيرك، ‌و‌ انت القادر على كل شى ء فلا يعجزك شى ء، ‌من‌ امور عبادك ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره.
 
و تبقى الصلاه على محمد ‌و‌ آله الذين ارتفعوا معه الى القمه ‌فى‌ موقع الابرار، عند ‌ما‌ يذكر الابرار ‌فى‌ فضائلهم ‌و‌ قربهم ‌من‌ الله سبحانه، ‌و‌ تستمر ‌فى‌ الزمن كله مهما اختلف الليل ‌و‌ النهار ‌من‌ دون انقطاع ‌فى‌ مددها ‌و‌ ‌لا‌ احصاء لعددها، ‌و‌ يمتلى ء بها الفضاء ‌و‌ الارض ‌و‌ السماء. ‌و‌ نبقى معه ‌فى‌ مدى العمر نصلى عليه حتى يرضى ‌و‌ بعد الرضى حتى اللانهايه التى ‌لا‌ تقف عند ‌حد‌ ‌و‌ ‌لا‌ تنتهى الى منتهى، ‌يا‌ ارحم الراحمين.
 ‌و‌ هكذا نعيش هداه الليل ‌فى‌ روحانيه العباده ‌و‌ انفتاح الدعاء ‌و‌ طهاره الروح ‌و‌ صفاء الشعور، لنعبدك ‌و‌ نسموبك ‌و‌ نصفو ‌فى‌ اشراقه النور ‌و‌ روحيه الظلام ‌و‌ خشوع العبوديه الخاضعه للالوهيه المطلقه، ‌و‌ تبقى الصلاه ‌فى‌ الليل سموا ‌و‌ روحا ‌و‌ طهرا ‌و‌ عباده.
 فهل ابلغ رضاك؟ انها امنيه المبتهلين الخاشعين المستغفرين، ‌يا‌ رب العالمين.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

دعاوه فى الصلاه على حمله العرش و كل ملك مقرب
دعاوه فى الالحاح على الله تعالى
دعاوه فى یوم الاضحى و یوم الجمعه
دعاوه اذا استقال من ذنوبه
دعاء دخول شهر رمضان
دعاوه عند الصباح و المساء
دعاوه فى طلب العفو و الرحمه
دعاوه لنفسه و اهل ولایته
و كان من دعائه (علیه السلام) بعد الفراغ من صلاه ...
دعاوه عند الشده و الجهد و تعسر الامور

بیشترین بازدید این مجموعه


 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^