دعاوه عند الصباح و المساء
كيف يبدا المومن يومه؟
هل تكون البدايه لاهيه عابثه فى غيبوبه الوعى و فى امتداد الزمن، فيوم يذهب و يوم يجى ء، حتى تسقط آخر ورقه من شجره العمر، كما تتساقط الاوراق كلها فى الخريف، فيموت الانسان بعد حياه طويله او قصيره، من دون ان يصنع شيئا لحياته او يقدم عملا لاخرته؟ انه ولد من دون ان يعرف او يختار حياته، و يعيش من دون ان يخطط لاعماله فيها، بل يخضع لتخطيط الاخرين الذين يصنعون له فكره، و يخططون له دربه و برنامجه فى الحياه، و يثيرون فى داخله احساسه و شعوره، فهو يفكر كما يفكرون، و يشعر كما يشعرون، و يسير كما يسيرون، كريشه فى مهب الريح، او كخشبه فى مجرى التيار، ثم يموت من دون احساس بالزمن و وعى لثقل المسووليه فيه، فاذا وجه اليه و الى امثاله السئوال، (قال كم لبثتم فى الارض عدد سنين قالوا لبثنا يوما او بعض يوم فاسال العادين)(المومنون: 113 -112)، لان العمر اللاهى العابث المستغرق فى غيبوبه الغفله لا يزيد عن يوم واحد مستمر لا حركه فيه توكد الفواصل، و لا تجديد فيه يثير الانتباه؟! او تكون البدايه واعيه مفتوحه على كل ما فى الحياه من مسووليات تتصل بالدنيا فى واجباتها بخلافه الانسان فى الارض، و دوره فيها فى الشوون الخاصه المرتبطه بالذات، او فى الشوون العامه المرتبطه بالناس كلهم و الحياه كلها.
مسووليه الانسان المومن:
فالانسان المومن هو انسان مفكر يحرك عقله فى كل مفردات الفكر المتصله بالوعى للكون فى عظمته، و دقه اسراره، و خفايا اوضاعه، مما يطل به على عظمه الله فى خلقه و ابداعه و تنظيمه و تدبيره و ينتهى به الى ان يتعرف على مسوولياته فى كل اموره المتعلقه بحياته و حياه الاخرين.
و هو انسان واع لكل ما حوله و من حوله من خلال وعيه لدوره فى الكون على اساس طاقته فى علاقتها بحجم واجباته، و لذلك فانه يخطط لتنظيم الواقع كله لتكون ايامه خاضعه للعناوين الفكريه و الاخلاقيه و الروحيه و العمليه التى تمثل المنهج فى مبادئه، و الخط العريض لكل قضاياه، فقد تتنوع حركه الاهداف تبعا لتوزيع المراحل و تكاملها فى تحقيقها، و قد تتصل بالواقع بشكل مباشر، و هكذا يكون معنى الزمن مشدودا الى معنى الحركه فى انسانيه الانسان حتى يتانسن الزمن فى معناه.
انه يفكر ان وجوده ليس منفصلا عن الناس من حوله، و عن الواقع الذى يحيط به، و انه مسوول عن كل اعماله و اقواله و اوضاعه، مما يفرض عليه ان يضع لكل لحظه زمنيه صغيره او كبيره حسابا خاصا، و هو- بذلك- ليس مفصولا عن النظام الكونى، بل هو جزء منه يتفاعل معه و يتاثر به و يوثر فيه، و ينطلق فى خطوطه، ليركز حركه الانسان فى الجانب الحركى منه.
حركه الانسان فى الزمن:
و فى ضوء هذا، كان المنهج الاسلامى التربوى يعمل على التخطيط لبدايه اليوم الانسانى فى بدايه اليوم الزمنى، ليتحسس هذا الانسان او ذاك وجوده كجزء من الوجود الكونى، و حركته كجزء من حركه الانسان فى الوجود الانسانى العام، و ليعيش الاحساس بانه مخلوق الله و عبده الخاضع له فى تكوينه، فلابد ان يكون خاضعا له فى تشريعه، و انه ليس موجودا مستقلا او كائنا منفصلا عن المخلوقات الاخرى، فالكل خاضع لتدبير الله، و منفعل بارادته، و سائر فى خط هداه.
و لذلك كان المطلوب ان يعطى الانسان للزمن مضمون عقله و روحه و قلبه و شعوره و حركته، فيكون الزمان به زمان خير او شر، او صلاح او فساد، او تقدم او تاخر، و بهذا تتميز مرحله زمنيه عن مرحله زمنيه اخرى فى المعنى الكامن فيها، من خلال نشاط الانسان فيها فى المعنى الصادر منه، فيتحد الزمن فى الانسان، فيكون عمره و وجوده، كما يتحد الانسان فى الزمن، فيكون عمقه و روحه و حركته، فيكون الانسان كائنا زمنيا كما يكون الزمن معنى انسانيا.
و لذلك اراد الله للانسان ان يستقبل صباحه و مساءه بالتسبيح و التحميد، لينفتح تصوره على عظمه الخالق فى ما يوحى به تسبيحه من اسرار عظمته و مواقع قوته، و فى ما يتضمنه تحميده من صفات حمده، و هكذا جاءت الايه الكريمه فى قوله تعالى: (و سبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس و قبل الغروب)(ق: 39) و اضافت الى ذلك عمق الزمن اليومى (و من الليل فسبحه و ادبار السجود)(ق: 40) حتى يكون الزمن فى حركته وعيا لله فى عظمته و حمده.
و هذا ما نلاحظه فى التوقيت اليومى الزمنى للصلاه، فهناك صلاه للفجر تطل بالانسان على آفاق الله فى بدايه يومه العملى، لتكون الصلاه بدايه عمله، فتكون كل لحظاته الزمنيه فى اعماله الاخرى صلاه متجسده فى الخضوع لله و الامتثال لاوامره و نواهيه، مما يحصل عليه من معانيها و ايحاءاتها، و هناك صلاه للظهر و العصر، تتوسط اليوم النهارى لتراقب حركه السير فيه، و ما يستجد فيها من انحرافات عن الخط المستقيم، فتحتويها بالروحيه التى يعود الانسان فيها الى ربه، فلا يمتد به الانحراف ليمضى به بعيدا، و هناك صلاه للمغرب و العشاء يبدا بها ليله فى اوائله، و يستغرق بها فى كثافه ظلامه، حتى يكون ليله ليلا الهيا لا يستسلم فيه لشهواته و لذاته فى الحرام من خلال ما قد يوحى به الليل من حريه فى ممارسه المحرمات فى ظلامه الساتر للافعال المنحرفه مما قد يخجل منه الانسان فى النهار، و بهذا تكون الصلاه حزاما روحيا يحيط بوجود الانسان فى يومه و ليلته، فلا يذهب بعيدا فى انحرافه، حتى يشده الى الاستقامه من جديد فى عمليه جذب روحى يعيده الى الله من جديد.
النقد الذاتى فى حركه الزمن:
و اذا درسنا التراث الروحى العبادى، فاننا نجد فيه الكثير من الاعمال المستحبه التى تتنوع فى مضامينها فى التعبير عن حركه ذكر الله فى الانسان، و عن الدعاء المتنوع فى التصورات الانسانيه حول العلاقه بالله فى الطاعه و المعصيه، و الحسابات النقديه التى يستغرق فيها الانسان فى حساب اعماله و اقواله و اوضاعه، ليدخل فى عمليه نقد ذاتى لكل حياته فى الماضى من ايامه، ليخطط- من خلال و عيه للصالح منها و الفاسد- لما يستقبله من العمر فى امتداد الزمن، و هذا ما نلاحظه فى الادعيه المتكرره فى هذا الاتجاه.
منها الدعاء الماثور:
اللهم من امسى و اصبح و له ثقه و رجاء غيرك، فانى امسيت و اصبحت و انت ثقتى و رجائى فى الامور كلها، فصل على محمد و آله، واقض لى بخيرها عاقبه، و نجنى من مضلات الفتن ما ظهر منها و ما بطن، و بارك لى فى ما اعطيتنى يا كريم، يا من يكفى من كل شى ء و لا يكفى منه شى ء، اكفنى ما اهمنى مما انا فيه من امور الدنيا و الاخره يا ارحم الراحمين.
نلاحظ فى هذا الدعاء ان الانسان يدخل فى مقارنه بين الذين يمنحون ثقتهم فى كل امورهم للخالق بحيث يفوضون امورهم اليه و يتوكلون عليه لانه المهيمن على الامر كله، و الذين يمنحون ثقتهم للمخلوقين فى حل مشاكلهم و متابعه قضاياهم لاستغراقهم فى امكاناتهم فى عالم الحس من دون الدخول فى تحليل طبيعه ذلك، فيختار المومن لنفسه الثقه بالله فى بدايه يومه و نهايته، فيتوسل اليه ان يقضى له بافضل الامور عاقبه، مما تكون نتيجته خيرا له فى الدنيا و الاخره فى الدرجه العليا من ذلك، و ان يحميه من الفتن المضله التى قد تعرض له فى نزوات نفسه، و اضاليل مجتمعه، و اهتزازات واقعه، مما قد ينجذب اليه انجذاب الرغبه او الرهبه، او يستثير بعض تهاويل الواقع لديه او اغراءات الحس عنده، فيشتبه عليه وجه الحق و الباطل، فيتبع الباطل بعنوان انه الحق، و يترك الحق بعنوان انه الباطل. و يساله- بعد ذلك- ان يبارك له فى ما منحه من المال و العلم و القوه و الولد و الجاه و غير ذلك، بان يوجهه الى ما ينفع الناس، و ينفعه فى الدنيا و الاخره، فلا يبقى شيئا جامدا منفصلا عن الواقع عنده.
و يختم الدعاء بالتصور الانسانى لقدره الخالق الذى يكفى الانسان من كل شى ء يتحداه و يسقطه و يضره و يودى الى هلاكه المادى و المعنوى، لانه القادر على كل شى ء، فلا يعجزه اى شى ء مهما كان عظيما، و لا يستطيع احد من عباده ان يكفى منه، فاذا اراد بعبد سوءا فلا يملك احد ان يخلصه منه، لان العبد لا يملك ايه قدره ذاتيه فى نفسه لنفسه، فكيف يملك القدره على تحدى خالقه، و هكذا يطلب الانسان من ربه، امام مخاوف اليوم فى بدايته و نهايته، ان يحميه من كل ما يمكن ان يضره و يسى ء اليه، لانه الكافى من كل شى ء، فاذا اراد شيئا كان فى كل خلقه و فى كل عباده.
النقد الذاتى فى حساب النفس
و منها الدعاء الذى تتضمنه ادعيه الصحيفه السجاديه فى مساله النقد الذاتى فى حساب النفس:
اللهم انى اصبح و امسى مستقلا لعملى، معترفا بذنبى، مقرا بخطاياى، انا باسرافى على نفسى ذليل عمل اهلكنى، و هواى اردانى، و شهواتى حرمتنى، فاسالك يا مولاى سئوال من نفسه لاهيه لطول امله، و بدنه غافل لسكون عروقه، و قلبه مفتون بكثره النعم عليه، و فكره قليل لما هو صائر اليه، سئوال من قد غلب عليه الامل و فتنه الهوى، و استمكنت منه الدنيا، و اظله الاجل، سئوال من استكثر ذنوبه و اعترف بخطيئته، سئوال من لا رب له غيرك، و لا ولى له دونك، و لا منقذ له منك، و لا ملجا له منك الا اليك.
ففى هذا الدعاء، يواجه الانسان يومه و ليله امام ربه فى عمليه نقد ذاتى يستغرق من خلالها فى كل اعماله، فهو يتطلع الى اعماله فى كل ما ذهب من عمره، فلا يراها بالمستوى المطلوب كما و نوعا، فلا تستطيع ان تنقذه من غضب الله، او تمنحه الامن من سوء المصير، فاذا تطلع اليها فانه يجد فيها الكثير مما يودى الى هلاكه لاشتماله على ما حرمه الله، و اذا التفت الى خضوع كيانه لاهواء نفسه، فانه يشعر بان ذلك قد يصل به الى الموت الروحى عندما يرديه ذلك فى نار جهنم ،... ثم يلاحظ ان شهواته الضاغظه على حسه، المسيطره على حركته، استطاعت ان تحرمه من الحصول على رضوان الله و محبته، و بالتالى فقد ينتهى به ذلك الى الحرمان من الجنه و الدخول فى النار.
و فى ضوء ذلك، يتطلع هذا الانسان المومن بالله الى ربه، ليساله سئوال من يملك النفس اللاهيه التى لا تعيش الجديه فى الحياه، لانها لا تتصور لها نهايه محدوده، و لا تنفتح فيها على حساب المسووليه، و سئوال من يملك البدن الغافل عما ينتظره من العذاب ازاء انحرافه، و القلب المفتون بالنعم الكثيره المتنوعه لديه، و الفكر الذى لا يعيش اهتمامات العاقبه الحاسمه التى ينتهى اليها...
فقد فتنه الهوى، و غلب عليه الامل، و استمكنت منه الدنيا، و بدا الاجل يخفق فوق راسه، و لكنه الان يعى نتائج ذلك، فقد استكثر ذنوبه، و اعترف بخطيئته، و لذلك فانه يسال ربه سئوال الانسان الذى يجد الله كل شى ء فى وجوده، فى الدنيا و الاخره، فلا رب له غيره، و لا ولى له دونه، و لا منقذ له منه، و لا ملجا له منه الا اليه، ليخرج من ذلك كله بنفس راجعه الى الله، مطيعه له، واثقه به، متوكله عليه فى كل امورها.
و منها الدعاء الذى يتحدث فيه الانسان مع الله من خلال تجريد الحالات الانسانيه الطارئه عليه من انحرافاته و سلبياته، كما لو كانت كائنا واعيا يعيش القلق الذى يدفعه الى الاستجاره بالله من النتائج السيئه فى كل صباح، حتى يكون الصباح يقظه لكل هذه الحالات فى الاحساس بالحاجه الى اللجوء الى الله، و هو من تعقيبات صلاه الصبح:
اللهم اصبح ظلمى مستجيرا بعفوك، و اصبحت ذنوبى مستجيره بمغفرتك، و اصبح خوفى مستجيرا بامانك، و اصبح فقرى مستجيرا بغناك، و اصبح ضعفى مستجيرا بقوتك، و اصبح وجهى الفانى مستجيرا بوجهك الباقى.
و نلاحظ- هنا- ان ظلم الانسان لنفسه لا يطيق وجوده فى شخصيه الانسان، فيريد ان يتحرر من ضغطه عليه بعفو الله، و هكذا تتحرك الذنوب لتستجير بمغفره الله من تاثيراتها السلبيه عليه، و ينطلق الخوف فى نوازع القلق و الاضطراب ليتحول من خلال استجارته بالله الى حاله امان، كما يتحول الفقر الى حاله غنى، و الضعف الى حاله قوه، و الحياه الفانيه الى حياه باقيه.
و هذا ما يجعل من حركيه الانسان فى بدايه اليوم حركيه متغيره تبعا للاوضاع التى يعيشها فى مواقعه الصعبه التى تثقل حياته فى الدنيا و الاخره.
و منها الدعاء الذى يعلن فيه الانسان المومن امام ربه انه يبدا صباحه بالشهاده لله بالوحدانيه، فى عمليه ايحاء نفسى عميق متكرر فى كل صباح، ليوكد دائما ان كل بدايات ايه لحظه زمنيه، لابد ان تكون مغسوله بالشهاده الكيانيه لله بالوحدانيه، ليبقى التوجه اليه- وحده- فلا يلتقى بغيره الا من خلاله، و لا يتوجه الى اى شى ء فى الحياه الا فى الوجه الذى يطل عليه، ليكون انسان الله الذى لا ينفصل عنه بالحب كما لا يبتعد عنه بالطاعه، لانه مرتبط به بسر وجوده:
اللهم انى اصبحت اشهدك و كفى بك شهيدا، و اشهد جميع ملائكتك و حمله عرشك و سكان سماواتك و ارضك و انبيائك و رسلك و الصالحين من عبادك و جميع خلقك، فاشهد لى و كفى بك شهيدا، انى اشهد انك انت الله وحدك لا شريك لك، و ان محمدا صلى الله عليه و آله عبدك و رسولك، و ان كل معبود مما دون عرشك الى قرار ارضك السابعه السفلى باطل مضمحل، ما عدا وجهك الكريم، فانه اعز و اجل و اعظم من ان يصف الواصفون كنه جلاله، او تهتدى القلوب الى كنه عظمته، يا من فاق مدح المادحين فخر مدحه، و علا وصف الواصفين ماثر حمده، و جل عن مقاله الناطقين تعظيم شانه، صل على محمد و آل محمد، و افعل بنا ما انت اهله يا اهل التقوى و اهل المغفره.
هذا الجو الايمانى الرائع الذى يوكد فيه الانسان امام ربه شهاده اسلامه، و توحيده لخالقه، و ايمانه برسالته فى رسوليه الرسول، ليبقى هذا الوعى الاسلامى متجددا فى الوعى و الوجدان فى صباح كل يوم، لتتعمق فى النفس كما لو كانت انتماء جديدا فى يوم جديد، باعتبار ان تجدد اليوم يفرض تجدد الانتماء من خلال حيويه الفكر، حتى اذا اكتشف الخطا فى بعض مفرداته و معانيه، تحول عنه الى انتماء آخر، و اذا راى انه لا يزال يحمل العناصر الحيويه للحقيقه، و الخطوط المستقيمه للامتداد فى العمر، اكده فى نفسه، ليبقى- فى وقوفه معه- فى وعى حار متحرك فى كل يقظه جديده فى يوم جديد، و بذلك تخرج العقيده عن جمود التقليد لتنفتح على حيويه الايمان فى حركيه الاراده.
ثم هذا الحب الصدقى لله، و هذه الحقيقه العقيديه الثابته فى النفس، فكل شى ء عداه باطل مضمحل من كل ما يعبده الناس فى اى افق و فى اى مكان، فى اعماق الارض و فى آفاق السماء، انه اللاشى ء، لان الله هو- وحده- الشى ء، و هو الاعز و الاجل و الاعظم، فلا يبلغ احد حقيقه جلاله، و لا يملك الواصفون تحديد ماثر حمده و عظمه شانه، و هو اهل التقوى و اهل المغفره، و هو الذى يضم بحنانه و لطفه الاتقياء و التائبين.
و هكذا نلاحظ فى هذه الادعيه المنهج التربوى الايحائى الذى ينطلق فيه الداعى فى دعائه، ليدخل فى اجواء يومه و ليلته، واعيا لمقام ربه فى مسووليته، و مسووليه يومه فى قضيه حياته، و حركه دنياه فى مصير آخرته، فلا يهمل لحظه من الزمن، باعتبار انها تمثل جزءا من عمره الذى لا بد ان يملاه بما يخلصه عند ربه. و هذه هى الخطوط التربويه العامه للدعاء، عندما يقف للسئوال عن عمره كيف افناه و عن شبابه فيم ابلاه.
مفاهيم الدعاء:
و هذا الدعاء الذى كان يدعو به الامام زين العابدين (ع) فى الصباح و المساء- كما ورد فى الصحيفه- يمثل وثيقه حيه للمنهج التربوى الاسلامى فى نظره الانسان الى حركه الزمن فى عمره، فى ما يستقبله من الصباح و المساء، ليكون يومه يوما اسلاميا فى تفاصيله و مفرداته، و نحن نحاول استعراض عناوينه و خطوطه العامه فى عده نقاط:
1- التطلع الى النظام الكونى: فى حركه الليل و النهار الذين يتعاقبان فى خط متنوع الابعاد، فقد يتساويان فلا يزيد احدهما على الاخر فى البعد الزمنى، و قد يزيد الليل على النهار فى بعض الفصول فيمنح الخيال انطباعا بان الليل قد دخل فى النهار فسلب منه ضوءه و اعطاه ظلمته، و قد يزيد النهار على الليل فى فصل آخر فتكون الصوره التخيليه اقتحام النهار لليل، ليعطيه بعضا من ضيائه فيرتفع عنه ظلامه، و ذلك كله فى نطاق نظام دقيق محدود، و امتداد زمنى محدد من خلال القدره الالهيه التى تدبر امرهما و تنظمه، و تمسكهما من دون اى خلل او انحراف، فلا يتغيران فى ذلك كله مهما امتدت الحياه و لو بمقدار لحظه.
و هذا ما قدره الله للعباد فى تنميه وجودهم و تغذيته و حركته، ليكون لهم فى كل من الليل و النهار دور معين، فيتكاملان فى تنظيم الواقع الانسانى بالطريقه التى تجعل للطاقه فيه نظاما دقيقا فى توزيع مواقعها، فلليل دور فى تهدئه الاعصاب، و سكون المشاعر، و استرخاء الجسد بعد عناء طويل و جهد شديد، ليتخففوا فيه من التعب، و ليبتعدوا عن التوتر الجسدى و النفسى، فترتاح الذات فيه عندما ينساب الظلام الى العيون فيثقلها بالنعاس، فيغلب عليها النوم، و يشمل الظلام الجسد تماما كما هو الثوب الذى يلبسه الانسان، فيتحول الى ما يشبه لباس الراحه، باعتبار انسيابه فى الجسد كله بما يشبه الخدر اللذيذ الذى يداعب الحس و الروح فى غيبوبه هادئه، يفقد فيها الانسان الاحساس بالحياه فى توتراتها و شدائدها من دون ان يفقد الحياه، فتبقى للجسد انفاسه الهادئه، و تنفتح الروح على عالم من الصور و الاحلام لا يعرف الانسان كنهه، فتجدد للانسان قوته ليوم عمل جديد، و ترتاح اعصابه لحركه جهد شديد.
و هو- الى جانب ذلك- الفتره الزمنيه الساكنه التى تلقى على الناس ستارا يحجبهم عن العيون، و يمنحهم بعض الحريه التى افتقدوها فى اجواء النهار، و يحقق لهم بعض الراحه الجسديه، و يعطى الغرائز بعض الاجواء الحالمه التى تستيقظ فيها الشهوات فى اندماج الانسان بالانسان، فى حركه الشهوه التى يغنى فيها حسه، و يذوب فيها وجوده، ليولد من خلال ذلك وجود جديد، و هكذا يكون الليل فى عالم الوجود نعمه من الله للانسان، يحصل فيها على اكثر من فرصه لاغناء حياته الجسديه و الروحيه. انه العمى الذى لا يشعر الانسان بقسوته، بل يجد فيه الكثير مما يخفف به عن نفسه من الجهد و العناء، و يعيش فيه الاسترخاء اللذيذ من اجل الانفتاح على بصر جديد.
اما النهار، هذا الكون المفتوح العيون من خلال الضوء الذى يتدفق من قلب الشمس، فيمنح الحياه نورها و حرارتها و دفاها، و يوجه حركتها نحو كل المجالات المفتوحه على واقع الانسان، ليتطلب مواقع فضل الله بما انعم به على عباده من وسائل العيش المتناثره فى كل مكان، و ليتحرك فى الارض الواسعه بحثا عن موارد الرزق، فقد جعل الله للرزق اسبابه التى لا ينالها الانسان الا بجهده، و عرق جبينه، و استنفاد طاقته الفكريه و الجسديه، فى الاتجاه الذى يكتشف فيه اسرار الحياه فى ثرواتها الطبيعيه، فى باطن الارض و ظاهرها، و فى الفرص المتنوعه فى علاقه الناس ببعضهم البعض، ليحصل الانسان على شروط حياته الماديه من خلال ذلك، كما يحقق لنفسه الكثير من نتائج المسووليه التى يواجهها فى يوم القيامه بين يدى الله فى المشاريع الكثيره المتعلقه بجهاد الانسان فى مواجهه التحديات الداخليه و الخارجيه، و الاعمال المتصله بواجباته الشرعيه اتجاه الله.
بهذا التوزيع المتوازن بين الليل و النهار، يفسح الله المجال للانسان ليواجه مسوولياته الموكله اليه فى شوون الدنيا و الاخره، التى يمتحن فيها قدرته على التوازن و الاستقامه فى نهج الله فى رسالته، و يصلح بها شانه، فى بناء حياته على اساس ثابت قوى، و فى تاكيد خط الطاعه لله فى امتثال اوامره و نواهيه، بما فرض عليه من الاحكام، و حدد له من المواقع، و ركز له من المواقف، لتكون حركته فى الدنيا من خلال كل هذه الفرص، اساسا لمواجهه نتائجها فى الاخره، ليجزى المسى ء باساءته و المحسن باحسانه، فلا تكون الحياه فرصه للهو و العبث، بل مجالا للعمل و المسووليه، و هذا ما يدفع بالانسان الى استجلاء عظمه الله و قوته و قدرته فى كل ذلك، و من ثم الانفتاح على حمده فى ساحه العظمه و النعمه، و ذلك باعتبار ان هذا النظام الكونى الزمنى يمثل بعدا فى القوه الالهيه، و لطفا فى الرحمه الربانيه، فللصباح وحيه فى روح الانسان، و لضوء النهار دوره فى اجتلاب المنافع و مطالب الاقوات، و فى استدفاع المفاسد، و تجنب الاضرار، عندما يفتح الانسان عينيه على كل ما فى الحياه من زوايا و خفايا و مواقع و مراتع، ليرى فيها كل الوسائل التى يحمى فيها نفسه، و يفتح فيها حياته، و هذا هو غايه الحمد من خلال ما يفرضه على الانسان من الانفتاح على حمد الله.
2- الاحساس بوحده الانسان: مع كل الموجودات فى الكون، السماء و الارض، الساكن و المتحرك، المنبسط و الشاخص، العالى فى الهواء و الكامن فى اعماق الارض، بحيث يتحسس الانسان وجوده، فى يقظه الصباح و اغفاءه المساء، جزءا من النظام الكونى، مما يولد فى نفسه الشعور بالالفه الوجوديه، و التكامل الكونى معها، فلا تكون قضيته فيها قضيه صراع على طريقه الغالب و المغلوب، او على طبيعه حركيه الصراع، بل تكون قضيه الانسان الذى يتحمل مسووليه المخلوقات التى وجدت معه، فيتعامل معها من موقع مسووليته عنها باعتبارها مجال عمله، من خلال تسخيرها له فى اخضاع الله الكون للانسان، مما يدبر امره او يستفيد من طاقته.
3- الشعور بالسيطره المطلقه لله على الوجود كله: و على الانسان كله، فهو يتقلب فى ملك الله و سلطانه، و يخضع لسطوته، لان قبضه الله، فى معناها الكنائى او المجازى، تمسك بزمام امره و تضغط عليه بكل وجوده، و هو يتصرف فى داخل مشيئه الله، و يتحرك عن امره، و ينحنى لقضائه و قدره فى كل اموره، فليس له من الامر الا ما قضاه الله، و يحصل على رزقه من خلال عطاء الله، فليس له من الخير الا ما اعطاه.
انه الاحساس بالفقر المطلق لله، القاهر فوق عباده، المهيمن على الامر كله، مما يترك تاثيره على انفعال الانسان باوامر الله و نواهيه، و الرجوع اليه فى كل حاجاته و آلامه و احلامه.
4- التصور الواعى للزمن: اليوم، الشهر، السنه، العمر كله، باعتباره عينا تختزن فى داخلها الرويه الواضحه للانسان فى حركته العمليه على اساس المنهج الالهى الذى يحكم مسووليته، فيتحول اليوم الى شاهد حاضر يرصد مفردات اعمال الانسان و اقواله فى ظواهرها و بواطنها، ليشهد عليه يوم القيامه، و هو- فى الوقت نفسه- لا يقف مجرد شاهد راصد، بل ينطلق ليتخذ منه موقفا ايجابيا، اذا كان فى خط الاحسان، فيودعه بمحبه و كرامه و حمد، او موقفا سلبيا، اذا كان فى خط الاساءه، فيفارقه بعصبيه و ذم، تماما كما لو ان الزمن مخلوق حى خاضع لله، محب له، موظف عنده، بحيث ينفعل سلبا او ايجابا تبعا للعلاقه الخيره او الشريره التى تربط الانسان بالله.
و لعل هذا اللون من التصور الايمانى للزمن و علاقته بالمصير فى حياه الانسان، يترك تاثيره الجيد على مسيره الانسان فى احساسه بمرور الثوانى و الدقائق و الساعات و الايام ليتوقف عندها، و لينضبط امامه تماما كما يتوقف امام اى شخص حى يتحفز للشهاده عليه، و يقف ليواجهه بكل ذلك، و هذا ما تمثله فقرات الدعاء التى يبتهل فيها الانسان الى ربه ان يرزقه التوفيق ليصاحب هذا اليوم مصاحبه حسنه و يعصمه من سوء مفارقته بارتكاب الخطيئه، صغيره او كبيره، حتى يحصل على محبه يومه، و بالتالى، يفوز برضوان ربه و مغفرته من خلال ما يوفقه اليه من الحسنات و يخليه من السيئات، و يجمع له ما بين طرفيه الحمد لله و الشكر له و الاجر العظيم و الفضل الالهى و الاحسان الربانى الذى يمثل خط الفائزين.
5- الحساب و المسووليه: فاذا التفت الانسان، فى الدعاء، الى اليوم كشاهد حى عليه، فانه يستعيد فى ذاكرته الايمانيه، الملكين الكاتبين اللذين و كلهما الله به لكتابه اعماله و اقواله، من حسنات و سيئات، ليقدما الى الله، فى نهايه المطاف، تقريرا كاملا عن كل نشاطاته فى الحياه، و هو الذى يمثل صحيفه اعماله، و كتابه الذى يلقاه يوم القيامه منشورا فيطلب منه ان يقراه بدقه و مسووليه.
فيبتهل الى ربه ان ييسر عليهما الجهد، و ذلك بان تكون اعماله سائره على النهج القويم و الصراط المستقيم، فيرتاح الملكان و يسترخيان، باعتبار ان الانسان يسير فى الاتجاه الطبيعى الصحيح الذى ينسجم مع النتائج الطيبه للمصير، فيشعران بالغبطه امام الحسنات التى تمتلى ء بها صحيفه الاعمال، و يتحرر الانسان من الشعور بالخزى و العار لانهما لن يجدا فى حياته اعمالا سيئه، و فى هذا الاتجاه، ينطلق لياخذ حظا من عباده الله، و نصيبا من شكره، فيحصل على شاهد من ملائكته يشهد له بالطاعه و الصلاح و الايمان، و ذلك هو الضمان للنجاه من عقاب الله، و القرب من مواقع رضاه، لان الله يرضى عن عباده المطيعين الشاكرين الذين يتحركون فى صعيد الصدق و يقفون مواقف الحق.
6- الله هو الملجا: ان الانسان المومن يتطلع دائما الى حمايه الله له من كل سوء، و حفظه من كل بلاء، و حراسته من كل عدو، فلديه الامل لكل يائس، و الامن لكل خائف، و الملجا لكل هارب، و لذلك كان من الطبيعى جدا ان يطلب- فى دعائه- من ربه، فى كل صباح و مساء، ان يحفظه من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله، و من جميع نواحيه، و هذا امر لا يلفت النظر، لان الانسان- كل انسان- يحب الحفظ لحياته، و الحمايه لصحته، من اجل استمرار العمر فى حاله جيده، و لكن الذى يلفت النظر فى هذا الدعاء و فى امثاله من الادعيه، هو اشتراط الانسان المومن لنفسه فى طلبه من ربه فى هذه المساله، ان يكون هذا الحفظ فى الدائره التى لا تسى ء الى ايمانه و التزامه و استقامته على الخط الصحيح، ليكون عاصما له من معصيه الله، هاديا له الى طاعته، مستعملا لمحبته، اما اذا كان الحفظ فى نطاق حركه المعصيه فى الجسد، و ضلال الفكره فى الفكر، و استعمال حيويه الحياه فى الانسان فى مواقع سخط الله، فانه يكون مرفوضا بالكامل، لان الحفظ الانى السريع الذى ينتهى فى حركته العمليه الى الموت الروحى اولا، و السقوط المصيرى ثانيا، و الهلاك الاخروى ثالثا، لن يكون الحفظ الذى يمثل الامنيه الانسانيه فى وعى الانسان لذاته و مصيره، بل يكون مشكله المستقبل الابدى لحساب الحاضر العابر، و اللحظه الطارئه.
و هذا ما يجعل نظره المومن الى كل الجوانب المتصله بسلامه حياته من الصحه و الامن مرتبطه بالنتائج السلبيه او الايجابيه فى قضايا المصير فى علاقه الانسان بالله، حتى اننا نقرا، فى بعض الادعيه الاخرى للامام زين العابدين (ع)، تاكيدا على اعتبار مساله الحياه و الموت خاضعه للخير و الشر، فتكون قيمه الحياه، بمقدار ما تكون زياده فى كل خير، حيث يكون امتدادها امتداد للخير فى الانسان و فى الحياه، كما تكون قيمه الموت بمقدار ما يكون راحه من كل شر، حيث تكون الحياه حركه فى انتاج الشر للحياه و للاخرين، مما يجعل من الموت تجميدا للشر فيكون فى دائره القيمه من هذه الجهه، لا فى طبيعته الذاتيه. و هذا ما جاء فى دعاء يوم الثلاثاء: «و اجعل الحياه زياده لى فى كل خير و الوفاه راحه لى من كل شر». و هكذا نقف مع هذا المفهوم الاسلامى للحياه و الموت كقيمتين فى نطاق الاوضاع الطارئه المنفتحه على قضيه المصير، فى دعاء مكارم الاخلاق:
«و عمرنى ما كان عمرى بذله فى طاعتك، فاذا كان عمرى مرتعا للشيطان، فاقبضنى اليك قبل ان يسبق مقتك الى او يستحكم غضبك على».
اننا نلاحظ فى هذه الفقره ان قيمه العمر تتحدد فى مدى بذله بكل طاقاته و حيويته فى طاعه الله و محبته، مما يجعل العمر يساوى- فى الحساب الايمانى- حركه الطاعه فى الحياه، اما اذا تحول الى ساحه للشيطان يرتع فيها بحسب نزواته و نزغاته و احابيله و وساوسه، بحيث يتحول الانسان الى كائن شيطانى فى فكره و عمله و علاقاته و اوضاعه، فان الموت عند ذلك يكون هو الامنيه الكبرى، لانه يوقف حركه الانسان نحو السقوط، و يخفف من ضغط الانحدار الى الهاويه، ليبقى فى منتصف الطريق بين الاعلى و الاسفل، فلا يسبق مقت الله اليه، بل تبقى هناك بقيه للعفو و المغفره، و لا يستحكم غضبه عليه، بل يكون هناك موقع للرحمه و الرضوان.
ان هذا المفهوم الايمانى يرتكز على اعتبار الوجود الانسانى حركه تصاعديه فى الطريق الى الله، مما يجعل من ايه حركه تنازليه مشكله للوجود نفسه، بحيث يتحول الى شى ء لا معنى له، ليكون ايقافه فى مرحله معينه تخفيفا من المشكله، و انطلاقه نحو الحل.
7- مفردات العمل اليومى للمسلم: ان حركه اليوم الانسانى لابد من ان تخضع فى مفرداتها للانتماء الاسلامى فى كل معطياته و مقتضياته و مشاريعه و تطلعاته فى الحياه، بحيث يكون كل عمل من الاعمال، او مشروع من المشاريع، مندرجا تحت عنوان من عناوين الخطوط العامه للانتماء، المتنوعه الافاق، المتعدده الابعاد، المختلفه المواقع.
و قد تحدث الدعاء عن عده عناوين فكريه و اجتماعيه و حركيه و انسانيه، مما يطلب الانسان من ربه ان يوفقه له، و يحققه فى حياته، و هى عباره عن اربعه عشر عنوانا عاما للسلوك الانسانى فى الحياه.
أ- استعمال الخير.
ب- هجران الشر.
ج- شكر النعم.
د- اتباع السنن.
ه- مجانبه البدع.
و- الامر بالمعروف و النهى عن المنكر.
ز- حياطه الاسلام.
ح- انتقاص الباطل.
ط- اذلال الباطل.
ى- نصره الحق.
ك- اعزاز الحق.
ل- ارشاد الضال.
م- معاونه الضعيف.
ن- ادراك اللهيف.
و اذا تاملنا فى هذه العناوين، فاننا نرى انها تشمل كل القيم الاخلاقيه و الحركيه و الاجتماعيه التى تستوعب كل اعمال الانسان فى طبيعتها الايجابيه، من موقع الاراده الاسلاميه المتحركه فى خط المسووليه، فنجد ان استعمال الخير و هجران الشر يمثلان كل القيم الروحيه و العمليه فى الجانب السلوكى الداخلى و الخارجى للانسان فى الاعمال الصالحه فى مضمون الخير، و غير الصالحه فى مضمون الشر، و بذلك تندرج فيه كل العناوين الاخلاقيه المذكوره فى الكتاب و السنه، سواء ما يتعلق بعلاقه الانسان بربه او بنفسه او بالناس من حوله، و بالحياه التى تحيط به او تعيش فى داخله او تطل عليه، و بالمخلوقات الاخرى المتحركه فى الواقع، سواء كانت حيه او ناميه او جامده، و هكذا نستحضر فى ذهنيتنا التوحيد و الشرك، و الايمان و الكفر، و العباده و التمرد، و الصدق و الكذب، و الامانه و الخيانه، و العفه و الفسوق، و الغش و النصح، و الصداقه و العداوه، و اللين و القسوه، و التواضع و التكبر، و الصلاح و الفساد، و العدل و الظلم، و نحو ذلك من العناوين الايجابيه و السلبيه...
اما شكر النعم فيمثل الحركه الداخليه فى العقل و القلب، و الحركه الايجابيه فى الواقع العملى بتقديم كل المشاعر الطيبه، و الالتزامات الخيره، و اظهار التعظيم و التوقير و الحمد و التمجيد و الاعزاز للمنعم، و ذلك باللسان بالتعبير عن كل مشاعر الامتنان و المحبه تجاهه، و بالاعضاء الاخرى بالعباده و الطاعه، و اجتناب كل ما يعبر عن التمرد و المعصيه و البعد عن مواقع المحبه و الخضوع.
ان الشكر يمثل القيمه الاخلاقيه التى تعبر عن انفعال الانسان بما يقدمه المنعم له بطريقه ايجابيه، الامر الذى يودى الى تشجيع العاملين فى سبيل الخير على مستوى الواقع الانسانى، كما يوحى بانسانيه الانسان فى استجابته الروحيه لكل نقاط الخير فى معنى وجوده و حركه حياته، بالاحساس بحاجته الى تقديم حاله من الانحناء القلبى و التعبيرى و العملى فى سبيل الاعتراف بالجميل الذى يقدم اليه من الخالق او المخلوق، فان الله اراد للانسان ان يشكر المخلوق كما يشكر الخالق، لان ذلك يوحى بالعمق الروحى للانسان.
اما اتباع السنن فيمثل النهج الشرعى الذى سنه الله و رسوله للانسان فى كل مجالات حياته الخاصه و العامه، مما اوجبه الله او استحبه، او الزم بتركه او كره فعله، و قد تطلق شرعا على الاحاديث المرويه عن النبى (ص) و على الطريقه النبويه، و هى ما سنه النبى (ص) اى: شرعه من مفروض او مندوب و غير ذلك، و الظاهر ان المقصود بها هو ما ذكرناه من الالتزام بالشريعه الاسلاميه جمله و تفصيلا باعتبار ذلك مظهرا للانتماء للاسلام، لان الالتزام العملى هو معنى اسلام الفكر و القلب و اللسان و الجسد لله و لرسوله فى كل مجالات الحياه.
و مجانبه البدع، يمثل فى عنوانه الكبير الخط المنحرف عن الاسلام بطريقه مضاده، او الذى لم يشرعه الله و لم يندرج تحت اى عنوان من العناوين العامه التى شرعها الله، و لم يلتق بالمنهج العام للبرنامج الشرعى للانسان فى البرنامج الاسلامى العام.
و فى ضوء ذلك، قد تتحدد البدعه فى التشريع بتشريع احكام و قوانين مضاده للتشريع الاسلامى، او بعيده عن خطوطه مع نسبتها اليه، مما يستحدثه الناس من احكام و تشريعات على اساس محاوله اعتبارها اسلاميه من حيث انسجامها مع الاجواء العامه للمفاهيم الاسلاميه فى استنتاج ذاتى، كما يحاول البعض العمل على تحريك الاستنباط للاحكام من قواعد لا تلتقى مع القواعد العامه لمصادر التشريع، انطلاقا من التاثرات الثقافيه ببعض الاتجاهات الفكريه او القانونيه التى تفرض على الواقع العام احكاما و تشريعات معينه من خلال القوه التى يملكها اصحابها، مما يجعل منها، فى الوجدان العام، اساسا للنظره الحضاريه او التقدميه التى لا بد للاسلام من ان يكون منسجما معها فى النظره و الحركه و المنهج.
و هذا ما افسح المجال للاجتهادات التوفيقيه التى درج عليها بعض المفكرين المسلمين الذين عاشوا الانبهار بالاجواء الحضاريه الغربيه، او بالافكار القوميه، او الاشتراكيه، فعملوا على اخضاع النصوص الاسلاميه لمفاهيمها و قوانينها، بالطريقه التى لا يتحملها النص و لا يلتقى بها منهج الاجتهاد.
و قد تطرق البعض الى الجانب الاخر من مفهوم البدعه، فحاول التحدث عن كل المستجدات التى لم تكن موجوده فى زمن النبى (ص)، او لم ينص عليها الكتاب و السنه من بعض الاعمال و الاوضاع، باعتبار انها بدعه محرمه، من دون التفات الى ان العبره فى هذا الموضوع ليست بالنظر الى مفردات المسائل بل الى كلياتها، فقد ياخذ المسلمون ببعض الاعمال و النشاطات غير المالوفه فى زمن الشرع و لكنها تلتقى بالمفاهيم العامه التى تحدث بها الشارع، كالاحتفال بذكرى النبى محمد (ص) و الائمه و الصحابه، و العلماء، او التظاهر السياسى للمطالبه ببعض القضايا العامه، او للاحتجاج على بعض الاوضاع، او للاخذ ببعض العادات التى لم تكن موجوده فى عهد التشريع مما لا يكون خاضعا لعنوان محرم، و ذلك من خلال الاستفاده من استعاده تاريخهم و سيرتهم، او للامر بالمعروف و النهى عن المنكر، او لادخال السرور على المومنين فى العادات الاجتماعيه، باعتبار ان الله لم يحدد للانسان وسائل تحقيق بعض العناوين او المفاهيم او التشريعات، بل ترك له ملاحقه المتغيرات الواقعيه لتطوير اساليبها، و تنويع وسائلها، مما يجعل الاخذ بها اخذا بالخطوط العامه، فيكون وجوبها او استحبابها او اباحتها تابعا لاستحباب العناوين المنطبقه عليها انطباق الكليات على جزئياتها، لا باعتبار الحكم بشرعيتها بالخصوص فى دائرتها الجزئيه ليقال انها ليست منصوصه فلا يجوز نسبتها الى الشارع.
اما الامر بالمعروف و النهى عن المنكر، فهما القضيتان اللتان تتحركان فى الواقع الاجتماعى و الاقتصادى و السياسى و الامنى و الفردى من اجل مراقبه السلوك العام او الخاص، و دراسه مدى انسجامه او انحرافه عن الخط الاسلامى الفكرى او الشرعى، لتحديد الموقف منه بشكل فاعل، امرا او نهيا او تاييدا و تقريرا، و ذلك من اجل ايجاد قاعده للرقابه الاجتماعيه بالاضافه الى الرقابه الرسميه القانونيه، فى نطاق الاساليب المحدده التى لا تسى ء الى النظام العام، و لا تتعسف فى التحرك العملى فى المواجهه.
و هذا الخط هو الذى يحمى المجتمع من نفسه، و من المنحرفين فيه، و من سيطره الموثرات المضاده على مسيرته العامه فى خط الانحراف، مما قد لا تستطيع السلطه الشرعيه اكتشافه بوسائلها القانونيه او لا تملك التحرك نحوه بالاساليب المالوفه.
اما حياطه الاسلام، فهو العنوان الكبير للحاله الشعوريه و الفكريه و العمليه التى يعيشها الانسان المسلم فى علاقته بالاسلام فى حركه الحياه، فهو ليس مجرد دين ينتمى اليه، او فكر يقتنع به، او شريعه ياخذ بها، بل هو خط للفكر و العاطفه و الحياه يلتقى بالقضايا الحيويه فى حياته، و كلمه مقدسه فى وحى الله فى وجدانه، و قضيه المصير فى الدنيا و الاخره، بالنسبه اليه و الى الانسان من وجهه عامه او خاصه، و الى النظام العام فى الكون الذى يتكامل فيه الانسان مع كل الموجودات حوله.
و بذلك يكون احساس الانسان به، و مسووليته عنه، و التزامه به، تماما كما هو احساسه و مسووليته و التزامه بالاشياء الحميمه فى حياته، مثل نفسه و عائلته و اولاده، حيث يخاف عليهم من كل الاخطار، و يحب لهم كل الخير، فيعمل على حياطتهم من كل ما يسى ء اليهم بكل ما لديه من قوه، حتى لا يتاثروا باى سوء او يقعوا فى ايه مشكله او يتعرضوا لاى خطر..
و هكذا يتصل انتماوه الاسلامى بالمنطقه الشعوريه الحميمه فى وجدانه الروحى، الامر الذى يجعله فى حاله توتر دائم كما لو كان فى حاله طوارى ء نفسيه او حركيه، لمراقبه كل الاوضاع المحيطه به، و الضاغطه على الخط الاسلامى فى فكره و شريعته و حركته و صراعه مع التيارات الاخرى، او المعاديه للمسلمين فى واقعهم السياسى و الاقتصادى و الامنى و الاجتماعى، مما يشكل خطرا على حاضرهم و مستقبلهم، فلا يقف المسلم موقف المحايد امام ذلك كله، بل يعمل على تحديد موقفه، لمصلحه حياطه الاسلام فى خطه و فى اتباعه، من اجل وضع خطه دقيقه شامله ممتده فى الزمن يتكامل فيها المسلمون جميعا لحمايه ذلك كله.
اما انتقاص الباطل و اذلاله، فهو العنوان الكبير للوقوف فى وجه الباطل الفكرى و العقيدى و القانونى و العملى، سواء فى الجانب الفردى او الاجتماعى فى حياه الانسان، فى النطاق الاجتماعى و السياسى و الاقتصادى و الامنى. فان الاسلام فى خطه المضاد للباطل يريد للانسان المسلم ان يكون ايجابيا فى مواجهه الحركه المضاده بانتقاص كل مضمونها الداخلى و الخارجى، من اجل اضعافها فى عناصرها الحيويه، و اذلال الوجود المتحرك لها فى الواقع، حتى لا يكون لها اى موقع للقوه على المستوى الفكرى او العملى او الواقعى، ليتحطم بذلك الحاجز الكبير الذى يمثله الباطل فى وجه مسيره الحق.
و فى ضوء ذلك نلتقى بنصره الحق و اعزازه، فانها توكد على مسووليه الانسان المسلم بكل طاقاته و مواقعه، فى الانتصار للحق، الذى هو الاسلام فى خطه الفكرى و فى حركته الواقعيه و فى اوضاعه العامه، من اجل اسقاط كل القوى المضاده التى تهدد وجوده و تربك مسيرته و تضعف مواقعه، و ذلك بالدخول فى خط المواجهه للهجوم المضاد من قبل العدو، و فى عمليه البناء الداخلى للجهات المسووله، و بذلك يتحقق الاعزاز للحق فى مواقفه و مواقعه و حركته فى الامتداد فى العالم كله، و فى جمهوره الذى يلتزمه فكرا و عقيده و منهجا للحياه.
ان الاسلام لا يرضى للانسان ان يقف موقف الحياد او اللامبالاه فى حركه الصراع بين الحق و الباطل، و الايمان و الكفر، و الظلم و العدل، بل يريد له ان يكون المسلم الحركى الذى يرى التزامه بالحق فى الجانب الايجابى لايمانه، و رفضه للباطل فى الجانب السلبى منه، ليكون انسان الصراع الذى يكون له فى كل معركه موقف، و فى كل صراع موقع، و فى كل خلاف راى، و هذا ما عبر عنه الامام موسى الكاظم (ع) فى كلمته الماثوره: «ابلغ خيرا و قل خيرا و لا تكن امعه»، قلت: و ما الامعه؟ قال: «لا تقل انا مع الناس، و انا كواحد من الناس ان رسول الله (ص) قال: يا ايها الناس، انما هما نجدان، نجد خير و نجد شر، فلا يكن نجد الشر احب اليكم من نجد الخير».
اما ارشاد الضال، فانه يعبر عن الخط الحركى فى خط الدعوه فى هدايه الناس الى الاسلام، و خط توجيههم الى المجالات الاسلاميه العامه التى تتحرك فيها عناوين الخير و الصلاح من اجل ابقاء الانسان فى الخط المستقيم، و هدايته الى الانفتاح على الله فى كل اموره و قضاياه، ليبقى فى دائره العبوديه لله فى حياته الخاصه و العامه.
و هذا يجعل من كل انسان مسلم، فى التخطيط الاسلامى الحركى العام فى الدعوه و التبليغ، داعيه للاسلام فى خطه الفكرى و العملى فى حركه الواقع، فلا يبقى مجرد شخص يعيش الانتماء للاسلام كحاله ذاتيه، بل يتحول الى انسان يتحرك فى خط هذا الانتماء.
و نلتقى بمعاونه الضعيف، لنقف مع المسووليه الاسلاميه للانسان الذى يملك ايه قوه ثقافيه او اجتماعيه او اقتصاديه او عسكريه من اجل دعم الضعفاء الذين لا يملكون عناصر القوه فى حياتهم، مما قد يودى الى السقوط تحت تاثير عناصر الضعف العامه او الخاصه التى قد تترك تاثيراتها السلبيه على مجرى حياتهم الثقافيه و العمليه، فينعكس ذلك سلبا على الواقع الاسلامى او الانسانى كله، و بذلك نستطيع التاكيد على ان القوه تمثل مسووليه الانسان القوى ليقدمها للناس الاخرين من الضعفاء الذين يحتاجون اليها فى كل مواقعهم الفرديه و الاجتماعيه، فلا يجوز للانسان ان يحرم الاخرين من حركه القوه لديه، لان الله حمله مسووليه ذلك كله.
و تنتهى هذه المفردات العامه باغاثه اللهيف، فهناك الكثيرون من الناس الذين يعيشون لهفه الخوف و المرض و الالم و الحزن و ما الى ذلك، مما يجعلهم بحاجه الى الناس الذين يردون لهفتهم، و يغيثون صرخاتهم، و يفتحون قلوبهم على الفرح و حياتهم على الامن و العافيه و السرور، مما يجعل للجانب الشعورى دوره فى رعايه الانسان الاخر، الذى يحتاج الى الرعايه الروحيه فى كل حياته.
هذه هى العناوين التى تمثل البرنامج اليومى للانسان المسلم، ليكون يومه اسلاميا منفتحا على مسووليه الانسان عن الاسلام فى عقيدته و شريعته و امته، كما يوكد على المشاركه الشعوريه و العمليه للضعفاء و المحرومين و الملهوفين، ليخرج الانسان من فرديته، و يبتعد به فى تطلعاته و اهتماماته عن ذاتيته، ليكون الانسان الانسانى فى احساسه الداخلى بالحياه من حوله من حيث هى طاقه فى وجوده، مسووله عن الحركه فى كل الواقع الذى يعيش فى داخله و يحيط به و يتفاعل معه.
و هذا هو الوعى الشامل الذى يريد الاسلام ان يعمقه فى شخصيه الانسان المسلم، ليحدق فى الناس و الاشياء و الوجود من موقع مسووليته امام الزمن الذى يحدق به كشاهد و رفيق و صاحب، من اجل الموقف الحاسم الذى يواجهه بين يدى الله فى موقف الحساب و قضيه المصير.
8- التطلع نحو الافاق الواسعه: فى هذا الدعاء انفتاح على الخط الافضل و الاعلى فى الحياه، ليكون الانسان- دائما- فى خط تصاعدى متحرك نحو العلاء، فلا يفكر بالجمود على الواقع الذى يتحرك فيه، كما لا يسمح لنفسه بالتراجع الى الوراء، بل يفكر و يعمل على اكتشاف العناصر الحيه التى تحمل فى داخلها حركيه التقدم و الصعود و الانطلاق نحو الافاق الواسعه البعيده المدى، و التحرك نحو الدرجات العليا فى مواقع الحياه، و انتظار المستقبل فى عمليه التخطيط الدقيق ليكون مستقبل المسووليه المنفتحه على الله فى مواطن القرب اليه، باعتبار ان ذلك هو الغايه المثلى و الهدف الاسمى الذى تتجمع عنده كل اهداف الانسان فى الحياه، فى فكره و حركته و تطلعاته، لان الله هو غايه الغايات للوجود كله و للانسان كله، لان الخلق منه و الامر اليه و المصير عنده و السعاده فى رضوانه و محبته و القرب منه.
انها الفكره الروحيه التى نبتهل بها الى الله ان يجعل هذا اليوم الذى يستقبله الانسان اكثر الايام التى اسلفناها يمنا و خيرا و بركه، و افضل صاحب صحبه فى عمره الماضى، و خير وقت عاش فى ظلاله، ليكون الزمن الحاضر- فى هذا اليوم- قمه الايام فى عطائه، و ان يكون الانسان المومن الذى يحصل على اكبر الرضوان من الله بحيث لا يتقدمه احد ممن مر عليه الليل و النهار فى ذلك، بان يكون اكثرهم قياما بامتثال اوامر الله، و اشدهم وقوفا عند حدوده فى ما حذر منه من نهيه، و اشكرهم لما اولاه من نعمه.
و هذه الفكره المنفتحه على الدرجات العليا فى القرب من الله، من خلال الغايه القصوى فى الاخلاص له و العمل بطاعته، هى التى يوكد عليها الاسلام فى حركيه الانسان المسلم، فنحن نقرا فى الدعاء الماثور:
«اللهم اجعل مستقبل امرى خيرا من ماضيه، و خيرا اعمالى خواتيمها، و خير ايامى يوم القاك فيه».
فيكون كل يوم افضل من سابقه، و كل عمل خيرا من العمل الاخر، و المستقبل افضل من الماضى، ليصل الانسان الى الله على افضل حال يحب ان يكون عليها احد من عباده و ارضاها له.
9- الشهاده لله تعالى: و نصل الى ختام الدعاء ليقف الانسان امام ربه فيشهده على ايمانه بالتوحيد له، و بالرساله لرسوله، و يشهد السماوات و الارض و كل ما خلق الله على اصراره على ذلك، بكل ما تفرضه العقيده من التزامات روحيه و عمليه، فى الاخلاص لله وحده، و الانقطاع عن غيره، و فى اتباع الرسول فى رسالته، و رفض كل رساله اخرى لاى شخص من البشر، و تنطلق الشهاده فى تفاصيلها بالالتزام بان الله القائم بالقسط، العدل فى الحكم، الرووف بالعباد، ليعى الانسان فى وجدانه ان الحياه بكل تقلباتها و اشكالها، و ان قضاء الله و قدره بكل الوانه، لا يبتعد عن خط العدل و الرحمه و الرافه من خلال عمق القضاء و التقدير و البلاء، لان الله يدبر الامر من خلال ما يصلح امور عباده، لا من خلال ما ينفعلون به. و تبقى الشهاده لمحمد عبدالله و رسوله، بانه حمل الرساله بصدق و اداها باخلاص، و قاد الامه بوعى القائد الناصح الامين، فسار بها الى شاطى ء الخلاص.
لذلك كانت الصلاه عليه من الله جزاء لاخلاصه و جهاده فى سبيله، و كان الشكر له من امته، لانه دلها على كل الدروب الموديه الى الله، حيث الخلاص من الهلاك، و الوصول الى رضوان الله و جنته.
و هناك نقطه اخرى قد يوحى بها التوجيه الاسلامى فى الصلاه على النبى، و هى ابقاء التواصل بين النبى و امته، بحيث تعيش المساله الشعوريه فى الارتباط به، بالاضافه الى المساله الايمانيه الفكريه و العمليه، مما يجعل العلاقه به منفتحه على المحبه الروحيه، كانفتاحها على الانتماء الدينى، و اذا كانت العاطفه لا تصلح اساسا للالتزام بالقياده، لانه من شوون الفكر، فانها قد تكون ضروريه لحيويته و امتداده فى واقع الشخصيه الانسانيه.
الحمد لله الذى خلق الليل و النهار بقوته، و ميز بينهما بقدرته، و جعل لكل واحد منهما حدا محدودا و امدا ممدودا، يولج كل واحد منهما فى صاحبه، و يولج صاحبه فيه بتقدير منه للعباد فى ما يغذوهم به و ينشئهم عليه، فخلق لهم الليل ليسكنوا فيه من حركات التعب و نهضات النصب، و جعله لباسا ليلبسوا من راحته و منامه، فيكون ذلك لهم جماما و قوه، و لينالوا به لذه و شهوه، و خلق لهم النهار مبصرا ليبتغوا فيه من فضله، و ليتسببوا الى رزقه و يسرحوا فى ارضه، طلبا لما فيه نيل العاجل من دنياهم و درك الاجل فى اخراهم، بكل ذلك يصلح شانهم و يبلوا اخبارهم و ينظر كيف هم فى اوقات طاعته و منازل فروضه و مواقع احكامه، ليجزى الذين اساءوا بما عملوا و يجزى الذين احسنوا بالحسنى.
الانسان المسلم مع حركه الليل و النهار:
يا رب، هذا النهار الذى ينفتح على النور المتفجر من قلب الشمس، فجرا ينساب فى وداعه الشروق، رخيا باردا مع النسمات الهادئه العليله التى تلامس الكون بمحبه و استرخاء، لتمتد نقاط نور تتجمع من هنا و هناك، لتكون الشلال الضوئى الذى يملا الارض و السماء ضياء، و ضحى يتدفق فيه الشعاع دفئا و حراره، من لمعات النور التى تحتضن فيه الشمس الكون كله، احتضان الحياه المائجه بالحيويه و الحركه، و ظهرا يصل به الاشراق الى القمه، ليعود بعد ذلك فى حركه تراجعيه لينشر اكثر من ظل فى اكثر من موقع فى انفتاحه على الغروب، الذى يدفع الشمس الى افق جديد من اجل نهار جديد فى موقع آخر.
و هذا الليل الذى ينشر ظلامه على الوجود ليمنحه السكون و الهدوء و الدعه، و ليرش كل نقاط الضوء فى الافق، من خلال لمعات الكواكب المتناثره فى السماء التى تخفف من شده الظلمه، لتعطى الليل بعض ايحاءات النهار، و لتفتح احلام الكون من خلالها على فجر جديد يحلم فيه الحالمون، و ينطلق فيه السائرون، فلا تطبق الظلمه على العيون، و لا تغلق على الروح نوافذ الضوء.
لقد خلقت- يا رب- هذا و ذاك بقدرتك التى وزعت على الحياه ادوار الظلمه و الضياء، و الحركه و السكون،
و وضعت الحد الفاصل بينهما، الذى لا يبغى فيه احدهما على الاخر بقدرتك، و اخذت من كل واحد منهما للاخر بعض مساحته، حتى كانك ادخلت بعضه فيه، فاعطيته بعض خصائصه، و اودعت فيه بعض عناصره، فتحول الليل الى نهار فى بعض ساعاته، و تحول النهار الى ليل فى بعضها الاخر، ثم و ازنت بينهما ليعتدلا فى حجم الزمن، فى تقدير النظام الكونى الذى قدرت فيه للوجود حركته بما يحقق له اهدافه على خط الحكمه و اساس التوازن، و اردت فيه للعباد ان ياخذوا باسباب النمو و النشوء و الارتقاء فى ما تغذوهم به و تنشئهم عليه.
فكان الليل سكنا تسكن فيه المخلوقات، و ترتاح فيه الاعصاب، و يخلد فيه الناس الى الراحه و النوم الذى يغيب فيه الناس عن توتر اليقظه و حركتها و متاعبها و كلالها، لتتجدد قوتهم ليوم عمل جديد، من خلال ما يلبسونه من ظلامه الذى يوحى اليهم بالخدر و النعاس و الاسترخاء فى غيبوبه الحس و هدوء الحواس و غفوه العيون، و ياخذون فيه حريتهم الجسديه، لينالوا بذلك لذاتهم و شهواتهم التى تمنح الجسد الفرصه لتلبيه حاجاته بعيدا عن ملاحظه العيون.
و هكذا يتحول الليل الى عالم غامض يلف الكون بسحره الهادى ء، الذى تنساب فيه الاحلام فى وعى الانسان بهدوء، و تنفتح فيه الافكار على الافق الرحب الذى يمتد امتداد الروح فى عالم الغيب الواسع، فيحلق معه الانسان باجنحه الروح فى رحاب الله فى سبحاته و ابتهالاته، حتى يتحول الى روح تهفو و ترق و تبتهل فى حب و حنان و خشوع، فتتخفف من ثقل الجسد و ضغط الماده فى عمليه تجدد و احتضان.
و خلقت النهار مبصرا بعيون مفتوحه على كل شى ء، فلا يخفى معها اى موجود عن النظر، لانك اعطيت الحياه نورها المتناثر على كل جوانبها، فى اشراق الشمس التى تمنحها الدف ء و الحراره، و تحركها نحو الحصول على كل شروطها فى ما يسعى اليه العباد من رزقهم الذى تهيى ء لهم اسبابه، من خلال الامتداد فى الارض بحثا عن فرصه هنا او هناك، فى ما يبتغونه من فضلك، ليكون لهم الدور الكبير فى تحقيق حاجاتهم الطبيعيه فى دنياهم، و فى القيام بمسوولياتهم المنفتحه على آخرتهم، لانك اردت للانسان ان تكون حركته فى الدنيا منفتحه على اهداف الاخره من دون الانتقاص من حاجات الدنيا من خلال حاجات الجسد فيها.
و هكذا كان النهار، فى تقديرك للنظام الذى قدرته للعباد فى حياتهم، انطلاقه صلاح و اصلاح لكل شوونهم، و حركه امتحان لقدراتهم فى مجال الطاعه على خط المسووليه فى القيام بما فرضته عليهم من مسوولياتهم الخاصه و العامه، التى حددت فيها لكل موقع منها حكما محددا فى حركاتهم و سكناتهم، لتكون النتائج العمليه فى ابعادها الايجابيه و السلبيه هى الاساس فى الثواب على الاعمال الصالحه الخيره، و العقاب على الاعمال السيئه الشريره، و لتتحرك رحمتك و مغفرتك فى حياتهم على اساس الخط الثابت للايمان فى حياتهم فى اتجاه الخط المستقيم، فلك الحمد على ذلك كله.
الحمد لله على ما فلقت لنا من الاصباح:
يا رب اننى هنا، و فى كل وجدانى، احمدك بكل مشاعرى و احاسيسى و روحى و عقلى، لانك اطلقت لنا الصباح من قلب الليل، و الضياء من عمق الظلمه، فعشنا المتعه الروحيه فى امتداداتها الضوئيه التى منحتنا اشراقه الروح و حيويه الحركه و سعاده الاحساس، و تحركنا نحو مطالبنا الجسديه فى الحصول على القوت الضرورى الذى لا حياه لنا بدونه، و حصلنا على الفرصه المفتوحه على حمايه انفسنا من كل الاوضاع الصعبه التى قد تودى بنا الى الوقوع فى الاخطار المهلكه التى تسى ء الى امتنا، و تقضى على حياتنا، و هذا ما يحقق لنا التوازن فى حركه الحياه من خلال الافق المفتوح على كل الوجود، و الفرص الكثيره التى تزودنا بكل حاجاتنا الماديه و المعنويه، و تحمينا من كل المشاكل و الاخطار المتحركه فى خفايا الزوايا المظلمه، فايه نعمه اعظم من هذه النعمه و اى حمد يبلغ معنى هذا الحمد.
اصبحنا و اصبحت الاشياء كلها لك:
يا رب، لقد اصبحنا- نحن عبادك من بنى آدم- فى هذا الصباح، فى شعور بالوحده الكونيه مع كل الموجودات الحيه و الجامده التى خلقتها و جعلت لها دورا فى حركه النظام الكونى، و اردت لكل واحد منها ان ياخذ موقعه فلا يتجاوزه الى غيره، فللسماء عالمها الذى ادرت نظامه و دبرت امره، فى الشمس التى تشرق فتعطى الكون النور و الدف ء و الحراره و الحياه، و تغرب فتمنحه الهدوء و السكينه و الانسياب الروحى الحميم، و السكون الهادى ء، و الراحه المسترخيه، و الروحانيه الصافيه، و خلقت القمر نورا يستمد من الشمس ضياءه، فيمنح الليل بهجه النور الهادى ء الرخى، و يضبط للزمن حركته عندما يبدا صغيرا فيكبر ثم يبدا فى رحله جديده ليعود كالعرجون القديم، و ياخذ دوره فى اشياء اخرى، و وزعت الكواكب التى لا تعد و لا تحصى على السماء كلها، و جعلت كل واحد منها كونا واسعا لتتكامل فى نظام هذا الوجود، و لتضى ء ظلام ارضنا من بعيد لتمنحنا الاحساس باحلام النور فى قلب الظلام، و لنهتدى بها فى ظلمات البر و البحر، و خلقت فى السماوات الكثير الكثير مما لم يصل الينا علمه، و لم نهتد الى تفاصيله مما و سعه علمك و انطلقت به قدرتك.
و للارض عالمها الذى تتحرك به الحياه الحيه فى الانسان بمختلف اشكاله و آرائه، و فى الحيوان الذى تتنوع اصنافه و اجناسه و اوضاعه فى برها و بحرها و سهلها و جبلها و فى اعماقها السحيقه، و الحياه الناميه فى النبات، فى شجره و ثمره و عشبه و ورده و الوانه الزاهيه و اشكاله الجميله التى تمنح الحياه خضره و جمالا، و الوجود الجامد الساكن الذى تتنوع خصائصه تبعا لتنوع طبيعه الموجودات المتناثره فيه.
اننا اصبحنا- يا رب- فى هذا الصباح و اصبحت الاشياء كلها فى وحده الوجود، الذى يتحد جوهره و تختلف خصوصيته، فى السماء و الارض و فى داخلهما، مما اودعته فيهما من الموجودات الساكنه و المتحركه و المنبسطه و الشاخصه، فى آفاق الفضاء و فى اعماق الارض، و هكذا يتنامى احساسنا بان الوجود يتكامل فى مواقعه، حيث يعطى كل موقع الموقع الاخر شيئا من ذاته فى خصوصيته و حركيته و امتداده، ليكمل له ما نقص من شروط حياته فى حيويتها و استمرارها، فليس هناك قاهر و مقهور فى حركه الصراع بين الموجودات، بل هناك تكامل فى تاكيد فاعليه النظام الكونى الذى ابدعته و حركته و دبرته بقدرتك و حكمتك، و جعلت فيه لكل شى ء قدرا، و اردت للانسان ان يمارس دوره فيه من خلال الرساله التى حملته اياها ليدير نفسه و يشرف على الحياه من حوله، بعد ان سخرت له الكون كله.
اصبحنا فى قبضتك:
يا رب، لقد اصبحنا فى هذا الصباح، فى هذا العالم الرحب الواسع، العميق الذى يضرب فى الفضاء الى ما لا نعرف مداه، و ينطلق فى العمق الى ما لا نحيط به، الذى تمسك به فى سيطره القوه المطلقه التى لا يفلت منها شى ء، و العلم المطلق الذى لا يغيب عنه شى ء، و الملك المطلق الذى يمتد فى كل شى ء، و السلطان المطلق الذى يحكم كل شى ء، فانت ولى كل شى ء.
اصبحنا- يا رب- فى احساسنا بالعظمه المطلقه التى لا ندرك حقيقتها و لا نحيط بمداها، نعيش الشعور باننا خاضعون لمشيئتك التى هى سر وجودنا فى طبيعته و تفاصيله، فنحن- هنا- نعيش فى احتضانها لنا فى كل حاجاتنا، حتى كاننا نحس بانك تضمنا بحنانك من خلالها.. و هكذا نجد ان ملكك و سلطانك فى كل ما يحتويه من الوجود كله، يحوينا فى كل سيطرته و قوته.
انك- يا رب- اعطيت الكون نظامه فلا يتصرف فيه احد الا بامرك، و لا يتحرك فى تحولاته و تقلباته الا فى نطاق الخطه التى و ضعتها له فى تدبيرك، و لا يملك الحريه فى التمرد على قضائك فى السنن الكونيه التى ابدعتها فى عمق الوجود، و لا يستطيع الحصول على الخير الذى يجلب له النفع و يدفع عنه الضرر فى كل اموره، الا من خلال ما اعطيته اياه من الخير، فى ما قدرت له من الرزق على اساس حركه الاسباب الخفيه و الظاهره فى حركه الوجود و الانسان.
اننا- يا رب- عبادك الذين خلقتهم بقدرتك، و دبرت امرهم بحكمتك، و اشرفت عليهم برحمتك، و احتضنت حياتهم بعطفك و حنانك.
اننا- هنا- عبادك الذين يتحسسون قدرتك و سلطانك و ولايتك فى وجودنا كله، و نتطلع اليك تطلع الانسان الذى يعيش الشعور بالحاجه المطلقه الى الغنى المطلق فى كل شى ء.
اللهم هذا يوم حادث جديد و هو علينا شاهد عتيد:
يا رب، لقد اردت لنا- فى تدبيرك الكونى فى حركه الزمن و امتداده- ان نتجدد فى كل يوم فى احساسنا بالزمن، باعتبار ان لنا فى استغراقنا بالنوم حاله موت موقت، و فى يقظتنا حاله بعث و تجدد للحياه، فهناك زمن يموت بانقضائه، و هناك زمن يولد بامتداده، لنحس امامك بنعمه الحياه المتجدده فينا بشكل متحرك لا يستغرق فى البدايه و النهايه، بل يسير فى كل خطوه من خطوات الحياه ليرى فيها شيئا جديدا و ولاده متجدده.
و اذا كان العمر فى امتداد الزمن و تجدده هو الحياه فى اجسادنا، و هو السر فى حركتنا، فانك اردتنا ان نعيش مسووليتنا فيه، فنشعر بان لحظات الزمن فى هذا اليوم او ذاك، عيون تحدق بنا فى كل اوضاعنا و افعالنا و اقوالنا، و شهود يشهدون لنا او علينا غدا بين يديك، من خلال هذا الحضور الذى يمثل حركه الوجود فينا فى كل دقائق حياتنا، و ينفعل بالسلبيات و الايجابيات فى مسوولياتنا الحركيه بحيث نتمثله احساسا شعوريا يغضب للاساءه و يرتاح للاحسان، فاذا احسنا انفتح الينا فى نهايه دوره ليودعنا- باهتمام- فى موقف حمد على احساننا، و اذا اسانا ادبر عنا فى اهمال غاضب، و فارقنا فى موقف ذم على اساءتنا.
و هذا الاحساس العميق بوعى الزمن للانسان، هو الذى يفرض عليه وعى مسووليه الزمن لديه، فلا يهمله فى حركه الحاضر نحو المستقبل، و لا يتوقف امامه ليحس بالسام و الملل منه انتظارا لمروره بسرعه، او ليراه عبئا ثقيلا عليه ليعمل على قتله او قطعه، او ليضيعه على اساس ان تنتهى مرحله من دون مسووليه فى انتظار مرحله اخرى بعيدا عن وعى المرحله السابقه.
ان التصور الايمانى للزمن هو انه يمثل عنصرا حيا واعيا يراقب الانسان باعماله ليتفاعل معها سلبا او ايجابا تبعا لطبيعتها، ثم ليشهد عليه امام الله من خلال حضوره فى عمق حياته.
فيا رب، اننا نتطلع اليك فى هذا الصباح، لنبتهل اليك ان تجعل صحبتنا له فى امتداده فى كل ساعاته، صحبه تتميز بالخير الذى نعمله، و بالشر الذى نتركه، لنكون الاصحاب للزمن فى حركته فى وجودنا، المخلصين لك، يا من خلقته و خلقتنا، و ابقيتنا فى داخله المعصومين من الاعمال التى تجعل رفقتنا رفقه سوء، فلا تجعلنا نرتكب المعصيه فى اعمالنا، فى صغائر السيئات و كبائرها، لاننا نريد ان نطيعك فى الصغير من امورنا و الكبير منها، فى كل ما يقربنا اليك و يمنحنا محبتك، حتى لا نفارق يومنا هذا مفارقه سوء.
و فقنا للحصول على الحجم الكبير و العدد الوفير من الحسنات، و للابتعاد بخطواتنا الماديه و المعنويه عن السيئات.
املا هذا اليوم- فى ما بين الصباح و المساء- حمدا نحمدك به بكل محامدك، و تحمدنا به بكل طاعتنا لك، و اجرا على ما نقدمه من اعمال الخير فى اعمالنا، فترتفع به درجاتنا، و يزداد به قدرنا عندك، و ذخرا لنا فى ما تذخره لنا من الحسنات، و فضلا تمنحنا فيه مغفرتك و رحمتك، و احسانا ترزقنا به جنتك و رضوانك.
اللهم انك كلفت الكرام الكاتبين من ملائكتك احصاء اعمالنا، و جعلت السيئات ثقلا عليهم فى ما يثقلهم من كل الاعمال التى تثير غضبك، و جعلت الحسنات يسرا عليهم، مما يفتح قلوبهم على الفرح الروحى بطاعتك فى اعمال عبادك، و ييسر لهم القيام بمسووليتهم فى يسر و راحه و سرور.
اللهم اننا نسالك ان تيسر عليهم مونتنا باعمالنا الخيره، فلا يجدون عسرا فى القيام بدورهم و تنفيذ مهمتهم، و ان لا تجعلنا نقف امامهم موقف الخزى من خلال اعمالنا السيئه، التى تجلب لنا العار فى حياتنا، و تخزينا امام ملائكتك و امام الناس اجمعين.
اللهم اجعل لنا فى كل ساعه نصيبا من شكرك:
يا رب، اننا عبادك المومنون بك، السائرون اليك، المنفتحون عليك فى هذا اليوم، فليكن لنا من توفيقك و لطفك و رحمتك ان تجعل لنا حظا من عبادك الذين ارتضيتهم و احببتهم و منحتهم علو الدرجه فى العلم و المعرفه و التقوى و الاستقامه و السبق الى الخيرات، حتى نعيش معهم، و نرتفع بهم، و نزداد قربا منك فى اللقاء بهم، و نحرك حياتنا نحو الخير و الصلاح من خلال الاقتداء بهم.
اعطنا محبتهم و مودتهم حتى نتحسس منهم عمق الانسانيه فى حركيتها نحو انسانيتنا الباحثه عن الحب الصادق، و الروحيه الخالصه، و العمل الصالح. و اعطنا- يا رب- فى اجواء عبادك الصالحين، سر الاخلاص لربوبيتك فى معنى الاحساس العميق بعبوديتنا لك، لنعبدك باخلاص، و لنذوب بين يديك بصفاء، و لنخضع لكل اوامرك و نواهيك بايمان، و لنشعر- دائما- بان حظنا من عبادتك هو الحظ الاوفر الذى يمثل سعاده الدنيا، و فرح الحياه، لانها تشدنا اليك، و تقربنا منك، و تعرج بارواحنا الى رحاب قدسك، و تفتح لنا ابواب رضوانك، و تسير بنا الى الساحات الرائعه من جنتك.
اللهم اعطنا روحيه الشاكرين لك، لنشكرك فى كل نعمك عندنا، و كل ما بنا من نعمه فهو منك، فقد وهبتنا وجودنا و متعتنا بحياتنا و سخرت لنا الكون كله لننعم به هواء نتنفسه، و غذاء نتغذى به، و ماء نشربه، و ارضا نسكنها، و لذات نستمتع بها، و لباسا نلبسه، الى غير ذلك، مما يجعل لحياتنا معنى، و لوجودنا عمقا و امتدادا و حركه و حيويه، فى انفتاح انسانيتنا على الوجود كله، و على الانسان كله، و على كل آفاق القدس فى آفاق الوهيتك.
اجعلنا- يا رب- نشكرك بقلوبنا و السنتنا و اجسادنا و كل مواقع حياتنا، حتى تتحول كل قضايانا الى قضيه واحده، تتصل بشكرك على نعمك.
اللهم اجعل لنا من ملائكتك الذين اعطيتهم سر الوجود، و كلفتهم رعايه الانسان، و اردتهم شهودا على حركته فى الحياه، اللهم اجعل لنا منهم شاهد صدق تنطلق اعمالنا الصالحه امامه فى خط طاعتك و عبادتك، ليشهد لنا من موقع الصدق الذى نجسده، باننا كنا عبادك المخلصين و اولياءك المتقين، لنشعر بالاعتزاز بشهادتهم فى رحاب القيامه، لانها تقودنا الى ساحه رضوانك و رحاب جنتك.
اللهم احفظنا حفظا عاصما من معصيتك:
يا رب، انت ولى الحياه التى تضج فى اجسادنا، و القوه التى ترتكز عليها حركتنا، و الصحه التى ترتاح فيها اوضاعنا، و الامن الذى يسلم فيه وجودنا، لانك ولى الوجود كله، و المهيمن على الامر كله.
اللهم امنحنى الحفظ فى كل نواحى الحياه، من كل الاخطار، و الحمايه من كل الاسواء، حتى انعم بحياتى فى دعه و راحه و رخاء و صحه و عافيه. و لكنى- يا رب- لا اريد هذا الحفظ ذاتيا يتحرك فى وجودى من اجل الذات التى تنفتح على اللهو و العبث، و تتمرد على خط طاعتك، و تلتقى بمواقع معصيتك، فى نداء الغريزه المحموم نحو الحرام، و حركه الجسد فى ساحات اللذه، و اندفاع الذات نحو الانحراف عن الخط المستقيم، لان مثل هذا الحفظ الباحث عن لذته، المستغرق فى شهوته، التائه عن طريقه، المنفتح على دنياه بعيدا عن آخرته، لا يمنح الانسان السلام الروحى عندك، و لا يحقق الامن العملى فى رحاب يوم القيامه، و لا يدخل صاحبه فى جنتك، و بذلك يكون حفظا يودى الى الهلاك الدائم.
و لكنى اريد حفظا روحيا يمتد فى عقلى و روحى و جسدى، فيتحول الى احساس متحرك بالرقابه الدائمه لكل كلمه او حركه او علاقه او موقف او موقع، ليكون حمايه من معصيتك فى ذلك كله، فيعصمها من التمرد على اوامرك و نواهيك، و هدايه الى طاعتك فتكون القوه حركه فى الالتزام، و الصحه انفتاحا على رضاك و استعمالا لكل ما يقربنى من رضاك، و يمنحنى محبتك فى ما انطلق به من السير على الخط المستقيم، ليجتمع لى من ذلك سلام الدنيا فى طاعتك، و سلام الاخره فى جنتك و رضوانك.
اجعلنى يا رب احب الحياه فى رضاك، و لا انطلق بها فى سخطك.
اللهم وفقنا لاستعمال الخير:
يا رب، اجعلنى من الذين يخططون للزمن فى حركه العمر، الذين يسيرون من خلاله الى ما فى الدار الاخره، و يتحركون فى داخله على قاعده المسووليه فى ما يفعلون او يتركون، او فى ما يتخذونه من مواقع، او يركزونه من مواقف، حتى يكون الزمن فى بداياته- ليلا او نهارا- خاضعا لكل العناوين الكبرى التى اردت للحياه الانسانيه ان تخضع لها فى كل مفرداتها الجزئيه، فينطلق كل عمل، و تنطلق كل كلمه او ايه علاقه، بعيدا عن الانفعال او السطحيه، التى يكون فيها الانسان ريشه فى مهب رياح النفس الاماره بالسوء، او خشبه فى مجرى التيار المجنون، لا يملك ان يريد او لا يريد.
اللهم وفقنى لان اكون فى يومى هذا او ليلتى هذه، و فى كل ايامى التى استقبلها فى حركه عمرى، ممن ينفتح على الحياه باسلامه، لتكون كل لحظه من لحظات الزمن مملوءه بقيمه روحيه و عمليه من قيم الاسلام، فى ما تريد لنا ان نعمله او ان نتركه، ليكون الزمن مسلما فى ما يحمله من معنى الاسلام المتحرك فى وجودى السائر اليك، و لاكون الانسان الكادح اليك فى جهدى و جهادى لالاقيه لديك.
اللهم اجعل الخير كل حركه حياتى مما يصدر منى من قول او فعل، و ما اتخذه من موقع او موقف او علاقه، فى ما يتصل بالانسان و بالحياه، من خلال المنهج الذى اردت للانسان ان يتبعه فى كتابك و سنه نبيك فى ايجابيات الواقع المتحرك فى ارادته المنفتحه على الصلاح و الاصلاح.
و ابعد الشر عن كل اوضاعى، و وفقنى لهجرانه حتى لا يصدر منى فى الداخل من نفسى فى ما افكر به او انويه او اخطط له، و فى الخارج منها فى ما اتكلم به او اعمله او اوجه الواقع اليه، لاننى اريد لنفسى من خلال ارادتك ان اكون الانسان الرافض لكل السلبيات العمليه التى تزيد الحياه خللا و تملاها فسادا و تودى بها و بالانسان فيها الى السقوط و الهلاك.
و وفقنى يا رب لوعى الخير فى مضمونه الفكرى و العملى، و لوعى الشر فى معانيه و مفرداته، حتى لا تختلط الامور على فى ما آخذ به او ادعه، فاترك الخير من خلال ما يخيل لى انه الشر، و افعل الشر من خلال ما اتوهم انه الخير. فقد تكون مشكله الكثيرين من الناس المخلصين اليك انهم لا يملكون وضوح الرويه للاشياء، و لا يميزون فى التصور بين المفاهيم، فينحرفون من حيث يعتقدون انهم يستقيمون فى خط السير، و يضلون فى المواقع التى يتوهمون انها مواقع الهدى.
اللهم اننى اعرف- بايمانى- ان الخير هو ما امرت به، و ان الشر هو ما نهيت عنه، فاهدنى الى الطريق الذى اعرف فيه مواقع امرك و نهيك فى مواقع الخير و الشر، فى رضاك و سخطك، و اجعلنى من اهل الخير و لا تجعلنى من اهل الشر، فى الوعى الفكرى و الممارسه العمليه.
و شكر النعم:
اللهم اجعلنى ممن يتحسس نعمك الظاهره و الباطنه فى وجدانه، فكرا فى خط الوعى و فى حياته، و احساسا فى خط الواقع، فيمتلى ء بها عقلى و ينفتح لها قلبى، و تتحرك بها حياتى، لاراك فى كل واحده منها ربا منعما فى احسانك اليه، و لاعيش فى مواقع نعمك عندى التى لا تخلو كل حركه عمرى منها، و قد قلت فى محكم كتابك: (و ان تعدوا نعمه الله لا تحصوها)(ابراهيم: 34) و قلت- سبحانك-و ما بكم من نعمه فمن الله)(النحل: 53)، فلا حياه لنا الا من خلال نعمتك، لان الوجود كله هو عمق النعمه الكبرى، حيث اخرجتنا من العدم و جعلت- من كل واحد منا- شيئا مذكورا، و هكذا نجد اننا نتقلب فى نعمك عندما نطيعك بوسائل نعمك، او نعصيك باستعمال ما انعمت به علينا فى معصيتك، مما يجعل من الطاعه معنى يتصل بك، و من المعصيه شيئا يوحى الينا بالسقوط النفسى و الروحى، لاننا نستعين بنعمك على معاصيك، و ذلك هو منتهى الحقاره الانسانيه.
اللهم اجعلنا ممن يشكر نعمتك، شكر الكلمه فى مفهومها الحى المتطلع اليك، المنفتح على لطفك و رحمتك، و شكر العمل فى طاعتك المعبر عن تجسيد الاحساس بالجميل بالموقف الايجابى فى طاعتك، فان الشكر يغنى انسانيتنا من خلال انفتاحها على سر الربوبيه فى رعايتك لعبادك، و احتضانك لكل آلامهم و احلامهم فى الحياه، لترتفع بهم- فى شكرهم لك- فى الدار الاخره.
و اجعلنا- يا رب- ممن يشكر عبادك الذين ينطلقون بالنعم علينا من خلال ما انعمت به عليهم، حتى يكون شكرنا لهم تعبيرا عن اعترافنا العميق بالجميل، و تشجيعا لهم على المزيد من العطاء للانسان و للحياه من جهدهم فى فكرهم و مالهم و جاههم، و شكرا لك فى العمق لانك ولى النعم فى كل خلقك، و طاعه لك فى ما امرتنا به ان نشكر و الدينا كما نشكرك، باعتبارهما النموذجين البارزين للنعمه التى يقدمها المخلوق للمخلوق، لان من يكفر النعمه للمخلوق فى قربها من حركه العطاء المحسوس فى حركه المعطى، فقد يكفر النعمه للخالق باعتبار انه لا يستشعر حركه العطاء الصادر منه لعباده.
و اتباع السنن و مجانبه البدع:
اللهم انك شرعت لنا فى شريعتك، فى كتابك و سنه نبيك، الكثير مما اردت لنا ان نفعله فى اعمالنا، او نتركه فى امورنا، فى الاحكام التى تتعلق بافعال الانسان و تروكه، و اردت لنا ان لا نحيد عن ذلك و لا ننحرف عنه، لانه الطريق المستقيم الذى يودى اليك و يتصل بمواقع رضاك، و لانه المنهج الذى جعلته للحياه كلها فى حركه الانسان، و الطريقه الحقه التى تمثل خط السير فى الواقع كله.
و قد حذرتنا من البدعه فى الدين، مما كان مضادا للتشريع الاسلامى بشكل مباشر، او كان مما لم يشرعه الشارع، و لم يلتق برضاك، لانك لم ترد لعبادك ان يتدخلوا فى التشريع على خلاف ما شرعت، او بعيدا عنه، حتى انك لم ترخص لنبيك محمد (ص)- الذى هو اقرب خلقك اليك- ان يزيد حرفا او ينقص حرفا، عما او حيت به اليه او شرعته له فقلت- سبحانك-:
(و لو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من احد عنه حاجزين)(الحاقه: 47 -44).
و بهذا كانت البدعه انحرافا عنك و تمردا عليك و ابتعادا عن خطك المستقيم و عن معنى العبوديه فى عمق التزامها بك و خضوعها لك، فانك اردت ان تكون عباده عبادك لك من حيث تريد فى التخطيط التشريعى، لا من حيث يريدون، لانك اعرف باسرار الاشياء، و بما يصلح امرهم او يفسده، فلا حريه لهم فى التحرك فى خط المنهج العملى الا من خلال ما منحتهم منها فى ما او كلت اليهم امره.
اللهم وفقنا لاتباع السنن التى شرعت، فى ما اوحيته لرسولك او الهمته بها، و مجانبه البدع التى ابتعدت عن ذلك، حتى تكون حياتنا صوره لارادتك فينا، و لا تكون حركتنا بعيده عن منهجك.
اجعلنا مسلمين نلتزم بالاسلام كما انزلته، و لا تجعلنا مسلمين منحرفين فى الخطوط التى انحرفنا بها عن خطك المستقيم.
و الامر بالمعروف و النهى عن المنكر:
اللهم انك اردت للحياه فى حركه الانسان ان يكون المعروف عنوانها الكبير فى كل مفرداتها على مستوى الكلمه و الفعل و العلاقه و الموقع و الموقف، و عرفتنا ان المعروف هو ما امرت به، و اذا كان امرك فى كل مواقعه منطلقا من مصالح عبادك فى ما يعملون، فان سر المعروف بالحياه يمثل مصلحه الانسان فيها، و بذلك يكون الانحراف عنه، انحرافا عن خط الصلاح فى الانسان، مما قد يودى الى الخلل فى اوضاعها، و السقوط فى قضاياها، و الوقوع تحت تاثير الشر الكبير من خلال وصول الاشرار الى قياده الحياه.
و اردت- يا رب- الى جانب ذلك، ان تبتعد الحياه عن عنوان المنكر، كعنوان للمفاسد التى تسى ء الى سلام الانسان فى نفسه و فى مجتمعه و الى مصالحه الحيويه، كما تسى ء للحياه فى استقرارها على اساس الاهتزازات النفسيه و العمليه التى يثيرها المنكر فى وجودها على مستوى الواقع و الامتداد، الامر الذى يحول الحياه الى مشكله متنوعه الابعاد، بحيث يعيش الانسان فى داخلها فى مشكله متحركه دائمه.
و بذلك يكون الانفتاح على المنكر انفتاحا على خط الفساد فى الانسان، بحيث يودى به ذلك الى الابتعاد عن مواقع السمو فى روحه، و الخير فى حركته، و السعاده فى وجوده، و يجعل الواقع خاضعا للذين ينزلون بالانسان الى الدرك الاسفل من العذاب فى مواقع الهاويه.
اللهم اجعلنى ممن يامر بالمعروف اذا ترك الناس الاخذ به، و ينهى عن المنكر اذا اخذ الناس به، لاكون من الذين يحرسون الحياه من المجرمين و المنحرفين الذين يسيئون الى طهارتها و سلامتها و قوتها و امتدادها نحو مواقع الاشراق و السمو و الابداع.
و وفقنى لان احقق هذا المنهج الحركى فى حياتى بالقوه، اذا كانت القوه تمثل واقع طاقتى فى حركه المسووليه، و بالكلمه، اذا لم تكن القوه الماديه امرا واقعيا لدى، و بالقلب الرافض للمنكر، المنفتح على المعروف، بحيث يتمثل ذلك فى نظرات عينى، و ملامح وجهى، و مواقع وجودى، و طريقتى فى المواجهه للاخرين العاملين بالمنكر، التاركين للمعروف.
و حياطه الاسلام:
اللهم انك جعلت الاسلام لنا دينا، نتدين به فى عقيدتنا، و نطبق شريعته فى حياتنا، و ندعو اليه فى دعواتنا، و ننصره بكل ما لدينا من قوه، فى كل ساحات الصراع بينه و بين الكفر، و نقوى مواقعه الفكريه و العمليه فى مواجهه الذين يريدون اسقاط مواقعه، و نحيطه بما نحيط به انفسنا و اهالينا، فيكون الاسلام همنا الكبير، و رسالتنا الكبرى، و القضيه الاساس، لتكون كلمته، التى هى كلمه الله، العليا، و كلمه الكفر، التى هى كلمه الشيطان، السفلى.
و هذا هو العنوان الكبير الذى لا بد لكل مسلم ان يجعله عنوان اهتماماته الفكريه و العمليه، بحيث لا يكون الاسلام على هامش حياته، كما لو كان شيئا تقليديا ميتا لا حيويه فيه و لا حراره فى احساسه به، لتنطلق المواقف فى كل الامه على هذا الاساس، فتكون ساحات الصراع هى ساحات القوه للاسلام و العزه للمسلمين، من خلال تكامل كل الطاقات الاسلاميه فى حمايه الواقع الاسلامى و حياطته من كل سوء.
و انتقاص الباطل و نصره الحق:
اللهم انك اردت للباطل ان يسقط فى الحياه، فلا ياخذ الانسان به فكرا و حركه و منهجا و هدفا، لانه يلتقى بالكفر و الشرك و الضلال و الفسق و الفجور و الظلم و الطغيان و نحو ذلك، مما يثقل مسيرتها، و يسقط قيمتها.
و لذلك اردت لنا ان نتابع عيوبه و نقاط ضعفه فى ملاحقه دائمه لكل مواقعه، لنقدمه الى الناس من خلال هذه الصوره المشوهه المنفره التى تبعدهم عن الالتزام به و الانتماء اليه.
و شجعتنا على اقتحام مواقعه، و اضعاف مواقفه، و اسقاط قوته، و تدمير قواعده، و تشتيت جماعته، و تمزيق و حدته، و اذلال وجوده فى كل جوانبه، لان ذلك يمنعه من التاثير السلبى فى قضايانا و اوضاعنا و مصائرنا.
و اردت للحق ان يرتفع فى الحياه و يحكمها و يقودها و يوجهها الى اهدافه الكبرى، ليكون الفكر للحق كله، و تكون الساحه له، و يتحول الانسان الى انسان الحق فى كل اهتماماته و نوازعه و اوضاعه العامه و الخاصه، لان ذلك هو سبيل النجاه، و سر السمو، و عمق الابداع.
و اردت لنا- الى جانب ذلك- ان نتابع نقاط قوته، لنحركها فى مواقع القوه فى الحياه، و نثبت قواعده، و نوكد وحدته، و نجمع اهله، و نعز وجوده، فذلك ما يفتح له ابواب الحياه، و يساعده على التاثير الايجابى فى قضاياها و اوضاعها.
اللهم ارنا الحق حقا، و الباطل باطلا، و ارزقنا الالتزام بالحق و رفض الباطل، و وفقنا للعمل على انتقاص الباطل فى كل مواقع نقصه، و اذلاله فى كل ساحات عزه، و للانطلاق فى نصره الحق فى كل ساحات الصراع، و اعزازه فى كل مواقع التحدى، لتقوم الحياه فى امتدادها على اساس الحق، و لتبتعد عن قاعده الباطل، فان الحق هو الاساس الذى بنيت عليه الحياه فى كل وجودها، و انك انت الحق فى الوجود كله، و ان ما يدعون من دونك هو الباطل، و ذلك هو قولك- سبحانك-:
(ذلك بان الله هو الحق و ان ما يدعون من دونه هو الباطل)(الحج: 62).
و ارشاد الضال:
اللهم، انك حملتنا مسووليه الهدى و الضلال فى حركه الانسان نحو غاياته الكبرى، فلم ترد لنا ان نقف موقف اللامبالاه، و ان نكون فى مواقع الحياد بينهما، بل اردتنا ان نكون الى جانب الهدى فى مواجهه الضلال على مستوى النظريه و الممارسه.
و هكذا اردت لنا ان نملا الحياه بالهدى، فلا نترك اى فراغ لايه خطه ضلال، و ان نتابع الضالين بارشادهم الى طريق الهدى، بكل الوسائل التى تودى الى قناعتهم و التزامهم من خلال فكر الكلمه، و حركه الموقف.
اللهم فارزقنا السير على هذا الخط، ليكون ارشاد الضال فى مستوى الاهميه الكبرى من اهتماماتنا، و اذا كنا نخطط لارشاد الضالين فى افكارهم و انتماءاتهم و مواقفهم، من موقع احساسنا بالمشكله الصعبه التى يواجهها الضال فى حياته، فلا بد ان نخطط لارشاد الضالين فى الدروب التى يسلكونها للوصول الى غاياتهم، فندلهم عليها، حتى لا يهلكوا فى التيه فى الصحارى الضائعه.
و عنوان ارشاد الضال يتصل بالدعوه الى الله فى هدايه الناس الى الاسلام، و الهدايه الى الموقف الحق فى حركه الواقع، عندما يتحرك الناس الى الموقف الباطل، و ابعادهم عن الخطا فى التطبيق عندما يخيل اليهم انهم يستقيمون فى سلوك طريق معين، فى الوقت الذى كانوا ينطلقون بعيدا فى خط الانحراف.
و قد جاء عن الرسول محمد (ص) فى ما رواه اميرالمومنين على بن ابى طالب (ع) قال: «لما وجهنى رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) الى اليمن قال: يا على، لا تقاتل احدا حتى تدعوه الى الاسلام، و ايم الله، لئن يهدى الله عز و جل على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس و غربت، و لك ولاوه».
و معاونه الضعيف:
يا رب، ان هناك من عبادك الضعيف الذى لا يملك القوه فى بدنه، او فى موقعه، او فى ماله، او فى جاهه، مما يجعله فى حاجه الى الاعانه فى بعض ما هو فيه من شوونه العامه و الخاصه، حتى لا يضطهده الاقوياء، و يسيطر عليه المستكبرون، فينتقصون من انسانيته، و يمتهنون كرامته، و يسقطون عزته، و يمنعونه من حقه، و يظلمونه فى نفسه و ماله و عرضه و اهله و ولده.
و قد اردت- يا رب- للضعيف ان لا يستسلم لضعفه، و لا يسقط تحت تاثير اراده القوى الذى يعمل على سحق ارادته، و لا يرى فى ضعفه مبررا للسقوط و الخضوع للفكر المنحرف و المنهج الضال و الخط الفاسد، مما يفرضه عليه المستكبرون.
و لكنه قد يكون فى الحاله التى لا يملك- معها- لنفسه ضرا و لا نفعا، فلا يستطيع حيله و لا يهتدى سبيلا، و قد يكون فى الحاله التى يعيش عندها الاهتزاز بين عناصر القوه و الضعف، فيفقد توازنه العملى فى حركته، فى هذا الجو لا بد للذين يملكون بعضا من اسباب القوه ان يمنحوه ذلك من انفسهم، فيملك نفسه، و يثبت فى موقعه، و يواجه التحدى بالتحدى المماثل فى ساحه الصراع.
اللهم وفقنى لان اكون من المومنين الذين يتحملون المسووليه فى قوتهم ليقدموها الى الضعفاء من امتهم، و ليتعاونوا مع الاخرين فى ذلك كله، فيشعر الضعيف ان هناك من يساعده و يعاونه و يقف معه فى كل المواقف الصعبه.
و ادراك اللهيف:
و هناك- يا رب- الكثيرون من الناس الذين يقعون تحت تاثير الظلم الذى يحاصرهم فى حياتهم، فيطلقون الاستغاثه تلو الاستغاثه، و الحسره تلو الحسره، من خلال مواقع الاضطرار الضاغط عليهم فى مشاعرهم و احاسيسهم.
و قد احببت لعبادك المومنين ان يغيثوا الملهوف ليردوا لهفته، و ينفسوا كربته، انسجاما مع روحيه المومن فى الانفتاح على المومنين.
اللهم فاجعلنى من هولاء الذين يردون لهفه اللهفان، و ينفسون عن كربه المكروب، حتى احصل من ذلك على رحمتك، فى الدنيا و الاخره.
و روى عن النبى محمد (ص) انه كان يحب اغاثه اللهفان.
و قد جاء عن اميرالمومنين (ع): «من كفارات الذنوب العظام اغاثه الملهوف و التنفيس عن المكروب».
و عن زيد الشحام قال: سمعت ابا عبدالله (عليه السلام) يقول: «من اغاث اخاه المومن اللهفان اللهثان عند جهده، فنفس كربته، و اعانه على نجاح حاجته، كتب الله عز و جل له بذلك ثنتين و سبعين رحمه من الله يعجل له منها واحده يصلح بها امر معيشته، و يدخر له احدى و سبعين رحمه لافزاع القيامه و اهواله».
اللهم و اجعله ايمن يوم عهدناه:
يا رب، انك اردت منا ان نتطلع الى الافضل و الاعلى فى حياتنا، مما ناخذ به من اسباب الخير و السعاده، و مما نحلم به من زياده البركه و الفضل، و مما نرغب به فى عبوديتنا لك من الحصول على الدرجه العليا من رضاك، من بين خلقك، و ها نحن نبتهل اليك فى هذا اليوم، ان يكون يومنا هذا فى عطائه الروحى و حركته العمليه من اكثر الايام التى مرت علينا بركه و سعاده فى طاعتنا لك و عملنا فى سبيلك، و ان يكون من افضل الاصحاب الذين صحبناهم، بما فى ذلك الزمن الذى يمثل عمرنا المنفتح على وجودنا، بحيث يكون الاوفى فى رفقته لنا، من خلال النتائج العظيمه التى نحصل عليها منه، و ان يكون خير وقت نستظل فيه و نسترخى و نرتاح، فى عطائه المعنوى فى دنيانا و آخرتنا.
اننا نريد- يا رب- عمرا يتحول الزمن فيه الى خط تصاعدى يتجه الى معارج القدس عندك فى كل يوم، و ينطلق نحو مدارج الانس فى القرب منك فى كل لحظه، ان اكون الارضى لك من بين عبادك، من خلال الرضى بقضائك، و الاستسلام اليك، و الاخلاص لك، و الصدق فى العمل لك، و الانفتاح على كل مواقع محبتك، فاكون الاكثر شكرا لما اوليتنى من نعمك الظاهره و الباطنه فى حياتى كلها، و الاقوم بكل شرائعك التى شرعت، و احكامك التى فرضت، ليكون قيام حياتى كلها فى المواقع التى تجسد الالتزام العملى الاقوى فى الثبات على خطك المستقيم، و الاوقف الذى يزداد حذرا و خوفا و استقامه امام حدودك التى حددت، و نواهيك التى نهيت، و تعاليمك التى حذرت، فاقف عند مواقع حرامك، فلا اقترب منها حتى على مستوى الشبهه، و لا آخذ بما يودى بى الى الضعف عن الطاعه او الى القوه على المعصيه، و اتطلع الى رضاك فى كل ما يقربنى من رضاك، لان ذلك هو الذى يحقق لى الحصول على محبتك، و يجذبنى الى ساحه قربك، و يخرجنى من الظلمات الى النور فى ايام حياتى كلها، فازداد نورا فى كل يوم من خلال طاعتى لك و انفتاحى عليك.
اللهم انى اشهدك بالايمان بك و برسولك:
يا رب، اننى اجدد لك فى كل صباح و مساء، و فى كل ساعه من ساعاتى، و كل موقع من مواقع حياتى، شهادتى لك بالايمان المنفتح على توحيدك الخالص الذى يلتزمه وجدانى فى العقيده فلا رب سواك، و وجودى الجسدى فى العباده، فلا معبود غيرك، و حركتى فى الطاعه، فلا مطاع بالحق الا انت، و بالوعى الفكرى و الروحى لكل الاسماء الحسنى و الصفات العليا التى هى اسماء العظمه فى عظمتك، و صفات الالوهيه فى صفاتك، فانت القائم بالقسط فى عبادك، فقد اعطيت لكل واحد منهم نصيبه فى حياته بما يستحقه من خلال علمك و تدبيرك، و انت العدل فى الحكم، فى كل ما تحكم به على عبادك فى كل امورهم الماديه و المعنويه فى الدنيا و الاخره، و انت الرووف بهم فى كل فيوضات رحمتك و عطفك، التى تسير بهم الى سعاده الدارين، و انت المالك للملك كله، فلا يملك احد شيئا الا ما ملكته، فالخلق كلهم مملوكون لك، من خلال خلقك لهم و لما يملكون، و الوجود كله ملكك، لانك ابدعته من العدم بقدرتك التى لا يحدها شى ء، و انت الرحمن الرحيم بالخلق كله، فهم يتقلبون فى ساحات رحمتك، و ينطلقون فى اجوائها فى كل ما يفيضون به من شوون حياتهم.
و اشهد يا رب لرسولك محمد (ص) بالرساله التى ارسلته بها رحمه للعالمين من خلال اخلاصه فى عبوديته لك، فكان بذلك الجدير بان تختاره من بين خلقك، مبلغا و رسولا و مبشرا و نذيرا و حجه على خلقك، فادى ما حملته من رسالتك فبلغها افضل ابلاغ، و اجهد نفسه فى ايصالها الى اكبر قدر ممكن من الناس، و نصح لامته فى كل ما يحقق لها السعاده فى الدنيا و الاخره، فوجهها الى الاخذ بالحق كله، و الترك للباطل كله، و السير فى خط طاعتك نحو مواقع رضاك من خلال الالتزام بامرك و نهيك، و انفتح على كل قضاياهم بالراى السديد و التوجيه الحكيم، حتى لا يخطئوا فى موقف، و لا ينحرفوا فى طريق، لتكون حياتهم سائره فى خط الصواب و الاستقامه فى الخط الذى يوصل اليك.
و تلك هى مهمه الانبياء فى دورهم الرسالى فى توعيه الناس بما يصلح امورهم و يبعدهم عما يفسدها، فليس الدين حاجه ذهنيه و روحيه من خلال فكره و ايحاءاته فى الوجود الذاتى التجريدى للانسان فى الحياه، بل هو، الى جانب ذلك، حاجه عمليه وجوديه تتصل بالقضايا الحيويه فى كل كيانه، لان الله جعل الرساله حلا لمشاكل الانسان لتكون عقلا من الخارج بالاضافه الى العقل الذى هو رسول من الداخل.
و ان الله يختار انبياءه من خيره عباده من خلال الروح المنفتحه على الله و على الانسان بالنصيحه و الاخلاص و الذوبان فى الرساله فى مضمونها الالهى و فى معناها الانسانى.
و قد كان محمد رسول الله، الانسان الرسول الذى اعطى انسانيته لرسالته، و حرك رسالته فى امته، و اطلق كل وجوده من اجل الوصول بالناس الى كل ما يرفع مستواهم الفكرى و الروحى و المادى و يحقق لهم السعاده فى الدنيا و الاخره.
اللهم صل على محمد و آله:
يا رب، لقد علمتنا و امرتنا بالصلاه على نبيك محمد، حيث حدثتنا عن صلاتك و صلاه ملائكتك عليه، و عرفتنا من خلال ذلك قربه منك، و رفعه موقعه عندك، و علو درجته لديك.
و نحن- عبادك المومنين- الذين اهتدوا بهداه و اتبعوا رسالته، ندعو من كل عقولنا و قلوبنا، ان تكون صلاتك عليه اكثر صلاه صليتها على احد من خلقك، من حيث هو الرسول الذى ادى رسالتك بكل جهده كما لم يودها احد، و ان تعطيه من ثوابك و رضوانك و الطافك افضل ما اتيت احدا من عبادك، لانه عبدك الذى اطاعك بكل روحه و جسده كافضل ما اطاعك احد منهم، و ان تجزيه عنا- نحن المسلمين- الذين انطلقوا فى خط رسالته الى ما فيه خلاصهم و صلاحهم فى كل امورهم، و تمنحه مما عندك من الكرامه فى مقابل ذلك افضل ما جزيت احدا من انبيائك عن امته، انك انت الرب المنان على خلقك بالجسيم من ثوابك، الغافر للعظيم من ذنوبهم بعفوك و مغفرتك، و انت الرب الرحيم الذى لا يبلغ احد من الرحماء رحمته التى امتدت فى الكون، و فى الانسان، فاعطت للكون وجوده و للانسان حياته و حركته و امتداده فى الحياه.