فارسی
شنبه 22 دى 1403 - السبت 10 رجب 1446
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه
0
نفر 0

دعاوه فى الاستعاذه من المكاره و سیى ء الاخلاق و مذام الافعال

دعاوه ‌فى‌ الاستعاذه ‌من‌ المكاره ‌و‌ سيى ء الاخلاق ‌و‌ مذام الافعال
 
 اهداف الدعاء:
 
 هل الدعاء مجرد صرخه انسانيه امام الله للحصول على حاله رغبه ‌او‌ للابتعاد عن موقع رهبه؟
 ‌و‌ هل ‌هو‌ ابتهال انسانى امام اللطف الالهى للتخلص ‌من‌ الالام الذاتيه، ‌و‌ المشاكل العمليه؟
 ‌و‌ هل ‌هو‌ حاله بكائيه ‌فى‌ استعطاف العبد لربه للنجاه ‌من‌ نار جهنم ‌و‌ الدخول ‌فى‌ الجنه ‌و‌ الامن ‌من‌ اهوال يوم القيامه؟
 هل ذلك- وحده- ‌هو‌ ‌ما‌ تمثله اغراض الدعاء ‌فى‌ التربيه الاسلاميه التى خطط لها الاسلام، ‌و‌ تحركت معها التجارب المتنوعه ‌فى‌ اساليبها ‌و‌ عناوينها، ‌و‌ منها تجربه الامام زين العابدين (ع)؟
 ‌ام‌ ‌ان‌ القضيه ابعد ‌من‌ ذلك، فهناك تطلعات انسانيه روحيه ‌و‌ آلام نفسيه، ‌و‌ تخطيطات عمليه، ‌و‌ مشاريع اخلاقيه؟
 انه انفتاحات الانسان الواسعه الممتده على ربه ‌فى‌ كل شى ء يتصل بحياته ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره، مما يفكر الانسان بحاجته الى الله للاستغاثه ‌به‌ ‌فى‌ دفع كل مكروه ‌و‌ جلب كل محبوب، ‌و‌ ‌فى‌ تركيز شخصيته على الاسس التى تكفل له الحصول على الكمال ‌فى‌ اخلاقه ‌و‌ عناصر نموه الروحى، ‌و‌ على الاستقامه ‌فى‌ افعاله ‌و‌ علاقاته ‌و‌ اقواله، ليكون الانسان المومن الصالح الذى يرفعه عمله الى الله، ‌و‌ يصعد ‌به‌ الى الدرجات العليا التى تجعله مرضيا عنده ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره.
 ‌و‌ هذا ‌ما‌ نلاحظه ‌فى‌ هذا الدعاء الصغير الذى جمع ‌فى‌ فقراته الحديث عن الصرخه الانسانيه للاستعاذه بالله ‌من‌ المكاره، ‌و‌ للاستغاثه ‌به‌ للتخلص ‌من‌ سيى ء الاخلاق ‌و‌ مذام الافعال، ليستبدل بها الاخلاق الحسنه، ‌و‌ الافعال المحموده، لان ذلك ‌هو‌ الوسيله المثلى للسعاده ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره، ‌و‌ للارتفاع بالنفس الانسانيه الى الافاق الروحيه العليا ‌فى‌ الكمال الانسانى ‌فى‌ ‌خط‌ الاسلام.


 اللهم انى اعوذ بك ‌من‌ هيجان الحرص.
 
مفهوم الحرص:
 
 ‌يا‌ رب، اننا نخلد الى الارض التى ننام عليها، ‌و‌ نمشى ‌فى‌ مناكبها، ‌و‌ ناكل ‌من‌ خيراتها، ‌و‌ نشرب ‌من‌ ينابيعها، ‌و‌ نستغرق ‌فى‌ شوونها ‌و‌ شجونها، ‌و‌ تبهرنا زخارفها ‌و‌ تسحرنا الوانها، ‌و‌ نحن نتحرك ‌فى‌ الحياه باجسادنا هذه التى جعلت لنا ‌فى‌ عمق حركتها عناصر الشهوات، ‌و‌ فتحت لنا ‌فى‌ اعماقها ينابيع الشهوات، ‌و‌ حولتها الى كتله ‌من‌ الاحاسيس ‌و‌ المشاعر التى قد تثور تاره ‌و‌ قد تهدا اخرى، ‌و‌ وجهتها الى كثير ‌من‌ الحاجات الداخليه ‌و‌ الخارجيه، فكانت بمثابه الاهداف التى نتطلع اليها بلهفه ‌و‌ شغف، كما نتطلع الى الاشياء التى تمثل ‌سر‌ حياتنا.
 ‌و‌ كانت مشكلتنا اننا استغرقنا فيها، ‌و‌ حدقنا ‌فى‌ اوضاعها ‌و‌ اشكالها، فكان لنا ‌من‌ ذلك شغل شاغل عن الانفتاح اليك، ‌و‌ على ‌ما‌ وعدت ‌به‌ عبادك المومنين الصالحين ‌من‌ رضوانك ‌و‌ نعيمك ‌فى‌ الدار الاخره، فلم نتعرف على التضحيه بالمال ‌و‌ اللذه ‌و‌ الحاجه ‌و‌ النفس ‌من‌ اجلك، بل حاولنا ‌ان‌ نحرص عليها كما لو كانت هى الخلود ‌او‌ الغايه، ‌و‌ منحناها كل اهتماماتنا، ‌و‌ حبسنا انفسنا فيها ‌و‌ تركنا كل ‌ما‌ عداها.
 انه الحرص الذى يسجننا ‌فى‌ داخل الذات ‌فى‌ شوونها الدنيويه، فنمتنع عن العطاء، ‌و‌ نبخل بكل شى ء، الامر الذى يقودنا الى ‌ان‌ تكون الدنيا كل همنا، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ تكون الاخره هما كبيرا لحياتنا، فلا نلتفت الى مواقع الوعى ‌فى‌ وحيك التى تثير ‌فى‌ تفكيرنا النظر الى فناء الدنيا بكل ‌ما‌ فيها، ‌و‌ خلود الاخره بكل ‌ما‌ تحتويه، ‌و‌ الى ضروره التوفر على ‌ان‌ نبتغى ‌فى‌ ‌ما‌ آتانا الله الدار الاخره ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ ننسى نصيبنا ‌من‌ الدنيا، لنحسن كما احسنت الينا، ‌و‌ نصلح كما اردت لنا الصلاح، فلا نفسد حياتنا ‌و‌ حياه الناس ‌من‌ حولنا، لانك ‌لا‌ تحب المفسدين.
 انه الحرص الذى قد يبعدنا عن وضوح الرويا للعمق العميق لما حولنا ‌و‌ ‌من‌ حولنا، ‌و‌ ذلك عندما يتحول ‌فى‌ نفوسنا الى ثوره ذاتيه انفعاليه لتغلق علينا كل ابواب الانفتاح على الافق الواسع ‌فى‌ رحاب رضوانك.
 ‌يا‌ رب، اننى عبدك الذى يتحسس خطوره الحرص على مصيره ‌فى‌ دنياه ‌و‌ آخرته، فاجرنى منه، ‌و‌ افتح عقلى ‌و‌ قلبى ‌و‌ شعورى عليك ‌فى‌ كل افكارى ‌و‌ احاسيسى ‌و‌ حركاتى ‌فى‌ الحياه، لانطلق بالامور كلها ‌من‌ خلالك، فاعرف انك- وحدك- الذى تعطى ‌و‌ تمنع، ‌و‌ ‌ان‌ عبادك الذين يتحركون ‌فى‌ تدبيرك ‌لا‌ يفقدون الامل باليسر عند العسر، ‌و‌ الفرج عند الشده، بل يتطلعون اليك دائما ‌فى‌ كل حالاتهم، ‌و‌ ليقتنعوا بانك الرب الرحيم الرازق المعطى الذى يعطى ‌من‌ ساله ‌و‌ ‌من‌ لم يساله تحننا منه ‌و‌ رحمه، فكيف يياس العباد ‌من‌ رحمتك، ‌و‌ كيف يحرصون على ‌ما‌ بايديهم ‌من‌ الدنيا بخلا ‌به‌ ‌و‌ خوفا ‌من‌ نفاده، ‌و‌ ‌هم‌ يعلمون ‌ان‌ ‌ما‌ عندهم ينفد، ‌و‌ لكن ‌ما‌ عندك باق، فما معنى الحرص؟ ‌و‌ ‌ما‌ معنى الخوف ‌من‌ الفقر ‌و‌ البلاء؟
 اجعل حرصى متوازنا ‌فى‌ ‌ما‌ تريده ‌من‌ حفظ امورى ‌فى‌ ‌خط‌ التوازن، ‌و‌ اعصمنى ‌من‌ ثورته ‌و‌ هيجانه، ‌و‌ وجهنى الى ‌ان‌ احركه ‌فى‌ اتجاه الخير ‌و‌ الخيرين، ‌و‌ الصلاح ‌و‌ الصالحين، ليكون حرصى على الحصول على رضاك ‌فى‌ كل موقع ‌من‌ مواقع رضاك.


 ‌و‌ سوره الغضب.
 
 نتائج الغضب:
 
 ‌يا‌ رب، مشكلتنا اننا ‌لا‌ نحافظ على التوازن ‌فى‌ انفعالاتنا اذا ‌و‌ اجهتنا مشكله ‌او‌ صادفنا ‌ما‌ ‌لا‌ نحب، ‌او‌ فقدنا ‌ما‌ نرغب فيه ‌او‌ ابتعدنا عن حبيب.
 ‌ان‌ احلامنا تضغط على اعصابنا عندما نفقدها ‌او‌ تبتعد عنا، ‌و‌ ‌ان‌ آلامنا تفتك بمشاعرنا عندما تهجم علينا، ‌و‌ ‌ان‌ الناس ‌من‌ حولنا يثيروننا عند ‌ما‌ ندخل ‌فى‌ خلاف معهم، ‌او‌ ‌فى‌ صراع ‌فى‌ ساحاتهم، فنغضب ‌و‌ نثور ‌و‌ نتحرك لنطلق الكلمه القاسيه، ‌و‌ الحركه العنيفه، ‌و‌ الموقف المتوتر.
 انه الغضب الذى يحولنا الى كتله ‌من‌ الاعصاب المتوتره، ‌و‌ المشاعر المتشنجه.. ‌و‌ ينطلق الانفعال ليضع الغشاوه على اعيننا، ‌و‌ يلقى بثقله على عقولنا، ‌و‌ يقضى على التوازن ‌فى‌ حركاتنا.. فنتصرف تصرفا عشوائيا غير موزون، ‌و‌ نتكلم كلاما غير معقول، ‌و‌ يحل الجنون مكان العقل، ‌و‌ الحرب مكان السلام، ‌و‌ العنف مكان اللين، ‌و‌ تتحول الحياه- بذلك- الى مشكله للانسان كله.
 ‌و‌ قد علمتنا- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ ‌لا‌ نغضب، ‌و‌ ذلك بان نصوغ انفسنا صياغه عقلانيه بعيده عن الانفعال، فاردت لنا ‌ان‌ نعطى الانفعال جرعه ‌من‌ العقل ‌فى‌ الوقت الذى نبتعد فيه بالعقل عن تاثير العاصفه.. ‌و‌ ‌او‌ حيت الينا ‌فى‌ ‌ما‌ انزلت ‌من‌ كتابك- ‌ان‌ نبرد اعصابنا عند الغضب، ‌و‌ ‌ان‌ نكظم غيظنا عند الغيظ، ‌و‌ ‌ان‌ نعفو عمن اساء الينا ‌فى‌ مواقع الغضب، ‌و‌ دللتنا على الطريق الى ذلك ‌من‌ خلال وسائل الفكر ‌و‌ عناصر الايمان ‌و‌ مفردات التقوى، ‌و‌ وعدتنا الخير الكثير، ‌و‌ اللطف العميم، ‌و‌ الرحمه الواسعه على ذلك كله.
 ‌ان‌ مشكلتنا هى ‌ان‌ الغضب قد يقتحم اعصابنا، فتشتد حدته، ‌و‌ تعنف شدته، ‌و‌ تزداد حرارته، فنعتدى على الناس بغير حق، ‌و‌ نثير الفتنه بدون وعى، ‌و‌ نهدم حياتنا بما نثيره ‌من‌ مشاكل عامه ‌و‌ خاصه تحت تاثير الغضب، ‌و‌ نقتل النفس التى حرم الله بغير حق، ‌و‌ ننحرف عن ‌خط‌ رضاك، ‌و‌ نقترب ‌من‌ مواقع سخطك الجسديه. اننا- ‌يا‌ رب- الضعفاء امام الموثرات العنيفه ‌فى‌ غرائزنا ‌و‌ نوازعنا النفسيه، فقد تغلبنا على انفسنا، ‌و‌ قد يمنعنا الضعف عن مقاومتها، فنستسلم لها استسلام العاجز عن المقاومه ‌من‌ خلال انها تشلنا عن التفكير.. فاعنا- ‌يا‌ رب- على ‌ان‌ نكون اقوياء ‌فى‌ مواجهه الانفعال، ‌و‌ اعذنا ‌من‌ شده الغضب ‌و‌ حدته، لننتصر عليه.


 ‌و‌ غلبه الحسد

آثار الحسد.
 
 ‌يا‌ رب، قد تكون بعض مشاكلنا اننا نعيش بعض الافكار العدوانيه ‌فى‌ عقولنا، ‌و‌ بعض النيات الخبيثه ‌فى‌ نياتنا، ‌و‌ بعض الاحاسيس السيئه ‌فى‌ مشاعرنا، تجاه الناس الاخرين.
 اننا نعرف- ‌يا‌ رب- ‌من‌ خلال نور معرفتنا لك، انك قدرت الحياه تقديرا، ‌و‌ وزعت نعمك على خلقك بالعدل، انطلاقا ‌من‌ حكمتك البالغه ‌و‌ علمك الواسع الذى ‌لا‌ يفوته شى ء ‌و‌ ‌ان‌ دق، فانت الخالق الذى تعرف ‌ما‌ يصلحهم ‌و‌ ‌ما‌ يفسدهم ‌و‌ ‌ما‌ يضر الحياه ‌و‌ ‌ما‌ ينفعها.
 اننا نعرف ذلك ‌فى‌ عقولنا المنفتحه على رحاب حكمتك ‌و‌ رحمتك، ‌و‌ نعرف- ‌من‌ خلال ذلك- انك لم تعط احدا نعمه كرامه له ‌و‌ تفضيلا على غيره، ‌و‌ لم تمنع احدا نعمه، اهانه له ‌و‌ تحقيرا ‌و‌ اسقاطا لدرجته عن غيره، بل كانت المساله مساله توزيع حكيم عادل خاضع للتوازن الدقيق الذى يحتاجه الانسان، ‌و‌ تفرضه طبيعه الحياه ‌من‌ خلال عمق السنه الكونيه الالهيه الناشئه ‌من‌ دقه الحكمه ‌فى‌ التدبير.
 ‌و‌ لكن ضعفنا الانسانى ‌فى‌ تعقيداته، قد يوحى الينا بانفعالات عصبيه بعيده عن ‌خط‌ العقل ‌و‌ الايمان ‌و‌ التقوى، فنتعقد ‌من‌ بعض النعم التى اغدقتها على احدهم، ‌من‌ خلال جهده، ‌او‌ ‌من‌ خلال الظروف الملائمه المحيطه به، ‌و‌ قد تتفاعل العقده ‌فى‌ الذات، فتتحول الى تمنيات عدوانيه بان تزول هذه النعم عنه لتنتقل الينا، ‌و‌ قد تودى بعد ذلك الى حركه باغيه عدائيه ضده، اذا لم تتحقق تمنياتنا السلبيه، فنحاول تدمير سمعته، ‌و‌ تشويه صورته، ‌و‌ اسقاط مصالحه، ‌و‌ اضعاف مواقعه، ‌و‌ قد تتعاظم المشكله لتصل الى انهاء حياته.
 انه الحسد- العقده التى تاكل القلب الذى تتعذب خفقاته ‌و‌ تتسارع نبضاته عندما يرى المحسود يمتد ‌فى‌ انفتاح النعم عليه، ‌و‌ تربك العقل الذى يبقى متخبطا حائرا ‌فى‌ الوسائل التى يبتدعها ‌من‌ اجل الوصول الى غاياته ‌فى‌ ارباك حياه المحسود، ‌و‌ تغرى بالعدوان ‌فى‌ حركه المشاعر العدوانيه ‌فى‌ واقع الحياه ‌من‌ حوله.
 ثم ‌هو‌ حاله ‌من‌ حالات التمرد الفكرى ‌و‌ الشعورى على الله لانه يجسد الاعتراض عليه ‌فى‌ توزيعه لنعمه، ‌و‌ ‌فى‌ تقديره ‌فى‌ تدبيره، مما يجعل المساله متصله بالمستوى المنخفض ‌من‌ ايمان الانسان بحيث قد يتحول الى حاله ‌من‌ الشعور الكافر.
 ‌ان‌ الانسان لو كان متوازنا ‌فى‌ نظرته، مستقيما ‌فى‌ ايمانه، منفتحا على آفاق رحمه ربه، مومنا باتساع قدرته على كل شى ء، لفكر بانه اذا كان حاسدا لهذا الشخص، ‌من‌ خلال احساسه بالحرمان ‌من‌ النعم التى يملكها المحسود، فان عليه ‌ان‌ يعرف بان الله الذى رزق ذاك الانسان قادر على ‌ان‌ يرزقه ‌هو‌ مثله ‌من‌ دون ‌ان‌ يزيل نعمته عن ذاك، لان نعم الله ‌لا‌ تضيق عن احد، بل هى تتسع لكل المخلوقين، فيطلب ‌من‌ الله ‌ان‌ يرزقه كما رزقه، ‌و‌ ينعم عليه كما انعم عليه، ‌من‌ دون ‌ان‌ يتمنى زوال نعمته عنه، ليعيش ‌و‌ اياه ‌فى‌ رحاب نعمه الله ‌و‌ رحمته بعيدا عن ايه عقده نفسيه سلبيه.
 اننى ابتهل اليك- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ ‌لا‌ تدع الحسد يتغلب على، ليتحول ‌فى‌ شخصيتى الى عقده تدفعنى الى البغى ‌و‌ العدوان، بل ارزقنى القدره على التغلب عليه، ‌لا‌ نطلق ‌فى‌ حياتى كلها ‌من‌ موقع المحبه لعبادك، ‌و‌ الرضى بقضائك، ‌و‌ الابتهال اليك ‌ان‌ تجعله ‌فى‌ ساحه محبتك ‌و‌ رضوانك ‌و‌ لطفك على- ‌يا‌ رب.


 ‌و‌ ضعف الصبر.
 
 ‌سر‌ الصبر:
 
 ‌يا‌ رب، لقد خلقت الحياه، ‌و‌ خلقتنا ‌فى‌ داخلها، لتتحرك الحياه بنا، ‌و‌ نتحرك معها، لنحقق لها مضمونها الحى ‌فى‌ كل مواقعها ‌و‌ مواردها ‌و‌ شكلها ‌و‌ مضمونها ‌من‌ خلال ‌ما‌ نملكه ‌من‌ فكر ‌فى‌ عقولنا، ‌و‌ عاطفه ‌فى‌ قلوبنا، ‌و‌ قوه ‌فى‌ كياننا، ‌و‌ حركه ‌فى‌ اجسادنا، ‌و‌ انفتاح ‌فى‌ خيالاتنا، لتكون الحياه- بنا- اعمق ‌و‌ اوسع ‌و‌ اكبر امتدادا، ‌و‌ لتحقق لنا نموا ‌فى‌ علومنا ‌و‌ عمقا ‌فى‌ تجاربنا، ‌و‌ اتساعا ‌فى‌ ساحاتنا، ‌و‌ رحابه ‌فى‌ آفاقنا.
 ثم كانت المسووليات الصغيره ‌و‌ الكبيره التى حملتها لنا ‌من‌ خلال رسلك ‌و‌ رسالاتك، لنطيعك ‌فى‌ ذلك كله ‌فى‌ ‌ما‌ تريد لنا ‌ان‌ نفعله ‌او‌ نتركه، ‌و‌ لنبنى الحياه على الاسس التى اردت لها ‌ان‌ تكون القاعده الثابته ‌فى‌ الوجود المنفتح على رضاك ‌فى‌ ‌ما‌ يمثله ذلك ‌من‌ معنى خلافه الانسان ‌فى‌ الارض.
 ‌و‌ كانت القضيه ‌فى‌ ‌ما‌ اودعت فينا ‌من‌ عناصر الضعف، ‌و‌ اودعت ‌فى‌ الحياه ‌من‌ عناصر الصلابه ‌و‌ الشده ‌و‌ القسوه، ‌و‌ ركبت فينا ‌سر‌ الغريزه ‌فى‌ الجسد، ‌و‌ معنى الشهوه ‌فى‌ الغريزه، ‌و‌ نزعه التمرد ‌فى‌ الاحساس، ‌و‌ احساس الهروب ‌فى‌ الذات، ‌و‌ صرخه الالم ‌فى‌ الكيان، ‌و‌ لوعه الحزن ‌فى‌ القلب، ‌و‌ لهثه الانفاس ‌فى‌ الصدر، ‌و‌ ‌من‌ خلال ذلك كنا نتهرب ‌من‌ المسووليه عندما تتمرد فينا الغريزه، ‌و‌ نسقط امام القوه، ‌و‌ عندما يضغط علينا التحدى، ‌و‌ يتالم الجسد، ‌و‌ يحزن القلب، ‌و‌ تجزع الاراده، ‌و‌ عندما تقسو علينا الحياه، ‌و‌ تشتد بنا المصائب، ‌و‌ يقسو علينا البلاء، انها مشكله ضعف الثبات فينا امام الحرمان، ‌و‌ ضعف الاراده امام الشهوات، ‌و‌ ضعف الكيان امام البلاء، انها مساله صبر تتماسك مع المشاعر، ‌و‌ تثبت المواقف ‌و‌ تصلب الاراده، ‌و‌ قد قلت لنا ‌فى‌ كتابك عن الصبر: (ان ذلك ‌من‌ عزم الامور)(لقمان: 17).
 انه قضيه الحياه ‌فى‌ ثباتها، ‌و‌ المسووليه ‌فى‌ حركتها، ‌و‌ الانسان ‌فى‌ ارادته، ‌و‌ الوجود ‌فى‌ عمقه ‌و‌ امتداده.


 بينما الجزع حاله موت ‌و‌ هلاك، ‌و‌ احساس سقوط ‌و‌ انهيار.
 اعطنى ‌يا‌ رب ‌من‌ وعى الاشياء ‌فى‌ نهاياتها ‌لا‌ ‌فى‌ بداياتها، ‌و‌ ‌من‌ اراده الحق ‌فى‌ مضمونه، ‌و‌ ‌من‌ معنى النتائج ‌فى‌ المقدمات، اعطنى- ‌يا‌ رب- ‌سر‌ الصبر الذى يجعلنى اتابع السير ‌فى‌ الوجود لالتقى بك ‌فى‌ مواقف القرب ‌من‌ الطاعه، ‌و‌ البعد عن المعصيه، ‌و‌ التماسك ‌فى‌ البلاء، لاكون قويا ‌فى‌ منطق الصبر، بدلا ‌من‌ اكون ضعيفا ‌فى‌ منطق الجزع.


 ‌و‌ قله القناعه.
 
 حقيقه القناعه:
 
 ‌يا‌ رب، قد تكون مشكلتنا ‌فى‌ وجودنا الانسانى اننا نتجاوز ‌فى‌ رغباتنا الذاتيه حاله التوازن الواقعى لما نحبه ‌و‌ نريده، فنحن قد نعيش ظروفا معيشيه ذات نتائج محدوده ‌فى‌ متطلبات الحياه، ‌و‌ حاجات العيش، مما قد يبتعد عن مستوى الرغبه ‌فى‌ الحجم ‌و‌ الكم ‌و‌ النوع، ‌لا‌ سيما اذا راينا ‌ان‌ الاخرين يملكون اكثر مما نملك، ‌و‌ يحصلون على اكبر مما نحصل عليه ‌فى‌ فرص الحياه ‌و‌ لذات العيش ‌و‌ مستوى الموقع، فنطمع بالمزيد الذى ‌لا‌ نستطيع تحقيقه بقدراتنا المحدوده، فيقودنا ذلك الى ‌ان‌ ننحرف عن مبادئنا ‌او‌ نتخلى عن مواقفنا، ‌او‌ نبتعد عن مواقعنا، ‌او‌ نتنازل عن كرامتنا، ‌او‌ نبيع انفسنا، لنحصل على شى ء مما ليس عندنا ‌من‌ ذلك، ‌او‌ لنستزيد منه، ‌فى‌ الوقت الذى نستطيع فيه الاكتفاء بما لدينا ‌من‌ خلال تصغير حاجاتنا، ‌و‌ تحديد رغباتنا، ‌و‌ تحجيم مطامعنا... ثم العمل على تطوير قدراتنا، ‌و‌ تنميه كفاءاتنا، ‌و‌ تحسين ظروفنا، ‌و‌ تقويه الفرص المتنوعه الكفيله بتحقيق ‌ما‌ نريده ‌او‌ نحتاجه ‌من‌ قضايا العيش ‌و‌ شوون الحياه، ‌و‌ نبقى ‌فى‌ عمليه حركه دائبه، ‌و‌ جهاد مستمر لنبلغ الغايه، ‌و‌ نستزيد ‌من‌ النتائج الايجابيه مستعينين على ذلك كله بك ‌فى‌ ‌ما‌ نرجوه ‌من‌ لطفك ‌و‌ عونك ‌و‌ رحمتك ‌و‌ كرمك...
 ‌يا‌ رب، ‌ان‌ الشيطان قد يبتعد بنا عن وضوح الرويا للاشياء فيخلط بين الحسن ‌و‌ القبيح، لننطلق نحو القبيح ‌من‌ موقع تصورنا انه الحسن، ‌و‌ قد يتلاعب بعقولنا ‌و‌ مشاعرنا ليدفعنا الى الاندفاع نحو الحصول على رغباتنا ‌و‌ حاجاتنا ‌من‌ دون ‌ان‌ نتلمس الطريق الطبيعى اليها، فيسلك بنا مسالك المهالك التى تودى بنا الى السقوط ‌فى‌ حبائله، ‌و‌ البعد عن مصالحنا، ‌و‌ الانحراف عن ‌خط‌ رضاك.
 اننا قد نخلط، ‌من‌ خلال وسوسته، بين الطموح ‌و‌ الطمع، فيخيل الينا ‌ان‌ الطمع ‌هو‌ حاله ‌من‌ حالات تحقيق الطموح، بينما الحقيقه، هى ‌ان‌ الطموح يمثل التطلع الى الاهداف الكبيره ‌فى‌ عمليه انفتاح ‌و‌ ايمان، ليحرك الانسان- ‌فى‌ الطريق اليها- كل الوسائل العمليه الواقعيه التى تودى الى تحقيقها، ‌فى‌ تكثيف الجهود، ‌و‌ تنميه الطاقات، ‌و‌ تهيئه الظروف الملائمه.. ‌و‌ لذلك فان الطموح، الذى يلتقى بعلو الهمه، يمثل حركه التخطيط العملى ‌فى‌ الحياه ‌من‌ خلال تحقيق الارتباط الواقعى بين الوسائل ‌و‌ الاهداف، ‌و‌ بين القدره ‌و‌ الحركه، ليبقى الانسان ‌فى‌ حاله تطوير ‌و‌ تنميه ‌و‌ تحريك.
 اما الطمع فانه يمثل الحاله النفسيه التى تنطلق ‌من‌ الرغبه الغريزيه ‌فى‌ البحث عما يحقق لها حاجاتها غير المتوازنه، ‌او‌ غير الطبيعيه ‌فى‌ نطاق قدره الانسان الذاتيه، مما يجعلها تعيش الهم الكبير ‌و‌ القلق المتزايد، ‌و‌ السعى الدائم للحصول على ‌ما‌ تريده بايه وسيله، بعيدا عن الخطوط المستقيمه، ‌و‌ التوازن الاخلاقى، ‌و‌ الكرامه الانسانيه.
 انه يمثل حاله الجوع الغريزى ‌و‌ العطش الذاتى، ‌و‌ الرغبه المجنونه، الامر الذى يجعل الانسان يتجاوز كل الحدود ‌من‌ اجل تلبيه حاجه الجسد، ‌و‌ رغبه الغريزه، فلا مجال لاى فكر معها، ‌و‌ ‌لا‌ لاى تخطيط ‌فى‌ حركتها.
 ‌و‌ ‌من‌ خلال ذلك قد نخلط بين القناعه ‌و‌ انحطاط الهمه، فيخيل الينا ‌ان‌ القناعه تنطلق ‌من‌ الاستسلام للامر الواقع ‌فى‌ درجات الدنيا التى يقف فيها الانسان، ‌و‌ فقدان الاراده ‌فى‌ الخروج منه، بتبديل ظروفه، ‌و‌ تغيير اوضاعه، ‌و‌ تحريك مواقعه، لتكون القناعه حاله جمود ‌فى‌ الانسان، ‌و‌ مساله انغلاق عن روحيه الحركه ‌فى‌ ‌خط‌ التطور، ‌و‌ لكن المساله ليست كذلك ‌فى‌ ‌ما‌ عرفتنا ‌من‌ وحيك ‌و‌ ‌من‌ وصايا رسلك، فقد اردت لنا ‌ان‌ نتحمل مسووليتنا ‌فى‌ الحياه ‌فى‌ كل ‌ما‌ نحتاجه ‌من‌ نشاطات ‌و‌ حاجات ‌و‌ قضايا ‌و‌ اوضاع، ‌و‌ لكنك اردت لنا- ‌فى‌ الوقت نفسه- ‌ان‌ نربى انفسنا على تطوير حاجاتنا ‌من‌ خلال تطوير قدراتنا، بحيث تكون الحاجه ‌فى‌ حجم القدره، ‌و‌ ‌فى‌ مستوى الظروف، لان الابتعاد عن ذلك يودى الى فقدان التوازن بين الرغبه ‌و‌ الحركه، مما يجعل الانسان ‌فى‌ موقع السقوط امام الرغبه، فيبتعد عن قضاياه الاخرى المتصله بانسانيته ‌و‌ مسووليته، ‌و‌ قد تدفعه الاحاسيس القلقه الى القفزه غير المحسوبه على اساس طريقه الطفره ‌فى‌ حركه الامور، تحت تاثير الحاله المحمومه ‌فى‌ مشاعره ‌و‌ نوازعه، فيودى ‌به‌ ذلك الى السقوط ‌فى‌ الهاويه على مستوى الدنيا ‌و‌ الاخره.
 ‌ان‌ القناعه تعنى تحديد الحاجه ‌فى‌ مستوى الامكانات، ليحقق الانسان لنفسه الهدوء العقلى لايجاد الجو الملائم لدراسه الواقع ‌فى‌ ‌ما‌ يملكه ‌من‌ المفردات المحدوده، ‌و‌ ‌فى‌ ‌ما‌ يختزنه ‌من‌ الامكانات الواحده، للحصول على فرص جديده لنتائج مستقبليه واقعيه، ليبدا التخطيط ‌فى‌ عمليه التنميه ‌و‌ التطوير على اساس النمو الطبيعى للاشياء، ‌و‌ هكذا دواليك ‌فى‌ ‌خط‌ تصاعدى نحو الطموح ‌فى‌ دائره الواقع، فتكون المساله حركه انسانيه توصى الانسان- ‌من‌ وحى الرساله- بان عليه ‌ان‌ يضغط على حاجاته لمصلحه امكاناته، ‌و‌ ‌ان‌ يطور قدراته ‌فى‌ طريق حاجاته ‌فى‌ المستقبل، فلا يسمح لحاجاته ‌ان‌ تضغط على مبادئه ‌و‌ مواقفه ‌فى‌ نزوه استعجال ‌و‌ حاله انفعال، ‌و‌ بذلك تكون القناعه نقطه ارتكاز لابقاء الطموح ‌فى‌ آفاقه الواسعه، ‌و‌ تحقيق الانسان انسانيته ‌فى‌ ذاته ‌فى‌ ‌خط‌ التوازن، فلا يطغى شى ء على شى ء، بل تتحقق عناصر الشخصيه ‌فى‌ ‌ما‌ هى الرغبات الجسديه ‌و‌ الحاجات الروحيه، ‌و‌ الطموح العملى للاشياء، ‌و‌ الواقعيه المدروسه ‌فى‌ قضيه الاحساس ‌و‌ الحركه، مما يجعل ‌من‌ القناعه كنزا ‌لا‌ يفنى، ‌و‌ مالا ‌لا‌ ينفد، ‌و‌ يجعل ‌من‌ الطمع رقا موبدا، ‌و‌ ‌من‌ الطموح حاله ‌من‌ الجهاد ‌فى‌ سبيل الله على صعيد المسووليات المتحركه ‌فى‌ طاقات الانسان.
 اللهم اننا نبتهل اليك ‌ان‌ تطل على مواقع الرغبه فينا برحمتك، ‌و‌ على مكامن الاحساس ‌فى‌ شخصياتنا بقدرتك، ‌و‌ على مجالات الحركه ‌فى‌ ساحاتنا بعونك، لتعيذنا ‌من‌ قله القناعه، ‌و‌ توجهنا الى التوازن ‌فى‌ كل حالاتنا- ‌يا‌ ارحم الراحمين.


 ‌و‌ شكاسه الخلق.
 واقع سوء الخلق:
 
 ‌يا‌ رب، لقد علمتنا- ‌فى‌ كتابك ‌و‌ سنه نبيك- ‌ان‌ ننفتح على الناس بالكلمه الحلوه، ‌و‌ الاسلوب الاحسن، ‌و‌ الطريقه الفضلى، ‌و‌ الابتسامه المشرقه، ‌و‌ الوجه النير، ‌و‌ الجو المملو بالمحبه، ‌و‌ القلب المفتوح، ‌و‌ العقل المنفتح، ‌و‌ العلاقه الطيبه.
 ‌و‌ تعلمنا ‌من‌ ذلك كله، ‌ان‌ حسن الخلق يمنح صاحبه قربا منك، كما يدفع بالعمل الى تحقيق الارتفاع الى الدرجات العليا، كما ‌ان‌ سوء الخلق يبعد صاحبه عن مواقع محبتك، فيفسد عمله، كما يفسد الخل العسل، ‌و‌ ‌ان‌ الخلق السيى ء ينطلق ‌من‌ ضيق الافق ‌و‌ ضيق الصدر، ‌و‌ محدوديه النظره الى الواقع ‌و‌ الانسان، ‌و‌ يجعل صاحبه ‌فى‌ حاله طوارى ء نفسيه متحركه على مدى الساعه، بحيث يثور لايه كلمه سيئه يسمعها، حتى لو كانت تافهه، ‌و‌ يغضب لايه حركه سلبيه صادره ‌من‌ الاخرين تجاهه حتى لو كانت صغيره، ‌و‌ يعمل على تضخيم الامور ‌و‌ تكبيرها ‌فى‌ نطاق آثارها النفسيه ‌و‌ العمليه حتى لو كانت بسيطه.
 ‌ان‌ مشكله هذا الانسان انه ينظر الى الدنيا ‌من‌ خلال ذاته، فهو يعتبرها النافذه الوحيده التى تطل على الحياه ‌و‌ الواقع ‌و‌ الانسان، فلا يرى الله ‌فى‌ وجدانه ليخاف منه ‌او‌ ليحبه فيغير نظرته للامور ‌و‌ تعامله معها لمصلحه علاقته بالله.
 ‌و‌ ‌لا‌ يرى الناس ‌فى‌ دائره وجوده الذى يتسع لكل المخلوقين ‌من‌ حوله، ليتحسس ارتباط حياته بحياتهم، ‌و‌ وجوده بوجودهم، فيتواضع لهم، ‌و‌ ينفتح عليهم، ‌و‌ يتنازل لبعض مواقعهم عنده لخدمه مواقعه عندهم، لان حاجتهم له ‌لا‌ تزيد عن حاجته اليهم، ‌و‌ يتطلع للحياه ‌فى‌ نظره واقعيه ليعرف ‌ان‌ آفاقها اوسع ‌من‌ آفاق ذاته ‌و‌ انها تتسع للناس كلهم، فيجد كل واحد منهم حاجته عندها، كما يحصل منها على كل الفرص الكثيره، ‌من‌ دون ‌ان‌ تنتقص ‌من‌ حاجات الاخرين ‌و‌ ‌من‌ الفرص المتاحه لهم، لان الله اودع فيها كل ‌ما‌ يبنى للانسان حياته، ‌و‌ يقوى شروط وجوده مهما بلغت ‌من‌ الحجم ‌و‌ الكثره ‌و‌ النوعيه.
 ‌و‌ ‌فى‌ ضوء ذلك، يخضع الخلق السيى ء للنزوه ‌و‌ الشهوه ‌و‌ النزعه ‌فى‌ حجم اللحظه. ثم تنطلق المشاكل الصغيره ‌و‌ الكبيره لتطبق على صدره بشكل ضاغط، قد يهون امامه ‌ما‌ كان يصيبه ‌من‌ انفتاحه على الناس بسعه صدره ‌و‌ حسن خلقه.
 اللهم اننا قد نعيش ‌فى‌ بيئه جاهله متخلفه تفرض علينا الخضوع لعاداتها السيئه ‌و‌ اخلاقها المنحطه، ‌و‌ قد نخضع لبعض الموثرات الثقافيه المنحرفه التى تترك لدينا انطباعات سلبيه تجاه الناس ‌من‌ حولنا، ‌و‌ قد نعيش بعض الضغوط الحياتيه التى تحاصر افكارنا ‌و‌ مشاعرنا فتضيق بها صدورنا ‌و‌ آفاقنا، فيدفعنا ذلك الى سوء الخلق تنفيسا عما ‌فى‌ داخلنا ‌من‌ مشاعر الغيظ ‌و‌ احاسيس الكبت، اننا نحاول- ‌يا‌ رب- الكثير ‌فى‌ تغيير اخلاقنا على صوره رضاك، ‌و‌ تحريك نوازعنا ‌فى‌ اتجاه مواقع طاعتك، ‌و‌ لكننا قد نضعف امام الضغوط القاسيه ‌و‌ البيئه الجاهله ‌و‌ الحصار الشديد، فاعنا على انفسنا بما تعين ‌به‌ الصالحين على انفسهم، ‌و‌ اجرنا ‌من‌ سوء الخلق ‌و‌ شراسته، لنكون الودعاء الطيبين المنفتحين على الناس ‌و‌ الحياه ‌من‌ مواقع الخير، ‌من‌ خلال الانفتاح عليك ‌فى‌ مواقع محبتك ‌و‌ رضاك.


 ‌و‌ الحاح الشهوه.
 
 تنظيم حركه الشهوه:
 
 ‌يا‌ رب، لقد خلقت لنا ‌فى‌ حاجات اجسادنا ‌و‌ رغباتها الطبيعيه الكثير ‌من‌ الشهوات، ‌من‌ شهوه الاكل ‌و‌ الشرب ‌و‌ الجنس ‌و‌ التملك ‌و‌ التناسل ‌و‌ العلو ‌و‌ التقدم ‌و‌ ‌ما‌ الى ذلك، مما يتصل بالجانب المادى ‌او‌ المعنوى ‌من‌ حياتنا، ‌و‌ زينتها لنا كما جاء ‌به‌ كتابك ‌من‌ قولك- تباركت ‌و‌ تعاليت- (زين للناس حب الشهوات ‌من‌ النساء ‌و‌ البنين ‌و‌ القناطير المقنطره ‌من‌ الذهب ‌و‌ الفضه ‌و‌ الخيل المسومه ‌و‌ الانعام ‌و‌ الحرث ذلك متاع الحياه الدنيا ‌و‌ الله عنده حسن الماب)(آل عمران: 14).
 ‌و‌ قد اجريتها ‌فى‌ دمائنا ‌و‌ اعصابنا ‌و‌ اعضائنا، حتى تحولت الى حاله مرتبطه بالحياه ارتباطا ذاتيا ‌فى‌ العمق الداخلى للانسان، لانها هى التى تهيى ء لنا الاحساس الدائم ‌فى‌ حركه الحاجات ‌فى‌ الجسد ‌فى‌ ‌ما‌ تتوقف عليه الحياه ‌فى‌ امتدادها، فلو ‌لا‌ شهوه الاكل ‌و‌ الشرب لما كانت هناك رغبه ‌فى‌ تناول الماكولات ‌و‌ المشروبات التى يحتاجها الجسم ‌فى‌ بقائه، ‌و‌ لو ‌لا‌ شهوه الجنس ‌و‌ البنين لما كان هناك اساس لامتداد الوجود الانسانى ‌فى‌ التناسل، ‌و‌ لو ‌لا‌ شهوه التملك لما انطلق النظام الاجتماعى للناس ‌فى‌ حركه الواقع الاقتصادى المتنوع ‌فى‌ اوضاعهم العامه ‌و‌ الخاصه، ‌و‌ هكذا ‌فى‌ كل مواقع الشهوات التى ترتبط بالواقع الانسانى ‌فى‌ نظامه الداخلى ‌و‌ امتداداته الخارجيه.
 ‌و‌ ‌من‌ خلال ذلك فاننا ننظر الى هذه الشهوات كنعمه ‌من‌ نعمك التى انعمت بها علينا، فمنحت حركه الوجود امتدادا ‌من‌ خلال الاحساس باللذه المنفتحه على آفاق الشهوه.
 ‌و‌ لكن المشكله التى نعانيها- ‌يا‌ رب- انك وضعت لنا نظاما ‌فى‌ رسالتك ‌و‌ شريعتك يقوم على ضبط حركه الشهوه ‌فى‌ ‌خط‌ التوازن الذى يحقق فيه الانسان- ‌من‌ خلال التزامه به- شروط حياته، ‌و‌ يحدد فيه الحدود التى يقف عندها ‌و‌ ‌لا‌ يتجاوزها الى ‌ما‌ يسى ء الى حياته الماديه ‌و‌ الروحيه ‌فى‌ المدى البعيد الذى يخرج عن مواقعها الطبيعيه. ‌و‌ اردت لنا ‌ان‌ نسير عليه، ‌و‌ نلتزم بكل قوانينه، ‌و‌ نقف عند حدوده، مما يفرض علينا ‌ان‌ نخفف ‌من‌ سعير الرغبه، ‌و‌ فوران الشهوه، حتى ‌لا‌ نرتكب مما حرم الله ‌من‌ ماكول ‌و‌ مشروب ‌و‌ ملبوس ‌و‌ منكوح ‌و‌ مسكون ‌و‌ مملوك، بل نبقى ‌فى‌ دائره الحلال لنحرك الشهوه ‌فى‌ ‌ما‌ احل الله ‌من‌ ذلك كله، الامر الذى يقتضى منا الكثير ‌من‌ الجهود ‌من‌ اجل ‌ان‌ نلجم حاله الاندفاع الغريزى ‌فى‌ رغبات الجسد.
 اننا نعانى ‌من‌ الحاح الشهوه التى تلاحقنا ‌فى‌ الليل ‌و‌ النهار لتعذب مشاعرنا، ‌و‌ تثير احساساتنا، ‌و‌ تدفعنا نحو تلبيه وسوساتها ‌و‌ همساتها ‌و‌ ايحاءاتها، لتجعل ‌من‌ نفسها العنوان الذى تلتقى عنده السعاده ‌فى‌ دائره الحصول عليها، ‌و‌ ينطلق معها الشقاء ‌فى‌ نطاق الحرمان منها، حتى يخيل الينا ‌ان‌ الحياه ‌لا‌ معنى لها اذا لم
 نستجب لها ‌فى‌ كل اوضاعنا ‌و‌ اعمالنا، لانها- ‌من‌ خلال هذه الاوهام الخياليه- هى السر الكامن ‌فى‌ مضمون الحياه ‌فى‌ العمق الذاتى للانسان.
 ‌ان‌ مشكلتنا معها انها تجرى فينا مجرى الدم ‌فى‌ العروق، ‌و‌ ‌ان‌ عناصر الاثاره ‌فى‌ حياتنا ‌لا‌ ‌حد‌ لها، مما يجعل ‌من‌ الحاحها وسيله للشيطان على اجسادنا، التى تتحول الى حاله ‌من‌ الاهتزاز الغريزى الذى يدفعنا الى تجاوز حدودك ‌من‌ اجل الاستجابه لها.
 اللهم اننا قد نضعف امام هذا الالحاح للشهوه، فهب لنا القوه التى نلجا اليها ‌من‌ اجل الحصول على اكبر قدر ممكن ‌من‌ التماسك ‌و‌ الثبات ‌فى‌ كل حالاتنا ‌فى‌ الليل ‌و‌ النهار.


 ‌و‌ ملكه الحميه.
 
 آثار العصبيه على الشخصيه ‌و‌ الواقع:
 
 ‌يا‌ رب، قد نعيش ‌فى‌ الكثير ‌من‌ حالات الضعف الايمانى ‌و‌ السقوط الروحى ‌و‌ الانحراف الانسانى، بعض الافكار الذاتيه، ‌و‌ النوازع الغريزيه، ‌و‌ المشاعر الاستيلائيه التى تنفذ الى عقولنا ‌و‌ مشاعرنا، فنعيش التحجر الروحى ‌فى‌ نطاق الاوهام الخياليه التى تتضخم ‌و‌ تنتفخ ‌فى‌ الذات، فتندفع اندفاعا محموما ‌فى‌ عصبيه الشخص للذات ‌او‌ للشخص الاخر ‌او‌ للعائله، بحيث تلتزمه التزاما كليا ‌فى‌ حالات الخطا ‌او‌ الصواب، ‌او‌ ‌فى‌ مواقع الحق ‌او‌ الباطل، ‌او‌ ‌فى‌ موارد الخير ‌او‌ الشر، لان القضيه هى التزام الذات ‌او‌ الشخص ‌او‌ العائله، فيتحول الحق الى باطل اذا كان على خلاف العصبيه، ‌و‌ يتحول الباطل الى ‌حق‌ اذا كان منسجما معها، ‌و‌ يكون المحق مبطلا اذا لم يكن ‌من‌ جماعتنا، ‌او‌ كان ضدنا، ‌و‌ ليكون المبطل محقا ‌فى‌ المقابل اذا كان ‌من‌ جماعتنا ‌او‌ كان معنا.
 ‌و‌ قد تتحول الى موقف عملى عدوانى على الاخرين لتاكيد الحاله العصبيه ‌او‌ للدفاع عن استكبارها ‌و‌ عن مواقعها الضاله ‌او‌ المنحرفه، ‌من‌ دون نظر الى القيم الروحيه ‌او‌ المبادى ء الانسانيه ‌او‌ الشرائع الالهيه، الامر الذى يجعل منها مشكله للحياه ‌و‌ للانسان، ‌و‌ حاله تدميريه للمشاعر الطيبه المنفتحه على معانى الخير ‌فى‌ الوجود.
 ‌ان‌ المشكله- كما علمتنا ‌يا‌ رب- هى ‌ان‌ الانسان قد يفقد وضوح الرويا للاشياء عندما يغضب ‌و‌ يبتعد عن معرفه حجم الذات ‌او‌ الاشخاص الاخرين، ‌و‌ عندما يعيش اجواء الفخر ‌من‌ موقع الاستعلاء ‌و‌ الاستكبار، فيعيش ‌فى‌ زاويه مغلقه، فلا يرى الدنيا ‌من‌ خلال الافق الواسع الرحب الذى يطل على كل مواقع الانسان ‌فى‌ الحياه، بل يراها ‌من‌ خلال الزوايا الضيقه التى تختنق ‌فى‌ استغراقها ‌فى‌ الذات، ‌او‌ ‌فى‌ مواقع العصبيه الاخرى ‌من‌ الاشخاص الاخرين ‌او‌ العائله ‌او‌ القوم ‌او‌ الحزب ‌او‌ نحو ذلك.
 ‌و‌ ‌فى‌ ضوء ذلك، علمتنا ‌ان‌ الحل لهذه المشكله، ‌هو‌ النظر بواقعيه محايده بعيده عن الانفعالات النفسيه ‌و‌ المشاعر العاطفيه، لنعرف كل ‌ما‌ ‌فى‌ داخلنا، ‌او‌ ‌ما‌ حولنا ‌او‌ ‌من‌ حولنا بشكل دقيق على اساس الحسابات الدقيقه للاشياء، تماما كما لو كنا نمارس عمليه حسابيه ‌فى‌ الارقام ‌او‌ عمليه هندسيه ‌فى‌ المواقع، لنتعرف الحجم الطبيعى للذات ‌و‌ للناس ‌فى‌ نطاق عقلانى موضوعى تتحول فيه الذات الى موضوع دراسه، ‌و‌ ينطلق فيه الاخرون الى موقع مراقبه ‌و‌ محاكمه، بالعقل البارد، ‌و‌ الحس الهادى ء ‌و‌ النظره العميقه، ‌و‌ الحساب الدقيق.
 لقد علمتنا- ‌يا‌ رب- ‌من‌ خلال رسالتك ‌ان‌ ‌من‌ ‌حق‌ الانسان ‌ان‌ يحب ذاته، ‌و‌ ‌ان‌ يمنح عاطفته الحميمه للناس الذين يرتبط بهم برباط القرابه ‌او‌ الصداقه ‌او‌ الانتماء الحزبى ‌او‌ الطائفى، لان مساله الحب ‌و‌ العاطفه ليست ‌من‌ المسائل المعقده التى تربك الحياه اذا بقيت ‌فى‌ حدودها الطبيعيه ‌فى‌ نطاق الشعور ‌و‌ العلاقه العاديه، ‌و‌ لكنك اردت للحب ‌ان‌ ‌لا‌ يتحول الى حاله التزام بمن نحب ‌او‌ بما نحب بشكل مطلق، بحيث ينطلق ليكون موقفا عدوانيا ‌ضد‌ الحقيقه ‌فى‌ مجال تقويم الواقع، ‌او‌ ‌ضد‌ الناس ‌فى‌ دائره السلوك العملى ‌فى‌ الواقع.
 ‌ان‌ هناك فرقا بين ‌ان‌ تتعصب لقومك فترى شرارهم خيرا ‌من‌ خيرا قوم آخرين، ‌او‌ تحاول اعانتهم على الظلم لقوم آخرين، ‌و‌ بين ‌ان‌ تحب قومك لتتعاطف معهم ‌او‌ لتساعدهم، ‌او‌ لتعيش معهم ‌فى‌ جو العلاقات الحميمه.
 لقد حدثتنا- ‌يا‌ رب- ‌فى‌ كتابك عن حميه الجاهليه، فقلت- سبحانك-اذ جعل الذين كفروا ‌فى‌ قلوبهم الحميه حميه الجاهليه)(الفتح: 26). فكانت سلبياتهم انهم اختزنوا ‌فى‌ قلوبهم العصبيه ‌و‌ لم يختزنوا ‌فى‌ داخلها الايمان المنفتح عليك ‌فى‌ النظره الواسعه للانسان ‌و‌ الكون ‌و‌ الحياه، فعاشوا ‌فى‌ داخل الزنزانات الضيقه ‌فى‌ حياتهم المحدوده، ‌و‌ تحولوا الى مخلوقات تنفجر حقدا ‌و‌ غيظا ‌و‌ استكبارا، بدلا ‌من‌ ‌ان‌ تفكر خيرا ‌و‌ حقا ‌و‌ واقعيه ‌فى‌ الحياه كما يفعل المومنون الذين تحدثت عنهم- ‌فى‌ معرض المقابله بين الانسان السلبى ‌و‌ الانسان الايجابى، ‌و‌ ذلك قولك- سبحانك:
 (فانزل الله سكينته على رسوله ‌و‌ على المومنين ‌و‌ الزمهم كلمه التقوى ‌و‌ كانوا احق بها ‌و‌ اهلها ‌و‌ كان الله بكل شى ء عليما)(الفتح: 26).
 ‌و‌ هكذا كانت السكينه تنفذ الى العقل فتمنحه الهدوء، ‌و‌ الى الشعور فتبعث فيه السكون، ‌و‌ الى الحركه فتدفعها للسير ‌فى‌ الخط المتوازن، الذى يدرس الامور بموضوعيه، ‌و‌ يعالجها بحكمه، ‌و‌ يتصرف فيها بعدل.
 اللهم اننا نعيش ‌فى‌ اكثر مجتمعاتنا حميه الجاهليه ‌من‌ خلال افكار الكفر، ‌و‌ عوامل التخلف، ‌و‌ تاثيرات الجهل، ‌و‌ ربما تملكتنا هذه الحميه ‌فى‌ غفله ‌من‌ ايماننا، فاعذنا ‌من‌ ذلك كله، ‌و‌ امنحنا السكينه ‌فى‌ عقولنا ‌و‌ مشاعرنا لنعيش ‌فى‌ اجواء الطمانينه ‌و‌ السلام الروحى ‌فى‌ كل حياتنا- ‌يا‌ رب العالمين-.


و متابعه الهوى.
 
 الحذر ‌من‌ الاستسلام للهوى:
 
 لقد خلقتنا- ‌يا‌ رب- اجسادا تسمع ‌و‌ تبصر ‌و‌ تلمس ‌و‌ تشم ‌و‌ تذوق ‌و‌ تشتهى ‌و‌ تتلذذ ‌و‌ تطمع، ‌و‌ قلوبا تحب ‌و‌ تبغض، ‌و‌ هى ‌فى‌ ذلك تنطلق ‌من‌ عناصر الغريزه فيها، ‌و‌ مكامن الشهوه ‌فى‌ داخلها، فتسيطر على الفكر حتى يتحول الى مخطط للجريمه ‌و‌ للانحراف، ‌و‌ منفتح على الكفر ‌و‌ الضلاله، ‌و‌ تهيمن على القلب فيحب الحرام ‌و‌ يكره الحلال، ‌و‌ يوالى الكافرين ‌و‌ يعادى المومنين، ‌و‌ يهفو الى الشر ‌و‌ يتعقد ‌من‌ الخير، ‌و‌ تستولى على الحياه فتبتعد بها عن الخط المستقيم ‌و‌ تدفعها الى الخط المنحرف، فلا تلتقى بالله ‌فى‌ حركاتها، ‌و‌ لكنها تلتقى بالشيطان ‌فى‌ كل اوضاعها ‌و‌ مقاصدها، انه هوى النفس الاماره بالسوء، هذه الامواج ‌من‌ الخيالات ‌و‌ الاوهام التى تلتهب بها المشاعر، ‌و‌ تغيب فيها العقول، ‌و‌ تفترس الانسان بانياب الياس لتثير فيه الياس ‌من‌ روح الله ليسقط ‌فى‌ ‌و‌ حول الحضيض، فيفقد الضوابط التى تحفظ له قاعدته الفكريه ‌و‌ مواقعه الروحيه، ‌و‌ تقوده الى ‌خط‌ التوازن بين العقل ‌و‌ العاطفه لتعطى العاطفه جرعه ‌من‌ العقل، فتفكر مشاعرها قبل ‌ان‌ تتحرك، ‌فى‌ الوقت الذى تعطى فيه العقل جرعه ‌من‌ العاطفه لينفتح على واقع الاحساس ‌فى‌ حياه الانسان.
 لقد حذرتنا ‌من‌ الهوى ‌يا‌ رب ‌فى‌ كتابك فقلت- سبحانك-:
 (و ‌لا‌ تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله)(ص: 26).
 ‌و‌ حدثتنا عن الذى يستغرق ‌فى‌ طاعه هواه، حتى يتحول- ‌فى‌ حركته- الى ‌ما‌ يشبه الاله الذى يضغط على الاراده، فتنحنى له ‌فى‌ طاعه عمياء، فقلت- سبحانك-:
 (افرايت ‌من‌ اتخذ الهه هواه ‌و‌ اضله الله على علم)(الجاثيه: 23).
 ‌و‌ حدثتنا عن ذلك الذى عاش ثقافه الوحى ‌و‌ معرفه الله ‌و‌ لكنه اتبع هواه فانحرف عن الطريق، ‌و‌ سقط ‌من‌ شاهق فتحطم ايمانه ‌و‌ ضاعت سبيله فقلت:
 (و اتل عليهم نبا الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان ‌من‌ الغاوين ‌و‌ لو شئنا لرفعناه بها ‌و‌ لكنه اخلد الى الارض ‌و‌ اتبع هواه فمثله كمثل الكلب ‌ان‌ تحمل عليه يلهث ‌او‌ تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا باياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)(الاعراف: 176 -175).
 ‌و‌ ذكرت لنا- ‌فى‌ نهايه المطاف- ‌ان‌ الابتعاد عن الهوى المحرم ‌هو‌ سبيل الجنه، فقلت سبحانك:
 (و اما ‌من‌ خاف مقام ربه ‌و‌ نهى النفس عن الهوى فان الجنه هى الماوى)(النازعات: 41 -40). ‌و‌ قد جاء ‌فى‌ كلمات الامام على اميرالمومنين (ع): «ايها الناس، ‌ان‌ اخوف ‌ما‌ اخاف عليكم اثنان: اتباع الهوى ‌و‌ طول الامل- فاما اتباع الهوى فيصد عن الحق، ‌و‌ اما طول الامل فينسى الاخره».
 ‌و‌ هكذا كان الخط الايمانى المستقيم منطلقا ‌من‌ ارادتك الحكيمه- ‌يا‌ رب- ‌كى‌ ينتصر الانسان ‌و‌ يتمرد على نوازعه الذاتيه الهائجه المستعره التى تضرم ‌فى‌ كيانه لهيب الشهوات المحرمه، ‌و‌ تثير فيه الافكار ‌و‌ المشاعر الشريره.
 فليست المساله الغاء للهوى، ‌و‌ كبتا للغريزه، ‌و‌ مصادره للشهوه، ‌و‌ اسقاطا للذات، ليختنق الانسان ‌فى‌ دائره محدوده ‌من‌ حصاره المضروب على كل نشاطاته الذاتيه، بل المساله مساله تنظيم للنوازع الانسانيه، لياخذ كل جانب ‌من‌ جوانب الشخصيه مجاله الحيوى الذى يرتفع بالانسان الى مرحله التوازن ‌فى‌ الحياه، ليحفظ له خطواته ‌فى‌ الطريق المستقيم، الذى يتحول فيه الى انسان طبيعى يعيش كل حاجاته ‌و‌ يحقق كل قيمه ‌فى‌ الحياه، فلا تعود للحاجات حريتها المطلقه الى الحد الذى قد تكون فيه خطرا على المصير ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره، ‌و‌ ‌لا‌ تتحول القيم الروحيه لديه لتكون سجنا خانقا للذات، بحيث ‌لا‌ تملك ايه حركيه ‌فى‌ اتجاه الحاجات الطبيعيه للانسان.
 فقد خلقت الانسان ‌و‌ اردت ‌ان‌ يعيش ‌فى‌ الارض كذره ‌من‌ التراب، ‌و‌ يحلق ‌فى‌ الغيب كخفقه ‌من‌ روح، فهو قبضه ‌من‌ الطين ‌و‌ نفخه ‌من‌ روح الله.
 اننا نعوذ بك ‌من‌ هذا الالحاح الغريزى على متابعه الهوى ‌فى‌ كل اشواقنا ‌و‌ تطلعاتنا، ‌و‌ كلماتنا ‌و‌ افعالنا ‌و‌ خطواتنا ‌و‌ مشاريعنا ‌و‌ علاقاتنا ‌فى‌ الحياه.
 اجعل ‌فى‌ قلوبنا الوعى الايمانى الذى يتغلب على الهوى ‌فى‌ العاطفه، ‌و‌ حرك عقولنا ‌فى‌ اتجاه الفكر الذى ينفتح على الحق كله، ‌و‌ الخير كله، لتكون حياتنا كلها حركه ‌فى‌ سبيل الانضباط على السير ‌فى‌ خطك المستقيم.


 ‌و‌ مخالفه الهدى.
 
 ‌و‌ مخالفه الهدى:
 
 لقد اردت لنا- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ نتحرك ‌فى‌ ‌خط‌ هداك لنصل اليك ‌من‌ اقرب طريق ‌و‌ لنحصل على رضاك ‌فى‌ ارحب موقع ‌من‌ مواقع طاعتك ‌و‌ الالتزام بنهجك ‌فى‌ ‌خط‌ الفكر ‌و‌ العمل.
 ‌و‌ ارادنا الشيطان ‌ان‌ نبتعد عن هذا الخط، لنخالف اوامرك ‌و‌ نواهيك، ليوقعنا ‌فى‌ قبضه سخطك، ‌و‌ يدفع بنا الى ساحه عذابك، ‌و‌ ‌ها‌ نحن ‌يا‌ رب الذين يعيشون- ‌من‌ خلال ايمانهم- ‌فى‌ رحاب حبك ‌و‌ قربك ‌و‌ ‌فى‌ اجواء لطفك ‌و‌ رحمتك.
 اننا نعوذ بك ‌من‌ السيطره الشيطانيه التى تودى بنا الى مخالفه الهدى فاعذنا ‌من‌ ذلك، ‌و‌ نجنا تهاويله ‌و‌ ايحاءاته ‌و‌ وساوسه....


 ‌و‌ سنه الغفله.
 
 نعوذ بك اللهم ‌من‌ سنه الغفله:
 
 لقد اوحيت الينا ‌ان‌ نكون ‌فى‌ يقظه عقليه دائمه، ‌و‌ صحوه روحيه شامله، ‌و‌ انفتاح على كل آفاق الشروق التى تبعث ‌فى‌ اعماقنا النور الذى يطرد ‌من‌ نفوسنا تهاويل الظلام.
 ‌و‌ حذرتنا ‌من‌ الغفله، لانها تحجب عنا كل مطالع النور، ‌و‌ تبعدنا عن وضوح الرويا لحقائق الالوهيه، ‌و‌ اسرار العبوديه، ‌و‌ معنى الابداع ‌فى‌ الوجود، ‌و‌ عمق العظمه ‌فى‌ الخالق، ‌و‌ روعه الوحى ‌فى‌ الغيب، ‌و‌ قلت ‌فى‌ كتابك:
 (و اذكر ربك ‌فى‌ نفسك تضرعا ‌و‌ خيفه ‌و‌ دون الجهر ‌من‌ القول بالغدو ‌و‌ الاصال ‌و‌ ‌لا‌ تكن ‌من‌ الغافلين)(الاعراف: 205).
 ‌و‌ هكذا كانت كل ايحاءات وحيك ‌ان‌ يكون القلب واعيا للحق، ذاكرا لله، مراقبا للذات، حتى يبقى بكل نبضاته ‌و‌ خفقاته معك، ‌و‌ كل تطلعاته اليك، فلا يغيب عنك ‌فى‌ ايه لحظه، لذلك فاننا نعوذ بك ‌يا‌ رب ‌من‌ ايه حاله فتور روحى تقودنا الى النوم العميق الذى يغمرنا بالغفله ‌و‌ يبعدنا عن «الوعى العميق».


 ‌و‌ تعاطى الكلفه.
 
 العباده معنى ‌فى‌ الروح ‌و‌ نشاط ‌فى‌ الجسد:
 
 لقد امرتنا- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ نعبدك، لان العباده تعمق ‌فى‌ نفوسنا معنى العبوديه الخالصه، ‌فى‌ اخلاصها ‌و‌ انقيادها ‌و‌ خضوعها للالوهيه الخالقه المطلقه، فكل كلمه ‌من‌ كلمات العباده تحفر ‌فى‌ العمق الروحى موقعا جديدا للايمان، ‌و‌ كل حركه ‌من‌ حركاتها، تهز ‌فى‌ الكيان شعورا حميما، ليتحول الانسان ‌من‌ خلال ذلك، الى روح تعرج اليك ‌فى‌ تطلعاتها ‌و‌ اشواقها ‌و‌ ابتهالاتها، ‌و‌ الى ذات تنفتح عليك بكل افكارها ‌و‌ مشاعرها ‌و‌ خطواتها، ‌و‌ الى جسد ينقاد لارادتك ‌فى‌ كل اقواله ‌و‌ افعاله.
 لقد اردت لنا العباده وسيله ‌من‌ وسائل القرب منك، ‌و‌ حركه روحيه جسديه للانفتاح عليك، ‌و‌ لم تردها شكلا جامدا ‌لا‌ يملك مضمونا ‌فى‌ الروح، ‌او‌ كما تتكاثر فيه الاعداد ‌من‌ دون ‌اى‌ عمق ‌فى‌ الكيف.
 لقد اردتها حاله ‌فى‌ الانسان تغنى انسانيته بالكثير الكثير ‌من‌ المشاعر الحميمه ‌فى‌ مواقع رضاك، ‌و‌ تحرك خطواته ‌فى‌ دروب الخير ‌فى‌ الحياه.
 ‌و‌ لذلك اردتها عفويه تنطلق ‌من‌ عفويه العابدين لك ‌فى‌ صفاء الايمان ‌و‌ بساطته، ‌و‌ طهاره الروح ‌و‌ نقائها، بحيث ينطلق الانسان اليها بلهفه ‌و‌ شوق كلهفه الظمان الى الينبوع الصافى، ‌و‌ شوق الحبيب الى لقاء حبيبه، الامر الذى يفرض عليه ‌ان‌ ‌لا‌ يقسو على جسده فيسقط اعياء تحت تاثير الجهد، ‌و‌ ‌لا‌ يتعب ذهنه فيمل ‌من‌ التفكير فيبتعد عن الاقبال على العباده، ‌و‌ يضيع ‌فى‌ متاهات الملل، فتكون العباده متكلفه يتحرك فيها الجسد بمشقه، ‌و‌ تنطلق معها الروح باعياء، حتى ‌لا‌ تترك ‌اى‌ تاثير ايجابى ‌فى‌ سمو الروح، بل تتجمع كل سلبيات التعبد ‌و‌ الملل لتجعلها شيئا بغيضا الى النفس، بعيدا عن كل جو حميم ‌و‌ رغبه صافيه.
 اننا- ‌يا‌ رب- ‌لا‌ نريد ‌ان‌ نتكلف عبادتك، بل نريد ‌ان‌ نعيشها معنى ‌فى‌ الروح ‌و‌ سرا ‌فى‌ القلب، ‌و‌ نشاطا ‌فى‌ الجسد، ‌و‌ حركه ‌فى‌ الحب، لذلك وفقنا- ‌يا‌ رب- لان ننفتح عليها انفتاح الحب ‌و‌ النشاط ‌و‌ اليقظه، فلا تكون جهدا ضائعا، بل حركه منتجه نتقدم- ‌من‌ خلالها- ‌فى‌ كل يوم خطوه اليك، ‌و‌ اجعل لنا الوعى الذى تتحول فيه العباده الى ‌خط‌ ‌من‌ خطوط المعرفه التى تزيدنا ‌و‌ عيا لذاتك المقدسه، ‌و‌ عرفنا كيف نعبدك ‌و‌ كيف نتوازن ‌فى‌ عبادتك، ‌و‌ اعذنا ‌من‌ الانحراف عن الخط المستقيم.


 ‌و‌ ايثار الباطل على الحق.
 
 لنعش مع الحق فكرا ‌و‌ عاطفه ‌و‌ حركه:
 
 ‌يا‌ رب، انك كلفتنا ‌ان‌ نعيش مع الحق فكرا ‌و‌ عاطفه ‌و‌ حركه على مستوى العمق ‌و‌ العلاقات ‌و‌ المواقف، كما حذرتنا ‌من‌ الوقوف مع الباطل ‌فى‌ كل المستويات، ‌و‌ ‌فى‌ جميع المجالات، لانك اقمت السماوات ‌و‌ الارض على الحق، ‌و‌ اوحيت الينا ‌ان‌ نفكر بانك ‌ما‌ خلقت هذا باطلا، ‌و‌ اذا كان جزءا ‌من‌ هذا الكون، فانك اردتنا ‌ان‌ نتكامل معه على اساس الحق الذى يمثل ‌سر‌ الوجود ‌فى‌ التكوين، مما يفرض علينا ‌ان‌ نتمثله بارادتنا ‌فى‌ الواقع.
 اللهم ‌و‌ نحن عبادك الضعفاء الذين خلقتهم ‌من‌ ضعف، فقد تدفعنا نقاط الضعف الى السير مع الباطل ‌و‌ الابتعاد عن الحق عندما يقدم الينا الباطل محفوفا بالاطماع ‌و‌ الشهوات، ‌و‌ يقدم الينا الحق محفوفا بالمكاره ‌و‌ المتاعب، فنسى ء عمليه الاختيار، فنوثر الباطل على الحق طمعا ‌فى‌ متاع الحياه الدنيا، ‌و‌ زهدا ‌فى‌ الحياه الاخره، فنكتسب بذلك غضبك ‌و‌ نفقد محبتك.
 اللهم فارزقنا القوه لنضغط على مشاعرنا ‌و‌ مكامن الشهوه ‌فى‌ غرائزنا، لنرفض الباطل مهما كانت النتائج، ‌و‌ نتبنى الحق مهما كانت الخسائر، فنوثر الحق على الباطل بدلا ‌من‌ ‌ان‌ نوثر الباطل على الحق، ‌و‌ اعذنا- ‌يا‌ رب- ‌من‌ وساوس انفسنا، ‌و‌ اضاليل افكارنا، ‌و‌ همسات مشاعرنا.


 ‌و‌ الاصرار على الماثم.
 
 العوده عن الخطا ‌و‌ التوبه:
 
 اننا الخطاون- ‌يا‌ رب- ففى كل لحظه لنا خطيئه، ‌و‌ ‌فى‌ كل حركه لنا معصيه، لان نوازع الغرائز كامنه ‌فى‌ اجسادنا، ثائره ‌فى‌ اعصابنا، محمومه ‌فى‌ شهواتنا، ‌و‌ الشيطان يطوف بنا ‌فى‌ ذلك كله، ليثير ‌فى‌ اعماقنا النار المتاججه، ‌و‌ يحرك ‌فى‌ صدورنا الوساوس المثيره، ‌و‌ يدفعنا الى الغفله عنك، ‌و‌ نسيان اوامرك ‌و‌ نواهيك، فنخطى ء ‌و‌ نعصى ‌و‌ نسى ء ‌و‌ نتمرد، ‌و‌ ربما نواقع الجريمه الكبرى.
 ‌و‌ قد نستيقظ ‌من‌ رقدتنا، ‌و‌ نصحو ‌من‌ سكرتنا، ‌و‌ نستفيق ‌من‌ غفلتنا، فنحاول التخلص ‌من‌ اسره، ‌و‌ التحرر ‌من‌ ضغوطه، ‌و‌ الابتعاد عن خطواته، فيطبق علينا، ليسوف لنا التوبه، ‌و‌ ينسينا الاخره، ‌و‌ هكذا يتحول الموقف ‌فى‌ حياتنا الى اصرار على ارتكاب الماثم بحيث يقترب ‌من‌ الذات ‌فى‌ ‌ما‌ يشبه العنصر اللاصق بها الذى ‌لا‌ ينفك عنها، ‌و‌ بذلك نعيش ‌فى‌ الجو الذى تحيط بنا فيه الخطيئه، ‌و‌ يستقر الانحراف.
 اننا نحب العصمه ‌فى‌ اعمالنا ‌و‌ اقوالنا ‌و‌ علاقاتنا، ‌و‌ نستعين بك على ‌ان‌ تمنحنا القوه للوصول الى هذه الدرجه العليا، ‌و‌ لكن اذا لم نصل الى ذلك المستوى، فاننا نتوسل اليك ‌ان‌ تطل علينا بلطفك ‌و‌ حكمتك ‌و‌ عصمتك، لتهبنا الوعى الروحى ‌و‌ الاراده الايمانيه التى تجعلنا نتراجع كلما اندفعنا ‌فى‌ دروب المعصيه، ‌و‌ نستفيق كلما احاطت بنا الغفله، لنتوب اليك ‌فى‌ كل ذنب نرتكبه، ‌و‌ نستقيم ‌فى‌ كل درب ننحرف فيه، حتى ‌لا‌ تكون الخطيئه عقده مستحكمه ثابته ‌فى‌ حياتنا، بل تكون مجرد حاله طارئه، تزول بالتوبه ‌و‌ العوده اليك، فلا تترك تاثيراتها القاسيه ‌فى‌ ذواتنا ‌فى‌ موقف الاصرار.
 اعذنا ‌يا‌ رب ‌من‌ الاصرار على الماثم ‌و‌ اجعلنا ‌من‌ المتقين الذين (اذا مسهم طائف ‌من‌ الشيطان تذكروا فاذا ‌هم‌ مبصرون)(الاعراف: 201). ‌و‌ الذين (لم يصروا على ‌ما‌ فعلوا ‌و‌ ‌هم‌ يعلمون)(آل عمران: 135).


 ‌و‌ استصغار المعصيه ‌و‌ استكثار الطاعه.
 
 لنستعن بنعم الله على طاعته.
 
 ربما كانت بعض مشاكلنا الروحيه ‌و‌ العمليه- ‌يا‌ رب- اننا قد نستغرق ‌فى‌ اعمالنا استغراقا عميقا يبعدنا عن وعى دلالتها ‌فى‌ مواقع حركه العبوديه لك، ‌و‌ ‌فى‌ مجالات الشكر لنعمك، ‌او‌ ‌فى‌ آفاق الاحساس بعظمتك، ‌و‌ هكذا نجد اننا قد نستصغر المعصيه، ‌لا‌ سيما اذا كانت صغيره ‌فى‌ ذاتها، فننظر الى طبيعه المعصيه، ‌و‌ ‌لا‌ ننظر الى ‌من‌ عصيناه، ‌و‌ تثير ‌فى‌ انفسنا التفكير بانه طوبى لنا لو لم يكن لنا غير ذلك، ‌من‌ دون التفات الى دلاله ذلك على الاستخفاف بامر الله تعالى.
 ‌و‌ قد نستكبر الطاعه ‌و‌ نستكثرها، ‌فى‌ روحيه العجب بانفسنا، فيخيل الينا اننا قمنا بجهد عظيم ‌فى‌ العباده، ‌و‌ مبادرات كثيره ‌فى‌ الطاعه، ‌و‌ ربما يقفز الى مشاعرنا الاحساس بالمن على الله ‌فى‌ ذلك، مما يجعلنا نطلب ‌من‌ الله ‌ان‌ يمنحنا الثواب العظيم ‌من‌ موقع الجداره ‌و‌ الاستحقاق، ‌و‌ هذا مما يبتعد بالانسان عن روحيه الايمان بالله، ‌و‌ عن وعى مقام ربه ‌فى‌ آفاق عظمته، لتكن الطاعه لديه مجرد عمليه ذاتيه تجاريه ‌لا‌ ترتبط بالمعنى العميق بالله.
 اننا- ‌يا‌ رب- نعرف باننا مهما استنفدنا طاقاتنا ‌فى‌ طاعتك، ‌و‌ استنزفنا جهودنا ‌فى‌ مواقع رضاك، فلن نبلغ شيئا ‌من‌ شكر نعمك، ‌و‌ ايفاء حقك، لان وجودنا- ‌فى‌ كل مفرداته- نعمه كبيره علينا، حتى ‌ان‌ ‌ما‌ تلهج ‌به‌ السنتنا ‌من‌ شكرك، ‌و‌ ‌ما‌ تتحرك ‌به‌ اجسادنا ‌فى‌ طاعتك، ‌هو‌ نعمه تستحق بها الشكر منا، لانها هبه منك ‌و‌ عطاء ‌من‌ فضلك، لان القوه التى تمكننا ‌من‌ ذلك مستمده ‌من‌ قدرتك ‌فى‌ امتداد الحياه ‌فى‌ كل عروقنا ‌و‌ نبضات قلوبنا، ‌و‌ قد قلت ‌فى‌ كتابك ‌يا‌ رب: (و ‌ان‌ تعدوا نعمه الله ‌لا‌ تحصوها)(ابراهيم: 34)، ‌و‌ هكذا نجد ‌ان‌ ايه معصيه مهما كانت صغيره، فهى كبيره ‌فى‌ دلالتها السلبيه امام حقك الواجب علينا، ‌و‌ عظمتك التى تتمثل ‌فى‌ كل الوجود حتى ‌فى‌ تفاصيل وجودنا، فنحن نعصيك، بالنعم التى اسديتها الينا، ‌و‌ بالادوات التى مكنتنا منها، مما يجعل ‌من‌ المعصيه- ‌فى‌ طبيعتها- مثلا للحقاره كل الحقاره، ‌و‌ الاساءه كل الاساءه، كما جاء ‌فى‌ حديث وليك على اميرالمومنين (ع) «اقل ‌ما‌ يلزمكم لله الا تستعينوا بنعمه على معاصيه».
 اننا نعوذ بك- ‌يا‌ رب- ‌من‌ هذه الذهنيه المنحرفه البعيده عن وعى العبد لايمانه، ‌و‌ غفلته عن مقام ربه، فابعدنا عن استصغار المعصيه بان تثير ‌فى‌ نفوسنا الاحساس بخطورتها ‌فى‌ دلالتها على التمرد عليك، ‌و‌ عن استكثار الطاعه، بان تجعلنا نعى جيدا مواقع نعمك عندنا، فلا نجد ‌فى‌ كل اعمالنا شيئا يقابل بعض نعمك ‌و‌ بذلك نعى سلبيه بقائنا ‌فى‌ حدود التقصير ‌فى‌ عبادتك، فنتحرك ‌فى‌ ‌خط‌ تصاعدى ‌فى‌ تنميه الجانب الايجابى ‌فى‌ حركه طاعتك.


و مباهاه المكثرين ‌و‌ الازراء بالمقلين.
 
 المال ليس قيمه بذاته:
 
 ‌يا‌ رب، مشكله البعض منا، انهم يجدون ‌فى‌ المال كل القيمه، فيرون فيه مقياس السعاده ‌و‌ الشقاء، ‌و‌ الرفعه ‌و‌ الانحطاط، باعتبار انه يمثل القوه الماديه التى تمد الانسان بكل حاجاته الصغيره ‌و‌ الكبيره، ‌و‌ تسمح له بالحصول على كل مظاهر البذخ ‌و‌ الترف ‌و‌ السعه ‌فى‌ ‌ما‌ يتنافس فيه المتنافسون.
 ‌و‌ هذا ‌ما‌ يدخل ‌فى‌ وعى الانسان، لتكون مساله النظره الى المال حاله اخلاقيه سلبيه تنعكس سلبا على طريقه التعامل مع الاخرين، بحيث يقف مالك المال ‌فى‌ مواجهه امثاله ‌من‌ الذين يملكونه، ليستعرض كل ‌ما‌ يملكه امام الاخرين، ليباهى ‌به‌ الذين يملكون الكثير منه، ليدخل معهم ‌فى‌ عمليه تكاثر تميزه عنهم، لتكون له الميزه الكبيره عليهم ‌فى‌ مجال الحصول على القيمه الاجتماعيه المتقدمه بين الناس الذين يحترمون الاخرين على اساس كميه المال الذى يملكونه.
 ‌و‌ يشتد الانحراف ليتحول الى عقده استكباريه، يشعر معها بالعلو ‌و‌ الرفعه على الفقراء، فيزدريهم ‌و‌ يحتقرهم، لانهم ‌لا‌ يملكون- ‌فى‌ نظره- اساس الاحترام، لانهم ‌لا‌ يملكون المال، الامر الذى يودى الى تحويل المجتمع الى طبقتين متضادتين ‌فى‌ الواقع، مما يثير الكثير ‌من‌ المشاكل الاخلاقيه ‌و‌ الاجتماعيه، تبعا لما يسببه الشعور بالاضطهاد لدى الفقراء المنسحقين امام مشاعر الاستعلاء لدى الاغنياء ‌من‌ نتائج سلبيه على الجميع. ‌و‌ نحن نعرف ‌يا‌ رب ‌ان‌ المال ليس قيمه ‌فى‌ معناها الحقيقى، لانه ‌لا‌ يتصل بالمعنى الذاتى للانسان ‌فى‌ تكوين وجوده ‌و‌ ‌سر‌ شخصيته، باعتبار انه شى ء خارج عنه، مفصول عن ذاته، فلا معنى للمباهاه به، ‌و‌ قد قال بعض الحكماء لمن يفتخر بثراه: ‌ان‌ افتخرت بفرسك فالحسن ‌و‌ الفراهه له دونك، ‌و‌ ‌ان‌ افتخرت بثيابك فالجمال لها دونك، ‌و‌ ‌ان‌ افتخرت بابائك فالفضل فيهم ‌لا‌ فيك، ‌و‌ لو تكلمت هذه الاشياء، لقالت هذه محاسننا، فما لك ‌من‌ حسن، ‌و‌ انما المباهاه ‌و‌ المفاخره بالاعمال الصالحه، ‌و‌ قد قلت ‌فى‌ كتابك:
 (المال ‌و‌ البنون زينه الحياه الدنيا ‌و‌ الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا ‌و‌ خير املا)(الكهف: 46).
 ‌و‌ قلت ‌فى‌ آيه اخرى:
 (اعلموا انما الحياه الدنيا لعب ‌و‌ لهو ‌و‌ زينه ‌و‌ تفاخر بينكم ‌و‌ تكاثر ‌فى‌ الاموال ‌و‌ الاولاد كمثل غيث اعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما ‌و‌ ‌فى‌ الاخره عذاب شديد)(الحديد: 20).
 ‌و‌ قد جاء عن رسولك انه قال: «و ‌من‌ اهان فقيرا مسلما ‌من‌ اجل فقره ‌و‌ استخف ‌به‌ فقد استخف بحق الله ‌و‌ لم يزل ‌فى‌ مقت الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌و‌ سخطه حتى يرضيه». ‌و‌ هكذا اردت ‌يا‌ رب ‌ان‌ ينظر الناس الى المال على اساس انه حاجه ‌من‌ حاجات الدنيا، ‌و‌ ليس قيمه ‌من‌ قيم الحياه، فلم ترد للانسان ‌ان‌ يكون محترما لكثره ماله، ‌او‌ يكون محتقرا لقله ذات يده، بل اردت للعلم ‌و‌ للعقل ‌و‌ للايمان ‌و‌ للعمل الصالح ‌ان‌ تكون هى الاساس ‌فى‌ الاحترام ‌و‌ التقدير، اللهم فاعذنا ‌من‌ ذلك- ‌و‌ اجعلنا ‌من‌ الذين ‌لا‌ يباهون المكثرين بمالهم ‌و‌ يزدرون المقلين ‌من‌ خلال فقرهم، ‌و‌ اعصمنا ‌من‌ وساوس الشيطان ‌فى‌ ذلك كله، لنعرف اننا ملكك، ‌و‌ ‌ان‌ المال ‌هو‌ مالك الذى آتيتنا ‌و‌ استخلفتنا عليه، لنحركه ‌فى‌ مواقع رضاك، ‌و‌ نبتعد ‌به‌ عن مواقع سخطك.


 ‌و‌ سوء الولايه لمن تحت ايدينا.
 
 اصول ولايه الحاكم على المحكومين:
 
 قد يكون ‌من‌ نظام الحياه الذى فرضته سننك ‌و‌ اكدته شريعتك- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ يكون لنا الولايه على بعض الناس، بحيث تكون لنا السلطه على رعايه امورهم ‌و‌ تنظيم شوونهم ‌فى‌ نطاق المفردات التشريعيه التى انطلقت ‌من‌ وحيك ‌و‌ سنه نبيك، لتحددها ‌فى‌ نطاق المصلحه التى تحفظ لهم انسانيتهم، ‌و‌ تحقق لهم تنميه طاقاتهم، ‌و‌ تربيه اجسادهم ‌و‌ عقولهم، ‌و‌ تلبيه حاجاتهم، ‌و‌ توجيه اوضاعهم نحو النمو ‌و‌ الثبات ‌و‌ الاستقرار. ‌و‌ لكننا قد نتصرف بطريقه اخرى، فنسى ء الى هولاء الناس ‌من‌ خلال بعض النوازع الشريره الكامنه ‌فى‌ نفوسنا بفعل تعاظم الاحساس الذاتى باحتقارهم، ‌او‌ باعتبارهم مجرد هامش ‌من‌ هوامش حياتنا، تماما كما لو كانوا قطعه ‌من‌ قطع الاثاث الذى نملكه، ‌او‌ شيئا ‌من‌ الاشياء التى نملك حريه التصرف فيها ‌من‌ دون قيد، ‌و‌ ذلك ‌من‌ خلال عدم الاحساس بانسانيتهم التى تفرض علينا الالتزام بكل القيم التى تحميها ‌و‌ تصونها ‌من‌ ‌اى‌ عدوان داخلى ‌او‌ خارجى، مما يجعل ‌من‌ العلاقه بيننا ‌و‌ بينهم عمليه تفاعل ‌فى‌ حركه التفاعل الانسانى بطريقه خاصه، بحيث تكون الولايه علاقه رعايه ‌و‌ حمايه ‌و‌ تنميه ‌و‌ اعزاز ‌من‌ خلال الجهد الذى نبذله تجاههم، ‌و‌ المسووليه التى نتحملها ‌فى‌ حياتهم، ليكون لنا ‌فى‌ مقابل ذلك بعض الحق ‌فى‌ ‌ما‌ يقومون ‌به‌ تجاهنا ‌من‌ المسووليات المترتبه عليهم.
 ‌و‌ هذا الذى نلاحظه ‌فى‌ ولايه الحاكم على المحكومين، ‌و‌ الزوج على زوجته، ‌و‌ المعلم على تلاميذه، ‌و‌ الاب على اولاده، ‌و‌ صاحب العمل على عماله، فان المساله ‌فى‌ ذلك كله هى ‌ان‌ هناك التزاما شرعيا ‌او‌ اجتماعيا ‌او‌ عاطفيا، يجعلنا مسوولين عن هولاء بحجم معنى ‌و‌ بحدود خاصه، ‌و‌ الى امد محدود، فهناك مهمه معينه موكوله الينا ‌فى‌ رعايتهم، ‌و‌ هناك زمن محدد ‌فى‌ امتداد الولايه، ‌و‌ هناك نظام مضبوط للعلاقه التى تشدنا اليهم ‌او‌ تشدهم الينا ‌من‌ خلال طبيعه التخطيط الاجتماعى الذى اراده الاسلام للحياه ‌و‌ للانسان، ‌فى‌ عمليه تركيز النظام العام المتوازن بين الناس، لان هناك حاجه انسانيه تفرض رعايه بعض الناس لبعض على اساس توزيع المسووليات تبعا لتنوع الظروف ‌و‌ الطاقات ‌و‌ مراحل العمر ‌و‌ مواقع المسووليه.
 ‌و‌ قد جاء ‌فى‌ رساله الحقوق المرويه عن الامام على ‌بن‌ الحسين زين العابدين (ع)، بعض الافكار التى توحى بالحدود التى تفرضها الولايه ‌فى‌ بعض هذه العناوين.
 فقد ورد ‌فى‌ الحديث عن ‌حق‌ الرعيه على الراعى:
 «و اما ‌حق‌ رعيتك بالسلطان، فان تعلم انهم صاروا رعيتك لضعفهم ‌و‌ قوتك، فيجب ‌ان‌ تعدل فيهم ‌و‌ تكون لهم كالوالد الرحيم، ‌و‌ تغفر لهم جهلهم ‌و‌ ‌لا‌ تعاجلهم بالعقوبه، ‌و‌ تشكر الله على ‌ما‌ آتاك ‌من‌ القوه عليهم».
 ‌و‌ ‌فى‌ ‌حق‌ المتعلم على العالم قال:
 «و اما ‌حق‌ رعيتك بالعلم، فان تعلم ‌ان‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ انما جعلك قيما لهم ‌فى‌ ‌ما‌ آتاك ‌من‌ العلم، ‌و‌ فتح لك ‌من‌ خزائنه، فان احسنت ‌فى‌ تعليم الناس ‌و‌ لم تخرق بهم ‌و‌ لم تضجر عليهم، زادك الله ‌من‌ فضله، ‌و‌ ‌ان‌ انت منعت الناس علمك ‌او‌ خرقت بهم عند طلبهم العلم كان حقا على الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌ان‌ يسلبك العلم ‌و‌ بهاءه ‌و‌ يسقط ‌من‌ القلوب محلك».
 ‌و‌ ‌فى‌ ‌حق‌ الزوجه على زوجها قال:
 «و اما ‌حق‌ الزوجه فان تعلم ‌ان‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ جعلها لك سكنا ‌و‌ انسا، فتعلم ‌ان‌ ذلك نعمه ‌من‌ الله عليك، فتكرمها ‌و‌ ترفق بها، ‌و‌ ‌ان‌ كان حقك عليها اوجب، فان لها عليك ‌ان‌ ترحمها لانها اسيرك ‌و‌ تطعمها ‌و‌ تكسوها، ‌و‌ اذا جهلت عفوت عنها».
 ‌و‌ ‌فى‌ ‌حق‌ الولد على والده قال:
 «و اما ‌حق‌ ولدك فان تعلم انه منك ‌و‌ مضاف اليك ‌فى‌ عاجل الدنيا بخيره ‌و‌ شره، ‌و‌ انك مسوول عما وليته ‌به‌ ‌من‌ حسن الادب ‌و‌ الدلاله على ربه ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌و‌ المعونه له على طاعته، فاعمل ‌فى‌ امره، عمل ‌من‌ يعلم انه مثاب على الاحسان اليه معاقب على الاساءه اليه».
 اننا- ‌يا‌ رب- ‌لا‌ نريد ‌ان‌ نعيش الطغيان الذاتى، ‌و‌ الاستكبار النفسى ‌فى‌ تعاملنا مع الناس الذين تحملنا مسووليه اداره شوونهم ‌فى‌ ‌ما‌ حملتنا ‌من‌ ذلك، لان الطغيان الاستكبارى يبعدنا عنك، ‌و‌ يبغضنا اليك، ‌و‌ يسى ء الى انسانيتنا التى تتاصل ‌و‌ تتعمق ‌و‌ تمتد ‌و‌ تنمو ‌فى‌ احساسها الروحى ‌و‌ ممارستها العمليه باحترام انسانيه الاخرين ‌لا‌ سيما الضعفاء منهم.
 اللهم ‌و‌ فقنا لان نرتفع الى مواقع الخير ‌فى‌ اخلاقنا، ‌و‌ الحق ‌فى‌ افكارنا، ‌و‌ العدل ‌فى‌ علاقاتنا، لان ذلك الذى يبنى الحياه على اساس قوى ثابت، ‌و‌ يجعل الناس كلهم منفتحين على مواقع رضاك، اللهم الهمنا حسن التصرف ‌فى‌ الولايه لمن تحت ايدينا حتى نفهم كل مواقع الحاجه عندهم، لننطلق بها الى ‌ما‌ يحقق الخير لنا ‌و‌ لهم ‌و‌ للحياه كلها ‌فى‌ ساحه رضاك.


 ‌و‌ ترك الشكر لمن اصطنع العارفه عندنا
 
 نتائج الاعتراف بالجميل:
 
 لقد اردتنا- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ نعترف بالجميل ‌فى‌ كل موارده، لكل الذين قاموا باى عمل ‌فى‌ نطاق حاجاتنا ‌و‌ ‌فى‌ دائره مصالحنا، كما اردتنا ‌ان‌ نعترف بالجميل لك بما لك ‌من‌ الحق العظيم علينا ‌فى‌ كل وجودنا، ‌و‌ لذلك امرتنا بان نشكرك ‌و‌ نشكر ‌و‌ الدينا، كنموذج للناس الذين يملكون الحق علينا بما قدموه لنا ‌فى‌ رعايه ‌و‌ خدمه ‌و‌ عطاء.
 ‌و‌ اوحيت الينا بذلك ‌ان‌ مساله الشكر هى مساله الاحساس بالنعمه ‌و‌ بقيمتها ‌و‌ بمدلولها الروحى، بما تعبر عنه ‌من‌ الاحسان الذى نحصل عليه فيغنى حياتنا، ‌و‌ يصون موقعنا، ‌و‌ يحمى شووننا ‌و‌ يقويها ‌و‌ ينميها، ‌و‌ ‌فى‌ هذا الجو تنطلق مساله الشكر للناس لتكون ‌من‌ المسائل التى تساهم ‌فى‌ تشجيع الحوافز النفسيه، التى تدفعهم للامتداد ‌فى‌ الاحسان، لان الانسان يحب- بفطرته- ‌ان‌ يجد صدى عمله ‌فى‌ عيون الناس ‌و‌ ‌فى‌ كلماتهم ‌و‌ افعالهم، كتعبير عن انفعالهم الروحى بما قدمه لهم، فاذا لم يجد منهم ذلك، فقد يترك ذلك تاثيرا سلبيا على حماسه للعمل الخير، فيتراخى ‌و‌ يضعف ‌و‌ يتراجع.. ثم يتركه تحت تاثير نكران الجميل ‌او‌ عدم شكر المعروف، ‌و‌ قد جاء عن الصادق (ع) انه قال: «لعن الله قاطعى سبيل المعروف، ‌و‌ ‌هو‌ الرجل يصنع اليه المعروف فتكفره فيمنع صاحبه ‌من‌ ‌ان‌ يصنع ذلك الى غيره».
 ‌و‌ اذا كان الناس ‌لا‌ يعيشون هذه القيمه الاخلاقيه مع بعضهم البعض، فان معنى ذلك ‌هو‌ فقدانها ‌من‌ نفوسهم، ‌من‌ ناحيه المبدا، الامر الذى يودى الى البعد عن شكر الله، ‌و‌ ‌لا‌ سيما اذا عرفنا ‌ان‌ الانسان يتاثر بالمحسوس بما ‌لا‌ يتاثر ‌به‌ ‌فى‌ الغيب، فاذا لم ينفعل بالحس ‌فى‌ هذه الدائره، فانه ‌لا‌ ينفعل بما يتجاوز الحس فيها، ‌و‌ هذا ‌ما‌ يوحى ‌به‌ الحديث الماثور عن الامام على ‌بن‌ الحسين زين العابدين (ع) قال: «اشكركم لله اشكركم للناس».
 ‌و‌ ربما نفهم ‌من‌ بعض الاحاديث ‌ان‌ معنى شكر العبد الفاعل للخير يمثل شكر الله، لان الله ‌هو‌ الذى اعطى فاعل الخير المال ‌او‌ الجهد الذى اعطاه للناس، مما يجعل توجيه الشكر اليه يمثل- ‌فى‌ العمق- الشكر لله، باعتبار انه السبب الاعمق ‌فى‌ النعمه، ‌فى‌ حصول المنعم عليه، ‌و‌ ‌فى‌ اصل وجوده الذاتى، ‌و‌ ‌فى‌ الهام الله له ‌فى‌ العطاء.
 ‌و‌ هذا ‌ما‌ جاء عن الامام على ‌بن‌ الحسين (ع) قال: «يقول الله تبارك ‌و‌ تعالى لعبد ‌من‌ عبيده يوم القيامه: اشكرت فلانا؟ فيقول: بل شكرتك ‌يا‌ رب، فيقول: لم تشكرنى اذ لم تشكره»، ‌و‌ نفهم ‌من‌ هذا الحديث: ‌ان‌ الله يريد شكر الوسيله كما يريد شكر ذاته- سبحانه-.
 اللهم اجعلنا ممن يشكر العاملين للخير ‌من‌ عبادك، كما نشكرك ‌فى‌ نعمك عندنا، ‌و‌ اعذنا ‌من‌ ترك ذلك، ممما نغفل عنه ‌من‌ وظائفنا الروحيه الانسانيه.


او ‌ان‌ نعضد ظالما.
 
 العدل اساس الدين ‌و‌ الحياه:
 
 لقد اردت للحياه ‌ان‌ تقوم على اساس العدل حتى انك انزلت ‌فى‌ كتابك قولك- سبحانك-: (لقد ارسلنا رسلنا بالبينات ‌و‌ انزلنا معهم الكتاب ‌و‌ الميزان ليقوم الناس بالقسط)(الحديد: 25).
 فجعلت اقامه العدل اساس ارسال الرسل ‌و‌ انزال الكتاب ‌فى‌ وضع الميزان، فلا معنى للدين ‌من‌ دون الالتزام بالعدل، لان الانحراف يمثل الانحراف عن الحق ‌و‌ الانسجام مع الباطل.
 ‌و‌ نحن نعلم- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ اقامه العدل تفرض علينا الوقوف مع العادلين ‌و‌ مواجهه الظالمين، لان ذلك ‌هو‌ السبيل لتقويه الموقع ‌و‌ الموقف، بينما يمثل خذلان الذين يامرون بالقسط ‌و‌ نصره الذين يمارسون الظلم، الاتجاه المنحرف المضاد للانطلاقه الانسانيه ‌فى‌ ‌خط‌ التوازن، ‌و‌ درب الاستقامه.
 ‌و‌ ‌فى‌ ضوء ذلك نهيت عبادك المومنين عن الركون الى الظالمين ‌و‌ توعدتهم بالنار على ذلك، فقلت- سبحانك-:
 (و ‌لا‌ تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار)(هود: 113).
 ‌و‌ قد جاء ‌فى‌ تفسير الكشاف قال: النهى متناول للانحطاط ‌فى‌ هواهم، ‌و‌ الانقطاع اليهم، ‌و‌ مصاحبتهم ‌و‌ مجالستهم ‌و‌ زيارتهم ‌و‌ مداهنتهم، ‌و‌ الرضى باعمالهم، ‌و‌ التشبه بهم ‌و‌ التزيى بزيهم، ‌و‌ مد العين الى زهرتهم ‌و‌ ذكرهم بما فيه تعظيم لهم.
 ‌و‌ ‌من‌ الطبيعى ‌ان‌ فشل هذه الامور يسهم ‌فى‌ تقويه مواقعهم، ‌و‌ يوحى بالانفتاح عليهم ‌و‌ الاستسلام الى اوضاعهم، ‌فى‌ ‌ما‌ تمثله كلمه الركون اليهم ‌من‌ افق واسع ‌فى‌ دائره العلاقات ‌فى‌ اكثر ‌من‌ موقع، لان القضيه قد تكون هى محاصره الظالمين ‌من‌ الناحيه النفسيه التى يشعرون معها بان الناس ‌من‌ حولهم ‌لا‌ يحبونهم ‌و‌ لايتعاطفون معهم، ‌و‌ ‌من‌ الناحيه الاجتماعيه، بالمستوى الذى يرون فيه بان المجتمع ‌لا‌ يتعاون معهم ‌و‌ ‌لا‌ يثق بهم بل يقاطعهم، ‌و‌ ‌من‌ الناحيه السياسيه التى توكد لهم رفض الامه لهم ‌فى‌ قضايا الحكم ‌و‌ الاداره ‌و‌ الحرب ‌و‌ السلم ‌و‌ العلاقات العامه، ‌و‌ رفع شعار المقاطعه لهم ‌فى‌ كل المجالات العامه ‌و‌ الخاصه، ‌و‌ قد تتطور الامور لتصل الى ‌حد‌ المجابهه ‌و‌ التحدى ‌و‌ المواجهه التى تعمل على اضعافهم ‌و‌ تشتيت قواهم كمقدمه لاسقاطهم، لان الامه اذا لم تتضافر جهودها ‌و‌ مواقفها ‌فى‌ هذه الاتجاه، فان الظلم سيمتد ‌فى‌ الحياه بفعل مراكز القوى التى يملكه الظالمون ‌من‌ خلال المواقع التى يحتلونها ‌فى‌ الحياه العامه، ‌و‌ الوسائل التى يملكونها ‌فى‌ النفاذ الى الواقع السياسى ‌و‌ الاجتماعى ‌و‌ الثقافى ‌و‌ الاقتصادى ‌و‌ العسكرى، للقضاء على كل موقع ‌من‌ مواقع المستضعفين على اساس الثغرات الموجوده فيها، ‌و‌ نقاط الضعف المتنوعه ‌فى‌ داخلها.
 ‌و‌ هذا الذى يجعل ‌من‌ المساله مسووليه كل فرد ‌من‌ الامه، بحيث تدخل القضيه ‌فى‌ البناء الثقافى للانسان المسلم ‌فى‌ وعيه للعدل ‌فى‌ الحياه كمسووليه فكريه ‌و‌ عمليه ‌فى‌ التزامه الاسلامى، ليجعل البحث عن العدل هما كبيرا له، ‌و‌ ليوجه كل طاقاته نحوه ليعطى لكل مواقعه قوه ‌من‌ قوته، ‌و‌ حركه ‌من‌ نشاطه، حتى ‌لا‌ تكون القضيه لديه مجرد هامش ‌من‌ هوامش شخصيته الدينيه.
 ‌و‌ لعل التعبير- ‌فى‌ الدعاء- ‌فى‌ الاستعاذه بالله ‌من‌ ‌ان‌ نعضد ظالما، يمثل التعبير الموحى بالرغبه الروحيه ‌فى‌ البعد عن تقويه الظالم ‌فى‌ ظلمه ‌و‌ سلطانه، حتى يصبح بالامكان محاصره الظلم بما ‌لا‌ يجعله قوه ‌فى‌ حياه الناس.
 اللهم اعذنا ‌من‌ ‌ان‌ نحرك قوتنا ‌فى‌ هذا الاتجاه العدوانى الذى يجعلنا ‌فى‌ عداد المعاونين للظالمين، الخاذلين للعادلين، لان ذلك يمثل الانحراف عن مواقع ارادتك، ‌و‌ مجالات محبتك، ‌و‌ اجعلنا ‌من‌ الذين يومنون بالعدل ‌و‌ يحبونه ‌و‌ يعملون له ‌و‌ يدعمون العادلين ‌و‌ يناصرونهم ‌فى‌ كل صعيد.


 ‌او‌ نخذل ملهوفا.
 
 لنكن مع لهفه الملهوفين ‌ضد‌ ظلم المستكبرين:
 
 ‌يا‌ رب، اعذنا ‌من‌ ‌ان‌ نقف موقف اللامبالاه امام لهفه الملهوفين الذين يعيشون الاضطهاد ‌فى‌ الحياه، ‌و‌ يعانون ‌من‌ قسوه المستكبرين ‌و‌ ضغط الظالمين، فلا يستطيعون الى دفع ذلك سبيلا ‌من‌ تاثير الضعف الذى يرزحون تحت ثقله، فيلجاون الى الناس ‌من‌ حولهم ليقدموا لهم المعونه، ‌و‌ ليردوا لهفتهم الى العدل بالنصره، ليساعدوهم على الظالمين باسباب القوه.. ‌و‌ لكنهم يقفون منهم موقف السلبيه الخاذله، خوفا ‌من‌ نتائج ذلك على بعض مصالحهم، التى قد تتاثر سلبا بفعل الموقف الحاسم ‌من‌ الظالمين ‌او‌ على بعض اوضاعهم، التى قد تهتز تحت تاثير ضغط المستكبرين، ‌او‌ على حاله الاسترخاء التى يحبون لانفسهم البقاء فيها، فلا يريدون الخروج منها الى حاله ‌من‌ الجهد ‌و‌ العناء ‌فى‌ ‌ما‌ يخوضون فيه ‌من‌ اعانه المضطهدين.
 فيبقى الملهوفون ‌فى‌ لهفتهم التى يصرخ فيها الالم ‌من‌ دون ‌ان‌ يجدوا معينا ‌و‌ ‌لا‌ ناصرا، ‌و‌ يستولى الظالمون ‌و‌ المستكبرون على الواقع كله، مما يساهم ‌فى‌ ضعف موقع الحق ‌و‌ قوه موقف الباطل ‌و‌ سقوط المستضعفين ‌لا‌ سيما المسلمين منهم، تحت ضغط المستكبرين، ‌و‌ هذا مما ‌لا‌ تريده- ‌يا‌ رب- لعبادك الصالحين الذين حملتهم مسووليه الحياه ‌فى‌ مواجهه كل الواقع الاستكبارى الذى يضغط على انسانيه الانسان المستضعف، فيسى ء الى حياته ‌و‌ روحه المعنويه. ‌و‌ قد جاء ‌فى‌ الحديث عن رسول الله (ص) انه قال: «و ‌من‌ يسمع رجلا ينادى ‌يا‌ للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم».
 ‌و‌ عن الامام جعفر الصادق (ع) قال: «ما ‌من‌ مومن يخذل اخاه ‌و‌ ‌هو‌ يقدر على نصرته الا خذله الله ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره».
 ‌يا‌ رب، اعطنا القوه على الاهتمام الروحى ‌و‌ العملى بكل اوضاع الملهوفين الذين يعيشون اللهفه لكلمه حب يسمعونها ‌فى‌ اجواء الحقد المحيط بهم، ‌او‌ للمسه حنان يتحسسونها ‌فى‌ مشاعر الناس ‌من‌ حولهم امام حاله القسوه التى يواجهونها، ‌او‌ لوقفه ‌حق‌ يجدونها ‌من‌ خلال المومنين الاقوياء ‌فى‌ ساحه التحدى الذى يضغط عليهم ‌من‌ المستكبرين، ليشعر الجميع بان الحياه ليست فرصه للاقوياء الظالمين لياخذوا حريتهم ‌فى‌ العبث بامن الناس ‌و‌ مقدرات امورهم، بل تكون- بفعل الموقف الجاد الحاسم لقوى الحق ‌و‌ العدل ‌و‌ الايمان- ساحه ‌من‌ ساحات الصراع ‌ضد‌ الذين يفرضون على الحياه ‌و‌ حشيتهم ‌و‌ قسوتهم ‌و‌ استكبارهم، لينطلق المستضعفون ‌فى‌ انسانيتهم ‌فى‌ مواقع الحريه ‌و‌ العداله ‌من‌ دون ضغط ‌و‌ ‌لا‌ اكراه.
 ‌و‌ اعذنا- ‌يا‌ رب- ‌من‌ كل مواقف الخذلان لكل الملهوفين ‌فى‌ الحياه


 ‌او‌ نروم ‌ما‌ ليس لنا بحق.
 
 لنكن مع الحق ‌فى‌ ‌اى‌ موقع:
 
 ‌يا‌ رب، قد تدفعنا نوازع الطمع ‌فى‌ الذات الى ‌ان‌ نعمل على تلبيه كل رغباتنا التى تتحرك بها غرائزنا للحصول عليها على حساب مصالح الاخرين، ‌و‌ قد يقودنا احساسنا بالقوه الى الضغط على حقوق الضعفاء ‌من‌ الناس، ‌فى‌ القضايا التى ‌لا‌ نملك فيها ‌اى‌ حق، ‌و‌ ذلك ‌من‌ خلال الانانيه الضيقه الخانقه التى تدفعنا الى تجاهل وجود الناس الاخرين، فيخيل الينا- بفعل الاستغراق ‌فى‌ مطالب الذات ‌و‌ حاجاتها- ‌ان‌ وجودنا يختصر الوجود كله، ليكون الجميع ‌فى‌ خدمتنا، ‌من‌ دون ‌ان‌ تكون لنا ايه مسووليه تجاههم.
 اجعلنا- ‌يا‌ رب- ‌من‌ المنفتحين على الحق بانفتاحنا على الايمان بك، الراغبين فيه ‌من‌ خلال رغبتنا ‌فى‌ الحصول على رضاك، الملتزمين بالسير عليه ‌فى‌ مواجهه الباطل، بالتزامنا الخط المستقيم ‌فى‌ حركه التوازن ‌فى‌ الحياه.
 ‌و‌ ابعدنا- ‌يا‌ رب- عن الذهنيه التى تجعلنا مستغرقين ‌فى‌ الباطل، مختنقين ‌فى‌ داخل الذات، منحرفين عن مواقع الحق ‌فى‌ وحيك ‌و‌ شريعتك، ليكون الحق ‌هو‌ الذى يقربنا اليك ‌فى‌ ‌ما‌ نحمله ‌من‌ فكر ‌و‌ ‌ما‌ نتحرك فيه ‌من‌ ‌خط‌ مستقيم.


 ‌او‌ نقول ‌فى‌ العلم بغير علم.
 
 العلم يمنح الفكر وضوح الرويا:
 
 لقد اردت- ‌يا‌ رب- للانسان ‌ان‌ ينطلق ‌فى‌ قناعاته ‌و‌ اقواله ‌و‌ افعاله، ‌من‌ العلم الذى يمنح الفكر وضوح الرويا بحيث ‌لا‌ تبقى هناك ايه شبهه، ‌و‌ ‌لا‌ يواجه ايه حاله ‌من‌ الغموض، ‌و‌ جعلت العلم قيمه انسانيه يتميز فيها الناس ‌فى‌ مواقعهم ‌و‌ درجاتهم، ‌و‌ قلت: (هل يستوى الذين يعلمون ‌و‌ الذين ‌لا‌ يعلمون)(الزمر: 9).
 ‌و‌ رغبت الى الانسان ‌ان‌ يدعوك ‌فى‌ الحصول على الزياده ‌فى‌ المعرفه، فقلت- سبحانك-: (و ‌قل‌ رب زدنى علما)(طه: 114).
 ‌و‌ حذرته ‌من‌ اتباع ‌اى‌ فكر ‌او‌ السير ‌فى‌ ‌اى‌ طريق ‌او‌ تكوين ‌اى‌ انطباع ‌لا‌ يملك علمه، ‌و‌ حملته المسووليه ‌فى‌ ذلك، فقلت: (و لاتقف ‌ما‌ ليس لك ‌به‌ علم ‌ان‌ السمع ‌و‌ البصر ‌و‌ الفواد كل اولئك كان عنه مسوولا)(الاسراء: 36).
 لان ذلك يودى بالناس الى الوقوع ‌فى‌ الباطل ‌و‌ الانحراف عن الحق ‌من‌ دون اساس، ‌و‌ يدفع بهم الى الحيره ‌و‌ التخبط ‌و‌ الارتباك الذى يفسد الكثير ‌من‌ جوانب حياتهم، باختلال الصوره التى تعطى الانطباع عن الواقع، ‌و‌ باختلاف ملامحها عن الحقيقه ‌من‌ خلال الضباب الذى يغطى اكثر مواقعها، ‌او‌ يوحى بغير الحقيقه، مما قد يسى ء الى علاقه الانسان بربه ‌فى‌ ‌ما‌ يبتعد ‌به‌ عن حدود الفكر ‌او‌ مواقع الالتزام ‌فى‌ علاقته به، ‌و‌ ‌فى‌ ‌ما‌ ينحرف ‌به‌ عن الخط المستقيم ‌فى‌ اقواله ‌و‌ افعاله ‌و‌ علاقاته، فيعرضه ذلك لعذاب الله ‌من‌ خلال الابتعاد عن مواقع رضاه، كما يسى ء الى طبيعه الحياه الاجتماعيه عندما تختلف الصوره التى يحملها كل واحد ‌من‌ الناس عن الاخر بفعل فقدان العلم الذى يوحى بالوضوح، ‌او‌ عندما تتعرض الافكار المتبادله عن الاوضاع ‌و‌ الاشياء ‌و‌ الاشخاص للخلل ‌او‌ الاهتزاز ‌او‌ الانحراف، فتسود الفوضى، ‌و‌ يتحول المجتمع الى المزيد ‌من‌ المشاكل ‌و‌ الاضطرابات على جميع المستويات الفكريه ‌و‌ العمليه...
 اننا نخشى- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ نعصيك ‌و‌ نحن نفكر باننا نطيعك، ‌او‌ نكون كاولئك الناس الذين تحدثت عنهم ‌فى‌ قولك- سبحانك-افمن زين له سوء عمله فرآه حسنا)(فاطر: 8) ‌و‌ قولك- سبحانك-قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم ‌فى‌ الحياه الدنيا ‌و‌ ‌هم‌ يحسبون انهم يحسنون صنعا)(الكهف: 104 -103).
 اننا نخاف ‌من‌ الدروب المظلمه التى نتخبط فيها بفعل الجهل ‌و‌ التخلف ‌و‌ الابتعاد عن التركيز ‌فى‌ الفكر، ‌و‌ الوضوح ‌فى‌ الصوره، ‌و‌ الانفتاح على الحق.
 اللهم اننا نتوسل اليك، ‌ان‌ تفتح قلوبنا للمعرفه الشامله التى توضح لنا كل مواقعنا ‌فى‌ دروب الحياه، ‌و‌ تطل بنا على كل آفاق عظمتك ‌فى‌ رحاب الكون كله، لنعبدك بصدق ‌و‌ عمق، ‌من‌ خلال معرفتنا العميقه الواسعه لك.
 اعذنا- ‌يا‌ رب- ‌من‌ الانطلاق الى المسووليه ‌من‌ موقع الجهل، ‌او‌ التكلم ‌فى‌ القضايا التى تمس عمق المصير ‌فى‌ حياتنا ‌من‌ دون علم. اننا نريد ‌ان‌ نبقى ‌فى‌ اشراقه النور الذى تمنحنا اياه ‌فى‌ عقولنا ‌و‌ قلوبنا، لنندفع اليك ‌و‌ الى الحياه التى حملتنا مسووليتها ‌فى‌ آفاق النور ‌و‌ رحاب الوضوح.


و نعوذ بك ‌ان‌ ننطوى على ‌غش‌ احد.
 لنحب لاخينا ‌ما‌ نحبه لانفسنا:
 
 لقد اردت للصفاء ‌ان‌ يكون ‌سر‌ الجمال ‌و‌ النقاء ‌و‌ الطهر ‌فى‌ الحياه، فكان صفاء السماء ‌فى‌ الصحو المبدع ‌هو‌ صوره الكون المنفتح على عالم النور الذى ينتظر الشروق، ‌و‌ كان صفاء النور ‌فى‌ اشراقه ‌و‌ لمعانه ‌هو‌ الروعه التى تمنح كل ذره ‌فى‌ الطبيعه اشراقه الجمال، ‌و‌ تفتح للوجود آفاقا واسعه رحيبه للسمو ‌و‌ الابداع.
 ‌و‌ اردت للانسان ‌ان‌ يتكامل مع الكون ‌فى‌ نقاوته ‌و‌ طهارته، فيعيش الصفاء الروحى الذى ينساب ‌من‌ قلبه ‌و‌ مشاعره على حياه الاخرين، ‌فى‌ النيه الصافيه، ‌و‌ الفكر الخير، ‌و‌ الشعور النقى، ‌و‌ الوضوح ‌فى‌ انفعالات الروح، ‌و‌ همسات القلب، ‌و‌ انطلاقات الذات.
 لقد انطلقت حكمتك- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ ينفتح الانسان على الانسان بالقلب المفتوح الذى ‌لا‌ يخفق الا بالخير له، ‌و‌ بالعقل المفتوح الذى ‌لا‌ يخطط الا للنتائج الطيبه، ‌و‌ بالوجه المفتوح على الابتسامه الحلوه المشرقه التى توحى بالصفاء ‌و‌ الامن ‌من‌ كل سوء، ‌و‌ البعد عن كل غش، لان ذلك ‌هو‌ السبيل لاستقامه الحياه على ‌خط‌ النور، ‌و‌ انفتاح المجتمع على الخير كله، ليكون ذلك ‌هو‌ النافذه التى تطل على الحب الانسانى لله ‌فى‌ آفاق الايمان.
 اننا نعيش ‌فى‌ وحيك روحيه المحبه التى تجعل كل واحد منا يحب لاخيه الانسان ‌ما‌ يحب لنفسه ‌و‌ يكره له ‌ما‌ يكره لها، ‌و‌ ‌ان‌ يعامل الناس بما يحب ‌ان‌ يعاملوه به، فكان الخط الانسانى ‌فى‌ اخلاق الوحى، ‌ان‌ تكون صوره الاخرين ‌فى‌ نفسه، هى صورته التى يحب ‌ان‌ تكون له ‌فى‌ نفوسهم.
 ‌و‌ هكذا اردت لنا ‌ان‌ ننصح للناس ‌فى‌ ‌ما‌ ينطوى عليه سرنا ‌من‌ نيات طيبه تتصل بمشاعرنا، فلا نحمل غشا لاحد منهم ‌فى‌ انفعالاتنا الشعوريه، ‌و‌ ‌لا‌ نتحرك ‌فى‌ ‌اى‌ فكر للغش ‌فى‌ ‌ما‌ نريد ‌ان‌ نقدمه اليهم ‌من‌ فكر لحياتهم، سواء كان ذلك ‌فى‌ نطاق المبادره التى نبادر بها الى تقديم الراى لهم، ‌او‌ ‌فى‌ نطاق الاستشاره التى يطلبونها منا، ‌و‌ ‌لا‌ ننطلق معهم ‌فى‌ ايه معامله تشتمل على الغش ‌فى‌ مفرداتها ‌و‌ تفصيلاتها، ‌و‌ ‌لا‌ نعيش الغش معهم ‌فى‌ علاقاتنا الانسانيه ‌فى‌ خلفيه هذه العلاقات ‌او‌ ‌فى‌ منطلقاتها ‌و‌ نتائجها، لان الغش يوحى بالخيانه، ‌و‌ انت ‌لا‌ تحب الخائنين، ‌و‌ لانه يسى ء الى سلامه الحياه، ‌و‌ انت تريد للحياه ‌ان‌ تبقى ‌فى‌ ‌خط‌ الحق ‌و‌ الخير ‌و‌ العدل على ‌خط‌ الاستقامه التى تهدى الناس اليك.
 اننا نريد- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ نرتفع اليك ‌فى‌ آفاق النصح لخلقك بالنيه ‌و‌ الفكره ‌و‌ الكلمه ‌و‌ المعامله ‌و‌ العلاقه ‌و‌ الحركه الشامله ‌فى‌ الحياه.
 اللهم اعطنا القلب الذى ينبض بالخير لكل الناس، ‌و‌ العقل الذى يتحرك بالحق ‌فى‌ حياتهم، ‌و‌ الروح التى تحلق ‌فى‌ الكون لتكون لطفا ‌و‌ رحمه للجميع، حتى نحصل على رضاك.
 ‌و‌ اعذنا ‌من‌ سواد القلب الذى يحمل الغدر ‌فى‌ مشاعره، ‌و‌ الخيانه ‌فى‌ نبضاته، ‌و‌ ‌من‌ شيطنه العقل ‌فى‌ تخطيطاته، حتى ‌لا‌ نقع ‌فى‌ قبضه غضبك، ‌و‌ قد جاء ‌فى‌ الحديث عن رسولك انه قال: «و ‌من‌ بات ‌و‌ ‌فى‌ قلبه ‌غش‌ لاخيه المسلم بات ‌فى‌ سخط الله ‌و‌ اصبح كذلك ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ سخط الله حتى يتوب ‌و‌ يرجع، ‌و‌ ‌ان‌ مات كذلك مات على غير دين الاسلام».
 ‌و‌ جاء ‌فى‌ حديث الامام الصادق (ع) انه قال: «من استشار اخاه فلم يمحضه محض الراى، سلبه الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ رايه».
 اننا نتوسل اليك ‌ان‌ تبعدنا عن ‌ان‌ نحمل ‌فى‌ قلوبنا ايه ذره ‌من‌ الغش ‌فى‌ كل ‌ما‌ يتعلق بالاخرين.


 ‌و‌ ‌ان‌ نعجب باعمالنا.
 اللهم وفقنا لاكتشاف النقص ‌فى‌ اعمالنا:
 
 لكل عمل ‌من‌ اعمالنا- ‌يا‌ رب- حجمه ‌فى‌ طبيعته ‌و‌ مدلوله ‌و‌ امتداده، ‌و‌ لكل واحد منا موقع ‌فى‌ مواقع الحياه، ‌فى‌ ساحه هذا العمل، ‌و‌ ربما تتدخل نوازعنا الشخصيه ‌فى‌ ملامح صورته، ‌و‌ ‌فى‌ عمق مضمونه ‌و‌ ‌فى‌ حركه ايحاءاته، فيتخذ ‌فى‌ داخل ذواتنا لنفسه حجما جديدا ‌فى‌ عمليه تفخيم ‌و‌ تضخيم تبتعد ‌به‌ عن موقعه ‌و‌ مقداره، فيخيل الينا اننا فعلنا ‌ما‌ لم يفعله الاخرون، ‌او‌ اننا بلغنا- ‌فى‌ طاعتنا- اعلى الدرجات، ‌و‌ ربما طاف الشيطان ‌فى‌ افكارنا فصور لنا اننا خرجنا ‌من‌ ‌حد‌ التقصير ‌فى‌ طاعتنا لك، ‌و‌ وسوس لنا اننا بلغنا غايه شكرك ‌و‌ وفيناك كل حقك، ‌و‌ قد تتطور المساله بنا ‌فى‌ المباهاه باعمالنا ‌و‌ الادلال بها على الناس، مما يجعل المساله تعيش ‌فى‌ نطاق الاستكبار النفسى الذى يبعدنا عن ‌خط‌ التوازن ‌فى‌ تقويم الاشياء، ‌و‌ يودى بنا الى الانحراف عن ‌خط‌ الاستقامه، ‌و‌ قد تكون المشكله ‌فى‌ هذا- ‌من‌ جهه اخرى- ‌ان‌ العجب بالعمل يمنع صاحبه ‌من‌ اكتشاف نقاط الضعف فيه ‌من‌ خلال اغلاقه باب الاحتمال المضاد، ‌و‌ مواجهه المساله على اساس الصوره التى توحى له بالكمال الذاتى الذى ‌لا‌ يرقى اليه الشك، ‌و‌ ‌لا‌ يقبل المناقشه، مما يودى الى جمود حركه المعرفه، ‌من‌ خلال فقدان روحيه النقد للفكره، ‌او‌ للعمل، ‌او‌ للموقف.
 ‌و‌ قد تكون خطوره المساله كامنه ‌فى‌ ‌ان‌ المعجب بعمله، يعيش الانطباع الذى يرفض فيه الانسان الاخر الذى يشك فيه، ‌او‌ يثير بعض علامات الاستفهام ‌فى‌ عمله، مما يجعل القضيه تنعكس سلبا على علاقته به، ‌و‌ قد تتحول الى حاله عدوانيه ‌من‌ خلال العقده التى قد تعيش ‌فى‌ داخله ضده.
 اللهم وفقنا لاكتشاف النقص ‌فى‌ اعمالنا ‌و‌ افكارنا ‌من‌ خلال الذهنيه المنفتحه على مواقع الخطا ‌فى‌ ذواتنا، التى تتحرك نحو العصمه على قاعده السعى لاصلاح ‌ما‌ فسد، ‌و‌ اكمال ‌ما‌ نقص، ‌و‌ استقامه ‌ما‌ انحرف، لنقف ‌فى‌ ‌خط‌ الجهاد النفسى ‌و‌ العملى، الذى يوكد الاراده ‌فى‌ الوصول الى الكمال ‌من‌ اقرب موارده.
 ‌و‌ ابعدنا عن الاحساس بالعصمه ‌و‌ نحن غارقون ‌فى‌ بحار الخطا، ‌و‌ ‌لا‌ تخرجنا عن ‌حد‌ التقصير ‌فى‌ كل ‌ما‌ نقوم ‌به‌ ‌من‌ عبادتك، لاننا لن نستطيع بلوغ ‌ما‌ يجب لك علينا حتى لو كان كل جهدنا عباده لك.
 ‌و‌ اعذنا ‌من‌ الاعجاب المنتفخ غرورا ‌و‌ كبرا ‌فى‌ كل افكارنا ‌و‌ اقوالنا ‌و‌ اعمالنا، ‌و‌ افتح عقولنا على وعى كل نقاط الضعف ‌فى‌ الذات، ‌و‌ على كل مواطن الخلل ‌فى‌ العمل، ‌يا‌ ارحم الراحمين.


 ‌و‌ نمد ‌فى‌ آمالنا.
 
 الحياه فرصه للمسووليه المنفتحه على الله:
 
 ‌ان‌ احساسنا بالحياه- ‌يا‌ رب- قد يتحول الى حاله ‌من‌ غياب الاحساس بالنهايه بانتظار الموت.
 ‌و‌ ‌ان‌ تعلقنا بشهواتها ‌و‌ لذاتها ‌و‌ اطماعها ‌و‌ طموحاتها ‌و‌ حاجاتها قد يجعلنا نستغرق ‌فى‌ اجواء الاحلام الورديه الضبابيه التى تمتد بامتداد الزمن، فلا تقف ‌فى‌ ‌و‌ عينا عند ‌حد‌ معقول، الامر الذى يجعلنا نلهث خلفها بكل الشوق الذاتى الذى يستلب كل كياننا، فلا يدعنا نفكر بالجانب الاخر ‌من‌ المساله، ‌و‌ ‌هو‌ المسووليه امام الله، عن قضايا الحياه الاخرى المتصله بالحياه ‌و‌ الناس ‌فى‌ دائره الايمان بالله، ‌و‌ الخطوط الشرعيه ‌فى‌ حركه الانسان بالحياه.
 ‌و‌ هذا ‌ما‌ يجمع جانب الهوى ‌فى‌ الاستغراق الحسى بمواقع الاحلام، ‌و‌ ‌فى‌ الامتداد الزمنى ‌فى‌ امتداد الامل بالحياه ‌و‌ بتفاصيلها الكثيره، ‌و‌ يودى- بالنتيجه- الى الصد عن الحق ‌فى‌ الارتباط بالهوى، ‌و‌ الى نسيان الاخره ‌فى‌ طول الامل كما جاء ‌فى‌ كلمات الامام على (ع):«ايها الناس، ‌ان‌ اخوف ‌ما‌ اخاف عليكم اثنان: اتباع الهوى ‌و‌ طول الامل، فاما اتباع الهوى فيصد عن الحق، ‌و‌ اما طول الامل فينسى الاخره».
-    ‌يا‌ رب- عرفنا حقيقه الحياه ‌فى‌ طبيعتها الفانيه ‌و‌ ‌فى‌ مسووليتها الواعيه، ‌و‌ اجعلنا ممن يشعر بانها ليست فرصه للهو ‌و‌ العبث ‌و‌ المتعه الحسيه، بل هى فرصه للمسووليه المنفتحه على وحيك ‌و‌ شريعتك لنعيش حاجاتها ‌و‌ شهواتها كواقع نمارسه ‌لا‌ كهدف نسعى اليه ‌او‌ قيمه نرتفع بها، ‌و‌ وفقنا للانتظار الدائم لاجابه دعوتك ‌فى‌ اللقاء بك ‌فى‌ دار قدسك، حتى تتواضع آمالنا ‌فى‌ الحياه التى نريدها شوقا دائما اليك، ‌و‌ حركه واعيه نحو مواقع رضاك.


و نعوذ بك ‌من‌ سوء السريره.
 

 اعطنا- ‌يا‌ رب- طهاره النيه:
 
 اللهم اننا نعوذ بك ‌من‌ وساوس الشر، ‌و‌ همسات الذنوب ‌و‌ نوازع الانحراف، ‌و‌ عوامل الحقد ‌و‌ العداوه، ‌و‌ نيات السوء ‌فى‌ المناطق الخفيه ‌من‌ كياننا، فنحن قد نخفى الكثير ‌من‌ ذلك، مما يتفاعل ‌فى‌ داخلنا مع كل مشاعرنا ‌و‌ احاسيسنا، فيصل بنا الى كل الموثرات السلبيه ‌فى‌ اقوالنا ‌و‌ افعالنا ‌و‌ علاقاتنا بالناس ‌و‌ الحياه ‌من‌ حولنا، ‌و‌ بذلك يتحول الانسان فينا الى انسان شرير، بعيد عن الخير قريب الى الشر، ‌لا‌ يغيب الشيطان لحظه عن فكره ‌و‌ عاطفته، فيبعده عن مواقع رضاك.
 اعطنا- ‌يا‌ رب- ‌فى‌ سرائرنا- طهاره النيه، ‌و‌ صدق الشعور، ‌و‌ صفاء الروح، ‌و‌ حب الخير، ‌و‌ كراهه الشر، ‌و‌ حيويه المحبه، ‌و‌ انفتاح الايمان على كل عناصر الطاعه لديك. اجعلنا ‌من‌ عبادك الذين يتكاملون مع اشراقه الفجر ‌فى‌ اشراقه نفوسهم، ‌و‌ مع نقاء النور ‌فى‌ نقاء قلوبهم، ‌و‌ مع خضره العشب ‌فى‌ الحقول ‌فى‌ اخضرار افكارهم، ‌و‌ مع صفاء السماء ‌فى‌ آفاق الصحو ‌فى‌ صفاء مشاعرهم، ‌و‌ مع فرح الطيور ‌فى‌ الصباح باليقظه المفتوحه على الحياه كلها، ‌فى‌ فرح الحب الانسانى ‌فى‌ اريحيه الخير ‌فى‌ اعماق ذواتهم.
 اننا نحب ‌ان‌ يرانا الناس ‌فى‌ ظاهرنا، كافضل ‌ما‌ تكون الصوره الحلوه للانسان ‌فى‌ كل اوضاعنا ‌من‌ اعمال الخير ‌و‌ مظاهر الصلاح ‌و‌ انطلاق الاخلاص، تماما كما هى الشخصيات الخيره الطيبه ‌فى‌ الحياه، ‌و‌ لكن قد يغرينا الشيطان ‌فى‌ ذلك كله، ليجعل كل اهتمامنا بالجانب الظاهر ‌من‌ الصوره، فلا نتوقف عند الجانب الاخر الخفى منها، فيكون ظاهرنا طيبا ‌و‌ باطننا خبيثا، ‌و‌ تكون الصوره جميله ‌فى‌ ملامح العيون ‌و‌ قبيحه ‌فى‌ مواقع العقول.
 ابعدنا- ‌يا‌ رب- عن القبح الكامن ‌فى‌ نفوسنا، ‌و‌ قربنا ‌من‌ الحسن الذى تنفتح عليه ضمائرنا، فنحن نريد ‌ان‌ نعيش جمال الخير ‌فى‌ مواقع الجمال ‌فى‌ اعماقنا، ‌و‌ روحيه المحبه ‌فى‌ ‌ما‌ نخفيه ‌من‌ مشاعر الحب ‌فى‌ قلوبنا، فانك الجميل ‌فى‌ لطفك ‌و‌ حنانك ‌و‌ رحمتك، فهب لنا ‌من‌ ذلك الجمال الالهى ‌فى‌ الروح، بعض ‌ما‌ يغنى انسانيتنا ‌فى‌ كل صفاء النور، ‌و‌ نقاء الورد، ‌و‌ انسياب العبير.
 ‌و‌ قد جاء عن الرسول (ص) مما رواه الامام جعفر الصادق (ع) انه كان يقول: «من اسر سريره رداه الله رداءها، ‌ان‌ خيرا فخير ‌و‌ ‌ان‌ شرا فشر».
 ‌و‌ جاء عن الامام الصادق (ع) انه قال:«ما يصنع احدكم ‌ان‌ يظهر حسنا ‌و‌ يسر سيئا، اليس يرجع الى نفسه فيعلم ‌ان‌ ذلك ليس كذلك ‌و‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ يقول: (بل الانسان على نفسه بصيره)(القيامه: 14). ‌ان‌ السريره اذا صحت قويت العلانيه».
 ‌و‌ قال:«ما ‌من‌ عبد اسر خيرا فذهبت الايام ابدا حتى يظهر الله له خيرا، ‌و‌ ‌ما‌ ‌من‌ عبد يسر شرا فذهبت الايام حتى يظهر الله له شرا».


 ‌و‌ احتقار الصغيره.
 ‌لا‌ تنظر الى صغر الخطيئه، بل انظر الى ‌من‌ عصيت:
 
 قد يكون الكثيرون ‌من‌ المومنين منا خاضعين للكم ‌فى‌ مساله الطاعه ‌و‌ المعصيه، فلا ينظرون الى المدلول، بل يتطلعون الى الشكل ‌و‌ ‌لا‌ يستغرقون ‌فى‌ الكيف الذى يمتد ‌فى‌ العقل ‌و‌ الروح ‌و‌ الاحساس، ‌و‌ هكذا نجد اننا نحتقر الصغير ‌من‌ الخطايا، فلا نتحفظ ‌فى‌ الوقوف عند حدود الله فيها، لانها ‌لا‌ تمثل عندنا غضب الله الكبير الذى يودى بالانسان الى النار التى توعد مرتكبى الكبائر ‌ان‌ يدخلهم اليها ‌و‌ يعذبهم فيها، بل تمثل الغضب الخفيف الذى ‌لا‌ ‌بد‌ ‌ان‌ يعقبه العفو بشكل سريع. ‌و‌ يتسع خيالنا ‌فى‌ هذا الجو، حتى تتحول الصغائر عندنا الى مفردات يوميه ‌فى‌ حياتنا العاديه بحيث تتكرر ‌و‌ تتكثر كما لو كانت شيئا عاديا مباحا ‌فى‌ نظرتنا العامه اليه.
 ‌و‌ ‌فى‌ ضوء ذلك تتجمع النقاط الصغيره لتتحول الى بقع كبيره، ثم تكون القضيه انها تمثل الطابع العملى اليومى لكل حياتنا التى تبتعد عن الله بشكل تدريجى ‌من‌ دون وعى ‌او‌ شعور، ‌لا‌ سيما عندما تاخذ المساله مستوى الاصرار الذى يكبر معه حجم المعصيه ‌فى‌ حجم الخط الطويل الذى تتحرك فيه، لتكون طويله ‌و‌ كبيره ‌فى‌ حجمها الكمى ‌و‌ الكيفى، فيسى ء الى الشعور الحى الطاهر بمعنى العبوديه ‌فى‌ واقع الانسان ‌فى‌ علاقته بالله، لان العبد ‌لا‌ يمكن ‌ان‌ يتجرا على سيده بهذه الطريقه المستمره ‌فى‌ تنوع المعصيه ‌او‌ تكرارها، باعتبار ذلك خروجا عن زى العبوديه.
 ‌ان‌ الله ‌لا‌ يريد للانسان ‌ان‌ يستهين بمعصيته ‌فى‌ كل صغيره ‌و‌ كبيره، ‌و‌ ‌لا‌ يريد له ‌ان‌ يحتقر شيئا منها ‌من‌ خلال مدلولها الذى يوحى بالاستهانه بعلاقته بالله، ‌و‌ ابتعاده عن اجواء التعظيم له، فلا ‌بد‌ للانسان ‌ان‌ يستعظم الذنب الصغير ‌من‌ نفسه، ‌و‌ يحتقر الطاعه الكبيره ‌فى‌ عمله، ‌و‌ ‌لا‌ يخرج حياته ‌من‌ ‌حد‌ التقصير ‌فى‌ اداء ‌حق‌ الله.
 ‌و‌ هذا ‌هو‌ ‌ما‌ نستوحيه ‌من‌ كلمه الامام على اميرالمومنين (ع)- كما روى عنه- قال:«اذا عظمت الذنب فقد عظمت ‌حق‌ الله ‌و‌ ‌ان‌ صغرته فقد صغرت ‌حق‌ الله، ‌و‌ ‌ما‌ ‌من‌ ذنب عظمته الا صغر عند الله ‌و‌ ‌ما‌ ‌من‌ ذنب صغرته الا عظم عند الله».
 ‌و‌ روى عن رسول الله (ص) انه قال لابى ذر:«لا تنظر الى صغر الخطيئه ‌و‌ لكن انظر الى ‌من‌ عصيت».
 ‌و‌ روى عن الامام جعفر الصادق (ع) انه قال:«ان رسول الله (ص) نزل بارض قرعاء فقال لاصحابه: ائتونا بحطب، فقالوا: ‌يا‌ رسول الله نحن بارض قرعاء ‌ما‌ بها ‌من‌ حطب، قال: فليات كل انسان بما قدر عليه، فجاءوا ‌به‌ حتى رموا بين يديه بعضه على بعض، فقال رسول الله (ص): هكذا تجتمع الذنوب، ثم قال: اياكم ‌و‌ المحقرات ‌من‌ الذنوب، فان لكل شى ء طالبا، الا ‌و‌ ‌ان‌ طالبها يكتب ‌ما‌ قدموا ‌و‌ آثارهم ‌و‌ كل شى ء احصيناه ‌فى‌ امام مبين».
 ‌ان‌ التربيه الاسلاميه توكد على ‌ان‌ يتحرك الانسان المسلم ‌فى‌ ‌خط‌ السعى نحو العصمه، التى تجعله طاهر الفكر ‌من‌ كل خبائث السوء ‌فى‌ النيه، طاهر الحركه ‌من‌ كل معصيه، الامر الذى يجعل ‌من‌ كل خطيئه صغيره ‌او‌ كبيره انحرافا عن ذلك الخط، ‌و‌ ابتعادا عن مواقع رضى الله ‌و‌ اقترابا ‌من‌ خطوات الشيطان الذى يزين للانسان المعصيه ‌و‌ يصغرها حتى يوقعه فيها، ‌و‌ يمتد معه حتى يغريه بالاصرار عليها لتصبح المعصيه لله جزءا ‌من‌ ذاته، ‌و‌ عنوانا لحياته.
 اننا نبتهل اليك- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ تعيذنا ‌من‌ احتقار الصغيره، بالاحساس العميق بانها كبيره، لانها ابتعدت عن روحيه محبتك، ‌و‌ اقتربت ‌من‌ اجواء سخطك، ‌و‌ هذا ‌ما‌ يرفضه ايماننا كله ‌فى‌ معناه، فاجعلنا نرفضه باعمالنا كلها.


 ‌و‌ ‌ان‌ يستحوذ علينا الشيطان.
 
 الحذر ‌من‌ وساوس الشيطان:
 
 ‌ان‌ مشكلتنا ‌فى‌ حياتنا الروحيه ‌و‌ العمليه هى الشيطان الذى يعمل على ‌ان‌ يجرى ‌فى‌ افكارنا ‌و‌ مشاعرنا مجرى الدم ‌فى‌ العروق، ‌و‌ ‌ان‌ يسيطر على كل اوضاعنا الداخليه ‌و‌ الخارجيه ‌فى‌ عمليه احتواء شامله، ‌من‌ اجل ‌ان‌ يبعدنا عنك، فيقربنا ‌من‌ اجواء المعصيه، حتى تتحول لدينا الى فكره ‌فى‌ العقل، ‌و‌ خفقه ‌فى‌ القلب، ‌و‌ حركه ‌فى‌ الواقع، ‌و‌ يبعدنا عن مواقع الطاعه، حتى نحس بها عندما ياتى وقتها، كما لو كانت شيئا ثقيلا يضغط على حياتنا، ‌و‌ عقده مستحكمه تثقل حركاتنا، فاذا اخذنا بها، فاننا نمارسها ‌من‌ دون اهتمام ‌او‌ رغبه ‌او‌ حماس، كما يمارس الانسان عملا بغيضا اليه، ‌او‌ بعيدا عن اهتماماته.
 ‌و‌ قد يثير فينا العجب بانفسنا، فنستكثر اعمالنا ‌فى‌ الطاعه ‌و‌ نستصغر ذنوبنا، حتى يخيل الينا اننا ‌فى‌ الدرجه الرفيعه عندك ‌من‌ دون اساس، ‌و‌ اننا الاعلون فوق الناس ‌من‌ دون حق، ‌و‌ هكذا نفقد المعرفه الدقيقه لانفسنا، فنضيع ‌فى‌ متاهات الجهل ‌و‌ الغرور ‌و‌ نسقط ‌فى‌ ‌و‌ حول الاستكبار ‌و‌ الاستعلاء، فنتحول الى لعبه بين يديه.
 اللهم اننا نحب ‌ان‌ نكون ‌من‌ عبادك الخاضعين لارادتك، الراغبين ‌فى‌ طاعتك، المنقادين لاوامرك ‌و‌ نواهيك، المنفتحين اليك، الذين يملكون حركه الحريه ‌فى‌ اراداتهم ‌فى‌ مواقع رضاك، فاعذنا ‌من‌ كل حاله ‌من‌ الحالات الشيطانيه التى نسقط فيها تحت تاثير الشيطان علينا.


 ‌او‌ ينكبنا الزمان.
 
 اللهم اجعل حياتنا امانا ‌و‌ عافيه:
 
 اننا، ‌فى‌ الحياه التى نحياها- ‌يا‌ رب- نتحرك ‌فى‌ امرك ‌و‌ نتقلب ‌فى‌ تدبيرك، ‌و‌ نحن جزء ‌من‌ هذا الكون الذى ينطلق ‌فى‌ حركه النظام الذى اردت له ‌ان‌ يحكم كل ظاهره ‌و‌ اوضاعه، ‌و‌ قد ‌لا‌ تسير الحياه بنا ‌فى‌ المجرى السهل الذى نحبه ‌و‌ نرتاح اليه، ‌و‌ قد ‌لا‌ نحصل فيها على ‌ما‌ نريده ‌من‌ رغبات، ‌و‌ ‌ما‌ نتطلع اليه ‌من‌ حاجات، ‌و‌ ربما امتدت الالام الى اجسادنا ‌و‌ مشاعرنا، ‌من‌ خلال المشاكل التى تحيط بنا، ‌و‌ تعبث بامننا، ‌و‌ تضعف قوتنا، ‌و‌ تودى بنا الى مشارف الهلاك.
 ‌و‌ قد تصيبنا الكوارث ‌و‌ النكبات ‌فى‌ انفسنا ‌و‌ اموالنا ‌و‌ اهلنا ‌و‌ اولادنا، فنسقط جازعين امام ضغوطها الصعبه ‌و‌ مشاكلها المعقده.
 اننا- ‌يا‌ رب- عبادك الذين يتطلعون اليك، ‌و‌ ‌هم‌ يعلمون قدرتك المطلقه على الكون كله، بكل ‌ما‌ يشتمل عليه ‌من‌ ايجابيات ‌و‌ سلبيات ‌فى‌ ‌ما‌ يصيبنا فيه ‌من‌ خير ‌او‌ شر، ‌او‌ ‌ما‌ يعرض علينا ‌من‌ قوه ‌او‌ ضعف، ‌او‌ ‌ما‌ يواجهنا ‌من‌ المصائب ‌و‌ النكبات.
 اللهم انت القادر وحدك على ‌ان‌ تجعل حياتنا ارحب ‌و‌ اسهل ‌و‌ اكثر راحه ‌و‌ امانا ‌و‌ عافيه، ‌و‌ ترفع عنا كل ‌ما‌ يثقلها ‌من‌ الالام ‌و‌ الاحزان، فنحن نعوذ بك ‌من‌ ‌ان‌ ينالنا الزمان بنكباته، ‌و‌ يصيبنا الدهر بتعقيداته، فاعذنا ‌من‌ ذلك كله ‌يا‌ رب العالمين.


 ‌او‌ يتهضمنا السلطان.
 
 اللهم امنع ظلم السلطان عنا:
 
 لقد كان ‌من‌ حكمتك- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ وزعت القدره ‌و‌ السلطه على الناس، فاعطيت بعضهم القوه، ‌و‌ جعلت الاخرين ‌فى‌ موقع الضعف، ‌و‌ اردت للقوى ‌ان‌ يعين الضعيف، كما اردت للضعيف ‌ان‌ ‌لا‌ يسقط ‌فى‌ ايمانه ‌و‌ التزامه تحت تاثير ضغط القوى، بل يقف وقفه الواثق بربه، القوى بايمانه.
 ‌و‌ لكن القوى الذى يملك السلطان، ‌من‌ خلال ‌ما‌ يملكه ‌من‌ وسائل القوه التى تضخم له شخصيته، ‌و‌ توحى له بالانتقاص ‌من‌ انسانيه الضعفاء، قد يتحرك نحو الظلم الذى يمنعهم حقوقهم- ‌من‌ خلاله- ‌و‌ يكلفهم ‌ما‌ ‌لا‌ يطيقون، ‌و‌ يضغط عليهم ‌فى‌ ‌ما‌ ‌لا‌ يريدون، استعلاء بذاته ‌و‌ استكبارا بقوته، فتسوء حاله الضعفاء ‌فى‌ حكمه، ‌و‌ تعانى انسانيتهم ‌فى‌ ملكه، ‌و‌ تنحرف الحياه- معه- عن ‌خط‌ العدل، ‌و‌ تبتعد عن اجواء الحريه، ‌و‌ تتحول الى مشكله خانقه، بدلا ‌من‌ ‌ان‌ تكون انطلاقه مفتوحه على الخير ‌و‌ السعاده لكل الناس.
 اللهم اننا عبادك الذين قد يعيشون بعض الضعف ‌فى‌ ابدانهم ‌و‌ اموالهم ‌و‌ اوضاعهم ‌و‌ ظروفهم، فلا يستطيعون حيله ‌و‌ ‌لا‌ يهتدون سبيلا، ‌و‌ ‌لا‌ يملكون دفاعا عن انفسهم ‌ضد‌ سلطان الاقوياء ‌و‌ سيطره الظالمين، اللهم اننا نعوذ بك ‌من‌ ‌ان‌ يظلمنا السلطان ‌فى‌ مواقع قوته، ‌من‌ خلال ‌ما‌ يملكه ‌من‌ وسائل القهر ‌و‌ البطش ‌و‌ الاستكبار، فانت- وحدك- القوى الذى اعطى للاقوياء قوتهم، ‌و‌ انت- وحدك- القادر على ‌ان‌ تمنعهم عن ظلم الناس، ‌او‌ تسلبهم ‌ما‌ اعطيتهم ‌من‌ القوه، فاعذنا منهم- ‌يا‌ رب-.


و نعوذ بك ‌من‌ تناول الاسراف.
 
 ‌و‌ ‌لا‌ تجعل يدك مغلوله الى عنقك ‌و‌ ‌لا‌ تبسطها كل البسط:
 
 لقد رزقتنا- ‌يا‌ رب- ‌من‌ رزقك الواسع الحلال الطيب الكثير مما ناكله ‌و‌ نشربه ‌و‌ نلبسه، ‌و‌ نسكن فيه ‌و‌ نستمتع به، ‌و‌ نحصل منه على ‌ما‌ نحتاجه ‌من‌ كل الامور التى تتصل بحياتنا العامه ‌و‌ الخاصه ‌من‌ ضرورياتها التى تقوم عليها طبيعه الحياه، ‌و‌ ‌من‌ كمالياتها التى تمنحنا الراحه ‌و‌ الطمانينه ‌و‌ الزينه ‌و‌ الفرح ‌و‌ الانبساط، فكانت نعمك علينا كبيره.
 ‌و‌ اردت لنا- ‌فى‌ نطاق ذلك كله- ‌ان‌ نسير ‌فى‌ ‌خط‌ التوازن ‌فى‌ تقدير الرزق ‌و‌ تحريكه، ‌و‌ حبسه ‌و‌ انفاقه، فلم ترد لنا التقتير الذى يمنعنا بعض حاجاتنا، ‌و‌ لم تسمح لنا بالاسراف الذى يتجاوز حاجاتنا، ‌و‌ يضيع جهدنا، ‌و‌ يودى بارزاقنا الى التلف ‌فى‌ غير معنى، ‌و‌ الضياع ‌من‌ غير اساس، لانك اردت للحياه الانسانيه ‌فى‌ كل ثرواتها الطبيعيه ‌ان‌ تخضع للحسابات الدقيقه ‌فى‌ الانتاج ‌و‌ التوزيع ‌و‌ الانفاق، حتى يتوازن الواقع ‌فى‌ مجالات الحاجات ‌و‌ الامكانات.
 ‌و‌ قد تحدثت ‌فى‌ كتابك عن الاسراف كعنوان سلبى ترفضه ‌فى‌ سلوك عبادك، فقلت سبحانككلوا ‌و‌ اشربوا ‌و‌ ‌لا‌ تسرفوا انه ‌لا‌ يحب المسرفين)(الاعراف: 31).
 ‌و‌ قلت- سبحانك- ‌فى‌ آيه اخرىو آتوا حقه يوم حصاده ‌و‌ ‌لا‌ تسرفوا)(الانعام: 141).
 ‌و‌ قلت- سبحانك- ‌فى‌ التبذير الذى ‌هو‌ وجه ‌من‌ وجوه الاسرافو ‌لا‌ تبذر تبذيرا ‌ان‌ المبذرين كانوا اخوان الشياطين ‌و‌ كان الشيطان لربه كفورا)(الاسراء: 27 -26).
 ‌و‌ قلت- سبحانك-و ‌لا‌ تجعل يدك مغلوله الى عنقك ‌و‌ ‌لا‌ تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا)(الاسراء: 29).
 ‌و‌ قلت- سبحانك-و الذين اذا انفقوا لم يسرفوا ‌و‌ لم يقتروا ‌و‌ كان بين ذلك قواما)(الفرقان: 67). ‌و‌ هكذا علمتنا ‌يا‌ رب ‌ان‌ ‌لا‌ ننفق شيئا ‌فى‌ غير محله، ‌و‌ ‌لا‌ نضعه ‌فى‌ غير موضعه، ‌و‌ ‌ان‌ نضبط حاجاتنا، ‌و‌ نسيطر على شهواتنا، لنقف بها ‌فى‌ ‌خط‌ التوازن الدقيق الذى ‌لا‌ يسمح باى انفاق ‌لا‌ يحقق للحياه هدفا، ‌و‌ ‌لا‌ يلبى للانسان حاجه.
 ‌و‌ قد جاء ‌فى‌ احاديث الرسول ‌و‌ خلفائه الكثير مما استوحوه ‌من‌ وحيك، فقد روى عن رسول الله (ص) انه قال:«و ‌من‌ اقتصد ‌فى‌ معيشته رزقه الله، ‌و‌ ‌من‌ بذر حرمه الله».
 ‌و‌ روى عن اميرالمومنين على (ع):«السرف مثواه، ‌و‌ القصد مثراه». ‌و‌ روى عن الامام جعفر الصادق (ع) ‌فى‌ ‌ما‌ حدث ‌به‌ سليمان ‌بن‌ صالح- قال: قلت لابى عبدالله: ادنى ‌ما‌ يجى ء ‌حد‌ السرف؟
 قال (ع):«السرف ‌فى‌ ثلاث: ابتذالك ثوب صونك، ‌و‌ القائك النوى يمينا ‌و‌ شمالا، ‌و‌ اهراقك فضله الماء، ‌و‌ قال: ليس ‌فى‌ الطعام سرف».
 ‌و‌ روى عنه- عليه السلام- انه قال:«ان القصد امر يحبه الله ‌عز‌ ‌و‌ جل، ‌و‌ ‌ان‌ السرف يبغضه، حتى طرحك النواه فانها تصلح لشى ء، ‌و‌ حتى صبك فضل شرابك».
 لقد جعلت المال بايدينا امانه، ‌و‌ اوكلت الينا امر انفاقه بما يحمى حياتنا، ‌و‌ يسد حاجاتنا، ‌و‌ يسير بالحياه ‌فى‌ خطها المستقيم، ‌من‌ خلال الروحيه التى تحترم الرزق، فلا تصرفه ‌فى‌ غير موارد الحاجه اليه، ‌و‌ ‌لا‌ تزيد ‌فى‌ صرفه ‌فى‌ الحاجات باكثر مما يجب، ‌و‌ ذلك بالحكمه الواعيه العاقله المسووله التى تضع الشى ء ‌فى‌ موضعه ‌فى‌ القليل ‌و‌ الكثير.
 اللهم اننا نطمح الى ‌ان‌ نتحمل المسووليه ‌فى‌ ارزاقنا، كما نتحمل المسووليه ‌فى‌ اعمالنا، لنسير ‌فى‌ ‌خط‌ التوازن ‌و‌ الاستقامه ‌فى‌ مواقع رضاك، ‌و‌ نعوذ بك ‌من‌ الاخذ بالاسراف ‌فى‌ حياتنا كلها.


 ‌و‌ ‌من‌ فقدان الكفاف.
 
 اللهم اعطنا غنى النفس:
 
 اننا- ‌يا‌ رب- نتطلع اليك لتكفينا ‌من‌ رزقك ‌ما‌ نستغنى ‌به‌ عن خلقك لتلبيه حاجاتنا، ‌و‌ للقيام بمسووليتنا ‌فى‌ ‌ما‌ فرضته علينا تجاه انفسنا ‌و‌ اهالينا ‌و‌ قراباتنا، فلاتحوجنا الى سئوال غيرك ‌فى‌ كل امورنا، لان ذلك ‌هو‌ الذى يحررنا ‌من‌ الخضوع الى الناس الذين قد يفرضون علينا- ‌فى‌ حاجتنا اليهم- الكثير ‌من‌ الاقوال ‌و‌ الافعال ‌و‌ المواقف التى تبتعد بنا عن مواقع رضاك، ‌و‌ العديد ‌من‌ الاوضاع التى تنتقص ‌من‌ عزتنا ‌و‌ تاكل ‌من‌ كرامتنا ‌و‌ تسى ء الى حريتنا، لان الناس يستعبدوننا ‌من‌ خلال حاجاتنا، فاجعل حاجتنا اليك ‌فى‌ رغباتنا النفسيه كما هى حاجتنا اليك ‌فى‌ وجودنا التكوينى ‌فى‌ كل مواقع حياتنا، اننا نعوذ بك ‌من‌ فقدان الكفاف الذى يمثل الكفايه الطبيعيه التى تسد الحاجه ‌من‌ دون زياده ‌و‌ ‌لا‌ نقصان، لاننا ‌لا‌ نريد للحياه ‌ان‌ تكون بطرا ‌و‌ شرها ‌و‌ طمعا ‌و‌ امتدادا ‌فى‌ اللذات ‌و‌ الشهوات، بل نريدها حاجه تنفتح عليك فلا يسدها غيرك ‌و‌ ‌لا‌ يقضيها سواك، اعطنا غنى النفس ‌من‌ خلال القناعه المتحركه ‌فى‌ ‌خط‌ التوازن بين حاجاتنا ‌و‌ امكاناتنا، ‌و‌ ‌لا‌ تبتلنا بفقر الروح الذى قد يسقط امام فقر المال الذى قد ياخذ منا كل اهتماماتنا بفعل صرخات جوع الجسد ‌و‌ ظمئه ‌و‌ عريه، ‌و‌ نداء حاجاته الطبيعيه الاخرى.
 اننا نريد- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ نكون الاحرار ‌فى‌ حاجاتنا امام الناس لتبقى عبوديتنا- ‌فى‌ عبوديه حاجاتنا- منفتحه عليك، فمنك نطلب ‌و‌ اياك نرجو ‌و‌ بك نستغيث، ‌و‌ لك ندعو ‌فى‌ كل حالاتنا.


و نعوذ بك ‌من‌ شماته الاعداء.
 
 نعوذ بالله ‌من‌ شماته الاعداء:
 
 هناك مشكله نفسيه انفعاليه يعيشها الناس ‌فى‌ حياتهم الشعوريه عندما يواجهون المشاكل المعقده التى تعقد حياتهم، فتثير ‌فى‌ داخلها الكثير ‌من‌ الاوضاع القلقه المتعبه، ‌او‌ عندما تحل بهم المصائب فتملا مشاعرهم بالالام ‌و‌ الاحزان، ‌و‌ تترك امورهم ‌فى‌ قبضه الاهتزاز ‌او‌ السقوط، ‌او‌ عندما يتنوع البلاء ‌فى‌ مواقع حياتهم، فيواجهون الكثير ‌من‌ الجهد ‌و‌ العناء ‌و‌ الخوف ‌و‌ المرض ‌و‌ الجوع ‌و‌ العطش ‌و‌ النقص ‌فى‌ الاموال ‌و‌ الانفس ‌و‌ الثمرات.
 ‌و‌ ‌فى‌ هذا الجو المشبع بالدماء ‌و‌ الدموع ‌و‌ الاهات ‌و‌ الانات ‌و‌ الحسرات، قد يقف بعض الناس المعقدين الحاقدين، ليتطلعوا الى اولئك الناس الذين يعانون ‌من‌ ذلك كله، ممن يحملون لهم العداوه ‌و‌ البغضاء، ‌و‌ يحسون نحوهم بالحقد ‌و‌ الضغينه، فيكون ‌رد‌ فعلهم ‌هو‌ الشماته المتمثله بكل مشاعر الفرح بذلك كله ‌فى‌ عمليه التشفى ‌و‌ الانتقام، تنفيسا عن العقده الكامنه ‌فى‌ النفس التى ترتاح لالام الاخرين، ‌و‌ تفرح لاحزانهم، كما لو كانت القضيه فرصه للسعاده الذاتيه.
 ‌و‌ قد لاتقتصر المساله على الناس الذى يضمرون العداء لبعضهم البعض، بل قد تتمثل ‌فى‌ الشيطان الذى حدثنا القرآن عن عداوته للانسان، ‌من‌ خلال حقده على آدم الذى خلقه سببا ‌فى‌ الجو الذى ادى الى خروجه ‌من‌ دائره رحمه الله ‌و‌ طرده ‌من‌ الجنه.. ‌و‌ لذلك فانه قد عزم على ‌ان‌ يقعد للانسان ‌فى‌ الدروب التى تودى الى الله، ليضع الحواجز النفسيه ‌و‌ العاطفيه ‌و‌ العمليه التى تحول بينه ‌و‌ بين التحرك ‌فى‌ اتجاه الله ‌من‌ اجل الحصول على مرضاته لينفس عن عقدته باخراجه ‌من‌ ‌خط‌ الطاعه الى ‌خط‌ المعصيه، ليدفع ‌به‌ بعيدا عن الجنه قريبا الى النار، ‌و‌ ذلك ‌هو‌ قوله تعالى:
 (ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا انما يدعو حزبه ليكونوا ‌من‌ اصحاب السعير)(فاطر: 6).
 ‌و‌ قوله تعالى حاكيا عن خطه الشيطان ‌فى‌ اضلال الناس ‌و‌ ابعادهم عن الله، ‌و‌ شماتته بهم ‌فى‌ نهايه المطاف: (لاقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لاتينهم ‌من‌ بين ايديهم ‌و‌ ‌من‌ خلفهم ‌و‌ عن ايمانهم ‌و‌ عن شمائلهم ‌و‌ لاتجد اكثرهم شاكرين)(الاعراف: 17 -16).
 ‌و‌ قد جاء ‌فى‌ دعاء الامام على ‌بن‌ الحسين زين العابدين (ع) ‌فى‌ الصحيفه السجاديه:
 «اللهم ‌ان‌ الشيطان قد شمت بنا اذ شايعناه على معصيتك، فلا تشمته بنا بعد تركنا اياه لك، ‌و‌ رغبتنا عنه اليك».
 ‌و‌ بذلك فان الانسان المومن يقف امام شماته ابليس ‌به‌ ‌فى‌ معصيته لله، ‌و‌ ‌من‌ خلال نجاحه ‌فى‌ خطته التى تبعده عن الله.
 اللهم اننا نعوذ بك ‌من‌ كل مواقع البلاء التى تودى الى فرح الاعداء بالامنا ‌و‌ احزاننا، كما نعوذ بك ‌من‌ كل مواقع العصيان التى تجعل الشيطان فرحا جذلانا مما نعيشه ‌من‌ البعد عن مواقع رضاك.
 ‌و‌ نتوسل اليك ‌ان‌ تملا عقولنا بالنور، ‌و‌ قلوبنا بالطمانينه، ‌و‌ حياتنا بالقوه، لنعرف كيف نواجه قضايانا بالفرح الروحى الكبير الذى ‌لا‌ يسقط امام شماته الشامتين ‌و‌ فرح الحاقدين.


 ‌و‌ ‌من‌ الفقر الى الاكفاء.
 
 الغنى ليس قيمه ‌و‌ الفقر ليس سقوطا:
 
 قد يتحمل الانسان الفقر كمشكله صعبه ‌فى‌ حياته ‌من‌ خلال تاثيرها على اوضاعه ‌فى‌ حركه حاجاته، ‌و‌ لكن الفقر الى اقرانه ‌و‌ امثاله الذين يتحركون ‌فى‌ واقعه، ‌و‌ يقفون ‌فى‌ مستواه ‌من‌ حيث الدرجه الاجتماعيه، قد يزيد المساله صعوبه ‌و‌ يعمق الاثر السلبى ‌فى‌ النفس، لان القضيه ‌لا‌ تنحصر ‌فى‌ الضغط على حاجاته بل تتعداه الى الضغط على انسانيته، باعتبار ‌ان‌ ذلك يجعله ذليلا امامهم، اسيرا لهم، لان الحاجه الى الاخرين تجعلهم ‌فى‌ موقع السياده ‌و‌ السيطره، ‌و‌ تجعل صاحب الحاجه ‌فى‌ موقف الاسر ‌و‌ العبوديه، لان الكثيرين ‌من‌ الناس تستعبدهم حاجتهم التى يملكها الاخرون الذين يستغلونها ليفرضوا شروطهم المذله على الفقراء، ‌و‌ ليرهقوا انسانيتهم بكل اثقال تعقيداتهم.
 ‌ان‌ مشكله هذا الانسان الذى يفتقر الى مثله، هى ‌ان‌ فقره يحقق للانسان المماثل فرصه التلذذ بالاستعلاء عليه، ‌و‌ الاحتقار له، ‌و‌ التلهى بمفردات حاجته، مما يجعل الاضطهاد الروحى الذى يعيشه امام هذه الحاله المعقده اكثر تاثيرا ‌من‌ الاضطهاد المادى الذى يعيشه امام حاجته الذاتيه، بينما ‌لا‌ تبلغ الحاجه الى الشخص الرفيع ‌فى‌ مستواه الروحى ‌و‌ درجته الاجتماعيه هذا الاثر السلبى الكبير، لان النتائج الصعبه ‌لا‌ تزيد عن نتائج الجانب الذاتى ‌من‌ الحاجه، باعتبار ‌ان‌ الشخص الذى يملك الحاجه ‌لا‌ يترك تاثيرا سلبيا خارجا عن الحدود الطبيعيه للموقع الذى يمثله صاحب الحاجه امامه بشكل طبيعى.
 اللهم اننا نتوسل اليك ‌ان‌ تمنحنا الغنى الذى يحمينا ‌من‌ السقوط امام اللئام، فلا تجعل لنا الى لئيم حاجه، لانك تريد لعبادك الصالحين ‌ان‌ يكونوا الاعزاء ‌فى‌ انفسهم ‌من‌ خلال عزه الايمان ‌فى‌ حياتهم، ‌و‌ نعوذ بك- ‌من‌ خلال ذلك- ‌من‌ الفقر الذى يهدر كرامتنا، ‌لا‌ سيما الفقر الى امثالنا ‌و‌ اقراننا ممن ‌لا‌ يعيشون السمو الروحى ‌فى‌ علاقتهم بنا ‌و‌ بالمستضعفين ‌فى‌ الارض، فلا يحترمون كرامتهم ‌فى‌ احترام انسانيتهم ‌و‌ ‌فى‌ الابتعاد عن النظره الفوقيه الاستعلائيه التى ترى ‌فى‌ الغنى امتيازا ‌و‌ قيمه ‌و‌ ‌فى‌ الفقر سقوطا ‌و‌ انحطاطا.


 ‌و‌ ‌من‌ معيشه ‌فى‌ شده.
 
 اللهم افتح لنا ابواب الرخاء لنتفرغ لعبادتك:
 
 افتح لنا- ‌يا‌ رب- ابواب الرخاء لنعيش حياتنا ‌فى‌ راحه النفس ‌و‌ طمانينه البال، لان مشكله الضيق ‌فى‌ العيش انها تملا العقل بالهم، ‌و‌ تثير الحزن ‌فى‌ القلب، فتشغلنا عن القيام بمسوولياتنا التى حملتنا اياها ‌فى‌ كل جوانب حياتنا الفكريه ‌و‌ العمليه، ‌و‌ توزع اهتماماتنا ‌فى‌ المفردات الصغيره، ‌و‌ تبتعد بها عن القضايا الكبيره.
 اننا ‌لا‌ نريد الايحاء باننا سوف نسقط امام حالات الشده، فنحن نحاول اعداد انفسنا اعدادا روحيا ايمانيا للصبر على كل مشاكل الحياه ‌و‌ صعوبات العيش، ‌و‌ للقيام بمسووليتنا ‌فى‌ المستوى الكبير الذى تمتثل فيه اقوى العزمات على المواجهه للتحديات، ‌و‌ اشد الصلابه ‌فى‌ حركه الاراده امام العقبات، ‌و‌ لكننا نتصور ‌ان‌ العافيه ‌من‌ البلاء اقرب للنجاح، ‌و‌ ‌ان‌ السعه ‌فى‌ العيش اسلم للثبات.
 اننا نعوذ بك- ‌يا‌ رب- ‌من‌ العيش المثقل بالشده، الملى ء بالقسوه، لاننا نريد التفرغ لعبادتك، ‌و‌ التحرك ‌فى‌ ‌خط‌ طاعتك، ‌و‌ السير اليك بقوه ‌و‌ سرعه ‌و‌ انطلاق ‌من‌ اوسع الافاق، ‌و‌ اسهل الدروب.


 ‌و‌ ميته على غير عده.
 
 اللهم جنبنا اللقاء بالموت ‌من‌ دون استعداد:
 
 لقد قدرت لنا الموت كنهايه حتميه لحياتنا، ‌و‌ جعلت له اجلا محدودا ‌لا‌ يتقدم ‌و‌ ‌لا‌ يتاخر، ‌و‌ لكنك اخفيته عنا، مما جعلنا ننتظره ‌فى‌ كل وقت، ‌و‌ طلبت الينا ‌ان‌ نستعد له بالدراسه الدائمه لاعمالنا ‌من‌ حيث الكم ‌و‌ الكيف، لنستزيد ‌من‌ الحسنات، ‌و‌ لنتخفف ‌من‌ السيئات، ليكون الموت مانسنا الذى نانس به، ‌و‌ مالفنا الذى نشتاق اليه، ‌و‌ ذلك ‌من‌ خلال ‌ما‌ نلقاه بعد الموت ‌من‌ رضوانك ‌و‌ لطفك ‌و‌ رحمتك ‌فى‌ جنه النعيم التى اعددتها لعبادك المتقين، الذين يوتون ‌ما‌ آتوا ‌و‌ قلوبهم ‌و‌ جله انهم الى ربهم راجعون.
 غير انا- ‌يا‌ ربنا- قد نغفل فننسى الموت ‌و‌ ننسى الاستعداد لما بعده، فيفا جئنا على غير استعداد، فنلتقى بك ‌فى‌ الدار الاخره ‌من‌ خلاله، ‌من‌ دون تهيئه ‌و‌ اعداد، فنستحق عقابك لما اسلفناه ‌من‌ الذنوب، ‌و‌ لما اغفلناه ‌من‌ التوبه.
 اللهم اجعلنا ‌من‌ الواعين لمسووليتنا امامك ‌فى‌ مساله الحياه ‌و‌ الموت، لنفكر دائما بان نكون ‌فى‌ مواقع رضاك، ‌و‌ ‌فى‌ رحاب رضوانك، ‌و‌ ابعدنا عن الامل الطويل الذى قد نعيش فيه خيالات الخلود ‌و‌ اوهام البقاء ‌من‌ دون اساس، ‌و‌ جنبنا اللقاء بالموت ‌من‌ دون استعداد، ‌و‌ ابعدنا عن موت الفجاه، ‌و‌ وفقنا للقدوم عليك ‌من‌ موقع ثابت يتحرك فيه العمل الصالح نحو رضاك، ‌و‌ تنطلق التوبه ‌من‌ اجل النجاه ‌من‌ سخطك ‌يا‌ رب العالمين.


و نعوذ بك ‌من‌ الحسره العظمى ‌و‌ المصيبه الكبرى.
 
 اللهم امنحنا فرصه الايمان ‌فى‌ الدنيا:
 
 قد نعيش الحسره ‌فى‌ حياتنا على ماض اجتزناه، ‌و‌ عشنا فيه الفرص الكثيره المتنوعه التى تحمل الكثير ‌من‌ تحقيق الرغبات الذاتيه، مما يرتبط بحياتنا المعنويه ‌و‌ الماديه، ‌و‌ تفسح المجال للنجاحات الكبيره التى تحقق طموحاتنا ‌و‌ ترفع درجاتنا، فنندب حظنا على ‌ما‌ فرطنا ‌به‌ ‌و‌ نلوم انفسنا على ‌ما‌ قصرنا فيه.
 ‌و‌ لكننا عندما ندرس المساله بعمق، فقد نجد ‌ان‌ ‌من‌ الممكن التعويض عن ذلك، باغتنام الفرص المماثله ‌فى‌ حاضرنا، ‌او‌ بتهيئه الاجواء للفرص الجديده ‌فى‌ مستقبلنا، للوصول الى ‌ما‌ لم نستطع الوصول اليه، ‌او‌ للحصول على ‌ما‌ قصرنا ‌فى‌ الحصول عليه، ‌و‌ بذلك ينطلق الحاضر ليضمد جراح الماضى، ‌و‌ ليتحرك المستقبل ليعوض خساره الحاضر، ‌و‌ هكذا قد نواجه المصائب التى تصيبنا ‌فى‌ انفسنا ‌و‌ اهلنا ‌و‌ اولادنا ‌و‌ احبابنا ‌و‌ ارزاقنا ‌و‌ حاجاتنا، فنتالم لذلك ‌و‌ نعيش الحزن الكبير الذى يستنزف الدموع ‌من‌ عيوننا، ‌و‌ يثير المشاعر ‌فى‌ قلوبنا.
 ‌و‌ لكن الحياه تمتد فتنسينا المصائب، ‌و‌ تفتح لنا النوافذ على عالم جديد ‌من‌ الفرح، ‌و‌ مجالات واسعه ‌من‌ الحركه، ‌و‌ فرص متنوعه ‌من‌ مواقع السرور، فنفرح بعد طول حزن، ‌و‌ نضحك بعد طول بكاء، لان الجديد ‌من‌ الربح قد الغى الخساره، ‌و‌ العظيم ‌من‌ الفرح قد ابعد الحزن، فتموت المصائب ‌فى‌ حياتنا بموت آثارها ‌فى‌ نفوسنا، ‌و‌ تلك هى الحياه ‌فى‌ حسراتها ‌و‌ مصائبها، فليس لها امتداد ‌فى‌ الزمن كله، ‌و‌ ليس لها عمق عميق ‌فى‌ الواقع، بل هى حالات طارئه متنوعه، مما يتحرك ‌فى‌ السطح، فياتى تاره ‌و‌ يذهب اخرى. ‌و‌ تستمر الحياه مع ذلك كله ‌فى‌ اوضاعها المختلفه التى توحى بالتجديد، ‌و‌ تنطلق بالتنوع.
 ‌و‌ لكن المشكله ‌فى‌ الحسره العظمى التى تتصاعد فيها الاهات عندما يطل الانسان على ساحه القيامه، فيرى الصالحين المتقين الذين عاشوا حياتهم ايمانا ‌و‌ خيرا ‌و‌ بركه للناس ‌من‌ حولهم ‌و‌ للحياه كلها، ‌و‌ تحركوا فيها ‌فى‌ اتجاه السمو الروحى، ‌و‌ الانفتاح الاخلاقى، ‌و‌ الاستقامه العمليه، ‌و‌ انطلقوا ‌فى‌ مواقع رضى الله حتى حصلوا على رضوانه، ‌و‌ صاروا اهلا لدخول جنته.
 ‌و‌ هناك يتذكر انه كان يملك اكثر ‌من‌ فرصه للخير ‌و‌ العمل الصالح، ‌و‌ للقرب ‌من‌ الله، لكنه اهمل هذه الفرص ‌و‌ عاش ‌فى‌ الحياه الهزل بدلا ‌من‌ الجد، ‌و‌ الباطل بدلا ‌من‌ الحق، ‌و‌ الشر عوضا عن الخير، حتى ابتعد عن ‌خط‌ الاستقامه ‌فى‌ رضوان الله الى الانحراف ‌فى‌ سخطه، ‌و‌ ‌ها‌ ‌هو‌ يواجه عذابه ‌فى‌ نار جهنم.
 ‌و‌ مما يزيد حسرته، انه كان واثقا- ‌من‌ موقع الغفله- بانه على صواب ‌و‌ ‌ان‌ الاخرين على خطا، ‌و‌ ‌ان‌ اعماله ‌فى‌ دائره الصلاح، بينما تقع اعمال الناس المومنين ‌فى‌ دائره الفساد، ‌و‌ كان يجد ‌ان‌ الطريق التى يسير فيها تودى ‌به‌ الى النجاه، ‌و‌ تنفتح على الجنه، ‌و‌ ‌ها‌ ‌هو‌ يكتشف انه كان ضالا خاسرا بعيدا عن ‌خط‌ الصواب.
 ‌و‌ هذا ‌ما‌ تحدث عنه القرآن الكريم ‌فى‌ قوله تعالى:
 (ان تقول نفس ‌يا‌ حسرتا على ‌ما‌ فرطت ‌فى‌ جنب الله)(الزمر: 56).
 ‌و‌ قوله تعالى:
 (كذلك يريهم الله اعمالهم حسرات عليهم ‌و‌ ‌ما‌ ‌هم‌ بخارجين ‌من‌ النار)(البقره: 167).
 اما المصيبه الكبرى، فهى المصيبه بالدين التى تودى بالانسان الى خساره الدنيا ‌و‌ الاخره، كما قال اميرالمومنين على ‌بن‌ ابى طالب (ع) ‌و‌ قد سئل ‌اى‌ المصائب اشد؟ قال:«المصيبه بالدين»، ذلك ‌من‌ خلال نتائجها السلبيه على الانسان ‌فى‌ مصيره على جميع المستويات.
 اللهم اننا نعوذ بك ‌من‌ الحسره العظمى ‌و‌ المصيبه الكبرى، فهب لنا الوعى ‌و‌ الفكر الروحى ‌و‌ العملى الذى نستطيع ‌به‌ الحصول على تحريك كل فرص العمر ‌فى‌ اتجاه الفلاح ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره، ‌و‌ توجيه كل طاقاتنا ‌فى‌ المجالات التى تزيدنا قربا منك ‌و‌ محبه لك ‌و‌ شوقا اليك، فلا نشعر بحسره على ‌اى‌ تفريط، ‌و‌ ‌لا‌ نحس بايه مصيبه ‌فى‌ ‌اى‌ موقع ‌يا‌ رب العالمين.


 ‌و‌ اشقى الشقاء ‌و‌ سوء الماب.
 
 اللهم اعذنا ‌من‌ شقاء النار:
 
 قد يفكر الناس بالسعاده ‌فى‌ فرصه للذه ينتهزونها، ‌و‌ ‌فى‌ ساحه للهو يتحركون فيها، ‌و‌ ‌فى‌ مال يحصلون عليه، ‌و‌ ‌فى‌ مجد طارى ء يبلغونه، فيخيل اليهم ‌ان‌ الشقاء ‌هو‌ ‌ان‌ يفقدوا بعض ذلك ‌او‌ يفقدوه كله، ‌و‌ بذلك تكون الدنيا ‌فى‌ فرصها ‌و‌ حاجاتها ‌و‌ مواقعها ‌و‌ درجاتها ‌و‌ امجادها هى مقياس السعاده ‌و‌ الشقاء، بحيث ‌ان‌ الحرمان كلما اشتد كان الشقاء اقسى، ‌و‌ ‌ان‌ الدنيا كلما اقبلت كانت السعاده اعلى.
 ‌و‌ لكن الحقيقه هى ‌ان‌ الشقاء ‌و‌ السعاده يخضعان للنتائج السلبيه ‌و‌ الايجابيه على مستوى الخلود ‌فى‌ امتداد الزمن ‌فى‌ وجود الانسان، على اساس ‌ان‌ الحرمان الابدى، ‌و‌ الهلاك النهائى يوحيان بالنهايه التى ‌لا‌ مجال للخروج منها، باعتبار انه يمثل السقوط الاخير ‌فى‌ قضيه المصير، كما ‌ان‌ النعيم الخالد يوحى بالسعاده النهائيه التى ‌لا‌ شقاء بعدها، ‌و‌ لذلك كان دخول النار اشقى الشقاء ‌فى‌ وجود الناس، ‌و‌ هذا الذى نبتهل اليك- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ تعيذنا منه، فاننا نريد ‌ان‌ نعيش ‌فى‌ ظلال رضوانك ‌فى‌ حياتنا الابديه، ‌و‌ ‌لا‌ نريد ‌ان‌ نحترق بلهيب نارك ‌و‌ سعير غضبك الذى ‌لا‌ تقوم له السماوات ‌و‌ الارض، فكيف يتحملها عبادك الضعفاء المساكين.


 ‌و‌ حرمان الثواب ‌و‌ حلول العقاب.
 
 اللهم اعذنا ‌من‌ حرمان الثواب:
 
 اننا الفقراء- ‌يا‌ رب- الى ثوابك لانه الذى يفتح قلوبنا على لطفك ‌و‌ رحمتك ‌و‌ مغفرتك.
 ‌و‌ نحن الخائفون ‌من‌ عقابك الذى يغلق عنا ابواب الانفتاح عليك، فاعذنا ‌من‌ حرماننا ‌من‌ الثواب الذى تمنحه لعبادك المتقين، ‌و‌ ‌من‌ سقوطنا تحت تاثير حلول العقاب الذى يعانى منه الضالون المكذبون، فاجعلنا ‌من‌ المتقين الذين ينعمون بثوابك، ‌و‌ ‌لا‌ تجعلنا ‌من‌ الفاسقين الذين يستحقون عقابك.
اللهم صل على محمد ‌و‌ آله، ‌و‌ اعذنى ‌من‌ كل ذلك برحمتك ‌و‌ جميع المومنين ‌و‌ المومنات، ‌يا‌ ارحم الراحمين.
 اللهم اننى ‌لا‌ افكر بنفسى عندما افكر بكل هذه الاشياء المتصله بخط التوازن ‌فى‌ الايمان ‌و‌ الحركه ‌و‌ الحياه، بما يرتبط بالقرب ‌من‌ مواقع رضاك ‌و‌ البعد عن مواقع سخطك، لانى ‌لا‌ اعيش ذاتيتى الشخصيه ‌فى‌ الدائره الفرديه بعيدا عن اهتمامات المجتمع الذى انتمى اليه، لانك علمتنا- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ تكون اهتماماتنا شامله لكل آفاق المسلمين، ‌و‌ عرفتنا- ‌فى‌ حديث رسولك محمد (ص)-«من اصبح ‌لا‌ يهتم بامور المسلمين فليس بمسلم»، ‌و‌ نحن ‌لا‌ نفرق- ‌فى‌ ‌و‌ عينا للخط الرسالى- بين الامور التى تتصل بسلامتهم ‌من‌ العدو الخارجى ‌او‌ ‌من‌ العدو الداخلى، ‌فى‌ تحديات الكفر ‌و‌ الانحراف ‌و‌ الضلال، لذلك فاننا نستعيذ بك ‌من‌ كل ‌ما‌ قدمناه بين يديك لتعيذنا ‌من‌ ذلك كله، ‌و‌ لتعيذ المومنين ‌و‌ المومنات منه، ليكون مجتمعنا الايمانى ‌هو‌ المجتمع الذى ‌لا‌ يقترب منه الضلال، ‌و‌ ‌لا‌ يعيش فيه الانحراف ‌و‌ ‌لا‌ يتحرك ‌فى‌ داخله الاهتزاز، ليبقى ‌فى‌ اجواء الحق ‌و‌ الاستقامه ‌و‌ الطمانينه الفكريه ‌و‌ الروحيه ‌و‌ العمليه ‌من‌ خلال هداك ‌و‌ ‌لا‌ شى ء غير هداك، ‌يا‌ ارحم الراحمين.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

دعاوه فى الصلاه على حمله العرش و كل ملك مقرب
دعاوه فى الالحاح على الله تعالى
دعاوه فى یوم الاضحى و یوم الجمعه
دعاوه اذا استقال من ذنوبه
دعاء دخول شهر رمضان
دعاوه عند الصباح و المساء
دعاوه فى طلب العفو و الرحمه
دعاوه لنفسه و اهل ولایته
و كان من دعائه (علیه السلام) بعد الفراغ من صلاه ...
دعاوه عند الشده و الجهد و تعسر الامور

بیشترین بازدید این مجموعه


 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^