دعاوه فى الاشتياق الى طلب المغفره
ماذا يوحى الينا هذا العنوان للدعاء؟
ان كلمه «الاشتياق» تعنى- فى مضمونها الوجدانى- الانفتاح الروحى و العاطفى على الرغبه الذاتيه التى تحتوى التعبير عن المحاوله الجاده للاتصال بالله، فى موقف المناجاه بالقلب و الاحساس و الكلمه، للطلب اليه بان يمنحنا المغفره فى تجسيدها الحى للطف الالهى الذى يحول الغضب الى رضوان، و العقوبه الى عفو و محبه، و الصفحه السوداء من حياتنا الى صحيفه بيضاء تنفتح على المستقبل ليكتب صحيفته بمداد من نور الايمان و العمل الصالح.
ان يكون طلب المغفره حاله فى الشوق، معناه ان يكون الشوق حاله فى الايمان الذى يتجسد فى عمق الذات، فى صوره الانسان الباحث عن لقاء الله فى كل موقع من مواقع الاحساس و الشعور.
و هكذا يتحرك هذا المعنى فى حركه الوجدان الانسانى الدينى، فيبتعد عن كل محاوله للتجميد الذى قد يزحف الى الممارسات العباديه من صلاه و دعاء، ليحولها الى كلمات بارده و حركات جامده تتصل بالشكل اكثر مما تتصل بالمضمون، الامر الذى يوحى بان قضيه الانفعال الشعورى من القضايا الحيويه فى الممارسه الدينيه للانسان على كل صعيد، لانها التى تحقق للانسان حيويه الايمان، و حركيه الخط العملى فى الحياه.
ثم ان دراستنا للدعاء توكد لنا ان طلب المغفره لا يمثل رغبه مفتوحه على الله فى المطلق بعيدا عن التجربه الانسانيه فى الواقع، بل يمثل حركه فى تحديد الوسائل العمليه التى يحققها الانسان كاساس للجديه فى هذا الطلب، لان من علامات الصدق فى الرغبه، ان يعمل الانسان على البحث عن الوسائل التى تحقق له النتائج، من خلال الايحاء الالهى بان علامه التوبه هى العمل فى هذا الاتجاه، لا الاكتفاء باطلاق التاوهات و التنهدات انفعالا بالماضى المملوء بالذنوب، لانها تمثل حركه تصحيحيه فى الواقع لا حركه وجدانيه فى الاحساس، بل ان دور الاحساس هو الاطلاله على الذات لتوجيهها نحو العمل.
اللهم صل على محمد و آله، و صيرنا الى محبوبك من التوبه، و ازلنا عن مكروهك من الاصرار.
اللهم افتح قلوبنا على التوبه:
ان شوقنا للحصول على مغفرتك يا رب يتحرك فى وجداننا من الانفتاح على آفاق التوبه فى حياتنا، من خلال الرفض الفكرى للذنب الذى يعبر عن حاله التمرد العملى على اوامرك و نواهيك، و الرغبه فى التخفف من النتائج السلبيه التى تثيرها الخطايا فى النفس فى تاثيراتها الشعوريه المضاده على طهاره الذات، و الهروب من اشباح المستقبل الاخروى الذى قد تضعنا المعاصى فيه امام غضبك و سخطك، الذى يجرنا الى مواقع عذابك، ليواجه- بدلا عنه- الاجواء الحميمه التى ترفعنا اليها التوبه فى رحاب محبتك و رضوانك.
اننا الخطاون- يا رب- الذين التهبت دماوهم بلهيب غرائزهم، و اهتزت مشاعرهم باهتزاز رغباتهم، و عصفت الخيالات السوداء فى اجواء عقولهم، و الامانى الحمراء فى اعماق وجدانهم، و نحن نحب ان تنطلق حياتنا فى اتجاه الحصول على محبتك، و البعد عن مواقع كراهتك.
اننا فى توق روحى الى الخلاص من الخطايا، و لكننا قد نضعف امام ضغط النفس الاماره بالسوء، فامنحنا مساعدتك الالهيه، فى تحويل واقعنا الى واقع للايمان و التقوى، و ذلك بالمصير الى التوبه التى تحبها لعبادك كما تحب عبادك من خلالها، و بالبعد عن الاصرار الذى تتجمد فيه الذات فى دائره المعصيه فلا تخرج منها، فانت تكره منا ذلك من خلال ما يوحيه من معنى التحجر الروحى، و الانحراف العملى.
حررنا- يا رب- من الضغط الهائل الذى يضغط به الشيطان على حياتنا، فينحرف بنا عن الخط المستقيم الذى يودى الى رضاك، لنكون الاحرار فى اراده الطاعه امام الشيطان، فنوكد بذلك عبوديتنا لك.
اللهم اجعلنا نختار نقص الدنيا على نقص الدين:
يا رب، قد تتحرك بنا الحياه، فيستقيم لنا فيها العمل الصالح النافع الذى تجتمع فيه- لنا- سلامه الدين و الدنيا، فيكتمل لنا النفع فى هذا و تلك، فلا نشعر بحرج فى ما نمارسه منهما، و لا نواجه ايه مشكله فى ذلك.
و لكن قد نلتقى بموقف يفرض علينا الخيار الصعب بين ان نقع فى نقص الدين بالانحراف عن خط الاستقامه، و الوقوع فى ضغط المعصيه، و ان نقع فى نقص الدنيا بالخساره فى بعض مكاسبنا و الخلل فى بعض اوضاعنا و الفشل فى بعض خططنا، فلا نستطيع ان نتفادى احدهما الا على اساس الوقوع فى الاخر، فكيف نتصرف امام ذلك كله؟
اننا نتوسل اليك- يا رب- ان تجعلنا نختار فى ارادتنا نقص الدنيا و نبتعد عن نقص الدين، لان نقص الدنيا يزول و يفنى، فلا يترك اى تاثير على قضيه المصير فى ما يتركه النقص من النتائج السلبيه، لان الدنيا لا تبقى فى كل اوضاعها و قضاياها. و وفقنا لان نعيش النتائج الايجابيه من لطفك و رحمتك فى الخط الذى يرتبط بالايمان بك، و يمتد من الدنيا الى الاخره لينفتح على مواقع رضاك يوم يقف الناس بين يديك.
و ربما كان المراد بكلمه التوبه، هذا المعنى الذى المحنا اليه، باعتبار انه النتيجه الطبيعيه لها، و ربما كان المقصود من الكلمه الانضباط فى حركه المحافظه على الكمال فى المساله العمليه فى الخط الدينى و تفضيله على الكمال فى المساله الدنيويه، و ربما فسر البعض النقص فى الدنيا بالنتائج السلبيه التى تحدث من المعاصى مما ينزله الله بالانسان من النقصان فى القضايا المتعلقه بدنياه، اما النقص فى الدين فهو الحرمان من بعض الاعمال العباديه او الخيريه التى تقربه الى الله، و هذا ما تحدث عنه السيد على خان فى كتابه «رياض السالكين» قال:«و الحاصل انه لما كان من الذنوب و المعاصى ما يستلزم اما خسرانا فى الدنيا كما قال تعالى:(و ما اصابكم من مصيبه فبما كسبت ايديكم)(الشورى: 30)، و كما روى عن اميرالمومنين (ع) انه قال:«و ايم الله، ما كان قوم قط فى خفض عيش فزال عنهم الا بذنوب اجترحوها.. او خسرانا فى الدين»، كما روى عن النبى (ص) انه قال:«ان العبد ليذنب الذنب فينسى به العلم الذى كان قد علمه، و ان العبد ليذنب الذنب، فيمتنع به من قيام الليل». و عن ابى عبدالله (ع):«ان الرجل ليذنب الذنب فيحرم صلاه الليل. سال (ع) ربه ان يوقع الخسران فى الدنيا و يتوب عليه من الخسران فى الدين».
و هذا المعنى غير واضح، لان سياق الدعاء هو النقص الذى يقوم به العبد، لا النقص الذى يقضى به الله كعقوبه للعبد على فعل الذنب، و ذلك باعتبار التاكيد على الحصول على العصمه من نقص الدين الذى يمتد اثره الى الاخره بالابتعاد عنه الى نقص الدنيا الذى يفنى بفناء الدنيا.
ان الفكره هى ان يقف الانسان ليوازن بين الدنيا و الاخره فى اعماله و اقواله و علاقاته التى قد تنقص دينه و قد تنقص دنياه، فلا بد له من ان يختار التضحيه ببعض اوضاع دنياه، لمصلحه بعض اوضاع دينه، لان ذلك هو علامه الاخلاص لله، و الاستغراق فى الرغبه العميقه المخلصه بالحصول على رضوانه و مغفرته.
اللهم اجعل ايجابيات الحق تتغلب على سلبيات الباطل:
يا رب، قد يطوف الفكر فى اجواء الخيال ليواجه امانى النفس فى تطلعاتها و حاجاتها او فى التزاماتها و انتماءاتها، ليختار هدفا هنا او هدفا هناك، او ليخطط لمشروع معين فى هذا الاتجاه او فى ذلك الاتجاه، او ليحدد لها التزاما خاصا فى هذا الخط او ذاك، او انتماء الى هذه الجماعه او تلك.
فكيف نضبط للفكر حدوده، و كيف نحدد للنفس اتجاهاتها؟
ربما نهم بالتحرك فى ما يوحى به الفكر او يخطر فى النفس، فيكون الامر الذى نهم به، و نعزم عليه، و نخطط له، معصيه لله و موقعا من مواقع سخطه، و قد يكون طاعه له، و محلا لرضاه، لان للنفس دوافعها و رغباتها المتنوعه فى هذا المجال.
و نحن- كمومنين ملتزمين بالايمان بك، و منفتحين على آفاق رضوانك- نبتهل اليك ان تسبغ لطفك على مواقع الفكر فى عقولنا، و مجالات الاحساس فى شعورنا، و منطلقات القرار فى اراداتنا، لنتجه بها الى ما يرضيك عنا، فندرك معنى الخير الكبير فى معناه، و سر النجاح الابدى فى خطه، و عمق القوه فى موقعه.
اننا نبتهل اليك ان تثير فى كياننا الافكار و المشاعر و التطلعات التى تحول و عينا الفكرى و الروحى و الارادى و الحركى الى وعى للانفتاح عليك، و ان تضغط على كل عناصر القوه الممتده فى حياتنا بكل ايحاءاتك الخفيه، و قدرتك القويه، لتضعف قوتنا عن التحرك نحو مواقع سخطك، لاننا لا نريد الاقتراب منها فى دنيانا و آخرتنا.
و لا تعط نفوسنا الحريه المطلقه التى تنطلق من مواقعها الذاتيه، و لا تترك لها المجال الواسع الذى تتحسس فيه قدرتها على الاختيار فى كل شى ء، لان مشكلتها الخالده هى انها تتحرك من مواقع الحس فيها بما تثيره عناصر الغرائز الحاره الحاده فى داخلها، و تنطلق فى اجواء الانفعال فى مشاعرها، و تلتقى فى يومياتها بالصغائر التى تربطها بجزئيات الامور و تبتعد بها عن كلياتها، فتبقى مشدوده الى الافق الضيق الذى تدور مجالاته حول المحسوسات القريبه، و تعيش مفرداته فى مواضع الراحه و الاسترخاء.
و هكذا نجدها تختار الباطل بطريقه عفويه لانه اقرب الى الراحه منه الى التعب، بينما تجد الحق صعبا و كريها مذاقه و متعبا فى مسيرته، و لكن توفيقك فى بعض مواقع لطفك هو الذى يمنعها من الامتداد فى ذلك، فتتراجع عن الرغبه الجامحه الى العقل الهادى ء، و عن الاندفاع الهائج الى الحركه المتوازنه، فتعرف كيف تتغلب ايجابيات الحق فى مساله المصير على سلبيات الباطل.
ثم نلاحظ النفس و هى تلتقى بالسوء من اقرب طريق، و هو طريق الرغبه و الشهوه و الطمع و الانانيه، فتدفع الانسان الى الاستجابه للجانب المنحرف الذى يبتعد عن طاعتك و يقترب من معصيتك فى عمليه ضغط يتحول الى ما يشبه الامر، فيشل الاراده و يضعف الموقف، الا ان تدركه رحمتك التى تمنحه الوعى للعواقب السيئه و النتائج الذميمه، فيستيقظ من غفلته، و يقوم من عثرته، فيرجع اليك مطيعا لامرك رافضا لامر النفس الخاضعه لشيطان السوء و الضلال.
اننا نتوسل اليك ان ترعانا برعايتك، و تضمنا الى كنفك، و تمنحنا لطفك، ليستقيم لنا الطريق و تتوازن الخطى، و ينفتح لنا الهدف لنبقى معك، فلا ننفصل عنك، و لا نستسلم للنوازع الشريره فى ذواتنا الراكضه وراء القلق، المتعبه من كل خيالات الحيره فى الغايه و الطريق.
و لا بد من الانتباه الى ان تعلق الرضى و السخط من الله بما يهم به الانسان، سواء كان الهم بمعنى العزم على الفعل، او خطور الشى ء من خلال البال، ليس واردا على نحو الحقيقه على اساس ان ذلك مصداق للطاعه فى صوره الخير او مصداق للمعصيه فى صوره الشر، بل هو اشاره الى الدوافع التى تتحول الى وقائع، او الافكار التى تنتهى الى الحقائق فى واقع الحياه، من خلال العناصر التى يتحول فيها المشروع الفكرى الى مشروع عملى يرضى الله او يسخطه، فلا مجال للحديث فى سياق الدعاء لان نثير النزاع فى ان اراده المعصيه معصيه او لا، او ان العزم على الطاعه طاعه او لا، لان السياق يتحرك فى اتجاه الواقع الانسانى الذى يتحرك سلبا او ايجابا من خلال النوازع الشريره او الخيره فى داخل النفس.
و لنا ملاحظه، و هى ان التربيه الروحيه فى الاسلام توحى للانسان المومن ان يستعطف ربه فى الضغط على مواقع الانحراف فى فكره من خلال و عى عميق بخطوره الانحراف و بنتائجه المهلكه على صعيد المصير، و ذلك عند احساسه بالخوف من سيطره العناصر الجاذبه التى تجذبه نحو الفكر المنحرف، كما انها توجهه الى ان يستعين بالله على نفسه عندما يخشى من غلبتها عليه، و بضغطها على حركته العمليه فى اتجاه الشر، فيطلب من ربه ان يضعف قوته عندما تتحرك فى هذا الجو بكل الوسائل التى تحول القوه الى ضعف، لان المومن لا يبحث عن قوه، ايه قوه، بل يفكر بالقوه التى تنفتح على طاعه الله و تنطلق فى محبته.
ان هذا الخط التربوى يخرج الانسان من منطقه الاستغراق فى الذات فى عناصرها الخاصه، الى منطقه الاطلاله على الرساله التى تتكامل مع الخصوصيات الذاتيه فى قضايا حركه المصير التى لا تقف عند الدنيا، بل تضم الاخره اليها، او لتكون الاخره هى عمق المضمون الذى تتحرك فيه قضايا الانسان فى الدنيا، و هذا الذى يجعل من الانسان، انسان الله الذى يعيش مع الله فى كل مواقع ذاته.
و انك من الضعف خلقتنا، و على الوهن بنيتنا، و من ماء مهين ابتداتنا.
الضعف فى الانسان:
يا رب، اذا درسنا اصل الخلق فى كياننا و تساءلنا ما هى البدايه، فاننا نجد الضعف هو عنوان الماده التى كانت البدايه، و هى النطفه كما قلت فى كتابك:(الله الذى خلقكم من ضعف)(الروم: 54)، ثم حولت الضعف الى قوه، و هكذا انطلق بناونا الجسدى من الوهن، و من هنا كانت تاثراته و انفعالاته سريعه فى كل الطوارى ء التى تعرض له- كما ورد فى كلام الامام على (ع):«تولمه البقه، و تقتله الشرقه، و تنتنه العرقه».
و اذا لا حظنا تكوين النطفه فى طبيعتها الماديه، فاننا نراها تمثل الحقاره التى لا توحى باى احترام او قوه.
و من الطبيعى ان تتاثر عناصر الحركه فينا، و مواقع القرار فى اعمالنا بهذا الضعف، فنضعف عن تحمل الحرمان، و نسقط امام الرغبه، و نجزع امام الالام، فننهار امام البلاء، و تتاثر بذلك اخلاقنا و مواقفنا، فنبتعد عن خط الاستقامه عندما تثيرنا الكلمه، و تسحرنا البسمه، و تجذبنا النظره، و تحرك شهواتنا ملامح الجمال، و تدفعنا الى الانحراف نوازع الاطماع، فاذا بالضعف الجسدى يجتذب فى ايحاءاته الضعف الروحى، فيودى ذلك فى كثير من الحالات الى الياس و الاحباط و السقوط فى الحصار النفسى الشعورى الذى يحاصر الذات بوساوسه و همساته و تهاويله.
اللهم اجعل جسدنا كيانا منفتحا على طاعتك:
اننا- يا رب- فى مواقع ضعفنا، نتطلع اليك، و نتوسل بك، و نستعين برحمتك، فانت الذى حولت النطفه الضعيفه الى خلق آخر يملك قوه التفكير و الاراده و الحركه، ليخطط و يقرر و يبنى للحياه قوتها فى ما حملته من مسوولياتها، و انت الذى حشدت للانسان كل عناصر القوه الماديه فى ساحات الوجود، و اثرت فى وعيه كل عناصر القوه الروحيه فى ساحات الرساله، و قلت له: كن خليفتى فى الوجود و عبدى الذى يجسد ارادتى فى الكون، و ادخلته ساحات الصراع ليتدرب فيها، و حذرته من ان يسقط، و دعوته الى ان ينتصر، لان الشيطان الداخلى و الخارجى قد يملك قوه التحدى، و لكنه لا يملك قوه السيطره المطلقه، فله نوازع ضعفه كما له نوازع قوته، و للانسان نقاط قوته كما له نقاط ضعفه، فاردت لنا ان نواجه نقاط ضعفه بنقاط قوتنا، لنتمكن من تدمير مشاريعه و اسقاط خططه، و حذرتنا من ان نواجه نقاط قوته بنقاط الضعف، فيسهل عليه السيطره علينا.
اننا هنا نتوسل اليك ان تمنحنا من قوتك قوه نملك فيها الحول و الحركه على السير فى خطك، فلا حول لنا- فى ما يملكه الانسان من حريه الحركه و ينفتح به على آفاق الرشاد- الا بقوتك التى توحى لنا بكل افكار القوه الحاسمه، و لا قوه لنا الا بعونك الذى تمد الينا من خلاله حب الرجاء عندما يهجم علينا الياس، و وسائل الوقوف مع الخير عندما تحيط بنا نوازع الشر.
فامنحنا- يا رب- التاييد فى مشاريعنا المتحركه نحو الحق بتوفيقك الذى تتحول فيه ارادتنا من خط المعصيه الى خط الطاعه، و ينطلق فيه تفكيرنا من اجواء الشر الى اجواء الخير، و وجهنا نحو السداد فى آرائنا، و الثبات فى خطواتنا، و الصواب فى قراراتنا، بما تثيره فى عقولنا من وعى الحقيقه، و فى قلوبنا من سلامه العاطفه، و فى مشاعرنا من عمق الانفتاح على الجانب الطيب من الحياه، فلا نقول الا حقا، و لا نعمل الا لله، و لا نخطط الا للحصول على رضاك.
يا رب، ان بعض مشاكلنا العمليه هو الجانب العاطفى من شخصيتنا، فقد جعلت لقلوبنا عيونا نبصر بها الجانب المعنوى من الاشياء بطريقه شعوريه، و للقلب نبضاته التى تتحرك بفعل نظره او بسمه او لمسه، او سحر جمال او كلام او لحن، او جو ملى ء بالانفعالات و الاهتزازات، و للقلب نوافذه التى يطل بها على خفايا الاشياء فى الانسان و الحياه، و للقلب صبواته و احلامه و تطلعاته التى يستشرف بها المستقبل، و يعيش فيها اهتمامات الواقع.
و ربما تنفتح ابصار قلوبنا على الكثير الكثير مما يثير الافكار الخبيثه و الدوافع السيئه، و النوازع الشريره، عندما ينفتح القلب على الجسد فى غرائزه و شهواته، فتغيب فى احاسيسه مشاعره، و تهتز فى لمساته خفقاته، و هكذا تبدا النظرات القلبيه فى اثاره المشاعر الشيطانيه فى النفس فتبتعد عن محبتك.
و هناك الاعضاء التى ركبت منها اجسادنا، و جعلت لكل عضو منها دورا، و اودعت فى داخله سر حركه الغريزه فى الجسد، و اجريت الشيطان منا فى نفوذه فى كل خلايا اجسادنا، مجرى الدم فى العروق، ليوجه اليد الى ان تسرق و تجرح و تقتل بغير حق و تكتب الباطل و توقع على الجريمه، و ليدفع الرجل الى ان تمشى فى الخطوات الشريره الى كل مواقع الشر، و ليجعل الفم موقعا من مواقع الاكل الحرام و الشرب الحرام، و ليثير فى اعضاء الجنس الحوافز التى تحركها نحو العلاقه المحرمه، و ليحرك اللسان بالكلمات المحرمه.. و هكذا ينطلق البصر بالنظره الحرام و السمع بالكلمه الحرام و اللحن الحرام، فنبتعد بذلك عنك و نخرج عن خط طاعتك.
اللهم اننا نحبك و نحب القرب منك و اللقاء بك، فاذا كانت ابصار قلوبنا مفتوحه على ما خالف محبتك فى كل ايحاءاتها و نزعاتها و لفتاتها و نظراتها، فاننا نسالك ان تطفى ء منها النور الذى يقودنا الى ذلك، لان النور الذى لا يعيش معنى الحب فى علاقتنا بك هو ظلام، و لان النور و الظلمه فى المعنى ليسا شيئين فى الحس، بل هما عنصران فى الروح، فلا قيمه للنور اذا كان يودى الى ظلمه الروح، و لا مشكله فى الظلام اذا كانت الروح، تجد فى عمق الصفاء فيه نور الايمان.
اللهم اننا نريد لهذا الجسد الذى خلقته فى احسن تقويم ان يكون كيانا منفتحا على طاعتك، ليعيش فى الدنيا شكر نعمتك، و لينعم فى الاخره فى نعيم جنتك، و لا نريد له ان يكون متحركا فى ساحات معصيتك لينال فى الاخره عذاب نارك، فوفقنا للوصول به الى آفاق رضوانك.
كيف نحصل على رضوانك؟
كيف نحصل على رضوانك، و كيف ننال مغفرتك، و كيف نقترب من مواقع القرب اليك- يا رب- اذا كنا سادرين فى الغى، سائرين فى طريق الضلال، سابحين فى بحار العصيان؟
ان لنا قلبا يثير الهمسات الخفيه الايحائيه فى نبضاته، و ان لنا اعضاء تحرك الاوضاع المتنوعه فى حركاتها، و ان لنا عيونا يجذبها الحسن فى لمحاتها، و ان لنا السنه تختلف الوان الكلمات لديها فى لهجاتها.
و قد تتجه هذه القوى فى اتجاه الخير الذى نستحق به ثوابك، و قد تتجه فى اتجاه الشر الذى نستحق به عقابك.
فهب لنا- من لطفك- الوعى الفكرى و الروحى، و الاراده الصلبه الحاسمه، و العزم القوى الثابت، لنوجه كل ذلك فى مواقع الحسنات، حتى لا تفوتنا حسنه نستحق بها جزاءك، و لنبعدها عن مواقع السيئات حتى لا تبقى لنا سيئه نستوجب بها عقابك.
اننا هنا فى الشوق الظامى ء الى ينابيع رحمتك، و فى التطلع الواسع الى جنان رضوانك، و نحن فى انتظار الرى بالانفتاح عليك، فهل تحرمنا من ذلك؟