فارسی
شنبه 22 دى 1403 - السبت 10 رجب 1446
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه
0
نفر 0

دعاوه بخواتم الخیر

دعاوه بخواتم الخير
 
 الانسان ‌و‌ سلامه الخاتمه:
 
 يولد الانسان، ‌و‌ ‌فى‌ شخصيته الطفوليه ايحاءات الخير ‌و‌ الشر، مما قد يتحول بعد ذلك الى الخير ‌او‌ الى الشر بفعل الموثرات الداخليه ‌او‌ الخارجيه، التى تتدخل ‌فى‌ صياغه الانسان على طريقه معينه لتطبع شخصيته بهذا الطابع ‌او‌ ذاك، ‌فى‌ حركه حياته السائره ‌فى‌ ‌خط‌ الشباب المنفتح على ‌خط‌ الكهوله، ‌و‌ لكن هل يستسلم الانسان لقدره الذى يحكم هذه المرحله ‌او‌ تلك، فيطمئن للخير الذى يسود حياته، ‌او‌ ينسحق امام الشر الذى يحكم واقعه، باعتبار ‌ان‌ ‌خط‌ البدايه يحدد للانسان ‌خط‌ النهايه، ‌ام‌ ان هناك افقا آخر قد تطل عليه حياته ‌و‌ تتغير معه شخصيته، لان الانسان مخلوق متحرك دائما ‌فى‌ خضوعه للموثرات الجديده التى قد تقلب حياته راسا على عقب، ‌و‌ تحولها ‌من‌ السلب الى الايجاب، ‌او‌ ‌من‌ الايجاب الى السلب، ‌فى‌ عمليه تغيير ‌و‌ تبديل للافكار ‌و‌ للمشاعر ‌و‌ للمواقف، مما يثير القلق الدائم ‌فى‌ نفوس المومنين الذين يخافون ‌من‌ سوء الخاتمه بفعل هزه جديده، ‌او‌ عاصفه طارئه، ‌او‌ موثرات قويه تنقلهم ‌من‌ الايمان الى الكفر، ‌او‌ ‌من‌ الهدى الى الضلال، ‌و‌ ‌من‌ ‌خط‌ الاستقامه الى ‌خط‌ الانحراف، الامر الذى يجعل جهدهم ضائعا ‌فى‌ ‌ما‌ قدموه ‌فى‌ مراحل حياتهم الاولى ‌من‌ ايمان صادق، ‌و‌ التزام مستقيم، لان النتائج الاخيره هى التى تحدد مصير الانسان امام الله ‌من‌ خلال ‌ما‌ تمثله ‌من‌ عنوان الشخصيه الخيره ‌او‌ الشريره ‌فى‌ اليوم الاخير، فهى الصوره النهائيه التى يتمثل فيها المصير.
 ‌و‌ لذلك كانت الادعيه المتنوعه تثير الابتهالات ‌فى‌ سلامه الخطوط الاخيره للمستقبل ‌فى‌ مواجهه الماضى، ‌و‌ لخاتمه الاعمال امام بداياتها، ‌و‌ لليوم الذى يواجه فيه الانسان ربه ‌فى‌ مقابل الايام الاخرى، ‌و‌ هذا ‌ما‌ عبر عنه الدعاء الماثور:
 «اللهم اجعل مستقبل امرى خيرا ‌من‌ ماضيه، ‌و‌ خير اعمالى خواتيمها، ‌و‌ خير ايامى يوم القاك فيه».
 ‌و‌ هذا الدعاء بخواتيم الخير يثير الشوق الروحى الذى يعبر عن عمق الايمان بالله، بالمستوى الذى يمتد فيه الخط المستقيم ‌فى‌ حياه الانسان المومن، لتكون الطاعه لله هى العنوان الكبير للعمر كله، فاذا عاش بعض الانحراف، ‌و‌ ابتعد عن مواقع رضى الله ‌فى‌ بعض مواقفه بالسقوط ‌فى‌ ‌و‌ هده المعاصى، فانه يبتهل الى الله ‌ان‌ يجعل خاتمه اعماله التى يكتبها الكاتبان ‌فى‌ صحيفه التوبه الخالصه المقبوله التى تمحو كل ذنب، ‌و‌ تفتح له ابواب الرحمه الالهيه بكل سعتها، فلا يوقفه عن اللحاق بالجنه ذنب، ‌و‌ ‌لا‌ يمنعه ‌من‌ رضوان الله خطيئه.
 ‌و‌ قد نستوحى ‌من‌ ذلك، ‌ان‌ على العاملين ‌فى‌ ‌خط‌ الدعوه الاسلاميه ‌ان‌ ‌لا‌ يتراجعوا ‌فى‌ خطواتهم العمليه ‌او‌ التبليغيه ‌او‌ التربويه عندما يواجهون طغيان الكفر ‌فى‌ المجتمع، ‌و‌ استشراء الفساد ‌فى‌ الناس بالمستوى الذى يخيل اليهم بان الامل مفقود ‌فى‌ نجاح عمليه التغيير، فان التجربه الاسلاميه الاولى ‌و‌ ‌ما‌ اعقبها ‌من‌ تجارب، ‌فى‌ العصر الاول للدعوه ‌او‌ ‌فى‌ ‌ما‌ يليه، اثبتت ‌ان‌ الاصرار على مواصله الدعوه يودى الى فتح الثغرات الكثيره ‌فى‌ جدار الكفر، ‌من‌ خلال الكلمه الهاديه، ‌و‌ الاسلوب الحكيم، ‌و‌ اللفته الحنونه، ‌و‌ البسمه المشرقه، ‌و‌ الجو المنفتح، لان الانسان يبقى ‌فى‌ عمق انسانيته منفتحا على ذلك كله، ‌و‌ هذا ‌ما‌ نستوحيه ‌من‌ قول الله تعالى:
 (و اذ قالت امه منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم ‌او‌ معذبهم عذابا شديدا قالوا معذره الى ربكم ‌و‌ لعلهم يتقون)(الاعراف: 164).
 ‌و‌ هكذا نلاحظ ‌فى‌ الكثير ‌من‌ تجارب العاملين ‌فى‌ سبيل الله ‌فى‌ ‌خط‌ التوعيه الايمانيه التربويه، ‌ان‌ هناك الكثير ‌من‌ النجاحات الاسلاميه بالنسبه للاشخاص الذين كانوا يتقلبون ‌فى‌ احضان الفسق ‌و‌ الفجور، ‌و‌ يعيشون الانحراف الفكرى ‌و‌ العملى، ‌و‌ لكنهم انتقلوا الى مواقع العفه الطهاره، ‌و‌ تحركوا ‌فى‌ ‌خط‌ الاستقامه، ‌و‌ صاروا ‌من‌ المخلصين الاتقياء الذين يخشون الله ‌فى‌ السر ‌و‌ العلانيه ‌و‌ يعملون ‌من‌ اجل القرب منه.
 ‌و‌ ‌فى‌ هذا الجو، ‌لا‌ ‌بد‌ للانسان ‌ان‌ ‌لا‌ يياس ‌من‌ نفسه اذا عاشت حياته ‌فى‌ مرحله عابثه لاهيه ابعدته عن الله، فان ‌من‌ الممكن ‌و‌ ‌من‌ ناحيه واقعيه، ‌ان‌ يتغير ‌و‌ ينتقل الى مرحله ايمانيه جاده ملتزمه تقربه ‌من‌ الله، اذا فكر بان هناك الكثيرين الذين بداوا بدايه منحرفه ‌و‌ لكنهم انتهوا نهايه طيبه مستقيمه بالتوبه ‌و‌ العمل الصالح.
 ‌يا‌ ‌من‌ ذكره شرف للذاكرين، ‌و‌ ‌يا‌ ‌من‌ شكره فوز للشاكرين، ‌و‌ ‌يا‌ ‌من‌ طاعته نجاه للمطيعين، صل على محمد ‌و‌ آله، ‌و‌ اشغل قلوبنا بذكرك عن كل ذكر، ‌و‌ السنتنا بشكرك عن كل شكر، ‌و‌ جوارحنا بطاعتك عن كل طاعه.
 
يا ‌من‌ ذكره شرف للذاكرين:
 
 ‌يا‌ رب، اننا نتطلع الى الانفتاح عليك ‌فى‌ مقام ربوبيتك ‌من‌ موقع عبوديتنا لك، انفتاح وعى ‌و‌ محبه ‌و‌ اقرار ‌و‌ حركه، لاننا نومن بان القرب اليك ‌فى‌ عمق الاحساس بحضورك ‌فى‌ قلوبنا، ‌هو‌ الشرف كل الشرف، لان ذلك يمنحنا حاله السمو الروحى بالارتفاع اليك، ‌و‌ العيش ‌فى‌ رحاب قدسك، ‌و‌ الاستغراق ‌فى‌ آفاق عظمتك، حيث يحتضن القلب ‌سر‌ محبتك، ‌و‌ يتضاءل الفكر امام امتداد الغيب ‌فى‌ معنى ذاتك، ‌و‌ تعيش الروح حلاوه معناك.
 ‌و‌ هذا ‌ما‌ يجعلنا ندرك ‌سر‌ الذكر ‌فى‌ معنى الشرف، لان الذكر ليس كلمه ينطق بها اللسان، ‌و‌ لكنها فكره يخفق بها القلب ‌و‌ ينطلق بها العقل ‌و‌ يهتز بها الاحساس. انه انت ‌فى‌ عظمه ذاتك، عندما نتحسسها ‌فى‌ كل قطره ‌من‌ دمائنا، ‌و‌ كل عصب ‌من‌ اعصابنا، ‌و‌ كل لفته ‌فى‌ ابصارنا، ‌و‌ كل همسه ‌فى‌ اسماعنا، ‌و‌ كل كلمه ‌فى‌ شفاهنا، ‌او‌ اشراقه ‌فى‌ وجوهنا، ‌او‌ حركه ‌فى‌ اعضائنا، ‌و‌ كل حكمه الخلق ‌فى‌ كياننا كله.
 ‌ان‌ نذكرك، ‌ان‌ نحس بوجودنا المستمد ‌من‌ وجودك، المتقلب ‌فى‌ تدبيرك، المتحرك ‌فى‌ قدرتك، المتطور ‌فى‌ لطفك ‌و‌ رحمتك، ‌و‌ هل يستطيع الصدى ‌ان‌ ينفصل عن الصوت، ‌و‌ الظل عن النور، ‌و‌ كيف يمكن لو عينا الانسانى الوجودى ‌ان‌ يغفل عنك، ‌و‌ انت ‌سر‌ الوجود فيه، ‌و‌ معنى القوه ‌فى‌ حقيقته.
 «يا ‌من‌ ذكره شرف للذاكرين»، ذكر القلب ‌فى‌ كل نبضاته ‌و‌ خفقاته ‌و‌ عمقه ‌و‌ امتداده، اما ذكر اللسان، فقيمته بالمعنى الذى يعيشه القلب ‌فى‌ الكلمه التى ينطق بها، ‌و‌ الا كان لغوا، ‌و‌ بذلك كان الحضور الالهى ‌فى‌ الذات ‌هو‌ ‌سر‌ الذكر، بحيث نشعر بانك حاضر ‌فى‌ كل وجودنا، محيط بنا ‌من‌ بين ايدينا ‌و‌ ‌فى‌ داخل كياننا، فلا مجال لاى فراغ ‌فى‌ حياتنا منك، لانك الذى يملا الوجود كله، حتى كان الوجود انت، ‌و‌ كل ‌ما‌ عداك خيال ‌و‌ ظلال، ‌و‌ هذا الذى يجعل ‌من‌ الذكر معنى ‌فى‌ العمل، ‌فى‌ انفتاح الوعى على الواقع بحركه ضاغطه حاسمه نحو الالتزام ‌و‌ الانضباط ‌فى‌ ‌خط‌ الاستقامه، ‌و‌ هذا ‌ما‌ يوحى ‌به‌ الحديث المروى عن رسول الله (ص):«ذكر الله على كل حال، ليس سبحان الله ‌و‌ الحمد لله ‌و‌ ‌لا‌ اله الا الله ‌و‌ الله اكبر فقط، ‌و‌ لكن اذا ورد عليك شى ء امر الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌به‌ اخذت به، ‌او‌ اذا ورد عليك شى ء نهى الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ عنه تركته».
 ‌و‌ الحديث المروى عن الامام جعفر الصادق (ع):
 «من قال ‌لا‌ اله الا الله مخلصا دخل الجنه، ‌و‌ اخلاصه ‌ان‌ يحجزه ‌لا‌ اله الا الله عما حرم الله».
 ‌و‌ ‌فى‌ ضوء ذلك، فان للذكر معنى ‌فى‌ الوعى، بان يعيش الانسان ‌سر‌ عظمه الله ‌فى‌ داخل الذات، بحيث يهتز كيانه بالخشيه ‌من‌ الله عند ذكره، كما ‌فى‌ الايه الكريمه:
 (الذين اذا ذكر الله ‌و‌ جلت قلوبهم ‌و‌ اذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا)(الانفال: 2).
 ‌و‌ هذا ‌هو‌ طريق البعد عن معصيه الله ‌من‌ خلال الخوف ‌من‌ مقامه، اننا- ‌يا‌ رب- نعيش توق الذوبان فيك، بحيث ‌لا‌ نحس بغيرك الا ‌من‌ خلال الاحساس بك، لانه بعض خلقك...
 ‌و‌ لكننا- ‌يا‌ رب- قد نضعف تحت تاثير وجودنا المادى، فنشغل عقولنا ‌و‌ قلوبنا بالاخرين الذين يجتذبون نقاط ضعفنا ‌فى‌ حركه الحس ‌من‌ حولنا، فنغفل عنك، ‌و‌ نندفع الى الاستغراق ‌فى‌ عظمه هذا ‌او‌ ذاك ‌من‌ خلقك، الذين ‌لا‌ يملكون ‌اى‌ موقع للعظمه الا ‌من‌ خلالك، فيبعدنا ذلك عنك ‌و‌ ‌من‌ مواقع رضاك، اننا نتوسل اليك ‌ان‌ تمنحنا قوه الوعى ‌من‌ خلال ‌ما‌ تمنحنا ‌من‌ قوه الايمان، ‌و‌ ‌من‌ عمق المعرفه، لتشغل قلوبنا بذكرك عن كل ذكر، لنتعرف الى آفاق الغيب ‌من‌ خلال مقامات الشهود، ‌و‌ نراك ‌فى‌ خلقك، بعيدا عن ‌اى‌ استغراق ‌فى‌ كل اوضاعهم الخاصه ‌و‌ العامه.
 ‌يا‌ ‌من‌ شكره فوز للشاكرين:
 
 ‌و‌ ‌يا‌ رب، ‌ان‌ احساسنا بك ينطلق ‌من‌ استغراقنا ‌فى‌ معنى النعمه ‌فى‌ وجودنا ‌و‌ ‌فى‌ كل مفرداته ‌و‌ ابعاده ‌و‌ حركاته، ‌و‌ ‌فى‌ كل الواقع الذى يحيط به، ‌و‌ الظروف الموضوعيه التى تحفظ له استمراره، فنحن ‌لا‌ نتطلع ‌فى‌ الكون كله الا لنلتقى بنعمه ‌من‌ نعمك التى ‌لا‌ نملك ‌ان‌ نحصيها (و ‌ان‌ تعدوا نعمه الله ‌لا‌ تحصوها)(النحل: 18)،(و ‌ما‌ بكم ‌من‌ نعمه فمن الله)(النحل: 53).
 ‌و‌ لكن هل يبقى الاحساس بالنعمه مجرد شعور يتبخر ‌فى‌ الفراغ، تماما كما يلهو النظر بالجمال، ‌او‌ يستمتع السمع بالنغم، ‌او‌ يستلذ الجسد بالملذات ‌و‌ الشهوات، ثم يغيب ذلك ‌فى‌ الخيال، فلا يبقى منه ‌فى‌ الوعى شى ء؟
 ‌ان‌ قيمه النعمه هى ‌فى‌ ‌سر‌ المعرفه المنفتحه عليك، فهى الضوء الذى يضى ء للانسان الطريق الى ادراك ابعاد وجوده ‌فى‌ العمق، ليلتقى بك ‌من‌ خلال احساسه بالعلاقه بين النعمه ‌و‌ خالقها، ‌فى‌ فكره ‌لا‌ تحمل معنى التجريد الذاتى الفلسفى، بل تحمل المعنى الايمانى الحركى الذى يربط بين النعمه ‌و‌ الحاجه، بحيث يعيش الانسان حيويه الشعور بالاعتراف بالجميل ‌فى‌ لفته تعبيريه واعيه توحى بالامتنان، ‌و‌ ‌فى‌ همسه ايجابيه تهمس بالحب، ‌و‌ ‌فى‌ حركه شاعره تعبر بالكلمه ‌و‌ العمل عن الشكر، فيهتف اللسان شكرا، ‌و‌ تخشع كل مواقع الاحساس ‌فى‌ الذات- ‌يا‌ رب- شكرا لك، ‌و‌ يتحرك الجسد ‌فى‌ كل اعضائه، ليجسد لك ‌فى‌ معنى الانحناء الارادى ‌فى‌ ‌خط‌ الطاعه، شكرا.
 ‌ان‌ الشكر ليس كلمه نقولها لك كما نقولها للناس الذين اجريت حاجاتنا على ايديهم، ليحصلوا ‌من‌ ذلك على بعض الزهو ‌من‌ خلال ‌ما‌ توحى ‌به‌ كلمه الشكر ‌من‌ اعتراف بفضلهم مما يملا فراغ نفوسهم ‌فى‌ حاجتها الى المدح ‌و‌ الثناء ‌و‌ الاعتراف بالجميل. انك- ‌يا‌ رب- غنى عن شكر الشاكرين، كما انت غنى عن وجودهم، فشكرهم لك نعمه منك، كما وجودهم نعمه منك، لانك الغنى بذاتك عن كل شى ء.
 ‌ان‌ الشكر لك، يغنى احساسنا بانسانيتنا، لان الانسان الذى ‌لا‌ يحس بمعنى  النعمه، ‌لا‌ يملك ‌سر‌ احترام انسانيته، ‌و‌ قد عرفتنا ‌فى‌ كتابك اننا كلما شكرناك كلما زدتنا ‌من‌ نعمك، ‌و‌ ذلك ‌فى‌ قولكلئن شكرتم لازيدنكم)(ابراهيم: 7).
 ‌و‌ حذرتنا ‌من‌ العذاب ‌و‌ كفر النعمه فقلت: (و لئن كفرتم ‌ان‌ عذابى لشديد)(ابراهيم: 7).
 كما اشرت الى ‌ان‌ الابتعاد عن ‌خط‌ الطاعه ‌و‌ الاقتراب ‌من‌ ‌خط‌ المعصيه، الذى ‌هو‌ تعبير عملى عن جحود النعمه، سبب لزوال النعمه، ‌و‌ ذلك ‌هو‌ قولك:
 (ذلك بان الله لم ‌يك‌ مغيرا نعمه انعمها على قوم حتى يغيروا ‌ما‌ بانفسهم)(الانفال: 53).
 ‌و‌ بذلك كان الشكر فوزا للشاكرين، ‌فى‌ معنى الذات ‌و‌ معنى المصير ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره.
 فيا ‌من‌ شكره فوز للشاكرين، ‌لا‌ تجعلنا نعيش الفراغ ‌من‌ وعى نعمك، ‌فى‌ ‌ما‌ توحى ‌به‌ ‌من‌ ‌سر‌ عظمتك، ‌و‌ ذلك عندما يطبق الحس بتهاويله فيحجب عن الفكر آفاق الغيب التى تختفى وراءه، فنستغرق ‌فى‌ شكر المخلوقين ‌فى‌ ‌ما‌ انعموا ‌به‌ علينا، ‌و‌ ننسى شكرك عندما نبتعد عن الادراك العميق بان ‌ما‌ يملكونه ‌من‌ القوه ‌فى‌ المال ‌او‌ الجاه ‌او‌ الجسد ‌و‌ غير ذلك مما نحتاجه منهم انما ‌هو‌ هبه منك، ‌و‌ نعمه انعمتها عليهم. فجعلت حاجه الناس اليهم- ‌من‌ خلالها- نعمه جديده عليهم، ‌لا‌ تجعلنا نستغرق بالنعمه ‌فى‌ معطياتها الحسيه بل اجعلنا نعرف انطلاقها منك، ‌فى‌ ‌ما‌ توحى ‌به‌ ‌من‌ معنى اللطف ‌و‌ الكرم ‌و‌ الرحمه ‌فى‌ ذاتك.
 اشغل السنتنا بشكرك عن كل شكر، فلا نرى للنعمه مصدرا غيرك، لان ايا ‌من‌ المخلوقين لايملكون شيئا الا ‌من‌ خلال ‌ما‌ ملكتهم، ‌و‌ ‌لا‌ يعطون احدا الا مما اعطيتهم، فكل شكر عائد الى شكرك، لان كل نعمه منطلقه ‌من‌ نعمك.. ‌و‌ اذا كانت السنتنا تنطق بالشكر، فهى التعبير عن انفعال الذات بذلك، الامر الذى يتحول الى الشكر الذى يتمثل ‌فى‌ دائره الانضباط ‌فى‌ ‌خط‌ الطاعه.
 ‌يا‌ ‌من‌ طاعته نجاه للمطيعين:
 
 ‌يا‌ رب، لقد خلقتنا ‌فى‌ هذا الوجود، ‌و‌ اردتنا ‌ان‌ نعمره بذكرك ‌و‌ عبادتك، ‌و‌ جعلت لنا- ‌من‌ خلال وحيك- نظاما نتحرك فيه، ‌فى‌ دائره اوامرك ‌و‌ نواهيك، ‌و‌ اوحيت لنا ‌ان‌ الطاعه تمثل معنى الصلاح ‌فى‌ حياتنا، ‌و‌ ‌ان‌ المعصيه تمثل معنى الفساد ‌فى‌ كياننا، ‌و‌ قلت لنا: ‌ان‌ ذلك يمثل مساله المصير ‌فى‌ النتائج النهائيه ‌فى‌ وجودنا بما ‌هو‌ النجاه ‌و‌ الهلاك، ‌و‌ هذا ‌ما‌ جاء ‌فى‌ كتابكو ‌من‌ يطع الله ‌و‌ الرسول فاولئك مع الذين انعم الله عليهم ‌من‌ النبيين ‌و‌ الصديقين ‌و‌ الشهداء ‌و‌ الصالحين ‌و‌ حسن اولئك رفيقا)(النساء: 69).
 (و ‌من‌ يعص الله ‌و‌ رسوله ‌و‌ يتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها ‌و‌ له عذاب مهين)(النساء: 14).
 اننا نعرف ‌ان‌ طاعتنا لك هى المظهر الوحيد لاخلاصنا لعبوديتنا لك، ‌و‌ لكن الشيطان قد يوسوس لنا بالمعصيه، ‌و‌ يزين لنا القبيح، ‌و‌ يقودنا الى الغفله عنك، ‌و‌ يجرنا الى السير ‌فى‌ خططه، ‌و‌ الوقوع ‌فى‌ حبائله، ‌فى‌ استغلال خبيث للامكانات التى يملكها ‌فى‌ وسائله الخفيه، ‌و‌ ‌فى‌ نقاط الضعف المتناثره ‌فى‌ كياننا، فيبعدنا- بذلك- عن خطوط طاعتك، ‌و‌ ينحرف بنا عن مواقع رضاك، ‌و‌ يقربنا الى مواقع سخطك، ‌و‌ يدعونا الى طاعته ‌و‌ طاعه اوليائه، ليقودنا كما يقود كل حزبه الى عذاب السعير.
 اننا نستعين بك- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ تمنح كل اعضائنا القوه على الانضباط ‌و‌ التوازن ‌فى‌ ‌خط‌ طاعتك، لتشغلها بطاعتك عن كل طاعه، لانك انت ‌من‌ يرزقنا النجاه ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره، ‌و‌ انت ‌من‌ يرتفع بنا الى مواقع القرب منك، حيث الخير كل الخير، ‌و‌ السعاده كل السعاده ‌فى‌ رضاك.
اللهم اجعل فراغنا فراغ سلامه:
 
 ‌يا‌ رب، لقد دعوناك ‌ان‌ تشغل قلوبنا بذكرك عن كل ذكر، ‌و‌ السنتنا بشكرك عن كل شكر، ‌و‌ جوارحنا بطاعتك عن كل طاعه، لتكون قلوبنا ‌و‌ السنتنا ‌و‌ اعضاونا مشغوله بك، حاضره لديك، منفتحه عليك، حتى تبقى حياتنا معك قريبه ‌من‌ رضاك، ‌و‌ لكن ربما تتخفف النفس ‌من‌ العمل الداخلى ‌و‌ الخارجى عندما يدركها التعب، ‌و‌ يرهقها الجهد، فتعيش بعض الفراغ الذى يريح العقل ‌و‌ القلب ‌و‌ الجسد، حتى تعود- بعد ذلك- لمرحله جديده ‌من‌ العمل ‌فى‌ ‌خط‌ مسوولياتها الماديه ‌و‌ الروحيه، بعد ‌ان‌ تاخذ قسطا ‌من‌ الراحه، ‌و‌ بعضا ‌من‌ القوه، ‌و‌ هذا ‌ما‌ قدرته ‌فى‌ تركيبتنا الجسديه عندما القيت علينا النوم ليكون لنا راحه ‌و‌ قوه، ‌و‌ ‌ما‌ اطلقته ‌فى‌ تشريعك ‌من‌ ترويح القلوب ‌و‌ الاجساد، لان القلوب تمل كما تمل الابدان، مما يجعل الراحه امرا حيويا ضروريا للاستمرار ‌من‌ اجل تجديد النشاط ‌و‌ القوه.
 ‌و‌ لكن للفراغ ايحاءاته التى قد تدخل فيها وساوس الشيطان، كما ‌ان‌ له مشاكله التى قد تجعل النفس وجها لوجه امام افكار السوء التى تقود الى الانحراف ‌فى‌ غياب الشغل الجدى الذى يصرف عنها تلك الافكار، لان الخير اذا لم يملا الفراغ بالعمل، فان الشر سوف ياخذ مكانه فينحرف ‌به‌ ‌فى‌ الاتجاه الخاطى ء، ‌و‌ للفراغ ملله ‌و‌ سامه عندما يتحول بالنفس الى حاله ‌من‌ الضجر ‌و‌ الكسل الذى يودى الى النتائج السلبيه، بحيث يبعدها ‌فى‌ المستقبل عن الرغبه ‌فى‌ العمل، كما نلاحظ ذلك ‌فى‌ البطالين الذين اعتادوا على الفراغ، فكانت حياتهم نوما ‌و‌ كسلا ‌و‌ ضجرا ‌و‌ استرخاء بعيدا عن روح الجد ‌و‌ المسووليه.
 ‌و‌ هذا ‌ما‌ حذرت منه الاحاديث الوارده عن ائمه اهل البيت (ع)، فقد روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن ابى بصير عن ابى عبدالله جعفر الصادق (ع) قال:
 «ان الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ يبغض كثره النوم ‌و‌ كثره الفراغ».
 ‌و‌ روى بسنده عن بشير الدهان قال: سمعت اباالحسن موسى الكاظم (ع) قال: «ان الله يبغض العبد النوام الفارغ».
 ‌و‌ روى- ايضا- بسنده (ع) سعد ‌بن‌ ابى خلف عن ابى الحسن موسى (ع) قال: قال ابى«جعفر الصادق» لبعض ولده:
 «اياك ‌و‌ الضجر ‌و‌ الكسل، فانهما يمنعانك حظ الدنيا ‌و‌ الاخره» ‌و‌ قال: «اياك ‌و‌ خصلتين: الضجر ‌و‌ الكسل، فانك ‌ان‌ ضجرت لم تصبر على ‌حق‌ ‌و‌ ‌ان‌ كسلت لم تود حقا».
 اننا ‌لا‌ نريد الفراغ استغراقا ‌فى‌ المعصيه التى نتحمل مسووليتها- غدا- بين يديك، ‌و‌ ‌لا‌ ساما ‌و‌ مللا يفسد ‌و‌ عينا للخط المسوول الجاد ‌فى‌ حياتنا، بل نريده انطلاقه تامل، ‌و‌ تخففا ‌من‌ جهد ‌و‌ استرخاء ‌فى‌ الراحه ‌و‌ تجديدا للنشاط، ‌و‌ حافزا ليوم عمل جديد، ليكون الفراغ مقدمه للعمل، ‌و‌ نافذه على المسووليه، ‌لا‌ بديلا عنهما.
 اننا نفكر بذلك- ‌يا‌ رب- ‌و‌ نتطلبه، لتكون حياتنا مملوءه بالحسنات خاليه ‌من‌ السيئات، لان ذلك ‌هو‌ الذى يوكد لنا التوازن ‌فى‌ حركه الشخصيه الاسلاميه ‌فى‌ الخط الذى يحمينا ‌من‌ الانحراف ‌و‌ يودى بنا الى الشعور بالامان ‌فى‌ حسن العاقبه.
 اننا نعلم- ‌يا‌ رب- انك جعلت لكل واحد منا ملكين، كاتبين، يكتب احدهما حسناتنا، ‌و‌ يكتب الاخر سيئاتنا، لذا اننا نريد- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ تكون اوقات اعمالنا ‌فى‌ طاعتك، ‌و‌ اوقات فراغنا ‌فى‌ رضاك، فلا يرى كتاب الحسنات منا الا النتائج التى تملاهم بالسرور عندما يرون صحيفه الحسنات مملوءه بحسناتنا، اما كتاب السيئات فينصرفون دون ‌ان‌ يكتبوا سيئه واحده، ‌و‌ ذلك ‌هو‌ الفوز العظيم.
اللهم اجعل ختام حياتنا توبه مقبوله:
 
 تلك هى- ‌يا‌ رب- امنياتنا ‌و‌ دعواتنا عندما تنطلق الحياه بنا ‌فى‌ امتدادها، ‌فى‌ حركه العمر الذى يحمل ‌فى‌ داخله الامل الطويل.. ‌ان‌ نكون ‌من‌ عبادك الصالحين الذين يعيشون ‌فى‌ نطاق المسووليه الجاده، ‌و‌ لكن لكل بدايه نهايه، ‌و‌ لكل نفس اجل، هناك تضيق الحياه فلا تبقى لنا الا نافذه صغيره منها، ‌و‌ تتضاءل الفرصه فلا نملك منها الا الشى ء القليل، ‌و‌ ذلك عندما تنقضى ايام حياتنا، ‌و‌ تتقطع مدد اعمارنا، ‌و‌ تاتى الساعه الاخيره، ‌و‌ تنطلق الدعوه ‌من‌ الله الى ‌ان‌ ننتقل ‌من‌ دار الدنيا الى دار الاخره... ‌و‌ هى الدعوه الحاسمه التى ‌لا‌ مجال للعباد الا ‌من‌ اجابتها، لانها سنه الله ‌فى‌ الكون الذى قضى على جميع عباده بالموت، ‌و‌ كلهم صائر اليه، فكيف يكون الموقف، ‌و‌ كيف تكون النهايه؟
 اننا نتوسل اليك ‌ان‌ تاتينا ساعه الموت الاخيره، ‌و‌ نحن ‌فى‌ حال الطاعه ‌لا‌ حال المعصيه، ‌و‌ ‌فى‌ حاله التوبه الخالصه التى تمثل الامتداد الحى لايماننا بك ‌و‌ طاعتنا لك، ‌و‌ التى تحصل على القبول منك، لانها ليست التوبه الطارئه التى كانت نتيجه الرعب المفزع لحظه معاينه الموت ‌فى‌ عمليه هروب ‌لا‌ معنى له ‌فى‌ عمق الوعى، ‌و‌ ‌لا‌ غناء له ‌فى‌ حجم النتائج، بل هى التوبه العميقه التى تنطلق ‌من‌ الخوف ‌من‌ مقامك، ‌و‌ ‌من‌ الرغبه ‌فى‌ نهى النفس عن الهوى، ‌من‌ موقع الاختيار الهادى ء الذى ينطلق ‌من‌ حسابات الفكر الدقيقه، على اساس القناعه الذاتيه بالموقف، ‌و‌ التصميم الحاسم ‌فى‌ الحصول على جنه الله ‌و‌ رضوانه.
 ‌و‌ ‌فى‌ ضوء ذلك، فان التوبه لاتحمل معنى الهروب، بل تمثل معنى الاراده الفاعله التى تجعلنا نواجه الموقف بقوه، ‌من‌ خلال الطمانينه الهادئه الامنه بان الله قد الغى لنا كل ذنوبنا، ‌و‌ جعلنا ننفتح على يوم القيامه كمن ‌لا‌ ذنب له، فلا يوقفنا على ذنب اكتسبناه ليونبنا ‌او‌ ليبكتنا عليه، ‌و‌ ‌لا‌ معصيه اقترفناها ليعذبنا عليها هناك عندما يقوم الناس لرب العالمين،
ليبلو اخبارهم، ‌و‌ ليفضح اسرارهم، ‌و‌ يكشف استارهم. اننا نتوسل اليك، ‌و‌ انت الذى سترت علينا ‌ما‌ فعلناه، فلم تطلع عليه احدا ‌من‌ هولاء الذين جعلتهم شهداء على خلقك، ‌ان‌ تديم لنا هذه الرعايه الالهيه، لتستر علينا ‌فى‌ الاخره كما سترت علينا ‌فى‌ الدنيا، لاننا انطلقنا ‌من‌ مواقع الخطيئه الى مواقع التوبه.
 
لقد دعوناك- ‌يا‌ ارحم الراحمين- فارحمنا، ‌و‌ لقد ناديناك- ‌و‌ انت الذى تستجيب لنداء المومنين ‌من‌ عبادك- فاجبنا، انك رحيم بمن دعاك ‌و‌ مستجيب لمن ناداك.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

دعاوه فى الصلاه على حمله العرش و كل ملك مقرب
دعاوه فى الالحاح على الله تعالى
دعاوه فى یوم الاضحى و یوم الجمعه
دعاوه اذا استقال من ذنوبه
دعاء دخول شهر رمضان
دعاوه عند الصباح و المساء
دعاوه فى طلب العفو و الرحمه
دعاوه لنفسه و اهل ولایته
و كان من دعائه (علیه السلام) بعد الفراغ من صلاه ...
دعاوه عند الشده و الجهد و تعسر الامور

بیشترین بازدید این مجموعه


 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^