دعاوه اذا اعتدى عليه او راى من الظالمين ما لا يحب
الاسلام حركه عدل فى الحياه:
للظلم فى المفهوم الاسلامى، معنى واسعا يمتد بامتداد الحق فى الحياه، عندما يكون السلوك تجاوزا له و تعديا عليه و عملا بخلافه، فالانسان قد يظلم نفسه بالكفر و المعصيه لانه يبعدها عن الحق و يعرضها للهلاك و للعذاب الدائم، و قد يظلم ربه، بالشرك به، او بالكفر به او بمعصيته له، و قد يظلم الناس افرادا و جماعات عندما يعتدى عليهم بمختلف الوان العدوان، بفعل ما يملكه من القوى و الظروف او الوسائل التى تمكنه من التعدى على حقوقهم الخاصه و العامه بظلم الحياه من حوله، عندما يعرضها للفساد و الاهتزاز و السقوط.
و الاسلام يرفض الظلم كله، جمله و تفصيلا، من كل احد، و يريد للانسان ان يربى نفسه على انكاره بقلبه و بلسانه و بيده، و يبتعد عنه بكل جهده، سواء كان ذلك من نفسه فى ظلمه للاخرين، او من غيره فى ظلم الناس لبعضهم البعض، و يرى ان الرضى بالظلم، او الاعانه عليه، يمثل لونا من الوان الشراكه للظالم فى ظلمه، لانه يهيى ء له الاجواء النفسيه او العمليه التى تقوى روحيته او تدعم موقفه، و يشجب الذين يعملون على تقديم الاعذار للظالم فى ظلمه.
و يوجه الناس الى مواجهه الظالم بكل قوه، فى مواقع القدره على ذلك، و عدم الركون اليه فى كل اعماله و مواقعه و مواقفه، و يوكد ان العدل هو اساس الحياه، و سر ارسال الرسل و انزال الكتب، لان الله حدد المهمه الكبرى للرسل و الرسالات بقيام الناس بالقسط، و لذلك اراد للناس ان يعدلوا فى قولهم، حتى مع ذوى القربى، او ان يشهدوا الله و لو على انفسهم او الوالدين و الاقربين.
و ان لا تمنعهم العداوه من العدل مع اعدائهم، فللعداوه منطقها و احكامها التى لا تسمح بالانحراف عن خط العدل، و للعدل منطقه الذى ينطلق الى غايته، فتسقط كل الحواجز امامه.
و هكذا اختصر الله رسالته بانها حركه عدل.
و الدعاء على الظالمين، و الاستعانه بالله عليهم، يمثل الخط الروحى فى المنهج التربوى الاسلامى الذى لا يريد للانسان المومن ان يقف حائرا امام اعتداء الاخرين عليه او على من حوله او مواجهه الظالمين له بما لا يحب، فى شعور بالانسحاق الذى يسحق الشخصيه، و يقتل الروح، و يشل الاراده، و يملا النفس بالشعور العاجز الذى يوحى له بانه مجرد حشره صغيره ضعيفه تسحقها اقدام الاقوياء.
بل يريد له ان ينظر الى الظالمين نظره حاسمه من موقع الرفض، و ان يتطلع الى ما يملكونه من قوه بطريقه طبيعيه تحسب الامور بحساب المعطيات الواقعيه فى النظام الكونى فى حسابات موازين القوه و الضعف، و تثير الايحاء الداخلى بان المظلوم اذا لم يستطع مواجهه الظالم بالاخذ بحقه منه او بالقضاء عليه او على مواقع ظلمه، فان ذلك لا يعنى ان الحياه تمثل الفرصه المطلقه للاقوياء الظالمين لان الضعفاء لا يملكون الوقوف امامهم بالقوه نفسها، بل كل ما هناك ان الظروف المعينه، فى طبيعه قانون السببيه فى الكون، فى علاقه المسببات باسبابها، فرضت بعض الخلل فى حركه الواقع فى مدى محدود، و ان الظالم يملك فى داخله بعض عناصر الضعف، بل ربما يكون الظلم تنفيسا عن عقده ضعف فى ذاته، كما ان المظلوم قد يملك بعض عناصر القوه فى شخصيته او فى ظروفه.
و قد تكون المشكله فى كثير من الحالات ان المظلوم لا يفكر فى عناصر قوته، بل يستغرق فى التفكير فى عناصر ضعفه مقارنه بعناصر قوه الظالم، فيودى ذلك الى الهزيمه الروحيه قبل بدء المعركه، مما يجعل السقوط فيها نتيجه طبيعيه لذلك.
الدعاء اسلوب لاعاده القوه الى الروح:
و هنا تكمن قيمه الدعاء فى الفكره التى توحى له بالقوه الالهيه التى هى وراء كل قوه، فالله هو القوى العزيز، الذى يملك القوه جميعا، و العزه جميعا، و هو الذى اعطى الاقوياء قوتهم، و هو القادر ان ياخذها منهم او يضعفها فيهم، تبعا لمواقع الحكمه فى خلقه و فى فعله.
و اذا كان الخط العقيدى يتحرك فى هذا الاتجاه، فان شعور الانسان بالضعف الذاتى لا يودى الى انسحاقه امام الاقوياء، بل يحوله الى التطلع الى الله للاستعانه به على هذا القوى الظالم او ذاك، بحيث يشعر بان قوه الله تدعم قوته، و تقوى ضعفه و تحميه من الظالم، فتمتلى ء روحه بقوه روحيه جديده، و تتحرك فى كيانه عوامل الثبات التى تثبت له موقفه فى مواقع الاهتزاز، و تقوى له حركته فى مواقع الضعف، و هذا ما نستوحيه من حديث الله عن النبى محمد (ص) فى ليله الهجره: (اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا)(التوبه: 40).
فقد كان يعيش- فى ايمانه بالله- المناعه الروحيه التى يواجه فيها الموقف بطريقه الثبات الحازم، و يريد لصاحبه ان يعيش هذه المناعه بتذكيره بموقع الله فى مضمون الايمان.
و هذا ما نستلهمه من قول الله تعالى:
(الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل فانقلبوا بنعمه من الله و فضل لم يمسسهم سوء و اتبعوا رضوان الله و الله ذو فضل عظيم انما ذلكم الشيطان يخوف اولياءه فلا تخافوهم و خافون ان كنتم مومنين)(آل عمران: 175 -173).
فالقوه المضاده لا تسقط الضعفاء من خلال الاستغراق فى الموقف على اساس اختلال التوازن، بل ترتفع بالانسان ليكون فى الموقف الاعلى بايمانه بالله عندما يتوكل على الله و يلجا اليه و يستمد منه القوه، لتبقى له كل عناصر الثقه التى تمنع تاثره بتخويف المخوفين الذين يلجاون الى منطق الشيطان (ان كيد الشيطان كان ضعيفا)(النساء: 76)، و لتربطه بالخوف من الله الذى لا يريد للمومنين ان يخافوا من غيره فى موقف حرب او سلم، لان الايمان يرفعهم الى الدرجات العليا فى الروح و العزيمه و الموقف و النتائج... و لو بعد حين.
و هكذا ياتى الدعاء فى حالات العجز المادى كعنصر من عناصر التعبئه الروحيه التى تعيد للانسان الثقه، و تقوده نحو الثبات، و تودى به الى القوه او تدفعه الى الشعور بانه اذا لم يكن بمقدوره ان يهزم الظالمين و يدفعهم عن نفسه و عمن حوله، فان الله قادر على ذلك، و فاعل لذلك- بحسب حكمته- و لذلك فان المشكله عنده لا تتحول الى عقده عمليه او الى هزيمه نفسيه.
و لا بد من التاكيد على ان الدعاء ليس بديلا عن الحركه الجهاديه التى تواجه الظالم او القوه الدفاعيه التى تطرد القوى، بل هو اسلوب لاعاده القوه الى الروح، و تثبيت الاقدام فى مواقع الاهتزاز، و اعاده الثقه بالنفس من خلال الثقه بالله.
و لذلك فان المجاهدين يتطلعون الى الله و هم فى ساحه الجهاد، و يستعينون به و هم يتحركون بقوه فى خط المواجهه، و يبتهلون اليه- من هذا الموقع- ان ينصرهم على القوم الكافرين.
ان التربيه الاسلاميه تريد ان تجعل من الدعاء حركه فى داخل الذات المومنه، لتوحى للانسان بانه ليس وحده فى الحياه و لكن الله معه، و ان عليه ان يكون مع الله، و يعمل على اساس حركه سننه فى الكون، و يطيع اوامره فى حركه التحدى ضد القوم الظالمين، و يختزن فى نفسه ان الله هو اساس القوه فى كل شى ء، و ان كل قوى ضعيف امام الله، و ان كل ضعيف قوى بالله، و ان عليه ان يتوكل على الله فى كل اموره، و ان يكون واثقا بقدره الله و حكمته فى الامور كلها، فقد جعل الله لكل شى ء قدرا.
يا من لا يخفى عليه انباء المتظلمين، و يا من لا يحتاج فى قصصهم الى شهادات الشاهدين، و يا من قربت نصرته للمظلومين، و يا من بعد عونه عن الظالمين، قد علمت- يا الهى- ما نالنى من فلان بن فلان مما حظرت، و انتهكه منى مما حجزت عليه بطرا فى نعمتك عنده، و اغترارا بنكيرك عليه.
اللهم فصل على محمد و آله، و خذ ظالمى و عدوى عن ظلمى بقوتك، و افلل حده عنى بقدرتك، و اجعل له شغلا فيما يليه و عجزا عما يناويه.
اللهم و صل على محمد و آله، و لا تسوغ له ظلمى، و احسن عليه عونى، و اعصمنى من مثل افعاله، و لا تجعلنى فى مثل حاله.
يا من بعد عونه عن الظالمين:
يا رب، مهما ازدحم الضباب على عقول الناس، فان الايمان بك يبقى هو النور الذى يمنحنا وضوح الرويا و سط الضباب، فيزيح الضباب عن عقولنا، و مهما استغرقتنا الاوهام، فطافت بنا فى الكهوف المظلمه و الاغوار السحيقه، فان معرفتنا لك تشدنا الى الاعالى و ترتفع بنا الى مطلع الشمس، و تغسل كل ظلمات قلوبنا بطهاره الضياء.
يا رب، قد تطرقنا المظالم فى الحياه، و قد يسحقنا الاقوياء فى مواقعهم الطاغيه، و قد تتحرك بنا نوازع الضعف، فتوحى الينا بالسقوط، و تطوف بنا تهاويل الياس فتودى بنا الى الهزيمه، فنفقد رويه القوه فى مواقع العظمه من ذاتك، و نبتعد عن منابع القدره فى كل السنن الكونيه فى خلقك، و لكننا نعود اليك و انت الاله القوى القادر، لنجد عندك كل القوه و الامل و السمو و العنفوان.
من انت- يا رب- فى موقع المعرفه فى حركه الظلم فى الحياه؟
انت الذى لا تخفى عليك انباء المظلومين المتظلمين اليك، لانك العالم باسرار الخلق فى كل خفاياه، و ببواطن الانسان فى كل افعاله، و انت الذى تعلم السر و اخفى، و تعلم وساوس الصدور، و هكذا تعرف الظالم من المظلوم، و نوعيه الظلم و حركته و ظروفه و ابعاده و وسائله و غاياته، فلا يغيب عنك من ذلك شى ء، و اذا كانت الحقيقه فى معرفتك بهذا المستوى و فوق ذلك،
فلماذا تحتاج فى قصصهم الى شهادات الشاهدين؟ فان للشهاده دورها فى معرفه الحقيقه الخفيه، فاذا كانت واضحه كالشمس فما معنى الشهاده، و ما دور الشاهدين؟!
هل هى لتسجيل الموقف امام النظاره فى مجلس المحكمه ليقتنعوا بان الحاكم عادل، و ان الحكم لم يتجاوز خط العدل؟
و لكن، من ذا يشك فى عدلك؟ و من ذا يتوقف فى علمك؟ و من هم النظاره؟ و ما قيمتهم؟ و ما مدى تاثيرهم؟ و الحكم حكمك، و العدل عدلك، و الامور كلها منك و اليك.
و انت الذى قربت نصرته من المظلومين، و بعد عونه عن الظالمين، لانك اردت للحياه ان تقوم على العدل، و اردت لرسلك ان ينطلقوا ليدافعوا عن المظلومين فى الحياه و يحاربوا الظالمين، و اوحيت لبعض رسلك الذى كان يعيش فى مملكه جبار من الجبارين- كما ورد فى حديث ائمه اهل البيت (عليهم السلام)-«ان ائت هذا الجبار فقل له: اننى لم استعملك على سفك الدماء و اتخاذ الاموال، و انما استعملتك لتكف عنى اصوات المظلومين، فانى لم ادع ظلامتهم و ان كانوا كفارا».
و هذا الذى يجعل الظالم بعيدا عنك و ان كان مسلما، او المظلوم قريبا الى نصرتك و ان كان كافرا.
و قد جاء فى كتابك:(لنهلكن الظالمين)(ابراهم: 13). و (الا لعنه الله على الظالمين)(هود: 18).
و هكذا ينطلق و عينا الايمانى لينفتح على ان علمك يشرف على كل واقع الظلم فى الحياه، فلا يغرب عنه مثقال ذره منه، و ان ارادتك تتحرك فى خط حكمتك للدفاع عن المظلومين و لاهلاك الظالمين، الامر الذى يجعل شعورنا بالثقه، و احساسنا بالحمايه، من موقع العقيده الثانيه فى كل كياننا الانسانى.
و انت الذى قربت نصرته من المظلومين، و بعد عونه عن الظالمين، لانك اردت للحياه ان تقوم على العدل، و اردت لرسلك ان ينطلقوا ليدافعوا عن المظلومين فى الحياه و يحاربوا الظالمين، و اوحيت لبعض رسلك الذى كان يعيش فى مملكه جبار من الجبارين- كما ورد فى حديث ائمه اهل البيت (عليهم السلام)-«ان ائت هذا الجبار فقل له: اننى لم استعملك على سفك الدماء و اتخاذ الاموال، و انما استعملتك لتكف عنى اصوات المظلومين، فانى لم ادع ظلامتهم و ان كانوا كفارا».
و هذا الذى يجعل الظالم بعيدا عنك و ان كان مسلما، او المظلوم قريبا الى نصرتك و ان كان كافرا.
و قد جاء فى كتابك:(لنهلكن الظالمين)(ابراهم: 13). و (الا لعنه الله على الظالمين)(هود: 18).
و هكذا ينطلق و عينا الايمانى لينفتح على ان علمك يشرف على كل واقع الظلم فى الحياه، فلا يغرب عنه مثقال ذره منه، و ان ارادتك تتحرك فى خط حكمتك للدفاع عن المظلومين و لاهلاك الظالمين، الامر الذى يجعل شعورنا بالثقه، و احساسنا بالحمايه، من موقع العقيده الثانيه فى كل كياننا الانسانى.
و ها انا- يا رب- عبدك المظلوم، الجا اليك لاقدم شكواى لا لازيدك معرفه بظلامتى، و لكن لاعبر لك عن ارتباطى بك، و انفتاحى عليك، فقد علمت- يا الهى- ما نالنى من هذا الانسان الظالم، فى ما ظلمنى به فى نفسى و اهلى و مالى و عرضى و ولدى، من الاعمال و الاقوال التى حرمتها عليه، و فى ما انتهكه من حرمتى مما حجرت عليه و منعته منه، لانه راى فى غناه ما يبرر له ذلك، و فى قوته ما يبيحه له، و فى كل النعم التى اغدقتها عليه بطرا و طغيانا، فلم يخف من عقابك، و لم يحذر من نقمتك، بل اعتبر ذلك كله كرامه منك عليه، و تشريعا لمقامه لديك، كما لو كنت قد سلطته على ذلك.
و ربما اغتر بنكيرك عليه فيه، و نهيك اياه عن فعله، فاجترا عليك فى لون من الوان الاستهانه بالجديه فى ذلك، او فى امن من النتائج السيئه المترتبه عليه، فلم يتحفظ فى افعاله، و لم يخف من عواقب نهيك، بما يودى اليه ظلمه من غضبك و سخطك.
اننى- هنا- استعين بك عليه، فاذا كنت لا املك القدره الفعليه على منع ظلمه عنى، لانك اعطيتنى قدره محدوده لا تتوازى مع قوته، فان قوتك تستطيع ان تمنعه عن ذلك و ان تضعف كل قوته فى هذا الاتجاه.
و اذا كان يملك السلاح القاطع الذى يستطيع ان يحاربنى به فى الوقت الذى لا املك فيه سلاحا مماثلا ادافع به عن نفسى ضده، فاننى اسالك ان تكسر حد سلاحه، فلا يستطيع بعد ذلك ان يشهره على او يحاربنى به.
و اذا كان يجد الفراغ الذى يسمح له بمحاربتى، و القدره التى تدفعه الى ظلمى، فانى اسالك ان تشغله عنى بمشاكله و اوضاعه، بحيث لا يتمكن امام ذلك كله من ان يتفرغ لى او لظلم اى عبد من عبيدك، فتحطم قدرته لتجعل موقعه موقع العجز مما يفكر فيه او يستهدفه من الاعمال الشريره الظالمه.
و اعود من جديد لابتهل اليك ان لا تسهل له الوسائل التى تمنحه القدره على ظلمى و تدفعه الى التمادى فى ذلك و الاصرار عليه، بل اجعل له وسائل اخرى مضاده لتعقيد الامور من حوله.
و امنحنى القوه التى تساعدنى فيها على ان اواجهه بمثل قوته او باكثر منها، حتى اكون فى الموقع الذى يحقق لى الانتصار بعونك.
اللهم، و انى لا افكر بالمساله من ناحيه الذات، بل افكر بها من ناحيه المبدا، فاذا قدرت لى ما قدرت له من القوه و السلطه و الظروف الملائمه، فانى اسالك العصمه من ان تقود بى النفس الاماره بالسوء، فيوسوس لى شيطان الغوايه بان امارس بعض افعاله فى ظلم العباد، او اكون فى مثل حاله من اوضاع الفساد.
اللهم فكما كرهت لى ان اظلم، فقنى من ان اظلم:
يا رب، و تستمر افكارى فى الاجواء الصعبه التى تحيط بى فى مواقع الظلم فى خط المواجهه بينى و بين ظالمى، لا بقى فى توسلاتى اليك بالدعم و الرعايه و القوه لتنصرنى عليه نصره عاجله سريعه، تنفس عما فى نفسى من الغيظ الذى عشته فى احساسى بالقهر فى محاولته لاذلالى، و هجومه على لاسقاطى، و تشبع الحاله النفسيه الصعبه التى تضغط على فى النتائج القاسيه للظلم. و ليست المساله- يا رب- مساله حقد ذاتى دفين ضده، او عقده نفسيه تجاهه، و لكنها المشكله الصعبه التى اوقعنى بها، و العدوان الشديد الذى وجهه الى، بحيث كانت انسانيتى مقهوره تحت تاثير ضغوطه، مما جعل من القضيه قضيه شر لا بد من التخلص منه، و حاله سوء لا بد من اخضاعها، فلم يكن الغيظ الذى يتطلب الشفاء موجها الى ذات الانسان فيه، بل الى عنصر الظلم فى شخصيته، ليكون اذلاله اذلالا لظلمه، و الانتصار عليه انتصارا على ظلمه، فلا معنى للعفو عنه بعد ان كان مصرا على الاستمرار فى الظلم، لان موقع العفو فى خط التوازن الاخلاقى فى الاسلام، هو ان لا يكون العفو مضرا بالمعفو عنه، او بالواقع الذى يتحرك فيه، لان العفو لا يكون حينئذ احسانا، بل اساءه اليه او الى الواقع كله.
اللهم، و اذا كنت قد وقعت تحت تاثير ظلمه، و عجزت عن مواجهته، فلا تجعلنى اواجه قسوه ظلمه لى، و خطوره غضبك على، فى ما واجهته من الانحراف عنك، فاعطنى من عفوك ما يعوضنى عن نتائج الظلم و فظاعتها، لا تخفف بذلك من التاثيرات القاسيه على مما تحمله نفسى من حاله القهر و الالم.
و اذا كنت قد تاثرت بسلوكه السيى ء معى، و صنيعه الشرير تجاهى، فابدلنى بذلك رحمتك، لتكون الضماد لجراحى، و الدواء لالامى، لان لمسه الرحمه فى حياتى منك تزيل كل مشاكلى فى الحياه، ان كل مكروه يصيبنى بالحياه لا قيمه له امام خطوره سخطك، فانه المكروه الذى لا مكروه مثله، لانه يمثل انسحاق المصير فى الدنيا و الاخره.
و ان كل مصيبه لا تاثير لها على، فوجودها و عدمها سواء عندى اذا لم اقع تحت تاثير غضبك، فانه المصيبه التى لا مصيبه مثلها.
اللهم اننى اكره الظلم كله، لانه لا يتناسب مع انسانيه الانسان التى اكدتها من خلال ما قررته من تكريم بنى آدم، كما لا ينسجم مع خط التوازن الذى يمثله العدل الذى يجسد الاستقامه فى الحياه، الذى اردت للحياه ان تستقيم من خلاله..
و اذا كنت اكره ظلم الاخرين لى، فانى اتوسل اليك ان تقوى انسانيتى، فلا اسقط تحت تاثير نقاط الضعف فى نوازع النفس الاماره بالسوء، فلا تجعلنى ممن يكره الظلم من الاخرين و يرضاه لنفسه ضد الاخرين، بل اجعلنى ممن يكره الظلم من نفسه فلا يظلم الاخرين كما يكرهه من غيره، لاكون انسان العدل فى خط رضاك على اساس وحده المبدا لا اختلاف التفاصيل.
ان شكواى اليك لا تسقط عزه نفسى و لا تثقل عنفوانها، لانها شكوى المخلوق الذى يستمد كل حيويه عمره و فاعليه حياته منك، فذلك هو الامر الطبيعى فى حركه وجودى، اما شكواى الى سواك، فانها تحطم كبريائى، و تهدم مقامى، لان شكوى المخلوق الى المخلوق سفه من رايه، و ضله من عقله، و تاكيد لضعفه.
اننى- يا رب- لا استعين، عندما اعجز عن تركيز امورى المهمه فى الحياه بقدراتى الذاتيه، بحاكم غيرك، ممن يملك القوه و السلطه و القدره، لانه لا قيمه لاى شخص امامك، و لا قوه لحاكم غيرك، لان كل المخلوقين محكومون لك، خاضعون لسطوتك، تعاليت- يا رب- ان يكون هناك حاكم غيرك و حاشا مجدك و وحدانيتك ان يكون لك فى الوجود شريك سبحانك- يا رب-.
هذا دعائى- يا رب- النابع من عمق قلبى، فاقرنه بالاجابه كما وعدت، و هذه شكواى من ضغط الواقع الذى يطبق على، فاقرنه بتغيير حياتى من حال الضيق الى السعه، و من الشده الى الرخاء، و من العسر الى اليسر، و من الظلم الى العدل، لان- بيديك- تغيير الواقع، و تغيير الانسان.
اللهم خفف عنى ثقل الظلم، و عرفنى حسن الاجابه:
يا الهى، قد يصاب الانسان المبتلى بالظلم و بغيره من انواع البلاء، فى ضغوط الناس عليه، بالقنوط، عندما تمر الايام و الليالى، و هو بعيد عن الطاف عافيتك، و وسائل فرجك، فيخيل اليه انك قد اهملته و ابعدته عن عين رعايتك، فيفقد امله بالخروج من المازق، و يحس احساس الطريد من رحمتك، افتح لى- يا رب- نافذه الرجاء، و تعهد حياتى باللطف، و خفف عنى ثقل الظلم، و لا توقعنى فى الاختبار الصعب و الفتنه الخانقه، فيبعدنى ذلك عن الثبات فى الخط المستقيم.
اعطنى من انصافك فى بليتى هذه كل الحل لمشكلتى، حتى اتحسس روح الرضى، و طمانينه النفس، باننى لا ازال فى عين لطفك و حمايتك.
و قد يخيل للظالم- هذا او غيره- فى ما تمد له من حبلك، و تمهله فى انتقامك، انك اعطيته الامان من عذابك، و منحته الحريه المطلقه فى القيام بما يريد، و التحرك بما يجب، فيفتنه ذلك و يجره الى الامتداد فى ظلمه، و الاصرار عليه، و الامعان فى عدوانه، و يعمل على ابطال حقى بمحاصرتى فيه، و التضييق على، او مغالبتى و منازعتى اياه، مما يشكل خطرا عليه و على الناس من حوله، لان الانسان اذا لم يلتق فى حياته بالصدمه القويه، فقد يسترخى فى اوضاعه، و يبتعد عن مواقع الخير، و يقترب من مواقع الشر.
و هكذا كان الامهال هنا، و الامهال هناك، فتنه للمومنين ليقعوا فى بعض الحالات فى قبضه الياس. اللهم افتح له ابواب اليقظه حتى يعرف سريعا ما توعدت به الظالمين من عذابك، فلا يشعر بالامن، بل يترقب بين لحظه و اخرى ان تناله بعقابك، او تنزل به بلاءك فى قراءه واعيه لقولك سبحانك:(و سيعلم الذين ظلموا اى منقلب ينقلبون)(الشعراء: 227).
و عرفنى- من خلال وعى ما انزلته فى كتابك، و اجريته فى سننك، لاقراء قولك- تباركت و تعاليت:(امن يجيب المضطر اذا دعاه و يكشف السوء)(النمل: 62)، فاعى جيدا انك و عدت المضطرين بالاجابه، فيكبر الامل فى نفسى، و يخضر الرجاء فى قلبى، بانك لا بد من ان تكشف عنى السوء، و ترفع عنى الاضطرار ان عاجلا او آجلا، فيمنعنى ذلك من القنوط، و ابقى فى انتظار الفرج مهما طال.
اللهم وفقنى لقبول ما قضيت لى و على:
يا الهى، مهما انطلق الفكر ليدرك سر حكمك فى قضائك و قدرك، فى ما قضيت به على عبادك، او قدرته من امورهم فى العافيه و البلاء، و الشده و الرخاء، و الفقر و الغنى، فانه لا يملك ان يدرك عمقه، او يفهم امتداده، فقد يخيل اليه فى البلاء انه لون من العقوبه، كما قد يخطر فى باله ان العافيه كرامه و ثواب، و قد لا تكون المساله كذلك فى طبيعتها، بل قد تكون اختبارا يختبر الله فيه عباده، ليدفعهم الى مواجهه المسووليه من الموقع الصعب، و قد تكون ظاهرا من الشر يستبطن فى داخله بعض الخير، او يكون خيرا يختزن فى اعماقه بعض الشر، لان العبره قد تكون بالنتائج لا بالمقدمات، و بالنهايات لا بالبدايات.
لذلك فان الايمان الحق يتحرك فى خط الثقه بك و بحكمتك فى عطائك و منعك، و يتعمق فى الرضى بكل ما قضيت و قدرت فى ذلك كله، و التسليم فى جميع الامور اليك.
و هذا هو ما اتوسل اليك فى توفيقى له، ان لا اتطلع فى ما قضيت لى الى ما يوافق مزاجى منه و ما ينسجم مع رغباتى معه، لاقبل ما كان لى و على، و ارضى بما اخذت لى و منى، فانى لا املك معك شيئا، فانت تملكنى و تملك ما املك، فاذا اخذت منى فقد اخذت ملكك، و اذا اخذت لى فقد وهبتنى لطفك، و اذا قضيت لى او على، فذلك هو معنى حكمتك، و ذلك هو- يا رب- مما اريد ان توكده فى نفسى من الرضى بقضائك فى كل شى ء، لتكون الحياه لدى فرصه للمسووليه لا للراحه و منطلقا لرضاك لا لرضى الذات.
اللهم انقذنى من الضلال فى ما تشتبه فيه المسالك، و وفقنى للطريقه التى هى اكثر استقامه و اعتدالا و وصولا الى الاهداف الكبيره، حتى لا تختلط الامور على، فتنحرف بى الاهواء و الاوهام الى غير ما احب، و استعملنى- يا رب- بما يحقق لى السلامه فى الدنيا و الاخره، و بما يرتفع منها فى الدرجات العليا، فى كل اعمالى و اقوالى و علاقاتى و مواقعى، ليكون الخير هو الطابع العام لكل حياتى، فلا يكون للشر فيها موضع، لانك اردت لعبادك المومنين الصالحين ان يكون وجودهم الفاعل فى حركه ارادتهم الواعيه، وجودا مباركا يعمل على انتاج الصالح العام للناس، و لا يعمل على ايقاع الفساد فى حياتهم و تدمير السلام فى ساحاتهم.
و قد يضعف الانسان عن تحقيق ذلك فى نفسه، من خلال الموثرات السلبيه المتحكمه فى ارادته، فيحتاج الى توفيقك و تسديدك ليملك القوه و الوعى على السير فى الطريق المستقيم الذى يحقق له السلامه من السقوط و الوصول الى الاهداف.
يا الهى، اننى اعرف من خلال متابعتى لسنتك فى الوجود، و حكمتك فى قضائك و قدرك للانسان، انك قد تعجل له الاخذ بحقه فى الدنيا، فتنتقم له ممن ظلمه، و ترجع اليه حقه، و قد توجل له ذلك الى الاخره فيبقى مهيض الجناح، مسلوب الحق، ضعيف الموقع...
فاذا كان اختيارك لى ان اكون من الصنف الثانى، فلا تسقط ايمانى تحت تاثير ذلك، و لا تدفعنى الى الجزع على ما وقعت فيه من المصائب، بل وفقنى لان انتظر يوم الفصل الذى تفصل فيه الخصوم الذين تجمعهم لديك، فياخذ كل انسان حقه من خصمه، فى نيه صادقه لا تدفعنى الى التحرك بعيدا عن حكمتك فى ما قد لا يتحقق الصلاح لى او للناس من حولى فى الاعداد للانتقام منه، فى الوقت الذى لا تكون الظروف فيه ملائمه لذلك، لان القضيه فى مثل هذه الامور، ليست فى الاندفاع الذاتى الذى ينطلق فيه المظلوم بشكل مباشر، و لكن فى التخطيط الواعى الذى يدرس فيه الامور بحكمه و رويه و تدقيق ليعرف موقع الصلاح من موقع الفساد، و فى صبر دائم، لا يضعف و لا يتزلزل، بل يتابع الثبات و الاصرار على تحمل آلام الحرمان فى كل الامور.
و اعذنى- يا رب- من الرغبات السيئه الخبيثه التى تدفعنى الى القيام بما لا مصلحه لى فيه، و تودى بى الى الهلاك فى ما اخذت به، و من الحرص الجازع الخائف المترقب الذى يستعجل الامور خوفا من ضياعها، فيستغرق فى اطماع الدنيا و لهوها، فلا يفكر بالاخره، و لا يترفع الى الدرجات العليا فى اخلاق النبيين و الصديقين و الصالحين من عبادك... اللهم امنحنى فى نفسى وضوح الرويه للاشياء، ليكون رضاك هو كل شى ء فى حياتى، و لتكون- انت- الهدف الاول و الاخير لى فى كل اعمالى و اقوالى و رغباتى فى الدنيا و الاخره.
و قد تكون الصوره مهتزه مشوشه ضائعه فى العقل، حائره الملامح فى القلب، فيهتز الموقف الذى تمثله الصوره فى الواقع.. و هكذا نجد ان حركه الانسان فى مسيرته خاضعه غالبا للصوره الثابته فى وجدانه.
اللهم، افتح لى فى قلبى نافذه تطل على الدار الاخره، و صور فى قلبى، من خلال الاطلاله على نتائج الخير هناك، كل مشاهد الرضوان و نعيم الجنان، فى ما اعددته للصابرين المظلومين الواعين من عبادك الصالحين من الثواب هناك.
و حرك- الى جانب هذه الصوره- صوره اخرى، من خلال الاطلال على نتائج الشر هناك، و هى صوره ما اعددته للظالمين الطاغين من عبادك، من كل مشاهد السخط لديك، و عذاب النيران عندك، فقد تطمئن نفسى بذلك، و قد يقتنع عقلى به، و تزداد ثقتى بما اخترته من خط الاستقامه الذى يودى الى مثل هذه النتائج،
آمين رب العالمين، انك ذو الفضل العظيم الذى يفيض بفضله على الوجود كله، من خلال قدرته المطلقه التى لا يعجزها شى ء و ان عظم من امور الدنيا و الاخره.