فارسی
شنبه 22 دى 1403 - السبت 10 رجب 1446
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه
0
نفر 0

دعاوه فى مكارم الاخلاق و مرضى الافعال

دعاوه ‌فى‌ مكارم الاخلاق ‌و‌ مرضى الافعال
 
 دور الاخلاق ‌فى‌ توازن شخصيه الانسان:
 
 للاخلاق معنى التوازن الحركى الداخلى ‌و‌ الخارجى ‌فى‌ شخصيه الانسان الذى تحفل انسانيته بالانفتاح على كل امتدادات سلوكياته ‌فى‌ الحياه، على مستوى ‌ما‌ يفكر ‌به‌ ‌او‌ يحلم ‌به‌ ‌او‌ يحس ‌به‌ ‌او‌ ينطلق فيه ‌من‌ اوضاع، ‌او‌ يواجهه ‌من‌ صدمات ‌و‌ تحديات، ‌او‌ يتحرك ‌به‌ ‌من‌ اعمال، ‌او‌ يتحدث ‌به‌ ‌من‌ اقوال، ‌او‌ ينفتح عليه ‌من‌ حاجات، ‌او‌ يلتقى ‌به‌ ‌من‌ احداث ‌او‌ اشخاص، ‌و‌ لذلك فان الحديث عنها ‌هو‌ حديث عن الانسان كله ‌فى‌ دوره الايجابى ‌او‌ السلبى ‌فى‌ حركه الحياه ‌فى‌ داخله ‌او‌ ‌من‌ حوله.
 ‌و‌ للاخلاق ‌فى‌ الاسلام ‌سر‌ العمق ‌فى‌ خصائصه الحركيه، ‌فى‌ مفاهيمه ‌و‌ مناهجه ‌و‌ تشريعاته، بحيث تتسع الاخلاق ‌فى‌ اتساع مفرداته الشرعيه، فنجد للعباده اخلاقيتها الروحيه، ‌و‌ للانسان ‌فى‌ طعامه ‌و‌ شرابه ‌و‌ لذته ‌و‌ حزنه ‌و‌ فرحه ‌و‌ عمله ‌و‌ كلامه ‌و‌ حركته المتنوعه، ‌فى‌ حربه ‌و‌ سلمه ‌و‌ صداقاته ‌و‌ عداواته، ‌و‌ انتاجه ‌و‌ استهلاكه ‌و‌ انفعاله بالواقع الخارجى ‌من‌ حوله، ‌و‌ خضوعه للموثرات الذاتيه ‌فى‌ داخله ‌و‌ لكل الامور المتصله بحياته ‌و‌ اخلاقه التى تتناسب مع كل مفرده ‌من‌ مفردات حياته، ‌و‌ هذا ‌ما‌ نستوحيه ‌من‌ الحديث الماثور عن النبى محمد (ص) حين قال:«انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق»، الامر الذى يوحى بان مكارم الاخلاق تمثل العنوان الكبير للرساله الاسلاميه التى بعث بها النبى محمد (ص)، تماما كما لو كانت المهمه النبويه ‌فى‌ واقع الانسان مهمه اخلاقيه، ليكون التشريع الاسلامى ‌فى‌ كل تفاصيله تعبيرا عن المفردات الاخلاقيه ‌فى‌ جزئياتها العمليه.
 حتى ‌ان‌ الاخلاق تتسع للدوافع النفسيه، ‌و‌ النيات الذاتيه، فنجد ‌ان‌ هناك دافعا غير اخلاقى الى جانب الدافع الاخلاقى ‌فى‌ موقع آخر، كما ‌ان‌ هناك نيه خيره الى جانب النيه الشريره، ‌و‌ هكذا تشمل الاخلاق حركه الكلمات ‌فى‌ حياه الانسان الذاتيه ‌و‌ حياه الاخرين، تبعا للنيه التى اطلقت الكلمه، ‌او‌ للنتائج التى تتحرك فيها، مما قد يوحى بان الاخلاق هى الحياه كلها ‌فى‌ كل مواقفها ‌و‌ مواقعها ‌و‌ علاقاتها ‌و‌ حركتها ‌فى‌ الانسان ‌و‌ ‌فى‌ الوجود كله.
 ‌و‌ للاخلاق توازناتها التى تخضع لها حدود الافعال تبعا للعناوين الذاتيه التى تكمن ‌فى‌ طبيعه ذاتياتها ‌او‌ التى تطرا عليها ‌من‌ الخارج، فقد يكون الفعل الواحد اخلاقيا ‌فى‌ حاله، ‌و‌ غير اخلاقى ‌فى‌ حاله اخرى، لان العنوان الذى انطبق عليه ‌فى‌ الحاله الاولى كان خيرا، بينما كان العنوان الاخر شريرا ‌فى‌ الحاله الثانيه، كما ‌فى‌ ضرب اليتيم الذى قد يكون قبيحا اذا كان ناشئا ‌من‌ حاله نفسيه معقده ‌فى‌ حركه الانفعال ‌فى‌ الذات، ‌و‌ قد يكون حسنا اذا كان منطلقا ‌من‌ حاله التاديب العملى، الامر الذى يجعل حركه الاخلاق ‌فى‌ افعال الانسان ‌و‌ اقواله حاله نسبيه خاضعه للواقع الذى يتمحور الفعل ‌او‌ القول فيه، فلا ‌بد‌ ‌من‌ دراسه الموضوع ‌من‌ اكثر ‌من‌ جانب ‌من‌ خلال الخصائص الكامنه فيه ‌و‌ الطارئه عليه، قبل الدخول ‌فى‌ تقويمه ‌من‌ الناحيه الاخلاقيه، ‌فى‌ الدائره الايجابيه ‌او‌ السلبيه، ‌و‌ ‌لا‌ ‌بد‌ ‌فى‌ ذلك ‌من‌ وعى الانسان للمساله الواقعيه ‌فى‌ حدود الاشياء ‌و‌ عناوينها، ‌فى‌ الافاق البعيده ‌و‌ القريبه، على مستوى الداخل ‌و‌ الخارج.
 ‌و‌ اذا كانت الاراده الانسانيه هى السبيل العملى لتاكيد المضمون الاخلاقى ‌فى‌ الشخصيه، ‌من‌ خلال العوامل الداخليه التى تترك تاثيراتها السلبيه ‌و‌ الايجابيه على الذات، فقد يكون للعامل الايمانى الروحى الدور الكبير ‌فى‌ تربيه الاراده ‌و‌ تنميتها ‌و‌ تقويتها ‌و‌ حركيتها الفاعله، ‌من‌ خلال العنصر الايحائى الذى ينقل الفكره الى الاحساس، ‌و‌ يحول الاحساس الى هزه نفسيه ضاغطه على مواقع القرار الداخلى،
و يعمق الاثر الفكرى ‌او‌ الروحى ‌او‌ الاخلاقى ‌فى‌ عمق الانسان، ‌و‌ هذا ‌ما‌ يجعل ‌من‌ الدعاء اسلوبا ايحائيا روحيا يستثير ‌فى‌ النفس كل نبضات الايمان ‌و‌ خلجاته عندما يحلق الانسان ‌فى‌ آفاق الله، حيث القدره المطلقه، ‌و‌ الرحمه الفياضه، ‌و‌ اللطف الشامل، ‌و‌ الطهاره ‌و‌ النقاء ‌و‌ الصفاء ‌و‌ الرعايه الحانيه، فيبتهل الى الله ‌فى‌ رحاب رحمته ‌و‌ قوته ليستعين ‌به‌ على كل نوازع الضعف الكامنه ‌فى‌ داخله ‌فى‌ تعبير صارخ عن الاحساس بالرغبه ‌فى‌ تقويم ‌ما‌ اعوج، ‌و‌ اصلاح ‌ما‌ فسد، ‌و‌ استقامه ‌ما‌ انحرف، ‌و‌ ‌من‌ خلال ذلك كله، يلتقى الايمان بالرغبه، ‌و‌ تنفتح الروح على الحاجه، ‌و‌ يتحول المعنى الاخلاقى ‌فى‌ الدعاء الى ابتهال يستعطف الله ‌ان‌ يوكده ‌فى‌ الذات كحاجه انسانيه، ليكون جزءا منها كما لو كان شيئا ‌من‌ ذاتياتها، فتتكامل- ‌فى‌ هذا الاسلوب الروحى- الرغبه القويه باللهفه الحاره، ‌و‌ الفكر الصافى بالعاطفه النقيه.
 ‌ان‌ التنشئه الاخلاقيه ليست مجرد حركه تدريبيه على مستوى الممارسه، ‌و‌ لكنها- بالاضافه الى ذلك- فكر يطل على آفاق المعرفه، ‌و‌ شعور يلتقى بالفكر، ‌و‌ حاله ايحائيه نفسيه ‌و‌ روحيه، ‌و‌ للدعاء دور كبير ‌فى‌ ذلك، ‌و‌ ذلك ‌من‌ خلال دلالاته المضمونيه على ‌ان‌ الانسان الداعى يقدم طلباته الاخلاقيه لله القادر على ‌ان‌ يحققها له بقدرته على اداره كل وجوده، فهو الذى يقلب القلوب، ‌و‌ يحول بين المرء ‌و‌ قلبه، ‌و‌ يثيرها ‌فى‌ ابتهالاته باعتبارها ‌من‌ خصوصياته الذاتيه، الامر الذى يترك تاثيره العميق على كل مواقع القرار ‌فى‌ شخصيته.
 
 البرنامج الاخلاقى ‌فى‌ الاسلام:
 
 ‌و‌ هذا الدعاء، يمثل جوله واسعه ‌فى‌ آفاق الحاجات الاخلاقيه التى تمثل مفردات البرنامج الاخلاقى ‌فى‌ الاسلام، ‌فى‌ تنوعه ‌و‌ شموله، ‌فى‌ الجانب الذاتى للانسان على مستوى فرديته ‌او‌ ‌فى‌ الجانب الاجتماعى المنفتح على العلاقات الانسانيه، فنلتقى ‌فى‌ البدايه بالعناوين الكبيره: الايمان، ‌و‌ اليقين، ‌و‌ النيه، ‌و‌ العمل، لينطلق الدعاء ‌فى‌ التطلع الى الحركه التصاعديه التى تعمل على الوصول الى الايمان الاكمل و اليقين الافضل ‌و‌ النيه الاحسن ‌و‌ العمل الاحسن، فيتجه الانتباه ‌فى‌ ‌خط‌ المعاناه الداخليه، ‌و‌ الممارسه الخارجيه، الى مسووليته عن الاخلاق الداخليه ‌فى‌ اعمال الداخل العقلى ‌و‌ الوجدانى ‌و‌ ‌فى‌ اعمال الخارج الحركى.
 ثم نلتقى بالتحديق الذاتى- ‌من‌ خلال اجواء المراقبه ‌و‌ المحاسبه- ‌فى‌ النقائص الاخلاقيه، للايحاء بضروره التوفر على اكمالها، ‌و‌ ‌فى‌ الاهتمامات ‌و‌ المسووليات العامه ‌و‌ الخاصه امام الله، ليفكر بضروره التوفر عليها بشكل دقيق ‌من‌ اجل الارتباط بالهدف الكبير الذى خلق الله الانسان ‌من‌ اجله، ثم يمتد ‌فى‌ الحديث عن الحدود التى تفصل بين القيمه الاخلاقيه ‌و‌ القيمه غير الاخلاقيه ‌فى‌ العمل الواحد، كالعز ‌و‌ الذل، ‌و‌ دخول العجب ‌فى‌ العباده، ‌و‌ انفتاح الغنى على البطر، ‌و‌ تعقب اعمال الخير للناس بالمن، ‌و‌ علو الاخلاق مع الفخر.
 ‌و‌ هكذا ينفذ الدعاء الى التوازن بين ‌ما‌ يحدث للانسان ‌فى‌ الظاهر ‌و‌ ‌ما‌ يتحسسه ‌فى‌ الباطن، فقد يلتقى الانسان بارتفاع الدرجه ‌فى‌ السلم الاجتماعى، ‌و‌ بالعز الظاهر ‌فى‌ حركته بين الناس، فيدفعه ذلك الى الانتفاخ ‌فى‌ الشخصيه، بحيث ينسى مواقع الضعف ‌فى‌ ذاته ‌و‌ عناصر الذل ‌فى‌ شخصيته، فينطلق الدعاء ليدفعه الى استثاره حاله الانحطاط النفسى ‌و‌ الذل الباطنى ‌فى‌ الداخل ليقف ‌فى‌ ‌خط‌ التوازن الذاتى بين نقاط القوه ‌و‌ نقاط الضعف.
 ‌و‌ تتحرك الطلبات ‌فى‌ الهدى ‌و‌ الصلاح ‌و‌ طريقه الحق ‌و‌ نيه الرشد، ‌فى‌ الخط المستمر الذى ‌لا‌ يعرضه الخلل ‌من‌ خلال الطوارى ء المتنوعه، ثم ‌فى‌ النظره الى العمر الطويل الذى ‌لا‌ يفكر فيه المومن بشكل مطلق، ليكون حلمه الاكبر ‌ان‌ يرزقه الله العمر كيفما كان، بل يفكر فيه ‌من‌ خلال انفتاحه على طاعه الله، ليكون امتداده امتدادا للطاعه التى يلتقى فيها برضوان الله، اما العمر المنفتح على الشيطان ‌فى‌ معصيه الله، الذى يلتقى فيه بسخطه، فهو العمر الذى يرفضه ‌و‌ يستعجل ‌فى‌ بلوغ نهايته قبل حلول غضب الله عليه، ‌و‌ احاطه الخطيئه به. ‌و‌ تبقى الرغبه الايمانيه ‌ان‌ يصلح له عيوبه، ‌و‌ يحسنها، ‌و‌ يكمل له كل ‌ما‌ ينقصه ‌من‌ الكلمات الروحيه.
 
و تتوالى الرغبات ‌فى‌ الطلب الى الله، بان يبدل علاقات الناس ‌به‌ ‌و‌ مواجهتهم له ‌من‌ الجانب السلبى الى الجانب الايجابى، ليحصل على محبتهم ‌و‌ مودتهم ‌و‌ ثقتهم ‌و‌ ولايتهم ‌و‌ مبرتهم ‌و‌ نصرتهم ‌و‌ اخلاصهم ‌و‌ كرم عشرتهم ‌و‌ حلاوه امنهم، بدلا ‌من‌ المواقف المضاده.
 ثم يفكر الانسان بالظالمين ‌و‌ الخصماء ‌و‌ المعاندين ‌و‌ الكيادين ‌و‌ المضطهدين ‌و‌ العائبين ‌و‌ المتوعدين، ليطلب ‌من‌ الله القدره على مواجهتهم بالقوه التى ترد ظلمهم، ‌و‌ تكسر خصومتهم، ‌و‌ تدفع عنادهم ‌و‌ كيدهم، ‌و‌ تسقط اضطهادهم، ‌و‌ تكذب تعييبهم، ‌و‌ تبطل وعيدهم.
 ‌و‌ ‌فى‌ مقابل ذلك تنطلق الرغبه ‌فى‌ الانفتاح على المرشدين ‌و‌ الناصحين بالطاعه ‌و‌ المتابعه، ‌من‌ اجل تحقيق النتائج الايجابيه التى يستهدفونها ‌من‌ تحقيق الرشد ‌فى‌ الفكر، ‌و‌ التسديد ‌فى‌ الراى ‌و‌ العمل، ‌و‌ يمتد الدعاء ‌و‌ يرتفع ‌فى‌ آفاق السمو الانسانى ‌فى‌ مواجهه المواقف السلبيه بالمواقف الايجابيه ‌من‌ المومن الداعى، فلا يقابل الغش بالغش بل بالنصح، ‌و‌ ‌لا‌ يكون ‌رد‌ فعله على الهجران هجرانا مثله بل برا، ‌و‌ ‌لا‌ يواجه الحرمان بالحرمان بل بالصله، ‌و‌ ‌لا‌ يعمد الى غيبه ‌من‌ اغتابه بذكر عيوبه، بل بذكر فضائله، كما ينفتح على الحسنه، ‌و‌ يغضى عن السيئه، ‌و‌ تتحول المساله الاخلاقيه، ‌فى‌ اللفته التعبيريه الايحائيه، الى حليه يتحلى بها الصالحون، كما هى الحلى التى يتحلى بها الناس، ‌و‌ الى زينه يتزين بها المتقون، كما هى الزينه التى يتزين بها الناس، للايحاء بان هناك زينه ‌و‌ حليه للروح، تماما كما ‌ان‌ هناك زينه ‌و‌ حليه للجسد، ‌و‌ ‌ان‌ تزيين الروح ‌و‌ تحليتها ‌لا‌ يقل عن تزيين الجسد ‌و‌ تحليته، بل هى- ‌فى‌ العمق- اكثر اهميه ‌و‌ اقوى تاثيرا ‌فى‌ حياه الانسان ‌لا‌ تصالها بقضيه المصير. ‌و‌ هذه الحلى ‌و‌ الزينه، هى بسط العدل، ‌و‌ كظم الغيظ، ‌و‌ اطفاء النائره، ‌و‌ ضم اهل الفرقه، ‌و‌ اصلاح ذات البين. ‌و‌ افشاء العارفه، ‌و‌ ستر العائبه، ‌و‌ لين العريكه، ‌و‌ خفض الجناح، ‌و‌ حسن السيره، ‌و‌ سكون الريح، ‌و‌ طيب المخالقه، ‌و‌ السبق الى الفضيله، ‌و‌ ايثار التفضل، ‌و‌ ترك التعيير ‌و‌ الافضال على غير المستحق، ‌و‌ القول بالحق ‌و‌ ‌ان‌ عز، ‌و‌ استقلال الخير ‌و‌ ‌ان‌ كثر ‌من‌ قول الانسان ‌و‌ فعله، ‌و‌ استكثار الشر ‌و‌ ‌ان‌ ‌قل‌ ‌من‌ قوله ‌و‌ فعله، ‌و‌ دوام الطاعه ‌و‌ لزوم الجماعه ‌و‌ رفض اهل البدع ‌و‌ مستعملى الراى المخترع.
 ‌و‌ نلاحظ ‌فى‌ هذه المفردات السلوكيه انها تختزن القضايا المتصله بالواقع كله ‌فى‌ الامور العامه، كما انها تحتضن القضايا المرتبطه بالعلاقات الخاصه ‌و‌ التطلعات الروحيه، ‌فى‌ مواقع السمو ‌و‌ المواقف السلوكيه ‌فى‌ حركه الواقع ‌و‌ الانسان، ‌و‌ الحالات النفسيه المنفتحه على عناصر الانفعال الايجابى ‌و‌ السلبى، الامر الذى يوحى بالشموليه الاسلاميه لكل مواقع الانسان ‌فى‌ كل اوضاعه. ‌و‌ تتنوع التوقعات، لتتنوع معها الطلبات، فقد يصل الانسان الى الشيخوخه فلا يملك القدره على تحصيل معاشه، ‌و‌ قد يتعب ‌من‌ اثقال الحياه فيقعد ‌به‌ الضعف، فيطلب ‌من‌ ربه ‌ان‌ يجعل اوسع رزقه عليه ‌فى‌ حال الكبر، ‌و‌ اقوى قوته فيه ‌فى‌ حال التعب، ليقوم بواجباته الملقاه على عاتقه، ‌و‌ قد يبتلى بالكسل عن عباده الله نتيجه الضعف ‌و‌ التعب، ‌او‌ بالعمى عن سبيل الله ‌من‌ خلال الاوضاع المعقده التى تحيط به، ‌و‌ قد تقوده الظروف ‌او‌ الحاجات ‌او‌ الضغوط القاسيه ليبتعد عن مواقع محبه الله، ‌و‌ ليجتمع مع المتفرقين عنه، ‌و‌ ليفارق المجتمعين عليه، فيلجاء الى الله ليحميه ‌من‌ كل العوامل التى تودى الى ذلك كله، ‌و‌ ذلك بان يحيطه بالرعايه التى تمنحه النشاط ‌و‌ اليقظه ‌و‌ البصيره، ‌و‌ بالوعى الروحى الذى يفتح قلبه على محبته ‌و‌ محبه اوليائه، ‌و‌ الابتعاد عن اعدائه ‌و‌ القرب الى احبائه.
 ‌و‌ يطوف الانسان ‌من‌ جديد ‌فى‌ اوضاعه المستقبليه الطارئه، فقد تضغط عليه الضروره، ‌و‌ قد تطبق عليه الحاجه، ‌و‌ تحيط ‌به‌ المسكنه، فيحتاج الى العون ‌و‌ السئوال ‌و‌ التضرع الى ‌من‌ يخلصه ‌من‌ ذلك، فيبتهل الى ربه ‌ان‌ يكون ‌هو‌ الذى يصول ‌به‌ عند الضروره، ‌و‌ يساله عند الحاجه، ‌و‌ يتضرع اليه عند المسكنه، فلا يستعين بغيره، ‌و‌ ‌لا‌ يخضع لسئوال احد سواه، ‌و‌ ‌لا‌ يتضرع الى ‌من‌ دونه، لان ذلك يودى الى خذلان الله له ‌و‌ منعه ‌و‌ اعراضه عنه، ‌و‌ هذا ‌ما‌ ‌لا‌ يتحمله الانسان المومن الذى يسعى للوصول الى نصره الله له ‌و‌ الاقبال عليه بلطفه ‌و‌ رحمته ‌و‌ كرمه.
 
و يثير الشيطان وساوسه ‌فى‌ العقل ‌و‌ القلب، ‌فى‌ الامنيات التى تتناسب مع اهوائه، ‌و‌ ‌فى‌ الهواجس التى تنسجم مع افكاره، ‌و‌ ‌فى‌ نوازع الحسد التى تلتقى مع خطواته، فيضيع العقل ‌و‌ القلب معها. ‌و‌ ياتى الدعاء ليطلب الانسان فيه ‌من‌ ربه، ‌ان‌ يبدل ذلك بحركه فكريه ‌من‌ نوع آخر، ‌فى‌ ذكر عظمه الله ‌و‌ التفكر ‌فى‌ قدرته، ‌و‌ التدبير على عدوه، فذلك اقرب الى الجديه ‌و‌ الى النتائج الحاسمه ‌فى‌ اتجاه مصلحه الانسان ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره.
 ‌و‌ قد يلقى الشيطان ‌فى‌ لسان الانسان بعض الالفاظ السيئه الفاحشه التى تعبر عن مضمون شرير ‌او‌ قذر ‌او‌ منحرف عن ‌خط‌ الاستقامه ‌فى‌ الكلمه ‌و‌ المعنى، مثل الفاظ الفحش ‌او‌ الهجر، ‌او‌ شتم العرض ‌او‌ الشهاده بالباطل ‌او‌ اغتياب المومن الغائب، ‌او‌ سب الحاضر ‌و‌ ‌ما‌ اشبه ذلك، فيبتهل الى الله ‌ان‌ يلهمه السعى لتطهير لسانه ‌من‌ ذلك كله، ‌من‌ خلال طهاره فكره ‌و‌ روحه ‌و‌ تطلعاته ‌فى‌ الحياه، فيستبدل بها النطق بالحمد لله، ‌و‌ الاغراق ‌فى‌ الثناء عليه، ‌و‌ الذهاب ‌فى‌ تمجيده ‌و‌ الشكر لنعمه، ‌و‌ الاعتراف باحسانه، ‌و‌ الاحصاء لمننه، فتلك هى الكلمات التى تزيد الانسان شعورا بعظمه الله ‌فى‌ نفسه، ‌و‌ وعيا لمقامه ‌و‌ قربا منه، ‌و‌ انفتاحا على كل مواقع النعمه لديه.
 ‌و‌ تاتى المفردات القاسيه ‌فى‌ الواقع، كالظلم ‌و‌ الضلال ‌و‌ الفقر ‌و‌ الطغيان، هذه التى تطبق على الانسان فتبتعد ‌به‌ عن سواء السبيل، ‌او‌ تسقط موقعه امام الاخرين، فقد يقع فريسه للظلم ‌من‌ قبل الاخرين الذين يظلمون الناس بغير حق، فيبتهل الى الله ‌ان‌ ‌لا‌ يمكنهم ‌من‌ ظلمه، ‌و‌ قد تدفعه نفسه الى ظلم الاخرين ‌من‌ خلال نزعه البغى عنده، فيدعو الله ‌ان‌ يقبض على مواقع قوته ليمنعه ‌من‌ ذلك، ‌و‌ قد تطوف ‌به‌ افكار الضلال ‌و‌ اهواء الانحراف فيتمنى على الله ‌ان‌ ‌لا‌ يسمح لها ‌ان‌ تطبق على فكره، ‌و‌ ذلك بان يهيى ء له سبل الهدايه، ‌و‌ ربما تضغط عليه عوامل الفقر فيبعدها الله عنه ‌فى‌ دعائه له، ‌و‌ اقراره بان كل موارد السعه عنده ‌من‌ الله، ‌و‌ قد تجمح ‌به‌ نفسه فتطغى مشاعره عندما يحس بالغنى ‌و‌ القدره، فيرجع الى الله ليعى- ‌فى‌ عمق احساسه- بان الله ‌هو‌ الذى اعطاه ذلك فكيف يطغى امامه.
 انها الروح التى تتجه الى الله ‌فى‌ كل عيوبها ‌و‌ نقائصها ‌و‌ ذنوبها لتفد الى مغفرته، ‌و‌ لتقصد عفوه، ‌و‌ لتشتاق الى تجاوزه، ‌و‌ لتثق بفضله، ‌من‌ دون شعور بالاستحقاق، لانها تفقد الاسباب الذاتيه للمغفره ‌لا‌ سيما بعد ‌ان‌ حكمت على ذاتها بالسقوط العملى، فلا مجال لها للنجاه الا بفضله.
 ‌و‌ هى ‌لا‌ تكتفى بالخلاص ‌من‌ الجو السلبى، بل تعمل للحصول على الجو الايجابى ‌و‌ ذلك بالنطق بالهدى ‌و‌ الهام التقوى، ‌و‌ التوفيق للتى هى ازكى، ‌و‌ السير بما ‌هو‌ ارضى، ‌و‌ الانطلاق بالطريقه المثلى، ‌و‌ الموت ‌و‌ الحياه على المله، ‌و‌ السير ‌فى‌ ‌خط‌ الاعتدال ‌فى‌ الانفاق، ‌و‌ التحرك على ‌خط‌ الصواب ‌فى‌ القول ‌و‌ الفعل، ‌و‌ الدلاله على الرشاد ‌و‌ الصلاح ‌فى‌ العمل، ‌و‌ الاتجاه الى مواقع الفوز ‌فى‌ المعاد ‌و‌ الخلاص ‌من‌ جهنم. ‌و‌ يستغرق ‌فى‌ داخل النفس ليطلب ‌من‌ الله ‌ان‌ ياخذ منها ‌ما‌ يخلصه ‌و‌ ‌ان‌ يبقى لها ‌ما‌ يصلحه، لان الانسان اذا وكله الله الى نفسه ‌و‌ لم يعصمه ‌من‌ نوازعها فانها تامر بالسوء ‌و‌ تقود الى الانحراف ‌و‌ تتجه الى الهلاك.
 ‌و‌ يعود الى الانفعالات الروحيه ليعبر عن تطلعاته لله ‌فى‌ مواقع ضعفه، فيلجاء اليه عند اشتداد الازمات، فيجد لديه المفزع ‌و‌ الملجاء، ‌و‌ يتطلع اليه عند الحرمان ليجد لديه موضع حاجاته، ‌و‌ يفزع اليه عند وقوع الكارثه ليستغيث ‌به‌ فيمنحه الغوث ‌و‌ الفرج، ‌و‌ يطلب منه العوض عند افتقاده بعض النعم، ‌و‌ الصلاح ‌فى‌ ‌ما‌ فسد، ‌و‌ التغيير ‌فى‌ ‌ما‌ ينكره الله ‌من‌ فعله.
 ‌و‌ هكذا يتمنى الانسان على ربه العافيه قبل البلاء، ‌و‌ الجده قبل الطلب، ‌و‌ الرشاد قبل الضلال، ‌و‌ الكفايه ‌من‌ لغو الناس ‌و‌ عيبهم ‌و‌ تعييرهم له بنقاط الضعف لديه ‌فى‌ نفسه ‌و‌ ماله، ‌و‌ الامن يوم المعاد، ‌و‌ حسن الارشاد الى الحق ‌و‌ الصواب، ‌و‌ ‌ان‌ يدراء عنه بلطفه، ‌و‌ يغذيه بنعمته، ‌و‌ يصلحه بكرمه، ‌و‌ يداويه بصنعه، ‌و‌ يظله ‌فى‌ حفظه، ‌و‌ يجلله رضاه، ‌و‌ يقوده الى الطريق الاهدى اذا اشكلت عليه الامور، ‌و‌ الى العمل الازكى اذا تشابهت الاعمال فلم يميز الخير فيها ‌من‌ الشر، ‌و‌ الى المله الارضى اذا تناقضت الملل و المذاهب ‌فى‌ افكارها ‌و‌ مداليلها، ‌و‌ يكفيه مما يشغله الاهتمام به، ‌و‌ يريد له حسن الولايه ‌و‌ صدق الهدايه، ‌و‌ يجنبه الفتنه بالسعه ‌و‌ البطر ‌و‌ الزهو ‌و‌ الخيلاء، ‌و‌ يمنحه رغد العيش، فلا يعيش الجهد ‌فى‌ عيشه، ‌و‌ الشقاء ‌فى‌ تحصيل رزقه، ‌و‌ ‌لا‌ يرد عليه دعاءه، لانه ‌من‌ اهل التوحيد الذين يوحدون الله ‌و‌ ‌لا‌ يشركون ‌به‌ شيئا، فلا يجعل له ضدا ‌و‌ ‌لا‌ يدعو معه ندا، ‌و‌ يطلب ‌من‌ الله- ‌و‌ ‌هو‌ يتحدث له عن الرزق- ‌ان‌ يمنعه ‌من‌ الاسراف ‌و‌ ‌ان‌ يحصنه ‌من‌ الاتلاف، ‌و‌ ‌ان‌ يوفر له القدره على تحريك البركه فيه، ‌و‌ ‌ان‌ يهديه للبر ‌فى‌ ‌ما‌ ينفق منه، ‌و‌ ‌ان‌ يكفيه اثقال الكسب ‌و‌ متاعبه، ‌و‌ يرزقه ‌من‌ حيث ‌لا‌ يحتسب، فلا يشغله جهد الرزق عن عباده الله، ‌و‌ ‌لا‌ توقعه مشاكله ‌فى‌ الخطيئه، ‌و‌ ‌ان‌ يحقق له الحصول على ‌ما‌ يطلبه، ‌و‌ يجيره بعزته مما يخاف منه، ‌و‌ ‌ان‌ يجنبه التجربه الصعبه التى يبتلى بها الفقراء الذين قد تدفعهم الحاجه الى استرزاق الناس الاشرار، فيودى بهم ذلك الى ‌ان‌ يجعلوا المقياس ‌فى‌ النظره الى الاشخاص، ‌من‌ خلال العطاء ‌و‌ المنع، فيحمدون ‌من‌ اعطاهم ‌و‌ ‌ان‌ كان مستحقا للذم، ‌و‌ يذمون ‌من‌ منعهم حتى لو كان مستحقا للمدح، ‌و‌ يغفلون- بالاستغراق ‌فى‌ ذلك- عن الحقيقه الايمانيه ‌و‌ هى ‌ان‌ الله ولى العطاء ‌و‌ المنع.
 ثم يطلب ‌من‌ الله ‌ان‌ يرزقه الصحه التى تتحرك ‌فى‌ ‌خط‌ العباده، ‌و‌ الفراغ الذى ينفتح على الزهد، فلا ينطلق ‌فى‌ اجواء الطمع المنحرف، ‌و‌ يمنحه العلم الذى يلتقى بالعمل، ‌و‌ الورع الذى يتوازن ‌فى‌ ‌خط‌ الاعتدال، فلا يطغى ‌و‌ ‌لا‌ ينحرف، ‌و‌ ‌ان‌ يختم اجله بالعفو، ‌و‌ يحقق امله ‌فى‌ الحصول على رحمته، ‌و‌ يسهل سبله ‌فى‌ بلوغ رضاه، ‌و‌ يحسن عمله ‌فى‌ جميع احواله، ‌و‌ ‌ان‌ ينبهه ‌فى‌ اوقات الغفله، فلا تودى ‌به‌ الى نسيان الله ‌و‌ نسيان نفسه ‌من‌ خلال ذلك، ‌و‌ ‌ان‌ يستعمله بطاعته ‌فى‌ مده العمر التى امهله الله فيها فلم يقبض روحه اليه، ‌و‌ ‌ان‌ يسلك ‌به‌ الطريق السهله التى توصله الى محبته، ليحصل بذلك على خير الدنيا ‌و‌ الاخره.
 ‌و‌ ‌فى‌ الختام تنطلق الصلاه على محمد ‌و‌ آله، لينفتح الانسان بعدها على ‌خط‌ الاسلام المتوازن ‌فى‌ النظره الى الدنيا ‌و‌ الاخره، فلا تطغى احداهما على الاخرى، فيوتيه الله الحسنه ‌فى‌ الدنيا ‌فى‌ حركه السعاده فيها ‌من‌ خلال حاجاته الطبيعيه،
و الحسنه ‌فى‌ الاخره ‌من‌ خلال الحصول على رضوان الله ‌و‌ نعيمه ‌فى‌ جنته، ‌و‌ الخلاص ‌من‌ عذاب النار.
 اللهم صل على محمد ‌و‌ آله، ‌و‌ بلغ بايمانى اكمل الايمان، ‌و‌ اجعل يقينى افضل اليقين، ‌و‌ انته بنيتى الى احسن النيات، ‌و‌ بعملى الى احسن الاعمال.
 
كمال الايمان ‌و‌ اليقين:
 
 ‌يا‌ رب، لقد اردت لنا ‌ان‌ نومن بك ‌من‌ خلال المعرفه الواسعه الشامله العميقه، التى تكشف لنا آفاق عظمتك، ‌و‌ ‌سر‌ جمالك، ‌و‌ هيبه جلالك، ‌و‌ تنفتح بنا على معنى الوهيتك، لنتفهم ‌من‌ خلالها، معنى عبوديتنا لك، ‌و‌ نتعرف على توحيدك، لنجد ‌فى‌ داخله توحيد العبوديه فينا لك، لنكتشف فيها ‌سر‌ الحريه المطلقه عندنا امام الكون كله، ‌و‌ آمنا بك ‌فى‌ قلوبنا التى تكاملت مع عقولنا، فكان العقل يحرك الفكر ‌من‌ خلال كل عناصر الحجه القاطعه، ‌و‌ كان القلب يشرب الفكره ‌و‌ يحولها الى دماء تجرى ‌فى‌ العروق، ‌و‌ نبضات تهتز ‌فى‌ الشرايين، حتى تعود الفكره جزءا ‌من‌ الذات، ‌فى‌ وعى الذات للحقيقه، تماما كما هى الدماء المنسابه ‌فى‌ كل اجزاء الجسد، ‌و‌ بذلك كان الايمان حسا داخليا يمتزج فيه الفكر بالعاطفه، فيمنح الفكر حركته ‌من‌ خلال خصوصيته الشعوريه، لان الفكر الجاف الذى لم يرتشف ‌من‌ ينابيع الشعور ‌لا‌ يستطيع ‌ان‌ يهز الانسان ‌فى‌ حركه العواصف القادمه ‌من‌ هنا ‌و‌ هناك.
 ‌و‌ ‌فى‌ ضوء ذلك، كان الايمان حركه ‌فى‌ الوعى، ‌و‌ اراده ‌فى‌ الموقف، ‌و‌ انفتاحا على الحقيقه، ‌و‌ ليس- كما يخيل للبعض- حاله عمياء تختزن ‌فى‌ داخلها معناها، ‌و‌ ‌لا‌ تفتح آفاقها للشروق، لانها ‌فى‌ آفاق العقل- كما يقول هذا البعض- فوق العقل، فهى ابنه الوجدان الذى يلتقى مع الغيب الشعورى الذى يطل على الذات ‌من‌ بعيد، فيغمرها بالحقيقه كما ‌هو‌ المطر عندما يغمر الارض.
 ‌و‌ لكن ‌ما‌ ‌هو‌ الوجدان، ‌و‌ ‌ما‌ ‌هو‌ الشعور، انهما يبدآن فكره، ثم يمنحان الذات الجو الداخلى الذى يملك امتصاص الحقيقه بسرعه، ‌و‌ يحسن اللقاء بالاسرار بعمق.
 لقد خلقتنا- ‌يا‌ رب- كونا متعدد الجوانب، متنوع العناصر، مختلف الابعاد، ‌و‌ لكنك لم تفصل جانبا عن جانب، ‌و‌ لم تفرق بين عنصر ‌و‌ عنصر، ‌و‌ بين بعد ‌و‌ بعد، بل زاوجت بينها، فعاشت الفكره وحى العاطفه، ‌و‌ انطلقت الخطوه ‌فى‌ ‌خط‌ التزاوج بين الفكره ‌و‌ العاطفه الذى تحول الى الايمان، ‌و‌ التقى الحس بالعقل ‌فى‌ مزيج انسانى روحى، فكان الوجدان.
 ‌و‌ لعل مشكله الذين يفرقون بين العقل ‌و‌ الوجدان، انهم يفهمون العقل معادله ‌فى‌ الحسابات، بينما يتصورون الوجدان انطلاقه ‌فى‌ الخيال ‌و‌ المثال.
 ‌و‌ لكنهم لم يدققوا ‌فى‌ المساله ليعرفوا ‌ان‌ الوجدان يختصر المعادله، ‌و‌ يستخلص منها النتائج، ليودعها ‌فى‌ غيب الذات، لينفتح عليها ببساطه كما لو كانت حاله عفويه ‌فى‌ التصور ‌و‌ الاحساس، ‌و‌ تلك هى اكثر البديهيات الوجدانيه التى تعيش مخاض الولاده ‌فى‌ العقل، لتشرق ‌فى‌ الوعى، ‌و‌ لتتحول الى نور يقذفه الله ‌فى‌ قلب ‌من‌ يشاء، تماما كما هى النار تاكل الحطب الذى يعانى ‌من‌ الاحتراق، ‌و‌ لكنه يتحول الى لهيب نورانى يمنح الدف ء ‌و‌ النور لكل الذين يتجمدون ‌فى‌ صقيع الظلام.
 لقد خلقتنا- ‌يا‌ رب- روحا تمتزج بالماده، ‌و‌ ماده تذوب ‌فى‌ الروح، فيكون الانسان وحده فيهما ‌لا‌ ازدواجيه فيها، ‌و‌ يعيش الايمان ‌فى‌ داخل هذه الوحده بين العقل ‌و‌ الشعور.
 لقد آمنا بك، ‌و‌ لكن كان ايماننا ‌فى‌ البدايه طفلا يختزن سذاجه الطفوله ‌فى‌ حركته ‌فى‌ داخلنا، لان الفكره كانت غريزه ‌و‌ كان الاحساس طفوليا، ثم انفتحت آفاق الايمان على فكر جديد تتسع فيه الافاق ‌من‌ خلال غناها المتنوع، ‌و‌ على تجربه جديده تتحرك فيها الذات للحصول على خبره جديده.. ‌و‌ هكذا كان الايمان يتعمق ‌و‌ يزداد كلما توسعت المعرفه ‌و‌ انفتحت ‌من‌ خلال الفكر ‌و‌ التجربه، ‌و‌ كان للوحى ‌فى‌ آيات الله دوره الحيوى ‌فى‌ الوصول الى النتيجه الكبرى: (الذين اذا ذكر الله ‌و‌ جلت قلوبهم ‌و‌ اذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا)(الانفال: 2).
 ‌و‌ ‌فى‌ ضوء ذلك، فان بساطه الايمان ‌لا‌ تمنعه ‌من‌ النمو ‌و‌ الزياده ‌و‌ الحركه ‌فى‌ درجات الكمال، لان الايمان بالشى ء قد يحصل بدرجه معينه ‌من‌ خلال الاحساس بوجوده ‌فى‌ جانب ‌من‌ الجوانب، ثم يتعمق ‌و‌ ينمو ‌فى‌ ذاتيه الشعور كلما انفتحت له الجوانب الاخرى، لان الغموض ‌فى‌ بعض ملامح الصوره ‌لا‌ يمنع ‌من‌ الايمان بها ‌من‌ خلال انكشاف الملامح الاخرى، ‌و‌ لكن الحجاب الذى يرتفع ‌من‌ هنا ‌و‌ هناك فيزيل الغموض، يمنح الايمان اشراقه ‌و‌ راحه ‌و‌ انفتاحا على مستوى الحاله ‌فى‌ الاحساس، ‌و‌ الوعى ‌فى‌ المضمون، ‌و‌ هذا ‌ما‌ توحى ‌به‌ الايه الكريمه التى توكد على ‌ان‌ زياده الايمان تحصل ‌من‌ خلال تلاوه الايات ‌فى‌ مضمونها الفكرى ‌و‌ ‌فى‌ ايحاءاتها الروحيه، الامر الذى ينعكس على نوعيه الحاله ‌فى‌ طبيعتها الذاتيه ‌و‌ ‌فى‌ مضمونها الداخلى، ‌و‌ هذا ‌ما‌ توحى ‌به‌ كلمات الامام الصادق (ع) ‌فى‌ قوله: «ان الايمان عشر درجات بمنزله السلم، يصعد منه مرقاه بعد مرقاه». ‌و‌ عن الزبيرى عن ابى عبدالله (جعفر الصادق)(ع) قال: قلت له: ‌ان‌ للايمان درجات ‌و‌ منازل يتفاضل المومنون فيها عند الله؟ قال: «نعم».
 ‌و‌ عنه (عليه السلام) قال: «ان الايمان حالات ‌و‌ درجات، ‌و‌ طبقات ‌و‌ منازل: فمنه التام المنتهى تمامه، ‌و‌ منه الناقص البين نقصانه، ‌و‌ منه الراجح الزائد رجحانه».
 ‌و‌ قال بعض الشارحين- تعليقا على هذا الحديث-: التام المنتهى تمامه كايمان الانبياء ‌و‌ الاوصياء، ‌و‌ الناقص البين نقصانه ‌هو‌ ادنى المراتب الذى دونه الكفر، ‌و‌ الراجح الزائد رجحانه على مراتب غير محصوره باعتبار التفاوت ‌فى‌ الكميه ‌و‌ الكيفيه.
 ‌يا‌ رب، اننى اتوسل اليك ‌ان‌ توفقنى ‌من‌ خلال الفكر ‌و‌ الممارسه الروحيه ‌فى‌ عبادتك ‌و‌ مناجاتك ‌و‌ حيويه الاقبال على طاعتك، للوصول الى الذوبان الروحى ‌فى‌ رحاب قدسك، ‌ان‌ اعيش الخط التصاعدى ‌فى‌ تنميه هذا الايمان المنفتح على حقيقه توحيدك ‌و‌ ‌خط‌ رسالتك ‌فى‌ حركه رسلك، ‌و‌ تقويته ‌و‌ اكماله حتى يصل الى الدرجه العليا التى تبلغ ‌بى‌ الى الغايه المثلى.
 ‌و‌ ‌ان‌ تفيض على ‌من‌ الطافك ‌و‌ فيوضاتك القدسيه، اللطف الروحى ‌و‌ الفيض الفكرى الذى يزيد اشراقه العقل، ‌و‌ اضاءه القلب، حتى اتجاوز كل ظلمات الشكوك ‌و‌ الشبهات، ‌و‌ التقى بكل الحقائق التوحيديه ‌فى‌ توحيدى اياك ‌و‌ ايمانى بك ‌و‌ برسلك ‌و‌ برسالتك، ‌و‌ اجعل حركتى ‌فى‌ اتجاه حركه الاخلاص التى التقى فيها برضاك.
 
 الايمان حاله ‌فى‌ الوجدان ‌و‌ مضمون ‌فى‌ المعرفه:
 
 ‌يا‌ رب، لقد اردت لنا الايمان حاله ‌فى‌ الوجدان، ‌و‌ مضمونا ‌فى‌ المعرفه، ‌و‌ اردت لنا ‌فى‌ اجواء المعرفه ‌ان‌ نصل الى مرتبه اليقين التى ترتبط فيها النفس بالحقيقه ارتباطا جازما ‌لا‌ مجال فيه للشك ‌من‌ قريب ‌او‌ ‌من‌ بعيد، بفعل الحجه القاطعه، ‌و‌ ترتفع المرتبه لتصل بنا الى عين اليقين، ‌فى‌ ارتباطها بالفكره ‌من‌ خلال العيان، ‌و‌ ‌هو‌ الذى عبر عنه بعض المحققين:«انه العلم بمعاينه جرم النار المفيض للنور، ‌و‌ ‌هو‌ العلم الحاصل بالكشف للخلص ‌من‌ المومنين الذين اطمانت قلوبهم بالله، ‌و‌ تيقنوا بمعاينه القلوب ‌ان‌ الله نور السموات ‌و‌ الارض كما وصف ‌به‌ نفسه، ‌و‌ العلم بالنار ‌و‌ بالوقوع فيها ‌و‌ الاحتراق بها ‌و‌ معرفه كيفيتها التى ‌لا‌ تفصح عنها العباره ‌هو‌ ‌حق‌ اليقين ‌و‌ ‌هو‌ العلم الحاصل بالاتصال المعنوى لاهل الشهود ‌و‌ الفناء ‌فى‌ الله، ‌و‌ هذه المرتبه هى الدرجه العليا ‌و‌ المنزله الفضلى التى سالها الداعى (ع)».
 هذا ‌هو‌ المصطلح الذى حاول المحققون ‌من‌ الفلاسفه ‌و‌ اهل العرفان ‌ان‌ يحدوده ‌فى‌ التفرقه بين علم اليقين ‌و‌ عين اليقين ‌و‌ ‌حق‌ اليقين، انطلاقا ‌من‌ اختلاف التعبيرات القرآنيه، فقد قال الله تعالى: (كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين)(التكاثر: 7 -5) ‌و‌ قال تعالى: (و تصليه جحيم ‌ان‌ هذا لهو ‌حق‌ اليقين)(الواقعه: 95 -94).
 ‌و‌ لكننا ‌لا‌ نلاحظ ‌فى‌ سياق هذه الايات مثل الاختلاف ‌فى‌ المضمون، لان الظاهر ‌ان‌ المقصود بها ‌هو‌ التاكيد على يقينيه الفكره ‌و‌ وضوحها بالمستوى الذى ‌لا‌ مجال للشك فيها، الذى ‌هو‌ معنى اليقين الذى يمثل الحقيقه الوجدانيه التى تنفتح على كلمات العلم ‌و‌ الحق ‌و‌ العيان، باعتبارها تاكيدا للمعنى، فنرى الايات الاولى تتحدث عن الاخره التى سوف يعلمونها بعد هذه الغفله المطبقه التى ابعدتهم عن اليقين بحقائقها، ‌و‌ ذلك بالمشاهده العينيه التى ‌لا‌ مجال فيها للريب، لان العلم يتصل بالجحيم بشكل مباشر، مما يوحى بان علم اليقين ‌و‌ عين اليقين واحد ‌فى‌ المعنى، باعتبار ‌ان‌ العلم ينطلق ‌من‌ الدليل ‌و‌ ينطلق ‌من‌ العيان، فلا يختلف المعنى باختلاف السبب، ‌و‌ اذا كان البعض يحاول ‌ان‌ يفسر الكلمه الاولى، «علم اليقين» بالدليل العقلى ‌و‌ الحجه البرهانيه، ‌و‌ الثانيه «عين اليقين» بالمشاهد العينيه، فان ‌من‌ الواضح ‌ان‌ الكلمتين تستغرقان ‌فى‌ رويه الجحيم باعتبارها الحقيقه الاخرويه القاطعه.
 ‌و‌ هكذا نلتقى بالايه الاخيره، فنجد التاكيد على الفكره ‌و‌ هى تصليه الجحيم على اساس ‌حق‌ اليقين الذى يوحى بارتباط اليقين بالحقيقه باعتبار اضافه المتعلق الى المبداء.
 ‌ان‌ اليقين يمثل حاله الطمانينه المستريحه للفكره ‌من‌ خلال اشراقه الوضوح ‌فى‌ الداخل، ‌و‌ ‌هو‌ الذى يفرض نفسه على الكيان كله حتى اعماق القلب، الامر الذى يوحى بان الايمان حاله ‌فى‌ العقل ‌و‌ القلب ‌فى‌ نطاق القناعه، ‌و‌ لكن اليقين ‌هو‌ ‌سر‌ الطمانينه القلبيه التى يغفو عندها القلب ‌و‌ يستريح، ‌و‌ ربما كان هذا ‌ما‌ قصده ابراهيم (ع) حين قال: كما حكاه القرآن عنه: (رب ارنى كيف تحيى الموتى قال ‌او‌ لم تومن قال بلى ‌و‌ لكن ليطمئن قلبى)(البقره: 260)، ‌و‌ هذا ‌ما‌ نستوحيه ‌من‌ رويه الجحيم ‌و‌ تصليه الحميم، لان ذلك ‌هو‌ السبيل الى علم اليقين ‌و‌ عين اليقين ‌و‌ ‌حق‌ اليقين، كما قال الشاعر:
 عباراتنا شتى ‌و‌ حسنك واحد
 ‌و‌ كل الى هذا الجمال يشير
 ‌و‌ يبقى للفلاسفه ‌ان‌ يتكلفوا المصطلحات، ‌و‌ يبقى للنور القرآنى ‌ان‌ يمنح الحقيقه اكثر ‌من‌ كلمه، ليتعرف اليها الناس ‌فى‌ اكثر ‌من‌ وجه.
 ‌و‌ اذا كان الايمان يزيد بالمعرفه ‌و‌ المعاناه، فان اليقين يقوى ‌و‌ يرتفع بالارتباط بالحقيقه ‌فى‌ كل جوانبها حيث الطمانينه ‌فى‌ راحه العقل ‌و‌ الروح.
 ذلك ‌هو‌ افق التصور ‌فى‌ رحاب الايمان ‌و‌ اليقين، فاين ‌هو‌ افق الحركه ‌و‌ المعاناه ‌فى‌ ‌خط‌ الواقع؟!
 
 النيه اراده توجه القلب نحو الفعل:
 
 يبداء العمل بالنيه، ‌و‌ هى: القصد الى الفعل، ‌او‌ اراده توجه القلب نحو الفعل ابتغاء لوجه الله، ‌او‌ الاراده الباعثه للقدره المنبعثه عن معرفه كمال الشى ء.
 ‌و‌ ربما كانت كلمه «النيه» اكثر وضوحا ‌من‌ كل هذه التعاريف، فهى التعبير عن الحاله النفسيه التى تختفى وراء العمل، بالقصد ‌و‌ الاراده ‌و‌ التوجه، ‌و‌ هى روح العمل ‌و‌ مضمونه ‌و‌ معناه، ‌و‌ هذا ‌هو‌ ‌ما‌ نستوحيه ‌من‌ الحديث النبوى الشريف: «فانما الاعمال بالنيات، ‌و‌ انما لكل امرى ء ‌ما‌ نوى» ‌و‌ الحديث الاخر: «ان الله يحشر الناس على نياتهم يوم القيامه».
 ‌و‌ هذا ‌ما‌ جعل العباده قربه الى الله اذا كانت منطلقه ‌من‌ النيه الخالصه التى ينفتح فيها المومن على الرغبه ‌فى‌ تجسيد عبوديته لله ‌و‌ الوصول الى مواقع القرب منه، كما جعلها شركا بالله، اذا كانت منطلقه ‌من‌ الرياء ‌و‌ الرغبه ‌فى‌ التقرب ‌من‌ المخلوقين، مما يمكن ‌ان‌ تحققه العباده الظاهره له ‌من‌ ثقه عندهم ‌و‌ قرب منهم.
 حتى الجهاد يختلف حاله حسب اختلاف النيه، فمن جاهد لتكون كلمه الله هى العليا ‌و‌ كلمه الكافرين هى السفلى ‌و‌ مات شهيدا كان له الدرجه العليا عند الله، ‌و‌ ‌من‌ قاتل للدفاع عن الاحساب ‌و‌ قتل ‌فى‌ المعركه كان ‌فى‌ النار. ‌و‌ لعل ‌من‌ الطبيعى ‌ان‌ تصفيه النفس ‌من‌ العناصر الذاتيه المرتكزه على حب الذات، ‌و‌ توجيهها الى العناصر الروحيه المتصله بالله، هما الوسيلتان الكبيرتان للحصول على خلوص النيه، ‌و‌ صفاء القصد، ‌و‌ صدق التوجه، ليعيش الانسان ‌فى‌ داخله- ‌فى‌ دوافعه الخاصه- معنى الرساليه ‌فى‌ مقاصده ‌و‌ الروحانيه ‌فى‌ توجهاته، فيكون العمل خالصا لله ‌فى‌ الشكل ‌و‌ المضمون، ‌و‌ ليتحسس هذا الانسان الشعور بالاخلاص للناس ‌من‌ خلال اخلاصه لله، باعتبارهم عيال الله ‌و‌ عباده، ‌و‌ موضع مسووليته ‌فى‌ رعايتهم
 ‌و‌ حمايتهم ‌من‌ نفسه ‌و‌ ‌من‌ الاخرين.
 ‌و‌ ‌لا‌ ‌بد‌ لنا ‌من‌ التوفر على التخطيط التربوى الاخلاقى للمنهج السليم ‌فى‌ تربيه الاخلاق الداخليه للانسان المومن، بالمستوى الذى يتكامل فيه العنصر الاخلاقى بين الدوافع ‌و‌ الاعمال، لان ذلك معنى وحده الانسان ‌فى‌ قوله ‌و‌ فعله ‌و‌ علاقاته مع نفسه ‌و‌ مع الله ‌و‌ الناس.
 
 اللهم اجعل عملى احسن الاعمال:
 
 ‌يا‌ رب، انك تعلم ‌من‌ نفسى كل خفاياها، حتى الخفايا الكامنه ‌فى‌ اعماقها، ‌فى‌ كهوف غرائزها، ‌و‌ مغارات شهواتها، ‌و‌ اختلاجات نوازعها، مما قد ‌لا‌ افهمه ‌و‌ ‌لا‌ استشعره ‌فى‌ الوعى الظاهر الا بعد جهد كبير ‌و‌ وقت طويل.
 ‌و‌ انت تعلم- ‌يا‌ رب- اننى لم اختر الكثير ‌من‌ عناصر شخصيتى ‌فى‌ الداخل ‌و‌ الخارج، ‌و‌ لكنى ورثتها ‌من‌ الاخرين الذين اوكلت اليهم رعايتى ‌و‌ قدرت لى العيش معهم ‌و‌ التاثر بهم، ‌و‌ الانفعال بكلماتهم ‌و‌ افعالهم ‌و‌ نوازعهم ‌و‌ ‌هو‌ اجسهم ‌و‌ غاياتهم ‌و‌ دوافعهم، حتى صرت صوره لهم ‌فى‌ ذلك كله، ‌و‌ انطلقت، بعد ذلك، عندما كبرت ارادتى، ‌و‌ اشتد تفكيرى، لاعانى ‌من‌ كل تلك الرواسب ‌و‌ الموثرات التى تركت تاثيراتها ‌فى‌ داخل نفسى، فاختزنت دوافع الشر ‌من‌ دون وعى، ‌و‌ عشت نوازع الزيف ‌من‌ دون شعور، ‌و‌ خيل الى ‌من‌ خلال المنطقه الخفيه ‌فى‌ داخلى، ‌ان‌ ‌ما‌ يعتبره الناس اخلاصا ‌هو‌ الزيف بعينه، ‌و‌ ‌ان‌ ‌ما‌ يرونه زيفا ‌هو‌ الاخلاص ذاته، فتبدلت لدى المقاييس، ‌و‌ اختلفت عندى النظره الى الامور، فكانت دوافعى ‌و‌ نياتى صوره للتربيه التى عشتها ‌فى‌ مجتمع الانحراف.
 اللهم فانى اتوسل اليك، ‌و‌ انا ‌فى‌ الطريق الى مواقع رضوانك، ‌ان‌ تمنحنى الوعى للنيه الطيبه التى ‌لا‌ تتجه الا الى الخير ‌فى‌ كل مجالات الحركه ‌فى‌ الحياه، ‌و‌ ‌ان‌ ترزقنى العزم على ‌ان‌ انطلق ‌فى‌ ‌خط‌ الصعود لتكون نيتى احسن النيات، ‌فى‌ طبيعتها ‌و‌ روحيتها ‌و‌ نتائجها على مستوى الخير للناس كلهم ‌و‌ للحياه كلها.
 ‌و‌ للعمل حسنه ‌و‌ قبحه، ‌فى‌ طبيعته ‌و‌ ذاته، ‌و‌ ‌فى‌ نتائجه ‌و‌ غاياته، ‌و‌ ‌فى‌ دوافعه ‌و‌ منطلقاته، ‌و‌ ‌فى‌ حليته ‌و‌ حرمته.
 اللهم انى اسالك ‌ان‌ تجعل عملى احسن الاعمال، لانفتح على مواقع الفضل فيها، فاختار منها ‌ما‌ يحقق لى رضاك مما ينفع الناس ‌و‌ يمكث ‌فى‌ الارض، فيعطى الخير ‌و‌ البركه ‌و‌ الرفعه ‌و‌ العلو، ‌و‌ ابتعد عما يوقعنى ‌فى‌ سخطك مما يسى ء الى الناس ‌و‌ يتبخر ‌فى‌ الهواء فلا يبقى منه شى ء، ‌و‌ يودى الى الشر ‌و‌ الجريمه ‌و‌ السقوط ‌فى‌ الهاويه، حتى انجح ‌فى‌ امتحان الوجود الذى خلقت فيه الموت ‌و‌ الحياه، لتختبرنا اينا احسن عملا، ‌و‌ حتى ننال الدرجه العليا ‌و‌ الكرامه الكبرى، ‌و‌ ذلك ‌من‌ خلال ‌ما‌ ذكرته ‌فى‌ كتابك المجيد اذ قلت: (و جعلناكم شعوبا ‌و‌ قبائل لتعارفوا ‌ان‌ اكرمكم عند الله اتقاكم)(الحجرات: 13).

 الحصانه ‌من‌ الانحراف:
 
 ‌يا‌ رب، اننى ‌ها‌ هنا- بين يديك- استعطف لطفك، بما تغدقه على ‌من‌ الخير، ‌و‌ توفره لى ‌من‌ النجاح، ‌ان‌ تتم لى نيتى ‌و‌ تكملها لتوفر لى ‌من‌ خلالها الانفتاح على الحق ‌فى‌ الحياه ‌و‌ الانسان، فلا تتحرك الا ‌من‌ اجل نصره الحق، ‌و‌ نشر المحبه، ‌و‌ تجنب الحقد ‌و‌ الحسد ‌و‌ البغى، ‌و‌ الاتجاه الى كل ‌ما‌ يحقق السلامه ‌فى‌ الدين ‌و‌ الدنيا، ‌و‌ ‌ان‌ تصونها ‌من‌ كل انحراف ‌و‌ تحميها ‌من‌ كل سوء، ‌و‌ تبعدها عن كل زيف ‌و‌ رياء، لاكون الانسان الذى يقبل على الحياه ‌من‌ مواقع الاستقامه ‌فى‌ القول ‌و‌ العمل.
 ‌يا‌ رب، ‌و‌ قد ينحرف اليقين ‌فى‌ حركه قناعاتى ‌فى‌ ‌خط‌ الفكر ‌و‌ الشعور ‌و‌ العمل، فيبتعد عن المنهج القويم، فيخيل الى- بشكل جازم- ‌ان‌ الناس يملكون لى الضرر
و النفع، ‌او‌ ‌ان‌ ارى الحرام حلالا ‌و‌ الحلال حراما، ‌او‌ اجد نفسى ‌فى‌ موقع ‌لا‌ املك صدقه ‌او‌ انفتح على موقف ‌لا‌ املك حقه.
 اللهم فهب لخطوات اليقين المتجذر ‌فى‌ كيانى الصحه الفكريه الواقعيه بما عندك ‌من‌ القدره ‌و‌ الرحمه ‌و‌ العنايه، حتى تكون الصوره لدى مطابقه للواقع، ‌و‌ تنسجم الرويا مع اشراقه الحق، لان مشكله اليقين الذى ‌لا‌ يلتقى مضمونه بالحقيقه، انه يوحى، ‌من‌ خلال طبيعته، بالوضوح ‌فى‌ اضاءه معناه، بينما تكون القضيه ‌فى‌ ‌خط‌ الظلام الذى ‌لا‌ يحمل ‌من‌ معنى النور الا ‌ما‌ يلتقى بالسراب.
 ‌و‌ قد جاء ‌فى‌ الروايه عن الامام جعفر الصادق (ع) انه قال: «من صحه يقين المرء المسلم ‌ان‌ ‌لا‌ يرضى الناس بسخط الله، ‌و‌ ‌لا‌ يلومهم على ‌ما‌ لم يوته الله». ‌و‌ قال: «حد اليقين ‌ان‌ ‌لا‌ تخاف مع الله شيئا».
 ‌و‌ هذا ‌هو‌ الوعى الصحيح لليقين، ‌ان‌ ينفتح المومن على الله ليومن بانه هو- وحده- مالك النفع ‌و‌ الضرر، فلا يملك احد ‌من‌ الناس، مهما بلغت قوته، ‌ان‌ يضره اذا كان الله يريد ‌ان‌ ينفعه، ‌او‌ ينفعه اذا كان الله يريد ‌ان‌ يضره، فيدفعه ذلك الى الامتناع عن تقديم التنازلات للناس على حساب موقعه ‌من‌ ربه بالابتعاد عن ‌خط‌ الالتزام بطاعه الله، ‌و‌ ذلك بالسير ‌فى‌ ‌خط‌ معصيه الله ‌من‌ اجل ‌ان‌ يرضى الناس عنه لما يترقبه ‌من‌ نفعهم له، ‌او‌ لما يخافه ‌من‌ اضرارهم به، لان ذلك يمثل انحراف الصوره الالهيه ‌فى‌ معنى الايمان.
 ‌و‌ لعل ‌فى‌ هذا بعض الايحاء النفسى بان الانحراف ‌فى‌ العمل قد يكون- ‌فى‌ الاغلب- نتيجه للانحراف الفكرى ‌من‌ خلال اليقين الخاطى ء، فان الانسان الذى تمتلى ء نفسه بالثقه بالله ‌و‌ المعرفه بقدرته المطلقه، يبقى ‌فى‌ ‌خط‌ الله، اما الذى يمارس الانحراف فقد يحتاج الى ‌ان‌ يلاحق قاعدته النفسيه ‌فى‌ اعماق ذاته، ‌من‌ خلال خطاء ‌فى‌ الفكر ‌او‌ خلل ‌فى‌ الشعور.
 ‌و‌ هكذا ‌لا‌ ‌بد‌ ‌من‌ الثقه بالله ‌فى‌ معنى الشجاعه الروحيه التى تفرغ نفسه ‌من‌ الخوف ‌من‌ كل شى ء، على اساس استمداد القوه ‌من‌ الله، لان القوه لله جميعا، فمن كان مع الله ‌من‌ خلال الايمان ‌به‌ ‌و‌ الاخلاص له كان الله معه، الامر الذى يعنى ‌ان‌ الخوف الضاغط على الذات، ينطلق ‌من‌ ضغط نفسى على الفكر ‌فى‌ حركيه الذات ‌فى‌ الواقع.
 ‌و‌ بهذا يتحرر ‌من‌ ضغط الفكره التى توحى بان الناس ‌هم‌ السبب ‌فى‌ حرمانه ‌من‌ بعض الاشياء المفقوده عنده، لان الله ‌هو‌ المهيمن على الكون كله ‌و‌ ‌هو‌ ولى العطاء ‌و‌ المنع، ‌من‌ خلال ‌ما‌ اودعه ‌فى‌ الاسباب ‌من‌ عمق السببيه، حيث قد يتصور الناس ‌ان‌ الاشياء المتحركه ‌فى‌ داخلهم ‌و‌ ‌من‌ حولهم، هى الاساس المستقل ‌فى‌ النتائج، بينما تكون الحقيقه انها الاداه التى تحركها سنه الله ‌فى‌ قضائه ‌و‌ قدره.
 ‌و‌ هكذا نجد ‌ان‌ لليقين صحه ‌و‌ فسادا بحسب مضمونه الفكرى ‌و‌ ايحاءاته النفسيه ‌و‌ نتائجه العمليه، الامر الذى ينبغى للانسان، معه، ‌ان‌ يعيد النظر ‌فى‌ قناعاته اليقينيه التى قد تكون ناتجه ‌من‌ حاله انفعاليه ‌او‌ ‌من‌ وضع تقليدى، ‌او‌ ‌من‌ معادلات خاطئه، بحيث تكون اشبه بالجهل المركب الذى ‌لا‌ ‌بد‌ له ‌من‌ التخلص منه قبل ‌ان‌ يسيطر على ذاته فيحوله الى جاهل، ‌فى‌ عمق الحقيقه، فيتخذ لنفسه صفه العلم ‌فى‌ حجم الاحساس.
 ‌و‌ ربما كانت التربيه الجدليه التى تدفع الانسان الى اثاره الجدل ‌فى‌ القناعات حتى ‌فى‌ البديهيات، ذات تاثير ايجابى ‌فى‌ المساله الفكريه، باعتبار انها تحرك علامات الاستفهام ‌فى‌ السطح لتكشف فيه بعض الشقوق غير المنظوره، ‌و‌ لتنفذ ‌فى‌ النهايه الى العمق الذى قد ترى فيه الكثير ‌من‌ الاشياء المتعفنه ‌او‌ الميته التى ‌لا‌ تصلح لبناء انسان حى.
 
 اللهم اصلح ‌ما‌ فسد منى:
 
 ‌يا‌ رب، لقد خلقتنى ‌من‌ ضعف، ‌و‌ عرفت ‌ان‌ ذلك يودى الى سقوطى ‌فى‌ ‌او‌ حال الخطيئه التى تفسد روحى، ‌و‌ تضعف احساسى بالطهاره، ‌و‌ تسقط مواقع الخير ‌فى‌ نفسى، بفعل نقاط الضعف ‌فى‌ جسدى ‌من‌ خلال غرائزى التى توحى لى بالسوء، ‌و‌ قد خلقتنى ‌من‌ عجل، ‌و‌ علمت- ‌يا‌ رب- اننى قد استعجل النتائج فاهرع اليها ‌من‌ دون تفكير ‌فى‌ المقدمات، ‌و‌ ‌لا‌ تدقيق ‌فى‌ الخطوات، ‌و‌ قد تضغط على الحاجه، فاستعجل قضاءها بالحرام، ‌و‌ ‌لا‌ اصبر على نفسى لاحصل عليها بالحلال.
 ‌و‌ هكذا تنطلق العوامل السلبيه ‌فى‌ داخل كيانى لتفسد بعضا ‌من‌ اخلاقيتى ‌و‌ طهارتى ‌و‌ التزامى ‌و‌ حركتى ‌فى‌ الحياه.
 ‌و‌ ربما اتحرك ‌فى‌ الخط المستقيم فتهجم على النوازع النفسيه الشريره لتنحرف ‌بى‌ عنه، ‌و‌ تقودنى الى طريق الضلال، ‌و‌ لتفسد على استقامتى ‌و‌ روحانيتى.
 ‌و‌ ‌ها‌ انا- ‌يا‌ رب- الانسان الذى سقطت منه قطعه ‌من‌ الصلاح لحساب قطعه ‌من‌ الفساد، اتوسل اليك ‌ان‌ تتدخل بقدرتك لتضغط على نقاط الضعف لدى، بتقويه ارادتى ‌فى‌ استنفاد نقاط القوه عندى، ‌و‌ لتهبنى ‌من‌ لطفك ‌و‌ رحمتك المدد الذى يشدنى الى ‌خط‌ الصلاح، ‌و‌ يبعدنى عن ‌خط‌ الفساد، فتصلح بذلك ‌ما‌ فسد منى، فاعود الانسان المومن الملتزم بخط الصلاح ‌فى‌ ‌خط‌ طاعتك لافوز برضاك.
الاهتمام بما عند الله:
 
 ‌يا‌ رب، لقد خلقتنا ‌فى‌ الحياه، ‌و‌ جعلت لنا حاجات تحيط بكل وجودنا لانها تمثل شروط استمراره، ‌و‌ اودعت ‌فى‌ الكثير ‌من‌ هذه الحاجات العناصر التى تمتد بعيدا عن الضروره، لتتنوع ‌فى‌ اشكالها ‌و‌ اوضاعها، ‌و‌ خلقت فينا نوازع ذاتيه مختلفه تتوجه الى ‌من‌ حولها ‌و‌ ‌ما‌ حولها ‌من‌ خلال حاله الفضول الكامنه فيها، مما يجعلنا نلاحق كثيرا ‌من‌ الاشياء ‌من‌ دون حاجه، ‌و‌ نتجه الى كثير ‌من‌ الافاق ‌من‌ دون ضروره، ‌و‌ هكذا تحاصرنا الحاجات بمفرداتها، ‌و‌ النوازع بمتطلباتها، كما تجتذبنا الحياه بالوانها ‌و‌ اشكالها ‌و‌ قضاياها المنفتحه على الفراغ، فيشغلنا ذلك كله عن مسووليتنا الحقيقيه ‌فى‌ الحياه، ‌و‌ يبعدنا عن القضايا الجديه المصيريه، فتنطلق اهتماماتنا ‌فى‌ اتجاه بعيد عن الخط المستقيم، فنبتعد بذلك عن مواقع الاستقامه ‌فى‌ ‌خط‌ هداك.
 اللهم اننا نتوسل اليك ‌ان‌ تكفينا تلك الشواغل الخارجيه البعيده عن الاهتمامات الحقيقيه ‌فى‌ وجودنا، ‌و‌ ‌ان‌ تملاء حياتنا بالشواغل التى تقع ‌فى‌ قلب مسوولياتنا امامك، ‌و‌ ذلك بان تحول تفكيرنا عن تفاهات الحياه، ‌و‌ عن شواغلها الخاليه ‌من‌ كل هدف، ‌و‌ تتجه ‌به‌ الى اتجاه الحق ‌و‌ الخير ‌و‌ العدل، لتستعملنى ‌فى‌ النشاطات ‌و‌ القضايا التى تتصل بالمسووليه الواسعه ‌فى‌ ‌ما‌ امرتنى ‌به‌ ‌او‌ نهيتنى عنه، لاجعل كل مفردات حياتى عملا بطاعتك، ‌و‌ بعدا عن معصيتك، ‌و‌ حركه ‌فى‌ سبيل محبتك، حتى اكون واعيا لكل قول ‌او‌ فعل ‌او‌ علاقه ‌او‌ موقع، فاعرف كل جزئياته ‌و‌ كلياته، ‌فى‌ الخط الذى رسمته لعبادك ‌فى‌ ‌ما‌ يتركون ‌و‌ ‌ما‌ يعملون، ‌ما‌ يقبلون ‌و‌ ‌ما‌ يرفضون، ‌و‌ لتملاء ايامى كلها ‌فى‌ عبادتك التى تمثل امتداد الخضوع ‌و‌ الانقياد لك ‌فى‌ كل حركه وجودى ‌فى‌ الحياه، ‌و‌ ذلك ‌من‌ خلال ‌ما‌ رسمته لخلقك ‌من‌ الجن ‌و‌ الانس ‌من‌ هدف ‌فى‌ خلقهم المتصل بحاجتهم، لانك فوق مستوى الحاجه الى احد، لانك الغنى عن كل شى ء، فقلت- سبحانك-: (و ‌ما‌ خلقت الجن ‌و‌ الانس الا ليعبدون)(الذاريات: 56).
 اللهم فاجعلنى ممن يعبدك ‌فى‌ سكونه ‌و‌ حركته، ‌و‌ فرحه ‌و‌ حزنه ‌و‌ المه ‌و‌ لذته، ‌و‌ فرديته ‌و‌ اجتماعيته، ‌و‌ حربه ‌و‌ سلمه، ‌و‌ وسائله ‌و‌ غاياته، ‌و‌ فقره ‌و‌ غناه، ‌و‌ مرضه ‌و‌ صحته، ‌و‌ امنه ‌و‌ خوفه، ‌و‌ ‌فى‌ كل شى ء، ليكون كل ذلك عباده لك ‌فى‌ الانفتاح ‌به‌ على مواقع رضاك.
 املاء حياتى- ‌يا‌ رب- بما خلقتنى له، ‌و‌ ‌لا‌ تجعل فيها ‌اى‌ فراغ يعبث فيه الشيطان ‌و‌ يرتع ‌فى‌ جنباته، لان الفراغ الخالى ‌من‌ ‌اى‌ هدف ‌لا‌ ‌بد‌ ‌ان‌ يجد فيه الشيطان الكثير ‌من‌ فرص الاضلال ‌و‌ الاغواء ‌فى‌ اجواء التفاهه العمياء.
 ‌و‌ اغننى ‌و‌ اوسع على ‌فى‌ رزقك، ‌و‌ ‌لا‌ تفتنى بالبطر، ‌و‌ اعزنى ‌و‌ ‌لا‌ تبتلينى بالكبر، ‌و‌ عبدنى لك ‌و‌ ‌لا‌ تفسد عبادتى بالعجب، ‌و‌ اجر للناس على يدى الخير ‌و‌ ‌لا‌ تمحقه بالمن، وهب لى معالى الاخلاق ‌و‌ اعصمنى ‌من‌ الفخر.
 
 اللهم هب لى معالى الاخلاق:
 
 1- اللهم هب لى الغنى ‌فى‌ النفس:
 
 ‌يا‌ رب، انا الانسان الذى تطوف ‌فى‌ خيالاته الحاجات فيطلبها ‌و‌ لكنها قد تمتد ‌فى‌ احلامه لتصل ‌به‌ الى الانحراف ‌فى‌ تصوره للنتائج ‌و‌ سلوكه امامها، ‌و‌ انا الذى قد يفكر بالخير فيتحرك ‌به‌ الواقع ليحوله الى شر، ‌و‌ يتطلع الى الكمال فيودى ‌به‌ الامر الى النقص، فاقف حائرا بين طموحى ‌فى‌ تغيير ذاتى الى الافضل، ‌و‌ بين نوازع نفسى الاماره بالسوء ‌و‌ وساوس شيطانى، الذى يحول الانسان عن هدفه ‌و‌ يضله الى متاهات الضياع. انك تعلم- ‌يا‌ رب- انى اثير التجربه ‌فى‌ حياتى لالتقى بك ‌فى‌ حركه الوعى ‌و‌ ‌فى‌ صعيد الواقع ‌فى‌ الخط المستقيم، ‌و‌ انت- ‌يا‌ رب- الذى تحضن تجربتى بلطفك، ‌و‌ ترعاها بعينك، فتبتعد ‌بى‌ عن ‌و‌ هده السقوط، ‌و‌ قساوه الفشل، ‌و‌ اهتزاز الموقع.
 اللهم ارزقنى صفاء النظره الى الحياه، ‌و‌ صدق المعاناه للقيم، فلا تختلط على الامور، ‌او‌ تشتبه لدى المواقع، ‌او‌ تهتز تحت اقدامى الطريق.
 اللهم هب لى الغنى ‌فى‌ نفسى، ‌و‌ الاستغناء عن الانحناء امام خلقك ‌فى‌ حاجاتى العامه ‌و‌ الخاصه، ‌و‌ وسع على ‌فى‌ رزقك، حتى اجد ‌فى‌ ذلك حريه القرار ‌من‌ خلال حريه حاجاتى ‌فى‌ الاكتفاء الذاتى، ‌و‌ لكن الشيطان قد يدخل الى كما اوحيت ‌فى‌ كتابك ‌فى‌ قولك- سبحانك: (ان الانسان ليطغى ‌ان‌ رآه استغنى)(العلق: 7 -6) ‌و‌ قولك ‌فى‌ آيه اخرى: (و لو بسط الله الرزق لعباده لبغوا ‌فى‌ الارض)(الشورى: 27) فيوسوس لى بالطغيان على الناس، ‌و‌ يضلنى عن مسوولياتى امام هذه النعمه التى انعمت على، فيخيل الى انها امتياز ذاتى يمثل الكرامه الكبرى عندك، ‌لا‌ اختيار عملى للموقف الذى اقفه ‌فى‌ حركه النعم على.
 اللهم اعصمنى ‌من‌ ذلك كله، ‌و‌ اجعل الغنى نعمه على ‌فى‌ روحى، فاتمرد على كل خيالاته، ‌و‌ اتحرك ‌فى‌ ‌خط‌ مسوولياته، لاكون الغنى الذى يحصل على محبتك- ‌فى‌ غناه- ‌من‌ خلال الشكر، ‌و‌ ‌لا‌ اكون الغنى الذى يتحول الغنى لديه الى نقمه ‌فى‌ التعرض لسخطك.
 
 2- اللهم هب لى العز ‌فى‌ النفس:
 
 اللهم اجعلنى عزيزا ‌فى‌ نفسى، كما احببت ذلك لعبادك المومنين، ‌و‌ ذلك بالارتفاع عن مواقع السقوط النفسى ‌او‌ العملى امام الاخرين انطلاقا ‌من‌ رغبه ‌او‌ رهبه ‌فى‌ ‌ما‌ يتطلع اليه الانسان مما بايدى الناس ‌من‌ شهواته ‌و‌ اطماعه، ‌او‌ ‌فى‌ ‌ما‌ يخافه منهم ‌من‌ سطوتهم ‌و‌ مواقعهم، فيقدم لهم التنازلات ‌من‌ نفسه ‌و‌ ‌من‌ موقفه ‌و‌ ‌من‌ التزامه الدينى، طمعا ‌و‌ خوفا، ‌من‌ دون ضروره كبيره لذلك، فيقف- بذلك- موقف الذل ‌فى‌ ‌ما‌ يفرضه عليه الاخرون ‌من‌ اسقاط نفسه لمصلحه رغباتهم ‌و‌ مصالحهم، فلا يملك امامهم ‌ان‌ يرفض شيئا مما يرفضه ‌فى‌ التزاماته الفكريه ‌و‌ العمليه، بل قد يتطوع للتنازل عن مواقفه قبل ‌ان‌ يطلبوا منه ذلك، رغبه ‌فى‌ الحصول على رضاهم.
 اللهم اجعلنى ممن يملك رغبات نفسه، ‌و‌ يسيطر على حركه غرائزه، ‌و‌ يسيطر على حاجاته، فلا يسقط امامها تحت تاثير ايه حاله ‌من‌ حالات الانفعال الذاتى، وهب لى الوعى الذى اقدر فيه امكاناتى فاقف عندها، ‌و‌ اجعل رغباتى ‌فى‌ مستواها، فلا اتعرض لما ‌لا‌ اطيقه مما تثيره ‌فى‌ الرغبات الماديه، فاضطر للانحناء امام الناس للحصول عليه بالسئوال منهم ‌و‌ الاستعطاف لهم، الامر الذى يمكنهم ‌من‌ فرض شروطهم على، ‌و‌ اخضاع كيانى لمشاريعهم ‌و‌ اوضاعهم، حتى اكون الانسان الذى يوكد مواقع العز ‌فى‌ نفسه ليحركها ‌فى‌ اوضاعه ‌و‌ خطواته ‌فى‌ الحياه، فلا يبيع نفسه بالثمن الرخيص، لان كل شى ء ‌فى‌ الدنيا لن يكون عوضا عن ذلك، مهما كان كبيرا، ‌و‌ هذا ‌هو‌ الذى جاء ‌فى‌ وصيه الامام على (ع) حيث قال:
 «اكرم نفسك عن كل دنيه ‌و‌ ‌ان‌ ساقتك الى الرغائب، فانك لن تعتاض بما تبذل ‌من‌ نفسك عوضا».
 ‌و‌ لكن العز، ‌فى‌ مضمونه الفكرى الاخلاقى، يمثل التوازن ‌فى‌ وعى الانسان لذاته مقارنا بوعيه لغيره ‌من‌ الناس، فيتوازن ‌فى‌ حاجاته امام قدراته، ‌و‌ يتماسك ‌فى‌ مواقفه ‌فى‌ مواجهه رغباته، لتكون له ارادته المستقله ‌فى‌ ‌خط‌ قناعاته، ‌و‌ يكون له موقفه القوى امام التحديات، فلا تنحنى ارادته تحت ضغط الرغبه ‌او‌ الرهبه التى يحركها الاخرون، بل تقف ‌فى‌ موقف التحدى للضغط انطلاقا ‌من‌ وعى الحريه ‌فى‌ منطلقاتها ‌و‌ غاياتها، هذا كله، مع احترام عزه الاخرين ‌فى‌ مواقعهم ‌و‌ مواقفهم، بالسعى الى تحريك العلاقات على مستوى وعى الانسان لموقعه بما يملكه ‌من‌ طاقات مقارنا بما يملكه الاخرون ‌من‌ ذلك، فلا يدفعه الاستغراق ‌فى‌ مواقع القوه ‌فى‌ ذاته، الى التعالى على الناس ‌و‌ اغفال خصائصهم الذاتيه التى قد تتفوق على بعض خصوصياته ‌او‌ قد تساويها، ‌و‌ ذلك ‌من‌ خلال جهله بنفسه، ‌و‌ جهله بقدرات الاخرين، مما يجعله يعيش حاله الاخلال بالتحرك المتوازن ‌فى‌ نظرته الى نفسه ‌و‌ الى الناس، ‌و‌ هذا ‌هو‌ اساس التكبر الذى قد يخلط فيه الناس بينه ‌و‌ بين العز، ‌فى‌ الوقت الذى تنطلق فيه المساله ‌فى‌ مفهوم محدد، كما قال الراغب الاصفهانى: ‌ان‌ الكبر ‌هو‌ «الحاله التى يتخصص بها الانسان ‌من‌ اعجابه بنفسه، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ يرى الانسان نفسه اكبر ‌من‌ غيره»، ‌و‌ التكبر اظهاره ذلك ‌من‌ نفسه، ‌و‌ ‌هو‌ نتيجه جهل الانسان بقدر نفسه ‌و‌ انزالها فوق منزلتها، كما ‌ان‌ العز نتيجه معرفه الانسان بقدر نفسه ‌و‌ اكرامها عن الضراعه للاغراض الدنيويه».
 اللهم وفقنى لان اكون عزيزا ‌فى‌ معرفتى لانسانيتى ‌و‌ لايمانى ‌و‌ لذاتى ‌فى‌ هاتين الدائرتين، فلا اذل لاحد ‌من‌ عبادك ‌من‌ اجل رغبه ‌او‌ رهبه تتصل بالذات، وهب لى الوعى الروحى، ‌و‌ الاراده الاخلاقيه، لاقف عند حدود نفسى، فاحترم ‌من‌ حولى ‌من‌ خلال احترامى لها، فلا يتحول الاحساس بالعزه الى شعور بالكبر ‌و‌ الى حركه ‌فى‌ هذا الاتجاه، لاننى اريد ‌ان‌ تبقى انسانيتى ‌فى‌ ‌خط‌ ايمانى، ‌و‌ ‌ان‌ يبقى ايمانى ‌فى‌ ‌خط‌ محبتك.
 3- اللهم وفقنى لعبادتك:
 
 اللهم وفقنى لعبادتك حتى اعبر بها عن احساسى بالعبوديه لك، ‌من‌ خلال افتقار وجودى كله الى وجودك، لانه مستمد منه ‌و‌ مستمر ‌به‌ ‌و‌ صائر اليه، ‌و‌ اجعلنى ‌من‌ عبادك الذين ينفتحون على معرفتك ليعرفوا انهم كلما امتدوا ‌فى‌ عبادتك كلما شعروا بالتقصير ‌فى‌ اداء حقك، لان نعمك ‌لا‌ تحصى، ‌و‌ الطافك ‌لا‌ تعد، ‌و‌ لانهم يتحسسون ‌فى‌ وجودهم الذى يتحرك ‌فى‌ رعايتك ‌و‌ عطائك، معنى ارتباط كل حركتهم بك، فهم يعبدونك بالوسائل التى منحتهم اياها، ‌و‌ يشكرونك باللسان الذى رزقتهم اياه، فلا يملكون شيئا ‌من‌ ذلك، لانك المالك له، فلا فضل لهم- ‌من‌ ناحيه الذات- ‌فى‌ ذلك كله، بل لك الفضل عليهم.
 اللهم اجعلنى ‌من‌ العابدين لك الذين يستغرقون ‌فى‌ عبادتك ليعيشوا فيها الضراعه لك، ‌و‌ الذوبان فيك، ‌و‌ التواضع لك، فلا يجدون ذواتهم عندما يعبدونك، ‌و‌ ‌لا‌ يحسون بقيمتها ‌فى‌ ‌ما‌ يفعلونه ‌من‌ اوضاعهم العباديه، بل يجدونك ‌فى‌ كل ذلك ‌من‌ خلال الهامك الروحى ‌و‌ توفيقك الالهى لهم.
 ‌و‌ ‌لا‌ تجعلنى ‌من‌ العابدين الذين تنتفخ شخصياتهم باعمالهم الصالحه لانهم يستعظمونها ‌و‌ يرون فيها فضلا للذات، ‌و‌ خروجا ‌من‌ ‌حد‌ التقصير، ‌و‌ موقفا ذاتيا مستقلا بحيث يميزهم ذلك عن غيرهم عندما يدخلون ‌فى‌ دائره المقارنه بينهم ‌و‌ بين الاخرين، فيحتقرونهم ‌و‌ يحترمون انفسهم، فاذا ذكروا الاتقياء كانت نظرتهم الى انفسهم ‌فى‌ التقوى انهم الاتقياء ‌فى‌ الدرجه العليا، ‌و‌ اذا تحدثوا عن الصالحين، كان صلاحهم لديهم ‌فى‌ المرتبه الرفيعه التى ‌لا‌ يبلغها احد، ‌و‌ هكذا يستغرقون ‌فى‌ عباده انفسهم ‌من‌ خلال الاعجاب بها، اكثر مما يستغرقون ‌فى‌ عباده الله ‌و‌ ‌فى‌ التفكير بنعمه ‌و‌ حقوقه المطلقه على عباده.
 اللهم ‌لا‌ تفسد عبادتى بالعجب، بل اجعلها خالصه لك، ‌و‌ اجعلنى ‌من‌ الذين يرون توفيقهم للعباده نعمه منك، كما يرون وعدك لهم بالثواب نعمه اخرى، لانهم اذا كانوا قد قاموا بذلك بارادتهم ‌و‌ ‌من‌ خلال اعضائهم، فان عليهم ‌ان‌ يعرفوا انك انت الذى
 الهمتهم ذلك، ‌و‌ مكنتهم ‌من‌ وسائله، ‌و‌ قد جاء ‌فى‌ الحديث الذى رواه ثقه الاسلام الكلينى ‌فى‌ الكافى بسنده عن على ‌بن‌ سويد عن ابى الحسن موسى ‌بن‌ جعفر الكاظم (ع) قال: سالته عن العجب الذى يفسد العمل، فقال: «العجب درجات منها ‌ان‌ يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه ‌و‌ يحسب انه يحسن صنعا، ‌و‌ منها ‌ان‌ يومن العبد بربه فيمن على الله ‌عز‌ ‌و‌ جل، ‌و‌ لله عليه فيه المن».
 ‌و‌ جاء عن الامام جعفر الصادق (ع) قال: «قال الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ لداود (ع): ‌يا‌ داود بشر المذنبين ‌و‌ انذر الصديقين، قال: كيف ابشر المذنبين ‌و‌ انذر الصديقين؟ قال: ‌يا‌ داود بشر المذنبين انى اقبل التوبه ‌و‌ اعفو عن الذنب، ‌و‌ انذر الصديقين ‌ان‌ ‌لا‌ يعجبوا باعمالهم، فانه ليس عبد انصبه للحساب الا هلك».
 
 4- اللهم اجر الخير على يدى:
 
 اللهم اجعل حياتى بركه على ‌من‌ حولى، ‌و‌ اجر الخير على يدى للناس مما يحتاجونه ‌من‌ طاقاتى مما رزقتنى ‌من‌ علم ‌او‌ قوه ‌او‌ مال ‌او‌ جاه، لاحرك ذلك كله ‌فى‌ تعليم الجاهلين، ‌و‌ تقويه الضعفاء، ‌او‌ ‌سد‌ حاجه الفقراء، ‌و‌ قضاء حاجات الناس، لاكون الانسان الذى يرى ‌فى‌ الخير رسالته، ‌و‌ ‌فى‌ العطاء مسووليته، لترتفع حياه الناس ‌من‌ خلال حياته، ‌و‌ ليمتد الخير بامتداد عمره.
 اجعلنى الانسان النافع لخلقك الذى يرى ‌فى‌ ذلك نعمه عليه كما يرى فيه حقا لهم ‌فى‌ وجوده، لان جعل حاجه الناس للناس ‌من‌ خلال نظام الترابط الكونى ‌فى‌ علاقه الموجودات بعضها ببعض، فلا فرق بين الظواهر الكونيه ‌فى‌ ارتباط بعضها ببعض ‌و‌ بين الظواهر الانسانيه حيث تتصل حاجات الناس بعضهم ببعض ‌من‌ خلال توزيع الطاقات ‌و‌ تنوع الحاجات، فليست المساله مساله عطاء ‌من‌ حاله الذات ‌و‌ ‌ما‌ تملكه، بل هى حاله المسووليه ‌فى‌ ايصال رزق الله لعباده ‌من‌ خلال مسووليتهم ‌فى‌ ذلك، ‌و‌ هذا ‌ما‌ توحى ‌به‌ الايه الكريمه ‌فى‌ قوله تعالى: (و آتوهم ‌من‌ مال الله الذى آتاكم)(النور: 33).
 ‌و‌ قوله تعالى: (و انفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)(الحديد: 7).
 فلا معنى لان يمن انسان على انسان اذا اعطاه، لانه لم يعطه ‌من‌ ماله ‌او‌ ‌من‌ جهده، بل اعطاه مما اعطاه الله ‌من‌ ذلك ليوصله اليه، ‌و‌ قد تكون حاله المن منطلقه ‌من‌ حاله استكباريه يشعر فيها المعطى بالعلو على صاحب الحاجه، ‌او‌ ‌من‌ حاله الغفله عن مضمون النعمه الالهيه التى يمنحها الله للانسان ‌و‌ علاقتها ‌به‌ تعالى، ليكون دور الانسان ‌هو‌ دور الاداره التى يحركها لايصال رزقه لخلقه.
 ‌و‌ قد يكون مدلولها النفسى ‌فى‌ موقع السلبيه الكبيره على المستوى الاخلاقى، لان الله يريد للمومن ‌ان‌ يعيش روحيه العطاء للناس ‌و‌ للحياه، ‌من‌ خلال ذاتيه العطاء ‌فى‌ شخصيته الروحيه التى تنطلق ‌من‌ الايحاءات الاخلاقيه ‌فى‌ المضمون العبادى للعمل الصالح الذى يرتفع الى الله عندما يقوم ‌به‌ المومن قربه اليه على ‌خط‌ التوجيه القرآنى ‌فى‌ قوله تعالى:
 (و يطعمون الطعام على حبه مسكينا ‌و‌ يتيما ‌و‌ اسيرا انما نطعمكم لوجه الله ‌لا‌ نريد منكم جزاء ‌و‌ ‌لا‌ شكورا)(الانسان: 9 -8).
 ‌و‌ لعل المقصود بمحق المن للخير الصادر ‌من‌ الانسان ابطال اثره ‌و‌ محو نتائجه الطيبه، ‌و‌ ذلك باعتباره عملا بعيدا عن الخير، ‌لا‌ يستحق الثواب عليه ‌و‌ ‌لا‌ يرتفع ‌به‌ درجه عند الله بما يرتفع ‌به‌ الصالحون الذين يعملون الصالحات عنده، لان هذا العمل اذا كان ‌سد‌ حاجه هذا المحتاج ‌من‌ جهه، فقد اسقط روحيته ‌من‌ جهه اخرى، الامر الذى يجعل العمل فارغا ‌من‌ مضمون الخير ‌فى‌ حركته ‌فى‌ حياه الانسان، لان الله يريد للمومنين ‌فى‌ عمل الخير، ‌ان‌ يحققوا للمومن المحتاج عزته ‌فى‌ العطاء، حتى ‌لا‌ يضطر لاذلال نفسه بالسئوال، فلا يرضى باذلاله ‌من‌ قبل المعطى باسلوب المن.
 
 5- اللهم اعصمنى ‌من‌ الفخر:
 
 ‌يا‌ رب، لقد خلقتنى انسانا سويا، ‌و‌ خططت لى الطريق الذى يصل ‌بى‌ الى الارتفاع بانسانيتى ‌فى‌ مضمونها الداخلى، حتى اكون سويا ‌فى‌ صوره الكيان ‌فى‌ داخل ذاتى، كما كنت سويا ‌فى‌ الصوره الظاهريه ‌من‌ وجودها، ‌و‌ اردتنى ‌ان‌ اكون المخلوق الحى الذى يغنى الحياه بجهده، ‌و‌ يرتفع بمستوى الناس ‌فى‌ حركه مسووليته، ‌و‌ يحرك عناصر الخير ‌فى‌ وجوده، ليعرف كيف يوكد نفسه ‌فى‌ اخلاقه العاليه ‌و‌ ليوكد دوره ‌فى‌ حركه الواقع، فيكون الانسان المسوول ‌فى‌ بذل الخير كله للناس، ‌و‌ ‌فى‌ الارتفاع بنفسه عن القبيح ‌و‌ اخضاعها لفعل الجميل، ‌و‌ التخطيط لكل قناعاته ‌و‌ اقواله ‌و‌ افعاله ‌من‌ اجل الوصول بها الى الدرجه العليا التى تجعل ‌من‌ انسانيته عنصرا حيا تجد الحياه فيه بركتها ‌و‌ ارتفاعها ‌و‌ حيويتها ‌و‌ حركيتها ‌فى‌ اتجاه الخير ‌و‌ الحق ‌و‌ العدل.
 اللهم هب لى معالى الاخلاق، لاكون الانسان الذى يعلو باخلاقه ‌لا‌ بعناصره الماديه، ‌و‌ لكن المشكله- ‌فى‌ هذا المجال- ‌ان‌ النفس قد ترتفع ‌فى‌ النظره الى الذات ‌من‌ خلال عناصرها الاخلاقيه، لتكون رويتها لها باعتبارها عناصر امتياز ذاتى ‌فى‌ مقابل العناصر الذاتيه لامتيازات الاخرين، فتنطلق بها نزعه الفخر الذى يتحدث عن الامجاد، ‌و‌ يتطاول بها على الناس، لينظر اليهم ‌من‌ الموقع الاعلى باعتبار انهم ‌فى‌ الموقع الاسفل، لانهم ‌لا‌ يملكون ‌ما‌ يملكه ‌من‌ الخصائص، الامر الذى يسقط الروح ‌و‌ يحول الاخلاق الى عنصر مادى يضيع ‌فى‌ عناصر التراب، بدلا ‌من‌ ‌ان‌ ينطلق ‌فى‌ آفاق السمو ‌فى‌ عناصر النور الالهى.
 اللهم اجعلنى انظر الى معالى الاخلاق كنعمه انعمت بها على ‌من‌ خلال الهامك لى ‌فى‌ السير على الخط المستقيم، الذى يحدد لى اتجاه السير ‌فى‌ مواقع رضاك، ‌و‌ امنحنى السمو الروحى الذى ارتفع- ‌من‌ خلاله- الى الافق الرحب الفكرى الذى يوحى الى بانى اذا كنت اتميز عنهم ‌فى‌ صفه، فانهم يتميزون عنى ‌فى‌ صفات اخرى، ‌و‌ ‌ان‌ قيمه اخلاقيه الصفات الطيبه ‌ان‌ ‌لا‌ يحس بها الانسان ‌فى‌ حجم الذات، بل ‌فى‌ اتجاه السير، بحيث تكون حاله عضويه تحرك خطواته ‌من‌ خلالها ايحاءاتها بشكل طبيعى هادى ء.
اللهم اجعلنى ‌من‌ الذين تتواضع ارواحهم ‌و‌ مشاعرهم لك:
 
 ‌يا‌ رب، ‌ان‌ مشكلتى هى مشكله النفس الاماره بالسوء، التى تجمح ‌بى‌ الى ساحات ‌لا‌ اجد فيها الطمانينه الروحيه الرضيه التى اعيش ‌من‌ خلالها ‌فى‌ آفاق محبتك، ‌و‌ قد تتاثر بالحالات الطارئه التى قد تحيط بى، مما قد ارتفع فيه درجه عند الناس ‌من‌ خلال بعض ‌ما‌ يتاثرون ‌به‌ ‌من‌ صفاتى الجيده، التى ترتفع بها الدرجات لديهم، ‌او‌ مما احصل فيه على ‌عز‌ ظاهر ‌من‌ خلال بعض المواقف الكبيره التى قد تنطلق بها خطواتى ‌فى‌ الحياه ‌من‌ انتصار ‌فى‌ معركه، ‌او‌ ارتفاع ‌فى‌ علم، فتتحول الرفعه الظاهره عندى عجبا، ‌و‌ العز البارز لدى كبرا، فيختل التوازن الاخلاقى ‌فى‌ ذاتى، فابتعد عن الاستقامه ‌فى‌ مشاعرى تجاه الموقع الصحيح الذى يجب ‌ان‌ اضع نفسى فيه، ‌و‌ هذا ‌ما‌ عبر عنه الحديث الشريف: «كفى بالمرء فتنه ‌ان‌ يشار اليه بالاصابع ‌فى‌ دين ‌او‌ دنيا». ‌و‌ عن اميرالمومنين على ‌بن‌ ابى طالب (ع)، قال: «ما ارى شيئا اضر بقلوب الرجال ‌من‌ خفق النعال وراء ظهورهم».
 اللهم انى اسالك العصمه ‌فى‌ ذلك فلا اغفل عن نقاط الضعف ‌فى‌ نفسى عندما يحدثنى الناس عن نقاط القوه فيها، ‌و‌ ‌لا‌ ابتعد عن حقيقه موقعى الواقعى عندما يرفعوننى الى الموقع الاعلى، بل اجعلنى انزل درجات ‌و‌ درجات الى اعماق نفسى حيث تكمن ‌فى‌ الجانب العميق الخفى منها عيوبى التى استرها عن الناس، ‌و‌ خطاياى التى مارستها بعيدا عنهم، الامر الذى يجعلنى ‌فى‌ مواقع الانحطاط الروحى ‌و‌ السقوط العملى، ليتحقق بذلك التوازن بين درجه متقدمه على السطح ‌فى‌ تقدير الناس، ‌و‌ بين درجه نازله ‌فى‌ العمق ‌فى‌ نظرتى الى نفسى، فلا يزحف العجب الى، ‌و‌ ‌لا‌ يقترب الانحراف منى.
 اللهم ‌لا‌ تجعلنى استعير ثقتى ‌من‌ الناس، فاتطلع الى عيونهم كيف تلمع اعجابا، ‌و‌ الى السنتهم كيف تهتف ثناء، ‌و‌ الى رووسهم كيف تنحنى خضوعا، ‌و‌ الى مواقفهم كيف تتحرك احتراما، فارى العز، كل العز، ‌فى‌ مستوى نظرتهم الرفيعه الى، ‌و‌ حجم تقديرهم لى، بل اجعلنى افكر ‌فى‌ العناصر الحقيقيه ‌فى‌ ذاتى عبر ‌ما‌ املكه ‌من‌ نقاط القوه التى تمنح وجودى العزه الحقيقيه التى تحسب حسابات جانب القيمه فيها بكل دقه، فلا تخطى ء ‌فى‌ القليل منه ‌و‌ الكثير.
 فاذا تجمع الناس حولى ‌و‌ هتفوا لى بالكلمات الكبيره، ‌و‌ المدائح الكثيره، فاجعلنى ‌من‌ الذين تتواضع ارواحهم ‌و‌ مشاعرهم لك، لانك العزيز ‌و‌ انا الذليل، ‌و‌ ‌من‌ الذين يقومون بعمليه الايحاء الداخلى ‌فى‌ عمليه المراقبه ‌و‌ المحاسبه، لاكتشاف النقص الذاتى الذى يجعل الانسان يحس بطعم الذل امام ذلك، ‌فى‌ مقابل العز الذى يمنحه اياه الموقع الاجتماعى الرفيع.
 اننى اعرف- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ المساله ليست مساله السلبيه ‌فى‌ الرفعه ‌او‌ ‌فى‌ العزه، فليست المشكله الاخلاقيه ‌ان‌ يرتفع قدر الانسان درجه ‌او‌ درجات عند الناس، ‌او‌ ‌ان‌ ينفتح على مواقع العز الذى يمنحونه له، ‌و‌ لكن المساله السلبيه هى ‌فى‌ انفعال الانسان بمظاهر العلو ‌و‌ الرفعه ‌و‌ العزه التى يحيطه بها الاخرون ‌و‌ سقوطه امامها، بحيث ينسى القيمه الحقيقيه لنفسه امام ‌ما‌ يخيل الى الناس ‌من‌ طبيعه قيمته عندهم، حتى ‌لا‌ يخضع للخداع الذى قد يمارسه المتزلفون ‌و‌ المنافقون عندما يحيطونه بمظاهر خادعه، ‌و‌ كلمات زائفه، ليبتعدوا ‌به‌ عن التوازن ‌و‌ الاستقامه ‌فى‌ نظرته الى نفسه.
اللهم عمرنى ‌ما‌ كان عمرى بذله ‌فى‌ طاعتك:
 
 ‌يا‌ رب، انى اتطلع اليك لتطل بلطفك على كل افكارى ‌و‌ خطواتى ‌و‌ دوافعى ‌و‌ التزاماتى ‌و‌ علاقاتى، ليستقيم لى الامر ‌فى‌ ذلك كله، لابلغ فيه غايه رضاك، لان بعض ‌ما‌ اخشاه ‌ان‌ ينحرف ‌بى‌ العمر الى غير ذلك ‌فى‌ البدايه، ‌او‌ التقى بالانحراف ‌فى‌ منتصف الطريق ليستمر ‌بى‌ ذلك الى آخره.
 اللهم انى اسالك ‌ان‌ تفتح عقلى ‌و‌ قلبى ‌و‌ شعورى على الهدى الصالح الذى يتحرك ‌فى‌ حياتى، ليدلنى على الغايه المثلى ‌فى‌ رحاب هداك، لاعى ذلك وعيا عميقا شاملا ممتدا ‌فى‌ آفاق قدسك، فلا تحملنى الشكوك الى متاهات الضياع، ‌و‌ ‌لا‌ يلقى ‌بى‌ الظماء ‌فى‌ احلام السراب، ‌و‌ ليصل ‌بى‌ الى ذلك ‌من‌ اقرب طريق، فان القضيه كل القضيه ‌ان‌ التقى بمواقع الهدى ‌و‌ خطوطه ‌فى‌ دروب الصلاح، ‌و‌ ‌ان‌ اثبت على ذلك ‌و‌ استمر عليه ‌فى‌ اصرار على المواقف التى تربطنى به.
 اللهم انى ابتهل اليك ‌ان‌ تجعل مذهبى ‌فى‌ الحياه مذهب الحق ‌فى‌ ‌ما‌ احمله ‌من‌ فكر، ‌و‌ ‌ما‌ اختزنه ‌من‌ عاطفه، ‌و‌ ‌ما‌ اثيره ‌من‌ موقف، ‌او‌ التزمه ‌من‌ خط، ‌و‌ ‌لا‌ تجعل مذهبى مذهب الباطل الذى يبتعد ‌بى‌ عن سواء السبيل ‌فى‌ التصورات الخاطئه، ‌و‌ العواطف المنحرفه، ‌و‌ المواقف الضاله، ‌و‌ ثبتنى على الخط المستقيم ‌فى‌ صعيد الحق، فلا اميل عنه يمينا ‌و‌ ‌لا‌ شمالا.
 اللهم اجعل نيتى، بما تتحرك ‌به‌ دوافعى ‌و‌ عزماتى ‌فى‌ كل تطلعاتى ‌فى‌ دائره الانسان ‌و‌ الحياه، نيه الرشد التى تلتقى بالصواب فتبتعد عن الخطاء، ‌و‌ تنفتح على ‌خط‌ الاستقامه ‌فى‌ طريق الحق ‌و‌ تتصلب فيه، لاكون الانسان الذى ‌لا‌ يدخل الشيطان الى عقله ‌و‌ ‌لا‌ ينفذ الى قلبه ‌فى‌ وسوساته الشريره التى تدفع الذات الى النيات الخبيثه، بل ينطلق اليك ليستوحى منك كل الايحاءات الخيره ليعيش كل معانى الخير ‌فى‌ نفسه، ‌و‌ ليتحرك ‌فى‌ موقع الصدق ‌من‌ موقفه، ‌و‌ ‌لا‌ تجعلنى ‌من‌ الذين يعبدون الله على حرف فان اصابهم خير اطمانوا به، ‌و‌ ‌ان‌ اصابتهم فتنه انقلبوا على اعقابهم فكانوا ‌من‌ الخاسرين للدنيا ‌و‌ الاخره، ‌و‌ ‌لا‌ تجعل للشك سبيلا الى قلبى، ‌و‌ للاهتزاز مدخلا الى موقفى، ‌و‌ ليكن الرشد ‌فى‌ عزماتى جزءا ‌من‌ ذاتى، فلا تتساقط ‌فى‌ مهب الرياح.
 اللهم انى قد احب امتداد الحياه ‌فى‌ احاسيسها ‌و‌ لذاتها ‌و‌ شهواتها ‌و‌ اطماعها ‌و‌ لهوها ‌و‌ عبثها، لان الطبيعه الكامنه ‌فى‌ جسدى تدفعنى الى عيشها ‌فى‌ حيويتها بشكل عفوى ‌لا‌ يتكلف الفكره ‌و‌ ‌لا‌ يعقد الشعور، ‌و‌ لكنى قد افكر بطريقه اخرى اذا درست مقامى ‌فى‌ وجود خلقك، ‌و‌ موقفى- ‌فى‌ صعيد العبوديه- امامك، ‌و‌ موقعى، ‌فى‌ ساحات القرب منك، فيتحول الشعور لدى الى حاله عقليه تتدخل ‌فى‌ حسابات الربح ‌و‌ الخساره ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره ‌فى‌ التعامل معك، ‌فى‌ التجاره التى احصل بها على النتائج الكبرى ‌فى‌ الثروه الروحيه المتحركه ‌فى‌ خزائنك التى ‌لا‌ تنفد، ‌و‌ عطاياك التى ‌لا‌ تنقطع، فاحب العمر الذى يحلق ‌فى‌ آفاق السمو ‌فى‌ مواقع العز ‌من‌ عرشك، ‌و‌ ينطلق ‌فى‌ رحاب المعرفه ‌من‌ سرك، ‌و‌ يلتقى بكل حركه الطاعه ‌فى‌ دينك، ‌و‌ يشرب ‌من‌ ينابيع المحبه ‌من‌ رحمتك، ‌و‌ يطل على اجواء الطهر ‌من‌ لطفك، ‌و‌ يطوف ‌فى‌ ساحات القرب ‌من‌ قدسك، ‌و‌ يعيش ‌فى‌ روحيه الايمان ‌من‌ وحيك.. ‌و‌ يبقى ‌فى‌ هذا الدرب الذى يدله عليك ‌و‌ يصله بك، لتكون كل ساعه ‌من‌ ساعاته مملوءه بطاعتك، فلا يكون للشيطان منفذ الى، ‌و‌ ‌لا‌ يملك ‌اى‌ موقع ‌من‌ حياتى..
 اما اذا انساب الشيطان ‌فى‌ دمى ‌فى‌ نزواته، ‌و‌ دخل الى عقلى ‌فى‌ نزعاته، ‌و‌ طاف بقلبى ‌فى‌ خطراته، ‌و‌ عاشت وساوسه ‌فى‌ صدرى، ‌و‌ تحركت خطواته ‌فى‌ دربى، ‌و‌ انطلق ‌فى‌ عبثه ‌فى‌ جسدى، ‌و‌ مضى يرتع ‌فى‌ كل ساحات عمرى، فكانت حياتى خاضعه له، ضائعه ‌فى‌ متاهاته، منقاده لاوامره ‌و‌ نواهيه، منفتحه على كل ملاعبه ‌و‌ مواقعه، مما يجعل المعصيه كل همى، ‌و‌ الانحراف كل طموحى، فيشدنى ذلك الى الوقوع تحت تاثير سخطك، ‌و‌ يضعنى ‌فى‌ مواقع اشتداد غضبك، فابتعد عنك، ‌فى‌ خيالات شيطنته ‌و‌ ملاعب اهوائه، فافقد الفرصه الوحيده ‌فى‌ السعاده الابديه التى ‌لا‌ ينالها الا عبادك الصالحون الذين تواصوا بالحق ‌و‌ تواصوا بالصبر. فاذا كانت حياتى مرتعا للشيطان، يذهب فيها ‌و‌ يجى ء، ‌و‌ يلعب ‌و‌ يعبث، ‌و‌ يحكم ‌و‌ يقود، فاقبضنى اليك، ‌و‌ ابعدنى عن هذه الطريق المهلكه، ‌و‌ العاقبه السيئه، ‌و‌ ارفعنى عن هذا المستنقع الروحى، ‌و‌ الوحل الفكرى، ‌و‌ القذاره العمليه، لان معنى بقائى فيها ‌ان‌ يحل ‌بى‌ غضبك، ‌و‌ يستحكم على مقتك، ‌و‌ هذا ‌هو‌ شقاء الدنيا ‌و‌ الاخره.
اللهم اتمم ‌فى‌ مكارم الاخلاق:
 
 ‌يا‌ رب، انا الانسان الذى تتجمع ‌فى‌ ذاته الاخطاء ‌و‌ العيوب، ‌و‌ تبتعد عنه الخصال ‌و‌ الصفات ‌و‌ الاعمال الطيبه.
 ‌و‌ انا الذى يتحرك ‌من‌ خلال عناصر الضعف ‌فى‌ شخصيته، ‌و‌ حركه الخطايا ‌فى‌ اعماله ‌و‌ اقواله.
 ‌و‌ انت ربى الذى يملك ‌من‌ نفسى ‌ما‌ ‌لا‌ املكه، ‌و‌ يهيمن على ‌ما‌ ‌لا‌ استطيع الهيمنه عليه.
 فهل لى ‌ان‌ اطلب منك، ‌فى‌ سئوال العبد الخاشع المتضرع، ‌ان‌ تغمرنى بلطفك، فتنفذ الى كل الخصال الشريره التى يعيبها الناس على مما يرصدونه ‌من‌ اوضاعى العامه ‌و‌ الخاصه، لتلهمنى الوعى الذى يبادر الى تحريك الاراده ‌من‌ اجل الخلاص منها، ‌و‌ السعى الى اصلاحها بتحويلها الى خصال خيره، ‌و‌ تغمرنى بالفيوضات الروحيه التى تسبغ على الطهر ‌و‌ الصفاء الروحى.
 هل لى- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ اتوسل اليك بان تخلصنى ‌من‌ كل ‌ما‌ اونب ‌به‌ ‌و‌ اذم عليه ‌من‌ الافعال ‌و‌ الصفات المعيبه، لتحولها الى افعال ‌و‌ صفات حسنه، ‌و‌ تتم على كل مكارم الاخلاق ‌و‌ محامد الفعال التى تنقصنى، لاحقق ذاتى ‌فى‌ المستوى الرفيع الذى يبلغه الانسان الخير الطيب الساعى الى الكمال ‌فى‌ اعلى درجاته، ‌من‌ خلال توفيقك لذلك ‌فى‌ سعيه الدائب ‌فى‌ اصلاح نفسه ‌و‌ اكمال نقصه.
اللهم اجعلنى محبا للناس ‌و‌ محبوبا منهم:
 
 ‌يا‌ رب، لقد خلقتنى انسانا منفتحا على الناس، بحسب طبيعته ‌و‌ حاجاته، فلا غنى له عنهم، كما قد ‌لا‌ يكون لهم غنى عنه، فقد جعلت الحياه ‌فى‌ ‌خط‌ التكامل بين خلقك، فلا يملك احد ‌ان‌ يحصل على كل حاجاته بنفسه، فلا ‌بد‌ له ‌من‌ الاستعانه بغيره، ‌و‌ هذا ‌ما‌ يجعل الموقع الاجتماعى للانسان قضيه حيويه ‌فى‌ حياته، فاذا كان قريبا الى الناس، محبوبا منهم، متواصلا معهم، موثوقا منهم، آمنا ‌من‌ عدوانهم، واثقا ‌من‌ نصرتهم، سعيدا ‌فى‌ عشرتهم، حاصلا على ولايتهم، منفتحا عليهم، ‌فى‌ مواقع انفتاحهم عليه، كانت حياته متوازنه ‌فى‌ اوضاعها، منسجمه مع ماربها ‌و‌ مقاصدها، منطلقه مع طموحاتها ‌و‌ تطلعاتها، لان النتيجه الطبيعيه ‌فى‌ مثل هذا المستوى ‌من‌ العلاقات الاجتماعيه الايجابيه يفرض تعاون الاخرين معه على كل اموره المرتبطه بهم، بينما تمثل العلاقات السلبيه مشكله لكل مواقع حركته ‌فى‌ المجتمع، لان ابتعاد الناس عنه، ‌و‌ مقاطعتهم له، ‌و‌ اتهامهم له، ‌و‌ عداوتهم له، ‌و‌ سوء عشرتهم، ‌و‌ بغيهم عليه، ‌و‌ غير ذلك، يودى الى ‌ان‌ يعيش الانفصال عن الواقع الاجتماعى، فيكون وحيدا منبوذا ‌من‌ كل الناس حوله، فلا يملك تحريك اوضاعه ‌فى‌ الاتجاه السليم.
 اللهم، انى اسالك ‌ان‌ تجعلنى الانسان المنفتح على عبادك ‌فى‌ ‌خط‌ انفتاحهم عليه، حتى املك، ‌من‌ خلال ذلك، القدره على التحرك ‌فى‌ ساحاتهم بحريه ‌و‌ راحه، بحيث اكون الانسان الذى يعمل على انتاج المسووليه ‌فى‌ جهده ‌من‌ خلال مشاركه الاخرين له ‌فى‌ جهودهم المتعاونه معه.
 اللهم، انك تملك ‌من‌ قلوب الناس ‌ما‌ ‌لا‌ املك، ‌و‌ تهيمن على امورهم بما ‌لا‌ استطيع، فقد قلت لرسولك ‌فى‌ محكم كتابك: (لو انفقت ‌ما‌ ‌فى‌ الارض جميعا ‌ما‌ الفت بين قلوبهم ‌و‌ لكن الله الف بينهم)(الانفال: 63)، ‌و‌ جعلت ذلك منه عليه، ‌و‌ نعمه عليهم، فهل لى ‌ان‌ اطلب منك ‌ان‌ تفتح قلوبهم على، ‌و‌ توجه جهودهم الى، ‌و‌ ‌ان‌ تمنحنى القدره ‌و‌ الوعى ‌و‌ الاراده على ‌ان‌ اغير نفسى، ‌فى‌ هذا الاتجاه، على الصوره التى تجعل ‌من‌ افكارى ‌و‌ عواطفى ‌و‌ مشاعرى ‌و‌ خطواتى، العناصر الحيه التى تودى ‌بى‌ الى تحقيق ذلك ‌فى‌ الامور التى ترتبط بالخطه الواقعيه التى تجذب الناس الى الناس، ‌و‌ تجمع بينهم على اساس العلاقات الجديه الحميمه المفتوحه على انسانيه الانسان ‌فى‌ حياته الاجتماعيه، لاننى- ‌يا‌ رب- ‌لا‌ اقف ‌فى‌ موقف سلبى ‌فى‌ مسوولياتى ‌فى‌ اصلاح نفسى ‌فى‌ الامور التى تنطلق تعقيداتها ‌فى‌ صلتى بالناس، ‌من‌ خلال نقاط الضعف لدى، فلا اكتفى بمسالتك، لابتعد عن الحركه السائره ‌فى‌ ‌خط‌ التغيير الذاتى، لانك علمتنا ‌من‌ خلال وحيك الى رسولك، انك تقدر للناس تغيير حياتهم ‌و‌ تسهل ذلك لهم، ‌من‌ خلال مبادرتهم الى تغيير انفسهم، ‌و‌ ذلك ‌فى‌ قولك- سبحانك-:(ان الله ‌لا‌ يغير ‌ما‌ بقوم حتى يغيروا ‌ما‌ بانفسهم)(الرعد: 11).
 فانك ‌لا‌ تريد للانسان ‌ان‌ يقف موقف العاجز، فيهمل ‌ما‌ اعطيته ‌من‌ القدره على تغيير نفسه ‌فى‌ الموثرات المتصله باوضاعه العامه ‌و‌ الخاصه، ‌و‌ يكتفى بالتوجه اليك بالدعاء لتحل له مشكلته مع الناس، فقد جعلت امثال هذا ممن ‌لا‌ يستجاب دعاوهم، لانك لم تجعل الدعاء بديلا عن الجهد الانسانى الذاتى، بل جعلته مكملا له، مما قد يفاجى ء الانسان ‌من‌ المتغيرات التى لم ينتظرها، ‌او‌ الصعوبات التى ‌لا‌ يستطيع تجاوزها، فيلجاء اليك ‌من‌ موقع العجز الذى لم يختره، ‌و‌ ‌من‌ موقع المشكله التى ‌لا‌ يملك حلها بقدراته الخاصه.
 ‌يا‌ رب، ربما اواجه ‌فى‌ حياتى بعض الناس الذين يشعرون بالبغض الشديد لى، انطلاقا ‌من‌ عقده ذاتيه ضدى، ‌او‌ ‌من‌ خطاء ‌فى‌ اعمالى ‌و‌ اقوالى، ‌او‌ ‌من‌ خلال بعض الاجواء المحيطه بى، المثيره للاحاسيس المضاده ‌او‌ غير ذلك ‌من‌ الامور التى تعقد الناس ‌من‌ بعضهم البعض، فاحاول تغيير ذلك ‌من‌ انفسهم فلا استطيع الى ذلك سبيلا، فترتبك حياتى ‌من‌ خلال هذا الارتباك ‌فى‌ علاقات الناس ‌بى‌ ‌من‌ خلال نظرتهم السلبيه الى، فهل اطمع- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ تبدل بغضاءهم القاسيه الشديده الى محبه تزيل عنهم اوهامهم التى يحملونها عنى، ‌و‌ تجلو عنى صدا الخطاء الذى قد يكون سببا ‌فى‌ ذلك، ‌و‌ انت القادر على ذلك، ‌يا‌ مقلب القلوب ‌و‌ الابصار؟!
 اجعلنى- ‌يا‌ رب- محبوبا عند الناس ‌من‌ هولاء ‌و‌ غيرهم، لانك تعلم ‌ان‌ المحبه هى القاعده التى يمكن ‌ان‌ تغنى الحياه بكل مشاعرها الحلوه ‌و‌ التى تمنح القلب حلاوه الاحساس، ‌و‌ العلاقات حلاوه التواصل الروحى المنفتح على الانسانيه الايجابيه ‌فى‌ الواقع الانسانى.
 ‌يا‌ رب، قد يحسدنى الناس على ‌ما‌ انعمت ‌به‌ على ‌من‌ نعمك ‌فى‌ نفسى ‌و‌ ‌فى‌ مالى ‌و‌ جاهى ‌و‌ اهلى ‌و‌ ولدى، فيتحول الحسد عندهم الى حركه باغيه عدوانيه ‌من‌ اجل افساد حياتى، ‌و‌ اسقاط مواقع نعمتك عندى ‌فى‌ تمنياتهم المعقده لزوال النعمه عنى، ‌من‌ دون التفات الى قدرتك على ‌ان‌ تمنحهم امثالها ‌او‌ اكثر منها، مع ابقاء ‌ما‌ منحتنيه ‌من‌ ذلك، لان خزائنك ‌لا‌ تنفد، ‌و‌ آلاءك ‌لا‌ تحصى، ‌و‌ لكن مشكله هولاء انهم يعيشون ‌فى‌ انفسهم عقده البغى الخانقه التى تخنق مشاعرهم فلا تتنفس بالخير، ‌و‌ تضيق آفاقهم فلا تنفتح على النور.
 اللهم انى استعين بك عليهم، لتغير ‌ما‌ ‌فى‌ داخلهم ‌من‌ حاله البغى المجنون، ليتبدل الحسد لديهم الى موده يمتزج فيها الاحساس بالوعى، فتتسع افكارهم لتكتشف ‌من‌ خلال معرفه تدبيرك ‌فى‌ خلقك، ‌ان‌ هذه التمنيات العدوانيه، ‌لا‌ تحقق لهم غايه، ‌و‌ ‌لا‌ تحل لهم مشكله، بل تعقد لهم مشكلتهم النفسيه، فيزدادون بذلك سوءا، فينتهى امرهم الى السقوط ‌و‌ الهلاك.
 ‌يا‌ رب، قد تدخل حياتى ‌فى‌ الضباب، فيغيب عن الناس ‌من‌ فضائلى ‌و‌ حسناتى ‌ما‌ يمكن ‌ان‌ يحقق لى الموقع الذى استحقه ‌فى‌ مواقع الثقه عندهم، ‌و‌ قد تشتبه الصوره التى تمثلنى لديهم، فتوحى بعض ملامحها بغير الحقيقه، ‌او‌ تثير بعض ايحاءاتها الاحساس الخاطى ء بغير ‌ما‌ انا فيه ‌فى‌ واقع امرى، فيبادرون الى اتهامى بغير الحق، ‌و‌ يسيئون الظن بما استقبله ‌من‌ امورى، ‌و‌ قد تصدر منى بعض الاخطاء ‌او‌ الخطايا التى قد تكون حاله طارئه ‌فى‌ حياتى، ‌لا‌ اثر لها ‌فى‌ اخلاقياتى ‌و‌ افكارى، الامر الذى يجعلها بعيده عن الجذور الضاربه ‌فى‌ اعماق كيانى، المومن بك ‌و‌ برسلك، فيخيل الى الناس ‌ان‌ الخطاء الطارى ء يعنى غياب الصواب عن فكرى تماما كما لو كان حاله اصيله ‌فى‌ الذات، ‌و‌ ‌ان‌ الخطيئه تمثل ابتعاد التقوى عن التزاماتى، كما لو كانت حاله عميقه ‌فى‌ الشخصيه، ‌و‌ نهجا مستمرا ‌فى‌ السلوك، بينما هى ‌فى‌ الحقيقه، وضع طارى ء ‌لا‌ ينفذ الى العمق ‌فى‌ الفكر ‌و‌ النهج ‌و‌ السلوك.
 ‌و‌ قد تكون المشكله لدى، ‌ان‌ هولاء الذين يظنون ‌بى‌ السوء، ‌او‌ يبتعدون عن الثقه بافكارى ‌و‌ اخلاقى، ‌و‌ يحذرون منى ‌و‌ ‌من‌ خطواتى ‌فى‌ الواقع الاجتماعى المتنوع بابعاده، ‌هم‌ ‌من‌ اهل الصلاح الطيبين الواعين، الامر الذى قد ينعكس سلبا على ‌فى‌ موقعى الخاص ‌فى‌ المجتمع، فيودى الى عزلتى عن عقول الناس ‌و‌ قلوبهم، ‌و‌ بالتالى الى ابتعادى عن مجالات التاثير الايجابى ‌فى‌ اوساطهم ‌و‌ ساحاتهم...
 ‌و‌ قد ‌لا‌ يكون هولاء منحرفين عن خطك المستقيم الذى امرت ‌به‌ عبادك المومنين ‌من‌ حسن الظن بالمسلمين، كما جاء عن نبيك محمد (ص) اذ روى عنه انه قال: «ان الله تعالى حرم ‌من‌ المسلم دمه ‌و‌ ماله ‌و‌ ‌ان‌ يظن ‌به‌ ظن السوء»، ‌و‌ جاء عن ائمه اهل البيت (ع) كما روى عن الامام جعفر الصادق (ع): «اذا اتهم المومن اخاه انماث الايمان ‌فى‌ قلبه كما ينماث الملح ‌فى‌ الماء».
 ‌و‌ كما جاء عن اميرالمومنين على ‌بن‌ ابى طالب (ع): «ضع امر اخيك على احسنه، حتى ياتيك منه ‌ما‌ يغلبك، ‌و‌ ‌لا‌ تظنن بكلمه خرجت ‌من‌ اخيك سوءا ‌و‌ انت تجد لها ‌فى‌ الخير محملا». ‌و‌ هذا ‌هو‌ ‌ما‌ تعارف عليه العلماء ‌من‌ قاعده حمل افعال المسلمين على الصحه.
 ‌ان‌ المساله عندهم ليست هى الحكم على المومنين بما يتبادر الى اذهانهم ‌من‌ صوره افعالهم، ‌و‌ طبيعه سلوكهم، ‌من‌ دون قيام البينه على ذلك بالدرجه التى توكد الحجه على الواقع، بحيث تبرر اصدار الحكم الشرعى عليهم، بل المساله هى عدم الثقه الداعيه الى الاطمئنان بالناس ‌من‌ دون اساس واضح، ليكون الموقف ‌هو‌ الحذر المانع ‌من‌ الركون الى الاشخاص، انطلاقا ‌من‌ الانتماء الشكلى الى الايمان ‌و‌ الاسلام، ‌و‌ ‌من‌ الصوره الظاهره التى يتحرك بها الانسان بشكل سطحى، الامر الذى يوحى بالتحفظ ‌فى‌ الحكم الايجابى، تماما كما ‌هو‌ التحفظ ‌فى‌ الحكم السلبى، حتى يلجاء المومن ‌فى‌ ذلك الى ركن وثيق ‌من‌ الاسس الثابته الباعثه على الثقه، ‌فى‌ دائره الدراسه الواعيه الشامله، ‌و‌ هذا ‌هو‌ المروى عن الامام على اميرالمومنين (ع) قال: «و الطمانينه الى كل احد قبل الاختبار له عجز». ‌و‌ ‌فى‌ الخبر المشهور: «الحزم سوء الظن»، ‌و‌ ‌فى‌ الكافى عن الامام جعفر الصادق (ع): «الحزم مساءه الظن»، فان المقصود بذلك، كما قال بعض الشارحين للكافى: «ان جوده الراى ‌و‌ احكام الامر ‌و‌ الاخذ بالثقه يقتضى سوء الظن بالناس، يعنى تجويز السوء منهم، ‌و‌ التثبت ‌فى‌ ‌ما‌ ياتون به، حتى يتبين الحق ‌من‌ الباطل، ‌و‌ الصدق ‌من‌ الكذب، ‌و‌ العلم ‌من‌ الشبهه، ‌و‌ لو وجب القبول منهم ‌و‌ الثقه بهم ‌من‌ غير حزم، ‌و‌ لم يجز نسبه السوء اليهم لوقع الهرج ‌و‌ المرج، ‌و‌ بطل الدين، ‌و‌ رجع كما كان قبل البعثه. ‌و‌ بالجمله، فالحزم يوجب ‌ان‌ يبنى الحال على تجويز السوء منهم حتى يتبين الحق ‌و‌ يحصل الاذعان به، ‌و‌ فيه تنبيه على انه ‌لا‌ ينبغى متابعه الغير ‌فى‌ امر ‌من‌ الامور ‌و‌ تجويز كون ذلك الامر خطاء، بل ‌لا‌ ‌بد‌ ‌من‌ كمال الاحتياط فيه، ‌و‌ انما قلنا على جواز السوء منهم، لانه الذى يقتضيه الحزم ‌و‌ الاحتياط، فلا ينافى ‌ما‌ ورد ‌من‌ النهى عن مساءه الظن بالخلق»، انتهى كلامه.
 ‌و‌ ‌فى‌ ضوء ذلك، ‌لا‌ نجد اشكالا فكريا بين حمل فعل المسلم على الصحه، بمعنى عدم الحكم عليه بالسوء، ‌و‌ بين اساءه الظن بالناس، بمعنى عدم الاستسلام للظاهر بالحذر ‌من‌ الباطن.
 اللهم ابدلنى ‌من‌ اجواء التهمه التى تثيرها بعض اقوالى ‌و‌ افعالى، ‌او‌ يدفع اليها الجو الغائم الذى يطوف ‌فى‌ ساحات حياتى، فافقد الثقه لدى الناس ‌و‌ ‌لا‌ سيما الصالحين منهم، بالثقه المنطلقه مما تعرفه- ‌يا‌ رب- ‌من‌ صدق نياتى ‌و‌ استقامه خطى ‌و‌ سلوكى، ‌و‌ اجعلنى ‌من‌ الذين يوكدون الثقه ‌فى‌ وعى الناس، ‌من‌ خلال مواقع الثقه الثابته ‌فى‌ افكارهم ‌و‌ اعمالهم.
 ‌يا‌ رب، قد اواجه المشكله ‌من‌ اقاربى الذين ياخذون منى موقف العداوه فيبادرون الى الاضرار بى، ‌و‌ التخطيط لافساد امرى ‌فى‌ خطوط حياتى ‌و‌ ارباك اوضاعى ‌فى‌ حركاتهم المضاده، ‌و‌ اقلاق نفسيتى باثارتهم هواجس القلق ‌و‌ مشاعر الحزن، فلا يمنعنى ذلك ‌من‌ الاحسان اليهم، ‌و‌ بذل الصداقه لهم، ‌و‌ اصلاح امرهم، ‌و‌ تثبيت اوضاعهم، ‌و‌ الايحاء اليهم بالطمانينه النفسيه ‌فى‌ علاقتى بهم، لانك امرتنى ‌ان‌ اقدم الصله للرحم القاطع، ‌و‌ ‌ان‌ ابادل عقوقهم لى بالبر بهم.. ‌و‌ لكنى- ‌يا‌ رب- احب العافيه ‌فى‌ حياتى، ‌و‌ انت ولى العافيه ‌فى‌ كل مواقع خلقك، فاسالك ‌ان‌ تلقى ‌فى‌ قلوبهم الموالاه لى بالمحبه ‌و‌ النصره بدلا ‌من‌ العداوه، لان ذلك ‌هو‌ الذى يحقق لنا السلام الروحى ‌و‌ العملى ‌فى‌ حياتنا العائليه التى هى الخليه الاولى للتجربه الاجتماعيه للانسان، التى تمثل المدرسه الاولى ‌فى‌ الارتفاع الى مستوى النهج الاسلامى ‌فى‌ التمرد على نوازع السوء، ‌و‌ تعقيدات الشر، ‌و‌ هواجس الشيطان ‌و‌ وساوسه، كمقدمه للمدرسه الكبيره ‌فى‌ الساحه الاجتماعيه الواسعه، فان الانسان اذا نجح ‌فى‌ احتواء المشاعر المضاده مع الاقربين ‌من‌ اهله، كانت فرصه نجاحه مع الابعدين اكثر ‌و‌ اقوى.
 ‌و‌ هكذا- ‌يا‌ رب- اوكد ‌فى‌ دعائى اياك، ‌ان‌ تبدل خذلان عشيرتى ‌و‌ اقربائى ‌فى‌ حالات التحدى الذى يواجهنى ‌من‌ الاعداء، الى النصره، لان الانسان اذا لم يحصل على دعم عائلته له عاش بعض جوانب الضعف ‌فى‌ حياته، فهم الاقرب اليه ‌من‌ الناس ‌و‌ الاكثر انفتاحا على قضاياه، باعتبار تاثيراتها السلبيه ‌و‌ الايجابيه على قضاياهم، لان خير الانسان ‌و‌ شره، ‌و‌ هزيمته ‌و‌ انتصاره، ‌و‌ كل ‌ما‌ يتصل به، ينعكس على عشيرته، فيدفعهم ذلك الى الاهتمام بنصرته على اعدائه، ‌و‌ ‌ان‌ ‌ما‌ اطلبه- ‌يا‌ رب- ‌هو‌ ‌ان‌ تزيل الموانع التى تمنعهم ‌من‌ نصرتى ‌او‌ تدفعهم الى خذلانى، لاخرج بنتيجه حاسمه ‌من‌ ذلك، ‌و‌ لكن القضيه هى اننى قد اخطى ء ‌فى‌ اكتشاف الطريق الموصل الى هذا الهدف، ‌او‌ اعجز عن تدبير الوسائل العمليه المنتجه، فالجاء اليك لتصرف عنى سوء ذلك، ‌و‌ لتبدله الى خير ‌فى‌ نصرتهم لى، ‌و‌ التفافهم حولى، ‌و‌ رعايتهم لاوضاعى، ‌و‌ دفاعهم عنى بايديهم ‌و‌ السنتهم، امام المصائب ‌و‌ المكاره ‌و‌ المشاكل ‌يا‌ رب العالمين.
 ‌يا‌ رب، قد اعيش مع الناس فلا اجد ‌فى‌ قلوبهم الصفاء ‌و‌ صدق الموده، ‌و‌ لكنى الاحظ ‌فى‌ طريقه تعاملهم معى، انهم يتكلفون الظهور بمظهر الصدق ‌و‌ الود، باسلوب المجامله ‌و‌ الملاينه ‌و‌ الملاطفه التى هى اقرب الى التمثيل منها الى الحقيقه، فقد يكونون ‌من‌ المعاندين الذين يمثلون دور الموافقين، ‌او‌ ‌من‌ الاعداء الذين يظهرون بمظر الاصدقاء، الامر الذى يثقل روحى، ‌و‌ يرهق شعورى، لاننى احب ‌ان‌ تكون علاقه الناس معى علاقه حب ‌و‌ ود ‌و‌ انفتاح ‌و‌ صراحه، بحيث تكون العلاقه طبيعيه حميمه ليس فيها اثر للغش، ‌و‌ ‌لا‌ موقع للزيف.
 اللهم حول هذا الحب الظاهرى الذى يقابلنى ‌به‌ هولاء الناس بطريقه المداراه ‌و‌ المجامله ‌و‌ المداجاه، الى حب حقيقى ينساب بالعاطفه، ‌و‌ يفيض بالحنان، لتكون حياتى مع الناس حبا عميقا ‌فى‌ الشعور يقابله حب خالص ‌فى‌ القلب.
 ‌يا‌ رب، قد يكون هناك ‌من‌ الناس ‌من‌ اعاشرهم ‌و‌ يعاشروننى، بفعل العلاقات الاجتماعيه ‌او‌ الاقتصاديه ‌او‌ السياسيه ‌او‌ غير ذلك، ‌و‌ للعشره تقاليدها ‌و‌ آدابها ‌و‌ اشكالها ‌و‌ سلبياتها ‌و‌ ايجابياتها ‌و‌ كرامتها ‌و‌ معاناتها تبعا للوضع الفكرى ‌او‌ النفسى الذى يتخذه العشير لنفسه ‌فى‌ علاقته بمن يعاشره، ‌فى‌ سوء العشره ‌او‌ حسنها.
 قد يكون هناك ‌من‌ عشيرتى، الفريق الذى يسى ء عشرتى، ‌و‌ يتعمد اهانتى، ‌و‌ يرد على مبادرات الخير التى اقدمها اليه، فيحزننى ذلك، ‌و‌ يربك اوضاعى الاجتماعيه ‌فى‌ علاقتى بالناس.
 اللهم انى اسالك ‌ان‌ تبدل هذا الاسلوب الذى يقابلنى ‌به‌ هولاء المخالطون لى، ‌و‌ الذين يطلعون على خفاياى، ‌و‌ يكتشفون اسرارى بفعل العشره الطويله، ‌و‌ المخالطه الكثيره، باسلوب آخر افضل منه، ‌و‌ ‌هو‌ الاسلوب الكريم الذى ينفتح فيه العشير ‌و‌ الخليط على الخير ‌فى‌ علاقته بى، فيكون الانسان الذى يحسن العشره، ‌و‌ يحترم العلاقه، ‌و‌ ينطلق بكل معانى الود ‌و‌ الاحسان.
 اللهم، انك تعلم ظلم الظالمين، ‌و‌ اساليبهم ‌فى‌ التخويف الذى يقض على الضعيف مضجعه، ‌و‌ يهدد سلامته، ‌و‌ يربك حياته، ‌و‌ يجعله يعيش القلق ‌فى‌ مواقعه، ‌و‌ الحيره ‌فى‌ مواقفه، ‌و‌ المراره ‌فى‌ احساسه.
 اللهم ابعدنى عن ساحات سلطانهم، ‌و‌ اجعلنى ‌من‌ الاقوياء ‌فى‌ مواجهتهم، حتى اشعر بالامن ‌من‌ خلال القوه التى استمدها منك، فلا ينفذون الى بسوء، ‌و‌ ‌لا‌ يملكون تهديدى بايه وسيله، فانك انت الرب الذى يستظل الضعفاء بظل قوته، ‌و‌ يعيش الخائفون ‌فى‌ ساحات امنه.

 اللهم ارزقنى القدره على الظالمين:
 
 ‌يا‌ رب، قد اعيش الصراع مع الناس الذين يتحركون ‌فى‌ ساحات مواجهتى، فيعملون على ظلمى ‌فى‌ حالات الضعف، ‌و‌ مجابهتى بالكلمات القاسيه ‌فى‌ اوضاع الخصومه، ‌و‌ مقابلتى بالعناد لما اريده، ‌و‌ التخطيط باساليب المكر ‌و‌ الحيله للايقاع بى، ‌و‌ محاوله اضطهادى ‌و‌ قهر عنفوانى ‌فى‌ ساحه المعركه، ‌و‌ التحرك ‌من‌ اجل اتهامى بالعيوب التى ‌لا‌ علاقه لى بها، ‌و‌ توجيه الوعيد الى ‌من‌ اجل اسقاط روحيتى ‌فى‌ موقف التحدى.
 اللهم انى استعينك ‌و‌ استجير بك ‌و‌ استمد منك القوه ‌و‌ الرعايه ‌و‌ الحمايه ‌و‌ الامان، اللهم ارزقنى القوه ‌و‌ القدره ‌و‌ السلطه على الظالمين الذين يعملون على ظلمى بقوتهم ‌و‌ سلطانهم، ‌فى‌ استغلال بعض نقاط الضعف ‌فى‌ نفسى ‌او‌ ‌فى‌ موقعى ‌او‌ ‌فى‌ ظروفى المحيطه بى.
 ‌لا‌ تجعلنى- ‌يا‌ رب- اقف موقف الضعيف امامهم، حتى ‌لا‌ يطمعوا ‌فى‌ الامتداد ‌فى‌ نزعه الظلم المتجذره ‌فى‌ شخصياتهم، بل اجعلنى ‌فى‌ موقع المتمرد عليهم، القوى ‌فى‌ مجابهتهم، القادر على اخضاعهم ‌و‌ انقاذ نفسى ‌من‌ ضغط سلطانهم.
 اللهم اجعل لى الحجه القويه المنطلقه ‌من‌ قوه الحق الذى التزمه، ‌و‌ المنطق السليم الذى اتحرك فيه، ‌ضد‌ الذين يدخلون معى ‌فى‌ الخصومه ‌فى‌ قناعاتى ‌و‌ افكارى ‌و‌ وسائلى ‌و‌ اهدافى، حتى اتغلب عليهم لمصلحه الخط المستقيم الذى يجرى مع ‌خط‌ الرساله ‌فى‌ نور هداك.
 اللهم ارزقنى الظفر بالمعاندين للحق الذين يعرفون عمقه، ‌و‌ يشاهدون نوره، ‌و‌ يكتشفون طريقه، ‌و‌ ينفتحون على آفاقه، ‌و‌ لكنهم يرفضونه ‌و‌ يخالفونه، ‌و‌ يابون السير ‌فى‌ خطه، ‌و‌ الاهتداء بهديه، عنادا ‌و‌ استكبارا ‌من‌ دون حجه ‌و‌ ‌لا‌ برهان.
 امنحنى- ‌يا‌ رب- الاسلوب الحكيم الذى استطيع ‌به‌ الضغط على حاله العناد عندهم، ‌و‌ الوسائل القويه التى تحطم كبرياء التعصب الاعمى الذى يدفعهم الى التمرد المجنون على الحق، حتى يسقط ظلام العناد امام نور الحق.
 اللهم هب لى الفكر المتحرك الذى يعرف مخارج الامور ‌و‌ مداخلها، ‌و‌ موارد الاشياء ‌و‌ مصادرها، ‌و‌ بواطن الاوضاع ‌و‌ ظواهرها، ‌و‌ ينفذ الى عمق التخطيط الخفى الذى ينطلق ‌به‌ تفكير الاخرين ‌فى‌ الايقاع بالناس، ‌و‌ الكيد لهم، ‌و‌ التامر عليهم، ‌و‌ المكر بهم، انطلاقا ‌من‌ خفايا السوء الكامنه ‌فى‌ داخلهم، حتى استطيع، ‌من‌ خلال تلك المعرفه الواسعه، ‌ان‌ اواجه المكر بمكر مثله، ‌و‌ الكيد بكيد اقوى منه، ‌و‌ اسقط كل الاعيب الحيل، ‌و‌ اساليب اللف ‌و‌ الدوران، لاحقق الحمايه لنفسى ‌من‌ كيد الكافرين، ‌و‌ مكر الماكرين، ‌و‌ حيل اللاعبين، كما احقق الحمايه بذلك لدينى ‌و‌ امتى ‌و‌ مصيرى ‌من‌ ذلك كله.
 اننى ‌لا‌ احب لنفسى اسلوب المكر ‌و‌ الكيد ‌و‌ اتباع الحيل الخفيه، ‌و‌ لكنك- ‌يا‌ رب- جعلت لكل شى ء ضدا ‌من‌ صنفه، لان المعركه ‌لا‌ ‌بد‌ ‌ان‌ تدار باسلحتها الطبيعيه التى يواجه بها السلاح السلاح المماثل له، فاردت لنبيك نوح ‌ان‌ يبادل السخريه التى يواجهه بها قومه بسخريه مماثله، لان الساخر ‌لا‌ يسقط امام كلمات الجد، فلربما يتخذها وسيله للسخريه الجديده، بل يسقط امام السخريه به، فذلك ‌هو‌ الذى يصيب مقتل الكرامه عنده، ‌فى‌ ‌ما‌ يفكر ‌ان‌ يصيب ‌به‌ مقاتل الاخرين، ‌و‌ هكذا اردت للمكر ‌ان‌ يقابل الماكرين حتى ‌و‌ صفت نفسك بانك خير الماكرين، لانك تسقط مكر كل ماكر، ‌فى‌ خططه الشريره التى يخطط بها لاسقاط الحق ‌و‌ اهله.
 اللهم اجعل لى القدره على المستكبرين:
 
 اللهم فاجعل لى القدره على القوى التى تضطهد الناس ‌و‌ تضطهدنى معهم، ‌و‌ تحاصرهم ‌و‌ تضغط عليهم، ‌و‌ تصادر حريتهم، حتى يعيشوا الضغط النفسى، ‌و‌ القهر العملى، ‌و‌ ذلك ‌من‌ خلال النزعه الاستكباريه ‌و‌ الروح الاستعلائيه للسيطره على اوضاعهم، ‌و‌ لكنهم- ككل المستكبرين- يخضعون للقوه التى تواجه قوتهم، ‌و‌ يسقطون امام روحيه التمرد التى تتمرد عليهم، الامر الذى يجعلنا نقابل القوه بالقوه، ‌و‌ الاضطهاد بالتمرد، لنحول الضعف الكامن ‌فى‌ زوايا نفوسنا الى قوه ‌من‌ خلال الايمان بك، ‌و‌ الثقه بعونك، ‌و‌ الشعور بمواطن الضعف لدى المستكبرين ‌فى‌ مقارنه بمواطن القوه عندنا، ‌فى‌ ‌ما‌ نكتشفه ‌من‌ ذلك ‌فى‌ حياتنا.
 اللهم وفقنى للوقوف ‌فى‌ وجه الناس الشريرين الذين يتهموننى بما انا برى ء منه، ‌و‌ يعيبوننى بما انا سليم منه، على اساس العقده الذاتيه العدوانيه التى يحملونها ضدى، حتى اظهر كذبهم ‌و‌ عدوانهم، ‌من‌ خلال الصوره الحقيقيه التى تمثلنى ‌فى‌ كل الصفات الواقعيه التى اتصف بها، لاننى ‌لا‌ اريد تزكيه نفسى بما ‌لا‌ استحقه، بل كل ‌ما‌ اريده ‌هو‌ ‌ان‌ ابرى ء نفسى ‌من‌ العيوب التى لم اتصف بها، ‌و‌ الكلمات التى ‌لا‌ استحقها ‌من‌ السلبيات التى يحركها الاعداء ضدى.
 اللهم ارزقنى السلامه ‌من‌ التهديدات العدوانيه التى يوجهها الى الطغاه البغاه الذين يبغون على الناس بغير الحق، فيهددوننى ‌فى‌ نفسى ‌و‌ اهلى ‌و‌ مالى ‌و‌ جميع امورى، ‌و‌ يتوعدوننى بالعقوبات القاسيه، ‌و‌ الاوضاع المهلكه، لاقدم التنازلات لهم ‌فى‌ مواقفى الرساليه العامه، ‌و‌ اخضع لتخطيطاتهم ‌و‌ لافكارهم ‌و‌ سياساتهم ‌و‌ توجهاتهم الشريره.
 اننى ‌لا‌ احب- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ افقد احترامى لنفسى، ‌و‌ التزامى برسالتى، ‌و‌ صلابتى ‌فى‌ مواقفى، ‌و‌ اخلاصى ‌فى‌ مبادئى تحت تاثير الوعيد ‌و‌ التهديد، فاذا ضعفت امام ذلك، فاعطنى القوه التى تمنحنى سلامه النفس ‌و‌ الموقف ‌و‌ الموقع.
 اللهم وفقنى لطاعه الصالحين:
 
 ‌يا‌ رب، ربما التقى بالناس الطيبين ‌من‌ الرساليين الذين يرصدون الانحراف ‌فى‌ طريقى ‌و‌ الارتباك ‌فى‌ خطواتى، ‌و‌ الباطل ‌فى‌ اهدافى، ‌و‌ الخطاء ‌فى‌ افكارى، ‌و‌ الاهتزاز ‌فى‌ مواقفى، ‌و‌ الزيف ‌فى‌ سلوكى، فينطلقون بكل اخلاص ‌و‌ محبه ‌و‌ مسووليه، لتسديد اعمالى ‌و‌ اقوالى ‌و‌ علاقاتى ‌و‌ خطواتى، بالنصح ‌و‌ التوجيه ‌و‌ الانفتاح ‌بى‌ على مواقع الصواب، ‌و‌ الابتعاد ‌بى‌ عن مواقف الخطاء، ‌و‌ لارشادى الى الطريق المستقيم ‌و‌ الغايه المثلى، ‌و‌ العروه الوثقى، ‌و‌ الهدايه التى هى اقوم ‌و‌ ازكى.
 ‌و‌ قد يتدخل الشيطان ‌فى‌ عقلى ‌و‌ قلبى ‌و‌ ارادتى ‌و‌ احساسى، فيوسوس لى بالتنكر لهولاء، ‌و‌ التمرد عليهم، ‌و‌ اجتناب وصاياهم ‌و‌ تعاليمهم ‌و‌ ارشادهم ‌و‌ تسديدهم، لانه يعمل على الاستفاده ‌من‌ نزعه الشر التى تختزنها الغرائز ‌فى‌ انحرافاتها، ‌و‌ تثيرها نقاط الضعف ‌فى‌ اهتزازاتها، فاواجه الذين سددونى بالعصيان، ‌و‌ اقابل الذين ارشدونى بالاصرار على السير ‌فى‌ ‌خط‌ الضلال، اغترارا بزخارف الحياه الدنيا ‌و‌ غفله عن سعاده الدار الاخره.
 اللهم انى اسالك التوفيق لطاعه هولاء الناس الناصحين ‌فى‌ ‌خط‌ الرساله، الراشدين المرشدين ‌فى‌ ساحه التقوى، المسددين ‌فى‌ طريق الصواب، ‌و‌ ابعدنى عن كل الهواجس ‌و‌ الوساوس ‌و‌ النزعات ‌و‌ النزوات التى تحسن لى القبيح ‌و‌ تقبح لى الحسن، ‌و‌ تصور لى الصواب خطاء ‌و‌ الخطاء صوابا، ‌و‌ الضلال هدى ‌و‌ الهدى ضلالا، فاننى ‌لا‌ املك القوه الا بقوتك، ‌و‌ ‌لا‌ اتحرك ‌فى‌ ‌خط‌ الرشد ‌و‌ الصواب ‌و‌ الاستقامه الا بمعونتك، فمنك كل التوفيق للطاعه، ‌و‌ منك كل التسديد للصواب.
 جاء ‌فى‌ رياض السالكين تعليقا على هذه الفقرات ‌من‌ الدعاء ‌من‌ خلال ايحاءاتها باللجوء الى القوه ‌فى‌ مواجهه الاساءات الموجهه الى الانسان ‌من‌ الاخرين، ‌فى‌ الوقت الذى تجد فيه الخط الاخلاقى يتمثل ‌فى‌ العفو عمن اساء الينا، فكيف نفسر ذلك؟ قال: «فان قلت: ‌فى‌ هذا الفصل ‌من‌ الدعاء ‌ما‌ ينافى مكارم الاخلاق، فانه (ع) سال الاستعداد للقوه على الانتقام ممن اساء اليه، ‌و‌ حسن الخلق ‌و‌ كرمه يقتضى العفو ‌و‌ الاعراض، بل مقابله الاساءه بالاحسان، كما روى ‌من‌ الخبر المشهور بين الخاص ‌و‌ العام: «ان جبرئيل (ع) جاء الى النبى (ص) فقال: اتيتك ‌يا‌ محمد بمكارم الاخلاق اجمعها، قال: ‌و‌ ‌ما‌ تلك؟ قال: خذ العفو ‌و‌ امر بالعرف ‌و‌ اعرض عن الجاهلين، ‌يا‌ محمد، هى ‌ان‌ تصل ‌من‌ قطعك ‌و‌ تعطى ‌من‌ حرمك ‌و‌ تعفو عمن ظلمك، فاحسن (ص) تقبله ‌و‌ تلقيه حتى نزل قوله تعالى- ثناء عليه-: (و انك لعلى خلق عظيم)(القلم: 4)، ‌و‌ الاخبار ‌و‌ الاثار ‌فى‌ هذا المعنى اكثر ‌من‌ ‌ان‌ تحصر ‌و‌ اشهر ‌من‌ ‌ان‌ تذكر.
 قلت: ليس ‌فى‌ الدعاء ‌ما‌ ينافى الخبر، ‌و‌ بيان ذلك: ‌ان‌ ‌من‌ الظلم ‌و‌ الاساءه ‌ما‌ يحسن العفو عنه، ‌و‌ منه ‌ما‌ ‌لا‌ يحسن الا دفاعه. فالاول: ‌ما‌ ليس على الانسان ‌فى‌ تحمله ‌و‌ التغاضى عنه ذله ‌و‌ غضاضه، ‌و‌ ‌لا‌ عار ‌و‌ دناءه، فهذا مما يحسن العفو عنه ‌و‌ الحلم عليه، ‌و‌ ‌هو‌ الذى يقتضيه حسن الخلق ‌و‌ كرمه، ‌و‌ الثانى: ‌ما‌ ادى الى دنيه ‌و‌ عار، فهذا مما ‌لا‌ يحسن الا دفاعه ‌و‌ الكف عنه، ‌و‌ ‌هو‌ المسمى باباء الضيم ‌و‌ انفه العار ‌و‌ حمايه الحريم ‌و‌ الاخذ بالثار، ‌و‌ عن هذا قال اميرالمومنين (ع): ‌لا‌ خير فيمن ‌لا‌ يغضب اذا اغضب. ‌و‌ قال تعالى حاكيا عن نبيه لوط (ع) ‌فى‌ التاسف على عجزه عن دفاعه: (لو ‌ان‌ لى بكم قوه ‌او‌ آوى الى ركن شديد)(هود: 80).
 ‌و‌ قال الحكماء: ‌ان‌ القوه الغضبيه اذا تركبت مع العقل استقام امر الحمايه ‌و‌ الدفاع ‌و‌ الاخذ بالثار، ‌و‌ كان صاحبه عدلا ‌فى‌ اقتداره، محمودا ‌فى‌ انتصاره. ‌و‌ الى هذا المعنى اشار الجعدى بقوله:
 ‌و‌ ‌لا‌ خير ‌فى‌ حلم اذا لم تكن له
 بوادر تحمى صفوه ‌ان‌ يكدرا
 ‌و‌ ‌لا‌ خير ‌فى‌ جهل اذا لم يكن له
 حليم اذا ‌ما‌ اورد الامر اصدرا
 ‌و‌ قال ابوالطيب:
 اذا قيل حلما قال للحلم موضع
 ‌و‌ حلم الفتى ‌فى‌ غير موضعه جهل
 ‌و‌ ‌من‌ هنا قال العلماء: يجب التدبر ‌فى‌ امر الاساءه ‌و‌ الظلم، فان كان مما يسعه العفو ‌و‌ التجاوز كفى فيه العتاب، ‌و‌ العدل ‌و‌ العفو احسن ‌و‌ اولى ‌و‌ ‌هو‌ اقرب للتقوى، ‌و‌ ‌ان‌ لم تسمح السياسه بالتجافى ‌و‌ الصفح عنه ‌و‌ حيث العقوبه بقدر الذنب ‌لا‌ بقدر التشفى.
 اذا عرفت ذلك، مما ساله (ع)- عن اليد ‌و‌ اللسان ‌و‌ الظفر ‌و‌ الاقتدار، انما اراد ‌به‌ ‌ما‌ يقتضيه اباء الضيم ‌و‌ انفه العار، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ اعلى معالى الاخلاق، ‌لا‌ مناف لها».
 ‌و‌ خلاصه الفكره، ‌ان‌ للقوه ‌فى‌ مواجهه التحديات الظالمه دورها الكبير ‌فى‌ الحالات التى يتحول فيها الموقف الى المستوى الذى يمثل فيه التسامح لونا ‌من‌ الضعف الذى يترك تاثيراته السلبيه على موقع الشخص ‌او‌ الجهه التى يمثلها، ‌او‌ الخط الذى يتحرك فيه، بحيث يودى الى اذلاله ‌و‌ سقوطه تحت تاثير الجهه الظالمه الباغيه، ‌و‌ ‌لا‌ ‌بد‌ ‌فى‌ هذه الحال ‌من‌ المواجهه، ‌و‌ قد يصل الامر فيه الى حرمه العفو ‌و‌ التسامح.. اما اذا كانت المساله تمثل حاله الجهل ‌فى‌ موقف المتحدى، بحيث يكون التعالى عنه موقفا للقوه، فيمكن ‌ان‌ تتحرك اخلاقيه العفو ‌فى‌ ‌خط‌ الاخلاق العاليه، الامر الذى يفرض المزيد ‌من‌ الدقه ‌فى‌ دراسه الموضوع ‌من‌ جميع جوانبه.
اللهم وفقنى للمواقف الانسانيه:
 
 ‌يا‌ رب، اننى اتطلع الى آفاق السمو ‌فى‌ الروح ‌و‌ الارتفاع ‌فى‌ الموقف، لتكون انسانيتى انسانيه الفعل الباحث ‌فى‌ المواقف الذاتيه عن العطاء الروحى الذى ينساب ‌فى‌ الاحساس الطاهر كانسياب الماء ‌من‌ الينبوع الذى يمنح الاخضرار للارض، ‌و‌ الخصب للحياه، ‌من‌ دون ‌ان‌ يطلب عوضا عن ذلك، ‌و‌ كانفتاح الشمس بالنور على الكون كله، ‌من‌ خلال عفويه البذل الذى ‌لا‌ يبحث عن مقابل.
 اللهم وفقنى للابتعاد عن الاخلاق التجاريه التى تتحرك على اساس رده الفعل ‌فى‌ الموقف، فيكون النصح للناصحين، ‌و‌ البر للبارين، ‌و‌ البذل للباذلين، ‌و‌ الصله للواصلين، ‌و‌ حسن الذكر للذاكرين لى بالخير، ‌و‌ مقابله الحسنه بالحسنه، ‌و‌ السيئه بالسيئه، لان هذه الاعمال ‌لا‌ تمثل عمقا اخلاقيا ‌فى‌ الذات، بل تنطلق ‌من‌ عمليه ماديه تعطى كل شى ء ثمنا، ‌و‌ تحسب حساب الاشياء التى يقدمها الاخرون ‌من‌ خلال حجمها ‌و‌ قيمتها الماديه، بعيدا عن ايه مبادرات روحيه ‌فى‌ اخلاقيه الحركه ‌و‌ المبادره، الامر الذى يبتعد بالمساله عن الخط الاخلاقى.
 ‌ان‌ الاخلاق التى تمثل السمو ‌فى‌ مدارج الكمال هى التى تتحرك ‌من‌ خلال المبادره العفويه باعمال الخير على اساس الاندفاع الذاتى الذى يتحرك ‌به‌ الانسان ‌من‌ موقع ايمانه بالخير، بعيدا عن الاخرين ‌فى‌ ‌ما‌ فعلوه ‌او‌ لم يفعلوه، لان المنهج الاسلامى ‌هو‌ ‌ان‌ ينطلق الناس بالاحسان ‌من‌ خلال الاحساس بمعناه الكبير ‌فى‌ النفس، تماما كما هى الاشياء الذاتيه ‌فى‌ حركه الذات، فهذا ‌ما‌ يمنح الانسان روحيه السمو، ‌فى‌ الدرجات العليا ‌من‌ حركه الانسانيه ‌فى‌ وجوده.
 اللهم اجعلنى ممن يتحرك ‌فى‌ كل اعماله مع الناس ‌من‌ موقع الاخلاص لك، ‌و‌ الرغبه ‌فى‌ القرب اليك، ‌و‌ الانفتاح على محبتك، ‌و‌ الاحسان الى عبادك ‌فى‌ ‌ما‌ امرتنى ‌به‌ ‌من‌ الاحسان اليهم، لاكون الانسان الذى يفعل الفعل ‌و‌ ‌هو‌ يتطلع اليك ‌و‌ يحلق ‌فى‌ سماوات رضاك، ‌و‌ ‌لا‌ يتطلع الى الناس ‌فى‌ ‌ما‌ يرضونه ‌او‌ ‌لا‌ يرضونه، ليصوغ نفسه على الصوره التى تحبها ‌لا‌ على الصوره التى يحبها الناس، بعيدا عن محبتك. اللهم اجعلنى اعبدك ‌فى‌ اخلاقياتى كما اعبدك ‌فى‌ صلواتى، لان الاخلاق التى تنطلق ‌من‌ الروح المنفتحه عليك، المشتاقه الى قربك، المتطلعه الى الحصول على رضاك، ‌و‌ الاراده المتحركه ‌فى‌ خطك الاخلاقى المستقيم، تمثل ‌فى‌ عمقها الفكرى ‌و‌ ‌فى‌ ايحاءاتها الشعوريه ‌و‌ ‌فى‌ مدلولها الحركى، عباده روحيه ‌فى‌ مضمون العباده الاسمى المتمثل بالخضوع لك ‌فى‌ ‌ما‌ اجبته ‌و‌ اردته ‌و‌ امرت به، بعيدا عن مواقع الرغبه الذاتيه ‌فى‌ خصوصياتها الخاصه.
 اللهم اجعلنى الانسان المومن الذى يفكر بالنصح لكل خلقك، لانك جعلت النصيحه لهم علامه ايمان المومن، ليكون ذلك ‌سر‌ ايمانى، ‌من‌ دون فرق بين الناس الذين يمارسون الغش معى ‌فى‌ امورى عندما اطلب اليهم النصح، ‌و‌ بين الناس الذين يقدمون النصح لى ‌فى‌ قضاياى، ‌و‌ وفقنى ‌فى‌ تسديدك لى ‌فى‌ اعمالى للسير على نهجك القويم، لان ابر الناس كلهم، سواء كانوا ‌من‌ الهاجرين لى ‌و‌ المعقدين منى، ‌او‌ ‌من‌ الناس البارين بى، ليكون البر حاله انسانيه ‌فى‌ مبادراتى ‌لا‌ حاله ذاتيه ‌فى‌ مصالحى ‌و‌ منافعى.
 ‌و‌ اجعلنى ‌من‌ الذين ‌لا‌ يبادرون الحرمان بالحرمان، بل يبادرون الى البذل ‌فى‌ مقابل الحرمان انطلاقا ‌من‌ روحيه العطاء بلا مقابل ‌فى‌ معنى الايمان ‌فى‌ عقولهم ‌و‌ ‌فى‌ قلوبهم.
 وهب لى الروح التى تدفعنى الى صله الناس الذين يقاطعوننى لاتحرك ‌فى‌ ذلك ‌من‌ خلال معنى الانسانيه المومنه، التى تخلق ‌فى‌ داخل الانسان معنى التواصل الاجتماعى ‌من‌ موقع الايمان بضروره الترابط الانسانى القائم على الشعور الحى ‌و‌ المسووليه الاجتماعيه.
 ‌و‌ ارزقنى السمو الاخلاقى الذى يدفعنى الى المستوى الرفيع ‌فى‌ مقابله الذين ينتابوننى ‌و‌ يتهجمون على، بالذكر الحسن، تعففا عن الولوغ ‌فى‌ اعراض الناس، ‌و‌ تجنبا عن الخوض ‌فى‌ عيوبهم، ‌و‌ ابتعادا عن معنى العقده ضدهم، لان القضيه عندى- ‌فى‌ وحى الايمان- ‌ان‌ افكر بان ذكر عيوب الناس ‌و‌ اسقاط كراماتهم ‌هو‌ ‌فى‌ مستوى القيمه السلبيه التى ‌لا‌ يحبها الله لعباده المومنين، فليس لى الحق ‌فى‌ ممارستها اذا كان الاخرون ينحرفون عن ‌خط‌ الاستقامه فيها.
 ‌و‌ اجعلنى ممن يجزى الاحسان بالاحسان، فيشكر الحسنه ‌و‌ ‌لا‌ يتنكر لها، كبعض الناس الذين تنتفخ ذواتهم ‌فى‌ انفسهم كبرياء ‌و‌ غرورا، فيخيل اليهم ‌ان‌ ‌ما‌ يفعله الناس معهم ‌هو‌ واجب مفروض عليهم، فلا يتحسسون- ازاء ذلك- المسووليه ‌فى‌ تقديم الشكر عليه ‌و‌ الاعتراف بالجميل فيه، ‌من‌ دون التفات الى ‌ان‌ الله يذكر عباده بالخير ‌فى‌ مقابل ذكرهم له، ‌و‌ ذلك ‌هو‌ قوله تعالى: (فاذكرونى اذكركم ‌و‌ اشكروا لى ‌و‌ ‌لا‌ تكفرون)(البقره: 152).
 وهب لى القدره على الاغضاء عن السيئه ‌و‌ تجاوزها ‌و‌ نسيانها، انطلاقا ‌من‌ الارتفاع بالنفس عن النزول الى مستوى الذين يتحركون فيها، لان ذلك يمثل ردا حاسما عليهم، لما يمثله ذلك ‌من‌ معنى الاهمال ‌و‌ اللامبالاه ‌من‌ جهه، ‌و‌ ‌من‌ السمو الروحى ‌و‌ الابتعاد عن السقوط ‌فى‌ ‌و‌ حول الصراع حول الذات ‌من‌ جهه اخرى.
 
 خير خلائق الدنيا ‌و‌ الاخره:
 
 ‌و‌ هذه هى الفضيله الاخلاقيه الرفيعه التى بشر بها رسول الله (ص) كقيمه ايمانيه ايجابيه كبيره، كما روى ذلك ثقه الاسلام الكلينى ‌فى‌ كتاب الكافى بسنده عن ابى عبدالله جعفر الصادق (ع) قال: «قال رسول الله: الا اخبركم بخير خلائق الدنيا ‌و‌ الاخره، العفو عمن ظلمك، ‌و‌ تصل ‌من‌ قطعك، ‌و‌ الاحسان الى ‌من‌ اساء اليك، ‌و‌ اعطاء ‌من‌ حرمك».
 ‌و‌ روى ‌فى‌ الكافى ايضا بسند صحيح عن ابى حمزه الثمالى عن على ‌بن‌ الحسين (ع) قال: سمعته يقول: «اذا كان يوم القيامه جمع الله تبارك ‌و‌ تعالى الاولين ‌و‌ الاخرين ‌فى‌ صعيد واحد، ثم ينادى مناد: اين اهل الفضل؟ قال: فيقوم عنق ‌من‌ الناس، فتلقاهم الملائكه فيقولون: ‌و‌ ‌ما‌ كان فضلكم؟ فيقولون: كنا نصل ‌من‌ قطعنا، ‌و‌ نعطى ‌من‌ حرمنا، ‌و‌ نعفو عمن ظلمنا، قال: فيقال لهم: صدقتم ادخلوا الجنه».
 ‌و‌ قد كانت سيره الامام زين العابدين (ع) مطابقه لهذا الخط الاخلاقى ‌فى‌ مواجهه الناس الذين اساءوا اليه، فقد ذكر المورخون- ‌فى‌ سيرته- ‌ان‌ الامام السجاد كان يطوف ‌فى‌ الليل متنكرا على بيوت الفقراء يوزع عليهم الدراهم ‌و‌ الدنانير، ‌و‌ ‌من‌ بينهم ابن عم له، ‌و‌ كان اذا اعطاه ياخذ المال ‌و‌ يقول: ابن عمى على ‌بن‌ الحسين ‌لا‌ يصلنى، فلا جزاه الله عنى خيرا، فيتحمل الامام (ع) ‌و‌ ‌لا‌ يعرفه بنفسه، ‌و‌ استمر
 الامام ‌فى‌ العطاء، ‌و‌ استمر هو، على هذا الدعاء، حتى انتقل الامام الى الرفيق الاعلى ‌و‌ انقطعت الصله، فعندها عرف المصدر.
 ‌و‌ جاء ‌فى‌ سيرته- ايضا- ‌ان‌ هشام ‌بن‌ اسماعيل كان واليا على المدينه ‌فى‌ عهد الامام (ع) ‌و‌ كان اشد الناس قسوه عليه ‌و‌ على اهله، حتى قاسوا منه الوانا ‌من‌ الاذى ‌و‌ التنكيل، ‌و‌ لما عزله عبدالملك ‌بن‌ مروان- الخليفه الاموى- اوقفه للناس، ‌و‌ اتاح لكل ‌من‌ ظلمه ‌و‌ اساء اليه ‌ان‌ يقتص منه كيف شاء، فقال هشام: ‌لا‌ اخاف الا ‌من‌ على ‌بن‌ الحسين، لعلمه بما صنعت يداه تجاهه، ‌و‌ لما مر ‌به‌ الامام (ع) سلم عليه ‌و‌ قال: طب نفسا منا ‌و‌ ‌من‌ كل ‌من‌ يطيعنا، فان اعجزك المال لتذب ‌به‌ عن نفسك فعندنا منه ‌ما‌ يسعفك ‌و‌ يسعدك، فقال هشام: الله اعلم حيث يجعل رسالته. ‌و‌ شتمه احد اقاربه، فقال له: ‌ان‌ كنت انا كما تقول فاسال الله ‌ان‌ يغفر لى، ‌و‌ ‌ان‌ لم اكن كما تقول، فاسال الله ‌ان‌ يغفر لك، فقال الرجل- الذى فوجى ء بهذا المنطق الرسولى-: بل قلت ‌ما‌ ليس فيك، ‌و‌ انا احق به.
 ‌و‌ لعل ‌من‌ الطبيعى ‌ان‌ مثل هذا السمو الروحى الاخلاقى يحتاج الى الكثير ‌من‌ المعاناه ‌و‌ المجاهده النفسيه التى تقف بالانسان عن الاندفاع ‌فى‌ ردات الفعل الذاتيه، التى تنطلق ‌من‌ المزاج الانفعالى ‌او‌ العقده النفسيه، ‌و‌ ذلك بالتفكير بالنتائج السلبيه ‌فى‌ دائره العنف ‌فى‌ الرد على مستوى المشاكل التى يمكن ‌ان‌ يثيرها ‌فى‌ الدنيا مما يزيد الامور تعقيدا عندما تتطور المشكله الخاصه لتتحول الى عده مشاكل متنوعه الابعاد ‌و‌ الاشخاص ‌و‌ المواقع، بينما يكون الموقف التسامحى وسيله ‌من‌ وسائل تذويب المشكله ‌من‌ الاساس، ‌و‌ بالتفكير ‌فى‌ النتائج الايجابيه ‌فى‌ الاخره ‌فى‌ رضوان الله ‌و‌ ثوابه، ‌و‌ عفوه ‌و‌ مغفرته، ‌لا‌ سيما ‌ان‌ العفو عن الناس يجتذب عفو الله عنه، كما جاء ‌فى‌ دعاء الامام زين العابدين (ع) ‌فى‌ دعاء السحر الذى رواه عنه ابوحمزه الثمالى قال:
 «اللهم انك انزلت ‌فى‌ كتابك العفو ‌و‌ امرتنا ‌ان‌ نعفو عمن ظلمنا، ‌و‌ قد ظلمنا انفسنا فاعف عنا فانك اولى بذلك منا».
 هذا بالاضافه الى ‌ان‌ الله اذن ‌فى‌ ‌رد‌ الفعل على الاساءه ‌و‌ العدوان بشرط ‌ان‌ يكون الرد مماثلا للفعل، الامر الذى يحتاج الى المزيد ‌من‌ الدقه ‌فى‌ تقدير الموضوع، لانه اذا تجاوزها الى الزائد عن ذلك كان ظالما لصاحبه الذى ظلمه، مما يعرضه لعذاب الله، ‌و‌ ربما كان ‌من‌ الصعب على الانسان ‌ان‌ يقف عند الحدود الدقيقه ‌فى‌ ذلك كله، ‌و‌ لهذا كان ‌من‌ الاولى له ‌و‌ الاحوط لتكليفه ‌ان‌ يعفو ‌و‌ يصفح ‌و‌ يتجاوز عن السيئه بالحسنه، لينال بذلك خير الدنيا ‌و‌ الاخره.
اللهم ‌و‌ حلنى بحليه الصالحين:
 
 ‌يا‌ رب، ‌ان‌ الناس ‌من‌ حولى يفكرون بالحلى الذهبيه ‌او‌ الفضيه ‌او‌ الماسيه التى يعلقونها على صدورهم، ‌او‌ يلبسونها ‌فى‌ معاصمهم ‌او‌ اصابعهم، ‌و‌ يبذلون كل اهتماماتهم ‌فى‌ التزين بمختلف الوان الزينه ‌و‌ اشكالها، ‌فى‌ المساحيق التى يضعونها على وجوههم ‌او‌ ‌فى‌ الثياب التى يلبسونها، ‌او‌ ‌فى‌ الادوات التى يضعونها ‌فى‌ بيوتهم، ‌او‌ ‌فى‌ الصور التى يعلقونها على جدرانهم، ‌او‌ غير ذلك، مما يتنافسون فيه ‌او‌ يتفاخرون به.
 ‌و‌ لكنى ‌يا‌ رب افكر ‌فى‌ اهتماماتى ‌و‌ تطلعاتى، بطريقه اخرى ‌فى‌ اشياء مختلفه، فقد جعلت للصالحين حليه ‌فى‌ افكارهم ‌و‌ اخلاقهم ‌و‌ اوضاعهم ‌فى‌ الحياه، ‌و‌ البست المتقين زينه، ‌فى‌ ارواحهم ‌و‌ مشاعرهم ‌و‌ مواقعهم ‌فى‌ الناس، لانك اوحيت لنا ‌فى‌ رسالاتك، ‌ان‌ للمعنويات دورا كبيرا ‌فى‌ حلاوه الصوره الانسانيه، ‌و‌ ‌ان‌ للروحيات ‌و‌ الاخلاقيات موقعا مهما ‌فى‌ زينه الذات، ‌و‌ ‌فى‌ الخطوات العمليه المتصله بالمصلحه العليا للانسان ‌فى‌ حياته الفرديه ‌و‌ الاجتماعيه المتنوعه القضايا ‌و‌ الابعاد- مما يقدمه الناس لبعضهم البعض ‌فى‌ ‌حل‌ مشاكل بعضهم البعض- تاكيدا انسانيتهم المفتوحه على رساله الله ‌فى‌ رفع مستوى الحياه ‌و‌ الانسان، بالدرجه التى يحققون فيها رضى الله، ‌و‌ يقتربون بها الى مواقع قدسه.
 
 اللهم ساعدنى على نشر العدل:
 
 اللهم اجعلنى ممن يعمل على نشر العدل ‌فى‌ الكون ‌فى‌ كل الاعمال ‌و‌ الاموال ‌و‌ المواقف ‌و‌ العلاقات ‌فى‌ الحقوق ‌و‌ الواجبات، لاتحرك على اساس ‌ان‌ اودى لكل ذى ‌حق‌ حقه، فاودى لك حقك بتوحيدك ‌و‌ نفى الشركاء عنك، ‌و‌ الايمان برسالتك ‌و‌ رسلك ‌و‌ كتبك ‌و‌ عبادتك المنفتحه على معنى العبوديه ‌فى‌ ذاتى، ‌و‌ الالوهيه المستحقه للعباده ‌فى‌ ذاتك، ‌و‌ الالتزام بامرك ‌و‌ نهيك ‌فى‌ كل مفردات شريعتك ‌و‌ منهجك، ‌و‌ اودى لنفسى حقها ‌فى‌ ابعادها عن الخطر ‌و‌ الضرر ‌فى‌ شوونها العامه ‌و‌ الخاصه، ‌و‌ توجيهها نحو مواقع السلامه ‌فى‌ الدين ‌و‌ الدنيا، لتقترب بذلك ‌من‌ فرصه الدخول الى الجنه ‌من‌ خلال رضوان الله، ‌و‌ النجاه ‌من‌ النار ‌من‌ خلال البعد عن مواقع سخطك، على اساس ايجاد التوازن الداخلى ‌ما‌ بين العقل ‌و‌ الهوى، ليكون العقل حاكما للهوى، فلا تغيب العاطفه الشهويه على توازن العقل المتحرك ‌فى‌ حسابات الربح ‌و‌ الخساره، ‌و‌ اودى للناس ‌من‌ حولى حقهم، ممن تتصل حياتهم بحياتى، ‌و‌ امورهم بمسوولياتى، سواء كانوا ‌من‌ الاقربين الى بالقرابه ‌و‌ المكان ‌و‌ المسووليه، ‌ام‌ ‌من‌ الابعدين عنى ‌فى‌ ذلك كله، ‌و‌ اقوم بواجباتى الملقاه على عاتقى تجاههم ‌فى‌ الحكم ‌و‌ التعامل ‌و‌ العلاقات العامه ‌و‌ الخاصه ‌و‌ الامور المتنوعه ‌فى‌ مختلف جوانب الحياه.
 ‌و‌ اودى الى الحياه حقها ‌فى‌ القيام بكل الخطوات العمليه التى ترفع مستواها ‌فى‌ اتجاه الصلاح، ‌و‌ البعد عن الفساد، بتقريبها ‌من‌ الخير ‌و‌ ابعادها عن الشر، ‌و‌ تحريكها ‌فى‌ الخط الذى يجعل منها ساحه طيبه للانسان ‌فى‌ خلافته عن الله ‌فى‌ الوجود الكونى المتصل بمسووليته عن كل شى ء فيه.
 اللهم اجعلنى ممن يحملون العدل رساله شامله تتصل بمسووليتى الخاصه حوله، ‌و‌ بتحريك مسووليه الاخرين ‌فى‌ هذا الاتجاه، لاكون ‌من‌ العادلين ‌فى‌ ممارساتى الذاتيه تجاه الحياه ‌و‌ الانسان، ‌و‌ لاشجع الناس على القيام بالعدل ‌فى‌ القضايا المرتبطه بمسوولياتهم ‌فى‌ ذلك، ‌و‌ لاحرك طاقاتى ‌فى‌ مواجهه الظلم ‌و‌ الظالمين، ‌و‌ مسانده العدل ‌و‌ العادلين، حتى يقوم الناس كلهم بالقسط ‌فى‌ انفسهم ‌و‌ حياتهم العائليه، ‌و‌ علاقاتهم الاجتماعيه، ‌و‌ نشاطاتهم السياسيه، ‌و‌ اوضاعهم الحياتيه، ‌و‌ قضايا الحكم بين الناس ‌او‌ حكم الناس، حتى يكون العدل قضيتى الحيويه بشكل مباشر ‌و‌ غير مباشر.
 لقد جعلت قيام الناس بالقسط «العدل» الاساس ‌فى‌ ارسال الرسل بالبينات، ‌و‌ انزال الكتاب ‌و‌ الميزان، ‌و‌ اردت للحياه ‌ان‌ تحتضن العدل الذى يحقق التوازن على مستوى حركه الانسان ‌فى‌ الوجود، ليتكامل مع التوازن على مستوى حركه الظواهر الطبيعيه ‌فى‌ الكون، لانك ‌يا‌ رب اردت للانسان ‌ان‌ يكون خليفتك ‌فى‌ ‌خط‌ الانبياء على اساس تحقيق ارادتك ‌فى‌ النتائج العمليه المنفتحه على الاهداف الكبرى للرسالات. اللهم اجعلنى ممن تكون حياته ‌فى‌ ارادته الانسانيه الرساليه خاضعه لارادتك ‌فى‌ ‌ما‌ تريده منى ‌من‌ العدل ‌فى‌ علاقاتى بالناس ‌و‌ بالحياه، ‌و‌ ‌من‌ الاحسان ‌فى‌ حركه الواقع ‌فى‌ اجواء الرحمه ‌و‌ المحبه ‌و‌ الخير، لاكون مع العدل ‌فى‌ الممارسه ‌فى‌ ذاتى، كما اكون معه ‌فى‌ الدعوه الى ذلك ‌فى‌ كل نشاطاتى ‌و‌ مواقفى ‌و‌ مواقعى الخاصه ‌و‌ العامه.
 اللهم اجعلنى اعيش الهدوء الروحى:
 
 ‌يا‌ رب، اجعلنى الانسان الذى يعيش ‌فى‌ داخل وجدانه الانفعالى الهدوء الروحى، ‌و‌ الاتزان النفسى، ‌فى‌ سيطرته على حركته العمليه ‌فى‌ اداره العلاقات بين الناس المتصله بخصوصياتى ‌او‌ خصوصيات الناس الذين يرتبطون ‌بى‌ ‌و‌ بمسوولياتى، لاستطيع اخضاع مشاعرى للخط الانسانى الذى يتحرك ‌فى‌ ‌خط‌ الرسالات، فاحبس انفعالاتى ‌فى‌ ثوره الغيظ الداخلى ‌من‌ خلال اساءات الناس لى، حتى ‌لا‌ يقودنى ذلك الى الخطاء ‌فى‌ الشعور ‌و‌ ‌فى‌ الحسابات ‌و‌ ‌فى‌ النتائج ‌فى‌ الفوره الدخانيه الشعوريه الملتهبه، ‌و‌ الى الوقوع ‌فى‌ حبائل الشيطان الانسى ‌او‌ الجنى الذى يستغل حاله اللامعقول ‌فى‌ الذات ليلعب لعبته الشيطانيه ‌فى‌ اضلالى ‌او‌ ‌فى‌ اثاره المشاكل الصغيره ‌و‌ الكبيره ‌فى‌ الواقع.
 اجعلنى اتخفف ‌من‌ الغيظ الداخلى الذى يتفجر ‌فى‌ النفس، ليتفجر ‌فى‌ الناس، ‌و‌ ‌لا‌ تجعل شفاء الغيظ هدفا كبيرا ‌من‌ اهدافى ‌فى‌ الحياه، بل اجعل القضيه الكبرى لدى ‌فى‌ اعمالى ‌و‌ اقوالى هى موقعى منك ‌فى‌ الحصول على مواقع القرب اليك، ‌و‌ اجعل اهتماماتى كلها ‌فى‌ آفاق محبتك ‌و‌ رضوانك، لاجاهد كل انفعالاتى لحساب ‌خط‌ التوازن ‌فى‌ ‌خط‌ رسالتك، فلا اكتفى بكظم الغيظ ليتحول الى عقده مكبوته ‌فى‌ النفس، بل انطلق ‌فى‌ انفتاحى على الخير الذى تحبه ‌فى‌ العفو عن الناس الذين اساءوا الى ‌و‌ ‌فى‌ الاحسان اليهم، ليزول كل شى ء ‌من‌ آثار السلبيات الوجدانيه ‌و‌ العمليه.
 ساكظم غيظى- ‌يا‌ رب- لانى اعرف انك تحب الكاظمين الغيظ ‌و‌ العافين عن الناس ‌و‌ تحب المحسنين، ‌و‌ قد جاء ‌فى‌ الكلمات الماثوره عن اوليائك ‌ما‌ يثير التفاصيل حول ذلك.
 ‌من‌ ذلك ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام الكلينى بسنده الى الامام على ‌بن‌ الحسين- صاحب الدعاء- قال: «قال رسول الله (ص): ‌من‌ احب السبل الى الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ جرعتان، جرعه غيظ تردها بحلم، ‌و‌ جرعه مصيبه تردها بصبر».
 ‌و‌ عنه (ع)، بسند صحيح انه قال: «ما احب ‌ان‌ لى بذل نفسى حمر النعم، ‌و‌ ‌ما‌ تجرعت جرعه احب الى ‌من‌ جرعه غيظ ‌لا‌ اكافى بها صاحبها» ‌و‌ عن ابى عبدالله جعفر الصادق (ع) قال: «من كظم غيظا ‌و‌ لو شاء ‌ان‌ يمضيه امضاه، املاء الله قلبه يوم القيامه رضاه».
 ‌يا‌ رب، اجعلنى ‌من‌ الذين يطفئون نار الفتنه عندما يشعلها الناس، ‌و‌ ذلك بالقضاء على مشاعر العدواه ‌و‌ البغضاء ‌و‌ بالتاكيد على المحبه ‌و‌ الرحمه ‌و‌ الخير ‌فى‌ الواقع كله.
 امنحنى الروحيه المفتوحه على الهدوء النفسى الذى يفكر باتزان ‌و‌ محبه، ‌و‌ الاسلوب الذى يتحرك برفق ‌فى‌ تخفيف التوتر المجنون ‌فى‌ المشاعر، وهب لى القدره على ‌ان‌ اثير الافكار التى تطفى ء نار الحقد بروحيه الرحمه.
 
 اللهم وفقنى للتاليف بين قلوب المومنين:
 
 ‌يا‌ رب، وفقنى للدخول بين الناس الذين فرقتهم المشاكل، ‌و‌ باعدت بينهم الخلافات، ‌و‌ فصلت بين مواقعهم ‌و‌ مواقفهم الفتن، هولاء الذين يتفرقون لانهم لم يلتفتوا الى ‌ما‌ يجمعهم، ‌و‌ يتمزقون لانهم لم ينفتحوا على ‌ما‌ يوحدهم، حتى اولف بين قلوبهم ‌من‌ خلال كلماتك، لتجتمع على المحبه ‌فى‌ حبك، ‌و‌ لتتواصل على الافكار المتقاربه. ‌فى‌ رسالتك، ‌و‌ ليتحول البغض الى حب، ‌و‌ العداوه الى صداقه استلهاما لوحيك ‌فى‌ قولك- سبحانك- ‌فى‌ خطابك لنبيك: (لو انفقت ‌ما‌ ‌فى‌ الارض جميعا ‌ما‌ الفت بين قلوبهم ‌و‌ لكن الله الف بينهم) (الانفال: 63)، ‌و‌ ‌فى‌ ضوء ذلك، فاننا نعمل على التالف بين ارباب القلوب المتنافره، ‌و‌ ضم اهل الفرقه ‌و‌ المواقف المتباعده، على هدى وحيك، ‌و‌ ‌فى‌ نور هداك.
 اللهم اجعلنى ممن يستجيب لامرك ‌فى‌ قولك- سبحانك-: (فاتقوا الله ‌و‌ اصلحوا ذات بينكم) (الانفال: 1). ‌و‌ قولك: (انما المومنون اخوه فاصلحوا بين اخويكم) (الحجرات: 10). ‌و‌ قولك- تباركت ‌و‌ تعاليت-: (و ‌ان‌ طائفتان ‌من‌ المومنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما) (الحجرات: 9) فقد اردت للحياه ‌ان‌ تعيش ‌فى‌ اجواء السلام القائم
 على اراده المتنازعين بالوصول الى الحل الوسط، ‌من‌ خلال القرار الذاتى ‌او‌ الوساطه الخيره ‌من‌ بعض الناس الخيرين، ‌و‌ اردت للانسان المومن ‌ان‌ يحمل رساله الاصلاح بين الناس، لان ابقاء الامور ‌فى‌ ‌خط‌ التوتر النفسى ‌و‌ التشنج العصبى، يزيد القضايا سوءا، ‌و‌ يعقد الاوضاع الاجتماعيه، ‌و‌ يودى بها الى المستوى الذى تزهق فيه الارواح، ‌و‌ تدمر فيه العلاقات، ‌و‌ تخرب ‌به‌ المصالح العامه ‌و‌ الخاصه، مما يجعل ‌من‌ المساله مساله تتصل بالسلامه الشامله للمجتمع كله، ‌و‌ بالانفتاح الانسانى على الله ‌فى‌ اوامره ‌و‌ نواهيه، بحيث يختل بذلك نظام العلاقات بما يجر الى التحاقد ‌و‌ التباغض ‌و‌ المشاحنات القاسيه ‌و‌ المنازعات القاتله، ‌و‌ يدفع الناس الى نسيان الله، ‌و‌ الانتقال بذلك عن واجباتهم العباديه ‌و‌ مسوولياتهم الحيويه، ‌و‌ لهذا جاء الحديث عن رسولك (ص)، ‌فى‌ ‌ما‌ الهمته ‌من‌ وحيك انه قال: «اصلاح ذات البين افضل ‌من‌ عامه الصلاه ‌و‌ الصوم».
 ‌و‌ الكلمه الماثوره عن الامام جعفر الصادق (ع): «صدقه يحبها الله: اصلاح بين الناس اذا تفاسدوا، ‌و‌ تقارب بينهم اذا تباعدوا».
 ‌و‌ قال- ‌فى‌ ‌ما‌ روى عنه- ‌فى‌ تفسير قوله تعالى: «(و ‌لا‌ تجعلوا الله عرضه لايمانكم ‌ان‌ تبروا ‌و‌ تتقوا ‌و‌ تصلحوا بين الناس) (البقره: 224)، «اذا دعيت لصلح بين اثنين، فلا تقل على يمين الا افعل».
 انك- ‌يا‌ رب- رب السلام، ‌و‌ لذلك اردت ‌ان‌ يكون الصلح الذى ‌هو‌ الطريق الامثل الى السلام، افضل ‌من‌ عامه الصلاه ‌و‌ الصيام، فاعتبرته عباده تسمو على العبادات ‌فى‌ مدلولها الايحائى ‌و‌ نتائجها الايجابيه، ‌و‌ يتقرب ‌به‌ المتقربون اليك، لان الحياه التى تعيش ‌فى‌ نطاق السلام المنفتح على محبتك، سوف تكون حياه روحيه يعيش فيها الناس الجو الذى يتعارفون فيه على اساس الايمان ‌و‌ التقرب اليك.
 اللهم وفقنى لان اجعل الاصلاح بين الناس رسالتى الشامله ‌فى‌ الحياه، ‌و‌ صدقتى التى اتقرب بها اليك ‌فى‌ كل يوم، ‌و‌ عملى الصالح الذى ‌لا‌ ابتعد عنه ‌و‌ ‌لا‌ امتنع منه، مهما كلفنى ذلك ‌من‌ جهود ‌و‌ متاعب.
 اللهم اجعلنى ممن يستر عيوب الاخرين:
 
 ‌يا‌ رب، ‌ان‌ هناك الكثير ‌من‌ السلبيات ‌فى‌ حياه الناس ‌من‌ حولى ‌من‌ العيوب الجسديه ‌و‌ الاخلاقيه ‌و‌ السلوكيه ‌و‌ النسبيه، ‌و‌ نحو ذلك، مما يخفى على الناس الاخرين امره، لانهم يجهلون مصادره ‌و‌ موارده باعتبار انها ‌من‌ الخفايا التى قد تغيب عن الناظرين ‌و‌ تخفى على العارفين، كما ‌ان‌ هناك الكثير ‌من‌ الايجابيات ‌فى‌ حياه البعض منهم ‌من‌ الفضائل الاخلاقيه، ‌و‌ المزايا الذاتيه، ‌و‌ السلوك العملى الخير الجيد الذى يتميز ‌به‌ هولاء، ‌فى‌ ‌ما‌ يتميز ‌به‌ الناس ‌من‌ المحاسن ‌و‌ المكارم.
 اللهم اجعلنى ممن يستر عيوب الناس ‌و‌ نقاط ضعفهم العامه ‌و‌ الخاصه، فلا يذكرهم بها اذا اطلع عليها مصادفه ‌من‌ خلال الظروف الخاصه التى منحته فرصه معرفتها، ‌فى‌ الوقت الذى لم تحصل هذه المعرفه للاخرين، لان ذلك ‌هو‌ السبيل للتعبير عن احترام الانسان المومن لاخيه المومن ‌فى‌ ايمانه ‌و‌ انسانيته، حتى ‌لا‌ يسقط قدره، ‌و‌ ‌لا‌ يسى ء الى موقعه، ‌و‌ ‌لا‌ يفضح اسراره ‌فى‌ عيوبه الخفيه، بل يبادر- ‌من‌ موقع النصيحه- الى ‌ان‌ يتحدث معه عنها بطريقه سريه، ‌من‌ اجل مساعدته على تصحيح نفسه، ‌من‌ خلال تقويم اعوجابه الاخلاقى ‌و‌ السلوكى، ثم يتركه لنفسه ليتحمل مسووليته امام الله، ‌من‌ دون ‌ان‌ يجعل للقضايا الاهميه غير الحقيقيه ‌فى‌ الحكم بخطوره ‌ما‌ ليس له هذه الدرجه ‌من‌ الخطر.
 الا اذا كان هذا الانسان ‌من‌ المفسدين ‌فى‌ الارض، المعتدين على الناس، ‌و‌ المتحركين ‌فى‌ ‌خط‌ الدعوه الى الكفر ‌و‌ الظلم ‌و‌ الضلال، ‌و‌ المنطلقين ‌فى‌ مخططات التجبر ‌و‌ الاستكبار ‌و‌ الاستعلاء على الناس، بحيث كان موقعه ‌و‌ خطه ‌و‌ نهجه ‌و‌ مخططاته السريه خطرا على الاسلام ‌و‌ المسلمين، ‌او‌ كان ‌من‌ الضالين الذين قد يكون بقاوهم ‌فى‌ الدائره الخفيه موديا الى الاستمرار ‌فى‌ الضلال، بينما يكون الاعلان عنهم موجبا لخروجهم ‌من‌ الضلال الى الهدى، ‌من‌ خلال العوامل الموديه الى ذلك نفسيا ‌و‌ اجتماعيا.
 اننى- ‌فى‌ مثل هذه الحال، ‌و‌ امام هذه النماذج، قد اجد المبرر الشرعى ‌و‌ الانسانى- على اساس المصلحه الانسانيه العامه لكشف الخفايا التى تتمثل ‌فى‌ واقع هولاء، ‌و‌ فضح الاسرار التى تعيش ‌فى‌ ذواتهم ‌و‌ مخططاتهم ‌و‌ علاقاتهم ‌و‌ مواقعهم ‌من‌ اجل حمايه الحياه ‌و‌ الدين ‌و‌ الانسان.
 ‌و‌ اجعلنى- ‌يا‌ رب- اذكر بالخير كل الذين يعيشون روحيه الخير ‌و‌ قيمته ‌و‌ خططه، ‌و‌ يتحركون ‌فى‌ اتجاه الارتفاع بالحياه الى المستوى الرفيع الذى يجعلها قريبه الى الله ‌من‌ خلال ‌ما‌ يتميزون ‌به‌ ‌من‌ الفضائل ‌و‌ المكارم ‌و‌ محاسن الصفات التى تمكنهم ‌من‌ القيام بالمسووليه على افضل المستويات، ليرفعهم الناس- بذلك- الى الدرجات العلى ‌فى‌ الواقع الاجتماعى ‌و‌ السياسى الذى يشدهم اليه ‌فى‌ موقع المحبه ‌و‌ الاحترام، ‌و‌ ينتفع بهم ‌فى‌ كل مجالات الخير ‌و‌ العدل ‌و‌ الاحسان.
 ‌يا‌ رب، اننى احب ‌ان‌ اكون الانسان الطيب اللين ‌فى‌ طبيعته، المنفتح على الناس، اللطيف معهم، البعيد عن التعقيد ‌فى‌ علاقته بهم، المتواضع الذى يقدم التنازل ‌من‌ ذاته للاخرين ‌من‌ غير ضعف، بل للمحبه، لانه ‌لا‌ ينظر اليهم ‌من‌ موقع الكبرياء، بل ‌من‌ موقع الرفق بانسانيتهم التى تلتقى بانسانيته، حتى تنفتح الذات على الذات الاخرى، فتبعدها عن الانغلاق ‌من‌ خلال بعض النوازع النفسيه المعقده التى تذوب ‌و‌ تتلاشى بالاسلوب العملى ‌فى‌ التواضع الانسانى.
 ‌يا‌ رب، انى احب ‌ان‌ اكون الانسان المتزن ‌فى‌ عناصر الشخصيه، الوقور ‌فى‌ توازن الحركه ‌فى‌ الذات ‌و‌ ‌فى‌ العلاقات، ‌و‌ ‌فى‌ المواقع ‌او‌ المواقف، لان ذلك ‌هو‌ الذى يحفظ لى الثبات المستقر ‌فى‌ النظره الى الاشياء ‌و‌ الى الناس ‌من‌ حولى، فلا اسقط امام اهتزازات الاوضاع.
 ‌يا‌ رب، انى احب ‌ان‌ تمنحنى القدره الروحيه على ‌ان‌ املك حلاوه اللسان ‌و‌ حيويه المزاج، ‌و‌ مرونه الاسلوب، ‌و‌ روحيه المحبه، لتتكامل كل هذه العناصر الانسانيه الطيبه ‌فى‌ ذاتى، فتتحول الى سلوك عملى ‌فى‌ المعاشره الحسنه، ‌و‌ طيب المخالقه للناس، حتى يكون وجودى ‌فى‌ داخل مجتمعهم، رمزا للتواصل، ‌و‌ مفتاحا للخير، ‌و‌ منطلقا للسرور.
 اللهم امنحنى ذلك كله، حتى تكون عناصر ذاتى منطلقا للسمو الروحى ‌و‌ الاخلاقى، ‌و‌ الحيويه السلوكيه ‌فى‌ حياتى العامه ‌و‌ الخاصه.
 اللهم اجعل لى ‌فى‌ تطلعاتى ‌فى‌ الحياه، طموح الانسانيه ‌فى‌ ذاتى ‌فى‌ محاولتها الدائمه للتقدم ‌فى‌ مدارج الرفعه الروحيه ‌و‌ الكمال الانسانى، فاعمل على ‌ان‌ اكون ‌من‌ السابقين الى الفضيله التى تقترب ‌بى‌ ‌من‌ الدرجات العاليه ‌فى‌ العلم ‌و‌ العمل، فاحصل على التفوق النوعى الذى يحمل معنى القدوه المثلى ‌و‌ المثل الاعلى، لتنطلق الساحه الى السير ‌فى‌ الدرب الذى سرت فيه، ‌و‌ الى الهدف الذى تحركت نحوه، ‌و‌ ‌فى‌ المجالات التى عملت فيها، فانال بذلك فضل السبق ‌فى‌ حركه القدوه التى تجتذب الناس الى اقوالها ‌و‌ افعالها، لتحصل على ثواب ذلك ‌فى‌ الحاضر ‌و‌ المستقبل.
 
 اللهم وفقنى لاختيار المبادره ‌فى‌ الاحسان:
 
 اللهم وفقنى لاختيار المبادره ‌فى‌ الاحسان الى الاخرين، ‌و‌ ذلك بابتدائهم بالاحسان، ‌و‌ التطول عليهم بالخير، ‌من‌ دون ‌ان‌ يكون لهم ايه سابقه ‌من‌ فضل ‌او‌ خير تجعل لهم عندى يدا، ‌او‌ توجب لهم على فضلا، لاكون المتفضل عليهم، انطلاقا ‌من‌ الخير المخزون ‌فى‌ اعماقى، ‌و‌ ‌من‌ الرغبه ‌فى‌ ثوابك بالتقرب اليك بالفضل على عبادك.
 ‌يا‌ رب، ابعدنى عن الذهنيه المعقده التى تلتقط عيوب الاخرين ‌و‌ خطاياهم ‌و‌ اخطاءهم، لتتخذ ذلك وسيله لاسقاط معنوياتهم ‌و‌ الضغط على عنفوانهم، باثاره كل تلك المفردات المعيبه ‌فى‌ مقام التعيير الذى يوبخ ‌به‌ الناس بعضهم بعضا للتشفى الحاقد ‌و‌ التنفيس ‌من‌ العقده، حتى يسقط الانسان ‌فى‌ نفسه، ‌و‌ يهزمه ‌فى‌ روحيته، ‌و‌ يدفعه بعيدا عن ساحه الاحترام الذاتى ‌فى‌ مجتمعه، ‌و‌ لقد جاءنا عن رسولك (ص) انه قال: «من عير مومنا بذنب لم يمت حتى يركبه».
 ‌ما‌ يوحى بان هذا الاسلوب السلبى ‌فى‌ مواجهه المومنين لبعضهم البعض قد يتحول الى عقوبه مستقبليه تجعل صاحبه ‌فى‌ الموقع الذى عير ‌به‌ اخاه، لان طبيعه فقدان العصمه الذى دفع ذلك الانسان الى الوقوع ‌فى‌ الخطاء ‌او‌ الخطيئه، قد يقوده الى ذلك الخطاء، ‌او‌ تلك الخطيئه، ‌او‌ ‌ما‌ يماثل ذلك الامر الذى قد يدفع الناس الى ‌ان‌ يعيروه بما عير ‌به‌ صاحبه.
 ‌ان‌ المساله ليست مساله السكوت عن المنكر، ‌او‌ الاغفال عن عيوب الاخرين لتكون القضيه ‌فى‌ دائره الابتعاد عن مسووليه الاصلاح، بل المساله هى مساله الطريقه التى ينظر فيها الى عيب اخيه، فليس له ‌ان‌ يسلك سبيل التعيير الذى يعبر عن الاستعلاء عليه ‌و‌ التحطيم لذاته، بل ينطلق ‌فى‌ الاتجاه الذى يقوده الى طريق الصواب باللطف ‌و‌ الحكمه ‌و‌ الموعظه الحسنه ‌و‌ القول بالتى هى احسن.
 
 اللهم اعنى لاصنع المعروف مع اهله:
 
 ‌يا‌ رب، لقد حببت الى الخير ‌و‌ الافضال على الناس ‌من‌ خلال نعمك التى منحتنى اياها ‌فى‌ نفسى ‌و‌ مالى ‌و‌ جاهى، ‌و‌ لكنك اردتنى ‌ان‌ اعرف مواقع الخير ‌فى‌ الحياه، ‌و‌ اهل المعروف ‌فى‌ الناس حتى ابذل الخير لمن يستحقه، ممن ‌لا‌ يزيده بذل الخير عتوا ‌و‌ غرورا ‌و‌ طغيانا، ‌و‌ حتى اصنع المعروف مع اهله الذين تنفتح قلوبهم بذلك على الحق، ‌و‌ ترتفع نفوسهم ‌فى‌ آفاق السمو الروحى، ‌و‌ يشعرون روحيه المعروف ‌فى‌ وجدانهم، فيشكرون صانعه، ‌و‌ يلتزمون خطه، فيكون جهدى ‌فى‌ اتجاه اغناء الحياه بالطاقه التى تمنحها نموا ‌و‌ قوه، ‌و‌ تزيدها ثباتا ‌و‌ عمقا ‌و‌ امتدادا، ‌و‌ يرتكز نشاطى على القاعده التى تعطى الانسان حياه جديده متحركه ‌فى‌ اتجاه التقدم الفكرى ‌و‌ العملى.
 لقد علمتنا- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ طاقتنا التى رزقتنا اياها ‌لا‌ ‌بد‌ ‌ان‌ تكون منتجه فاعله، بحيث نحركها ‌فى‌ المواقع التى تنفتح على الانتاج المثمر الغنى بخصائصه ‌فى‌ خدمه الانسان، ‌و‌ لذلك فان بذل الطاقه للذين ‌لا‌ يستحقونها، ‌و‌ اعطاء المعروف لغير اهله، يقود الى الضياع ‌و‌ الخراب، لان هولاء ‌لا‌ يحترمون النعمه ‌و‌ ‌لا‌ يعيشون جديه المسووليه، ‌من‌ خلال اختناقهم الذاتى ‌و‌ انهيارهم الروحى ‌و‌ سقوطهم الانسانى، فيخيل اليهم ‌ان‌ ‌من‌ واجب الناس ‌ان‌ يقدموا لهم العطاء، ‌من‌ دون ‌ان‌ يجدوا ‌فى‌ انفسهم حاله الانفعال بذلك ‌فى‌ ‌ما‌ يمكن ‌ان‌ يواجهوا ذلك بالشكر ‌و‌ القيام بحقه.
 ‌ان‌ مثل هولاء ياخذون ‌من‌ الحياه ‌و‌ ‌لا‌ يعطونها، ‌و‌ يستغلون طاقه الناس لانفسهم ‌و‌ ‌لا‌ يبذلونها ‌فى‌ خدمتهم، ‌و‌ يعملون على افساد الحياه ‌من‌ حولهم ‌من‌ خلال ‌ما‌ يملكون ‌من‌ ذلك كله، ‌و‌ لذلك فان بذل العطاء لهم يمثل حاله سلبيه ‌فى‌ اتجاه الحياه ‌و‌ الانسان فلا ينبغى للمومن ‌ان‌ يقوم بذلك، بل ‌لا‌ ‌بد‌ له ‌من‌ ‌ان‌ يقدم طاقات الخير التى يملكها للناس الذين يستحقونه، لانهم يومنون ‌به‌ رساله للحياه ‌فى‌ سبيل الله.
 ‌و‌ قد جاء عن الامام على اميرالمومنين (عليه السلام) انه قال ‌من‌ جمله كلام خاطب ‌به‌ رهطا ‌من‌ اصحابه:
 «من كان فيكم له مال فاياه ‌و‌ الفساد، فان اعطاءه ‌فى‌ غير حقه تبذير ‌و‌ اسراف، ‌و‌ ‌هو‌ يرفع صاحبه ‌فى‌ الناس ‌و‌ يضعه عند الله، ‌و‌ لم يضع امرو ماله ‌فى‌ غير حقه ‌و‌ عند غير اهله، الا حرمه الله شكرهم ‌و‌ كان لغيره ودهم، فان بقى معه بقيه ممن يظهر الشكر له ‌و‌ يريه النصح، فانما ذلك ملق منه ‌و‌ كذب، فان زلت بصاحبهم النعل ثم احتاج الى معونتهم ‌و‌ مكافاتهم، فالام خليل ‌و‌ ‌شر‌ خدين ‌و‌ لم يضع امرو ماله ‌فى‌ غير حقه ‌و‌ عند غير اهله، لم يكن له ‌من‌ الحظ ‌فى‌ ‌ما‌ اتى الا محمده اللئام ‌و‌ ثناء الاشرار، ‌ما‌ دام عليه منعما مفضلا، ‌و‌ مقاله الجاهل ‌ما‌ اجوده، ‌و‌ ‌هو‌ عند الله بخيل، فاى حظ ابور ‌و‌ اخس ‌من‌ هذا الحظ، ‌و‌ ‌اى‌ فائده معروف اقل ‌من‌ هذا المعروف؟ فمن كان منكم له مال فليصل ‌به‌ القرابه، ‌و‌ ليحسن ‌به‌ الضيافه، ‌و‌ ليفك ‌به‌ العانى ‌و‌ الاسير ‌و‌ ابن السبيل، فان الفوز بهذه الخصال مكارم الدنيا ‌و‌ الاخره».
 ‌و‌ قد نستوحى ‌من‌ كلام الامام على (ع) ‌ان‌ القضيه تتصل بالعطاء الذى ينطلق ‌فى‌ غير الاتجاه الذى يكون حلا لمشكله الانسان الذى يعيش المعاناه ‌فى‌ حياته، ‌و‌ ذلك بالتركيز على الانسان الذى يملك بعض الموقع الاجتماعى ‌من‌ دون ‌اى‌ موقع عند الله، ممن ‌لا‌ يعيش رساله المعروف، ‌و‌ ‌لا‌ يقدر بوادر الخير، ‌و‌ ‌لا‌ يحترم روحيه العطاء، ‌و‌ ‌لا‌ يتحرك ‌فى‌ اتجاه الحق ‌و‌ العدل ‌و‌ السلام.
 
 اللهم اجعلنى ‌من‌ المتمسكين بالحق:
 
 اللهم اجعلنى ‌من‌ المتمسكين بالحق، فاعلن الالتزام ‌به‌ حتى ‌فى‌ الحالات الصعبه القاسيه التى يقول فيها القول بالحق ‌من‌ الناس المنتمين اليه، خوفا ‌من‌ نتائجه السلبيه على اوضاعهم الخاصه، ‌او‌ ‌من‌ الناس المعارضين له، لكثره الملتزمين بالباطل ‌و‌ قوه مواقعهم ‌و‌ صلابه مواقفهم. ارزقنى- ‌يا‌ رب- شجاعه الموقف ‌فى‌ الكلمه الصريحه القويه التى تتحرك ‌فى‌ ‌خط‌ الدعوه ‌و‌ ‌فى‌ ساحه الصراع، فلا اخاف فيك لومه لائم، ‌و‌ ‌لا‌ اخشى ‌من‌ ضغط جائر، ثقه منى برعايتك، ‌و‌ رغبه برضوانك ‌و‌ ثوابك، ‌و‌ انفتاحا على رسالتك، لان القول بالحق يوحى الى المومنين به، الخائفين ‌من‌ اولياء الباطل بالجراه على مواجهه التحدى بقوه، ‌و‌ الالتزام بمتطلبات الانتماء بشجاعه، فتكون القضيه وسيله ‌من‌ وسائل الايحاء بالشجاعه ‌و‌ القوه، بينما يكون السكوت الشامل، ‌فى‌ حالات الضغط الشديد ايحاء بالضعف، ‌و‌ تاكيدا للتراجع ‌و‌ السقوط.
 
 اللهم وفقنى للايمان بالخير:
 
 ‌يا‌ رب، وفقنى للايمان بالخير ‌فى‌ قولى ‌و‌ فعلى بالدرجه التى اتحمل فيها مسووليته الكبيره، بحيث احس بالحاجه الى استنفاذ كل طاقاتى ‌فى‌ سبيل انتاجه ‌و‌ تحريكه ‌فى‌ حياه الناس حتى تكون حياتى كلها حركه شامله واسعه ‌من‌ اجله، فلا اصل درجه منه الا لانطلق الى درجه اعلى، ‌و‌ ‌لا‌ احقق نتيجه كبيره ‌فى‌ مستوى الكثره الا لابداء جوله جديده ‌فى‌ انتاج نتائج اكثر، فيكون الشعور بالتقصير ‌هو‌ الغالب على احساسى بالمسووليه، فاستقل ‌ما‌ يصدر منى ‌من‌ الخير حتى لو كان كثيرا، لان رساله الخير ‌فى‌ الانسان تفرض على التحرك ‌فى‌ كل مواقعه، ‌و‌ اعمل على فتح- ‌فى‌ ساحاتى- مواقع جديده له، لاسير ‌فى‌ ‌خط‌ تصاعدى الى الدرجات العلى ‌و‌ ‌فى‌ طريق ممتد بامتداد الحياه.
 ‌و‌ وفقنى- ‌يا‌ رب- لرفض الشر ‌فى‌ قولى ‌و‌ فعلى بحيث تكون رسالتى هى ابعاد الحياه عنه ‌فى‌ كل مجالاتها، ‌و‌ ابعاده عن الانسان ‌فى‌ كل مواقعه ‌و‌ تطلعاته، ‌و‌ مجاهده نفسى- ‌فى‌ كل طاقاتها- لمواجهته ‌و‌ محاربته، حتى تمتنع عن انتاجه ‌فى‌ كل اوضاعها العامه ‌و‌ الخاصه، لتخلو حياتى منه، ‌فى‌ صغائر الامور ‌و‌ كبائرها، ‌فى‌ عمليه متلاحقه دائمه لكل اصوله ‌و‌ فروعه، فلا افرغ ‌من‌ معركه الا لادخل ‌فى‌ معركه جديده ضده، ‌فى‌ شعور متحرك متحفز بالخطوره التى تمثلها خطواته على المصير ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره، فارى قليله كثيرا، فلا استهين بالارقام الصغيره المتحركه ‌فى‌ مفرداته ‌فى‌ الحياه لاقول كما يقول بعض الناس الذين يمارسون بعض الشر ‌فى‌ اقوالهم ‌و‌ افعالهم، لو لم يكن لى غير ذلك لكان حسنا، فانا ‌لا‌ افعل الشر كما يفعله غيرى، لان ‌ما‌ افعله قليل ‌فى‌ الحسابات، ‌و‌ لكنى اوحى الى نفسى برفض الشر ‌من‌ ناحيه المبداء، ليكون الشر الواحد كثيرا ‌فى‌ طبيعه الخطوره، لانه يعنى انه ‌لا‌ يزال حيا ‌فى‌ الذات، مما قد يودى الى شرور اخرى ‌فى‌ المستقبل.
 
 اللهم اجعلنى اتحسس عبوديتى لك التزاما بطاعتك:
 
 اللهم اجعلنى الانسان الذى يتحسس عبوديته لك ‌و‌ ربوبيتك عليه بالمزيد ‌من‌ الالتزام المستمر بطاعتك، لان ذلك ‌هو‌ المظهر الحى للعبوديه الخاضعه للالوهيه ‌فى‌ الانقياد، الخاشع لاوامرك ‌و‌ نواهيك، ‌و‌ ‌هو‌ الذى يجعل الحياه صوره صادقه لمواقع ارادتك ‌فى‌ ‌خط‌ وحيك ‌و‌ ‌فى‌ اتجاه رضاك.
 ‌و‌ وفقنى لان التزم جماعه المسلمين، فلا انفصل عنهم بالسير مع جماعه الكفر
 ‌و‌ الضلال، ‌و‌ ‌من‌ خلال الاهواء الضاله التى تقودنى الى ذلك، لانك اردت لكل مسلم ‌ان‌ يكون جزءا ‌من‌ الامه الكبيره الواسعه التى تلتقى على الاسلام كله ‌فى‌ خطوطه العريضه ‌و‌ اهدافه الكبرى، ‌و‌ تتحرك ‌فى‌ كل خطواتها ‌فى‌ الدروب المستقيمه المنفتحه على الحق كله، لان ذلك ‌هو‌ السبيل القويم للوصول الى القوه العظيمه التى تلتقى على خطى الحق ‌و‌ الوحده، فلا قيمه لوحده على اساس الباطل ‌او‌ لحق ينطلق ‌فى‌ اجواء التفرق ‌و‌ التمزيق.
 ‌و‌ هذا ‌ما‌ اكده رسولك (ص)- ‌فى‌ ‌ما‌ روى عنه ‌من‌ حديث- فقد جاء عنه بروايه الامام جعفر الصادق (ع)- قال: «سئل رسول الله (ص) عن جماعه امته فقال: جماعه امتى اهل الحق ‌و‌ ‌ان‌ قلوا».
 ‌و‌ ‌فى‌ كلام اميرالمومنين (ع) ‌فى‌ نهج البلاغه قال: «الزموا السواد الاعظم، فان يد الله مع الجماعه، ‌و‌ اياكم ‌و‌ الفرقه، فان الشاذ ‌من‌ الناس للشيطان، كما ‌ان‌ الشاذ ‌من‌ الغنم للذئب».
 ‌و‌ ‌فى‌ حديث الامام الصادق عن آبائه (عليهم السلام) قال: «قال اميرالمومنين (ع): ثلاث موبقات: نكث الصفقه، ‌و‌ ترك السنه، ‌و‌ فراق الجماعه».
 ‌و‌ ‌فى‌ الكافى عن الامام جعفر الصادق (ع) قال: «من فارق جماعه المسلمين قدر شبر، فقد خلع رقبه الاسلام ‌من‌ عنقه».
 ‌ان‌ الالتزام بالوحده الاسلاميه ‌فى‌ العناوين الكبيره للعقيده، ‌و‌ الخطوط العريضه للشريعه، ‌و‌ الطريقه القويمه ‌فى‌ المنهج، ‌و‌ الخطه الحكيمه ‌فى‌ حركه القوه، ‌هو‌ الذى يمنح المسلمين قوتهم، ‌و‌ يحقق لهم عزتهم، ‌و‌ يحفظ لهم كيانهم، ‌و‌ يصون كرامتهم، ‌و‌ يوكد لهم سلامتهم، بينما تمثل الفرقه ‌من‌ خلال التركيز على اختلاف الخطوط، ‌و‌ تنوع الاراء، ‌و‌ تشتت الاهواء، بعيدا عن الخط الواحد، المزيد ‌من‌ الضعف ‌و‌ البعد ‌من‌ مواقع العزه ‌و‌ الكرامه، ‌و‌ السقوط ‌فى‌ وهده الذل ‌و‌ الاقتراب ‌من‌ مهاوى الخطر.
 ‌و‌ قد اردت- ‌يا‌ رب- لنا ‌ان‌ نلتقى ‌فى‌ ‌ما‌ اتفقنا فيه ‌من‌ خلال ‌ما‌ يمثله ذلك ‌من‌ الاعتصام بحبلك، ‌و‌ ‌ان‌ نرد الى الله ‌و‌ رسوله ‌ما‌ اختلفنا فيه، فنتحاور بالكلمه الطيبه، ‌و‌ نتجادل بالتى هى احسن، لنصل الى الحق ‌من‌ اقرب طريق.
 ‌يا‌ رب، ابعدنى عن الخطوط الفكريه ‌و‌ التشريعيه ‌و‌ المنهجيه التى ‌لا‌ تلتقى بالفكر الذى اوحيته، ‌و‌ الشريعه التى شرعتها، ‌و‌ المنهج الذى قررته، مما ابتدعه الناس ‌من‌ فكر ‌و‌ شرع ‌و‌ منهج، ‌و‌ اجعلنى ‌من‌ الرافضين لهولاء المبدعين ‌فى‌ الدين الذين حاولوا ‌ان‌ يحرفوا الدين عن خطه المستقيم، فينسبوا اليه ‌ما‌ لم تشرعه، ‌و‌ يدخلوا فيه ‌ما‌ لم يكن داخلا فيه، لان ذلك يسى ء الى سلامه المفاهيم الدينيه ‌فى‌ اصالتها الفكريه المنطلقه ‌من‌ عمق الوحى الالهى ‌و‌ الخط النبوى، ‌و‌ الى استقامه الخطوط الشرعيه ‌فى‌ حركه الشريعه ‌فى‌ حياه الانسان، على هدى كتابك ‌و‌ سنه نبيك، ‌و‌ الى ثبات النهج الاسلامى ‌فى‌ الاسس التى يرتكز عليها الاسلام ‌فى‌ مفاهيمه ‌و‌ احكامه، مما ينطلق فيه البعض ‌من‌ ذاتيه الراى بعيدا عن وحى النص، ‌من‌ الاستحسانات التى ‌لا‌ تخضع للحجه القاطعه، ‌و‌ البرهان القوى، ‌و‌ تجعل الشرع خاضعا للاحتمال.
 اننى ‌لا‌ ارفض- ‌يا‌ رب- التجديد ‌فى‌ مفردات العلم مما يكتشف فيه الانسان اسرار الابداع ‌فى‌ خلقك، ‌و‌ حقائق الوجود ‌فى‌ كونك، ‌و‌ يحرك ذلك كله ‌من‌ اجل تطوير الحياه ‌فى‌ الاتجاه التصاعدى الذى يكفل للانسان الاستفاده ‌من‌ ذلك كله ‌فى‌ توفير حاجاته ‌و‌ توسيع آفاقه، لان ذلك يمثل الخط الفكرى الذى اردت له ‌ان‌ يتحرك ‌فى‌ وعى الانسان ‌و‌ ملاحظته، ليزيده علما، ‌و‌ ليرفع مستواه ‌فى‌ وجوده ‌من‌ خلال فهم اكثر للكون ‌و‌ للحياه ‌و‌ للانسان، ‌و‌ قد علمتنا- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ ندعوك دائما ‌فى‌ ‌ما‌ علمته لنبيك حتى يعلم الناس ‌و‌ ذلك ‌فى‌ قولك- سبحانك-: (و ‌قل‌ رب زدنى علما) (طه: 114).
 كما اننى ‌لا‌ ابتعد عن تطوير الاجتهاد ‌فى‌ الفكر الاسلامى ‌و‌ الشريعه الاسلاميه ‌من‌ خلال فهم النصوص بطريقه جديده، ‌او‌ تركيز القواعد الفقهيه ‌او‌ الفكريه على قاعده جديده، ‌من‌ خلال اكتشاف اخطاء الاقدمين ‌فى‌ الفهم للنص ‌فى‌ الكتاب ‌و‌ السنه، ‌او‌ انحرافهم عن النهج القويم ‌فى‌ تاسيس القاعده الفكريه ‌او‌ الفقهيه، لانك لم تردنا ‌ان‌ نقر الاخرين على الخطاء الذى يوثر حيويا على الحقيقه الاسلاميه، مما اراد للناس ‌ان‌ يكتشفوه دائما ‌و‌ يلتزموه ‌فى‌ حياتهم العامه ‌و‌ الخاصه.
 ‌ان‌ البدعه- ‌فى‌ مفهومنا- تمثل الفكر المضاد ‌او‌ المنحرف، ‌او‌ الحكم الذى يبتعد عن صفاء الحقائق الشرعيه ‌و‌ القواعد الفقهيه الثابته، كما ‌ان‌ الراى المخترع يتضمن الراى الذى يخترعه الناس ‌فى‌ مقابل الراى الاسلامى ‌او‌ ‌فى‌ تحريف الحقيقه الناصعه، مما يسى ء الى الاسلام ‌فى‌ الداخل على مستوى سلامه المفاهيم ‌و‌ التشريعات القانونيه.
اللهم اوسع رزقك على:
 
 ‌يا‌ رب، وفقنى لان ابقى، ‌فى‌ تطلعاتى الروحيه معك، متطلعا اليك ‌فى‌ حاجاتى الصغيره ‌و‌ الكبيره، ‌فى‌ ضعفى ‌و‌ قوتى، ‌فى‌ تعبى ‌و‌ راحتى، حتى احس بانى مشدود الى رحمتك ‌و‌ لطفك، منفتح على آفاق ربوبيتك، فاقوى بك اذا ضعفت، ‌و‌ اشعر بالراحه بين يديك اذا تعبت.
 ربما- كنت- ‌يا‌ رب- املك القدره على الحركه ‌و‌ انا ‌فى‌ شبابى الذى يضج بالقوه ‌و‌ التحمل ‌و‌ الصلابه، فاستطيع ‌ان‌ اتكفل بالحصول على رزقى، ‌و‌ بالوصول الى غاياتى الماديه ‌و‌ المعنويه، ‌و‌ لكن كيف يكون حالى، اذا تقدمت ‌بى‌ السن ‌و‌ بلغت ‌من‌ الكبر عتيا، ‌و‌ ضعفت عن الجرى، ‌و‌ فقدت القدره على الحركه، فماذا اصنع؟ ‌و‌ ‌ما‌ الطريقه التى احصل بها على رزقى ‌او‌ احقق بها حاجاتى؟
 هل تسلمنى- ‌يا‌ رب- الى العجز، ‌او‌ تتركنى الى الفقر فاجوع ‌و‌ اظماء ‌و‌ اعرى ‌و‌ اتشرد، ‌و‌ انت ارحم الراحمين ‌و‌ اكرم الاكرمين؟ اننى هنا ‌فى‌ تطلعاتى الى مثل هذا المستقبل، اتطلع اليك ‌ان‌ توسع على ‌فى‌ رزقى ‌فى‌ ذلك الوقت حتى ‌لا‌ احتاج احدا، ‌و‌ ‌لا‌ اسقط امام ‌اى‌ انسان، فلا افقد عزتى ‌و‌ كبريائى بفعل الحاجه الى احد سواك، فهل تحرمنى ‌من‌ ذلك؟
 ‌يا‌ رب، ‌و‌ قد يزحف التعب الى اعصابى، ‌و‌ قد يرهق كل جسدى حتى يدب الضعف الى كل كيانى، بفعل الجهد ‌و‌ المعاناه ‌و‌ الهم الروحى ‌و‌ التعب النفسى، فاكاد اسقط تحت تاثير ذلك كله، ‌و‌ افقد التماسك، ‌و‌ اعانى ‌من‌ الاهتزاز ‌فى‌ خطواتى، فهل تمنحنى- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ اكون ‌فى‌ قمه القوه آنذاك، فلا يكون التعب مشكله ترهقنى جسديا، بل يكون تجربه حيه ‌فى‌ المعاناه، تتحرك بها طاقاتى ‌من‌ اجل انتاج طاقه اكبر، ‌و‌ تنطلق بها قوتى ‌من‌ اجل قوه اعلى.
 
 اللهم ‌لا‌ تبتلينى بالكسل عن عبادتك:
 
 ‌يا‌ رب، ‌و‌ قد استسلم للكسل الجسدى، ‌و‌ الملل الروحى، فاتجمد امام مسوولياتى ‌فى‌ معنى عبوديتى لك، فيمنعنى ذلك عن عبادتك ‌فى‌ حركه الجسد ‌و‌ معاناه الروح، فافقد- بذلك- روحانيه ايمانى بك، لان العباده هى اعلى درجات الروحانيه، فهل اطمع- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ تعطينى نشاط الجسد ‌و‌ حيويه الروح، ‌و‌ عزيمه الاراده، لاعيش التجربه العباديه الخالصه المخلصه التى تحلق ‌فى‌ آفاق الوهيتك ‌من‌ اعماق عبوديتى لك.
 ‌يا‌ رب، افتح عينى على كل مطالع الشروق ‌فى‌ ‌خط‌ هداك، حتى ابصر ‌فى‌ اضواء الروح كل خطوط الدروب التى تصل ‌بى‌ الى مواقع قربك ‌و‌ رحاب علاك، فاسير فيها بكل وعى ‌و‌ انفتاح، ‌و‌ ‌لا‌ تعرضنى- ‌يا‌ رب- للتجربه القاسيه الصعبه، فلا اهتدى الى سبيلك، ‌و‌ ‌لا‌ ابصر سماوات الروح التى تقترب ‌بى‌ ‌من‌ ذراك.
 
 اللهم اجعلنى اتحرك ‌فى‌ اتجاه محبتك:
 
 اجعلنى- ‌يا‌ الهى- اتحرك ‌فى‌ اتجاه محبتك، لاحب كل كلمه تحبها، ‌و‌ كل عمل ترضاه، ‌و‌ لانفتح على كل ‌من‌ تحب، فالتقى الذين يلتقون بك ‌و‌ يجتمعون اليك، ‌و‌ لاغلق قلبى ‌و‌ روحى عن كل الذين اغلقوا عقولهم عن رسالتك، ‌و‌ قلوبهم عن وحيك، ‌و‌ حياتهم عن مواقع رضاك، ‌و‌ ابتعدوا بمواقفهم عن مواقف اوليائك. اننى اريد ‌ان‌ اعيش ‌فى‌ عمق حبى لك، لاحصل على حبك، ‌و‌ انطلق ‌فى‌ رحلتى مع المحبين الهائمين بك، ‌و‌ ابتعد عن المتمردين عليك، فوفقنى لذلك كله- ‌يا‌ رب-.
اللهم اجعلنى اسالك عند الحاجه:
 
 املاء كيانى- ‌يا‌ رب- بك، حتى ‌لا‌ اعيش ‌فى‌ كل جوانبه الفراغ الذى يبحث عما يملاه ‌او‌ عمن يغنيه، ‌و‌ حقق لى الثقه بربوبيتك ‌و‌ تدبيرك ‌و‌ قوتك ‌فى‌ كل مواقع الضروره ‌و‌ مواطن الحاجه ‌و‌ حالات المسكنه، ‌و‌ ‌فى‌ كل حالات الضعف الروحى ‌و‌ الجسدى، فاقف ‌فى‌ ‌خط‌ الدفاع عن النفس ‌ضد‌ الذين يتحدون وجودى ‌فى‌ عزتى ‌و‌ حريتى ‌و‌ كرامتى، لتكون لى القوه بالاعتماد عليك ‌فى‌ تحريك الوثبه المتمرده على العدوان امام كل هجمات الاعداء على، فلا يجدون للعدوان على سبيلا ‌من‌ دون حاجه ‌بى‌ للاستعانه بغيرك ‌فى‌ المواقف الصعبه، بل تكون- انت- وحدك- المستعان الذى يهيى ء لى الوسيله للدفاع، ‌من‌ خلقك ‌او‌ ‌من‌ الوسائل الطبيعيه الاخرى.
 اجعلنى اسالك ‌فى‌ كل حاجاتى ‌من‌ خلال الايمان بانك الكريم الذى يتكفل بحاجات عباده مما ‌لا‌ يستطيع احد ‌من‌ خلقك ‌ان‌ يتكفله بشكل مطلق، ‌و‌ اتضرع اليك ‌فى‌ حالات القهر الاستبدادى توكلا عليك، ‌و‌ انفتاحا على اراده القوه ‌فى‌ مقامك، ‌لا‌ تخفف ‌من‌ قهر الناس بقهرك لهم، ‌و‌ ‌من‌ اذلالهم لى بعزتك، فلا توقعنى- ‌يا‌ رب- ‌فى‌ تجربه الانحراف الايمانى فيخيل لى ‌ان‌ الناس الاقوياء ‌هم‌ الذين يخلصوننى ‌من‌ ضغط الضروره الاجتماعيه ‌فى‌ مواقع العدوان، فالجاء اليهم ‌فى‌ ذلك كله، غافلا عن الحقيقه الايمانيه بان القوه لك جميعا، ‌و‌ ‌ان‌ كل قوى يلجاء اليك عند الضعف ‌و‌ يستمد قوته منك، ‌او‌ يصور لى الشيطان ‌ان‌ الاغنياء ‌هم‌ الذين ينقذوننى ‌من‌ قساوه الفقر، ‌و‌ يفتحون لى ابواب الغنى، ‌او‌ مواقع الكفاف، ناسيا ‌ان‌ الرزق كله منك ‌و‌ بيدك ‌و‌ انك مصدر الخير كله، ‌و‌ انك الغنى المطلق، ‌و‌ ‌ان‌ الناس كلهم محتاجون اليك ‌من‌ خلال فقرهم الذاتى المطلق، ‌او‌ اتحرك ‌فى‌ حاله الخوف ‌و‌ الرهبه لاقف ‌فى‌ موقف الضراعه للمخلوقين الذين ‌لا‌ يملكون لانفسهم نفعا ‌و‌ ‌لا‌ ضرا الا بك، لانك وحدك مالك النفع ‌و‌ الضر، ‌و‌ انت- وحدك- الذى يتضرع الخلق له راجين رحمته ليجدوا عنده الامن ‌و‌ القوه ‌و‌ السلام.
 اعطنى- ‌يا‌ رب- روحيه التوكل عليك، ‌و‌ ابعدنى عن الاتكال على الناس ‌من‌ حولى مهما بلغت مواقعهم ‌من‌ القوه ‌و‌ الغنى ‌و‌ الامتداد، لاننى اذا فعلت ذلك انحرفت عن الخط المستقيم، ‌و‌ ابتعدت عن مواقع رضاك، فافقد- بذلك- محبتك ‌و‌ نصرتك ‌و‌ التفاتك الى ‌فى‌ نظرتك الرحيمه ‌و‌ عطائك الكريم ‌فى‌ لطفك العميم، لاننى ‌لا‌ اتحمل ‌ان‌ تكون حياتى ‌فى‌ دائره خذلانك ‌و‌ منعك ‌و‌ اعراضك، ‌يا‌ ارحم الراحمين.
اللهم اعوذ بك ‌من‌ وسوسات الشيطان:
 
 ‌يا‌ رب، قد تكون مشكلتى ‌فى‌ الجانب الفكرى ‌و‌ الروحى ‌و‌ النفسى ‌ان‌ الشيطان قد يطوف ‌بى‌ ‌فى‌ حالات الغفله، فيستفيد ‌من‌ نقاط الضعف الكامنه ‌فى‌ عمق الغرائز، ‌و‌ المتحركه ‌فى‌ سطح المشاعر، ‌و‌ الطائره ‌فى‌ اجواء الخيال ‌و‌ ‌فى‌ آفاق الاحلام، للايحاء النفسى بالكثير ‌من‌ التمنيات الشريره القذره ‌فى‌ حركه الشهوات ‌فى‌ دمى، ‌و‌ ‌فى‌ الانفعالات العدوانيه ‌فى‌ علاقاتى، ‌و‌ ‌فى‌ المطالب السيئه ‌فى‌ افعالى، ‌و‌ ‌فى‌ الاوضاع السلبيه ‌فى‌ حياتى، ‌و‌ ‌فى‌ الافكار الخياليه البعيده عن الواقع، فيقودنى- بذلك- الى ‌خط‌ الانحراف عن الاستقامه ‌فى‌ دروب رضاك.
 ‌و‌ قد يثير ‌فى‌ نفسى الكثير ‌من‌ الظنون السيئه الظالمه التى توجه افكارى الى اتهام الناس، ‌و‌ الحكم عليهم بالسوء، انطلاقا ‌من‌ لفته سريعه، ‌و‌ ملاحظه طائره، ‌و‌ نظره طائشه، ‌من‌ دون تدقيق بالمعطيات التى تثير هذا الظن ‌او‌ ذاك، فيودى ‌بى‌ ذلك الى النظره اليهم بطريقه سلبيه، ‌و‌ الحكم عليهم بغير العدل، ‌و‌ التعامل معهم- على اساس ذلك- بغير الحق، الامر الذى يجعلنى واقعا تحت تاثير سخطك.
 ‌و‌ قد يدخل الى مشاعرى المنفتحه على حياه الاخرين الذين انعمت عليهم بنعمك، ‌من‌ العلم الذى وفقتهم له، ‌او‌ المال الذى رزقتهم اياه، ‌او‌ الجاه الذى هيات لهم اسبابه، ‌او‌ الجمال الذى منحته لهم، ‌و‌ غير ذلك ‌من‌ الامور التى تجعلهم ‌فى‌ الموقع الذى يجتذب الاهتمام ‌و‌ يوحى بالاحترام، فتتجه العناصر الانفعاليه ‌فى‌ نفسى الى الحسد الذى يقودنى الى التعقيد الشعورى ‌ضد‌ هذه النعم التى يتقلبون فيها ‌و‌ ينعمون بها، فانظر اليها نظره تدميريه ساحقه تودى بهم الى الفقر المادى، ‌و‌ السقوط الاجتماعى، ‌و‌ الجهل العلمى، ‌و‌ القبح الشكلى، ‌و‌ ‌ما‌ الى ذلك، ‌من‌ خلال الغفله عن سعه قدرتك، ‌و‌ امتداد خزائنك، بحيث تستطيع ‌ان‌ تمنح كل خلقك كل نعمك ‌من‌ دون ‌ان‌ ينقص ‌من‌ ملكك شى ء، مما ‌لا‌ يجعل لايه امنيه شريره مجالا ‌فى‌ الواقع الانسانى، ‌فى‌ ‌ما‌ يتمناه الانسان لنفسه مما اعطيته لغيره، لانك القادر على ‌ان‌ تعطيه ‌ما‌ يريده مع الابقاء على نعمه الاخرين.
 اللهم ‌ان‌ هذه الافكار السلبيه، ‌فى‌ تحركها ‌فى‌ الفراغ، ‌و‌ ‌فى‌ انطلاقها ‌فى‌ الخيال، ‌و‌ ‌فى‌ عدوانيتها على الناس، تسى ء الى سلامه دينى ‌و‌ طهاره روحى ‌و‌ استقامه فكرى، ‌و‌ تودى بى- بالتالى- الى الانحراف ‌فى‌ خطواتى ‌فى‌ الحياه...
 اللهم اننى ‌من‌ موقعى الايمانى الاسلامى، اتطلع الى فكر حى منتج، ينطلق ‌من‌ حركه المعرفه المنفتحه على توحيدك ‌فى‌ آفاق عظمتك، ‌و‌ على قدرتك ‌فى‌ اجواء ارادتك، ‌و‌ على مواجهه التحديات الكبرى التى يتحرك بها اعداوك ‌فى‌ المجال الفكرى ‌و‌ العملى، لان ذلك ‌هو‌ الفكر الذى يملاء الفراغ بالجديه، ‌و‌ يبعده عن الهزل، ‌و‌ يتحرك ‌فى‌ الواقع، ‌و‌ يبتعد عن الخيال، ‌و‌ يطوف ‌بى‌ ‌فى‌ مواقع النفع، ‌و‌ يخرجنى ‌من‌ مواقع الضرر، ‌و‌ ينطلق ‌بى‌ الى التخطيط الدقيق نحو استقامه الحياه ‌فى‌ اتجاه قوه الحق ‌و‌ ضعف الباطل، لاكون الانسان الذى يوجه فكره نحو الخير ‌لا‌ الى الشر، ‌و‌ يحركه ‌فى‌ البناء الذى يبنى للاسلام قواعده الفكريه القويه، ‌و‌ ‌فى‌ الهدم الذى يهدم قواعد الكفر ‌و‌ يدفع بها الى الانهيار.
 اللهم حول الافكار الخياليه الشريره المتحركه ‌فى‌ الفراغ الشيطانى ‌من‌ نفسى الى افكار منتجه فاعله قريبه ‌من‌ مضمون الانتماء العميق للاسلام ‌فى‌ ذاتى، ليكون فكرى ذكرا لعظمتك، فاعيش ‌فى‌ رحاب عظمتك ‌فى‌ السماء ‌و‌ الارض ‌و‌ الانسان ‌و‌ الحيوان ‌و‌ النبات ‌و‌ المخلوقات الخفيه ‌فى‌ الغيب، ‌و‌ ‌فى‌ الاسرار الابداعيه المختزنه ‌فى‌ اعماق الظواهر الكونيه، ‌و‌ ‌فى‌ السنن الحتميه التى اودعتها ‌فى‌ قلب الوجود ‌و‌ ادرت الكون ‌من‌ خلالها، ‌و‌ القوانين المتحركه الحيه ‌فى‌ الواقع الانسانى للفرد ‌او‌ المجتمع، ‌و‌ التى جعلتها الاساس ‌فى‌ حركه الانسان ‌فى‌ نموه الفردى ‌و‌ انطلاقه الحضارى، ‌و‌ ‌فى‌ ‌خط‌ البدايه ‌و‌ النهايه، كل ذلك على مستوى الخطوط الكبرى ‌فى‌ الاسس العامه للوجود الحى ‌و‌ الجامد، ‌او‌ ‌فى‌ الخطوط التفصيليه الجزئيه الصغيره المنتشره ‌فى‌ كل مواقعه، فاذكرك ‌فى‌ ذلك كله، ‌و‌ استشعر بكل وجدانى الحسى ‌و‌ الفكرى ‌سر‌ العظمه ‌فى‌ ذاتك، مما يمكن لى ادراكه، فيخشع قلبى للروعه الالهيه التى تضم الوجود كله ‌فى‌ دائره الابداع الربانى الذى يمنح كل نفس هداها، ‌و‌ يعطى لكل موجود حركته الخفيه ‌و‌ الظاهره، ‌و‌ يزاوج بين دقائق الوجود ‌فى‌ مظاهره الكبيره ‌و‌ الصغيره على اساس قانون الزوجيه الذى يحكم الكون كله، ‌و‌ احس، ‌من‌ خلال ذلك، بالحضور الحى لك ‌فى‌ كل ذره ‌من‌ كيانى، ‌و‌ ‌من‌ الوجود ‌من‌ حولى، فادرك بانك وحدك الحقيقه ‌و‌ بان كل ‌ما‌ عداك ‌هو‌ الظل ‌و‌ الشبح ‌و‌ الصدى، فلا معنى له الا بك، ‌و‌ ‌لا‌ حركه له الا منك، فانت ‌سر‌ كل شى ء ‌و‌ المهيمن على كل شى ء، ‌و‌ هكذا يكون الذكر العميق ذكرا ‌فى‌ العقل ‌و‌ الوجدان ‌و‌ الحس ‌و‌ الحركه، ‌و‌ ‌فى‌ الوجود كله، لاعيش معك الحضور القوى الممتد الشامل بحيث ‌لا‌ ارى شيئا الا ‌و‌ اراك معه، ‌و‌ ‌لا‌ احس بشى ء الا ‌و‌ اراك خلفه، فتكون حياتى معك ‌و‌ بين يديك ‌فى‌ كل مواقعها ‌و‌ خفاياها ‌و‌ اسرارها.
 اجعلنى- ‌يا‌ رب- ممن يحرك فكره ‌فى‌ الانطلاق الى مواقع قدرتك ‌فى‌ اساس الوجود ‌و‌ ‌فى‌ حركه تنظيمه ‌و‌ تدبيره، ‌و‌ ‌فى‌ حياته ‌و‌ موته، ليكون النظام الكونى ‌فى‌ كل ظواهره، ‌و‌ موجوداته ‌و‌ قوانينه ‌و‌ آفاقه، ‌هو‌ الدليل عليك الذى يشير اليك، فلا يستطيع الناظر ‌و‌ المتامل ‌و‌ الباحث ‌ان‌ يفصل بين الكون ‌و‌ بينك، لان ‌من‌ المستحيل الفصل بين الخالق ‌و‌ المخلوق، لانه ‌لا‌ يحمل ‌فى‌ ذاته ‌سر‌ وجوده ‌و‌ حتميه حركته، لانك- انت- الذى تمنحه ذلك بقوتك التى اعطت القوه لكل مواقع القوه ‌فى‌ الوجود، ‌و‌ بقدرتك التى حركت كل مواقع الحركه ‌فى‌ الكون.
 اعطنى- ‌يا‌ رب- الوعى الفكرى الذى اعرف- ‌من‌ خلاله- اسرار قدرتك ‌و‌ آفاق قوتك، لاعيش الاحتقار لكل قدره يتحرك فيها القادرون ‌فى‌ الحياه، ليبرروا لانفسهم السيطره على الوجود ‌و‌ الاستعلاء على الناس، فادرك- ‌من‌ خلال ذلك- انك القادر على كل شى ء ‌و‌ القاهر فوق عبادك، ‌و‌ ‌ان‌ كل قدره تستمد حيويتها ‌من‌ قدرتك، لانك انت الذى منحتها حيويتها ‌و‌ ادواتها ‌و‌ مواقعها، ‌و‌ لاحس بان القوه لله جميعا،
 فاكتشف ‌فى‌ الناس ‌من‌ حولى نقاط الضعف الكثيره ‌فى‌ وجودهم الذاتى ‌و‌ ‌فى‌ تفاصيل هذا الوجود، لاصل الى الفكره الحيه بان قوتك هى الاساس، ‌و‌ ‌ان‌ قوتهم هى الامتداد لارادتك ‌فى‌ نعمه القوه التى تنعم بها على عبادك، فاتحرك ‌فى‌ مواقع طاعتك على هدى هذه النظره العميقه التى تتعمق ‌فى‌ دراسه ‌ما‌ ‌هو‌ معنى الخالق ‌و‌ ‌ما‌ ‌هو‌ معنى المخلوق ‌فى‌ معنى الاله ‌و‌ الانسان..
 ‌يا‌ رب، اجعل فكرى الفكر الايجابى الحركى الفاعل الذى يواجه الواقع بمسووليه ‌و‌ يتحرك فيه بفاعليه، فيدرس كل مواقع مسووليته ‌فى‌ الناس الذين يتحركون ‌من‌ حوله، ‌فى‌ اوليائك ‌و‌ اعدائك، ليخطط للتكامل مع اوليائك ‌فى‌ بناء الحياه على الاسس الثابته التى اردت للاراده الانسانيه ‌ان‌ تعمل عل تاكيدها ‌فى‌ كل موقع ‌من‌ مواقع الكون ‌و‌ الانسان، ‌من‌ القوه للحق ‌فى‌ ‌خط‌ رسالاتك، ‌و‌ الفاعليه للعدل ‌فى‌ ‌خط‌ شرائعك، ‌و‌ الانفتاح على آفاق الوهيتك ‌فى‌ حركه عبوديتنا لك، ‌و‌ التعاون على اساس ‌ان‌ يكون الدين كله لك، ‌و‌ ‌ان‌ تكون الحياه كلها خاضعه لارادتك، ‌من‌ مواقع الاراده المومنه القويه الواعيه.
 ثم ليخطط مع اوليائك لمواجهه كل التحديات التى يطلقها اعداوك ‌فى‌ اسقاط الاسلام ‌فى‌ ثقافته، لتستبدل ‌به‌ ثقافه كافره تثير الشكوك ‌و‌ الشبهات، ‌و‌ تعمل ‌من‌ اجل ايجاد جبهه للرفض الفكرى لعقيدته ‌و‌ منهجه ‌و‌ شريعته ‌من‌ اجل تشويه صورته ‌و‌ اضعاف موقعه، ‌و‌ ارباك مسيرته، ‌و‌ ابعاده عن قياده الحياه، ‌و‌ افساح المجال لعقيده اخرى مضاده له ‌فى‌ الفكر ‌و‌ الخط ‌و‌ الحركه، ‌او‌ ‌فى‌ اسقاط الواقع السياسى ‌و‌ الاجتماعى ‌و‌ الاقتصادى ‌و‌ الامنى للامه الاسلاميه، ‌و‌ ذلك باحتلال ارض المسلمين لمصلحه سيطره المستكبرين ‌و‌ ابعاد الاسلام عن قياده الحياه، ‌و‌ فرض الذل على المستضعفين، ‌و‌ نهب ثرواتهم، ‌و‌ منعهم ‌من‌ تحقيق الرخاء الاقتصادى ‌من‌ خلال مصادر الثروه ‌فى‌ ارضهم، ‌و‌ اثاره المشاكل الاقتصاديه ‌فى‌ داخلهم، بفعل الاجهزه الخفيه التى تخطط لاكثر ‌من‌ مشكله ‌فى‌ الانتاج ‌او‌ التوزيع ‌او‌ قضايا العمل ‌او‌ المواد الخام ‌و‌ ‌ما‌ الى ذلك، ‌من‌ اجل ‌ان‌ يكون الاقتصاد الاسلامى على هامش الاقتصاد الاستكبارى، حتى ‌لا‌ تكون للمسلمين ايه حريه ‌فى‌ اداره شوونهم الحياتيه ‌من‌ اجل تحويل ذلك الى موقع ضعف يرزح فيه المسلمون تحت تاثير استكبار المستكبرين، ‌و‌ اثاره الفتن المتنوعه على اساس عائلى ‌او‌ عنصرى ‌او‌ اقليمى ‌او‌ قومى ‌او‌ طائفى ‌فى‌ داخل الواقع الاسلامى، ‌من‌ اجل تحريك التمزقات ‌و‌ النزاعات ‌و‌ الخلافات ‌فى‌ البنيه الاجتماعيه، ‌و‌ توجيه العلاقات الاسلاميه بين المسلمين الى المزيد ‌من‌ التناحر ‌و‌ التنافر ‌و‌ التقاتل، ‌و‌ منع الوحده الاسلاميه، ‌و‌ تضييع كل الفرص المتاحه ‌فى‌ هذا الاتجاه، ليكون باسهم بينهم شديدا، ‌و‌ ليكون ذلك شغلهم الشاغل عن الانصراف الى بناء كيانهم السياسى ‌و‌ الثقافى ‌و‌ الامنى ‌و‌ التربوى، ليكونوا القوه التى تمنع كل الاقوياء ‌من‌ اسقاطها ‌او‌ اضعافها ‌فى‌ كل المجالات.
 اللهم وفقنى لان احرك فكرى ‌فى‌ سبيل التخطيط الدقيق لمواجهه ذلك على اساس تقديم الحلول العمليه للمشاكل الكبيره ‌و‌ الصغيره، ‌من‌ اجل هزيمه اعداء الاسلام نفسيا ‌و‌ امنيا ‌و‌ ثقافيا ‌و‌ سياسيا ‌و‌ اقتصاديا، حتى تكون كلمتك هى العليا، ‌و‌ كلمه الشيطان هى السفلى، ‌فى‌ سبيل انتصار اسلامى كبير يشمل الارض كلها على اساس التخطيط للمسيره الطويله التى تشمل الزمن كله، ‌و‌ اجعلنى ‌من‌ الذين يعملون على ايجاد حاله تخطيطيه عامه بحيث يتحول الجو الاسلامى الى ذهنيه متحركه على اساس التدبير المتحرك ‌فى‌ اكثر ‌من‌ اتجاه، بدلا ‌من‌ الذهنيه الارتجاليه السطحيه المتفرقه ‌فى‌ الحاضر على حساب المستقبل.
 ‌يا‌ رب، ‌ان‌ البناء الفكرى ‌فى‌ الشخصيه الاسلاميه القويه ‌هو‌ الاساس الذى يبنى للاسلام قوته، ‌و‌ للمسلمين عزتهم ‌و‌ حريتهم ‌و‌ كرامتهم، ‌و‌ للمستقبل الاسلامى قاعدته الثابته.
 اللهم اجعلنى ممن يجد الفكر مسووليته التى يقدمها بين يديك كتعبير عن العبوديه ‌و‌ الانقياد اليك، تماما كما يجد العمل مظهرا لحركه المسووليه ‌فى‌ حياته، ‌و‌ ارزقنى الجديه ‌فى‌ الفكر، ‌و‌ العمق ‌فى‌ التامل ‌و‌ الملاحظه، حتى اصل الى الحقيقه ‌من‌ اقرب طريق ‌و‌ باسرع وقت، ‌و‌ ‌لا‌ تجعلنى هازلا ‌فى‌ الفكر، فانك اوحيت الى رسولك، ‌و‌ الينا ‌من‌ خلاله، ‌ان‌ الفكر ‌هو‌ اساس المسووليه، ‌و‌ روح العباده، ‌و‌ حركيه الانسانيه ‌فى‌ الانسان.
 اللهم ‌و‌ قد يدخل الشيطان الى اجواء الكلمات التى تتحرك ‌فى‌ لسانى ‌فى‌ الاسلوب التعبيرى عن الافكار ‌و‌ المشاعر ‌و‌ التطلعات ‌و‌ المواقف ‌و‌ النوازع الداخليه ‌و‌ الخارجيه، فيقودنى الى الكلمات الفاحشه التى تخدش الحياء، ‌و‌ تجرح طهر السمع، ‌و‌ تثير ‌فى‌ الجو المحيط بها المشاعر الخبيثه الفاضحه، ‌او‌ الكلمات اللاغيه القبيحه المعبره عن السوء، المتحركه ‌فى‌ ‌ما‌ ‌لا‌ يجمل بالانسان الحديث عنه ‌او‌ الاكثار منه، ‌او‌ الالفاظ الشاتمه التى تتناول الناس ‌فى‌ اعراضهم ‌و‌ كراماتهم مما يتصل باوضاعهم المعنويه ‌فى‌ مواقعهم الاجتماعيه، ‌فى‌ احسابهم ‌و‌ انسابهم ‌و‌ ‌ما‌ اشبه ذلك، ‌او‌ الكلمات التى تقوى الباطل ‌و‌ تضعف الحق، ‌و‌ ذلك بالشهاده بالباطل على حساب الحق، بالاخبار عن امر لم يحدث، ‌و‌ عن ‌حق‌ لم يثبت، ‌و‌ عن حسنه لم توجد، ‌و‌ عن ملك ‌لا‌ اساس له، ‌و‌ عن موقف ‌لا‌ واقع له، مما يدخل ‌فى‌ نطاق توجيه الحكم الى غير المواقع الحقيقيه للاشياء، ‌و‌ ابعاده عن آفاق العدل، ‌او‌ الكلمات الشريره التى تتحدث عن عيوب الناس المومنين التى سترتها عليهم، مما يكتمونه ‌من‌ النقص الحاصل ‌فى‌ انسابهم ‌و‌ اقوالهم ‌و‌ افعالهم ‌و‌ صفاتهم الجسديه ‌و‌ مواقعهم الاجتماعيه ‌و‌ ‌ما‌ الى ذلك، مما يراه الناس عيبا ‌فى‌ الانسان، بحيث يسقط مقامه ‌من‌ خلاله، ‌و‌ لذلك فانه يرفض ‌ان‌ يذكره الناس ‌به‌ ‌فى‌ ايه مناسبه بقصد الذم ‌او‌ باى قصد آخر، ‌او‌ بدون قصد شى ء معين.
 ‌او‌ الكلمات التى توحى بالسب للمومنين مما يثقلهم مواجهتهم به، لاشتماله على الصفات التى تسى ء اليهم ‌فى‌ انفسهم ‌او‌ ‌فى‌ مواقفهم ‌و‌ افعالهم ‌او‌ انتماءاتهم ‌او‌ واقعهم ‌و‌ نحو ذلك.
 اللهم انى اعلم انك تريدنى ‌ان‌ اكون عف اللسان، طاهر الكلمه، بحيث تتحول الكلمه عندى الى مسووليه دينيه اجتماعيه انسانيه ‌من‌ خلال مضمونها ‌و‌ ايحاءاتها ‌و‌ تاثيرها ‌و‌ حركيتها، لتكون عنصر خير بدلا ‌من‌ ‌ان‌ تكون عنصر شر، ‌و‌ وسيله ‌حق‌ ‌لا‌ وسيله باطل، ‌و‌ وحى رحمه ‌لا‌ وحى قسوه، ‌و‌ اداه بناء للحياه ‌و‌ الانسان ‌لا‌ اداه هدم لهما، ‌و‌ منطلق نفع ‌لا‌ ضرر، فقد اردت لعبادك ‌ان‌ يقولوا التى هى احسن، ‌و‌ ذلك ‌فى‌ قولك- سبحانك-: (و ‌قل‌ لعبادى يقولوا التى هى احسن ‌ان‌ الشيطان ينزغ بينهم ‌ان‌ الشيطان كان للانسان عدوا مبينا)(الاسراء: 53).
 ‌و‌ قلت- سبحانك- ‌فى‌ آيه اخرى:
 (يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله ‌و‌ قولوا قولا سديدا)(الاسراء: 53).
 ‌و‌ قد رفضت لعبادك الفحش قولا ‌و‌ عملا، لانك ‌لا‌ تريد لهم ‌ان‌ يتنفسوا التصور الفاحش ‌فى‌ افكارهم، ‌او‌ عمل الفحشاء ‌فى‌ ممارستهم، لما يمثله ذلك ‌من‌ اساءه الى طهر الفكر ‌و‌ الروح ‌و‌ العمل، ‌و‌ يسى ء- بالتالى- الى طهاره الانسانيه ‌فى‌ الانسان، ‌و‌ لم ترد لهم ‌ان‌ يحركوا السوء ‌و‌ اللغو ‌و‌ الفضول ‌فى‌ حياتهم، فكلفتهم بابعاد ذلك عن كلماتهم.
 ‌و‌ هكذا اردت للانسان المومن ‌ان‌ يكون مهذبا ‌فى‌ كلماته مع الاخرين، فلا يطلق الالفاظ التى تجرح كراماتهم ‌و‌ تسى ء الى اوضاعهم، ‌و‌ تسقط حس الكرامه ‌فى‌ انسانيتهم، فلم ترد له ‌ان‌ يستخدم الشتم ‌فى‌ هذا الاتجاه السيى ء العدوانى الذى يعقد النفوس، ‌و‌ يثقل القلوب، ‌و‌ يزرع العداوه بين الناس.
 ‌و‌ حذرت المومنين ‌من‌ قول الزور ‌و‌ الشهاده بالباطل، ‌و‌ كتمان الحق، لان ذلك يودى الى تضييع الحقوق، ‌و‌ انتشار الظلم ‌و‌ غياب العدل، ‌و‌ حرمت الغيبه ‌و‌ جعلت مثلها مثل اكل لحم المومن ميتا، لان حرمه عرضه كحرمه دمه، لانها تمثل عدوانا على الانسان باسقاط حرمته بين الناس ‌من‌ خلال اظهار عيوبه التى يكتمها عنهم، ‌و‌ اعتبرتها ‌من‌ الكبائر التى ‌لا‌ تغفرها حتى يغفرها صاحبها لارتباطها بحقوق الناس كارتباطها بحقك، ‌و‌ اردت للناس رفض الاستماع اليها الا ‌من‌ اجل الدفاع عن صاحبها برد غيبته، حتى ‌لا‌ يتشجع الناس على هذا الاسلوب.
 ‌و‌ اردت للناس ‌ان‌ ‌لا‌ يسبوا المومنين، لان سبابهم فسوق ‌و‌ انحراف عن الخط الشرعى الاسلامى الذى يوكد على احترام المومنين لبعضهم البعض، ‌و‌ ترك الاساءه ‌و‌ التعدى على كراماتهم، ثم ربيتهم على ‌ان‌ ‌لا‌ يسبوا الذين يدعون غير الله، ‌لا‌ لان هولاء يملكون الاحترام لذواتهم ‌او‌ ‌لا‌ نتماءاتهم، بل ليبتعدوا عن ‌رد‌ الفعل الذاتى الناشى ء ‌من‌ نوازعهم الذاتيه المنطبعه على حب اعمالهم، ‌و‌ تقديس مقدساتهم، فيتحول الموضوع الى ‌ان‌ يبادروا الى سب الله بغير علم، كما جاء ‌فى‌ كتابك- سبحانك- (و ‌لا‌ تسبوا الذين يدعون ‌من‌ دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل امه عملهم)(الانعام: 108).
 لقد تعلمنا منك ‌و‌ ‌من‌ رسلك ‌و‌ اوليائك، ‌ان‌ اسلوب السب ليس الاسلوب الامثل للمواجهه ‌فى‌ ساحات الصراع، لانه لن يودى الى نتيجه ‌فى‌ الاقناع، ‌و‌ لن يحقق ايه ايجابيه ‌فى‌ ايمان الناس بالحق، بل ربما يزيد المساله تعقيدا، ‌و‌ يبتعد بالمشكله عن نطاق الحل، ‌و‌ يعطى الناس صوره عكسيه عن الموقف الحق، ‌و‌ يودى الى اضعاف اصحابه، ‌و‌ تقويه القوى المضاده التى قد تحصل على بعض العطف ‌من‌ خلال الرفض الاجتماعى لهذا الاسلوب ‌فى‌ ‌خط‌ المواجهه، ‌و‌ هذا ‌هو‌ ‌ما‌ عبر عنه الامام على (ع) عندما سمع بعضا ‌من‌ اصحابه ‌من‌ اهل العراق يسبون اهل الشام، فقال لهم:
 «انى اكره لكم ‌ان‌ تكونوا سبابين، ‌و‌ لكنكم لو وصفتم اعمالهم، ‌و‌ ذكرتم حالهم، كان اصوب ‌فى‌ القول، ‌و‌ ابلغ ‌فى‌ العذر، ‌و‌ قلتم مكان سبكم اياهم اللهم احقن دماءنا ‌و‌ دماءهم، ‌و‌ اصلح ذات بيننا ‌و‌ بينهم، ‌و‌ اهدهم ‌من‌ ضلالتهم، حتى يعرف الحق ‌من‌ جهله، ‌و‌ يرعوى عن الغى ‌و‌ العدوان ‌من‌ لهج به».
 اللهم اجعلنا ممن يحملون مسووليه الكلمه ‌و‌ يعتبرونها وسيله ‌من‌ وسائل الارتفاع الى مستوى الكمال ‌و‌ الرفعه الروحيه، ‌و‌ الثبات ‌فى‌ ساحات الاهتزاز، ‌و‌ الانطلاق نحو التغيير للافضل، ‌و‌ وفقنا لتبديل كلمات السوء الى الكلمات الاحسن، لتكون كلماتنا ‌فى‌ كل مجالاتنا نطقا بالحمد لك، فاحمدك بما انت اهله ‌من‌ صفات الحمد، حتى يتحول الحمد لدى الى وعى شامل لكل مواقعه ‌فى‌ ذاتك التى تجمع كل
 معانيه، فلا حمد الا ‌و‌ ‌هو‌ مستمد منك، ‌فى‌ ‌ما‌ يتصف ‌به‌ خلقك، ‌و‌ اغراقا ‌فى‌ الثناء عليك، فاستغرق ‌فى‌ كلمات الثناء ‌فى‌ ليلى ‌و‌ نهارى، حتى تكون حياتى انفتاحا على كل مواقعه، فاعيش معك ‌فى‌ ذلك كله، ‌فى‌ آفاق المعرفه بك ‌و‌ الاعظام لك، فيكون ذلك تعبيرا عن عمق الاخلاص الذى يتعبد لك ‌فى‌ وحى الكلمات كما يتعبد لك ‌فى‌ وحى الاعمال، ‌و‌ حركه ‌فى‌ ‌خط‌ الانفتاح على رحاب المجد ‌فى‌ الوهيتك التى اعطت المجد للكون ‌و‌ الحياه ‌و‌ الانسان، فكان المجد صفتك ‌و‌ عطاءك ‌فى‌ ‌ما‌ منحته للوجود ‌من‌ اسبابه. لتكن كلماتى- ‌يا‌ رب- تعبيرا عن احساس الكيان ‌فى‌ ذاتى بعظمتك ‌و‌ حمدك ‌و‌ مجدك، ليتصاغر ‌فى‌ نفسى- امام ذلك كله- كل الذين يمنحون انفسهم درجات العظمه ‌و‌ يتحدث الناس عنهم بكلمات الحمد ‌و‌ المجد.
 اللهم اجعلنى ممن يتمثل ‌فى‌ وعيه كل نعمك ‌فى‌ حياته ‌و‌ حياه الناس ‌من‌ حوله، ‌و‌ ينفتح على احسانك ‌فى‌ حركه الوجود الممتد ‌فى‌ الكون كله، ‌و‌ يتابع مننك التى ‌لا‌ تعد ‌و‌ ‌لا‌ تحصى ‌فى‌ كل ‌ما‌ علا ‌فى‌ الهواء ‌و‌ ‌ما‌ ‌كن‌ تحت الثرى ‌او‌ جرى على سطح الارض، فانطلق ‌فى‌ التعبير الحى الخاشع ‌فى‌ انسانيتى الشاعره، ‌و‌ وجودى المنفعل بوجودك، فاشكر نعمك ‌فى‌ حياتى، ‌و‌ اعترف باحسانك ‌فى‌ حركه كيانى، ‌و‌ احصى مننك ‌فى‌ كل آفاق وجودى، لتكون كلمات الشكر ‌و‌ الاعتراف بالاحسان ‌و‌ الاحصاء للمنن حركه ‌فى‌ الفكر، ‌و‌ استغراقا ‌فى‌ الوعى، ‌و‌ معرفه ‌فى‌ الواقع، كما هى تعبير باللسان، فيكون اللسان الناطق ‌فى‌ معنى العبوديه تعبيرا عن الانفتاح على معنى الالوهيه ‌فى‌ ذاتك.
 ‌و‌ هكذا يتحرك ‌خط‌ التغيير ‌فى‌ اقوالى، فاستبدل بالشر الخير، ‌و‌ بالخطاء الصواب، ‌و‌ بالابتعاد عن مواقع رضاك الاقتراب منك، كما يتحرك ‌خط‌ التغيير ‌فى‌ افكارى ليكون فكرى انطلاقا ‌فى‌ مسووليه المعرفه الجاده المتحركه، بدلا ‌من‌ المعرفه اللاهيه العدوانيه العابثه.
و ‌لا‌ اظلمن ‌و‌ انت مطيق للدفع عنى:
 
 ‌يا‌ رب، منك القوه، ‌و‌ بك الاستعانه، ‌و‌ منك المدد ‌و‌ انت المهيمن على الوجود كله، ‌و‌ القادر على تغيير الامور ‌من‌ حال الى حال، ‌و‌ القاهر لعبادك ‌فى‌ ‌ما‌ يتحركون ‌به‌ ‌من‌ طاقاتهم، ‌و‌ ‌ما‌ يفيضون ‌به‌ ‌من‌ خطواتهم، ‌و‌ ‌ما‌ ينطلقون ‌به‌ ‌من‌ اعمالهم ‌و‌ اقوالهم ‌و‌ علاقاتهم ‌و‌ مواقفهم، ‌و‌ ‌ما‌ يعيشون فيه ‌من‌ فقرهم ‌و‌ غناهم ‌و‌ توازنهم ‌و‌ طغيانهم، ‌و‌ ظلمهم ‌و‌ عدلهم ‌و‌ كل اوضاعهم، فانت الذى تملك ‌من‌ نفسى ‌ما‌ ‌لا‌ املكه منها، ‌و‌ تملك ‌من‌ الناس ‌من‌ حولى ‌ما‌ ‌لا‌ يملكونه ‌من‌ انفسهم، ‌و‌ تسيطر على الاشياء بقدرتك التى تتصرف فيها بحكمه تقديرك، ‌و‌ دقه تدبيرك.
 فلا اشعر بالسقوط ‌و‌ انت الذى يتوجه اليه الناس ‌فى‌ مواقع الاهتزاز، ‌و‌ ‌لا‌ اخشى الضغوط ‌و‌ انت القادر على التخفيف عن خلقك كل الاثقال التى تثقل حياتهم، ‌و‌ ‌لا‌ اخاف الانحراف ‌من‌ نفسى ‌فى‌ ضلالها ‌او‌ طغيانها ‌و‌ ظلمها للاخرين، ‌و‌ انت القابض على كل قدراتى ‌و‌ حركاتى ‌و‌ مقدراتى، ‌و‌ انا- هنا- الخاضع لك، الخاشع بين يديك، المتوسل بك، المستغيث بك ‌فى‌ نقاط ضعفى التى تقودنى الى الانحراف عن خطك، ‌او‌ تسلمنى الى بلائك، ‌او‌ تضعفنى تحت تاثير قسوه خلقك.
 ‌يا‌ رب، قد تتعاظم القوه عند بعض عبادك، ‌و‌ ينحرف الاحساس الانسانى لديهم عن ‌خط‌ العدل، ‌و‌ تتحرك نوازعهم الذاتيه ‌و‌ مصالحهم الخاصه لتضغط على مواقع ضعفى التى قد تسقط امام قوتهم، فيظلموننى ‌فى‌ انسانيتى التى يعملون على الاساءه اليها بوحشيتهم الساحقه، ‌و‌ ‌فى‌ حقوقى العامه ‌و‌ الخاصه لديهم، فيبتعدون عن مواقعها ‌و‌ مصادرها ‌و‌ مواردها، ‌فى‌ عمليه تعنيف ‌و‌ اضطهاد، ‌و‌ يظلموننى ‌فى‌ تصرفاتهم ‌و‌ احكامهم، فيضغطون على مصالحى لخدمه مصالحهم، ‌فى‌ استغلال منحرف لفقدان التوازن بين قوتهم الطاغيه ‌و‌ ضعفى الشديد، فلا املك سبيلا لدفعهم عنى، ‌و‌ ‌لا‌ للنجاه منهم، ‌و‌ لكنى- مع ذلك- ‌لا‌ اشعر بالياس ‌او‌ بالسقوط امامهم، بل اتطلع الى قوتك ‌و‌ قدرتك ‌و‌ لطفك ‌و‌ رحمتك، فاحس بالامن ‌فى‌ ذلك كله، لاننى اعرف بانك الرب القوى الذى يدفع عن عباده المستضعفين، فينقذهم ‌من‌ ظلم الظالمين، ‌و‌ طغيان المستكبرين، ‌فى‌ حالات الشده ‌و‌ الضيق ‌و‌ البلاء.
 
 اللهم اقبض يدى عن الظلم:
 
 اللهم ‌و‌ قد تجمح نفسى الى البغى ‌و‌ العدوان على الاخرين ‌من‌ الضعفاء الابرياء ‌و‌ ذلك ‌فى‌ حالات استشعارى القوه الذاتيه التى تمكننى ‌من‌ السيطره عليهم، ‌و‌ التعدى على حقوقهم، ‌و‌ اسقاط مواقعهم، ‌و‌ الضغط على مواقفهم، فاكلفهم بما ‌لا‌ يطيقون، ‌و‌ اكرههم على ‌ما‌ ‌لا‌ يحبون، ‌و‌ احكم عليهم بغير العدل، ‌و‌ اظلمهم ‌فى‌ ‌ما‌ ليس لى بحق، ‌و‌ استضعفهم ‌فى‌ افكارهم ‌و‌ اعمالهم ‌و‌ علاقاتهم، فيشعرون امامى شعور الضعيف الذى ‌لا‌ يملك الدفاع عن نفسه امام القوى المعتدى، ‌و‌ ‌فى‌ ذلك الظلم الكبير الذى نهيت عبادك عنه، ‌و‌ حذرتهم ‌من‌ نتائجه القاسيه على مستوى الدنيا ‌و‌ الاخره، ‌و‌ انذرتهم بانه يقود الى غضبك الذى يسقط امامه المخلوقون.
 اللهم انى اتوسل اليك ‌ان‌ تقبض على يدى التى تمتد الى الناس بالعدوان، ‌و‌ ‌ان‌ تقمع ارادتى التى تتحرك نحو الضغط على اراده الاخرين، ‌و‌ ‌ان‌ تبعثر خطواتى التى تسير ‌فى‌ الطريق الذى يودى الى مواقع الظلم ‌فى‌ الحياه، ‌و‌ ‌ان‌ تمسك لسانى عن النطق بالكلمات الباغيه ‌و‌ الاحكام الظالمه، ‌و‌ ‌ان‌ تضعف قوتى عن العمل على اسقاط قوه الاخرين، فانك القادر على بما ‌لا‌ املك فيه القدره على نفسى، ‌و‌ المالك لحركتى الداخليه ‌و‌ الخارجيه ‌فى‌ تحريك ارادتى ‌و‌ اعضائى ‌فى‌ الاتجاه الذى تريده، ‌و‌ منعها ‌من‌ التحرك ‌فى‌ ‌ما‌ ‌لا‌ تريده.
 اللهم اجعلنى ممن يرفض الظلم ‌من‌ نفسه ‌ضد‌ الناس، كما يرفض الظلم ‌من‌ الناس ضده، ‌من‌ خلال رفض المبداء ‌من‌ حيث الاساس، لاكون الانسان الذى يومن بالعدل ‌فى‌ كل مواقعه ‌فى‌ حياته ‌و‌ حياه الاخرين ليحمى الناس ‌من‌ نزوات البغى ‌فى‌ ذاته، كما يحمى نفسه ‌من‌ نزواتهم الباغيه، حتى ينطلق العدل ‌فى‌ الوجود الانسانى بكل شموليه ‌و‌ امتداد.
 
 ‌و‌ ‌لا‌ تجعلنى اضل:
 
 اللهم، ‌ان‌ نفسى معرضه للضلال ‌فى‌ غرائزها الكامنه ‌فى‌ داخلها، ‌و‌ ‌فى‌ افكارها التائهه ‌فى‌ آفاقها، ‌و‌ نوازعها القلقه ‌فى‌ احلامها، ‌و‌ مطامعها المتحركه ‌فى‌ حاجاتها، ‌و‌ خطواتها الحائره ‌فى‌ دروبها، ‌و‌ اوضاعها الخاضعه لظروفها، ‌و‌ علاقاتها الضعيفه امام مشاعرها ‌و‌ نقاط ضعفها امام قوه الشيطان ‌و‌ حركته، ‌و‌ قد يضغط على ذلك كله لابعادى عن ‌خط‌ الهدايه ‌فى‌ دروب الحق، فلا املك الكثير ‌من‌ الفرص الغنيه للسيطره على غرائزى ‌و‌ نقاط ضعفى الفكريه ‌و‌ العمليه، فاهدنى اللهم الى الحق ‌فى‌ العقيده ‌و‌ الشريعه ‌و‌ الخط ‌و‌ المنهج، حتى ‌لا‌ احمل عقيده منحرفه ‌لا‌ تنسجم مع الحق ‌فى‌ وحيك، ‌و‌ ‌لا‌ اتبع شريعه ‌لا‌ تتحرك ‌فى‌ نطاق العدل ‌فى‌ شريعتك، ‌و‌ ‌لا‌ التزم خطا ‌لا‌ يلتقى بخطك، ‌و‌ ‌لا‌ انطلق ‌فى‌ منهج غير منهجك، فانك- وحدك- القادر على ‌ان‌ تلهمنى الهدى ‌فى‌ العقل ‌و‌ العاطفه ‌و‌ الشعور ‌و‌ الحركه ‌و‌ الانتماء.
 فهل اطمع- ‌يا‌ رب- ‌فى‌ لطفك بتوجيه طاقاتى كلها ‌فى‌ اتجاه هداك؟
 
 ‌و‌ ‌لا‌ افتقرن ‌و‌ ‌من‌ عندك وسعى:
 
 ‌يا‌ رب، قد تضيق ‌بى‌ ابواب الرزق، فيشتد ‌بى‌ الحال ‌و‌ اسقط ‌فى‌ هاويه الفقر، ‌و‌ ربما تبلغ ‌بى‌ الامور ‌حد‌ الياس ‌من‌ خلال طبيعتها القاسيه، ‌و‌ لكن اذا كانت الجده منك، ‌و‌ الغنى ‌من‌ رزقك، فانى اتطلع اليك ‌ان‌ تزيل عنى كل اشباح الفقر ‌و‌ تهاويله، لان لديك الغنى كله، ‌و‌ الرزق كله، فكيف افتقر بين يديك؟!
 ‌و‌ ‌لا‌ اطغين ‌و‌ ‌من‌ عندك وجدى:
 
 ‌و‌ قد اكون ‌فى‌ حاله اخرى معاكسه لتلك الحاله، فتتسع لى الامور ‌و‌ يكثر الرزق، ‌و‌ يمتد الرخاء، ‌و‌ يتحرك الغنى المالى ‌فى‌ كل اوضاعى، فياخذنى الطغيان ‌من‌ خلال الشعور بالقوه ‌و‌ الغنى ‌و‌ الاكتفاء، حتى يخيل الى- ‌من‌ خلال وساوس الشيطان- اننى مستغن عنك، بفعل الغفله، فيقودنى ذلك الى تجاوز الحد، ‌و‌ الاسراف ‌فى‌ المعاصى ‌و‌ البعد عنك.
 ‌و‌ لكننى ‌فى‌ صحوه الذكرى، ‌و‌ يقظه الروح، ‌و‌ انفتاح الايمان بك على حقائق الامور، اعود لاكتشف ‌ان‌ كل ‌ما‌ عندى ‌هو‌ ‌من‌ فيض جودك، ‌و‌ ‌من‌ فضل رزقك، ‌و‌ ‌من‌ لطف عنايتك، فكيف اشعر بالاستغناء عنك، ‌و‌ انا اعيش كل الفقر اليك، فلا املك شيئا ‌من‌ الغنى الا بك، ‌و‌ ‌لا‌ اعيش الكفايه الا منك، فابعدنى- ‌يا‌ رب- عن الطغيان، بالهامى ذكرك ‌و‌ ذكر نعمك ‌فى‌ كل حالاتى.
اللهم الى مغفرتك وفدت:
 
 ‌يا‌ رب، ‌ان‌ رحلتى اليك ‌فى‌ مسيرتى الصاعده ‌فى‌ حياتى، ليست رحله ‌فى‌ المكان، لانك فوق المكان ‌و‌ الزمان، باعتبارهما بعض خلقك، ‌و‌ لكنها رحله الروح التى تعرج اليك، ‌و‌ العقل الذى يطوف ‌فى‌ رحاب عظمتك، ‌و‌ القلب الذى يتطلع الى لطفك ‌و‌ رضوانك.
 فقد دعوتنا للمسارعه الى مغفرتك ‌فى‌ رحله الايمان ‌و‌ العمل الصالح، ‌و‌ اردتنا ‌ان‌ نتوجه الى عفوك ‌فى‌ خطوات طاعتك، ‌و‌ ‌ان‌ نحصل على تجاوزك عن ذنوبنا ‌فى‌ رحله الشوق اليك بالمزيد ‌من‌ الحب الذى يتحرك ‌فى‌ همسات مشاعرنا، ‌و‌ خفقات قلوبنا، ‌و‌ ابتهالات ارواحنا، ‌و‌ ‌ان‌ نثق بفضلك الذى توتيه ‌من‌ تشاء، ممن ترضى عنهم ‌فى‌ ايمانهم بك، ‌و‌ اخلاصهم لك، ‌و‌ التزامهم برسالاتك، ‌و‌ اشتياقهم اليك.
 ‌و‌ ‌ها‌ انا ‌يا‌ رب وافد الى مغفرتك، ‌و‌ قاصد الى عفوك، ‌و‌ مشتاق الى تجاوزك، ‌و‌ واثق بفضلك، ‌و‌ لكنى ‌لا‌ املك ايه وسيله ذاتيه توصلنى الى ذلك كله، ‌او‌ تفتح لى ابواب الوصول اليك، فليس لى الا فضلك الذى تفيضه على عبادك المذنبين التائبين المتطلعين الى رحاب جودك ‌و‌ كرمك، الذين حكموا على انفسهم- قبل ‌ان‌ تحكم عليهم- لانهم عرفوا ‌ما‌ اسلفوه ‌من‌ الذنوب، ‌و‌ ‌ما‌ اتصفوا ‌به‌ ‌من‌ العيوب، ‌و‌ ‌ما‌ تحركوا ‌به‌ ‌من‌ خطوات الانحراف.
 اللهم تفضل على بالسعاده الروحيه، ‌و‌ الطمانينه القلبيه، ‌فى‌ الدخول الى رحاب فضلك، حتى يكون وفودى الى مغفرتك، ‌و‌ قصدى الى عفوك، ‌و‌ شوقى الى تجاوزك، محفوفا بالفوز ‌و‌ مقرونا بالنجاح.
اللهم الهمنى التقوى:
 
 اللهم انى احب الحياه المنفتحه بكل آفاقها ‌و‌ مواقفها ‌و‌ حركتها ‌و‌ اهدافها عليك، حتى اكون ‌فى‌ اشراقه عقلى، ‌و‌ صفاء روحى، ‌و‌ طهاره مشاعرى، ‌و‌ سلامه خطواتى، ‌و‌ استقامه طريقى، مقبولا عندك، محبوبا لك. اللهم اجعل نطقى ‌فى‌ كلماتى التى اطلقها ‌فى‌ الناس كلمات الهدى ‌فى‌ مضمونها العميق المرتكز على الحجه القويه، ‌و‌ البينه الواضحه ‌و‌ دلالتها القاطعه التى تزيح الشبهات، ‌و‌ ترد الاشكالات، ‌و‌ تفتح للتفكير اكثر ‌من‌ نافذه على الحق، ‌و‌ اكثر ‌من‌ طريق الى الصواب، ليهتدى الناس بذلك كله، فلا يبقى للضلال سبيل اليهم ‌فى‌ كل افكارهم ‌و‌ قضاياهم ‌و‌ اوضاعهم.
 اللهم الهمنى وعى المعرفه الواسعه لعظمتك، لتخشع روحى امامها، ‌و‌ يهتز قلبى ‌فى‌ ايحاءاتها، ‌و‌ يرتجف كيانى ‌من‌ هيبتها، فاعيش الخوف منك ‌فى‌ وجدان المسووليه ‌فى‌ ذاتى، ‌و‌ حركه العبوديه ‌فى‌ خطواتى، فتكون حياتى سائره ‌فى‌ الدروب التى اردتنى ‌ان‌ اسير فيها، واقفه ‌فى‌ المواقع التى اردتنى ‌ان‌ اقف فيها، لتجدنى ‌فى‌ مواقع رضاك، ‌و‌ تفقدنى ‌فى‌ مواقع سخطك، على ‌خط‌ التقوى التى تتحرك ‌فى‌ فكرى ‌و‌ شعورى ‌و‌ عملى ‌فى‌ الامور كلها، فاحصل على التقوى الفكريه ‌و‌ الشعوريه ‌و‌ السلوكيه، فانال بذلك محبتك التى منحتها للمتقين، ‌و‌ مغفرتك التى رزقتهم اياها، ‌و‌ كرامتك التى جعلتها لهم، ‌و‌ فضلك الذى وجهته اليهم ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره.
 اللهم وفقنى للحاله الفكريه ‌و‌ العمليه التى هى الاكثر نموا ‌فى‌ الخير ‌و‌ ثوابا ‌فى‌ النتائج، ‌و‌ الاطهر ‌فى‌ الدوافع، ‌و‌ الاصلح ‌فى‌ الخطوات، حتى ‌لا‌ تتجمد حياتى ‌فى‌ المواقع المنخفضه، ‌و‌ ‌لا‌ تستريح للسفوح الهادئه، ‌و‌ ‌لا‌ تختنق ‌فى‌ الوحول المتعفنه، بل تنطلق نحو الاعلى ‌فى‌ مرتفعات القمم، ‌و‌ الاصفى ‌فى‌ ينابيع الروح، ‌و‌ الاكثر حركه ‌فى‌ دروب الحياه المتجهه اليك، المتطلعه الى الافق الانقى ‌و‌ الاكثر اشراقا ‌فى‌ رحاب قدسك.
 اللهم اجعلنى ممن يعيش الطموح ‌فى‌ بلوغ الدرجات العليا ‌فى‌ آفاق رضاك بما ‌هو‌ الارضى لك ‌من‌ الاقوال ‌و‌ الاعمال، ‌و‌ الاقرب اليك ‌فى‌ المواقع ‌و‌ المواقف، حتى اكون الانسان الارضى لك ‌فى‌ كل حياتى ‌فى‌ نوازعها ‌و‌ تطلعاتها ‌و‌ حركاتها.
اللهم ‌ان‌ ‌فى‌ حياه الناس ‌من‌ قبلى ‌او‌ ‌من‌ حولى، الكثير ‌من‌ السبل التى تتجه ذات اليمين ‌و‌ ذات الشمال، بعيدا عن الخط المستقيم الواصل اليك، ‌و‌ هى السبل التى يخطط لها الشيطان ‌فى‌ احابيله ‌و‌ مكايده ‌و‌ حيله ليبعدنا عن المواقع الطيبه ‌فى‌ الحياه، ‌و‌ لكنى- ‌من‌ موقع ايمانى- ‌لا‌ احب ذلك بل احب ‌ان‌ تكون حياتى ‌فى‌ رعايتك، لتقودنى- بلطفك- الى ‌ما‌ تحب، فتسلك ‌بى‌ الطريقه الفضلى الموصله اليك، مما جاءت ‌به‌ الرسالات، ‌و‌ دعا اليه الرسل، فذلك ‌هو‌ سبيل النجاه ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره.
 اللهم استعملنى بالطريقه القويمه المنفتحه على مواقع الهدى ‌فى‌ الوجود، وهب لى الثبات ‌فى‌ الحياه على ‌خط‌ دينك، ليكون عمرى كله ‌فى‌ اتجاه طاعتك، ‌و‌ ‌فى‌ سبيل رضاك، حتى يبلغ ‌فى‌ نهاياته الخير لديك، فاذا جاءنا الموت، جاءنا مهتدين غير ضالين، طائعين غير مستكرهين، تائبين غير عاصين، فيكون وجودى كله حركه ‌فى‌ اتجاه رضاك ‌و‌ سكونا ‌فى‌ مواقع محبتك.
 
اللهم ‌و‌ متعنى بالاقتصاد:
 
 اللهم ساعدنى على ‌ان‌ احقق التوازن ‌فى‌ شخصيتى ‌فى‌ التفكير الهادى ء المتزن، ‌و‌ ‌فى‌ الراى الصائب، ‌و‌ احرك حياتى ‌فى‌ الاتجاه المنفتح على ‌خط‌ المسووليه، لاكون الدليل ‌فى‌ دروب التيه، ‌و‌ الصالح ‌فى‌ اجواء الفساد، ‌و‌ لتكون النتيجه ‌ان‌ ينطلق جهد الخير ‌فى‌ الدنيا فوزا ‌فى‌ الاخره، على اساس سلامه المصير.
 هب لى- ‌يا‌ رب- الاعتدال ‌فى‌ النظره الى الامور، ‌و‌ ‌فى‌ التحرك نحوها، ‌و‌ ‌فى‌ اداره قضاياها ‌و‌ اوضاعها، حتى اقف فيها على ‌خط‌ التوازن الذى يدرس الامور بوعى، ‌و‌ يعالجها بحكمه، ‌و‌ يلاحظ الظروف المحيطه بها، ‌و‌ المفردات المتناثره ‌فى‌ صعيدها، ‌و‌ الاوضاع المرتبطه بها، بطريقه محسوبه دقيقه ‌لا‌ مجال فيها للتفريط ‌و‌ الافراط ‌او‌ للزياده ‌و‌ النقصان، لان مشكله الانسان ‌فى‌ الحياه قد تكون خاضعه للاستغراق ‌فى‌ جانب مع اغفال الجانب الاخر، فيسد ثغره هنا ليفتح ثغره هناك، ‌و‌ يعمل على ‌حل‌ مشكله ‌من‌ موقع ليثير مشكله ‌فى‌ موقع آخر، ‌و‌ هكذا يفقد النظره المتوازنه، لتكون النتيجه فقدان الخطوات المتزنه ‌من‌ خلال فقدانه لوضوح الرويا.
 اجعلنى- ‌يا‌ رب- ممن يتحرك ‌فى‌ الحياه باعتدال ‌من‌ خلال الشخصيه العقلانيه التى تنظر الى الحياه المتحركه ‌فى‌ داخلها ‌و‌ ‌فى‌ امتداد طريقها نظره موضوعيه تنفتح على الخط المستقيم ‌فى‌ كل افكارى ‌و‌ اعمالى ‌و‌ مواقعى ‌و‌ مواقفى.
 
 اللهم اجعلنى ‌من‌ اهل السداد:
 
 اللهم اجعلنى ‌من‌ اهل السداد ‌فى‌ القول ‌و‌ الفعل ‌و‌ الفكر، فلا اقول الا صدقا، ‌و‌ ‌لا‌ افعل الا ‌ما‌ يتوافق مع الحق، ‌و‌ ‌لا‌ افكر الا صوابا، حتى تكون حياتى منفتحه على كل النور الذى يضى ء لى درب الحق، ‌و‌ يمهد لى سبيل الصواب، لان الحياه السائره ‌فى‌ دروب الخطاء، ‌و‌ المنطلقه ‌فى‌ الافاق الغائمه التى تحجب الشروق، قد تبعثر الخطوات ‌فى‌ رمال التيه، ‌و‌ تقودها الى هاويه الهلاك.
 
 اللهم اجعلنى ‌من‌ ادله الرشاد:
 
 اللهم اجعلنى الانسان الرسالى الذى يحقق شخصيته ‌فى‌ رسالته قبل ‌ان‌ يحققها ‌فى‌ ذاتياته، ‌و‌ يفكر بمجتمعه كما يفكر بنفسه، ‌و‌ يكتشف الخطاء ‌فى‌ الناس لينقذهم ‌من‌ نتائجه بابعادهم عنه، ‌و‌ يقف ‌من‌ الغى موقفا مسوولا ‌من‌ الناس الذين يعيشون فيه، ليدلهم على الطريق الرشيده التى يجدون فيها رشدهم ‌و‌ رشادهم، فيكون لهم الدليل المرشد.
 ‌و‌ اجعلنى ‌من‌ الصالحين الذين يعيشون الصلاح ‌فى‌ افكارهم، فلا يلتزمون ‌فى‌ قناعاتهم الا الفكر الصالح، كما يعيشون ‌فى‌ اعمالهم، فلا ينطلقون الا بالعمل الصالح الذى يحركونه ‌فى‌ علاقاتهم، فهم ‌لا‌ يلتزمون الا العلاقات الصالحه بالناس الصالحين، ‌و‌ يعملون على بناء الشخصيه الصالحه ‌فى‌ بنائهم الانسانى، فلا يسمحون للشخصيه الفاسده ‌ان‌ تقترب ‌من‌ كيانهم الذاتى، لاكون العنصر الانسانى الحى الذى يجسد الصلاح ‌فى‌ وجوده، ‌و‌ يدفع ‌به‌ ‌فى‌ كل مواقع حركته ‌فى‌ الحياه.
 
 اللهم ارزقنى فوز المعاد:
 
 ‌يا‌ رب، اذا كان الناس ‌من‌ حولى يفكرون بالنجاح ‌فى‌ الدنيا على مستوى المال ‌و‌ الولد ‌و‌ الجاه ‌و‌ الشهوات، ‌و‌ ينشدون السلامه ‌فى‌ اوضاعهم الصحيه ‌و‌ الامنيه ‌و‌ الاقتصاديه ‌و‌ الاجتماعيه، لان ذلك ‌هو‌ الذى يمثل السعاده الماديه التى تتناسب مع طبيعه الحياه التى يعيشونها ‌و‌ يتحركون ‌فى‌ داخلها، اذا كان الناس يفكرون بهذه الطريقه، فاننى افكر بطريقه اخرى، فقد ‌لا‌ امانع ‌فى‌ ‌ان‌ احصل على الحسنه ‌فى‌ الدنيا، فذلك شى ء لطيف لذيذ قد اطلبه منك لانك لن تغضب منى لذلك، بل ربما تحبنى لانى رفعته اليك، ‌و‌ لكنى ‌لا‌ اجد عمق السعاده ‌فى‌ الحصول على الدنيا لانها الحياه الفانيه التى تذوب كل لذاتها، ‌و‌ تخمد كل شهواتها، ‌و‌ تموت كل امجادها، ‌و‌ تتساقط كل نزواتها، بل اجد السعاده ‌فى‌ الفوز بالاخره، لانها الحياه الخالده التى ‌لا‌ تموت سعادتها ‌فى‌ كل مواقعها ‌و‌ امتدادها ‌و‌ نعيمها اللذيذ، ‌و‌ ‌فى‌ سلامه المرصاد الذى ترصد منه كل هولاء الذين كفروا بك، ‌و‌ تمردوا عليك، ‌و‌ انحرفوا عن سبيلك، ‌و‌ ابتعدوا عن نهجك، فكانت جهنم مرصادا لهم. اللهم ارزقنى الفوز ‌فى‌ المعاد، ‌و‌ السلامه ‌فى‌ المرصاد لاجد طعم الطاعه هناك، ‌و‌ لذه المغفره عندك.
اللهم ‌ان‌ نفسى هالكه ‌او‌ تعصمها:
 
 ‌يا‌ رب، ‌ان‌ النفس الاماره بالسوء قد تختزن الكثير ‌من‌ الصفات السيئه، ‌و‌ العيوب المسقطه، ‌و‌ الافعال الشريره، ‌و‌ الافكار الخاطئه، مما يعرضها لعذابك، ‌و‌ للبعد عنك، فلا تجد نفسى ‌من‌ بين النفوس التى تقربها اليك.
 ‌و‌ هناك- ‌فى‌ مقابل ذلك- صفات حسنه، ‌و‌ خلال حميده، ‌و‌ اعمال خيره، ‌و‌ افكار طيبه، مما يفتح لها ابواب القرب اليك، ‌و‌ يحقق لها الفرصه ‌فى‌ الحصول على محبتك، ‌و‌ على مواقع العفو ‌فى‌ رضاك، ‌و‌ قد احتاج بين هذا ‌و‌ ذاك الى زياده عناصر الخير ‌فى‌ ذاتى، ‌و‌ وقايتى ‌من‌ عناصر الشر القادمه ‌من‌ هنا ‌و‌ هناك للدخول الى نفسى، مما يحقق لى العصمه ‌من‌ الانحراف، ‌و‌ الثبات امام حالات الاهتزاز، ‌و‌ ‌ها‌ انا- ‌يا‌ رب- بين يديك، ابتهل اليك، لتاخذ لنفسك ‌من‌ نفسى ‌ما‌ يخلصها ‌من‌ عذابك، ‌و‌ ينجيها ‌من‌ عقوبه البعد عن رحمتك، حتى تكون نفسى ‌من‌ بين النفوس التى تبتعد عن مواقع الكفر ‌و‌ الضلال ‌و‌ الفسق ‌و‌ الانحراف، لتكون بكلها لك.
 ‌و‌ اتوسل اليك ‌ان‌ تبقى لنفسى ‌من‌ عناصر الايمان ‌فى‌ ‌خط‌ العمل الصالح ‌ما‌ يصلحها ‌و‌ يقربها اليك، فاننى اعرف- ‌يا‌ رب- اننى ‌لا‌ املك العصمه لنفسى ‌فى‌ صفاتها ‌و‌ اعمالها ‌و‌ اخلاقها اذا لم تلهمها- ‌من‌ لطفك- بعض افكار الخير، ‌و‌ لم تحرك خطواتها ‌فى‌ دروب الهدى، ‌و‌ لم تحقق لها الفرصه للانفتاح على الطاعه، ‌و‌ الابتعاد عن المعصيه، فان حياتى ‌لا‌ تستقيم الا بعصمتك، فحقق لى ذلك ‌من‌ خلال رعايتك الالهيه لعبادك.
 
اللهم انت عدتى ‌ان‌ حزنت:
 
 ‌يا‌ رب، انا الانسان الضعيف ‌فى‌ وجودى، الفقير ‌فى‌ حاجاتى، ‌فى‌ كون ‌لا‌ يملك فيه المخلوق ‌اى‌ شى ء ‌من‌ القوه، ‌او‌ ايه فرصه ‌من‌ الحركه، ‌او‌ ايه فاعليه للتغيير، الا بارادتك ‌و‌ قوتك ‌و‌ عطائك ‌و‌ تقديرك ‌و‌ تدبيرك، لانك- وحدك- المهيمن على الامر كله، ‌و‌ القادر على كل شى ء، ‌و‌ القوى الذى يمنح كل شى ء قوته.
 انا الانسان الذى يتطلع اليك ‌فى‌ كل ذره ‌من‌ وجوده، ‌و‌ يدعوك ‌فى‌ كل حاله ‌من‌ حالات معاناته، ‌و‌ ‌فى‌ كل حاجه ‌من‌ حاجاته، فاجد لديك الامداد بالقوه التى تمنحنى القدره على السيطره على انفعالات الحزن الانسانى الذى قد يوحى الى بالخوف ‌و‌ القلق ‌و‌ الياس، ‌من‌ خلال فقدان الفرص الطبيعيه للحصول على ‌ما‌ احب، ‌و‌ للابتعاد عما اكره، ‌و‌ يقودنى الى السقوط النفسى لاعيش الشعور البكائى امام ضغط الحياه ‌فى‌ داخلى ‌و‌ ‌من‌ حولى، فانت عدتى التى اعتد بها ‌و‌ اعتمد عليها ‌فى‌ مواجهه كل ذلك الحزن ‌فى‌ خلفياته، ‌و‌ ‌فى‌ طبيعته ‌و‌ نتائجه.
 
 ‌و‌ انت منتجعى ‌ان‌ حرمت:
 
 اما اذا عشت الحرمان الذى يفرض على الفقر ‌فى‌ امكاناتى الماليه، حيث يتحرك الجوع ‌و‌ الظماء ‌و‌ العرى ‌و‌ التشريد ‌و‌ الاهتزاز ‌فى‌ حاجاتى الجسديه، ‌و‌ ‌فى‌ رغباتى الحياتيه، فانى اتطلع اليك- وحدك- لاجد فيك منتجعى الذى اقصده ‌لا‌ حصل منه على ‌ما‌ يشبع جوعى، ‌و‌ يروى ظماى، ‌و‌ يستر عريى، ‌و‌ يمنحنى الطمانينه ‌و‌ الاستقرار ‌و‌ السكينه الروحيه، تماما كما يجد الباحثون عن الكلاء حاجتهم ‌فى‌ مواضعه ‌فى‌ ارضك الواسعه.
 
 ‌و‌ بك استغاثتى ‌ان‌ كرثت:
 
 ‌و‌ اذا حلت ‌بى‌ الكارثه الكبرى، ‌و‌ المصيبه العظمى ‌فى‌ نفسى ‌و‌ مالى ‌و‌ اهلى ‌و‌ ‌فى‌ ‌ما‌ حولى ‌و‌ ‌من‌ حولى، فانت- ‌يا‌ رب- المغيث الذى يستجيب لنداء الاستغاثه الصارخه ‌فى‌ وجودى الباحث عن الغوث ‌فى‌ ذلك كله، لانك- وحدك- القادر على ازاله كل الكوارث ‌و‌ المصائب عن عبادك.
 ‌و‌ عندك مما فات خلف، ‌و‌ لما فسد صلاح:
 
 اننى افكر- ‌يا‌ رب- اننى عندما ارجع اليك ‌فى‌ امورى المعقده ‌و‌ مشاكلى الصعبه، ‌لا‌ ارى امامى مشكله مستحيله، فاذا فاتنى شى ء ‌من‌ امور الدنيا، ‌او‌ خسرت شيئا ‌من‌ مكاسبها، فانى ارى لديك العوض عن ذلك، ‌من‌ خزائنك التى ‌لا‌ تنفد، ‌و‌ نعمك التى ‌لا‌ تحصى، مما تخلف ‌به‌ على ‌ما‌ فقدته ‌من‌ شوون الحياه، ‌و‌ اذا فسدت بعض اوضاعى ‌او‌ افكارى ‌او‌ اخلاقى ‌او‌ علاقاتى، فابتعدت عن ‌خط‌ الاستقامه ‌فى‌ طبيعتها الذاتيه، ‌و‌ ‌فى‌ اشكالها الخارجيه، فان لديك الصلاح الذى ينفذ الى داخلها ‌و‌ مواقعها ‌و‌ امتداداتها، ليصلح الفاسد منها، ليعود الصلاح لها ‌من‌ جديد، فيحقق لها النتائج الطيبه المرجوه منها ‌فى‌ الحياه، ‌و‌ اذا انطلقت اقوالى ‌و‌ افعالى ‌و‌ علاقاتى ‌و‌ مواقفى ‌فى‌ الطريق الخاطى ء، ‌او‌ انفتحت على خطوط منحرفه ‌او‌ اختزنت بعض الافكار الخبيثه ‌او‌ الاساليب السيئه، مما تنكره ‌من‌ سلوكى ‌فى‌ ذلك كله، لانه يخالف المنهج السليم الذى اردت لعبادك ‌ان‌ ياخذوا ‌به‌ ‌و‌ يسيروا عليه، فان لديك الكثير ‌من‌ عناصر التغيير التى تنفذ الى المواقع السلبيه لتحولها الى مواقع ايجابيه، ‌من‌ خلال ‌ما‌ تلهمنى ‌من‌ الخير ‌و‌ الحق ‌و‌ العدل، ‌و‌ توجهنى اليه ‌من‌ الطاعه ‌و‌ الاستقامه ‌و‌ الالتزام، ‌و‌ تفتحه لى ‌من‌ الافاق الجديده التى تطل ‌بى‌ على مواقع القرب منك، ‌و‌ ترتفع ‌بى‌ الى سماوات الرحمه ‌و‌ الرضوان.
 
 فامنن على قبل البلاء بالعافيه:
 
 اللهم فها انا ذا اقف بين يديك ‌فى‌ الموقف الذى اتوسل فيه اليك ‌ان‌ تحقق لى الوقايه ‌من‌ الوقوع ‌فى‌ المشكله قبل حلولها، فتمنحنى العافيه قبل البلاء، لتكون العافيه ‌من‌ البلاء الذى يرهق حياتى عافيه ممتده ‌فى‌ وجودى كله، مباركه ‌فى‌ عقلى ‌و‌ جسدى ‌و‌ حركتى، فلا يصيبنى فيها شى ء ‌من‌ بلائك، ‌و‌ اعطنى ‌من‌ رزقك الرزق الحلال الطيب الذى يحقق لى الكفايه ‌فى‌ حاجاتى كلها، فلا احتاج الى الطلب ‌فى‌ ‌اى‌ شى ء منها، فانك الذى تعطى عبادك قبل ‌ان‌ يسالوك، ‌و‌ تمنحهم الغنى قبل ‌ان‌ يطلبوا منك، اللهم ارزقنى الوقايه ‌من‌ الفقر، حتى اكون غنيا بك ‌فى‌ رزقى، كما كنت غنيا بك ‌فى‌ وجودى، ‌و‌ اهدنى للرشاد ‌فى‌ فكرى ‌و‌ عملى ‌و‌ خطى ‌فى‌ الحياه، ليكون الرشد حاله طبيعيه لدى، فلا يعرض لى الضلال ‌فى‌ كل دروبى ‌و‌ منطلقاتى ‌و‌ وسائلى ‌و‌ غاياتى، ‌و‌ ‌لا‌ يكون حلا لمشكله الضلال الذى يسيطر على، بل يكون فعلا اراديا ‌فى‌ اراده الذات.
 
 ‌و‌ اكفنى موونه معره العباد:
 
 اللهم اكفنى حركه التحديات الحاقده التى تنالنى ‌من‌ الناس حولى بما يوجهونه الى ‌من‌ الكلمات القبيحه التى تتناول كرامتى بالسوء، ‌و‌ ‌من‌ الاعمال الكريهه ‌و‌ الاوضاع الشاقه ‌و‌ الفساد ‌فى‌ حياتى، ‌و‌ ‌لا‌ تحملنى موونه ذلك، بل ادفع عنى نتائجه القاسيه الصعبه لاكون ‌فى‌ امن ‌و‌ طمانينه منه.
 اللهم هب لى الفوز ‌فى‌ يوم القيامه، ‌فى‌ موقف الحساب الذى يواجه فيه الناس نتائج المسووليه ‌من‌ خلال اعمالهم ‌فى‌ الدنيا، ‌و‌ ذلك بالمغفره لكل ذنوبى، ‌و‌ بالاحسان الى ‌فى‌ اعمالى الصالحه، لانال رضاك، ‌و‌ ادخل جنتك، ‌و‌ احصل على مواقع القرب منك ‌و‌ ذلك ‌هو‌ الفوز العظيم.
 اللهم اجعلنى ‌من‌ العاملين ‌فى‌ ‌خط‌ الهدايه، فاكون ممن ارتضيته لرسالتك، ‌و‌ وفقته لاخراج الناس ‌من‌ الضلاله الى الهدى، ‌و‌ ‌من‌ الغى الى الرشاد ‌فى‌ كل نشاطاتى العامه ‌و‌ الخاصه، على صعيد الفكر، ‌فى‌ مستوى القول ‌و‌ العمل ‌و‌ المواقف المتحركه ‌فى‌ دائره الفعل، ‌و‌ ‌رد‌ الفعل، ‌و‌ امنحنى القوه الابداعيه ‌فى‌ الاسلوب الذى يودى الى النتائج الطيبه الخالصه ‌فى‌ ذلك كله.
اللهم ادراء عنى بلطفك... ‌و‌ اصلحنى بكرمك...
 
 ‌يا‌ رب، حاجتى اليك ‌لا‌ تقف عند حد، ‌و‌ انفتاحى عليك ‌لا‌ يغلقه شى ء، فانت ‌سر‌ وجودى، ‌و‌ غايه حياتى ‌فى‌ كل امورى، ففى اقتحام المكروه لى، ‌و‌ سيطرته على ‌فى‌ نفسى ‌و‌ مالى ‌و‌ اهلى ‌و‌ شوونى العامه ‌و‌ الخاصه، الجاء الى لطفك الذى يتمثل ببرك ‌و‌ احسانك ليدفع عنى ذلك.
 ‌و‌ ‌فى‌ جوعى الفاغر فاه لكل ‌ما‌ احتاجه ‌من‌ غذاء جسدى ‌و‌ روحى ‌و‌ عقلى، افزع الى نعمتك التى شملت كل مخلوق، لتغذينى فتشبع جوعى ‌و‌ تروى ظماى، ‌و‌ تملاء عقلى بالشهى ‌من‌ الفكر الذى يعصمنى ‌من‌ الخطاء.
 ‌و‌ ‌فى‌ حركه الفساد ‌فى‌ امورى ‌و‌ اوضاعى ‌و‌ شوونى ‌و‌ قضاياى ‌و‌ اقوالى ‌و‌ افعالى ‌و‌ افكارى، اجد ‌فى‌ مواقع الصلاح ‌فى‌ الرعايه الالهيه لخلقك المنهج الذى يصلح كل ‌ما‌ فسد منى، ‌و‌ يسد الخلل ‌فى‌ كل حياتى، ‌و‌ ‌فى‌ هجوم المرض الجسدى ‌و‌ النفسى ‌و‌ العقلى ‌و‌ الحركى على، ارجع اليك لاجد لديك الدواء الشافى ‌من‌ كل عناصر ذلك المرض، ‌فى‌ ‌ما‌ تصطنعه لى ‌من‌ صحه ‌و‌ سلامه ‌و‌ خير ‌و‌ احسان.
 ‌و‌ ‌فى‌ مواقع الخطر، التى تتكشف فيها نقاط ضعفى لتذلنى ‌و‌ تقمعنى ‌و‌ تعرضنى للاخطار، ‌و‌ تكشف عيوبى ‌و‌ اخطائى ‌و‌ خطاياى ‌و‌ تسقطنى عن عيون الناس، اطلب منك- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ تظلنى بظلك الذى ‌لا‌ ظل الا ظله، فالوذ ‌به‌ لاجد فيه الامن ‌و‌ الحفظ ‌و‌ الرعايه ‌و‌ الستر ‌و‌ العز ‌و‌ السلطان، ‌و‌ ‌فى‌ خوفى ‌من‌ غضبك عند تعرضى لمعصيتك، ‌و‌ ابتعادى عن طاعتك، مما يعرضنى للعرى الفاضح امامك، ‌و‌ للفراغ الهائل عندك، اهرب اليك لتلبسنى ‌من‌ رضاك ثوبا يغطى على الذنوب ‌و‌ التبعات، ‌و‌ تسترها على بعفوك ‌و‌ مغفرتك، ‌و‌ تهدينى الى سواء السبيل.
 
 ‌و‌ ‌ان‌ توفقنى اذا اشتكلت على الامور لاهداها:
 
 اللهم قد تختلط الامور على، ‌و‌ تلتبس القضايا المتصله بحياتى، فتتملكنى الحيره ‌فى‌ ‌ما‌ آخذه ‌او‌ ادعه، ‌و‌ قد اقع ‌فى‌ قبضه الضلال ‌من‌ خلال ذلك، فامنحنى توفيقك للانفتاح على اقربها الى الصواب ‌و‌ اعظمها ‌فى‌ الدلاله على الحق، لاحصل على الطمانينه الروحيه ‌و‌ الفكريه ‌فى‌ طريقى الى الهدى، ‌و‌ رحلتى الى الحق.
 ‌و‌ قد تتشابه الاعمال التى احرك طاقاتى تجاهها، ‌و‌ تتوجه طموحاتى اليها، فلا اعرف وجه الخير فيها ‌من‌ وجه الشر، لاختفاء الملامح البارزه ‌فى‌ اوضاعها ‌و‌ اشكالها ‌و‌ مقاصدها، مما يبعدنى عن وضوح الرويا، فتتدافع المواقف عندها، فاعطنى الوعى العميق ‌و‌ الرويا الواضحه لما ‌هو‌ الاطهر منها عند دوران الامر بين الطهاره ‌و‌ القذاره، ‌و‌ اكثرها نفعا عند اشتباه الامر بين الضرر ‌و‌ النفع، ‌و‌ اعظمها ثوابا عند اختلاف الحال بين الثواب القليل ‌و‌ الكثير، لاعرف كيف اوجه خياراتى العمليه ‌فى‌ الاتجاه الصحيح، ‌و‌ اركز ارادتى ‌فى‌ الموقع الثابت.
 ‌و‌ قد تتناقض المذاهب ‌فى‌ افكارها ‌و‌ وسائلها ‌و‌ اهدافها ‌و‌ اوضاعها، فيبطل بعضها بعضا، فافقد النظره النافذه التى تميز المذهب الحق عن المذهب الباطل، ‌و‌ اتجه يمينا ‌و‌ شمالا ‌فى‌ قلق فكرى يبحث عن الحقيقه ‌فى‌ ضباب الافكار ‌و‌ غبار الاهواء، ‌و‌ ابتعد عن الطريق الواضح، فارشدنى- ‌يا‌ رب- الى المذهب الحق الذى ينفتح ‌بى‌ على مواقع رضاك، لانال رضاك بالدرجه العليا التى ‌لا‌ يقترب اليها الباطل.
اللهم ‌و‌ توجنى بالكفايه ‌و‌ سمنى حسن الولايه:
 
 ‌يا‌ رب، انك تعلم ‌ان‌ الحاجه الى الناس تودى الى الذل ‌و‌ تدفع الى الضلال، ‌و‌ تقود الى السقوط، بينما يوحى الغنى عنهم بالعز ‌و‌ القوه ‌و‌ حريه الاراده ‌فى‌ اتخاذ القرار ‌و‌ الموقف، لان الانسان الذى يعيش الاكتفاء ‌فى‌ حاجاته، يملك الاستقلال ‌فى‌ حركته ‌فى‌ مواجهه الناس.
 اللهم فاجعل الكفايه ‌فى‌ امورى كلها تاجا للعز ‌و‌ الموقف الرفيع ‌و‌ الدرجه العاليه ‌فى‌ الحياه، فلا احتاج الى غيرك ‌فى‌ كل شى ء.
 ‌و‌ قد تفرض على المسووليات ‌فى‌ حياتى ‌ان‌ اتولى شوون بعض الناس ممن يحتاجون الى الولايه ‌من‌ خلال الضعف الذاتى الذى يجعلهم بحاجه الى ذلك، ‌او‌ ‌من‌ خلال تتابع درجات التنظيم الذى يخضع له الواقع ‌فى‌ حاجته الى النظام، الذى يحدد لكل انسان موقعه ‌و‌ مهمته ‌فى‌ اداره شوون الناس.
 اللهم فاولنى القيام بما اتولاه ‌من‌ شوون نفسى ‌و‌ شوون الاخرين ‌او‌ ‌من‌ قضايا الحياه بالطريقه التى احقق فيها النتائج الطيبه ‌فى‌ عملى، فاعطى لكل ذى ‌حق‌ حقه، ‌و‌ امنح كل ضعيف قوته ‌و‌ كل موقع حاجته.
 
 وهب لى صدق الهدايه:
 
 ‌و‌ ثبتنى ‌يا‌ رب على ‌خط‌ الهدى، فلا اهتز ‌فى‌ حالات الاهتزاز، ‌و‌ ‌لا‌ انحرف ‌فى‌ مواقع الانحراف حتى يكون موقفى موقف الصادقين الذى ‌لا‌ يدخل الريب الى عقيدتهم، ‌و‌ ‌لا‌ يعرض الاهتزاز الفكرى ‌او‌ الروحى على مواقعهم، ‌و‌ ‌لا‌ يقترب منهم الكذب ‌فى‌ اقوالهم ‌و‌ اعمالهم، ‌و‌ اجعلنى ممن يتحرك ‌فى‌ طريق الهدايه، بالصدق ‌فى‌ ‌ما‌ يبلغه للناس ‌او‌ يوجههم اليه، ليكون الصادق ‌فى‌ هدايته ‌و‌ المخلص ‌فى‌ رسالته.
 
 ‌و‌ ‌لا‌ تفتنى بالسعه، ‌و‌ امنحنى حسن الدعه:
 
 ‌يا‌ رب، قد ترزقنى السعه ‌فى‌ الرزق فيدفعنى ذلك الى الانتفاخ ‌فى‌ الذات، ‌و‌ الغرور ‌فى‌ النظره الى الاشياء ‌من‌ حولى، ‌و‌ الى الناس ‌فى‌ مجتمعى، فافقد وضوح الرويا لحقائق الامور، ‌و‌ ربما يودى ذلك الى التكبر ‌و‌ التجبر ‌و‌ ظلم الاخرين ‌و‌ فساد التصور، ‌و‌ الانحراف ‌فى‌ الممارسه.
 اللهم ‌لا‌ تجعل السعه ‌فى‌ الرزق فتنه لى ‌فى‌ حياتى، فتكون تجربه فاشله اسقط ‌فى‌ حساباتها الدقيقه، بل اجعلها تجربه ناجحه، يتحرك فيها ايمانى ليهدينى سواء السبيل، ‌و‌ ينطلق فيها وعى الحقيقه نحو الوضوح، ‌و‌ تتركز فيها الاراده ‌فى‌ مواقع الثبات.
 ‌و‌ اعطنى- ‌فى‌ هذا الخط المستقيم- رغد العيش، ‌و‌ رخاء الحياه، لتجتمع لى الراحه ‌فى‌ الحصول على حاجاتى الطبيعيه، ‌و‌ الاستقامه ‌فى‌ اداره ذلك، ‌و‌ ‌لا‌ تجعل- ‌يا‌ رب- عيشى جهدا ‌و‌ تعبا ‌و‌ عناء ‌و‌ شقاء، لان ذلك يثقلنى ‌و‌ يجعل اللذه تمتزج بالالم ‌و‌ الفرح بالحزن.
 
 ‌و‌ ‌لا‌ ترد دعائى على ردا:
 
 ‌و‌ اجعل دعائى مقبولا مستجابا ‌فى‌ كل حاجاتى اليك، ‌و‌ طلباتى منك، فلا ترده على بفعل خطاياى الكثيره التى قد تحجب دعائى عنك، لان شفيعى ‌فى‌ ذلك كله ‌هو‌ توحيدك ‌فى‌ العقيده ‌و‌ العباده، فلم اجعل لك ضدا ممن يستعلى بقوته ليحارب رسلك ‌و‌ اولياءك، ‌و‌ لم ادع لك ندا ممن يعتبره المشركون شريكا لك، لانى ارفض كل اولئك الذين يدعونهم ‌من‌ دونك، لانك فوق كل شى ء.
اللهم امنعنى ‌من‌ السرف، ‌و‌ حصن رزقى ‌من‌ التلف:
 
 ‌يا‌ رب، لقد خلقتنى انسانا ‌من‌ لحم ‌و‌ ‌دم‌ ‌و‌ عظم، ‌و‌ جعلت لى حاجاتى التى تمثل العنصر الحى ‌فى‌ امتداد حياتى ‌من‌ طعام ‌و‌ شراب ‌و‌ كساء ‌و‌ مسكن ‌و‌ جنس ‌و‌ نحو ذلك ... ‌و‌ هكذا دفعتنى لطلب الرزق ‌من‌ اجل الحصول على المال الذى يحقق لى الكفايه ‌فى‌ ذلك كله، ‌و‌ هيات لى الوسائل الذاتيه ‌و‌ الطارئه لتسهيل الوصول الى هذه الغايه، ‌و‌ اردت لى ‌ان‌ انظر الى الرزق الذى رزقتنى اياه نظره واقعيه معينه متوازنه، بحيث يكون- ‌فى‌ ‌و‌ عينا الوجودى- نعمه ‌من‌ الله ‌لا‌ ‌بد‌ لنا ‌ان‌ نستخدمها ‌من‌ اجل تلبيه حاجاتنا الحياتيه بالطريقه التى تحقق هذه الغايه، بعيدا عن ايه نظره ذاتيه تدخلها ‌فى‌ الامتيازات الشخصيه التى يملك الانسان الحريه ‌فى‌ تحريكها ‌فى‌ اتجاه العبث ‌و‌ اللهو ‌و‌ الاسراف المزاجى ‌و‌ الاتلاف ‌و‌ الضياع ‌و‌ السفاهه، فهى طاقه انسانيه وجوديه انطلقت ‌من‌ قلب الوجود، ‌و‌ تحركت ‌من‌ اجل الانسان، فلا يجوز ‌ان‌ تضيع ‌فى‌ الفراغ ‌من‌ دون ‌ان‌ تسد حاجه، ‌او‌ تملاء فراغا، ‌او‌ تفتح نافذه على اكثر ‌من‌ موقع ‌فى‌ الحياه.
 اللهم امنعنى ‌من‌ الاسراف المتمثل ‌فى‌ فقدان التوازن ‌فى‌ صرف المال ‌و‌ بذل الطاقه بحيث يتجاوز الحد المعقول، ‌و‌ يبتعد عن النهج السليم، ‌و‌ اجعلنى ممن يقدر الامور تقديرا متوازنا خاضعا للحساب الدقيق ‌فى‌ التوفيق بين البذل ‌و‌ الحاجه ‌من‌ دون زياده ‌و‌ ‌لا‌ نقصان.
 ‌و‌ امنحنى الحمايه ‌فى‌ رزقى حتى ‌لا‌ يفنى ‌او‌ يضيع ‌فى‌ المواقع التى ‌لا‌ فائده منها ‌و‌ ‌لا‌ غنى، ‌او‌ ‌فى‌ المجالات التى تضر البلاد ‌و‌ العباد ‌و‌ تودى الى خساره النفس ‌او‌ المال.
 
 ‌و‌ اصب ‌بى‌ سبيل الهدايه للبر ‌فى‌ ‌ما‌ انفق منه:
 
 ‌و‌ ارزقنى عقل المعيشه، ‌و‌ وعى التدبير، ‌و‌ حكمه النظره الى الاشياء، حتى اعرف كيف احرك مالى ‌فى‌ المواضع التى تحقق لى البركه فيه، ليكون الرزق النافع الذى ينفعنى ‌و‌ ينفع الناس ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره، ‌فى‌ كثرته ‌و‌ ثمرته، ‌و‌ هيى ء لى السبيل القويم، ليكون انفاقى ‌من‌ هذا الرزق انفاق خير ‌و‌ احسان ‌و‌ حكمه، ‌لا‌ حركه ‌فى‌ ‌ما‌ ينفع الحياه، ‌و‌ اضعه ‌فى‌ مواضعه فلا اصرفه ‌فى‌ غير اهله، ‌و‌ ‌فى‌ غير مجاله.
اللهم اكفنى موونه الاكتساب:
 
 ‌يا‌ رب، ‌ان‌ حاجتى الى الرزق، كشرط حيوى لامتداد الحياه ‌فى‌ كيانى، تفرض على السعى الى تحصيله بكل جهدى ‌و‌ طاقتى، لانك جعلته ‌فى‌ دائره الكسب الدائب الذى يدخل ‌فى‌ نطاق الاسباب ‌و‌ المسببات، ‌من‌ خلال النظام العملى الذى قدرته للانسان ‌فى‌ الحياه.
 ‌و‌ قد تشتد على الاوضاع فتضغط على باثقالها المتنوعه، ‌و‌ تحملنى الكثير ‌من‌ الجهد ‌و‌ المشقه، مما قد يقترب ‌من‌ الصعوبه الكبرى التى ربما تعطل بعض موارده ‌و‌ مصادره، ‌و‌ قد يشغلنى ذلك عن القيام بواجباتى العمليه، كما تحب، ‌او‌ عن الانفتاح على عبادتك، كما تريد، لان الفكر المشغول باهتماماته الماديه اليوميه، قد يشغل القلب عن بعض روحانيته، ‌و‌ الروح عن بعض اهتماماتها، ‌و‌ قد يعقد اوضاع حياتى، بالدرجه التى تغلق فيها عنى الكثير ‌من‌ الافاق المنفتحه على روحيه عبوديتى لك.
 اللهم فانى اتوسل اليك ‌ان‌ تكفينى المتاعب ‌و‌ المشقات التى قد اواجهها ‌فى‌ طريق الحصول على الكسب الحلال، ‌و‌ ‌ان‌ ترزقنى ‌من‌ غير المواقع التى ارى فيها الاساس ‌فى‌ الرزق، فتهيى ء لى اكثر ‌من‌ موقع جديد ‌فى‌ هذا الاتجاه مما لم افكر فيه، ‌و‌ لم يخطر لى على بال، فانك ‌و‌ عدت عبادك المتقين ‌ان‌ تجعل لهم ‌من‌ امرهم مخرجا عندما تضيق عليهم الامور، ‌و‌ ترزقهم ‌من‌ حيث ‌لا‌ يحتسبون عندما يقترب الياس الى قلوبهم امام السدود التى تقف ‌فى‌ وجوههم، لتوحى اليهم بان الله ‌هو‌ الكافى لكل عباده الذين يتوكلون عليه ‌و‌ يلجاون اليه، بالاسباب غير العاديه، تماما كما كان الكافى بالاسباب العاديه، لان الاسباب كلها بيده، ‌لا‌ فرق بين العادى ‌و‌ غير العادى، ‌و‌ الخفى منها ‌و‌ المعلن.
 
 فلا اشتغل عن عبادتك بالطلب:
 
 اللهم سهل لى سبيل الرزق حتى ‌لا‌ تضغط على الوسائل المعقده الصعبه فتشغلنى بتعقيداتها ‌و‌ صعوباتها عن عبادتك، ‌و‌ تاخذ بمجامع قلبى فتمنعنى عن صفاء الفكر المنفتح عليك، ‌و‌ ابتهال الروح الخاشع بين يديك، ‌و‌ ارزقنى الاستقامه فيه على الخط المستقيم، حتى ‌لا‌ تثقلنى اثقال الخطايا التى توقعنى تحت تاثير التبعات المتنوعه التى قد اواجهها ‌فى‌ مواقع الكسب، اننى ‌لا‌ احب البطاله التى تمثل الهروب ‌من‌ المسووليه التى تفرض على القيام بمهمات العمل، ‌و‌ تدفعنى الى بذل الجهد ‌فى‌ سبيل ذلك، بل انى احب ‌ان‌ اكون الانسان العامل بقوه ‌و‌ بجديه ‌و‌ باخلاص، ‌من‌ دون ‌ان‌ يوثر ذلك على مسووليتى ‌فى‌ عبادتك ‌و‌ الخضوع لك، ‌او‌ ينحرف ‌بى‌ عن خطك المستقيم.
اللهم حقق طلباتى، اذا انطلقت ‌فى‌ اتجاه الطلب باحثا عن رزقى، فانت القادر على تحقيق ذلك بافضل ‌ما‌ اتمناه بقدرتك التى سيطرت على كل شى ء، ‌و‌ اجرنى ‌من‌ كل ‌ما‌ اخافه ‌و‌ ارهبه مما قد يواجهنى ‌به‌ الاعداء ‌او‌ تتحدانى ‌به‌ الصعاب، بعزتك التى تملك القوه كلها ‌و‌ تهيمن على الامر كله.
 
اللهم صن وجهى باليسار:
 
 ‌يا‌ رب، قد تكون مساله الغنى ‌و‌ الفقر ‌فى‌ وعى الانسان المومن، مساله تتصل بالنظره الذاتيه الى المال، باعتباره قيمه حياتيه ‌و‌ امتيازا شخصيا، الامر الذى يدفعه الى الاستغراق فيه ‌من‌ خلال علاقته بحاجاته الطبيعيه ‌و‌ شوونه الذاتيه، كاى شى ء يسد حاجته ‌و‌ يحقق رغبته، ‌و‌ يعلى قدره ‌فى‌ نفسه، ‌و‌ قد تكون المساله- ‌فى‌ وعيه الايمانى- انهما قد يوديان الى الانفتاح على الجانب الاخلاقى على مستوى الفكر ‌و‌ الممارسه، ‌فى‌ جانب السلب ‌و‌ الايجاب، بحيث تتدخل القضيه، ‌فى‌ هذا الجانب ‌او‌ ذاك، ‌فى‌ عناصر القوه ‌و‌ الضعف ‌من‌ شخصيته، ‌او‌ ‌فى‌ خطوط الاستقامه ‌و‌ الانحراف ‌من‌ حركته، فقد يسقط الانسان امام ضغط الحاجه عليه، ‌و‌ تاثير الفقر
 على حياته، فينظر الى الحياه ‌من‌ هذه الزاويه، ‌و‌ يتعامل مع الناس ‌من‌ هذه الناحيه، بالدرجه التى يرى ‌فى‌ قضاء حاجته قيمه روحيه اخلاقيه كبرى ترفع صاحبها الى المقام الرفيع الذى قد ‌لا‌ يستحقه ‌فى‌ عناصر شخصيته الذاتيه، كما قد ينظر الى الذين يقفون ‌من‌ حاجاته موقفا سلبيا بطريقه سلبيه بحيث يضعهم ‌فى‌ الدرجه السفلى ‌من‌ التقويم الاجتماعى، ‌فى‌ الوقت الذى يملكون فيه العناصر الحيه ‌من‌ الصفات الطيبه، ‌و‌ الخلال الكريمه، ‌و‌ قد تتطور النظره الى مدح الذين ‌لا‌ يستحقون المدح، ‌و‌ ذم ‌من‌ ‌لا‌ يستحقون الذم، على اساس اختلاف دورهم ‌فى‌ العطاء ‌و‌ المنع، مع ملاحظه ‌ان‌ العطاء قد يكون ناشئا ‌من‌ غرض سيى ء، ‌و‌ غايه خبيثه، كما ‌ان‌ المنع قد يكون منطلقا ‌من‌ ظروف صعبه، ‌او‌ هدف نبيل طيب ‌من‌ خلال المصالح ‌و‌ المفاسد التى قد يلاحظها الانسان ‌فى‌ هذا الموقع ‌او‌ ذاك.
 ‌و‌ ‌من‌ الطبيعى، ‌ان‌ مثل هذه النظره ‌و‌ هذا السلوك، ‌لا‌ يلتقيان بالمنهج القويم بما يحفظ له المنهج الاخلاقى الاسلامى، ‌فى‌ التزام الحكم بالعدل ‌و‌ التقويم الصحيح للاشياء ‌او‌ الاشخاص، ‌من‌ خلال الحقيقه الواقعيه الكامنه ‌فى‌ عمق الموقع ‌او‌ الشى ء ‌او‌ الشخص، بعيدا عن الانفعالات النفسيه ‌و‌ الخلفيات الذاتيه، لان ذلك ‌هو‌ ‌خط‌ العدل الذى رسمه الله للانسان ‌من‌ خلال ‌ما‌ اراده له ‌من‌ رفض اعتبار الشنان ‌و‌ العداوه ‌و‌ البغضاء ‌و‌ نحوها ‌من‌ الموانع التى تمنع ‌من‌ كلمه العدل، ‌و‌ ‌من‌ الدعوه الى القول بالعدل حتى مع الاقرباء، فلا تكون العاطفه سببا ‌فى‌ الانحراف عن الحكم عليهم بالحق.
 ‌يا‌ رب، اننى الانسان الذى يحب ‌ان‌ يبقى ‌فى‌ مواقع رضاك، فتكون حركته ‌فى‌ خطك المستقيم، ‌و‌ يفكر بالانطلاق ‌فى‌ آفاقك الرحبه ‌فى‌ القيم الروحيه التى تستمد عمق الالتزام الفكرى ‌و‌ الروحى ‌و‌ العملى ‌من‌ وحيك الذى انزلته على الناس ‌من‌ خلال رسلك، ‌و‌ هذا ‌ما‌ يجعلنى اتوسل اليك ‌ان‌ ترعانى بلطفك، ‌و‌ تسهل لى سبيل طاعتك، ‌و‌ تفتح لى ابواب محبتك، ‌و‌ تبعدنى عن التجربه الصعبه التى قد تسقطنى ‌و‌ تعرضنى للكثير ‌من‌ حالات الاهتزاز النفسى الذى افقد فيه توازن الموقف ‌فى‌ حياتى العمليه ‌و‌ ‌فى‌ نظرتى الى الناس.
 ‌لا‌ تجعلنى افتتن بحمد ‌من‌ اعطانى، ‌و‌ ذم ‌من‌ منعنى:
 
 ‌و‌ اذا كان الفقر يمثل الوضع الضاغط على اراده الانسان ‌من‌ خلال ضغطه على حاجاته ‌و‌ مواقعه، بحيث قد يغفل عن نفسه ‌و‌ ايمانه امام الصعوبات التى تواجهه منه، فانى اتوسل اليك ‌ان‌ تصون كرامتى ‌و‌ عزتى بالغنى ‌و‌ الثروه ‌و‌ تحفظها عن الابتذال ‌و‌ الامتهان بفعل الحاجه الشديده التى تدفعنى الى الخضوع لسئوال الاخرين، ‌و‌ الفقر القاسى الذى يضعنى تحت رحمه الناس ‌من‌ حولى، فاندفع الى سئوال الذين يملكون الرزق الواسع الذى رزقتهم اياه، ‌و‌ الى استعطاء شرار الناس ‌من‌ خلقك ‌من‌ الذين يستغلون حاجه الناس ‌من‌ اجل الحصول على الدرجه العليا لديهم، ‌من‌ خلال العطاء الذى يجلب قلوبهم ‌و‌ يحرك مشاعرهم باتجاههم، الامر الذى يجعلنى ‌فى‌ موقف الفتنه التى تجذب المشاعر الغريزيه ‌فى‌ الانسان فتتجه ‌به‌ الى السقوط ‌من‌ خلال النفس الاماره بالسوء، فيكون البلاء الكبير الذى يبتعد ‌بى‌ عن الخط المستقيم الواصل اليك، فاحمد ‌من‌ ‌لا‌ يستحق الحمد لانه اعطانى، ‌و‌ اذم ‌من‌ ‌لا‌ يستحق الذم لانه منعنى، ‌فى‌ الوقت الذى تنطلق فيه الحقيقه الايمانيه لتذكرنى بانك- وحدك- ولى العطاء ‌و‌ المنع، لانك- ‌لا‌ هولاء الناس- الذى تملك الرزق كله، ‌و‌ القلوب كلها، فتحرك الرزق هنا لتدفعه الى هذا الموقع، ‌و‌ لتمنعه عن ذلك، ‌من‌ خلال الفكر الذى يوحى، ‌و‌ القلب الذى يخفق، واليد التى تعطى ‌او‌ تمنع، ‌و‌ الظروف التى تهيى ء الاجواء الملائمه للعطاء ‌او‌ المنع، فانت ولى الحياه كلها، ‌و‌ ليس الخلق الا الادوات الحيه ‌او‌ الجامده التى توجهها بما تشاء ‌و‌ كيف تشاء.
اللهم ارزقنى صحه ‌فى‌ عباده:
 
 اللهم انى اسالك الصحه ‌فى‌ جسدى ‌و‌ عقلى، ‌و‌ لكنى ‌لا‌ اريدها للهو ‌و‌ العبث ‌و‌ المعصيه لاوامرك ‌و‌ نواهيك ‌و‌ الانحراف عن خطك المستقيم، فتكون مشكله لى على مستوى الواقع ‌و‌ المصير، باعتبارها وسيله ‌من‌ وسائل القوه السلبيه ‌فى‌ دائره انسانيتى المتطلعه اليك، بل اريدها لعبادتك الخاشعه ‌فى‌ ‌خط‌ الاخلاص لك، فتكون اداه ‌من‌ ادوات الارتفاع اليك، ‌و‌ منطلقا ‌من‌ منطلقات القرب منك، ‌و‌ طاقه حيويه لتحريكها ‌فى‌ دائره عبوديتى لك.
 
 ‌و‌ فراغا ‌فى‌ زهاده:
 
 ‌و‌ اسالك ‌ان‌ تجعل الفراغ العملى الذى قد تحتويه بعض مراحل حياتى فراغا ‌لا‌ تستهلكه الشهوات المحرمه، ‌و‌ ‌لا‌ تسيطر عليه الاجواء العابثه، ‌و‌ ‌لا‌ تحركه الانحرافات الخاطئه، بل يكون فراغا يدفع الى التفكير ‌فى‌ خطه جديده لطاعه جديده، ‌و‌ ‌خط‌ عملى متحرك ‌فى‌ اتجاه الاهداف الكبيره، ‌و‌ حركه للراحه النفسيه ‌و‌ الجسديه التى تاخذ باسباب اللهو البرى ء الذى ‌لا‌ يجعل الحياه لهوا كلها، ‌او‌ بالوان اللذه المحلله التى ‌لا‌ تستغرق الانسان ‌فى‌ احاسيسها الحلوه حتى يغفل عن واجباته ‌و‌ مسوولياته لتمتد ‌به‌ الشهوه الى ‌ما‌ ‌لا‌ يرضى ‌به‌ الله.
 اجعل فراغى فراغ زهاده تملك فيه نفسى كل القوه لضبط انفعالاتها الذاتيه، ‌و‌ تحديد حركتها العمليه، ‌و‌ ينطلق فيه العقل ليسيطر عل مواقع الانسان ‌فى‌ كل مفردات حياته الخاصه ‌و‌ العامه، ‌و‌ ذلك ‌من‌ خلال مفهوم الزهد الذى يختزن ‌فى‌ داخله القوه الاراديه التى تمنع ‌من‌ الاهتزاز ‌فى‌ دائره الانحراف، ‌و‌ الوعى العملى للخطوط المستقيمه ‌و‌ المنحرفه ‌فى‌ النتائج الايجابيه ‌و‌ السلبيه على مستوى المصير.
 
 ‌و‌ علما ‌فى‌ استعمال:
 
 اللهم ارزقنى علما واسعا عميقا ممتدا ‌فى‌ كل آفاق المعرفه ‌فى‌ رحاب الكون كله ، ‌و‌ الانسان كله، ‌و‌ ‌فى‌ منطلقات الغيب الذى ينفتح بنا على آفاق معرفه الله، ‌من‌ خلال حركه العقل ‌و‌ مضمون الوحى، ‌و‌ لكنى ‌لا‌ اريده علما تجريديا يحلق ‌فى‌ الفراغ ليكون مجرد فكر يطوف ‌فى‌ العقل، ‌و‌ معرفه تنير الوعى، بعيدا عن الواقع العملى الذى تتحرك ‌به‌ حياتى، بل اريده علما منفتحا على الحياه كلها، ‌و‌ متحركا ‌فى‌ ‌خط‌ المسووليه التى حملتنى اياها ‌فى‌ اداره نفسى على النهج الذى وضعته للانسان ‌فى‌ وحيك، ‌و‌ ‌فى‌ اداره الحياه ‌فى‌ ساحتى ‌و‌ ساحه الناس ‌من‌ حولى، ليكون العمل مرادفا للعلم، لان العلم ليس قيمه ‌فى‌ ذاته، بل ‌هو‌ القيمه ‌فى‌ ‌خط‌ التغيير العملى للواقع ‌فى‌ اتجاه الافضل، كما جاء عن اميرالمومنين على ‌بن‌ ابى طالب (ع ): «اذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلكم تهتدون». ‌و‌ عن الامام على ‌بن‌ الحسين (ع) انه قال: «مكتوب ‌فى‌ الانجيل: ‌لا‌ تطلبوا علم ‌ما‌ ‌لا‌ تعملون ‌و‌ لما تعملوا بما علمتم، فان العلم اذا لم يعمل ‌به‌ لم يزدد صاحبه الا كفرا ‌و‌ لم يزدد ‌من‌ الله الا بعدا».
 ‌و‌ ‌فى‌ ضوء ذلك، ‌لا‌ ‌بد‌ للعلم ‌ان‌ يكون ‌فى‌ مضمونه الفكرى عمليا ‌فى‌ دائرته الطبيعيه، فلا يكون شيئا ‌لا‌ غناء له على مستوى النتائج العمليه كما ‌هو‌ الحال ‌فى‌ العلم الذى ‌لا‌ ينفع ‌من‌ علمه ‌و‌ ‌لا‌ يضر ‌من‌ جهله، فهو مجرد حشو للفكر بالمعلومات التى ‌لا‌ نتيجه لها.
 
 ‌و‌ ورعا ‌فى‌ اجمال:
 
 اللهم ارزقنى الورع عن الحرام حتى اقف عند حدودك التى اردت لعبادك ‌ان‌ يقفوا عندها، فلا يتجاوزوها الى المناطق المحرمه التى ابعدتهم عنها لما فيها ‌من‌ فساد لانفسهم ‌و‌ للحياه ‌من‌ حولهم، ‌و‌ اعطنى الاراده الواعيه التى تمنحنى الثبات ‌فى‌ مواقف الاهتزاز الشيطانى التى تزل فيها الاقدام، وهب لى الوعى الشرعى الذى يعرفنى مواقع الشبهات التى تقترب ‌بى‌ ‌من‌ الحرام، فتثير ‌فى‌ نفسى التهاويل ‌فى‌ حركتى نحو الالتزام لتدفع ‌بى‌ الى الانحراف عن ‌خط‌ الاستقامه.
 ‌و‌ اجعلنى ممن يقف ‌فى‌ ‌خط‌ الاعتدال ‌و‌ التوازن ‌فى‌ ذلك كله، حتى ‌لا‌ اقع ‌فى‌ الوسواس الذهنى ‌و‌ العملى، الذى يحول الورع الروحى الى وسوسه عمليه تحركنى ‌فى‌ دائره الاوهام الخياليه، فلا استقر عند يقين، ‌و‌ ‌لا‌ اسكن الى طمانينه، ‌و‌ ‌لا‌ اقف ‌فى‌ امورى على اشراقه ‌من‌ نور.
 ارزقنى- ‌يا‌ رب- الورع الذى يدفعنى الى ‌ان‌ اخافك مخافه الصالحين، ‌و‌ التزم بحدودك التزام الخائفين، ‌و‌ اتحرك ‌فى‌ طريقك ‌فى‌ ‌خط‌ المتقين، لاكون انسان الايمان الذى ينفتح على ارادتك ‌فى‌ امرك ‌و‌ نهيك انفتاح الحق الذى ‌لا‌ يقترب الباطل منه، ‌و‌ الاستقامه التى ‌لا‌ مجال للانحراف معها، ‌و‌ التوازن الذى ‌لا‌ اختلال ‌فى‌ مواقعه، ‌و‌ الاطمئنان الذى ‌لا‌ وسوسه فيه، حتى انفتح على الحلال ‌فى‌ ‌ما‌ وسعت على، بالمستوى الذى انغلق فيه عن الحرام، فلا يختلط على الامر بالدرجه التى تفسد حياتى ‌و‌ حياه الناس ‌من‌ حولى ‌فى‌ دائره التحجر ‌و‌ التزمت ‌و‌ البعد عن الاتزان العملى.
اللهم اختم بعفوك اجلى:
 
 ‌يا‌ رب، اننى اتطلع الى نهايات حياتى، ‌من‌ خلال ‌ما‌ اعيشه ‌فى‌ عمرى الذى استهلكه ‌فى‌ اقوالى ‌و‌ اعمالى ‌و‌ علاقاتى ‌و‌ مواقفى بالخطايا التى تبعدنى عن مواقع رضاك، ‌و‌ تعرضنى للمزيد ‌من‌ سخطك، فاعيش الخوف ‌من‌ لقائك على حال الخطيئه التى اواجه فيها عذابك الاليم، ‌و‌ لكنى اتطلع ‌فى‌ الوقت نفسه الى عفوك الذى وعدت ‌به‌ المذنبين التائبين الذين قبلت توبتهم، ‌و‌ عفوت عن سيئاتهم، ‌و‌ احببت توبتهم، فاحببتهم ‌من‌ خلالها ‌و‌ قربتهم اليك.
 اللهم اعطنى ‌من‌ رحمتك الكثير مما اومله منها، ‌و‌ حقق رجائى ‌فى‌ ذلك، فانها الرجاء الكبير الذى اتوجه اليك فيه، واثقا باستجابتك له، ‌و‌ مهد لى السبل العمليه المنفتحه على الهدف الكبير ‌فى‌ بلوغ رضاك، حتى تكون حياتى كلها سائره ‌فى‌ الدروب الواصله الى مواقع محبتك، ‌و‌ اجعل عملى احسن الاعمال ‌فى‌ جميع حالاتى ‌من‌ الصحه ‌و‌ المرض ‌و‌ الغنى ‌و‌ الفقر، ‌و‌ السرور ‌و‌ الحزن، ‌و‌ الحلم ‌و‌ الغضب، ‌و‌ الامان ‌و‌ الخوف، ‌و‌ ‌ما‌ الى ذلك، حتى ‌لا‌ تتاثر ارادتى ‌فى‌ العمل الصالح الخير بكل الطوارى ء السلبيه ‌و‌ الايجابيه، فتكون اعمالى كلها ‌فى‌ ‌خط‌ هداك بافضل جهاتها ‌فى‌ مصادرها ‌و‌ مواردها.
 اللهم اجعلنى الانسان الذى تتحرك كل حياته ‌فى‌ كل آماله ‌و‌ آلامه ‌و‌ ‌فى‌ جميع خطواته المتحركه ‌فى‌ دروب الحياه اليك، ‌لا‌ حصل على عفوك ‌و‌ رحمتك ‌و‌ رضاك ‌فى‌ رحلتى الى مواقع القرب منك.
اللهم نبهنى لذكرك ‌فى‌ اوقات الغفله:
 
 ‌يا‌ رب، قد تطوف ‌بى‌ الغفله التى تطبق على عقلى ‌و‌ روحى ‌و‌ قلبى ‌و‌ حياتى كلها، فتنسينى ذكرك، ‌و‌ تبعدنى عن الاحساس بحضورك الشامل ‌فى‌ الوجود كله، فاستغرق ‌فى‌ المخلوقات ‌من‌ حولى، ‌و‌ انسى خالقها، ‌و‌ اذوب ‌فى‌ حاجاتى ‌و‌ شهواتى ‌و‌ اوضاعى، ‌و‌ اغفل عن مصدر القوه فيها، ‌و‌ ‌فى‌ ذلك الضلال الكبير، ‌و‌ البلاء العظيم، لاننى اذا نسيت ذكرك، ‌و‌ غفلت عن رقابتك لى ‌و‌ حضورك ‌فى‌ حياتى، نسيت نفسى، ‌و‌ ابتعدت عن حركه مسووليتها، ‌و‌ تجاوزت الحدود التى حددتها لعبادك ‌و‌ اردت لهم ‌ان‌ يقفوا عندها.
 اللهم ارزقنى اليقظه عند استيلاء النوم على وعى الاحساس ‌فى‌ ذاتى، وهب لى القدره على الانتباه لذكرك ‌فى‌ اوقات استغراقى ‌فى‌ الغفله، ليكون ذكرك حاضرا ‌فى‌ قلبى، فلا اغفل عنك ‌فى‌ عمق مشاعرى الخفيه، ‌و‌ ‌فى‌ لسانى، فلا يشغلنى ذكر غيرك عن ذكرك، ‌و‌ ‌فى‌ حياتى ‌فى‌ حركتى ‌فى‌ داخلها، فلا ابتعد عن مواقع طاعتك، ‌و‌ ‌لا‌ اقترب ‌من‌ مواقع معصيتك.
 ‌و‌ استعملنى بطاعتك ‌فى‌ ايام المهله:
 
 اللهم ‌ان‌ عمرى يمثل المده التى تمهلنى فيها، فلا تحملنى مسووليه اعمالى السيئه بمعاجلتى بالعقوبه عليها، لاقوم بحساباتى الدقيقه ‌فى‌ مفرداتها ‌من‌ خلال اكتشاف نتائجها السلبيه، فيدفعنى ذلك الى الاستقامه ‌فى‌ ‌خط‌ التغيير نحو الافضل ‌من‌ اجل تقويم الانحراف ‌و‌ تصحيح الخطاء ‌و‌ التوبه ‌من‌ الخطيئه.
 اللهم اجعل عمرى كله مستعملا ‌فى‌ طاعتك، مشدودا الى الحصول على رضاك، لان ذلك ‌هو‌ الذى يمنح العمر معناه، ‌و‌ يحرك حيويته عندما ينفتح عليك ‌من‌ خلال الافاق الواسعه التى تلتقى بك، ‌و‌ اوضح لى النهج القويم الذى يسهل لى الوصول الى محبتك حتى يكمل لى بذلك خير الدنيا ‌و‌ الاخره، ‌فى‌ الانفتاح على طاعتك ‌و‌ الحصول على رضاك.
 جاء ‌فى‌ رياض السالكين ‌فى‌ معنى «خير الدنيا» قوله: اعلم انه ليس المراد بخير الدنيا ‌ما‌ يتبادر الى اكثر الاذهان ‌من‌ المعنى المشهور ‌فى‌ العرف العام، ‌و‌ ‌هو‌ كثره المال ‌و‌ المقتنيات الدنيويه، بل المراد ‌به‌ ‌ما‌ كان وسيله الى خير الاخره الذى ‌هو‌ السعاده الاخرويه، كما قال اميرالمومنين صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه، ‌و‌ قد سئل عن الخير ‌ما‌ هو؟: «ليس الخير ‌ان‌ يكثر مالك ‌و‌ ولدك، ‌و‌ لكن الخير ‌ان‌ يكثر علمك ‌و‌ ‌ان‌ يعظم حلمك، ‌و‌ ‌ان‌ تباهى الناس بعباده ربك، فان احسنت حمدت الله، ‌و‌ ‌ان‌ اسات استغفرت الله، ‌و‌ ‌لا‌ خير ‌فى‌ الدنيا الا لرجلين: رجل اذنب ذنوبا فهو يتداركها بالتوبه، ‌و‌ رجل سارع ‌فى‌ الخيرات. ‌و‌ «لا يقل عمل مع التقوى ‌و‌ كيف يقل ‌ما‌ ‌لا‌ يتقبل».
 فتراه- عليه السلام- كيف حصر خير الدنيا ‌فى‌ امرين:
 الاول: الاشتغال بمحو السيئات ‌و‌ اعدامها، ‌و‌ تدارك الذنوب بالتوبه، فتسعد النفس بذلك لاكتساب الحسنات.
 الثانى: الاشتغال باكتساب الحسنات ‌و‌ المسارعه ‌فى‌ الخيرات، ليفوز بالسعاده الاخرويه ‌و‌ ‌لا‌ واسطه ‌من‌ الخير المكتسب بين هذين الامرين.
 ‌و‌ لما كانت محبته تعالى مستلزمه للتوجه التام الى حضرته المقدسه ‌من‌ غير فتور ‌و‌ ‌لا‌ كلال، كانت سببا لكمال خير الاخره بالطريق الاول، ‌و‌ الله اعلم.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن ابى جعفر محمد الباقر (ع) انه قال «قال رسول الله (ص): قال الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: اذا اردت ‌ان‌ اجمع للمسلم خير الدنيا ‌و‌ الاخره جعلت له قلبا خاشعا ‌و‌ لسانا ذاكرا، ‌و‌ جسدا على البلاء صابرا، ‌و‌ زوجه مومنه تسره اذا نظر اليها، ‌و‌ تحفظه اذا غاب عنها ‌فى‌ نفسها ‌و‌ ماله».
اللهم صل على محمد كافضل ‌ما‌ صليت على احد ‌من‌ قبله:
 
 ‌يا‌ رب، لقد اردت للمسلمين المومنين ‌ان‌ يصلوا على رسولك محمد ‌و‌ يسلموا عليه كاسلوب ‌من‌ اساليب تاكيد العلاقه الروحيه بين الرسول النبى ‌و‌ بين المومنين به، ‌من‌ اجل رابطه اقوى، ‌و‌ علاقه اوثق، حتى تتحول القضيه الى ارتباط عضوى ‌فى‌ الجسم الايمانى الواحد، ‌و‌ لتمتد الى مدى الزمن- بعد غياب النبى عن عالم الحس- لتنطلق المساله ‌فى‌ صوره تقليديه يتوارثها الابناء عن الاباء، لتكون الصلاه عليه فاتحه كل دعاء، ‌و‌ تحيه كل موقف، ‌و‌ ذكرى لحركه الرسول ‌فى‌ ‌خط‌ الرساله ‌فى‌ الحياه، ‌و‌ هكذا تعاظمت ‌فى‌ نفوسنا محبته، ‌و‌ ارتفعت قيمته، ‌و‌ تحركت ‌فى‌ حياتنا رسالته، ‌و‌ وقفنا بين يديك لنطلب منك ‌ان‌ تصلى عليه بما تمثله الصلاه ‌فى‌ مضمونها العميق ‌من‌ رفع درجته، ‌و‌ علو مقامه، افضل صلاه صليتها على المخلوقين ‌من‌ قبله، ‌او‌ تصليها على احد ‌من‌ بعده، لانه الافضل بين مخلوقاتك ‌من‌ خلال ‌ما‌ منحته ‌من‌ لطفك ‌و‌ عنايتك.
 ‌و‌ اذا كان دعاونا كله ابتهالا اليك ‌ان‌ توفقنا ‌من‌ اجل بناء شخصيتنا الاسلاميه على قاعده الالتزام باكمل الايمان، ‌و‌ الانفتاح على افضل اليقين، ‌و‌ التحرك مع احسن النيات ‌و‌ الاعمال، ‌من‌ اجل ‌ان‌ نكون الاقرب اليك ‌و‌ الاكثر حصولا على رضاك، فاننا نختم هذا الدعاء بما اوحيت الينا ‌فى‌ كتابك ‌من‌ الخط المستقيم المتوازن الذى ينفتح على الدنيا ‌من‌ خلال حاجاتها ‌و‌ اوضاعها ‌و‌ شروطها ‌و‌ منهجها ‌و‌ حركتها ‌من‌ حركه الانسان فيها، ليكون عنوانها الحسنه بما ترمز اليه ‌من‌ كل النعم التى تفيضها على عبادك، ‌و‌ ‌من‌ كل الخير الذى توجههم اليه ‌و‌ تمنحهم بركاته، ليكون لهم السعاده الشامله ‌فى‌ كل مجالاتها ‌و‌ منطلقاتها ‌و‌ غاياتها الكبرى، ‌و‌ ينفتح على الاخره التى هى نهايه المطاف ‌فى‌ حركه الوجود الانسانى، ‌من‌ خلال ‌ما‌ تختزنه ‌من‌ نعيم ‌و‌ رضوان ‌و‌ راحه ‌و‌ طمانينه ‌و‌ انفتاح روحى على كل آفاقها التى تطل على آفاقك ‌من‌ موقع كبير، ليكون عنوانها «الحسنه» ‌فى‌ فيوضات العفو ‌و‌ المغفره ‌و‌ الرضوان، ‌و‌ الجنه التى وعدت بها عبادك المتقين.
 ‌و‌ ‌ها‌ نحن- ‌يا‌ رب- نتوسل اليك ‌ان‌ تكون دنيانا كلها حسنه ‌فى‌ نعمتك ‌و‌ رعايتك، ‌و‌ خضره الحياه المعشوشبه بكل الاحلام الطيبه ‌فى‌ لطفك العميم، ‌و‌ ‌ان‌ تكون آخرتنا كلها حسنه ‌فى‌ السعاده برضوانك، ‌و‌ ‌فى‌ النعيم ‌فى‌ جنتك، لنعيش التوازن ‌فى‌ الانفتاح على الدنيا ‌من‌ خلال نعمك، ‌و‌ ‌فى‌ الانفتاح على الاخره ‌من‌ خلال كرمك، انك ولى النعمه ‌و‌ صاحب الحسنه ‌و‌ منتهى الحاجه، ‌و‌ انت ارحم الراحمين، ربنا فقنا عذاب النار.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

دعاوه فى الصلاه على حمله العرش و كل ملك مقرب
دعاوه فى الالحاح على الله تعالى
دعاوه فى یوم الاضحى و یوم الجمعه
دعاوه اذا استقال من ذنوبه
دعاء دخول شهر رمضان
دعاوه عند الصباح و المساء
دعاوه فى طلب العفو و الرحمه
دعاوه لنفسه و اهل ولایته
و كان من دعائه (علیه السلام) بعد الفراغ من صلاه ...
دعاوه عند الشده و الجهد و تعسر الامور

بیشترین بازدید این مجموعه


 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^