دعاوه اذا سال الله العافيه و شكرها
دور العافيه فى فعاليه الانسان:
للعافيه فى حياه الانسان الدور الاساس فى توازن وجوده، و استقامه حركته، و سلامه اوضاعه، لان المرض- حسب انواعه- يعطل فى الانسان حيويه الطاقه عندما ينفذ الى هذا العضو او ذاك، فيمنعه من القيام بمسوولياته، و الوصول الى اهدافه، و تحقيق حاجاته، لان الاعضاء تتكامل فى استقرار اوضاعه الماديه و المعنويه، فلكل عضو موقع فى هذه المنفعه او تلك، و قد يودى فساده او ضعفه الى فساد البدن كله او ضعفه، و الى خساره طاقه حيويه فى حركه الحياه فى داخله او فى ما حوله، كالعين و الاذن و اللسان و اليد و الرجل و نحوها، و قد يفصله ذلك عن الحياه الاجتماعيه كلها، كاختلال القوه العاقله، و ربما تحول الانسان فى المرض الى حاله تشبه حاله الموت، كما فى غياب الوعى الكامل مع بقاء الحياه الماديه فى الجسد، او فى الاصابه بالشلل الكلى و ما الى ذلك، و قد يودى به الى الحرمان من شهواته و لذاته من الطعام و الشراب و الجنس.. و هكذا تمثل العافيه عمق الاحساس بحركيه الحياه السليمه المنفتحه على المسووليه، بحيث يشعر الانسان فى الحرمان منها او من بعض مواقعها، بافتقاده لقطعه من حياته، و بنقصان فى وجوده، و باهتزاز فى اوضاعه كلها، و بالحرمان من استقلاله الذاتى بالمستوى الذى يتحول فيه الى ان يكون عاله و عبئا على الاخرين، مما تسقط به نفسيته، و تنهزم به روحيته، و ليست العافيه محصوره فى حاله السلامه فى البدن، بل هناك العافيه فى الروح و الفكر و الدين و حركه الحياه فى شوونها العمليه.
و قد انطلق هذا الدعاء فى ابتهال الانسان الى الله من اجل ان يمنحه العافيه و استمرارها فى شوون الدين و الدنيا، و الانفتاح على عناصرها الداخليه و الخارجيه فى الاجواء الروحيه التى تنفتح بالانسان على القرب من الله و البعد عن الشيطان، و فى الاوضاع التى تبتعد به عن كل الاشخاص و الاشياء و العوامل المضاده، مما يودى الى فقدانها، ليكون محروسا من كل شى ء من هذه او تلك، فى حمايه الله رعايته، بحيث يتحسس الانسان فى حياته الامن من كل من يسى ء اليه فى جميع اموره، ليتمكن من ممارسه حياته فى خط مسووليته، بسلامه و راحه و اطمئنان. و هكذا لا تكون العافيه- فى وعى المومن- مجرد حاله ذاتيه يرتاح فيها فى شوونه الخاصه ليمارس- من خلالها- شهواته و لذاته و حاجاته الشخصيه فى دعه و انسجام، بل هى- الى جانب ذلك- حركه حياه حيويه يعيش فى اجوائها الانفتاح على الله بنشاط و قوه و ثبات و اخلاص، الامر الذى يجعل من الاحساس بالماده فى ذاته، لونا من الاحساس بالروح، حيث تتروح الماده فى حركه الانسان فى هذا التزاوج الرسالى بين الماده و الروح فى ما اراده الله للحياه من التكامل فى جوانبها الوجوديه بين الحاجه و الهدف، و الوسيله و الغايه.
اللهم صل على محمد و آله، و البسنى عافيتك، و جللنى عافيتك، و حصنى بعافيتك، و اكرمنى بعافيتك، و اغننى بعافيتك، و تصدق على بعافيتك، وهب لى عافيتك، و افرشنى عافيتك، و اصلح لى عافيتك، و لا تفرق بينى و بين عافيتك فى الدنيا و الاخره.
اللهم البسنى عافيتك فى الدنيا و الاخره:
يا رب، لقد وهبتنى وجودى، و حركت الحياه فى جسدى، و اطلقت الوعى فى عقلى، و وجهتنى فى دنياى الى آخرتى، و فى كل عنوان من هذ العناوين تقف العافيه لتكون العمق الذى ينفتح بالخير على مفردات المسووليه فى ذلك، فلن استطيع الاحساس بالوجود و الشعور بالحياه، و الحيويه فى الوعى، و الاعداد للاخره، الا اذا منحتنى الصحه فى جسدى و عقلى و روحى، و العافيه فى عملى، لان الجسد يثقل صاحبه، و يتعب روحه، و يعطل عقله اذا مرض، كما ان العقل يسى ء الى حيويه الوعى فى ذاته، اذا فقد الصحه و ابتعد عن الاتزان، و هكذا يعيش الانسان الضياع فى حركته نحو الاخره اذا لم يعش عافيه الروح فى آفاق الايمان بالله.
يا رب، اننى ادعوك ان اكون سليم الجسد و العقل و الروح فى عافيه منفتحه على الحياه كلها، و على المسووليه كلها، لاكون الانسان الطبيعى الذى تتحرك اجهزته و خلاياه بشكل طبيعى متوازن، تنسجم فيه عناصرها و تتكامل فيه مواقعها و مواقفها و نشاطاتها، حتى يسلم لى قولى و عملى و تفكيرى، من كل عوامل الضعف و مشاكل المرض.
و هانذا ابتهل ان تمنحنى العافيه فى ذلك كله ثوبا البسه ليحيط بكل كيانى المادى و العقلى و الروحى كما يحيط الثوب بالجسد، و غطنى بالعافيه، كما تغطى الارض بالمطر و تعمها به حتى لا يبقى فيها مكان الا و غطاه، و حصنى بالعافيه حتى تكون فى قوتها و حيويتها كالحصن الذى يمنع الامراض الماديه و الروحيه من النفاذ الى الداخل، و اكرمنى بها لاحس بكرامتك لى فى عطائك هذا الذى يعطينى حيويه الوجود و فاعليته فى الحركه و الاحساس، و اجعلها غناى الذى يجلب لى الغنى فى الامور كلها، و تصدق على بها كما تصدقت على بوجودى، و اعطنى العافيه هبه يهب فيها المولى عبده رحمه به و لطفا و كرما، لتكون الفراش الذى ارتاح فيه و اغفو بهدوء على طراوته و نعومته، و اصلحها لى، فلا يدخلها الفساد فى البدايه و النهايه، و لا تفرق بينى و بينها فى الدنيا و الاخره لتكون حياتى كلها فى نطاق عافيه الدنيا فى الجسد و العقل و الروح، و عافيه الاخره فى سلامه الدين و الايمان و العمل، لاكون الانسان الذى تتحرك العافيه فيه، لتقربه منك بكل نتائجها فى النشاط الانسانى كله.
و قد احتمل السيد على خان المدنى فى رياض السالكين ان يكون لكل لفظ فى كلمات الدعاء معنى يخصه، فلا يكون المطلوب فى الجميع معنى واحدا عاما شاملا جامعا لخيرات الدنيا و الاخره، و ذلك بان يقال: «و البسنى عافيتك من المرض البدنى، لان الالباس للثوب المخصوص بالبدن، و جللنى عافيتك: من الفضيحه، بدليل التجليل الذى هو بمعنى التغطيه و الستر، و حصنى بعافيتك: ممن يريد بى سوءا بقرينه التحصين، و اكرمنى بعافيتك: من الذل و المهانه او من المعائب و القبائح، بدليل الاكرام بمعنى التعظيم او التنزيه، و اغننى بعافيتك من الفقر و الحاجه، بدليل الاغناء، و تصدق على بعافيتك: من الاضطرار الى صدقه غيرك، وهب لى عافيتك: من الاحتياج الى هبه غيرك، و افرشنى عافيتك: اى مهادها من الخوف، كما يقال: افرشه مهاد امنه. و اصلح لى عافيتك: الحاصله عندى التى قد افسدها المرض و نحوه، و لا تفرق بينى و بين عافيتك: العامه فى امور الدنيا و الاخره».
هذه استفاده طريفه، و لكن اسلوب هذه الفقرات من الدعاء يوحى بان المقصود هو التعبير عن المعنى الواحد بكلمات متعدده باعتبار الجوانب التى يمكن الدلاله بها على الفكره، على سبيل التاكيد.
اللهم اعطنى عافيه اكتفى بها:
يا رب، ان العافيه التى اطلبها و اتوسل اليك ان تمنحنى اياها، هى العافيه التى تحقق لى الاكتفاء الذاتى من غيرك، فلا احتاج الى طلبها من غيرك، او الى اتمامها بعافيه اخرى، كما تمنحنى الشفاء من كل مرض، فلا تسمح بالمرض ان يزحف الى، او يستقر فى وجودى، و ترتفع بى عن كل مواقع الاسقام و العلل، و تقهر كل عناصرها، و تنمو فى حيويتها لتصنع عافيه جديده فى حركتها فى البدن ليتجدد فى نشاط جديد، و حيويه جديده.
و اذا كانت عافيه الدنيا هى التى يفكر بها الناس عندما يثيرون مساله العافيه فى وجدانهم الابتهالى، فانى افكر، بوحى ايمانى و امتداد وجودى للاخره، بالعافيه فى الاخره التى تحقق لى السلامه من كل المشاكل الاخرويه من خلال الاعمال التى تمنح الانسان الانفتاح على الصحه فى العقيده و القول و العمل، بحيث يحصل بها الانسان على رحمه الله و عفوه و رضوانه.
اللهم امنحنى الصحه و السلامه فى دينى و بدنى:
يا رب، انك المنان على عبادك فى كل وجودهم فى حالاتهم الثابته و المتحركه، فلك المن عليهم فى ذلك كله، لان ما بهم من نعمه فهو منك، اللهم و انا عبدك الذى يعيش الخوف من اختلال التوازن فى روحه و جسده، و من الفساد فى عناصر الحياه فى دينه و بدنه، مما قد يعرض عليها من الامراض الماديه و المعنويه، فيهدد امن وجودى و سلامته، و يثير فى القلق من المستقبل فى ما يمكن ان يعرض لى من مكروه، او يواجهنى من الافات، اللهم فافتح نوافذ قلبى على نور القدس الذى يشع من عالم الحق فى ربوبيتك، فانفتح على المعرفه الواسعه التى تنفذ الى كل بواطن الاشياء و حقائقها، لتكشف لى كل خفاياها، و تحل لى كل مشكلاتها، و توضح لى كل غوامضها، لاكون الانسان الذى يرى الحقيقه بنور هداك، و يحلق فى آفاق الغيب بوحى سدادك، فان نور البصيره هو الذى يمنح الانسان عمق المعرفه بما لا يصل اليه من خلال نور البصر، وهب لى القدره على النفاذ فى امورى، فلا اتوقف امام مشكله و لا ابتعد بها عن مداها، لاصل بها الى غاياتها بهدوء و وضوح، و امضى- من خلالها- الى اهدافى من دون توقف.
و اغرس فى قلبى- يا رب- شجره الخوف منك الذى يجعلنى ارتعد من التفكير فى عقابك مما اسلفته من السيئات، و الخشيه لك التى تفتح قلبى على الرهبه من خلال الاحساس بعظمتك و الشعور بهيبتك، لاقف فى ساحه العبوديه فى موقف المتطلع اليك الخاضع لك، الخاشع بين يديك الذى يستجدى الثبات امام اهتزاز جوانحه و جوارحه، و يطلب الطمانينه فى مواقع القلق فى مشاعره. ان الخوف منك و الخشيه لك لا يمثلان عنصرين سلبيين فى نتائجهما من خلال ما قد يثيرانه فى الحالات المماثله فى الواقع المتحرك فى العلاقات الانسانيه التى يسقط فيها الخائف فى وجوده امام القوه المخيفه او الشخص المخيف، بل يمثلان- بدلا من ذلك- عنصرين ايجابيين، لانك- يا رب- سر وجوده، و لان وجوده مستمد من ارادتك، و مفتقر اليك فى كل اموره، فهو الغنى بحاجته اليك، و هو القوى بضعفه امامك، فكلما ازداد خوفا منك ازداد طاعه لك و قربا منك، و كلما عاش الخشيه لك و انفتح على آفاق العظمه من هيبتك، كلما تضاءل له- فى حجم وجوده- بين يديك ليكبر فى ثقته بنفسه بذلك امام عبادك، و هذا هو الذى يجعل الذين يخافون منك و يخشونك، فى موقع الانضباط العملى و التوازن الروحى، و فى موقف القوه الكبرى، لانك القوى الذى يهب الوجود قوته.
- يا رب- قد تضعف عزيمتى عن الاندفاع الى الاقبال على طاعتك و البعد عن
معصيتك، من خلال النفس الاماره بالسوء، و الضعف الذى تخضع له العوامل الداخليه فى النفس، و قد يضعف جسدى عن ذلك من خلال حاله الكسل و الفشل، فهب لى يا رب القوه على مواجهه كل نقاط الضعف التى تسقط ارادتى، لتكون لى- من لطفك و عنايتك- القدره على اتخاذ القرارات الصعبه فى قضايا الطاعه لك و الانضباط فى خط اوامرك و نواهيك، و القوه الحاسمه المندفعه الى مواقع القرب منك، لاحول كل اوامرك الى حركه فى واقع حياتى و حياه الناس من حولى، و كل نواهيك الى موقف سلبى لا يسمح لاى حرام ان ينطلق فى حركه الواقع.
اللهم امنن على بالحج و العمره:
يا رب، لقد اردت من عبادك ان يحجوا الى بيتك الحرام الذى جعلته مثابه للناس و امنا، ليعيشوا فى اجوائه روحيه القرب اليك من خلال مناسكهم المتنوعه الموحيه بمختلف الوان الايحاء فى احرامهم الذى ينفتحون فيه على نوع من انواع الصيام الجسدى الذى يتربى فيه المومنون على رياضه البدن على تحمل المشقات، و الابتعاد عن مظاهر الزينه و الترف، و الانضباط امام اوامرك و نواهيك، و الانفتاح على الخير فى علاقاتهم بالانسان و الحيوان و النبات، ليحصلوا على التوازن الفردى و الاجتماعى فى حياتهم الخاصه او العامه، كما يتربى هولاء على رياضه الروح فى الانفتاح عليك، و الابتهال اليك و الاستجابه لك من عمق الاحساس بالعبوديه باعلان التلبيه الروحيه و العقليه و البدنيه التى تمثل الذوبان فيك فى كل الافاق المطله على مواقع رضاك، ليزدادوا بذلك قربا اليك و تطلعا للوصول الى رحاب قدسك.
و فى طوافهم ببيتك الذى يمثل الرمز الحركى للطواف حول ساحات محبتك، و آفاق رحمتك، و دروب هداك، و ذلك من خلال ما يتمثل فيه من معنى العباده الخالصه فى الركوع و فى السجود و الابتهال و الدعاء، لتطل على العباده الواسعه الشامله فى كل ما امرت به او نهيت عنه فى الخضوع الكلى لك فى مواقع محبتك و سخطك.
و فى ساحات المواقف فى عرفات و المشعر الحرام و منى، حيث يعيشون التاملات الروحيه الرائعه التى ينطلقون فيها مع انفسهم بين يديك، ليزدادوا معرفه بك و محبه لك، و اقترابا و خوفا منك، و رغبه لما عندك، و ابتعادا عن الشيطان الذى يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير.
و فى كل حركه التحدى للشيطان الذى يوسوس فى صدورهم بوساوس الشر، و يخطط لهم خطط الانحراف، و يقودهم الى النتائج السلبيه على مستوى المصير، و ذلك فى عمليه رجم رمزى يوحى باكثر من حركه رجم لكل قوى الجريمه التى تصنع للانسان ماساته، و تهدم له حضارته و توجهه نحو الهلاك و الدمار.
و فى كل اللقاءات التى يلتقى فيها الناس من اطراف الارض ليشهدوا منافع لهم فى قضاياهم العامه المنفتحه على حركه الحريه و العداله و التعاون و التشاور و تبادل الخبرات الفكريه و العمليه فى اوضاعهم المتنوعه فى شوون حياتهم.
و شرعت لنا العمره التى تتحرك- مع الحج- فى نطاق بيتك، لتكون النسك المتحرك الذى اردت لنا ان نقوم به فى اى وقت، و وعدتنا الثواب عليه، فليس له وقت معين كما هو وقت الحج، لانك احببت لعبادك ان ينفتحوا على بيتك المحرم الذى يمثل البيت العالمى الانسانى للعباده الذى يشير الى كل بيوت العباده المتفرقه فى انحاء البلاد، فى عمليه ايحاء بانه الذى يمثل الوحده الشموليه التى تلتقى عندها المساجد، حتى تتوحد السياسه الروحيه و الفكريه و التبليغيه و العمليه فى كل مواقعها و مجالاتها و آفاقها الصغيره و الكبيره.
و هكذا كانت رحله الحج و العمره، رحله روحيه واسعه الافاق، متنوعه الحركات، منفتحه الابعاد على كل مواقع الخير فى الحياه من خلال الانفتاح عليك.
و اردت لنا ان نزور رسولك، فى ما احببته لنا من ذلك، ليبقى حضوره فينا ميتا من خلال استذكار سيرته حيا، لنقتدى به فى اقواله و اعماله، حتى لا تكون سيرته فينا مجرد تاريخ بعيد يبتعد بنا عنه فى الاحساس بالاشياء البعيده التى تجعلنا نعيش الغربه عنها، بل تكون بدلا من ذلك ارتباطا للذكرى بمواقع حركته فى مسجده و بيته، حيث كان يدعو الناس الى الله و يبشرهم برحمه منه و رضوان، و ينذرهم بعذابه و يوجههم الى السلامه فى الدنيا و الاخره و يقودهم الى صراط العزيز الحميد.
و نتمثله- فى ذلك كله- فى اخلاقه العاليه، و روحيته الساميه، و نتعرف اساليبه فى حركه العلاقات الانسانيه، و فى ساحه الصراع الرسالى فى الحرب و السلم، لنعيش معه فى روحه المحلقه فى رحاب الله، فلا يكون- فى زيارتنا له- مجرد جسد ميت نتوجه اليه، بل يكون حياه رساليه نتمثلها فى الذاكره لنحركها فى الواقع.
معنى زياره قبور الانبياء و الاولياء:
و تلك هى مساله الزياره للانبياء و للاولياء، فهى ليست انفعالا بالجسد، و لكنها انفتاح على الذات فى المعنى الرسالى فى داخلها لا فى المعنى الذاتى لخصوصيتها، لان علاقتنا بالشخصيات الرسوليه القريبه من الله، لا ينطلق من ذاتياتها بل من رسالياتها.
و لعل المشكله التى تثير الجدل الفكرى فى المساله التوحيديه فى هذا المجال، ليست مشكله المبداء فى الزياره للقبور، بل هى مشكله الممارسه المنحرفه التى تتحول فيها المساله الى ما يشبه الطقوس العباديه للقبر و لصاحبه، بحيث يغفل الانسان المومن عن الله ليستغرق فى الشخص، ليكون السئوال له، و الطلب منه، و الخضوع له، و السجود له- و لو من ناحيه الشكل- مما يبعث فى الذهنيه الايمانيه بعض الايحاءات الغريبه عن وحى التوحيد الالهى، و ربما كنا نتفهم طبيعه هذه المساله فى وعى المبداء عندما ندرس النصوص الماثوره للزيارات لهذا النبى او لهذا الولى، فاننا نجد تاكيدا على المعانى الرساليه فى شخصيته فى الجانب الفكرى و الروحى و العملى، مما يجعل الانسان الزائر يعيش الرساله فى وعى حضور النبى او الولى فى ذاكرته الايمانيه، فيزداد معه ارتباطا به فى الحاضر انطلاقا من الاطلاله على حضوره فى الماضى.
اللهم امنن علينا بالحج و العمره و زياره قبر رسولك، فى انطلاقه روحيه تنفتح على محبتك، و تتطلب رضاك، و تنطلق نحو الافاق البعيده من معانى ربوبيتك، لازداد بذلك عبوديه لك و قربا منك، و انجذابا الى مواقع القدس لديك، و اجعل ذلك نشاطى فى كل عام، مما تتقبله من اقوالى و اعمالى، و تشكره لى و تذكرنى فيه برحمتك و تذخره عندك، لالتقيه فى يوم لقائك- يا رب العالمين.
اللهم انطق بحمدك و شكرك لسانى:
يا رب، اجعلنى من عبادك الذين يستغرقون فى مواقع العظمه فى الوهيتك، و مواضع النعمه فى ربوبيتك، و ينفتحون على صفات الجلال و الكمال فى ذاتك القدسيه، حتى احمدك بلسانى بكل معانى الحمد، من خلال الوعى الفكرى و الروحى بان كل حمد مستمد من حمدك، لان الحمد سر عظمتك، فانت الذى اعطيت كل شى ء حمده، و حتى اشكرك على كل نعمه انعمت بها على من النعم الخاصه و العامه، و ذلك فى وعى النعمه فى مبداء وجودى و فى كل شوونه و اوضاعه و خصائصه و شموليه مواقعه و حركاته، فانت ولى النعمه لكل خلقك، فلا نعمه الا و انت الواهب لها، و المحرك لحركتها: (و ما بكم من نعمه فمن الله)(النحل: 53).
و مهما جهد الحاسبون فانهم لا يستطيعون بلوغ عددها: (و ان تعدوا نعمه الله لا تحصوها)(ابراهيم: 34).
لان ما دق و خفى منها اكثر مما ظهر، لان خصائص بعض النعم قد يكون سرا عميقا لا يدركه الا القليلون، و وفقنى لذكرك فى كل حال حتى اعيش الاحساس بحضورك كاقوى ما يكون الاحساس، و كاوضح ما يكون الحضور، كما لو كنت اراك، فلا اغفل عن مقام ربوبيتك، و لا انسى معنى الوهيتك، فاكون معك فى عقلى و روحى و حياتى، فلا انفصل عنك، و لا ابتعد عن وجودك، فتكون فى وعى وجدانى اقرب من كل شى ء كما انت الاقرب الى فى معنى وجودى، و تنفتح لى كل الافاق المطله على صفاتك و آلائك لاثنى عليك باحسن الثناء، ليهتف كل عرق من عروقى بعظمتك، و ينبض قلبى بالخشوع لك، من خلال الاحساس بمجدك و جلالك.
و اشرح قلبى فى وعيه لحقائق دينك و ادراكه لاسرار شريعتك، و مواقع الحق فى اوامرك و نواهيك، و سبل الهدى فى الدروب المستقيمه من خطوط هداك، و ارزقنى وضوح الرويا فى ذلك كله، حتى لا تزدحم فى عقلى الشبهات، و لا تتجمع فى روحى الاوهام، و لا تقتحم قلبى الوساوس، لاعرف فى ذلك كيف اركز خطواتى فى الطريق المستقيم، و افتح عينى للنور القادم من ينابيع القدس فى نورك بعيدا عن الضباب و عن كل الغيوم التى تملاء اجواء الانسان لتحجب عنه نور الشمس.
قال النظام النيسابورى: «اذا اعتقد الانسان فى عمل من الاعمال ان نفعه زائد و خيره راجح، مال طبعه اليه، و قوى طلبه و رغبته فى حصوله، و ظهر فى القلب استعداد شديد لتحصيله، فسميت هذه الحاله سعه الصدر، و ان حصل فى القلب علم او اعتقاد او ظن بكون ذلك العمل مشتملا على ضرر زائد و مفسده راجحه، دعاه ذلك الى تركه، و حصل فى النفس نبوه عن قبوله، فيقال لهذه الحاله ضيق الصدر، لان المكان اذا كان ضيقا لم يتمكن الداخل من الدخول فيه، و اذا كان واسعا قدر على الدخول فيه، و اكثر استعمال شرح الصدر فى جانب الحق و الاسلام، و قد ورد فى الكفر ايضا، قال تعالى: (و لكن من شرح بالكفر صدرا)(النحل: 106).
قال امين الاسلام الطبرسى: «و قد وردت الروايه الصحيحه انه لما نزل قوله تعالى: (فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام)(الانعام: 125).
سئل رسول الله (ص) عن شرح الصدر ما هو؟ فقال: «نور يقذفه الله فى قلب المومن، فينشرح له صدره و ينفسح، قالوا: فهل لذلك من اماره يعرف بها؟ قال (ص): نعم، الانابه الى دار الخلود، و التجافى عن دار الغرور، و الاستعداد للموت قبل نزول الموت».
اللهم اعذنى من كل شيطان مريد:
يا رب، انى اعيش حياتى فى هذه الدنيا، و هناك اكثر من مشكله تطوف بها مما يسلب منى عافيه الدين و الدنيا، و هناك اكثر من عدو يخطط للاضرار بى، و اكثر من قوه تتحدانى فى نفسى و اهلى و مالى و ولدى و عرضى، و انا المخلوق الضعيف الذى خلقته من ضعف لينطلق- فى القوه- بعونك من خلال قوتك، فهل لى ان اقف بين يديك فى ابتهال الخاشع و خضوع الخائف لاستعيذ بك من ذلك كله.
اللهم انك قد سلطت الشيطان علينا فى لمحات اعيننا و نبضات قلوبنا و خفقات مشاعرنا و حركه غرائزنا و مواقع ضعفنا و قوتنا، و انطلاقه افكارنا و مشاريعنا و اوضاعنا العامه و الخاصه فى علاقاتنا و مواقفنا، و اعطيتنا القدره على مواجهته بما وهبتنا من عقل، و حركت فينا من اراده، و انزلت علينا من وحى، و اغدقته علينا من لطفك و رحمتك، و لكنه قد يتغلب علينا فى غفلاتنا و شرودنا و ابتعادنا عن مواقع الوعى فى الحياه، اللهم فاعطنا القوه الفكريه و الروحيه، و القدره العمليه، و احطنا بالرعايه الالهيه، حتى نستطيع الوقوف ضد مخططاته، و التحرك فى مواجهه خطواته، و التخلص من ضغط وساوسه، و الابتعاد عن ساحات غروره، لنرجمه باعمالنا الصالحه، و خطواتنا الهاديه، و افكارنا الصائبه، لنكون الجانب الاقوى فى حركه الصراع معه.
و اعذنا- يا رب- من كل الحشرات التى تنفث السم من خلال لسعاتها السامه التى تولم و لا تقتل، او التى تقتل فى سمومها كالحيات- و هى الهامه، و خلصنا- يا رب- من كل النكبات العامه الشامله و المخوفات التى تتحرك بالفزع و الشر، و من كل الاعراض التى تودى الى اختلال الوعى فى ذهنى، و فساد العقل فى كيانى، و ابعد عن حياتنا شر كل شيطان عات متمرد على الحق، متحرك بالفساد، بعيد عن الخير، متطاول على العباد بشره، من شياطين الجن و الانس الذين يمثلون رموز الغى و الضلال، و جنبنا شر كل سلطان عنيد جائر عن القصد، باغ على الحق، من الذين يعاندون الحق مكابره لا جهلا، و يسيطرون على الحياه بتصرفاتهم الجائره، و شر كل مترف يعيش فى حياته طغيان النعمه الذى يزيد فى احساسه بالعلو امام الواقع الذى يتحرك من حوله، مما يحيط به من مظاهر التعظيم و وسائل الخدمه من الناس الذين يخدمونه و يعظمونه و يتبعونه، فيزينون له القبيح من فعله، و يقبحون له الحسن من فعل غيره، فيزداد شرا و تكبرا على الناس، و شر كل انسان يملك القدره على ايقاع الشر بى و بمن يمت الى بصله، سواء كان ضعيفا او قويا، شريفا او وضيعا، صغيرا كان او كبيرا، قريبا او بعيدا، فان اختلاف مواقع الناس فى درجاتهم الذاتيه فى القوه و الضعف، او اوضاعهم الاجتماعيه فى الشرف و الضعه ، او حجمهم الفردى فى الصغر و الكبر، او علاقتهم بى فى القرب و البعد، لا يمنع من امكانات الشر فى طاقاتهم، مما يدفعهم الى الاضرار بالناس، لان لكل شخص حجما من القدره التى تمكنه من الضغط على غيره بما لا يستطيع معه من حمايه نفسه منه، فيلجاء الى رحمتك ليجد فيها الحمايه.
اللهم و ارزقنا العبد عن كل الجماعات و الافراد من الذين يقفون موقف العداوه لرسولك و لاهل بيته، و يمارسون الحرب عليهم انطلاقا من العقده السوداء التى يحملونها ضد المعانى الكبيره التى تمثلها الرساله فى امتدادها، و يتحرك بها الرسول فى سيرته و اخلاقه، و اهل البيت فى انفتاحهم على الاسلام فى صفائه و نقائه و حركته المنطلقه نحو الدعوه الى الله و الاخلاص له، فان هولاء الذين يعيشون مثل هذا الاحساس العدوانى ضد قياده الاسلام فى خط النبوه و الامامه، قد يتحولون الى مشكله لكل مومن بالاسلام داعيه له، مخلص للرسول و اهل بيته، فيسيئون الى الواقع الاسلامى بالاساءه الى الامه الاسلاميه فى كل مجتمعاتها.
اللهم و خلصنى من كل دابه انت آخذ بناصيتها، مالك لها قادر عليها، قاهر لها، من كل الحيوانات التى تدب على الارض فتسى ء الى بما تملكه من وسائل الافتراس و الضغط على كل مواقع القوه و مكامن الحركه لدى، فانك انت الله الذى يملك منها ما لا تملكه من انفسها، كما تملك منا كل ذواتنا و تحمينا من كل ما حولنا و من حولنا، و انك الرب الذى يجرى كل تدبيره و سيطرته على اساس الحق و العدل، فلا يضيع عندك من اعتصم بك، و لا يفوتك ظلم ظالم و لا ظلامه مظلوم، فيجد عندك كل عبادك الحمايه و الرعايه فى كل اوضاعهم و ظلاماتهم برحمتك و رعايتك و عونك و قوتك (انى توكلت على الله ربى و ربكم ما من دابه الا هو آخذ بناصيتها ان ربى على صراط مستقيم)(هود: 56).
اللهم اصرف عنى من ارادنى بسوء:
يا رب، قد يفكر بعض الناس الذين يحملون فى داخل نفوسهم العقده الخبيثه تجاهى و العداوه ضدى، بالاساءه الى فى نفسى و مالى و عرضى و اهلى و ولدى، و قد يتحرك فى هذا الاتجاه بالوسائل المتعدده التى يملكها من اجل اسقاط حياتى فى الموقع الصعب الذى يعطل امورى و يسى ء الى مصالحى، و يعقد حياتى، و يربك اوضاعى.
اللهم انى قد املك بعض الجهد فى الدفاع عن نفسى و فى مواجهه مثل هذا النموذج من الناس، بما املكه من امكانات ذاتيه خاصه، و لكنى فى الوقت الذى او من به بان كل قوتى تستمد ذاتها من قوتك، احس بالحاجه الدائمه الى رعايتك لكل حياتى فى هذا المجال، لتمنحنى قوه مضاعفه و حركه متزايده، و تعطينى لطفا جديدا متحركا فى تعطيل كل خططه، و طرد كل مكره و دفعه عنى، و ابعاد شره، ورد كل وسائله الخفيه الى الاضرار بى فى ما يكيدنى به، و ارجع كيده الى نحره، و انصب امامه الحواجز و السدود التى تحجزه و تقف سدا بينى و بينه، فلا يبصر- فى وعى فكره- الطريق التى تودى الى ايذائى، و تعطل سمعه عن ذكرى حتى ينسانى فينسى كل اوضاعى التى تغرى بالاضرار بى، و تقفل نوافذ قلبه عن الانفتاح على حياتى، التى قد يجد فيها بعض ما يغذى حقده و يودى الى التفكير بالشر ضدى، و تخرس لسانه عن الاساءه الى بكلماته الشريره التى تسى ء الى كرامتى و سمعتى، و تقهره و تذله حتى لا يفكر فى العنفوان الذى يطوف براسه ليذل عزى و يقهر موقعى، و تكسر جبروته، و تذل ذاته، و تنقص كل كبره الذى يحاول فيه العلو على، و تومننى من كل الوان الضرر التى يملكها ليوجهها الى، و من انواع الشر الذى يربك حياتى و يضعف وجودى، و من سعيه للطعن بى، و من غيبته باظهار عيوبى للناس فى ظهر الغيب، و من حسده الذى يدفعه للبغى على، و من عداوته التى تتفجر حقدا ضدى، و من حبائله و مصائده التى ينصبها فى طريقى للوقوع بى فى شراكه الشريره، و من رجاله و اعوانه و فرسانه الذين يلاحقوننى فى كل امورى ليعطلوا بذلك كل حياتى.
انى استعين بك- يا رب- على ذلك كله، لانك العزيز الذى لا ينتقص احد من عزته، و القدير الذى لا يعجزه شى ء، فانت- وحدك- القادر على حمايتى من كل سوء، و اجارتى من كل عدو، لانك المهيمن على الامر كله.