فارسی
شنبه 22 دى 1403 - السبت 10 رجب 1446
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه
0
نفر 0

دعاوه اذا قتر علیه الرزق

دعاوه اذا قتر عليه الرزق
 
 مفهوم البلاء ‌فى‌ الاسلام:
 
 كيف يفكر الانسان المومن اذا ضاقت ‌به‌ الحال، ‌و‌ قتر عليه الرزق؟ هل تسقط روحه، ‌او‌ يضعف ايمانه، ‌او‌ يتعقد ‌من‌ قضاء ربه، ‌او‌ ترتفع روحه ‌من‌ جديد الى الله ‌فى‌ حال الفقر صبرا ‌و‌ ابتهالا ‌و‌ رجاء، ‌او‌ ترتفع اليه ‌فى‌ حال الغنى شكرا ‌و‌ فرحا ‌و‌ رضوانا، ‌و‌ يقوى ايمانه ‌من‌ خلال عقلانيه نظرته الى البلاء ‌فى‌ حكمه الله ‌فى‌ ‌ما‌ يجريه على عباده، ‌و‌ ‌فى‌ سنته ‌فى‌ الكون ‌و‌ ‌فى‌ خلقه ‌فى‌ ‌ما‌ ينظم ‌به‌ حركه الوجود، ‌و‌ يرضى بقضاء الله رضا الواثق بان كل ‌ما‌ يقضى ‌به‌ الله عليه ‌و‌ ‌ما‌ يقدره ‌فى‌ حياته، انما ‌هو‌ صلاح له ‌فى‌ دنياه ‌و‌ آخرته، ‌و‌ بذلك تنطلق المساله ‌فى‌ ‌خط‌ الايجاب ‌فى‌ حياته، ‌لا‌ ‌فى‌ ‌خط‌ السلب؟!
 ‌ان‌ الانسان المومن ‌لا‌ يعيش ايمانه مشاعر تتغذى ‌من‌ البلاء لتتالم، ‌و‌ تنفعل بالحالات الطارئه القاسيه لتتعقد، ‌و‌ تنفتح على الاوضاع الحاده لتتوتر، ‌و‌ مشاعر اخرى تنفتح على الرخاء لتفرح، ‌و‌ تتحرك مع الحالات الطيبه المريحه لترتاح، ‌و‌ تتلمس الحياه الطيبه لتنطلق.. فيكون الواقع ‌هو‌ الصوره التى يتمثل فيها ايمانه انطلاقا ‌و‌ انفتاحا، بل يعيش ايمانه فكرا يتغذى ‌من‌ وعى سنن الله ‌فى‌ عباده ‌و‌ بلاده، ‌و‌ حكمته ‌فى‌ خفايا الامور التى تبتعد عن الشكل البارز ‌فى‌ ظواهرها، مما يجعل العمق ‌فى‌ النظره ‌هو‌ الذى يفتح الافق الواسع للمعنى الكامن ‌فى‌ الاعماق، ‌و‌ ذلك ‌من‌ خلال الدراسه الواعيه الدقيقه للواقع كله ‌فى‌ قضاء الله ‌و‌ قدره.
 ‌و‌ هكذا يتحدث الامام على ‌بن‌ الحسين (ع) ‌فى‌ هذا الدعاء مع ربه ‌من‌ القاعده الايمانيه التى تثير السلبيات النفسيه ‌فى‌ مواطن الضعف البشرى، مما قد يثقل حركه الايمان ‌فى‌ الذات، ‌و‌ يتعب اوضاعها، بعيدا عن الله، فقد يقف الانسان ‌فى‌ حاله البلاء بعيدا عن قاعدته الفكريه الروحيه الايمانيه، فاذا فكر ‌فى‌ الرزق فانه قد يعيش ‌فى‌ ذاته فقدان الثقه بالله، ‌و‌ سوء الظن بتقديره، فيخيل اليه ‌ان‌ الله قد تخلى عنه ‌و‌ اهمل امره ‌و‌ تركه لنفسه، ‌و‌ ‌ان‌ عليه ‌ان‌ يهرع الى عباد الله الذين رزقهم ‌من‌ واسع رزقه فوسع عليهم ‌فى‌ المال، ليلتمس لديهم رزقه، كما لو كانوا ‌هم‌ الذين يرزقونه، فيبيعهم دينه ‌و‌ نفسه ‌و‌ موقفه، ‌و‌ هكذا يستعجل رزقه بالحرام ‌فى‌ الوقت الذى كان بامكانه- لو صبر- ‌ان‌ يحصل عليه بالحلال، ‌و‌ يفقد علاقته بربه لحساب علاقته بالناس الاخرين ‌فى‌ الوقت الذى كان لو تامل، لعرف ‌ان‌ الله لن يهمل امر عباده، ‌و‌ لكنه يمهلهم ‌من‌ خلال الحكمه الخفيه، ‌فى‌ التدبير الشامل للكون ‌و‌ للانسان، مما يكون العام فيه مصلحه للخاص.
 ‌و‌ اذا فكر ‌فى‌ الحياه، فانه قد يفقد رويته الواضحه للاشياء، فيخيل اليه ‌ان‌ الحياه تمتد ‌به‌ الى ‌ما‌ ‌لا‌ نهايه، فاذا طاف ‌به‌ الموت ‌فى‌ ‌و‌ عيه فانه يبعده عن وجدانه، لينساه، ‌فى‌ عمليه ايحائيه خفيه بان الموت ‌لا‌ يزحف اليه. ‌و‌ هكذا يحدث نفسه، دائما، باعمار المعمرين الذين عاشوا مئات السنين، حتى يستسلم للامل الطويل ‌فى‌ ‌ان‌ يكون له مثل هذا العمر ‌او‌ ذاك، فيبتعد- بذلك- عن المسووليه ‌فى‌ ‌ما‌ تحتاجه الحياه منه، ‌و‌ ‌فى‌ ‌ما‌ ينتظره ‌من‌ حساب آخرته ‌من‌ خلال ‌ما‌ يعمله ‌فى‌ دنياه، ‌و‌ يسوف التوبه، و يستعجل المعصيه، لان الوقت امامه طويل طويل.
 ‌و‌ ‌فى‌ هذا الجو النفسى الضائع، يجتمع له سوءالظن بالله ‌و‌ النظره الخياليه لقضيه الحياه لان المشكله ‌فى‌ الكثيرين ‌من‌ الناس الغافلين، انهم، ‌فى‌ نظرتهم الى الواقع الذى يحيط بهم، ‌او‌ يعيشونه ‌فى‌ داخلهم، يستغرقون ‌فى‌ ذواتهم ‌و‌ ‌لا‌ يفكرون ‌فى‌ الكون ‌من‌ حولهم ‌و‌ ‌فى‌ الناس الاخرين معهم، ليعرفوا ‌ان‌ وجودهم ليس الوجود كله ‌و‌ ‌ان‌ انسانيتهم ليست الانسان كله، بل ‌هم‌ جزء ‌من‌ الوجود يتكاملون ‌به‌ ‌و‌ معه، ‌و‌ ‌هم‌ بعض ‌من‌ الناس يتوازنون ‌فى‌ حركتهم ‌و‌ اوضاعهم ‌فى‌ حركه الناس الاخرين، فليس لهم ‌ان‌ يفكروا بالقضايا الخاصه الا ‌من‌ خلال ارتباطها بالقضايا العامه، ‌و‌ عليهم ‌ان‌ يفهموا ‌ان‌ ‌ما‌ يصيبهم ‌من‌ سلبياتها يدخل- ‌من‌ باب آخر- ‌فى‌ الايجابيات الخفيه ‌فى‌ ‌ما‌ يصلح ‌به‌ امرهم، ‌و‌ هذا ‌هو‌ ‌ما‌ اثاره الامام زين العابدين (ع) عند ‌ما‌ اشار الى الواقع السلبى ‌فى‌ النظره المستغرقه ‌فى‌ الذات بعيدا عن الواقع العام، ‌و‌ اراد ‌من‌ الله ‌ان‌ يهبه اليقين الصادق الذى يمتد ‌فى‌ الوجدان ثقه مطلقه بالله ‌و‌ بما عنده، ‌و‌ ‌فى‌ مضمونه، معرفه باسرار قضاء الله ‌و‌ قدره ‌فى‌ الكون ‌و‌ ‌فى‌ الانسان، حتى يعرف ‌ان‌ رزقه مخزون ‌فى‌ مواقع علم الله ‌من‌ خلال اسبابه، ‌فى‌ التنظيم الدقيق لحركه الرزق ‌فى‌ الحياه، ‌و‌ بذلك فان عليه ‌ان‌ ‌لا‌ يلهث ‌فى‌ طلبه ‌فى‌ حاله نفسيه ‌و‌ ارهاق جسدى ‌لا‌ ضروره له، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يتعب وجدانه فيشتد عليه حاله، بل يواجه المساله ‌من‌ موقع اليقين بان الله سبحانه ‌لا‌ يتخلى عن عباده ‌فى‌ تدبيره لامورهم، ‌و‌ ‌من‌ قاعده الثقه ‌به‌ بان له ‌فى‌ كل شان ‌من‌ شوون عباده قانونا حكيما يدخل ‌فى‌ نطاق سننه الكونيه، ‌لا‌ ينحرف عن خطه، ‌و‌ ‌لا‌ يتعدى برنامجه، ليكون طلبه هادئا ‌و‌ اعيا ‌فى‌ راحه نفسيه منفتحه على اليقين بالله، ‌و‌ طمانينه روحيه ‌فى‌ الثقه ‌به‌ انطلاقا ‌من‌ وعده الذى ‌لا‌ يخلفه، ‌و‌ قسمه الذى ‌لا‌ ‌بد‌ ‌ان‌ يفى به، على اساس الايه الكريمه: (و ‌فى‌ السماء رزقكم ‌و‌ ‌ما‌ توعدون) (الذاريات: 22)، ‌و‌ ‌فى‌ الايه الاخرى: (فورب السماء انه لحق مثل ‌ما‌ انكم تنطقون) (الذاريات: 23).
 فيتوازن فكره ‌و‌ يستقيم طريقه، ‌و‌ تنفتح روحه على الامل ‌فى‌ اوقات الشده، و ذلك ‌هو‌ قوله تعالى: (و ‌من‌ يتق الله يجعل له مخرجا ‌و‌ يرزقه ‌من‌ حيث ‌لا‌ يحتسب ‌و‌ ‌من‌ يتوكل على الله فهو حسبه ‌ان‌ الله بالغ امره قد جعل الله لكل شى ء قدرا) (الطلاق: 3-2).
 
 مفهوم التوكل ‌فى‌ الاسلام:
 
 ‌و‌ ربما كان ‌من‌ المفيد ‌ان‌ نوضح الحقيقه الفكريه الايمانيه ‌فى‌ مساله الرزق ‌و‌ التوكل، ‌من‌ خلال ‌ما‌ اثير ‌فى‌ الدعاء ‌من‌ «كفايه موونه الطلب» ‌و‌ «الاعفاء ‌من‌ شده النصب» ‌و‌ «ترك الاهتمام بالرزق ‌و‌ الانشغال به» ‌فى‌ مقابل ضمانه الله للانسان الكفايه له.
 فقد يتساءل الانسان، هل معنى ذلك، ‌ان‌ عليه ‌ان‌ يبقى جالسا ‌فى‌ بيته منتظرا رزقه ‌من‌ السماء ليهبط عليه بطريقه غير عاديه، فلا يسعى اليه، ‌و‌ ‌لا‌ يجهد نفسه ‌فى‌ طلبه على اساس ‌ان‌ الله قد تكفل له به، ‌و‌ ‌ان‌ عليه ‌ان‌ ينتظر المخرج ‌من‌ ضيق حاله ‌من‌ دون قيامه بايه مبادره ‌فى‌ الحصول على ‌ما‌ يوسع حاله، لان الله يرزقه ‌من‌ حيث ‌لا‌ يحتسب، ‌و‌ انه كاف لمن توكل عليه، لتكون القضيه الايمانيه، ‌من‌ خلال هذا المنطق، مزيدا ‌من‌ الكسل ‌و‌ الاسترخاء، ‌و‌ ليكون التوكل ‌و‌ اللامبالاه مظهرا ‌من‌ مظاهر التوكل على الله على اساس ‌ان‌ الحياه ‌فى‌ ‌خط‌ الايمان، تنتظر السلبيين ‌و‌ ‌لا‌ تتحرك نحو الا يجابيين؟
 ‌و‌ الجواب عن ذلك، ‌ان‌ القرآن الكريم يوكد على السعى ‌فى‌ طلب الرزق كما ورد ‌فى‌ قوله تعالى: (فامشوا ‌فى‌ مناكبها ‌و‌ كلوا ‌من‌ رزقه ‌و‌ اليه النشور) (الملك: 15).
 ‌و‌ ‌فى‌ قوله تعالى: (فاذا قضيت الصلاه فانتشروا ‌فى‌ الارض ‌و‌ ابتغوا ‌من‌ فضل الله ‌و‌ اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) (الجمعه: 10).
 ‌و‌ ورد ‌فى‌ الحديث: «العباده سبعون جزءا- ‌و‌ ‌فى‌ روايه: عشره اجزاء- افضلها طلب الحلال»، كما ورد- ‌فى‌ عداد الذين ‌لا‌ يستجاب دعاوهم- «رجل جالس ‌فى‌ بيته يقول اللهم ارزقنى فيقال له: الم آمرك بالطلب»، اما التوكل، فانه يمثل ايكال الامر الى الله ‌فى‌ ‌ما‌ يتخوفه الانسان ‌من‌ مفاجات المستقبل، ‌او‌ ‌من‌ الزوايا الغامضه الخفيه التى لم يعرفها ‌او‌ لم يحسب لها حسابا، بعد ‌ان‌ يكون قد اعد للمساله عدتها ‌و‌ قام بما يجب عليه ‌من‌ توفير كل الاسباب المرتبطه بالنتائج على طريقه الحديث المعروف: «اعقل راحلتك ‌و‌ توكل».
 ‌و‌ الحديث الوارد عن ائمه اهل البيت (ع): بان المتوكلين الزارعون، باعتبار ‌ان‌ الزارعين يعملون جهدهم ‌فى‌ الارض بتحضير كل ‌ما‌ يحتاجه الزرع ‌من‌ دراسه الارض ‌و‌ البذر ‌و‌ الماء ‌و‌ غيره، ثم يتوكل على الله بعد ذلك، ‌و‌ هكذا يكون التوكل ‌فى‌ الرزق بعد طلبه.
 اما الحديث عن كفايه موونه الطلب ‌و‌ الاعفاء ‌من‌ شده النصب ‌و‌ ترك الاهتمام بالرزق ‌و‌ الاشتغال به، فان المقصود به، ‌هو‌ تخفيف الظروف ‌و‌ الاعباء التى تثقل الانسان ‌فى‌ طلبه للرزق، بحيث توقعه ‌فى‌ شده التعب، ‌و‌ تودى ‌به‌ الى المزيد ‌من‌ المشاكل، ‌و‌ تشغل كل تفكيره ‌و‌ وقته بحيث ‌لا‌ يفرغ للمهمات الاخرى ‌من‌ شوونه، فلا يكون عيشه كدا كدا. ‌و‌ اذا كان القرآن يوكد على الرزق ‌فى‌ السماء الذى ينزله الله على عباده، فان المقصود ‌به‌ الرزق المقدر للانسان ‌و‌ الذى قدره الله له باسبابه الطبيعيه التى قد تحصل بالطلب كقاعده عامه ‌او‌ بالطريقه التى ‌لا‌ يحتسبها الانسان، مما ياتى اليه بسهوله.
 ‌ان‌ الاسلام يرى ‌فى‌ الحياه حركه ‌و‌ جهادا ‌فى‌ سبيل العيش ‌و‌ ‌فى‌ سبيل الله، فلا ينال ‌اى‌ شى ء فيها، على مستوى الاهداف الخاصه ‌و‌ العامه، الا بالعمل ‌و‌ لان الله سبحانه اراد للنظام الانسانى ‌فى‌ الكون ‌ان‌ يتحرك ‌فى‌ هذا الاتجاه ‌و‌ على اساس هذا الخط، ‌و‌ لانه اراد الانسان خليفه له ‌من‌ موقع ‌ما‌ يبذله ‌من‌ جهد عقلى ‌و‌ بدنى ‌فى‌ اداره الحياه على النهج الذى يراه- تعالى-.
 
اللهم انك ابتليتنا ‌فى‌ ارزاقنا بسوء الظن، ‌و‌ ‌فى‌ آجالنا بطول الامل، حتى التمسنا ارزاقنا ‌من‌ عند المرزوقين، ‌و‌ طمعنا بآمالنا ‌فى‌ اعمار المعمرين.
 
اللهم ‌لا‌ تبتلنا ‌فى‌ ارزاقنا بسوء الظن، ‌و‌ ‌فى‌ آجالنا بطول الامل:
 
 ‌يا‌ رب، لقد جعلت رحلتنا ‌فى‌ الحياه رحله اختبار ‌و‌ ابتلاء تمتحن فيها ايماننا ‌فى‌ اصاله مفاهيمه، ‌و‌ ‌فى‌ عمق حركته فينا، ‌و‌ تختبر صبرنا على الهزات التى تهزنا ‌فى‌ افكارنا ‌و‌ مشاعرنا ‌و‌ مواقفنا، لتميز الخبيث ‌من‌ الطيب منا، ليظهر الانسان على حقيقته، ‌و‌ ينفتح واقعه عما يختبى ء ‌فى‌ داخله، ‌لا‌ لانك تريد معرفه الخفايا ‌من‌ عناصر شخصيتنا، لانك تعلم منا ‌ما‌ ‌لا‌ نعلم ‌من‌ انفسنا، ‌و‌ لكن لتثير ‌فى‌ حياتنا الداخليه ‌من‌ خلال حركتنا الخارجيه التجربه الحيه، التى تحرك فينا الفكره فتوجهها الى مواقع القوه ‌و‌ الثبات، لتكون المساله مساله تدريب على الممارسه ‌فى‌ الاجواء التى قد توحى بالثقه ‌من‌ دون اساس، ‌و‌ قضيه تاصيل ‌فى‌ الوقت الذى قد تقف فيه على مستوى السطح بعيدا عن العمق، فان الانسان الذى تهزه التجارب ‌فى‌ سلبياتها قد يختلف عن الانسان الذى يبقى بعيدا عن الحالات الطارئه الصعبه، فقد يسقط البعض ‌فى‌ حالات الفقر ‌او‌ ‌فى‌ حالات الغنى، مع الاختلاف ‌فى‌ خصائص هذا ‌او‌ ذاك ‌فى‌ التاثيرات السلبيه على النفس ‌فى‌ مشاعرها ‌و‌ انفعالاتها، ‌و‌ قد يواجه الانسان نفسه ‌فى‌ حاله الضرر بالتضرع ‌و‌ الابتهال الى الله، ‌و‌ لكنه ينسحب ‌من‌ كل ذلك الجو ‌فى‌ حاله الرخاء عند ‌ما‌ يرفع الله عنه ذلك كله، ‌و‌ لذلك فان القضيه تتصل بحركيه الانسان ‌فى‌ مواقفه ‌و‌ مواقعه ‌و‌ انفتاحه على ايمان ‌او‌ انغلاقه عنه. ‌و‌ هكذا ابتلينا ‌فى‌ ارزاقنا بسوء الظن، فقد يخيل الينا ‌ان‌ المساله تتصل بالحجم الذى يتحرك ‌به‌ الانسان نحو سعيه اليه، ‌و‌ نشاطه فيه ‌و‌ احتياله ‌فى‌ امره، ‌و‌ ‌فى‌ علاقته بالناس الاغنياء، سلبا ‌او‌ ايجابا، على اساس ‌ان‌ ذلك ‌هو‌ السبيل الوحيد للحصول على التدبير الالهى للكون ‌فى‌ قسمه الارزاق، فهر عنا الى هذا ‌او‌ ذاك نطلب منه الرزق، كما لو كان الولى على ارزاقنا، ‌و‌ خضعنا لهم ‌و‌ عبدناهم ‌من‌ دونك، ‌و‌ اطعناهم ‌و‌ عصيناك، طمعا بما لديهم، ‌و‌ خوفا ‌من‌ الحرمان.
 ‌و‌ الى جانب هذا البلاء، كان البلاء الكبير بطول الامل الذى يمد انفتاحنا على الحياه الى ‌ما‌ ‌لا‌ نهايه، مما جعلنا نستشعر ‌فى‌ عمق احساسنا بان ‌لا‌ نهايه لاعمارنا، ‌و‌ ‌لا‌ ‌حد‌ ‌لا‌ جالنا، فلا ناخذ العبره ‌من‌ مسيره الموت التى يسير فيها الناس ‌من‌ حولنا، كما سار فيه ‌من‌ قبلنا، حتى خيل الينا ‌فى‌ غفله الشعور، ‌و‌ غياب الوعى، بان الكل يموتون ‌و‌ اننا- وحدنا- الباقون، ‌و‌ ادى ذلك بنا الى تعجيل المعصيه ‌و‌ تسويف التوبه، ‌و‌ نسيان الاخره، ‌و‌ الاستغراق ‌فى‌ الدنيا، فعشنا الضياع ‌فى‌ متاهات الصحراء الروحيه، ‌و‌ بدانا نتخبط ‌فى‌ ‌و‌ حول الخطيئه، فاذا ‌و‌ اجهنا الموت ببعض خيالاته، ‌و‌ خفقت فوق رووسنا بعض اجنحته، ‌و‌ بدانا نحس بقرب دنوه منا، ‌و‌ اطباقه علينا، انفتحنا على التاريخ نستذكر فيه احاديث المعمرين، ‌و‌ بحثنا ‌فى‌ الواقع عن بعضهم، ‌فى‌ عمليه ايحائيه باننا سنعيش ‌ما‌ عاشوه ‌من‌ عمر طويل، ‌و‌ باننا قد نسبقهم الى اعمار ارحب ‌و‌ اطول، لان ‌من‌ عاش الف سنه يمكن ‌ان‌ يعيش الالفين ‌و‌ هكذا..
اللهم هب لنا اليقين الصادق ‌و‌ الثقه الخالصه بك:
 
 ‌يا‌ رب، قد تكون مشكله الكثيرين ‌من‌ المومنين منا اننا نغفل عن هذا الايمان ‌فى‌ مضمونه ‌و‌ ايحاءاته، فنبتعد ‌فى‌ خطواتنا عن الخط المستقيم الذى يمثل التوازن ‌فى‌ تصور الانسان لموقع ربه ‌و‌ مقامه ‌فى‌ حياته ‌و‌ حياه الاخرين، ‌و‌ ‌فى‌ دوره العملى ‌فى‌ حركته ‌فى‌ الحياه، ‌و‌ ‌فى‌ قدرته ‌و‌ موقعه المحدود، ‌و‌ ذلك اننا نستغرق ‌فى‌ حاجاتنا ‌و‌ ‌فى‌ قدراتنا كما لو كانت فرصا ضائعه ‌و‌ قدرات مبدده، فيخيل الينا اننا لو لم نستعجل الحركه، ‌و‌ لم نرهق الامكانات، ‌و‌ لم نستنفد الجهود، فاننا لن نبلغ ‌ما‌ نريد، ‌و‌ لن نحقق ‌ما‌ نحتاج، ‌و‌ لن نصل الى غاياتنا ‌فى‌ الحياه، لان جهدنا ‌هو‌ كل شى ء ‌فى‌ الحصول على الحاجات، ‌و‌ ‌هو‌ الاساس ‌فى‌ تركيز القاعده القويه ‌فى‌ وجودنا. فلم نفكر بالله ‌فى‌ تخطيطه للنظام الكونى ‌و‌ الانسانى، ‌و‌ حكمته ‌فى‌ اعطاء كل موجود حقه ‌و‌ هداه، ‌و‌ رعايه مصالح الموجودات، ‌و‌ ‌من‌ بينها الانسان، ‌فى‌ ذلك كله، ‌و‌ رحمته ‌و‌ رافته ‌و‌ احسانه الى العباد كلهم ‌فى‌ تنظيم امورهم، ‌فى‌ الاجهزه التى اودعها ‌فى‌ اجسادهم ‌و‌ ‌فى‌ اوضاعهم ‌و‌ ‌فى‌ الظواهر الكونيه التى سخرها لهم، ‌و‌ ‌فى‌ ايصال ارزاقهم اليهم بمختلف الوسائل الفكريه ‌و‌ العمليه، الظاهره منها ‌و‌ الخفيه، بحيث يجد كل انسان رزقه ‌فى‌ الموقع الذى قدره له، سواء كان ذلك بتوجيهه اليه، ‌او‌ بتهيئه ظروفه له.
 ‌ان‌ الانسان اذا وعى ذلك كله، امكنه ‌ان‌ يواجه الواقع الحى ‌فى‌ وجوده بعقل هادى ء، ‌و‌ فكر متزن ‌و‌ جهد عاقل، ‌لا‌ يستعجل الامور ‌و‌ ‌لا‌ يلهث ‌فى‌ حركه الرزق، ‌و‌ ‌لا‌ يسقط امام مخاوف المشاكل ‌و‌ تهاويل الظروف، حذرا ‌من‌ ‌ان‌ يفقد الفرصه الذهبيه ‌فى‌ حياته ‌فى‌ الحصول على رزقه، ‌و‌ ذلك انطلاقا ‌من‌ اليقين الصادق بان كل شى ء خاضع لاسبابه المقدره ‌فى‌ الكون، فاذا تحققت الاسباب تحققت المسببات، ‌و‌ اذا لم تحصل المقدمات لم تحصل النتائج، فيتخفف- بهذا اليقين- ‌من‌ ضغط الاحساس بثقل طلب الرزق، ‌و‌ يرتاح- ‌من‌ خلال هذه الثقه بالله- ‌من‌ شده الكدح، فيتحرك بهدوء ‌و‌ يعمل باتزان، ‌و‌ ينطلق ‌فى‌ حياته ‌من‌ خلال الفهم الدقيق للمسووليه ‌و‌ الوعى المنفتح على الله ‌فى‌ رحمته ‌و‌ حكمته ‌و‌ علمه ‌و‌ قدرته، ليطمئن روحيا ‌و‌ يرتاح نفسيا، فيتخلص ‌من‌ قلق الخوف ‌فى‌ نفسه ‌و‌ حيره المستقبل ‌فى‌ وجدانه.
 ‌و‌ لكن هذا اليقين الصادق الذى يكفى الانسان موونه الطلب ‌لا‌ يلغى المبداء، ليكون الانفتاح على سنن الله ‌فى‌ حركه الانسان ‌فى‌ المجتمع مخالفا لليقين، فيجلس ‌فى‌ بيته منتظرا لرزقه ‌فى‌ سكون ‌و‌ هدوء ‌من‌ غير عمل، كما ‌ان‌ هذه الثقه الخالصه بالله تعفيه ‌من‌ شده النصب ‌و‌ لكنها ‌لا‌ تعفيه ‌من‌ التعب الطبيعى الذى تفرضه المسووليه ‌فى‌ العمل، لان الله يريد ‌من‌ الانسان المومن ‌ان‌ يكون العالم للدين ‌فى‌ مسوولياته الشرعيه، ‌و‌ للدنيا ‌فى‌ مسوولياته الحياتيه المتعلقه ‌به‌ ‌و‌ بالناس الاخرين ‌فى‌ ‌ما‌ اوكل الله اليه امره ‌فى‌ ‌خط‌ السببيه ‌فى‌ الكون ‌و‌ الحياه، فيكون اعتماده على الله ‌فى‌ العمق، ‌و‌ على نفسه ‌فى‌ الحركه الاليه للرزق.
يا رب، اجعلنى افهم كتابك فهما ينطلق بالوعى ‌و‌ يتميز بالدقه، لاتعرف مفاهيم الحياه ‌من‌ خلاله، فلا يخطى ء ‌بى‌ الفهم الى غير الحق، ‌و‌ ‌لا‌ يبتعد ‌بى‌ الاجتهاد عن الاستقامه، فقد ‌و‌ عدتنى ‌فى‌ وحيك، ‌و‌ اتبعته بالقسم الذى يوكد الفكره اساس الايحاء بانها ‌فى‌ موقع الاهتمام الشديد و قلت، ‌و‌ قولك الحق كله، ‌و‌ الصدق كله: (و ‌فى‌ السماء رزقكم ‌و‌ ‌ما‌ توعدون) (الذاريات: 22)، فاوحيت لنا بان السماء مصدر رزقنا ‌فى‌ ‌ما‌ تنزله ‌من‌ بركاتها، ‌و‌ انها- ‌فى‌ الكنايه الدقيقه عن علو تقديرك ‌و‌ سمو نظامك- ‌فى‌ التقدير الدقيق، فقد قدرت حدودها باسبابها، كما قدرت نزولها ‌فى‌ مواعيدها، فلم يكن الرزق حاله طارئه ‌فى‌ الحياه الانسانيه، ‌او‌ صدفه ضائعه ‌فى‌ غمار الصدف، بل ‌هو‌ نظام دقيق ثابت ‌لا‌ يتخلف عن موعده، ‌و‌ ‌لا‌ يبتعد عن مورده، و اقسمت- ‌و‌ قسمك الابر الاتقى: (فورب السماء ‌و‌ الارض انه لحق مثل ‌ما‌ انكم تنطقون) (الذاريات: 23)، فهو الحقيقه التى تلتقى ‌فى‌ ثباتها ‌و‌ وضوحها بالمثل الحى كما ‌هو‌ نطقكم ‌فى‌ احساس الكيان ‌به‌ ‌و‌ وعى الوجدان له. ‌و‌ هذا ‌هو‌ اساس الثقه، ‌و‌ مصدر الايمان، فاجعله مصدر وعى منفتح ‌و‌ التزام ثابت، لنقف ‌من‌ رزقنا على اساس الثقه ‌و‌ الايمان منا.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

دعاوه فى الصلاه على حمله العرش و كل ملك مقرب
دعاوه فى الالحاح على الله تعالى
دعاوه فى یوم الاضحى و یوم الجمعه
دعاوه اذا استقال من ذنوبه
دعاء دخول شهر رمضان
دعاوه عند الصباح و المساء
دعاوه فى طلب العفو و الرحمه
دعاوه لنفسه و اهل ولایته
و كان من دعائه (علیه السلام) بعد الفراغ من صلاه ...
دعاوه عند الشده و الجهد و تعسر الامور

بیشترین بازدید این مجموعه


 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^