فارسی
شنبه 22 دى 1403 - السبت 10 رجب 1446
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه
0
نفر 0

دعاوه فى ذكر التوبه و طلبها

دعاوه ‌فى‌ ذكر التوبه ‌و‌ طلبها
 
 ‌فى‌ اجواء دعاء التوبه:
 
 للتوبه ‌فى‌ المنهج الاسلامى التربوى، الدور الاساس ‌فى‌ الايحاء المتنوع بالفرصه الدائمه المستمره ‌فى‌ تصحيح الخطا الانسانى، ‌و‌ الرجوع عن الخطيئه العمليه، ‌و‌ الاستقامه على الخط عند الانحراف، ‌و‌ العوده الى الله ‌و‌ الانابه اليه بعد الانحراف عنه، ‌و‌ البعد عن مواقع القرب لديه، فقد خلق الله الانسان ‌فى‌ نظام غرائزى ينفتح على حاجات الانسان الجسديه ‌فى‌ شروط الحياه، فيستثير الشهوه، ‌و‌ يفتح للهوى اكثر ‌من‌ نافذه على مواقع الاغواء ‌و‌ الاغراء، مما يدفع الانسان الى الخطا تاره، ‌و‌ الى الخطيئه اخرى، ‌و‌ الى الانحراف ثالثه، ‌و‌ الى غير ذلك مما ‌لا‌ يلتقى بمواقع رضى الله سبحانه، ‌و‌ هكذا خلق الله الانسان ضعيفا، تتحكم ‌به‌ نقاط ضعفه فتاخذه ذات اليمين ‌و‌ ذات الشمال، ‌و‌ لكن الله الذى جعل ‌من‌ بعد ضعف قوه ‌فى‌ البنيه الجسديه، اعطى الانسان القدره ‌من‌ خلال ‌ما‌ اودعه فيه ‌من‌ نقاط القوه التى تمنحه التوازن بين ‌خط‌ الضعف ‌و‌ ‌خط‌ القوه، ‌و‌ جعل له الحوافز الروحيه التى تدفعه الى ‌ان‌ يتغلب فيه جانب القوه على جانب الضعف، ‌من‌ خلال ترغيبه له بالثواب العظيم عنده، كما وجهه الى النتائج السيئه ‌من‌ خلال تخويفه ‌و‌ ترهيبه ‌من‌ العذاب العظيم، ‌و‌ هكذا كانت التوبه العمل الداخلى بالندم على ‌ما‌ مضى ‌و‌ العمل الخارجى بالعمل على تجاوز اخطاء الماضى ‌فى‌ ‌ما‌ ياتى، ‌و‌ الجسر الذى يربط العبد بربه ‌من‌ جديد، بعد ‌ان‌ كان قد اخل بعلاقته ‌به‌ بسبب الخطيئه.
 ‌و‌ ‌فى‌ ضوء ذلك، كانت التوبه حركه الانسان ‌فى‌ روحه ‌و‌ ‌فى‌ قلبه للانفتاح على الله ‌من‌ جديد، كلما اغلق على نفسه النافذه الايمانيه التى تطل ‌به‌ على الله، حتى ‌لا‌ تكون الخطيئه عقده نفسيه ‌فى‌ ذات الخاطى ء، بل تكون حاله طارئه تطوف بالانسان كما يطوف الخيال ‌فى‌ ذهنه كما توحى بذلك الايه الكريمه ‌فى‌ قوله تعالى: (ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف ‌من‌ الشيطان تذكروا فاذاهم مبصرون) (الاعراف: 201)، ‌و‌ التذكر هنا كنايه عن التوبه الناشئه ‌من‌ اراده العوده لله ‌و‌ الاحساس بالذنب ‌من‌ خلال وعى الواقع الخاطى ء، لتكون المساله مساله ابصار بعد العمى الطارى ء، ‌و‌ قوله تعالى: (و الذين اذا فعلوا فاحشه ‌او‌ ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفرو الذنوبهم ‌و‌ ‌من‌ يغفر الذنوب الا الله ‌و‌ لم يصروا على ‌ما‌ فعلوا ‌و‌ ‌هم‌ يعلمون اولئك جزاوهم مغفره ‌من‌ ربهم ‌و‌ جنات تجرى ‌من‌ تحتها الانهار خالدين فيها ‌و‌ نعم اجر العاملين) (آل عمران: 136-135)، فالقضيه هى ‌ان‌ الخطيئه تمثل حاله غيبوبه ‌فى‌ الخطا ‌و‌ الخطيئه ‌و‌ الاستغراق ‌فى‌ الذات، ‌و‌ حاله غفله عن الله سبحانه ‌فى‌ وعى الانسان لمسووليته امامه، ‌و‌ ‌ان‌ الانسان المسلم يستفيق فجاه ‌من‌ تلك الغفله ليذكر الله ‌و‌ ليستغفر ‌من‌ ذنوبه ‌و‌ اثقا بان الله وحده ‌هو‌ الذى يغفر الذنوب كلها، ‌و‌ ليعود ‌من‌ جديد الى تقوى الله، فلا يصر على ‌ما‌ فعله ‌و‌ ‌هو‌ يعلم نتائج عمله ‌و‌ طبيعه الالتزامات، الامر الذى يدفعه الى تحويل التزامه الايمانى الى واقع عملى بعيد عن ‌خط‌ الانحراف.
 ‌و‌ قد خاطب الله عباده بالتوبه النصوح التى يوكد الانسان فيها لنفسه ‌فى‌ حساباته معها ‌و‌ لربه ‌فى‌ ابتهالاته اليه، بالرفض لكل تاريخ الماضى المثقل بالخطايا ‌و‌ الذنوب ‌و‌ الانحرافات، ‌و‌ الندم عليه ‌فى‌ عمق الشعور الواعى بفظاعه الموقف الخاطى ء امام الله، كما يركز الانسان ‌فى‌ ‌خط‌ حياته ‌فى‌ ‌ما‌ يستقبله ‌من‌ الزمن على بدايه جديده ‌لا‌ مكان فيها للخطيئه، ‌و‌ ‌لا‌ موقع فيها للانحراف، ليخطط للمستقبل لطاعه الله ‌فى‌ اقواله ‌و‌ افعاله ‌و‌ مواقفه ‌و‌ مواقعه ‌و‌ كل علاقاته ‌و‌ شوونه. انها التوبه المنطلقه ‌من‌ الثقه بالخط ‌و‌ الاصرار على الالتزام، ‌و‌ التطلع الى المستقبل ‌فى‌ اتجاه الصراط المستقيم.
 قال تعالى: (يا ايها الذين آمنوا توبوا الى الله توبه نصوحا عسى ربكم ‌ان‌ يكفر عنكم سيئاتكم ‌و‌ يدخلكم جنات تجرى ‌من‌ تحتها الانهار يوم ‌لا‌ يخزى الله النبى ‌و‌ الذين آمنوا معه نورهم يسعد بين ايديهم ‌و‌ بايمانهم يقولون ربنا اتمم لنا نورنا ‌و‌ اغفر لنا انك على كل شى ء قدير) (التحريم: 8).
 ‌و‌ هذه هى التوبه التى تجعل المومنين ‌فى‌ موقع الرعايه الالهيه بتكفير السيئات عنهم ‌و‌ ادخالهم الجنه، ‌و‌ بالبعد عن الخزى ‌و‌ العار يوم القيامه، حيث يعيشون النور الكامل الذى يفيضه عليهم ‌من‌ رحمته ‌و‌ مغفرته، ليكمل لهم نورهم الذى ربما انقصته السيئات، ‌و‌ قال تعالى ‌فى‌ الجانب السلبى ‌من‌ المساله: (و ‌من‌ لم يتب فاولئك ‌هم‌ الظالمون) (الحجرات: 11).
 ‌و‌ قد اراد الله للانسان ‌ان‌ تكون توبته ‌فى‌ الحاله الطبيعيه التى يملك فيها الامل الكبير بالحياه بحيث يعيش ‌فى‌ نفسه امكانيه الالتذاذ بشهواتها ‌و‌ التمتع بخيراتها، مما يجعل ‌من‌ التوبه فعل اراده واعيه مختاره متمرده على كل نوازع الشر ‌و‌ اغراءاته، انطلاقا ‌من‌ روح التقوى ‌فى‌ ذاته، ‌و‌ الرغبه ‌فى‌ الحصول على رضى الله ‌و‌ التخفف ‌من‌ سخطه.
 اما التوبه التى يمارسها الانسان ‌فى‌ اللحظات الاخيره ‌من‌ حياته عندما يفقد الامل بامتداد عمره لانه يواجه الموت عيانا، فانها ‌لا‌ تمثل الحاله الاختياريه الواعيه التقيه ‌فى‌ عمق الذات، بل تمثل الحاله الضاغطه على الحس التى يلهث الانسان ‌من‌ خلالها نحو الفرصه الاخيره ‌من‌ دون اراده حيه فاعله، بحيث لو امتدت الفرصه امامه لما اختار هذا الموقف، ‌و‌ هذا ‌ما‌ جاء ‌به‌ القرآن الكريم ‌فى‌ سوره النساء ‌فى‌ قوله تعالى:
 (انما التوبه على الله للذين يعملون السوء بجهاله ثم يتوبون ‌من‌ قريب فاولئك يتوب الله عليهم ‌و‌ كان الله عليما حكيما ‌و‌ ليست التوبه للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر احدهم الموت قال انى تبت الان ‌و‌ ‌لا‌ الذين يموتون ‌و‌ ‌هم‌ كفار اولئك اعتدنا لهم عذابا اليما) (النساء: 18-17).
 
و هذا ‌هو‌ الخط الفاصل بين التوبه المنطلقه ‌من‌ قناعه بعمليه الاختيار للخط الصحيح ‌من‌ موقع اراده حره واعيه، ‌و‌ بين التوبه المنطلقه ‌من‌ حصار نفسى تفرضه مواجهه الموت الذى يمثل نهايه الفرصه المتاحه للانسان، تماما كما هى حاله الانسان بعد الموت عندما يفكر بالتراجع، ‌و‌ يطلب الرجوع الى الدنيا ليعمل- ‌فى‌ الخط المستقيم- ‌من‌ جديد بعد ذهاب الفرصه الوحيده للعوده ‌و‌ العمل، فان التوبه ‌خط‌ عملى يرتبط بالنفس ‌و‌ بالواقع، ‌و‌ ‌لا‌ يقتصر على الحاله النفسيه الخاضعه للانفعالات الخائفه المجرده عن العمل، ‌و‌ قد حدثنا الله عن فرعون انه اعلن الايمان عند ‌ما‌ ادركه الغرق، ‌من‌ دون ‌ان‌ ينفعه ذلك شيئا.
 ‌و‌ ‌فى‌ هذا الدعاء حديث تفصيلى عن الجو الداخلى النفسى الذى يعيشه التائب ‌فى‌ اجواء التوبه ‌فى‌ ابتهالاته الروحيه بين يدى الله، حيث يبدا ‌فى‌ النداء لله بصفاته التى ‌لا‌ يبلغ الواصفون حقيقتها، ‌و‌ بمواقع الرجاء منه التى تقف عنده فلا تتجاوزه، لانه غايه الراجين ‌فى‌ ‌ما‌ يرجونه ‌فى‌ كل امورهم، ‌و‌ بحفظ احسان المحسنين فلا يضيع لديه شى ء منه، ‌و‌ بمواقع عظمته ‌و‌ عقوبته التى يخافها العابدون ‌و‌ ‌لا‌ يخافون غيره ‌فى‌ شى ء ‌من‌ شئوون الحياه لديهم، ‌و‌ بانه غايه خشيه المتقين الذى يخشون عقابه ‌و‌ يخافون غضبه.
 ‌و‌ ينطلق الفصل الثانى، ليبدا التائب العابد ‌فى‌ عمليه الاعتراف بخطاياه، فهو الانسان الذى اخذته ذنوبه ‌من‌ كل مكان، فتلاقفته ‌من‌ يد الى اخرى، ‌و‌ ‌من‌ موقع الى موقع آخر، حتى امسكت الخطايا بزمام حياته، فاصبح خاضعا لها بحيث ‌لا‌ يملك ارادته امامها، ‌و‌ استطاع الشيطان ‌ان‌ يتغلب عليه ‌و‌ يوجهه الى ‌ما‌ يريده ‌من‌ اقوال ‌و‌ افعال ‌و‌ علاقات، فكانت النتيجه الطبيعيه لكل ذلك ‌ان‌ يقصر ‌فى‌ امتثال اوامر ربه تضييعا لحقوق الله عليه، ‌و‌ يتعاطى التهجم على ‌ما‌ نهاه عنه مما يودى الى ايقاع نفسه بالخطر، تماما كما لو كان جاهلا بمواقع قدره الله عليه، ‌او‌ منكرا فضل احسانه اليه، مما لو كان ‌و‌ اعياله وعى الشعور العميق، لكانت حساباته العمليه تختلف عما ‌هو‌ عليه، ‌و‌ لهذا فانه، ‌فى‌ الحاله التى انفتح له فيها بصر القلب بنور البصيره، ‌و‌ زالت عنه كل عناصر الغفله التى تغشى قلبه ‌و‌ فكره، بدا عمليه الحساب بطريقه تفصيليه ‌فى‌ صغائر الامور ‌و‌ كبائرها، ‌و‌ ‌فى‌ مواطن الانحراف الفكرى ‌و‌ العاطفى ‌و‌ العملى، فهالته النتائج السيئه ‌فى‌ دلالاتها، المرهقه ‌فى‌ آثارها، الخطيره ‌فى‌ نهاياتها، ‌و‌ هكذا رجع الى ربه رجوع المومل لمغفرته، المستحيى ‌من‌ ذنوبه، ‌و‌ وجه اليه الرغبه الصادقه ‌من‌ موقع الثقه به، ‌و‌ قصده بطمعه على اساس اليقين بعطائه، ‌و‌ انفتح على خوفه منه اخلاصا ليس له وجهه واحده الا اليه، ‌و‌ ‌لا‌ احساس بالطمع الا نحوه، فلا قيمه لديه للخوف ‌من‌ ‌اى‌ احد ‌فى‌ الكون، فهو الامن منهم جميعا، لانه ‌لا‌ يرى ‌اى‌ اثر لتخويفهم، بل القيمه كل القيمه لديه هى الحذر منه ‌و‌ ‌من‌ عقابه، لانه الرب القوى الذى ‌لا‌ ‌حد‌ لقوته ‌و‌ القادر الذى ‌لا‌ منتهى لقدرته.
 ‌و‌ هكذا عاش التضرع بين يديه ‌و‌ الخشوع الذى ‌لا‌ يرفع البصر الى الاعلى بل يخفضه الى الارض، ‌و‌ بدا عمليه الاعتراف باسراره التى يعلمها بواسع علمه، ‌و‌ انطلق ‌فى‌ استحضار كل تاريخه ‌فى‌ الخطايا ليعدد ذنوبه واحدا واحدا، ‌و‌ اطلق صيحه الاستغاثه عند كل هذا التاريخ الاسود الذى يحمل ‌فى‌ داخله الكثير ‌من‌ الفضائح المخزيه التى تجعله وجها لو جه امام خالقه الذى يملك الحكم الصارم عليه، اذا شاء له العقوبه، على تلك الخطايا التى تبقى نتائجها ‌فى‌ عقاب الاخره ‌فى‌ الوقت الذى لم يبق ‌من‌ لذاتها شى ء، لانها تمثل احساس اللحظه التى تذوب ‌و‌ تتبخر احاسيسها بسرعه، مما يجعل الانسان الواعى ‌و‌ اعيا ‌لا‌ مثالها ‌فى‌ المستقبل، فلا ينطلق ‌فى‌ عمل خاص ‌او‌ عام انطلاقا ‌من‌ شهوه ‌او‌ لذه جامحه مما تكون نتائجه سيئه على مستوى المستقبل، بحيث يكون ‌ما‌ حصل له ‌من‌ السرور ‌او‌ اللذه ‌لا‌ قيمه له امام احزان النتائج ‌و‌ مشاكلها ‌و‌ تبعاتها ‌فى‌ مصيره ‌فى‌ الحياه، ‌و‌ هكذا يوحى هذا الدعاء بان على الانسان ‌ان‌ يوازن دائما ‌فى‌ حساباته الايجابيه ‌و‌ السلبيه بين ربح الحاضر ‌و‌ خساره المستقبل، فلا يسقط المستقبل امام الاحساسات السريعه للواقع الحاضر. ‌و‌ هذا ‌ما‌ ينبغى للانسان ‌ان‌ يتابعه ‌فى‌ سلوكه العملى مع الله عندما تدفعه وساوس الشيطان لتزين له المعصيه، ‌و‌ تثير فيه الغريزه، ‌و‌ تحسن له القبيح، ‌و‌ تطرد عن خاطره مخاوف النتائج، ‌او‌ تهونها عليه، ‌او‌ تبعد عنه الشعور بمقام ربه حتى توقعه ‌فى‌ الغفله المطبقه، ‌و‌ الغيبوبه الساهيه، فيسرع الى الخطيئه، ‌و‌ يستهين بالحذر، ‌و‌ يقع ‌فى‌ المحذور، ثم يبدا- بعد ذلك- يندب حظه عند ‌ما‌ يواجه السلبيات القاتله ‌فى‌ حياته.
 ثم يوكد الانسان لنفسه، ‌ان‌ لله الحق ‌فى‌ عقاب العصاه ‌من‌ عباده على اساس عدله، لانه اقام الحجه عليهم ‌فى‌ ‌ما‌ امرهم ‌به‌ ‌او‌ نهاهم عنه، ‌و‌ بين لهم العقاب على المعصيه، ‌و‌ الثواب على الطاعه، ‌فى‌ الوقت الذى كانت عقولهم تفرض عليهم الخضوع له ‌فى‌ كل شى ء، ‌من‌ موقع انه المالك لهم ‌فى‌ خلقه لهم، ‌و‌ المنعم عليهم ‌فى‌ وجودهم، ‌و‌ ‌فى‌ كل تفاصيله الصغيره ‌و‌ الكبيره، الامر الذى يودى الى ‌ان‌ يشكروه على ذلك كله، ‌و‌ يشعروا بان عبادتهم له هى ‌سر‌ انسانيتهم ‌فى‌ خصائصها الفطريه المنفتحه على كل حركه المسووليه ‌فى‌ الحياه.
 ‌و‌ يوكد لها- ‌فى‌ الوقت نفسه- ‌ان‌ عفوه عن عباده ليس ‌هو‌ الشى ء العظيم الخارج عن طبيعه الصفات الحسنى لله، فهو الرب الكريم الذى ‌لا‌ يضيق كرمه عن احد، ‌و‌ ‌لا‌ تتعاظمه المغفره لكل الذنوب، مهما كانت عظيمه، لان امتداد كرمه، وسعه رحمته، ‌و‌ انفتاح لطفه، يحتوى الذنوب كلها، فلا يبقى لها لديه ‌اى‌ اثر سيى ء، لان العقاب عنده ليس حاله ‌من‌ شوون الذات التى قد تستعظم الاساءه فلا تجد مجالا للتهوين منها ‌او‌ تخفيفها، بل ‌هو‌ حكمه ‌فى‌ تقريره كما يكون حكمه ‌فى‌ ازالته ‌و‌ العفو عنه.
 ثم يلتفت الانسان المومن المذنب الى ‌ان‌ الله اذن لعبده ‌فى‌ الدعاء ‌فى‌ ‌ما‌ يهمه ‌من‌ امر دنياه ‌و‌ آخرته، بل امره بذلك ‌و‌ وعده الاجابه، لانه اراد له ‌ان‌ يتعلم كيف يتحدث مع ربه حديث العبد المنفتح عليه، المحب له، الخائف منه، الراجى له ‌فى‌ قضاياه الخاصه ‌و‌ العامه، ليجدد- ‌فى‌ نفسه- احساسه الدائم بحاجته الى ربه، ‌و‌ فقره اليه، الامر الذى يوكد العلاقه بينه ‌و‌ بينه، باعتبار ‌ان‌ الدعاء يمثل النجوى الدائمه مع الله، ‌و‌ العلاقه بين الدعاء ‌و‌ الاجابه تمثل الحوار المنفتح بين العبد ‌و‌ ربه، ‌و‌ هذا ‌ما‌ توكده الايه الكريمه:
 
 
(و قال ربكم ادعونى استجب لكم ‌ان‌ الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين) (غافر: 60) (فانى قريب اجيب دعوه الداع اذا دعان فليستجيبوا لى ‌و‌ ليومنوا ‌بى‌ لعلهم يرشدون) (البقره: 186).
 ‌و‌ ‌من‌ خلال هذا الجو، يقف هذا الانسان ليعلن لله اطاعته له ‌فى‌ الاستجابه لامره بالدعاء، فيكون الدعاء طاعه بالاضافه الى انه رغبه ‌و‌ حاجه، ‌و‌ يطالبه بالاجابه ‌من‌ خلال وعده له، ‌و‌ الله ‌لا‌ يخلف وعده.
 ‌و‌ هنا يتحرك الاسلوب الاستعطافى الايحائى ‌فى‌ وعى الانسان لموقفه ‌من‌ ربه ‌و‌ موقع ربه منه، فقد اقر له بكل ذنوبه ‌فى‌ شعور بالحاجه الى التخفف منها بالمغفره، لان هناك علاقه بين الاقرار الخاشع بالذنب ‌و‌ مغفره الله، ‌و‌ قد وضع نفسه لله ‌فى‌ موقع التواضع له ‌و‌ الانسحاق امامه ‌و‌ الذوبان بين يديه، ‌فى‌ شعور حى بان ذلك ‌هو‌ الوسيله الفضلى للارتفاع عن مصارع الذنوب التى تصرع ‌فى‌ الانسان احساسه بالطهاره ‌و‌ النقاء لتمرغه ‌فى‌ الوحول. ‌و‌ هذا ‌ما‌ يوكد الحقيقه الايمانيه ‌ان‌ الله يرتفع بالانسان عن كل ‌ما‌ يثقله فيسقطه اذا وقف العبد بين يديه ليرتفع اليه ‌من‌ موقع التواضع له، فان كل ضعه لاى شخص ‌لا‌ تتناسب مع العزه ‌و‌ الكرامه، ‌و‌ ‌لا‌ تنطلق ‌فى‌ ‌خط‌ الارتفاع بل تنزل الى ‌خط‌ الاتضاع، ‌و‌ لكن الامر يختلف عند ‌ما‌ تكون الضعه لله العظيم الاعلى الاكبر لانها تمثل حقيقه الانسان الذى ‌هو‌ عبدالله الذى يمثل الاخلاص ‌فى‌ العبوديه ‌سر‌ الحريه ‌فى‌ الحياه مع الاخرين.
 ‌و‌ ‌ها‌ ‌هو‌ يقف ‌من‌ جديد ‌و‌ الحياه مملوءه بالفضائح التى تثيرها الخطايا فتزكم الانوف ‌و‌ تنشر روائحها النتنه بين الناس، ليطلب منه ‌ان‌ يسترها بستره الجميل ثقه منه بذلك بعد ‌ان‌ عرف ‌من‌ كتاب الله ‌ان‌ الله ‌لا‌ ينتقم ‌من‌ عبده ‌فى‌ خطاياه لان رحمته وسعت غضبه.
 ‌و‌ هذا ‌هو‌ الفصل الاول ‌من‌ الدعاء الذى عاش فيه الانسان وعى نفسه ‌من‌ خلال وعى ذنوبه، ‌و‌ اكتشافه مقام ربه ‌و‌ موقعه ‌من‌ عباده ‌فى‌ صفات الرحمه ‌و‌ الكرم ‌و‌ العفو ‌و‌ المغفره.
 
و ‌فى‌ الفصل الثانى، دعاء ‌فى‌ تثبيت النيه على الطاعه، ‌و‌ ذلك بتعميقها ‌فى‌ النفس ‌و‌ تركيزها ‌فى‌ الفكر، لتتحرك الطاعه ‌من‌ وعى الايمان ‌فى‌ العقل على اساس القاعده الفكريه التى يصدر عنها الانسان ‌فى‌ اقواله ‌و‌ افعاله ‌و‌ علاقاته ‌فى‌ الخط المستقيم بشكل طبيعى، فلا يتكلف ذلك ‌من‌ نفسه، بل كل ‌ما‌ هناك ‌ان‌ يقف ‌ضد‌ نوازعه الذاتيه المضاده، ثم يعمل على تقويه بصيرته ‌فى‌ عباده الله ‌و‌ احكامها بحيث ‌لا‌ يتطرق اليها ‌اى‌ خلل ‌او‌ ضعف ‌او‌ فساد، مما يمكن ‌ان‌ يصرف عنها ‌او‌ يضعف الموقف امامها، ‌و‌ ‌فى‌ التوفيق للاعمال الصالحه التى تتفجر منها ينابيع الايمان ‌و‌ التقوى، فتغسل القلوب، ‌و‌ تطهر الارواح، ‌و‌ تحرك الجسد، نحو الطهاره، فتغسل كل رجس الخطيئه ‌من‌ الفكر ‌و‌ الروح ‌و‌ الجسد، لينطلق الانسان نقيا صافيا طاهرا ‌من‌ الخطايا ‌فى‌ ‌ما‌ يستقبل ‌من‌ شوون حياته، ‌و‌ ‌فى‌ التوفيق لان تكون وفاته- ‌فى‌ نهايه حياته- على مله الاسلام ‌و‌ نهج الرسول، حتى تكون خاتمه اموره خيرا، ليلقى ربه كما يحب ‌و‌ كما يحب الله ‌و‌ رسوله.
 ‌و‌ ‌فى‌ الفصل الثالث، يرتفع- ‌فى‌ الدعاء- نداء التوبه قويا حاسما شاملا لكل الذنوب الكبيره ‌و‌ الصغيره، الظاهره ‌و‌ الباطنه، الماضيه ‌و‌ الحاضره، ‌من‌ عمق الندم الصارخ الذى يستاصل الخطيئه ‌من‌ الذات فكره ‌و‌ حديثا ‌و‌ ضميرا، ‌و‌ يطردها ‌من‌ الواقع، تماما كما لو كانت شيئا غير موجود، فلا حديث مع النفس بها، ‌و‌ ‌لا‌ تفكير بالعوده اليها، ‌و‌ اذا كانت التوبه حقيقه ‌فى‌ الذات، فان قبولها يصبح وعدا ‌من‌ الله، ‌و‌ العفو عن الخطايا ينطلق التزاما منه، ‌و‌ يتحول التائب الى انسان محبوب لديه بعد ‌ان‌ كان مبغوضا عنده، فذلك ‌هو‌ قوله تعالى:
 (و ‌هو‌ الذى يقبل التوبه عن عباده ‌و‌ يعفو عن السيئات ‌و‌ يعلم ‌ما‌ تفعلون) (الشورى: 25) (ان الله يحب التوابين ‌و‌ يحب المتطهرين) (البقره: 222)
 ‌و‌ اذا كان قبول التوبه وعدا فلا ‌بد‌ ‌ان‌ يتحقق، ‌و‌ اذا كان العفو عن السيئات ضمانا، فلا ‌بد‌ ‌ان‌ يصدق، ‌و‌ اذا كانت المحبه شرطا فلا ‌بد‌ ‌ان‌ يحصل، ‌فى‌ مقابل شرط آخر يلتزمه المومن على نفسه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يعود ‌من‌ جديد الى ‌ما‌ يكرهه الله ‌و‌ يذمه منه، ‌و‌ عهدا ‌من‌ كل كيانه ‌ان‌ يهجر جميع معاصيه، لتكون المساله ‌فى‌ الدعاء ‌و‌ عدا ‌و‌ ضمانا ‌و‌ شرطا يقابله العبد بمثله ليوكد معنى التوبه ‌فى‌ نفسه.
 انه النداء الصارخ الذى ينطلق ‌من‌ ابتهالات روح، ‌و‌ نبضات قلب، ‌ان‌ يغفر الله له كل ‌ما‌ علمه ‌من‌ اعمال الانسان، ‌و‌ كلها ‌فى‌ علم الله، سواء منها ‌ما‌ كان حفظه ‌او‌ ‌ما‌ كان نسيه مما يتعلق بحق الله ‌او‌ بحق الناس، ‌و‌ ‌ان‌ يعوض الناس ‌ما‌ كان لهم، ‌و‌ ‌ان‌ يغفر له ‌ما‌ كان له، ‌و‌ يخفف عنه كل ثقلها، ‌و‌ يعصمه ‌من‌ مقارفه مثلها.
 ‌و‌ يمتد الدعاء الى القلق الذى قد يفترس الانسان ‌فى‌ مساله التوبه، فقد تضعف عزيمته ‌و‌ يفقد تماسكه، ‌و‌ ينهار موقفه، فيقترف خطيئه هنا، ‌و‌ ينحرف لحظه هناك، انطلاقا ‌من‌ غفله طارئه، ‌او‌ نزوه عابره، ‌و‌ يكون الموقف امام هذا القلق الطلب الى الله ‌ان‌ يعصمه ‌من‌ ذلك ‌و‌ ‌ان‌ يمنحه قوه ‌من‌ قوته، ‌و‌ عصمه ‌من‌ عصمته، ليكون ذلك ‌هو‌ الاساس ‌فى‌ الوفاء بعهده ‌و‌ شرطه. انه- ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ موقف الاخلاص ‌فى‌ التوبه- يريد لتوبته ‌ان‌ تكون التوبه الدائمه المستمره التى ‌لا‌ ذنب معها، فلا يحتاج بعدها الى توبه جديده، اذ ‌لا‌ يبقى ‌فى‌ حياته شى ء ‌من‌ سواد الماضى، ‌و‌ ‌لا‌ يكتب ‌فى‌ صفحتها المستقبليه شى ء ‌من‌ سواد المستقبل، لتكون توبه محفوفه بالسلامه ‌فى‌ ‌ما‌ بقى انطلاقا ‌من‌ العيش ‌فى‌ رحمه الله ‌و‌ ‌فى‌ ستر عافيته، تفضلا عليه ‌و‌ احسانا اليه.
 ‌و‌ اذا كانت التوبه شامله ‌فى‌ عناوينها العامه، فانها تتحرك لتقف مع كل ‌ما‌ خالف اراده الله ‌و‌ زال عن محبته، ‌فى‌ قول بعيد عن الحق ‌و‌ خطرات قلب بعيده عن التوازن، ‌و‌ لحظات عين قريبه ‌من‌ الخيانه، ‌و‌ حركه يد، ‌و‌ خطوات رجل، ‌و‌ شهوات جسد، ‌و‌ رعشات غريزه، لتكون التوبه التزاما عضويا يقف فيه كل عضو ‌من‌ داخل الجسد ‌و‌ ظاهره ليعلن التوبه، فيتمرد على صاحبه اذا اراد خيانه العهد ‌و‌ الانحراف عن الموقف.
 
و ‌فى‌ الفصل الرابع ابتهال ‌و‌ استرحام ‌و‌ حنين ‌و‌ لهفه ‌و‌ استعطاف ‌و‌ استشفاع بكرم الله ‌و‌ استدرار لعفوه، ‌و‌ استدعاء لتفضله ‌و‌ ستره، ‌و‌ استعاذه ‌من‌ عقوبته، ‌و‌ حديث مع الله حديث الذليل مع العزيز ليرحمه، ‌و‌ الفقير مع الغنى لينعشه، فالله ‌هو‌ الخفير بعزته ‌و‌ ‌لا‌ خفير غيره، ‌و‌ هو- وحده- الشفيع بفضله، ‌و‌ ‌لا‌ شفيع غيره، ‌و‌ ‌هو‌ الذى يمنح العبد الاحساس بالامان امام الخوف ‌من‌ النار، ‌و‌ ‌لا‌ امان الا ‌من‌ عنده.
 ‌و‌ يلتفت الدعاء الى ذات الانسان ليدرك انه ‌لا‌ يستحق استجابه دعائه بعد ‌ما‌ اسلف ‌من‌ الخطايا، فكيف يتجرا على النطق بكلمات الاستغفار، ‌و‌ هل ينسى ‌ما‌ تجرا ‌به‌ على ربه، لكنه يستدرك ‌ان‌ السماء ‌و‌ ‌ما‌ فيها قد تسمع صراخه، ‌و‌ ‌ان‌ الارض ‌و‌ ‌من‌ عليها قد تسمع دعاءه، فتعرف ندمه ‌و‌ توبته، فترحمه اشفاقا ورقه، بدعاء خالص، ‌و‌ شفاعه قريبه، مما يكون مقبولا ‌من‌ الله اكثر ‌من‌ دعائه ‌و‌ شفاعته، بحيث يتحقق له الفوز برضاه ‌و‌ النجاه ‌من‌ غضبه.
 ‌و‌ ينتهى المطاف ‌فى‌ الدعاء الى التاكيد الروحى اللسانى انه اندم النادمين ‌و‌ اشد التائبين توبه اذا كان الندم توبه، ‌و‌ انه اول المنيبين الى الله اذا كان الترك للمعصيه انابه، ‌و‌ انه ‌من‌ المستغفرين الذين تكون حياتهم كلها تجسيدا للاستغفار اذا كان الاستغفار حطه ‌من‌ الذنوب.
 ‌و‌ يصرخ العقل ‌و‌ القلب ‌و‌ اللسان ‌و‌ الكيان طلبا لقبول التوبه، ‌و‌ اجابه للدعاء، فان الله ‌هو‌ التواب على المذنبين، ‌و‌ الرحيم للخاطئين المنيبين اليه، العائدين الى رحاب رحمته ‌و‌ لطفه وجوده ‌و‌ كرمه.
 ‌و‌ بعد، فان هذا الدعاء يمثل ‌و‌ ثيقه فكريه روحيه حيه ‌فى‌ اساليب الابتهال، ‌و‌ ‌فى‌ العمق الداخلى الروحى للاحساس بالحاجه الى التصحيح العملى للاخطاء الانسانيه ‌و‌ الخطايا الدينيه، كما يمثل وثيقه تربويه ‌فى‌ رعايه الافكار ‌و‌ تربيه المشاعر، ‌و‌ تاكيد المواقف، ‌و‌ تاصيل الاراده، ‌و‌ توثيق العلاقه بالله ‌فى‌ حركه منفتحه على ابعادا التجربه المستقبله ‌من‌ الوقوع ‌فى‌ اخطاء التجربه الماضيه، حتى يتحول الانسان الى وعى متعدد الجوانب، منفتح الابعاد، على كل مسووليته امام الله. اللهم ‌يا‌ ‌من‌ ‌لا‌ يصفه نعت الواصفين، ‌و‌ ‌يا‌ ‌من‌ ‌لا‌ يجاوزه رجاء الراجين، ‌و‌ ‌يا‌ ‌من‌ ‌لا‌ يضيع لديه اجر المحسنين، ‌و‌ ‌يا‌ ‌من‌ ‌هو‌ منتهى خوف العابدين، ‌و‌ ‌يا‌ ‌من‌ ‌هو‌ غايه خشيه المتقين.
 

 مع الله ‌فى‌ صفاته:
 
 ‌يا‌ رب، مهما وصفك الواصفون فانهم ‌لا‌ يستطيعون ادراك حقيقه وصفك، لانهم المحدودون ‌فى‌ تصوراتهم ‌و‌ تجاربهم ‌و‌ ادراكهم، فكيف يملكون معرفه المطلق الذى ‌لا‌ ‌حد‌ له ‌و‌ ‌لا‌ نهايه ‌فى‌ اوصاف ذاته.
 
و مهما امتد الناس ‌فى‌ رجائهم للناس فانتقلوا ‌من‌ شخص الى شخص، ‌و‌ ‌من‌ رجاء الى رجاء ‌فى‌ حركه متنقله بين الدانى ‌و‌ العالى، ‌و‌ الكبير ‌و‌ الصغير، ‌و‌ الغنى ‌و‌ الاغنى، فان الناس يقفون عندك فلا يتجاوزون الرجاء فيك الى غيرك، لانه ‌لا‌ مرجو سواك، فانت غايه رجاء الراجين، فلا رجاء باحد غيرك الا ‌من‌ خلال رجائك، لانك القادر على كل شى ء، ‌و‌ الذى تقف كل حاجات الناس عنده، ‌و‌ تنفتح مشاكلهم على الحلول لديه، ‌و‌ يسقط كل بلاء امام قدرته، ‌و‌ هكذا وقف الناس جميعا امام الرجاء بك.
 
و مهما ضاع احسان المحسنين عند غيرك ممن ‌لا‌ يرى للاحسان قيمه عنده ‌من‌ خلال ‌ما‌ يغمط ‌من‌ حقوق الناس لديه، فانك- ‌يا‌ رب- وحدك الذى ‌لا‌ يضيع لديه احسان المحسنين، ‌و‌ قد جاء ‌فى‌ كتابك- سبحانك- قولك: (انى ‌لا‌ اضيع عمل عامل منكم ‌من‌ ذكر ‌او‌ انثى) (آل عمران: 195).
 ‌و‌ قلت: (هل جزاء الاحسان الا الاحسان) (الرحمن: 60).
 ‌فى‌ الوقت الذى يعرف الناس كلهم ‌ان‌ الناس ‌لا‌ يحسنون الا بمقدار ‌ما‌ قدمت اليهم ‌من‌ وسائل الاحسان ‌و‌ امكاناته، فاذا احسنوا فمنك كان احسانهم، فلا يستحقون عندك شيئا ‌من‌ الثواب ‌من‌ خلال ذاتيه العمل، ‌و‌ لكنك- ‌يا‌ رب- تفضلت على المحسنين منهم بما جعلته لهم ‌من‌ الثواب على احسانهم.
و مهما خاف الناس ‌من‌ الناس ‌او‌ ‌من‌ ‌اى‌ شى ء آخر ممن خلقت ‌و‌ مما خلقت، ‌من‌ خلال قدراتهم التى يملكون الضغط بها، ‌و‌ مواقع القوه التى يختزنونها ‌فى‌ وجودهم، فانك- ‌يا‌ رب- منتهى خوف عبادك الذين يعيشون معنى العبوديه ‌فى‌ نفوسهم ‌فى‌ احساس العبد امام سيده، المسيطر على كل وجودهم، الامر الذى يجعل الخوف منه فوق كل خوف، ‌و‌ الحذر ‌من‌ عقابه- عند معصيته- فوق كل حذر، ‌و‌ بذلك كنت منتهى خوف العابدين لان قوتك هى منتهى القوه.
 
اما المتقون الذين يعيشون حس التقوى خشيه ‌من‌ العقل ‌و‌ القلب، ‌و‌ يحركونها خطوه ‌فى‌ العمل، ‌فى‌ ‌ما‌ يرجون ‌من‌ ثوابك ‌و‌ يخافون ‌من‌ عقابك ‌و‌ يخشونه ‌من‌ غضبك، اما هولاء، فانهم ‌لا‌ يخشون احدا كخشيتهم منك، لانهم ‌لا‌ يعظمون احدا كتعظيمهم لك، مما يودى الى ‌ان‌ ينضبطوا معك اكثر ‌من‌ انضباطهم مع ‌اى‌ موجود سواك.
 اننى- ‌يا‌ رب- ‌من‌ خلال هذا الجو المغمور بالعظمه، المفتوح على كل الرغبه ‌فى‌ الاحسان، ‌و‌ الرهبه ‌من‌ العقاب، اقف ‌لا‌ نحنى بعقلى ‌و‌ ارادتى ‌و‌ حركتى ‌فى‌ الحياه، لاحصل على رضوانك، ‌و‌ ‌لا‌ تخفف ‌من‌ غضبك ‌و‌ سخطك، ‌و‌ ‌لا‌ وكد عبوديتى بالاعتراف بالذنوب ‌و‌ التوبه منها، ‌و‌ العوده اليك ‌فى‌ هذا الموقف العبودى الخاضع- ‌يا‌ رب العالمين-.
 
مقام الانسان الخاطى ء امام ربه:
 
 ‌يا‌ رب، انا الانسان الضائع ‌فى‌ ضياع انسانيته عن ‌خط‌ الاستقامه ‌فى‌ خطك، ‌و‌ الحائر الذى يتخبط بين طريق ‌و‌ طريق، فهذا طريق يشير اليه- بكل اغراءاته- ‌ان‌ يسير فيه ليجتذب حسه، ‌و‌ ليثير شهوته، ‌و‌ ذاك طريق ينفتح عليه، بكل زخارفه ‌و‌ جمالاته، ليبهر عينيه، ‌و‌ ليجلب قلبه، ‌و‌ ليثير احساسه، ‌و‌ يخاطب كل امانيه، ‌و‌ لكنه يبقى- ‌فى‌ القلق الذى ياكل قلبه، ‌و‌ الحيره التى تعذب نفسه- ‌لا‌ يعرف ماذا ياخذ ‌و‌ ماذا يرفض، فهو يتحرك فيهما، ‌فى‌ غياب عن الطريق الحق المستقيم الذى يحدد له البدايه ‌فى‌ اجواء المسووليه، ‌و‌ النهايه ‌فى‌ آفاق النتائج الطيبه الحلوه.
 انا الانسان الذى تحكمه نقاط ضعفه، فتستلب منه نقاط قوته، ‌و‌ تحركه غرائزه فتبعده عن عقله، ‌و‌ تثيره شهواته فتضعف ارادته، فيتقلب بين ذنب ياخذه مره ‌و‌ ذنب ياخذه اخرى، فحياته تنطلق بين ذنب ‌و‌ ذنب ‌فى‌ ساحه ‌لا‌ يجد فيها نفسه ‌و‌ ‌لا‌ يبصر فيها خطه.
 ‌و‌ انا الانسان الذى امسكت خطاياه بزمامه، فقادته الى غاياتها الخبيثه، فخضع لها خضوعا ‌لا‌ يملك معه ‌ان‌ يريد ‌او‌ ‌لا‌ يريد، فاصبح يسير وراء الخطايا التى تلهب حسه، ‌و‌ تثير غريزته، ‌و‌ تحرك اطماعه.
 اما الشيطان، هذا الذى حذرتنى منه- كانسان- ‌و‌ حدثتنى عنه انه اخرج آدم- الذى ‌هو‌ اب الانسان- ‌من‌ الجنه، ‌و‌ يريد ‌ان‌ يخرجنا منها فلا يدع لنا فرصه للدخول اليها، ‌و‌ قلت لنا انه عدو يريد ‌ان‌ يدعو حزبه ليكونوا ‌من‌ اصحاب السعير، ‌و‌ اردتنا ‌ان‌ نتعامل معه ‌فى‌ الحذر ‌و‌ عدم الطاعه ‌و‌ المجابهه، كما يتعامل الانسان مع عدوه، حتى ‌لا‌ يستغفلنا ‌فى‌ غفله ‌من‌ عقولنا، ليدفعنا الى ساحاته، ‌و‌ ليوجهنا ‌فى‌ خطواته الى مواقع غضبك ‌و‌ سخطك.
 اما هذا الشيطان، فقد سيطر علينا ‌و‌ استحوذ على عقولنا ‌و‌ قلوبنا، ‌و‌ اندفع بكل جنوده ‌و‌ كل وسائله ‌و‌ خدعه ‌و‌ امانيه ‌و‌ غروره ‌و‌ فتنته ‌و‌ خيله ‌و‌ رجله ‌و‌ جميع مكايده، ليزين لنا القبيح ‌و‌ يقبح لنا الحسن، ‌و‌ ليومننا ‌من‌ عقابك، ‌و‌ ليبعد عنا ثوابك، لنستغرق ‌فى‌ الدنيا فلا نفكر ‌فى‌ الاخره، ‌و‌ نسقط امام شهواتنا فنبتعد عن مسووليتنا ‌و‌ عن مواقع رضاك.
و هكذا كانت النتيجه ‌فى‌ حياه هذا الانسان، انه قصر ‌فى‌ امتثال اوامر ربه، وضيع حقه، ‌و‌ فرط ‌فى‌ مسووليته، ‌و‌ اقدم على ارتكاب المحرمات التى نهاه الله عن ارتكابها تغريرا بنفسه ‌من‌ خلال تعريضها لغضب الله الذى يمثل اعلى انواع الخطر ‌فى‌ قضيه المصير، تماما كما لو كان جاهلا بمقام ربه ‌و‌ مدى قدرته عليه، فلا يعجزه امره، فيدفعه جهله الى ‌ان‌ يستهين بطاعه ربه، ‌و‌ يتجرا على معصيته، كما لو لم تكن هناك ايه نتيجه سلبيه ‌فى‌ ذلك، ‌و‌ كما لو كان منكرا فضل احسانه اليه، فيتصرف تصرف الانسان الذى ‌لا‌ علاقه له بالله ‌فى‌ اغداق النعم عليه، فلا يجد حاجه روحيه اخلاقيه الى ‌ان‌ يقوم بالشكر لله ‌فى‌ نعمه بامتثال اوامره ‌و‌ نواهيه، مما يفرضه شكر النعمه عليه على هدى الحكمه الماثوره عن الامام على (ع) ‌فى‌ كلماته القصار ‌فى‌ نهج البلاغه قال:
 «لو لم يتوعد الله على معصيته لكان يجب الا يعصى شكرا لنعمه».
 
 موقف المسلم امام حجم معاصيه:
 
 ‌و‌ استمرت الغفله- معه- ‌يا‌ رب ‌و‌ جاءت الصدمه القويه مما يواجه الانسان ‌من‌ الصدمات التى تهز عمق وجدانه، ‌و‌ تفتح له الافاق الواسعه ‌فى‌ رحاب معرفه ربه، فتعيده الى ساحه الحقيقه، الى الواقع الذى يعيش فيه ‌فى‌ الوحول التى كان يخيل اليه فيها انها تمثل ينابيع الصفاء، باعتبار انها تمثل الوحل الروحى الذى قد يشتبه الامر فيه على الانسان كما لو كان صفاء ‌فى‌ الروح، فينفتح له البصر ‌فى‌ بصيرته ‌فى‌ آفاق الهدى، ‌و‌ يزول عنه كل حجاب يغشى البصيره فيبعث فيه نوعا ‌من‌ العمى الذى يعميه عن معرفه الكثير ‌من‌ حقائق النفس ‌و‌ الروح، ‌و‌ ‌من‌ مسووليه العبوديه الانسانيه تجاه الالوهيه العظيمه. ‌و‌ هكذا بدا يرى الامور- ‌فى‌ تاريخ حياته الماضيه، ‌و‌ ‌فى‌ واقعه الحاضر- رويا واضحه ‌لا‌ مجال فيها لاى شك، ‌و‌ لايه شبهه، ‌و‌ واجه الامر بكل قلق المسووليه، فليست القضيه قضيه خطا ‌من‌ اخطاء الحياه التى يمكن للانسان ‌ان‌ يمر بها بسرعه على قاعده ‌ان‌ الانسان مبنى على الخطا، بل هى قضيه ظلم النفس بتعريضها للهلاك الابدى، ‌و‌ مخالفه الله بالتمرد عليه، ‌و‌ الجراه على قدس ذاته، ‌و‌ هى معصيه كبرى تتحدى المصير، ‌و‌ مخالفه عظمى لاوامر الله ‌و‌ نواهيه، بحيث تتمثل فيها الجراه على الله، على ضوء الكلمه الماثوره: «لا تنظر الى صغر الخطيئه ‌و‌ لكن انظر الى ‌من‌ عصيت»، فان عظمه الولى الذى يجب ‌ان‌ يطاع هى التى تحدد حجم المعصيه. ‌و‌ هكذا وجد نفسه وجها لوجه امام الواقع الذى يمثل واقعه، فكانت خطته ‌ان‌ يغير ‌ما‌ بنفسه ليغير الواقع الصعب ‌من‌ خلال ذلك، ليعود- كما خلقه الله- انسانا فطريا وديعا عاملا للخير، ‌و‌ منفتحا على الرساله ‌من‌ قاعده الحق ‌و‌ العدل ‌و‌ الحريه ‌و‌ السلام المرتبط باراده الله.
 ‌و‌ طاطا راسه ‌فى‌ اقصى حالات الاحساس بالذل امام عزتك التى ‌لا‌ يقوم لها شى ء ‌فى‌ موقف تجسيد ذل الانسان الخاطى ء امام عزه الخالق العزيز.

 المسلم المذنب يستجير بالله ‌من‌ ذنوبه:
 
 ‌و‌ هكذا احس بخطوره موقفه امامك ‌فى‌ الدنيا، فهو الجاهل بقدرتك، المنكر فضلك، ‌و‌ عاش الخشيه ‌من‌ موقفه القادم ‌فى‌ الاخره، ‌و‌ ‌هو‌ بين يديك ‌فى‌ الاخره غدا عند ‌ما‌ يقوم الخلق لك، فيقف موقف المذنب الخائف ‌فى‌ مواجهته للسوال الصعب عن كل عمله. فاقبل نحوك- ‌يا‌ رب- ‌و‌ ‌فى‌ قلبه كل الامل بانك الرحمن الرحيم الذى ‌لا‌ يمنع ‌من‌ رحمته احدا ‌من‌ عباده ممن استرحمه، ‌و‌ ‌فى‌ وجهه كل الحياء على ‌ما‌ اسلف ‌من‌ اعمال الشر ‌و‌ مواقف العصيان، ‌و‌ اتجه اليك برغبته الصادقه على اساس الثقه بك بانك ‌لا‌ تخذل القاصدين اليك، الراغبين بما عندك، فقصدك ‌فى‌ رحاب جودك ‌و‌ كرمك، بكل ‌ما‌ ‌فى‌ عقله ‌و‌ روحه ‌من‌ الطمع بك ‌من‌ فيوضات لطفك ‌و‌ آلائك، ‌و‌ ‌هو‌ على يقين بانك سوف تستجيب لطمعه كما تستجيب لطمع كل عبادك القاصدين اليك، ‌و‌ اخلص لك ‌فى‌ ابتهالاته ‌و‌ توجهاته اخلاص ‌من‌ يتحرك الخوف ‌فى‌ قلبه ‌و‌ يسيطر على كيانه قاصدا الحصول على الامان منك، ‌فى‌ روحيه الانسان الموحد ‌فى‌ كل شى ء، فهو موحد ‌فى‌ طمعه فلا يطمع باحد غيرك، ليقينه بانك- وحدك- الغنى ‌فى‌ ملكك، الرحيم بخلقك، الكريم بعطائك، ‌و‌ ‌هو‌ موحد ‌فى‌ خوفه، فلا يخاف ‌من‌ احد سواك، فليس ‌فى‌ قلبه شى ء ‌من‌ الحذر الضاغط ‌من‌ المخلوقين، فانفتحت نفسه على كل الضراعه الروحيه بين يديك، ‌و‌ عاش الخشوع ‌فى‌ كيانه فلم يفتح عينيه ‌او‌ يرفعها الى السماء، بل اغمضهما ‌و‌ اخفضهما الى الارض ‌فى‌ حاله سكون خاشع، ‌و‌ تواضع ضارع، ‌و‌ بدات اسراره الخفيه ‌فى‌ سره الذاتى ‌فى‌ الاعلان عن نفسها لك، مما كان يخفيه عن المخلوقين ‌من‌ عبادك حذرا ‌من‌ نتائجه على حياته، ‌و‌ لكنك تعلم كل خفاياه، فانت المطلع على كل كيانه، فهو ‌لا‌ يكشف سرا ‌لا‌ تعلمه، ‌و‌ لكنه يتحدث اليك بها- ‌فى‌ اجواء الخضوع- ليدلل على انكساره امامك ‌و‌ انحناء ارادته بفعل تاثير الاسرار المخجله ‌فى‌ تاريخه الماضى، فيتخفف ‌فى‌ ذلك كله. ‌و‌ مضى يحصى ذنوبه واحدا واحدا بكل التفاصيل الدقيقه ‌فى‌ عمليه تعداد يستعيد بها كل ‌ما‌ اسلفه منها ليوبخ نفسه بذلك، ‌و‌ ليشهدك على انه الانسان الذى يسجل على نفسه الاعتراف بالذنب بعيدا عن ايه حاله كبرياء ‌او‌ تمرد، ‌و‌ ‌هو‌ العارف بانك اكثر احصاء لها منه لانك تعلم ‌ما‌ ‌لا‌ يعلمه ‌من‌ نفسه.
 ‌و‌ اطلق صيحه الاستغاثه ‌من‌ هول ‌ما‌ تذكر ‌من‌ وقائع الايام الماضيه ‌فى‌ عمره مما احطت ‌به‌ علما، مما يضعف موقفه امامك ‌و‌ يهلك مصيره يوم القيامه، ‌و‌ ‌من‌ قبيح الفضائح التى جرت عليه ‌فى‌ قضائك، ‌من‌ ذنوبه التى ولت ‌و‌ انقضت ‌فى‌ عالم اللذات، فلم يبق ‌من‌ لذاتها شى ء، ‌و‌ ‌من‌ شهوات محرمه لم يبق ‌من‌ حلاوتها شى ء، ‌و‌ لكن مسوولياتها ‌فى‌ حسابك، ‌و‌ تبعاتها ‌فى‌ عقابك، ‌لا‌ تزال تفرض نفسها على مصيره، ‌و‌ تضغط على كل مستقبله.
الله ‌هو‌ العادل العفو الغفور الرحيم:
 
 ‌و‌ الله امام هذا الموقف الخاشع الضارع المتضرع الذليل الخائف الطامع- يقف بين خطين:
 ‌خط‌ العدل الذى يحرك ميزانه ‌فى‌ صعيد الاعمال ليوازن- بدقه- بين المقدمات ‌و‌ النتائج ‌و‌ الاعمال السيئه ‌و‌ العقوبات الصارمه، ‌من‌ خلال اقامه الحجه على عباده ‌فى‌ ‌ما‌ انذرهم ‌من‌ عذابه ‌و‌ خوفهم ‌من‌ عقابه اذا انحرفوا عن الصراط المستقيم، ‌و‌ المنهج القويم، فليس لهم حجه على الله بل له الحجه عليهم ‌فى‌ كل شى ء.
 ‌و‌ ‌خط‌ العفو، الذى يفتح كل آفاقه للمذنبين الذين ينطلقون فيه ‌و‌ يتطلعون اليه ‌من‌ خلال الرحمه الالهيه التى وسعت كل شى ء، ‌و‌ جمدت غضبه عن التحرك نحو انزال العقاب بالمذنبين، ‌و‌ ‌من‌ خلال جوده الذى يعطى المغفره ‌و‌ العفو ‌من‌ دون مقابل، كما يعطى الرزق ‌من‌ دون مقابل، فكل الاشياء صغيره امامه، حتى لو كانت كبيره عندنا، ‌و‌ لذلك فان غفران الذنب العظيم ‌لا‌ يعظم على الله، انها الحقيقه الالهيه المنفتحه على عدله ‌من‌ جهه، ‌و‌ عفوه ‌من‌ جهه اخرى، تبعا لحكمته ‌و‌ ارادته.
الدعاء ‌هو‌ سلاح المومن وعدته:
 
 ‌يا‌ رب، انا هنا عبدك المذنب الواقف ابدا بين عدلك ‌و‌ عفوك، فقد جئتك ‌من‌ خلال الباب الذى فتحته لى باوسع ‌ما‌ انطلقت فيه رحمتك، ‌و‌ ‌هو‌ باب الدعاء الذى اردت لخلقك، بالامر تاره، ‌و‌ بالتحبب اخرى، ‌ان‌ يقدموا اليك فيه كل آمالهم ‌و‌ آلامهم، ‌و‌ كل قضاياهم ‌و‌ شوونهم، ‌فى‌ كل ‌ما‌ يثيرونه ‌فى‌ انفسهم ‌من‌ الرغبات ‌و‌ ‌ما‌ يخافونه ‌من‌ المشاكل، حتى انك فتحت لهم باب الحديث معك عن احاسيسهم ‌و‌ مشاعرهم ‌فى‌ وجدانهم الروحى ‌و‌ العاطفى، ليشعروا بانك حبيبهم الذى يفيضون معه ‌فى‌ النجوى، كما يفيض الحبيب ‌من‌ مشاعره القلبيه لحبيبه، ‌و‌ انك صديقهم الذى ياتمنونه على اسرارهم، ‌و‌ انك ربهم الذى يربى لهم كل حياتهم ‌فى‌ اجسادهم ‌و‌ ارواحهم، ‌و‌ سيدهم الذى يرجعون اليه ‌فى‌ كل امورهم، ‌و‌ انك كل شى ء ‌فى‌ حركه وجودهم، كما كنت انت السر الكامن وراء هذا الوجود.
 ‌و‌ حدثتهم- ‌فى‌ كتابك العزيز- عن قربك اليهم ‌و‌ الى كل همومهم ‌و‌ اهتماماتهم، ‌و‌ لست بعيدا عنها ‌و‌ عن استجابتك لهم ‌فى‌ ‌ما‌ يدعونك فيه ‌و‌ له، ‌و‌ اكدت ذلك ‌فى‌ اكثر ‌من‌ آيه، ‌و‌ عن ‌ان‌ هذه الاجابه ‌لا‌ تختلف ‌فى‌ مضمونها بين ‌ان‌ يكون ‌من‌ شوون الدنيا ‌فى‌ ‌ما‌ يحقق ‌من‌ شروط السلامه للحياه، ‌و‌ ‌من‌ شوون الاخره ‌فى‌ ‌ما‌ يودى اليه ‌من‌ النجاه ‌من‌ الهلاك.
 ‌و‌ لذلك رجعت اليك بعد رحله طويله ابتعدت فيها عنك، ‌و‌ اقبلت عليك بعد وقت طويل ‌من‌ الادبار عنك، ‌و‌ اخلصت اليك بعد تجربه طويله ‌من‌ الانحراف انحرفت فيها عنك، لامتثل امرك لى ‌و‌ لكل عبادك بالدعاء لك، ‌و‌ ‌لا‌ طلب منك تنجيز ‌و‌ عدك ‌فى‌ الاجابه.
فهل اجد لديك ‌ما‌ اوكد فيه كل الثقه بالحصول على ‌ما‌ اومله ‌من‌ النتائج الطيبه ‌من‌ عفوك ‌و‌ مغفرتك؟
 انى واثق ‌من‌ ذلك على اساس ثقتى بك، لانك الرب الذى ‌لا‌ يخلف وعده، اللهم هذا الاقرار الخاضع بالذنب، ‌و‌ الاعتراف الخاشع بالخطيئه، اقدمه اليك، ‌و‌ اضعه بين يديك، لتستقبلنى بالمغفره ‌و‌ تواجهنى بالعفو، لان هذا الاقرار لم ينطلق ‌من‌ حاله نفسيه ضاغطه على ‌من‌ موقع العقده، تماما كما ‌هم‌ المثقلون بالاسرار ‌و‌ الخطايا التى تضغط على صدورهم، فيشعرون بالحاجه الى التخفف منها كما يتخفف الانسان مما يثقله لاى شخص مهما كان نوعه، ‌و‌ لكنه ينطلق ‌من‌ اراده التاكيد على عبوديتى لك، ‌و‌ الخروج ‌من‌ سجن الخطيئه الى ساحه المغفره، ‌و‌ ‌من‌ مراره الخوف الى حلاوه الامن ‌و‌ الطمانينه.
 اللهم ارفعنى عن هذا الواقع الصعب الذى ‌او‌ قعتنى فيه الذنوب صريع غضبك، ‌و‌ دفعتنى الى مواقع الهلاك، فقد وضعت لك نفسى تذللا ‌و‌ تضرعا ‌و‌ خضوعا ‌لا‌ حصل ‌من‌ خلال ذلك على حبك ‌و‌ عطفك ‌و‌ حنانك ‌و‌ مغفرتك فارتفع الى رحاب قدسك.
 ‌و‌ استرنى بسترك الجميل ‌و‌ ‌لا‌ تفضحنى ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ ‌فى‌ الاخره على رووس الاشهاد ، ‌و‌ ‌لا‌ تحاسبنى على ‌ما‌ اسلفته ‌من‌ الذنوب، فهذا ‌هو‌ ‌ما‌ ‌او‌ مله منك بعد ‌ان‌ ترفقت بى، ‌و‌ تمهلت فامهلتنى، فلم تعجل لى الانتقام الذى استحقه على خطاياى، مما يوحى الى ‌ان‌ هناك فرصه للخروج ‌من‌ كل نتائج الذنب جمله ‌و‌ تفصيلا.
اللهم ‌و‌ فقنى ‌من‌ الاعمال لما تغسل ‌به‌ دنس الخطايا:
 
 ‌يا‌ رب، اذا كنت اريد البدايه ‌من‌ جديد ‌فى‌ الطريق الصحيح ‌لا‌ نفصل عن كل ماضى الخطيئه الى حاضر الطاعه ‌و‌ مستقبلها، ‌و‌ ‌لا‌ ستقبل طهاره الروح ‌فى‌ صفائها ‌و‌ نقائها تاركا خلفى قذاره الجسد ‌فى‌ شهواته ‌و‌ لذاته، فانى اريد ‌ان‌ تحقق لى ‌فى‌ نفسى ‌و‌ ‌فى‌ كل دوافعى ‌و‌ نياتى ‌و‌ مقاصدى ‌فى‌ الطاعه لك ‌و‌ الانفتاح عليك، الثبات ‌و‌ الدوام ‌و‌ الخلوص لك، فتتحول ‌فى‌ كيانى الى قوه حقيقيه مستقره، ‌و‌ مناعه قويه ‌ضد‌ التغير ‌و‌ الانحراف الى المعصيه ‌فى‌ الحالات الطارئه.
 ‌يا‌ رب، اجعلنى ممن يعبدك على بصيره ‌لا‌ كون واعيا ‌فى‌ عبادتى ‌و‌ عيا ترتبط فيه العقيده بالعمل، ‌و‌ ينفتح فيه الفكر على الاحساس، ‌و‌ تتكامل فيه الروح مع الجسد، فان العباده اذا انطلقت ‌من‌ بصيره عميقه ممتده ‌فى‌ كل الذات، فانها تتجذر ‌فى‌ الوجود، ‌و‌ تسمو ‌فى‌ الاعالى، ‌و‌ تمتد ‌فى‌ مدى العمر، اما اذا انطلقت ‌من‌ حاله تقليد ‌و‌ عاده ‌و‌ حركه ‌فى‌ اللاوعى، فانها تبقى ‌فى‌ السطح ‌من‌ الاحساس، ‌و‌ تنكمش ‌فى‌ الزوايا الضيقه، ‌و‌ تختصر العمر ‌فى‌ مدى اللحظه.
 اللهم وفقنى للاعمال النقيه الطاهره ‌فى‌ معناها الفكرى ‌و‌ الروحى، ‌و‌ ‌فى‌ تاثيراتها العمليه، ‌فى‌ ‌خط‌ التصحيح للذات، ‌و‌ التغيير للواقع، بحيث تطل- ‌فى‌ ايحاء اتها ‌و‌ موثراتها- على كل الخطايا، لتطردها ‌من‌ النفس، ‌و‌ تبعدها عن مواقع الحركه، فلا يبقى ‌من‌ آثارها- ‌فى‌ النفس- ‌اى‌ قذر ‌او‌ دنس، فاكون الطاهر ‌فى‌ الروح ‌و‌ القلب ‌و‌ الجسد ‌و‌ الخط ‌و‌ الحركه ‌و‌ الحياه، فان الاعمال الصالحه تمثل المطهر الذى يتطهر ‌به‌ المذنبون ‌من‌ ادناس الخطايا، لان العمل ‌هو‌ التجسيد الواقعى للتوبه، ‌و‌ ‌هو‌ المظهر الحى لصفاء الروح. اللهم اجعلنى ممن يلتزم ‌خط‌ رسالتك فلا ينحرف عنه الى غيره، ‌و‌ نهج رسولك، فلا يستبدل ‌به‌ ‌اى‌ نهج آخر، ‌و‌ افتح كل دروبى على الغايات التى تصلنى برضاك، حتى يكون عنوان حياتى كلها- ‌فى‌ مناهجى ‌و‌ شرائعى ‌و‌ اعمالى ‌و‌ اقوالى ‌و‌ علاقاتى ‌و‌ مواقعى ‌و‌ مواقفى- صوره لدينك الذى ارسلت ‌به‌ رسولك، فاتحرك مع مله الاسلام ‌و‌ مله رسولك ‌فى‌ حياتى كلها، فتكون وفاتى- ‌فى‌ نهايه عمرى- ‌فى‌ هذا الخط المستقيم ‌و‌ ‌فى‌ ساحه الصفاء ‌و‌ النقاء، حتى اعيش احلام النفس المطمئنه الراضيه المرضيه ‌فى‌ آخر لحظه ‌من‌ الحياه ‌فى‌ احلام الجنه.
اللهم انى اتوب اليك توبه ‌من‌ ‌لا‌ يحدث نفسه بمعصيه:
 
 ‌يا‌ رب، لقد علمتنا ‌فى‌ كتابك ‌ان‌ التوبه ليست مجرد كلمات ينطلق بها اللسان، ‌و‌ ‌لا‌ خواطر تطوف ‌فى‌ الفكر لحظه ثم تزول، ‌و‌ ليست حاله عامه ضبابيه ‌فى‌ ايحاءاتها ‌و‌ معانيها ‌و‌ آثارها ‌فى‌ النفس، لذلك، فانى ‌فى‌ اراده التوبه ‌فى‌ موقفى هذا، اريد للتوبه ‌ان‌ تكون احتجاجا للحاضر، ‌فى‌ الواقع الجديد الذى اتطلع اليه ‌فى‌ الطريق الى المستقبل، على كل الماضى، بحيث انفذ الى كل مفرداته السيئه، ‌و‌ الى جميع نوازعه الشريره، ‌و‌ انحرافاته الملتويه، ‌و‌ اوضاعه المجرمه، ‌و‌ احلامه الفاسقه، ‌و‌ شوونه اللاهيه، ‌و‌ خطواته العابثه، ‌فى‌ كبائرها المنفتحه ابوابها على نار جهنم، ‌و‌ ‌فى‌ صغائرها التى تلم بالناس بشكل اللفته ‌و‌ النظره ‌و‌ اللمسه ‌و‌ نحوها، ‌و‌ ‌فى‌ الداخل ‌من‌ بواطن الفكر ‌و‌ الشعور ‌و‌ العزيمه ‌من‌ الكبر ‌و‌ الحسد ‌و‌ العجب ‌و‌ الضغينه على المسلمين، ‌و‌ اراده الشر بهم، ‌و‌ العقائد الفاسده ‌و‌ المفاهيم المنحرفه، ‌و‌ الظنون السيئه، ‌و‌ العزمات الخبيثه، ‌و‌ ‌فى‌ الخارج ‌من‌ حركات الجسد ‌فى‌ كل افعال الانسان المحرمه التى تتصل بحياته ‌و‌ حياه الاخرين، ‌و‌ بعلاقته بالكون ‌و‌ ‌ما‌ فيه ‌من‌ الموجودات التى اراد الله للناس ‌ان‌ يحافظوا على حرمتها، بطريقه ‌و‌ باخرى.
 ‌و‌ اذا كان الماضى ‌من‌ الذنوب ‌هو‌ ‌ما‌ يثقل الضمير ‌فى‌ وعى الايمان، فان الحادث منها ‌فى‌ حاضر الانسان قد يترك تاثيراته بشكل فاعل، فيدفع الانسان المومن، ‌فى‌ ‌ما‌ يشبه الصدمه، الى الاراده الحاسمه الواعيه ‌من‌ اجل التخلص منه بقوه ‌و‌ بسرعه، حتى ‌لا‌ يكون حاجزا بين التوبه ‌و‌ المستقبل، ‌و‌ لهذا كانت التوبه التى اريدها لنفسى شامله لسوالف زلاتى ‌و‌ حوادثها.
 ‌و‌ اذا كان بعض الناس يمارس التوبه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ حاله اهتزاز نفسى ياخذه ذات اليمين ‌و‌ ذات الشمال، فقد تطوف المعصيه ‌فى‌ خيالات نفسه، ‌و‌ قد تتحرك الخطيئه ‌فى‌ نوازع حسه، ليفكر بان التوبه كما هى الخطيئه، حاله متحركه ‌فى‌ الذات، فيمكن ‌ان‌ يتوب اليوم ليعصى غدا، ‌و‌ يعصى اليوم ليتوب غدا، تماما كما لو كانت التوبه عملا جامدا ‌فى‌ موقعه، ‌و‌ ليس وجودا مستقرا ‌فى‌ كيانه.
 اذا كان بعض الناس يفكر- ‌فى‌ وعيه للتوبه- بهذه الطريقه، فانى ‌لا‌ افكر ‌فى‌ هذا الاتجاه، بل هى- لدى- فعل ايمان يبقى ‌فى‌ حركه تصحيح للانحراف، باعتبار ‌ان‌ الاستقامه هى الاصل فيه، ‌و‌ ‌فى‌ موقف تقويه للضعف، باعتبار ‌ان‌ القوه ‌فى‌ الاراده ‌و‌ الصبر على نوازع النفس ‌هو‌ معنى الجهاد الاكبر، ‌و‌ ‌فى‌ عمليه تجديد للموقف ‌و‌ للذات اذا استهلكها الزمن فابلى منها ‌ما‌ كان جديدا.
 ‌و‌ هذا ‌هو‌ الذى يجعلنى افكر- ‌فى‌ التوبه- ‌ان‌ ‌لا‌ احدث نفسى بايه معصيه ‌فى‌ ‌ما‌ استقبل ‌من‌ اعمالى ‌فى‌ ايام عمرى، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ اخطط لمشروع خطيئه جديده كعوده لما كنت عليه ‌فى‌ الماضى، فتكون كل برامجى ‌و‌ مشاريعى ‌و‌ خططى ‌فى‌ ‌خط‌ طاعه الله، ‌و‌ ‌فى‌ آفاق قدسه، ‌و‌ ‌فى‌ رحاب رضوانه، فاكون القريب اليه ‌فى‌ عقلى ‌و‌ قلبى ‌و‌ شعورى ‌و‌ حسى ‌و‌ جميع خطواتى ‌فى‌ الحياه، بحيث يكون هذا القرب ‌هو‌ الغايه المثلى ‌فى‌ وجودى كله ‌و‌ حركتى كلها، ‌و‌ ‌من‌ فكر ‌فى‌ القرب ‌من‌ الله فلن يفكر ابدا بما يبعده عنه.
يا رب، هذا عقلى التائب ‌و‌ روحى التائبه، ‌و‌ هذه حياتى كلها ‌فى‌ توبه خاضعه اليك، فتقبل هذه التوبه بقبول حسن، فهى كل دعائى ‌و‌ كل توجهى ‌و‌ قصدى اليك، فانك وعدت عبادك بذلك، ‌و‌ ضمنت لهم العفو عن السيئات، ‌و‌ شرطت لهم محبتك، فقد انزلت ‌فى‌ كتابك ‌فى‌ قولك تباركت ‌و‌ تعاليت: (و ‌هو‌ الذى يقبل التوبه عن عباده ‌و‌ يعفو عن السيئات ‌و‌ يعلم ‌ما‌ تفعلون) (الشورى: 25).
 ‌و‌ ‌فى‌ قولك: (ان الله يحب التوابين ‌و‌ يحب المتطهرين) (البقره: 222).
 ‌و‌ ‌ها‌ انا ذا ابتهل اليك ‌ان‌ تتقبل توبتى كما وعدت، ‌و‌ انت الذى ‌لا‌ يخلف وعده، ‌و‌ ‌ان‌ تعفو عن سيئاتى كما ضمنت، ‌و‌ انت الصادق ‌فى‌ ضمانك، ‌و‌ ‌ان‌ تمنحنى محبتك كما شرطت ذلك على نفسك، ‌و‌ انت الذى علم عباده الوفاء بالشرط لانه يمثل القيمه الكبرى، فكيف ‌لا‌ يثق عبادك بما اشترطته على ذاتك المقدسه.
 
اما انا، فانى اشترط على نفسى- ‌فى‌ نطاق هذا الطلب- ‌و‌ التزم على كيانى، ‌ان‌ ابقى على ‌خط‌ التوبه، فلا اعود لشى ء تكرهه ‌و‌ ‌لا‌ تحبه، ‌و‌ ‌لا‌ ارجع الى ‌ما‌ تذمه ‌و‌ ‌لا‌ تمدحه، ‌و‌ ‌ان‌ اهجر جميع معاصيك.
 

 اللهم اصرفنى بقدرتك الى ‌ما‌ احببت:
 
 ‌يا‌ رب، اننى عبدك الذى يختصر كل طلبه للمغفره بحيث يجمع كل ذنوبه التى يسالك غفرانها ‌فى‌ كلمه واحده، ‌لا‌ ضروره- معها- للدخول ‌فى‌ التفاصيل، لان حدودها تقف عندك ‌فى‌ علمك الذى ‌لا‌ ينسى، فانت اعلم منى بما عملت، فاغفر لى ‌ما‌ علمت، ففى ذلك الكفايه كل الكفايه، ‌و‌ وجهنى- بعد ذلك- ‌من‌ خلال قدرتك التى تضغط على العزيمه ‌و‌ الاراده ‌و‌ الحركه، الى ‌ما‌ احببته ‌من‌ ذلك كله، لاكون ‌فى‌ مواقع المتقين الصادقين المحسنين الذين يفكرون بالحق ‌و‌ يعملون للخير ‌و‌ يخططون لرضى الله.
 
اللهم اعصمنى ‌من‌ مقارفه الذنوب:
 
 اللهم، ‌ان‌ هناك ذنوبا تتصل بحقوق الناس التى تمثل الظلامات التى يطلب بها المظلوم الظالم، سواء اكان ذلك مما يتعلق باموالهم ‌ام‌ بانفسهم ‌ام‌ باعراضهم ‌ام‌ نحو ذلك، الامر الذى ‌لا‌ ‌بد‌ فيه ‌من‌ اداء الحق الى صاحبه ‌او‌ التسامح منه، ‌و‌ انى قد استطيع القيام بما يجب على ‌فى‌ ذلك كله، ‌و‌ قد ‌لا‌ استطيع القيام به، ‌و‌ ربما كنت حافظا لها ‌فى‌ ذاكرتى، ‌و‌ ربما كنت ناسيا لها، ‌و‌ ‌فى‌ هذه الحال ‌لا‌ مجال للتحلل ‌من‌ هذه الحقوق المنسيه، ‌و‌ سواء كانت التوبه مشروطه برد المظالم فلا تتحقق بدونه، ‌ام‌ لم تكن مشروطه ‌به‌ بل كان ذلك واجبا مستقلا بذاته، فانى اريد التحلل ‌من‌ ذلك كله ليكمل لى رضاك ‌فى‌ المواقع التى تحب لعبادك القيام بها، ‌و‌ انت العالم بذلك كله، مما قد حفظته ‌او‌ نسيته، فاسالك ‌ان‌ تعوض اصحابها عنها خيرا منها بما تشاء مما يكون عوضا عن حقوقهم، حتى اتحلل ‌من‌ ذلك بفضلك، فلا يبقى لهم على ‌حق‌ يوم القاك يوم القيامه ‌من‌ خلالهم، ‌و‌ ‌لا‌ يبقى على- ‌من‌ خلال عصيانى لامرك ‌فى‌ عدم ارتكاب امثالها- اثم تحاسبنى عليه هناك، ‌و‌ وفقنى للانضباط الشرعى ‌فى‌ امثال هذه الامور، ‌و‌ امنعنى ‌و‌ عطل قدرتى عن ممارسه ذلك عند ‌ما‌ يوسوس لى الشيطان القيام بها، ‌و‌ اجعل لى العصمه العاصمه ‌فى‌ مواجهتها.
اللهم ‌لا‌ وفاء لى بالتوبه الا بعصمتك:
 
 ‌يا‌ رب، ‌ان‌ لى نفسا بالسوء اماره، ‌و‌ الى الخطيئه مبادره، ‌و‌ بمعاصيك مولعه، ‌و‌ لسخطك متعرضه، ‌و‌ لذلك فاننى اخشى ‌ان‌ تغلبنى نفسى ‌او‌ يقودنى هواى الى عدم الوفاء بالتوبه التى اعطيت على نفسى عهدا على الالتزام بها فلا اعود الى المعصيه، ‌و‌ ‌لا‌ اترك الطاعه، فاسالك- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ ترزقنى العصمه التى تعصمنى عن نقض العهد الذى قطعته على نفسى لك، ‌و‌ توفقنى للحصول على المناعه للاصرار على الالتزامات الروحيه النفسيه المتصله بك، ‌و‌ هب لى القوه الكافيه التى تمكننى ‌من‌ الاستمساك ‌فى‌ الموقف ‌و‌ عدم الاهتزاز الفكرى ‌و‌ العملى ‌فى‌ ‌ما‌ ينافى ذلك، انك- وحدك- الذى تمنح عبادك العصمه التى يعتصمون بها ليكونوا الاوفياء لك، ‌و‌ تعطيهم القوه على الثبات على طاعتك عند ‌ما‌ تهاجمهم نقاط الضعف المتناثره ‌فى‌ الذات.
 ‌و‌ هذه الفقره ‌من‌ الدعاء توحى بان الانسان ‌هو‌ الذى ينبغى له ‌ان‌ يربى ‌فى‌ نفسه القوه على مقاومه الاغراءات الخادعه، ‌و‌ الاوضاع اللاهيه، ‌و‌ المشاعر اللاهبه، ‌و‌ الشهوات الجامحه، ‌من‌ خلال الاراده المومنه التقيه التى تواجه ذلك كله ‌من‌ خلال عمق الايمان ‌فى‌ النفس، ‌و‌ مراقبه الله ‌فى‌ العقل ‌و‌ القلب، فاذا تعرض الانسان للاهتزاز، ‌و‌ طافت ‌به‌ خيالات الشيطان ‌و‌ وساوسه، ‌و‌ خاف على نفسه ‌من‌ السقوط امام التجربه الصعبه، فعليه ‌ان‌ يستعين بالله على نفسه، ‌و‌ يستعدى قوته- سبحانه- على شيطانه، ليكتسب ‌من‌ ذلك قوه جديده، ‌و‌ يعيش روحا محلقه ‌فى‌ اعالى الامور متجاوزه عن سفاسفها، ليكون كل همه الارتفاع الى مواقع القرب ‌من‌ الله ‌فى‌ ساحه رضوانه. ‌و‌ هذا ‌هو‌ الذى يجعل الانسان ‌فى‌ احساساته الخفيه متضرعا الى الله ‌فى‌ اموره الدنيويه ‌فى‌ حاجاته فيها، ‌و‌ ‌فى‌ طاعته لله، ‌و‌ ‌فى‌ التزاماته فيها، ‌و‌ ‌فى‌ اموره الاخرويه ‌فى‌ الحصول على رضاه ‌و‌ جنته، فيشعر بالفقر اليه- دائما- ‌فى‌ كل شى ء.
اللهم اجعل توبتى توبه ‌لا‌ احتاج بعدها الى توبه:
 
 اللهم، ‌ان‌ هناك البعض ‌من‌ الناس المومنين الذين يلتزمون على انفسهم التوبه ‌من‌ الذنوب مخلصين ‌فى‌ ذلك، ‌و‌ لكن الشيطان قد يوسوس لهم فيغويهم، ‌و‌ يزين لهم القبيح ‌و‌ يقودهم الى المعاصى، فلا يملكون القوه على مواجهته، ‌و‌ القدره على التوازن امامه، فيسقطون ‌فى‌ التجربه معه، ‌و‌ يفسخون التزام التوبه ‌فى‌ نفوسهم، فيعودون الى الذنب بعد طول اجتناب، فلا تدخلنى- ‌يا‌ رب- ‌فى‌ التجربه الصعبه، ‌و‌ ‌لا‌ تسقطنى ‌فى‌ داخلها اذا ابتليتنى بها، ‌و‌ ‌لا‌ تجعلنى ممن يفسخ توبته ‌و‌ يعود ‌فى‌ ذنبه ‌و‌ خطيئته، ‌و‌ اجعل توبتى مستمره ‌فى‌ الوعى ‌و‌ الوجدان، ثابته ‌فى‌ النفس ‌و‌ الواقع، متحركه ‌فى‌ محو اللون الاسود عن كل الماضى بمحو السيئات بالعفو ‌و‌ المغفره، ‌و‌ ‌فى‌ السلامه ‌فى‌ ‌ما‌ بقى ‌من‌ العمر ‌من‌ خلال العناصر القويه الثابته ‌فى‌ عمق الايمان، ‌و‌ وعى الاراده، ‌و‌ ثبات الموقف، فان ذلك لن يكون الا بعونك ‌و‌ قوتك ‌و‌ ارادتك التى تخضع لها كل الاشياء ‌و‌ تنحنى امامها كل الامور.
اللهم انى اعتذر اليك ‌من‌ جهلى
 
 اللهم، انى كنت الجاهل بمعنى الالوهيه ‌فى‌ ذاتك، ‌فى‌ ‌ما‌ تفرضه على الخلق ‌من‌ ‌حق‌ العبوديه ‌فى‌ موقفهم ‌من‌ الا له الواحد الخالق المنعم الذى ‌هو‌ الغنى عنهم ‌و‌ ‌هم‌ الفقراء اليه، فكانت حياتى ‌فى‌ ‌خط‌ العصيان حركه جاهل ‌لا‌ يعرف- بوعى- نتائج غفلته عن مسوولياته، ‌و‌ انا الان اقف موقف المعتذر النادم على ‌ما‌ فرط منى، بعد ‌ان‌ انكشفت الحقائق لى بوضوح الرويا لكل مفرداتها الصغيره ‌و‌ الكبيره، ‌و‌ اتطلع الى رحمتك ‌و‌ كرمك ‌لا‌ طلب منك ‌ان‌ تهب لى سوء فعلى، فلا تحملنى نتائجه السيئه ‌من‌ سخطك ‌و‌ غضبك ‌و‌ حر نارك، ‌و‌ ذلك بالعفو عنى ‌و‌ المغفره لى ‌فى‌ ‌ما‌ اسلفت.
 لقد عودتنى- ‌يا‌ رب- العطف ‌و‌ الحنان الالهى، فضمنى الى احضان رحمتك ‌و‌ الى فناء كرمك امتنانا، ‌و‌ استرنى- ‌يا‌ رب- بستر عافيتك ‌من‌ البلاء ‌و‌ ‌من‌ العقاب، فانك انت المتفضل على عبادك بالستر عليهم، فلا تفضحهم على رووس الاشهاد ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره، ‌و‌ ‌لا‌ تظهر قبائح افعالهم ‌و‌ مخازى اوضاعهم.
 ‌و‌ قد جاء ‌فى‌ الحديث عن الامام جعفر الصادق (ع): «اذا تاب العبد توبه نصوحا احبه الله فستر عليه ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره، فقلت: ‌و‌ كيف يستر عليه؟ قال:
 ينسى ملكيه ‌ما‌ كتبا عليه ‌من‌ الذنوب، ‌و‌ يوحى الى جوارحه اكتمى عليه ذنوبه، ‌و‌ يوحى الى بقاع الارض اكتمى ‌ما‌ كان يعمل عليك ‌من‌ الذنوب، فيلقى الله حين يلقاه ‌و‌ ليس شى ء يشهد عليه بشى ء ‌من‌ الذنوب».
اللهم انى اتوب اليك ‌من‌ كل ‌ما‌ خالف ارادتك
 
 ‌يا‌ رب، ‌و‌ تبقى التوبه ‌فى‌ موقفى قضيه كل كيانى، حتى ‌فى‌ نبضات القلب ‌و‌ خفقاته ‌و‌ خطرات العقل ‌و‌ الفكر، مما يبتعد ‌فى‌ مشاعره ‌و‌ افكاره ‌و‌ ايحاءاته عن منهج الله ‌فى‌ القاعده الفكريه ‌و‌ الروحيه ‌و‌ الشعوريه، ‌و‌ ‌فى‌ لحظات العين الخائفه التى تتطلع الى ‌ما‌ حرم الله عليها، ‌و‌ ‌فى‌ حكايات اللسان التى تتناثر فيها الالفاظ المحرمه التى تثير الفتنه ‌و‌ الفسوق ‌و‌ الانحراف ‌و‌ تتجه الى تدمير القيم الروحيه ‌و‌ الاخلاقيه ‌و‌ الاجتماعيه، ‌و‌ تمتد المساله حتى تشمل كل عضو ‌من‌ اعضائى ‌فى‌ الدور الذى ‌او‌ كل اليه ‌فى‌ اداره حركه الحياه ‌فى‌ جسدى، مما يمكن ‌ان‌ يلتقى بالجانب الحلال تاره، ‌و‌ بالجانب الحرام اخرى، فللقلب توبته عن كل عاطفه منحرفه كما ‌فى‌ حب اعداء الله، ‌و‌ بغض اولياء الله، ‌و‌ للفكر توبته عن كل الخطوط الفكريه الكافره ‌و‌ المشركه ‌و‌ الضاله ‌و‌ المستكبره، ‌و‌ عن كل المناهج البعيده عن منهج الاسلام ‌فى‌ اداره المساله الفكريه ‌و‌ تحريكها، ‌و‌ للعين توبتها عن كل نظره خائنه ‌او‌ ساخره ‌او‌ عدوانيه، ‌و‌ للسان توبته عن كل كلام محرم، ‌و‌ لكل عضو توبته ‌من‌ كل دور محرم، ‌فى‌ لذات الجسد ‌و‌ شهواته ‌و‌ اطماعه ‌و‌ جرائمه ‌و‌ اوضاعه الشريره.
 ‌و‌ هذه هى التوبه التى اريد لنفسى ‌ان‌ تنطلق معها، ‌و‌ ترتفع اليها، فيتحول الداخل ‌فى‌ ذاتى ‌فى‌ العمق ‌و‌ السطح الى كيان داخلى اسلامى ‌لا‌ مجال الا للاسلام ‌فى‌ كل تاثيراته الذاتيه، ‌و‌ يتحول الخارج ‌فى‌ الكيان على مستوى الفعل ‌و‌ القول ‌و‌ العلاقه ‌و‌ الحركه ‌و‌ اللفته ‌و‌ النظره ‌و‌ اللمسه ‌و‌ الهمسه ‌و‌ غير ذلك الى كيان اسلامى منفتح على كل الواقع الاسلامى ‌فى‌ الحاضر ‌و‌ المستقبل.
 ‌و‌ هكذا تعيش الاعضاء السلامه ‌من‌ تبعه المعصيه ‌و‌ ثقل المسووليه، ‌و‌ الامن ‌من‌ آلام السطوه الالهيه ‌و‌ العقاب الربانى.
اللهم فارحم وحدتى بين يديك:
 
 ‌يا‌ رب، ‌ها‌ انذا الانسان الضعيف الوحيد، ‌فى‌ وحده الضعف امام امتداد عظمتك، فلا ناصر لى منك، ‌و‌ ‌لا‌ معين لى امامك، قلبى يخفق بشده، ‌و‌ يرتجف بالرعب خشيه منك، ‌و‌ اعضائى تتحرك ‌فى‌ اضطراب ‌و‌ اهتزاز ‌و‌ قلق هيبه لك، ‌من‌ انا- ‌يا‌ رب- ‌و‌ ‌ما‌ خطرى، ‌و‌ ‌ما‌ قيمتى، ‌و‌ ‌ما‌ ‌هو‌ قدر قوتى، فكيف املك الثبات ‌فى‌ موقفى امامك، كيف ‌و‌ انا الانسان المتمرد عليك ‌فى‌ معاصيه، المتجرى ء عليك ‌فى‌ سيئاته، المحارب لك ‌فى‌ جرائمه، ماذا افعل ‌و‌ انا السابح ‌فى‌ ‌و‌ حول الخزى ‌و‌ العار، ‌من‌ خلال ذنوبى التى يقف صاحبها معها موقف الخزى الروحى ‌و‌ العملى، فهل هناك ‌من‌ يدافع عنى ‌او‌ ينطق عنى ‌ان‌ انا سكت فلم اصرخ ‌و‌ لم اشتك ‌و‌ لم ادافع عن نفسى، ‌و‌ ‌ما‌ ‌هو‌ منطق الدفاع ‌ان‌ اردت ذلك، فانا ‌لا‌ املك ايه حجه على ‌ما‌ صدر عنى. ‌و‌ هل املك الشفاعه لنفسى، ‌لا‌ خلصها ‌من‌ نتائج اعمالها ‌فى‌ الدنيا، فان ‌من‌ يملك الشفاعه ‌هو‌ القريب ‌من‌ الله الذى يريد الله ‌ان‌ يمنحه الكرامه بالمغفره لبعض عباده ‌من‌ خلال شفاعته له، ‌و‌ كيف يكون البعيد عن الله بمعاصيه شفيعا لنفسه، فان شفعت فلست باهل الشفاعه، فكيف الخلاص، ليس هناك الا رحمتك، فارحم هذه الوحده الخائفه برعب، ‌و‌ هذا القلب الخافق بشده، ‌و‌ الاعضاء المضطربه بفعل الهيبه، ‌و‌ الواقع المغسول بالعار، ‌لا‌ حصل على الامن ‌و‌ السلام ‌و‌ النجاه ‌من‌ سخطك ‌و‌ عذابك ‌يا‌ رب العالمين.

 اللهم جللنى بسترك:
 
 ‌يا‌ رب، ‌من‌ لى ‌و‌ ‌من‌ يرحمنى ‌ان‌ لم ترحمنى، ‌و‌ ‌من‌ ‌هو‌ الشفيع الذى يشفع لى فيخلصنى ‌من‌ عقابك، ‌و‌ ‌من‌ ‌هو‌ الذى يملك العفو عن سيئاتى غيرك، ‌و‌ ‌من‌ الذى يمنحنى الفضل ‌و‌ الغنى ‌و‌ السعه سواك، ‌و‌ ‌من‌ الذى يجنبنى الفضيحه ‌من‌ خلال قبائح اعمالى، الا انت.
 انت العزيز- ‌يا‌ رب- ‌فى‌ موقع ربوبيتك، ‌و‌ انا الذليل ‌فى‌ موقع عبوديتى، فهل اطمع ‌ان‌ تعاملنى كما يعامل العزيز الذليل ‌فى‌ آفاق رحمته فيرحمنى، ‌و‌ انت الغنى- ‌يا‌ رب- ‌فى‌ موقع غناك، فهل اومل ‌ان‌ تنعشنى- ‌فى‌ حرمانى- بما ينعش ‌به‌ الغنى ‌فى‌ غناه العبد الفقير.
 انك اهل ذلك ‌يا‌ رب، ‌و‌ فوق ذلك، فانا ‌لا‌ اتصورك، مع عبادك المومنين الموحدين لك، الا رحيما كريما عزيزا لطيفا، ‌و‌ ‌لا‌ اعرف- ‌فى‌ هذا الجو- فيك صوره القاسى الشديد ‌فى‌ آفاق جبروتك، فهب لى حنان الصوره ‌فى‌ ايحاءاتها الايمانيه ‌فى‌ حياتى كلها، فحياتى كلها- ‌يا‌ رب- بين يديك ‌و‌ طوع ارادتك.
 

 اللهم ‌لا‌ شفيع لى اليك، فليشفع لى فضلك:
 
 ‌يا‌ رب، انا الخائف الذى تلا حقنى الذنوب لتقتلنى ‌فى‌ روحى ‌و‌ مصيرى، ‌و‌ تلقى ‌بى‌ ‌فى‌ نار جهنم، ‌و‌ انت الخفير الذين يحمى عباده ‌و‌ يجيرهم ‌و‌ يحرسهم ‌من‌ تاثيرها عليهم بعفوه ‌و‌ مغفرته، ‌و‌ ‌لا‌ خفير غيرك، لان كل هولاء ‌هم‌ عبادك الذين ‌لا‌ يملكون لانفسهم نفعا ‌و‌ ‌لا‌ ضرا ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره، فليكن عزك- ‌فى‌ قوته ‌و‌ غلبته ‌و‌ قهره- ‌هو‌ الذى يحرس مصيرى ‌من‌ الهلاك ‌و‌ روحى ‌من‌ السقوط ‌و‌ جسدى ‌من‌ النار، ‌و‌ انا المجرم الذى تطوقه جريمته بالسلاسل الثقيله ‌من‌ النار، ‌و‌ تحاصره ‌فى‌ دائره العذاب، ‌و‌ ‌لا‌ مفزع لى ‌و‌ ‌لا‌ مفر ‌من‌ ذلك، ‌و‌ انت الشفيع الذى يملك الشفاعه ‌فى‌ كل امرى، لان الامر كله ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره اليك، فليكن فضلك ‌هو‌ الشفيع لى، ‌و‌ انا- ‌يا‌ رب- الانسان الوجل الحائر الذى ‌لا‌ يعرف كيف المصير، ‌و‌ اين المفر ‌و‌ المقر، ‌و‌ ليس لى الا عفوك الذى يمنحنى الامان، ‌و‌ يبعث ‌فى‌ روحى الطمانينه، فليكن عفوك سبيل الامن لى لتكون ‌و‌ فادتى عليك ‌و‌ فاده الانسان الامن بعفوك.
 
يا رب، اننى- ‌فى‌ هذا الالحاح ‌و‌ الطلب الشديد للعفو، ‌و‌ الداله التى امارسها عليك- لم انطلق ‌من‌ شعورى بانى املك العناصر القويه التى تقربنى منك، لانى ‌لا‌ اعرف حجم نفسى ‌فى‌ موقفها منك، ‌او‌ انى اجهل سوء الاثر الذى احدثته اعمالى ‌فى‌ سخطك على، ‌او‌ انى نسيت افعالى الذميمه ‌و‌ جرائمى الكثيره التى اسلفتها ‌فى‌ ماضى حياتى، فتكون لى الجراه على ‌ان‌ اخاطبك بهذه الطريقه الملحاحه المدله عليك ‌فى‌ ‌ما‌ قصدت فيه اليك، لكن صراخى سوف يصعد الى السماء فتسمعه بمن فيها، ‌و‌ استغاثتى تنتشر ‌فى‌ الارض فتعيه بمن عليها، ‌فى‌ كل ‌ما‌ اظهره ‌من‌ الندم، ‌و‌ الجا فيه اليك ‌من‌ التوبه، مما يوحى لكل ‌من‌ يرانى ‌او‌ يسمعنى بالرقه ‌و‌ الرحمه ‌و‌ العطف، فيبادر الى الدعاء لى باستعطافك ‌و‌ استرحامك، لما يشاهده ‌او‌ يعرفه ‌من‌ سوء موقفى، ‌و‌ اختلال وضعى، فتسمع دعاءه لانه قريب اليك بما ‌لا‌ تسمع فيه دعائى، ‌و‌ تمنحه دور الشفيع ‌فى‌ موقف ‌لا‌ شفيع لى اليك، ‌و‌ هكذا تكون تلك هى الوسيله الوحيده التى انجو بها ‌من‌ غضبك، ‌و‌ افوز برضاك.
 
اللهم ‌ان‌ يكن الندم توبه اليك فانا اندم النادمين:
 
 لقد وعدت التائبين محبتك، ‌و‌ المنيبين رضوانك، ‌و‌ المستغفرين غفرانك ‌و‌ انا ‌فى‌ موقف الندم العميق الذى يعيش ‌فى‌ عمق كيانى فيهتز كل احساسه ‌فى‌ مثل الصدمه امام ذكريات الذنوب ‌فى‌ الماضى، فهل يكون الندم توبه لى؟
 ‌و‌ انا ‌فى‌ تجربه الترك لمعصيتك، حتى ‌لا‌ امارس شيئا ‌من‌ سخطك، ‌و‌ ‌لا‌ اترك شيئا ‌من‌ رضاك، ‌فى‌ عزيمه شديده ‌لا‌ ادع فيها شيئا ‌من‌ دينك مخافه احد ‌من‌ خلقك، فهل يكون هذا الترك لمعصيتك انابه؟
 ‌و‌ انا الانسان المذنب الذى يستغفر عقله ‌من‌ خطايا فكره، ‌و‌ قلبه ‌من‌ سيئات عاطفته، ‌و‌ جسده ‌من‌ سيئات عمله، ‌و‌ حياته ‌من‌ انحرافات اوضاعه، بحيث كانت كل جوارحه ‌و‌ جوانحه صيحه استغفار...- ‌يا‌ رب- اغفرلنا ذنوبنا فقد عصيناك ‌من‌ دون وعى لنتائج المعصيه، فهل املك حطه الذنوب عنى ‌فى‌ ذلك كله؟

 اللهم اقبل توبتى:
 
 اللهم اننى هنا تائب بكل عقلى ‌و‌ قلبى ‌و‌ جوارحى ‌و‌ مشاعرى ‌و‌ مشاريعى ‌و‌ خطواتى ‌و‌ علاقاتى مع الناس ‌و‌ مواقفى ‌فى‌ التاييد ‌او‌ الرفض، ‌و‌ مواقعى ‌فى‌ هذه الساحه ‌او‌ تلك، فكلماتى تنطق بالتوبه، ‌و‌ افعالى تتحرك ‌فى‌ ‌خط‌ التوبه، ‌و‌ احاسيسى تنبض بالتوبه... انها مشاعرى التى تدفعنى الى التوبه، ‌و‌ امرك الذى يدعونى اليها، ‌و‌ وعدك لى بالقبول، اوقفنى هذا الموقف، ‌و‌ قادنى الى هذه الساحه الطاهره الخاشعه ‌فى‌ ابتهالاتها ‌و‌ تاوهاتها ‌و‌ رغباتها ‌و‌ رهباتها، فاقبلنى فيمن تقبل ‌من‌ المذنبين التائبين، ‌و‌ ‌لا‌ تجعلنى اعود ‌من‌ حيث اتيت خائبا ‌من‌ عواطف رحمتك، فانك الرب التائب على عباده المذنبين، ‌لا‌ سيما اذا تابوا، ‌و‌ الرحيم بعباده الخاطئين المنيبين الراجعين اليه، المتطلعين الى تصحيح اخطائهم، ‌و‌ التخفف ‌من‌ خطاياهم، ‌و‌ العوده اليه بجسد طاهر ‌و‌ قلب سليم، حتى اعيش ‌فى‌ نعيم رضاك.
 
اللهم صل على محمد ‌و‌ آله:
 
 ‌يا‌ رب، لقد ارسلت الينا رسولا هاديا فهدانا الى دينك ‌و‌ الى معرفتك، ‌و‌ بعثت الينا نبيا منقذا فانقذنا ‌من‌ حيره الضلال الى طمانينه الهدى، فهو الهادى ‌و‌ ‌هو‌ المنقذ، ‌و‌ انا- هنا- اطلب اليك ‌و‌ ادعوك ‌ان‌ تصلى عليه ‌و‌ على آله، فترتفع بدرجته الى اعلى عليين، كما تمنحنا ثواب هذه الصلاه فتشفع لنا يوم القيامه اذا افتقر الناس للرحمه ‌و‌ المغفره ‌و‌ اللطف العظيم، اننا نطلب ‌و‌ نطلب ‌و‌ نطلب، ‌و‌ ‌لا‌ تنتهى طلباتنا لانك قادر على كل شى ء، ‌و‌ كل ‌ما‌ نريده فهو عليك سهل يسير، فلا يضيق عنك سوال احد، ‌و‌ ‌لا‌ تعجز عن اجابه ‌اى‌ عبد ‌من‌ عبادك ‌فى‌ كل شى ء.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

دعاوه فى الصلاه على حمله العرش و كل ملك مقرب
دعاوه فى الالحاح على الله تعالى
دعاوه فى یوم الاضحى و یوم الجمعه
دعاوه اذا استقال من ذنوبه
دعاء دخول شهر رمضان
دعاوه عند الصباح و المساء
دعاوه فى طلب العفو و الرحمه
دعاوه لنفسه و اهل ولایته
و كان من دعائه (علیه السلام) بعد الفراغ من صلاه ...
دعاوه عند الشده و الجهد و تعسر الامور

بیشترین بازدید این مجموعه


 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^