و كان من دعائه (عليه السلام) اذا ابتلى او راى مبتلى بفضيحه او ذنب
الانسان بين يدى ذنوبه:
فى هذا الدعاء حديث- مع الله- حول الاجواء التى يعيشها المذنبون فى فضائحهم الفاحشه فيما ارتكبوه من الفواحش العمليه، و فى افعالهم المعيبه التى مارسوها، و فى مساوئهم التى استتروا بها، مما يمثل المواقف المتمرده من ساحات غضبه، و يبتعد بهم عن حاله الاخلاص فى العبوديه، و يقترب بهم من الخضوع للوساوس الشيطانيه، فيخرجون عن طاعه الله الى طاعه الشيطان، و ينطلقون الى ولايه الطاغوت بدلا من ولايه الله.
و هم- فى هذا الموقف- يعرفون فى وجدانهم الايمانى قدره الله المطلع على السرائر، على ان يكشف كل شى ء و ان يفضح كل مذنب، و لكنه سبحانه، اعطاهم ستره و عافيته من الفضيحه، بعد علمه و خبره بما كسبته ايديهم و اخفته ضمائرهم، فحمدوه على ذلك كله، بعد اعترافهم باقتراف العائبه، و ارتكاب الفاحشه، و ممارسه السيئات، فقد ارتكبوا نواهيه، و خالفوا اوامره، و تعدوا حدوده، و اكتسبوا السيئات و ارتكبوا الخطايا، و غير ذلك مما كان فى علم الله، فكانت العافيه بدلا من البلاء، و الستر بدل الفضيحه، فلم ير الناس منهم شيئا من ذلك، و لم يسمعوا كلمه منه.
و هكذا عاشوا اللطف الالهى فى ارواحهم، و العنايه الربانيه فى حياتهم، فتوجهوا الى الله ان يجعل فى ذلك موعظه لهم من خلال شكرهم لربهم على ما اولاهم من نعمه الستر، و انفتاحهم على رحمته التى تفتح لهم ابواب الخير كلها ليحصلوا على سعاده الدنيا و الاخره، و ليخلدوا فى آفاق الرضوان، و ينعموا فى نعيم الجنان، فيعرفوا ان ما ارتكبوه من الخطايا و تمرغوا فى و حوله من الفضائح، لم يحقق لهم شيئا من الرضى، بل تحول الى عقده و تانيب ضمير، و لن يحمل لهم، فى المستقبل، الا الخساره و الخذلان، فهو يمثل لذه لحظه و انفعال ساعه مما لا قيمه له امام اللذه الخالده و السعاده الدائمه.
و لذلك فقد كان هذا الوعى الروحى الجديد، صدمه للحاله المعقده التى دفعتهم الى ارتكاب الذنب، و للشخصيه الضائعه التى ضلت طريقها فى متاهات الضياع.
فانطلقوا الى ربهم متضرعين مبتهلين ان يبدل الواقع السيى ء الى واقع حسن، و ان يسعى بهم الى التوبه التى تمحو الذنوب كلها، و ان يهديهم الى الطريق المحموده فى اتجاه الحق و الخير فى الحياه، و ان يجعلهم منفتحين على وعى الايمان من خلال انفتاحهم على وعى مضمون الربوبيه فى آفاق التوحيد، فلا يسقطون تحت تاثير الغفله، و لا يبتعدون عن اجواء التوبه، و تبقى لهم فى نهايه المطاف الخطوط المستقيمه مع القياده الشرعيه و الحكيمه مع النبى محمد (ص) و اهل بيته، صلوات الله و سلامه عليهم اجمعين.
اللهم لك الحمد على سترك بعد علمك، و معافاتك بعد خبرك، فكلنا قد افترف العائبه فلم تشهره، و ارتكب الفاحشه فلم تفضحه، و تستر بالمساوى فلم تدلل عليه، كم نهى لك قد آتيناه، و امر قد وقفتنا عليه فتعديناه، و سيئه اكتسبناها و خطيئه ارتكبناها كنت المطلع عليها دون الناظرين، و القادر على اعلانها فوق القادرين، كانت عافيتك لنا حجابا دون ابصارهم، وردما دون اسماعهم.
اللهم لك الحمد على سترك بعد علمك:
يا رب، لك الحمد فى كل وقت، لان وجودنا بكل تفاصيله يحرك ايحاءات الحمد فى وجداننا الايمانى، فهو ينطق فى نبضاته بحمدك، و لكننا قد نتوقف فى بعض محطات العمر امام قضيه حيويه تهز اعماقنا، و تلهب مشاعرنا، و توجه كل تطلعاتنا اليك، و تملاء قلوبنا بفيض الحب لك، لانها من القضايا التى تمثل الحد الفاصل بين العافيه و البلاء و الستر و الفضيحه، فى الموقع الذى لا نملك فيه استحقاق العافيه، و لا عطيه الستر، فنقف بين يديك فى حمد عميق منفتح على كل صفات الحمد عندك، خاشع فى وحى ابتهالاته، خاضع فى معنى دعواته، ساجد بكل انفعالاته، فهو الحمد الذى ينفتح فيه العقل على القلب و ينبض فيه الاحساس فى عمق الواقع.
لك الحمد ان سترتنا بعد ان علمت- و انت العالم بخفايا خلقك- بكل ما ارتكبناه من السيئات فلم تشهر بنا على رووس الخلائق.
و لك الحمد على عافيتك بعد ان خبرت كل حركاتنا فى افعالنا، و انت الخبير المطلع على شوون عبادك ما ظهر منها و ما بطن، فلم تنزل علينا الفضيحه فى اوساط الناس بما خبرت، و لم يمتد بنا البلاء فى انحرافنا عن خطك المستقيم، فانك بلطفك و بمواقع الحمد فى ذاتك سترت علينا، فلم تفضحنا و لم تدلل علينا عيون عبادك من الاخرين الذين قد يضغطون علينا من خلال اطلاعهم على سلوكنا المنحرف فى الفواحش التى ارتكبناها، و فى المساوى ء التى تخبطنا فيها، و قد يسيئون الينا فى علاقتهم بنا، و هكذا كانت عافيتك لنا فى كل ما احاط بنا من الالطاف الالهيه بمثابه الحجاب الذى يحجب الاخرين عن الرويا، و الحاجز الذى يحجزهم عن السماع، بالرغم من ارتكابنا لما نهيت عنه، و مخالفتنا لما امرت به، و امتدادنا فى دروب الخطايا و اطلاعك على ذلك و قدرتك على اعلانها على رووس الاشهاد، فلم تعاقبنا على ذلك، و لم تسقطنا فى اعين الناس.
اللهم اجعل ما سترت واعظا لنا:
يا رب، اننا نقف الان امام هذه الانحرافات العمليه التى انحرفنا بها عن صراطك المستقيم، و انحرفت بنا عن نهجك القويم، مع سترك الجميل علينا وصفحك الكريم عنا، و اخفائك ما اخفيته من عيوبنا و عوراتنا، فناخذ منها الموعظه لما نستقبله من عمرنا فى اعمالنا و اقوالنا، و ما يتصل بحياتنا من مواقعنا و اوضاعنا و علاقاتنا، لنصلح ذلك كله، فلا نفكر ان نمارس الخطيئه فى شى ء من ذلك و نزجر نفوسنا عن الانفتاح على مساوى ء الاخلاق التى تبتعد بنا عن المنهج القويم الذى وضعته لنا، و البرنامج الحكيم الذى شرعته لنا فى السلوك العميق للاخلاق التى نتمثلها فى حياتنا الخاصه مع انفسنا، و فى حياتنا العامه مع الناس و الحياه، و نطرد- بذلك- من ساحتنا كل مواقع الخطايا التى توقعنا فى ساحات غضبك.
و ننفتح، فى و عينا لا لطافك و فيوضات رحمتك، و سبحات قدسك، و عطايا جودك و كرمك، على آفاق التوبه، للوصول من خلالها الى ساحات الرضوان فى عفوك و مغفرتك، فلا يبقى من ذنوبنا شى ء فى اى شان من شووننا، لان التوبه تمحو الحوبه و تطرد الخطيئه، و ننطلق- بعدها- الى الطريق الخيره التى تنفتح بنا على كل حمد، و تشرف بنا على كل صلاح و اصلاح، فنعود- كما اردتنا- خيرين صالحين مصلحين.
اننا نبتهل اليك- يا ربنا- ان توفقنا لاستلهام العبره من كل ماضينا فى كل خطايانا، و استيحاء التغيير لانفسنا فى كل آفاق محبتك، ليكون لطفك و رحمتك بنا درسا نتعلمه فى القرب الى مواقع رضاك، و البعد عن مجالات سخطك، و الطاعه لك، و التمرد على الشيطان، اجعلنا يا رب من الذاكرين الواعين الخائفين مقامك، و لا تجعلنا من الغافلين البعيدين عنك.
اننا يا رب- هنا- لنعلن لك اننا الراغبون فى الحصول على ثوابك و الهاربون من عقابك، و التائبون من كل خطايانا، فاهدنا للوصول الى تلك الغايه و الحصول على رضاك،
و اجعلنا- يا رب- ممن يوالى اولياءك بالطاعه لهم و السير على نهجهم، و يعادى اعداءك بالمعصيه لهم و الابتعاد عن طريقهم، و افتح لنا بابا من الولايه الروحيه و العمليه لنبيك محمد (ص) الذى جعلت طاعته طاعه لك و اتباعه دليلا على محبتك، و لا له الطاهرين السائرين على نهجه و هداه.