دعاوه فى الاعتذار من تبعات العباد من التقصير فى حقوقهم و فى فكاك رقبته من النار
مفاهيم الدعاء:
قد تتحرك المسووليه- فى الحياه العامه و الخاصه- للانسان فى السلوك السلبى الذى يتضمن ظلما لانسان او اعتداء عليه او اساءه له، او اسقاطا لحقه او تعطيلا لمصالحه، او ايقاعا له فى الضرر، او اذلالا له و انتقاصا لعزته و كرامته، او تحديدا لحريته او اكلا لماله، او عدوانا على عرضه، و غير ذلك مما يتصل بالتاثيرات المضاده للانسان فى حركته فى الحياه مع الاخر...
و قد رفض الله ذلك كله و اعتبره عصيانا و تمردا عليه، و انحرافا عن خطه المستقيم، و سببا فى غضبه و سخطه و عذابه.
و قد تنطلق المسووليه- فى الاتجاه نفسه- فى السلوك السلبى المقابل الذى قد يترك تاثيراته السلبيه على حياه الانسان الاخر، باعتبار ان المشكله قد تحدث من موقف اللامبالاه و السلبيه فى القضايا الحيويه المتعلقه بالواقع الانسانى، و هذا هو الذى يفرض على الانسان ان يدرس سلبياته العمليه و الحركيه فى مستوى الموقف و الاحساس و الشعور فى مدى التاثيرات السيئه على الحياه العامه و الخاصه للانسان.
لا حياد بين الحق و الباطل:
و قد عالج الدعاء هذه القضيه، فقد انطلق فى التعبير الايمانى فى الاعتذار لله من التقصير فى حقوق الناس، و ذلك كما فى الموقف الحيادى بين الظالم و المظلوم فى موقف الظلم الذى يفرضه الظالم على الانسان الضعيف، فلا يحرك ذلك اى موقف مضاد او ايه حركه مضاده ضد الظالم او ايه مواجهه له من اجل نصره المظلوم و تخليصه من بين يديه، الامر الذى يوحى بان الله لا يريد للانسان ان يقف موقف اللامبالاه امام قضيه الظلم فى الواقع، لان مسووليته ان يمنع الظلم من نفسه ضد الاخرين، و من الاخرين ضد بعضهم البعض، فلا يكفى فى انسجامه مع الخط المستقيم ان يكون انسانا عادلا مع الناس، بل لابد له من ان يحمل العداله رساله حره فى مواجهته للواقع الانسانى العام و الخاص فى قضايا العدل و الظلم.
و لذلك فقد اوحى الدعاء بان الموقف السلبى فى عدم نصره المظلوم ضد ظالمه مع حضوره و قدرته على المنع، هو خطيئه دينيه لابد للانسان ان يعتذر منها امام الله، كما يعتذر من موقف الظلم الصادر منه.
و لعل الاساس فى ذلك هو ان الموقف السلبى من الظلم، قد لا يكون نصره ايجابيه للظالم، و لكنه يمثل نصره سلبيه له، باعتبار انه يمثل خذلانا للمظلوم و اضعافا للقوه الانسانيه الاحتياطيه له، و بذلك تتحرك القوه المضاده للظالم بكل حريه لتقمع حريه المظلوم و كرامته و انسانيته من دون اى ردع من قبل القوه العامه للناس، و هذا هو الذى جاءت به الاحاديث الماثوره التى تحدثت عن النتائج السلبيه لترك الامر بالمعروف و النهى عن المنكر فى واقع هولاء الناس السلبيين، و ذلك فى الحديث الماثور: «لتامرن بالمعروف و لتنهن عن المنكر او ليسلطن الله شراركم على خياركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم». و قد عبر الامام على (ع) عن بعض الناس الذين اعتزلوا المعركه الناشبه بينه و بين معاويه فى صفين، دفاعا عن الشرعيه الاسلاميه و نصره للحق الذى يمثله فى موقع الخلافه الحقه المتمثله فى موقعه، مما يجعل من قضيته قضيه عدل رافض للظلم، و لكن هولاء فضلوا الاعتزال و السلبيه و الموقف الحيادى بين المتقاتلين من دون عذر شرعى ، انطلاقا من حاله ذاتيه لا تحب الدخول فى الصراع، فقال عنهم انهم «خذلوا الحق، و لم ينصروا الباطل».
و ذلك فى تعبير ايحائى بانهم اذا كانوا لم ينصروا الباطل ايجابيا فقد نصروه سلبيا، لانهم فى خذلانهم للحق، و عدم مشاركتهم فى معركته ضد الباطل اضعفوا موقفه، على اساس ان ايه قوه معزوله عن المعركه تمثل اضعافا للساحه بطريقه و باخرى، و قوه سلبيه لمصلحه المواقع الاخر و هو الباطل...
و لعل هذا هو الذى توحى به الكلمه الماثوره «الساكت عن الحق شيطان اخرس»، لانه يمثل خذلانا للحق فى منع الكلمه التى توكد موقعه القوى الثابت فى الساحه.
و فى ضوء ذلك نفهم كيف ينظر الانسان الى (الحياديين) الذين يقفون على الحياد فى ساحات الصراع، فلا يلتزمون موقف الحق و لا موقف الباطل، من اجل ان لا يقعوا تحت تاثير السلبيات التى يمكن ان تنتجها ساحات الصراع على صعيد المصالح الشخصيه التى يفقدونها او المفاسد الخاصه التى قد يقعون فيها، من دون نظر الى المصلحه الاسلاميه العامه التى قد تكون بحاجه الى كل الطاقات الحيه المتنوعه.
فليست الحياديه قيمه دينيه- مع وضوح الموقف بين الحق و الباطل- بل هى ضد القيمه، و لن يكون ذلك مظهرا للتقوى بل هى فى الموقع الذى يضاد التقوى. و هذا ما عبر عنه الامام على (ع) فى وصيته الاخيره لولديه الامامين الحسن و الحسين (عليهماالسلام): «كونا للظالم خصما، و للمظلوم عونا». فلا مجال للحياد فى الموقف بينهما فى الخط الاسلامى الاصيل.
الشكر لصاحب المعروف:
و من بين هذه السلبيات ترك الشكر لمن قدم الى الانسان معروفا: «و من معروف اسدى الى فلم اشكره»، لان الله يريد للانسان ان يتفاعل مع التعبير الانسانى الذى ينفتح به الاخر عليه مما يقدمه اليه من خدمات، و ما يقضيه له من حاجات، و ما يخفف عنه من آلام، و ما يحل له من مشاكل، و ما يرفع عنه من جهل او تخلف، و ما يسد به من جوع او عطش، و ما يشارك فيه من شفاء مرض، و نحو ذلك مما تختصره كلمه المعروف، و ذلك بالشكر له على ما انعم به عليه، فان الشكر يمثل انفعال انسانيه الانسان بالمبادرات الانسانيه الحاصله من الاخر، الامر الذى يودى الى تشجيع هذا الجانب الانسانى فى شخصيه الانسان، كما يعمق علاقه الناس ببعضهم البعض من خلال حركه الحاجات فى علاقاتهم العامه و الخاصه، فانها تجذب الانسان الى الانسان و تفتح نوافذ عاطفته الشعوريه على كل خير و محبه، بحيث تغنى الداخل الانسانى بكل القيم الروحيه و الاخلاقيه فى عمق الذات.
و قد اكدت الاحاديث الشريفه على ايجابيه الشكر للناس فى ما انعموا به على بعضهم البعض فى القضايا العامه و الخاصه، فقد جاء عن النبى محمد (ص): «اشكر لمن انعم عليك و انعم على من شكرك».
و روى ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن عمار الذهبى قال: سمعت على بن الحسين (عليهماالسلام) يقول: «ان الله يحب كل عبد حزين و يحب كل عبد شكور، يقول الله تبارك و تعالى لعبد من عبيده يوم القيامه: اشكرت فلانا؟ فيقول: بل شكرتك يا رب، فيقول: لم تشكرنى اذ لم تشكره، ثم قال: اشكركم لله اشكركم للناس».
و قد جاء فى رساله الحقوق للامام على بن الحسين (عليهماالسلام): «و اما حق ذى المعروف عليك، فان تشكره و تذكر معروفه و تكسبه المقاله الحسنه، و تخلص له الدعاء فيما بينك و بين الله تعالى، فاذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا و علانيه، ثم ان قدرت يوما على مكافاته كافيته».
و قد جاء عن الامام جعفر الصادق (ع) قال: «قال رسول الله (ص) من اتى اليه معروف فليكاف به، فان عجز، فليثن عليه، فان لم يفعل، فقد كفر النعمه».
و روى عنه (عليه السلام) انه قال: «لعن الله قاطعى سبيل المعروف، قيل: و ما قاطعى سبيل المعروف؟ قال: الرجل يصنع اليه المعروف فيكفره فيمنع صاحبه من ان يصنع ذلك الى غيره».
و نستوحى من هذا الحديث ان شكر المعروف يمثل لونا من الوان تشجيع صاحب المعروف على الامتداد به و تحريكه فى حياه الاخرين، بينما يمثل كفره تزهيدا له فى ذلك و امتناعا عن عمل المعروف، لان اى رد فعل مضاد لفعل الخير او اى موقف سلبى، يترك تاثيرا نفسيا سلبيا لصاحبه، و قد اشار الى ذلك اميرالمومنين على بن ابى طالب (ع) فى ما روى عنه فى نهج البلاغه فى عهده الى مالك الاشتر: «و لا يكونن المحسن و المسى ء عندك بمنزله سواء، فان فى ذلك تزهيدا لاهل الاحسان فى الاحسان، و تدريبا لاهل الاساءه على الاساءه».
ان الانسان يبقى خاضعا للعوامل النفسيه المتحركه فى شخصيته من خلال ذاتيه الخير فى نفسه، و من خلال ردود الفعل الصادره عن الاخرين، فلا بد للناس من شكر المعروف الذى يصنعه الاخرون اليهم ليشجعوهم على ذلك معهم و مع غيرهم، ليمتد الاحسان فى حياه الناس من خلال ذلك.
قبول عذر المعتذر:
و من السلبيات الاخلاقيه- فى هذا الدعاء- ما جاء فى قوله (عليه السلام): «من مسى ء اعتذر الى فلم اعذره»، فقد يخطى ء الناس مع بعضهم البعض من موقع نقطه ضعف نفسيه او عمليه فى شخصياتهم فى الواقع السلوكى العام و الخاص، ثم يندمون على ذلك و يتراجعون عنه، و يحاولون تصحيح الخطاء الذى صدر عنهم، فيعتذرون الى من اساووا اليه فى محاوله منهم لا رجاع كرامته اليه من خلال اعترافهم بالخطاء امامه بما يمثل لونا من الوان التنازل عن عنفوانهم و اسقاط احترام انفسهم لديه، فكانهم يقدمون اليه احتراما انسانيا فى مقابل ما اهدروه منه، ليكون اسقاطهم لا حترام انفسهم عوضا عن اسقاطهم لا حترام نفسه باساءتهم اليه، فكان المساله تتخذ مبداء التعويض، الامر الذى ينبغى للانسان ان يستجيب له و ينفعل ايجابيا معه تقديرا للروح الانسانيه الجديده من قبل هذا الشخص الذى يقف منه موقف المعتذر بما يمثله ذلك من الخضوع و التنازل له، و هذا هو ما يمثله قبول العذر، فان المعتذر يمنح الانسان الاخر شيئا من نفسه و من كرامته بما يعوضه او يزيد عما صنعه معه من السوء، فان لم يقبل ذلك كان بعيدا عن روح الانسانيه، لان مثل هذا الموقف السلبى يمثل لونا من الوان السقوط النفسى الاخلاقى، و قد وردت الاحاديث الكثيره حول هذا الموضوع و آثاره السلبيه عند الله و رسوله.
فقد جاء فى وصيه النبى محمد (ص) لامير المومنين (ع): «يا على من لم يقبل العذر من متنصل- صادقا كان او كاذبا- لم ينل شفاعتى».
و فى وصيه امير المومنين (ع) لابنه محمد بن الحنفيه رضى الله عنه: «اقبل من متنصل عذره فتنالك الشفاعه».
و ربما كان الاساس فى هذا الاثر السلبى فى الموقف من الرافض للعذر، ان الاسلام يريد تشجيع الناس على التراجع النفسى و العملى و عن خطاياهم من اجل مساعدتهم على تصحيح اوضاعهم و تبديل سلبياتهم بالايجابيات، الامر الذى يفرض عليهم الاعلان عن ذلك سواء كان الخطاء فى عصيانهم لله او فى اساءتهم الى الناس، و فى هذه الحاله، فتح الله لهم باب التوبه التى يقبلها منهم اذا رجعوا اليه و اعتذروا من سيئاتهم ليبداوا العمل من جديد، و اراد لهم فى علاقاتهم الاجتماعيه ان يقبلوا اعتذار المعتذر الذى يعلن عن تراجعه عن الخطاء الاخلاقى تجاههم، لان ذلك يمنحه فرصه التراجع و العوده الى انسانيته فى خط الاستقامه- ان كان صادقا- و يقيم عليه الحجه بالعفو عنه- ان كان كاذبا- ليكون ذلك حجه عليه فيما اذا كرر الخطاء.
ان هذه القضيه ليست مجرد فضيله اخلاقيه ذاتيه ينطلق بها الانسان فى انفتاحه الايجابى على الاخرين، بل هى- الى جانب ذلك- محاوله لحل بعض المشاكل الاجتماعيه الناشئه من اساءه الناس الى بعضهم البعض و تاثيراتها المعقده على الواقع الاجتماعى، مما يجعل من قبول العذر وسيله من وسائل ازاله كل الموثرات السلبيه من النفوس من اجل ازالتها من الواقع.
حق الفقراء على الاغنياء:
و من الحقوق الايجابيه للناس، حق الفقراء على الاغنياء بحل مشكلتهم الاقتصاديه من خلال ما يحتاجونه فى سد جوعهم و كسوه عريهم و رعايه حاجتهم، حتى لو كان ذلك على نحو الايثار الذى يمثل تقديم الانسان الاخر على نفسه بحيث يحرم نفسه من حاجاتها ليوفرها للاخر، و لا سيما اذا كانت المساله تتصل بحق المومن على المومن. فقد جاء الحديث عن الايثار فى القرآن الكريم فى سلوك الانصار تجاه المهاجرين: (و يوثرون على انفسهم و لو كان بهم خصاصه) (الحشر: 9) اى يقدمون من هاجر اليهم على انفسهم فى كل شى ء من اسباب المعاش. و روى ثقه الاسلام الكلينى بسنده الى ابان بن تغلب عن ابى عبدالله جعفر الصادق (ع) قلت: «اخبرنى عن حق المومن على المومن- فقال: يا ابان، دعه لا ترده، قلت: بلى جعلت فداك. فلم ازل اردد عليه فقال: يا ابان، تقاسمه شطر مالك، ثم نظر الى فراى ما دخلنى... فقال: يا ابان، اما تعلم ان الله عز و جل قد ذكر الموثرين على انفسهم؟... قلت: بلى جعلت فداك، فقال: اما اذا انت قاسمته فلم توثره بعد انما انت و هو سواء، انما توثره اذا انت اعطيته من النصف الاخر».
و قد جاء فى روايه الكلينى- بسنده- عن على بن سويد السائى عن ابى الحسن (ع) قال: «قلت له: اوصنى، فقال: آمرك بتقوى الله، ثم سكت، فشكوت اليه قله ذات يدى و قلت: و الله لقد عريت حتى بلغ من عريتى ان ابا فلان نزع ثوبين كانا عليه و كسانيهما، فقال: صم و تصدق. قلت: اتصدق مما وصلنى به اخوانى و ان كان قليلا. قال: تصدق بما رزقك الله و لو آثرت على نفسك».
و نلا حظ ان هذا الحق ليس من الحقوق الالزاميه الا فى حالات خاصه نادره، و لكنه حق اخلاقى يمثل الروحيه السمحه المعطاء المنفتحه على عمق الانسانيه فى الاحساس بانسانيه الاخر فى مشاركته فى حاجاته و آلامه و مشاكله المعقده.
و قد نجد فى هذه الاخلاقيات المستحبه حركه انسانيه تسمو بالانسان الى الاعالى، و تشده الى مواقع القرب الى الله من اقرب الطرق، لان ذلك يمثل الانسان النموذج القدوه الذى يدلك على ان الانسان قادر على ان يتجاوز ذاته للحصول على رضى ربه، حتى لو كلفه ذلك جهدا كبيرا و تضحيه عظيمه.
و ياتى الدعاء ليوكد على ان الامتناع من الايثار يمثل عملا سلبيا للانسان فى موقفه من حاجات الانسان الفقير، لانه لم يوثره على نفسه فى حاجاته الضروريه او الكماليه، و ان على الانسان ان يعتذر الى الله منه، لا من خلال انه خطيئه دينيه، بل من خلال انه ابتعد بالانسان عن ان يتسامى فى سلوكه ليبلغ الدرجه العليا من الاخلاق الانسانيه التى يحبها الله و هى الايثار.
و نستوحى من ذلك ان الله يريد لنا ان نشعر بالخجل من الابتعاد عن خط الكمالات الاخلاقيه كما نشعر بالخجل فى الابتعاد عن خط الشرعيه السلوكيه فى دائره الالزام الشرعى.
و لذلك جاء النص فى الدعاء: «و من ذى فاقه سالنى فلم اوثره».
حق الانسان على الانسان:
و للحقوق بين الناس دور كبير فى حياه المجتمع، لان الله جعل لكل انسان- لا سيما المومن- حقا على الانسان الاخر، فان ذلك هو الذى يحقق للحياه الاجتماعيه توازنها و استقرارها و حيويتها و حركيتها و تطورها فى خط النمو و الابداع و فى تحقيق الاهداف الكبرى للناس.
و هو الذى يمنع الناس من طغيان بعضهم على بعض بفعل التصور الخاطى ء بالحق المطلق الذى يملكه شخص او تملكه جماعه، بعيدا عن الاعتراف- بالمقابل- بالحق للانسان الاخر و الجماعه الاخرى.
و على ضوء ذلك كانت التشريعات الاسلاميه فى خطها الاخلاقى، توكد على وجوب اداء الحقوق المتبادله بين الناس، لياخذ كل واحد حقه فى ما يملكه من حق على الانسان الاخر، فى الوقت الذى يتحرك فيه لاداء حقه من دون فرق بين المومن و الكافر، فلا يجوز للانسان المسلم ان يظلم الكافر حقه، و قد ورد فى الحديث عن الامام جعفر الصادق (ع): «ادوا الامانات الى اهلها و ان كانوا مجوسا».
و روى- فى الكافى- ان الله اوحى الى نبى فى مملكه جبار من الجبارين: ائت هذا الجبار و قل له: اننى لم استعملك على سفك الدماء و اتخاذ الاموال، و انما استعملتك لتكف عنى اصوات المظلومين فانى لم ادع ظلامتهم و لو كانوا كفارا.
و لعل حكمه الحق توحى بذلك، فان مضمونه الذاتى يدل على وجود شى ء فى عهده الاخر من موقع الالزام الشرعى او الالزام الاخلاقى بالمعنى العام الذى ينفتح على الجانب المعنوى فى التزامات الانسان الاخلاقيه التى يكمل بها ايمان المومن فى الدرجه العليا منه.
و اذا كانت النسخه المعروفه فى الدعاء جاءت على التقييد بحق المومن، فان نسخا اخرى لم تقيده بذلك، و قد ذكر صاحب رياض السالكين «ان النسخ من الصحيفه الشريفه اختلفت فى هذه الفقره من الدعاء، فوقع فى بعضها: «و من حق لزمنى فلم او فره» بدون اضافه الى ذى حق، و فى بعضها: «و من حق ذى حق لزمنى فلم اوفره»، باضافه حق الى ذى حق، و فى بعضها: «و من حق ذى حق لزمنى لمومن» بزياره لمومن».
و على هذا الاساس فان من الممكن ان تكون النسخه التى لم تذكر فيها كلمه المومن هى الاقرب للجو العام للدعاء الذى اكد فيه على الخطوط العامه الايجابيه الواقعه فى دائره مسووليه الانسان العامه و الخاصه فى علاقته بالاخرين، لا سيمان ان المنهج الاخلاقى الاسلامى لا يتجزا، فلا مجال للفصل فى القيمه الاخلاقيه المنطلقه من واقع المجتمع الانسانى و المتصله بالالتزام الداخلى للانسان فى حركه المسئووليه فى التزامه، بين مومن و غير مومن، لان المساله ليست متعلقه بالاخر ليختلف الحال فى التعامل معه باختلاف صفته الايمانيه، بل هى متعلقه بالمسلم فى التزاماته الاخلاقيه و العقيديه مع الاخر، مما يجعل الانحراف عن ذلك انحرافا عن الخط المستقيم لا مجرد اساءه للاخر.
و لا مانع من ان يكون حق المومن اعظم و اكبر، و ان يصل الاهتمام به الى درجه كبيره من الاهميه عند الشارع المقدس، الذى يريد للمسلمين ان يجتمعوا على اساس التعاون و التكافل بالمستوى الذى يتمثل فيه المجتمع الاسلامى قيم العدل و المحبه و الاخوه و الاحترام المتبادل و الحقوق المشتركه، فلا يضيع فى داخله حق المومن، كما لا يضيع حق غيره، ليتحرك المومنون فيه فى عمليه نمو طبيعى للقيم الاسلاميه بحيث يتنفسون روحيتها فى سلوكهم العام كما يعيشونها فى افكارهم.
و قد وردت عده احاديث عن ائمه اهل البيت (عليهم السلام) فى حق المومن على المومن من موقع الاخوه التى عقدها الله بين المومنين فى قوله تعالى: (انما المومنون اخوه فاصلحوا بين اخويكم) (الحجرات: 10) فى دلالته على ان الاخوه تفرض الاهتمام المتبادل بين الاخوه فى حل مشاكلهم و اصلاح ذات بينهم، باعتبار ذلك من مستلزمات الاخوه المنفتحه على المسووليه.
و لا باس بالاشاره الى بعض ما ورد من هذه الاحاديث، فقد جاء عن الامام جعفر الصادق (ع) انه قال: «ما عبد الله بشى ء افضل من اداء حق المومن».
و روى المعلى بن خنيس عن ابى عبدالله (ع) قال: «قلت له: ما حق المسلم على المسلم؟ قال: له سبع حقوق واجبات ما منهن حق الا و هو عليه واجب، ان ضيع منها شيئا خرج من ولايه الله و طاعته، و لم يكن لله فيه من نصيب. قلت له: جعلت فداك، و ما هى؟ قال: يا معلى انى عليك شفيق، اخاف ان تضيع و لا تحفظ و تعلم و لا تعمل، قال: قلت: لا قوه اله بالله، قال: ايسر حق منها ان تحب له ما تحب لنفسك، و تكره له ما تكره لنفسك، و الحق الثانى، ان تجتنب سخطه، و تتبع مرضاته، و تطيع امره. و الحق الثالث، ان تعينه بنفسك و مالك و لسانك و يدك و رجلك. و الحق الرابع، ان تكون عينه و دليله و مرآته. و الحق الخامس، ان لا تشبع و يجوع، و لا تروى و يظماء، و لا تلبس و يعرى. و الحق السادس، ان يكون لك خادم و ليس لا خيك خادم، فواجب ان تبعث خادمك فيغسل ثيابه، و يصنع طعامه، و يمهد فراشه. و الحق السابع، ان تبر قسمه، و تجيب دعوته، و تعود مريضه، و تشهد جنازته، و اذا علمت ان له حاجه تبادره الى قضائها، و لا تلجئه الى ان يسالكها، و لكن تبادره مبادره، فاذا فعلت ذلك وصلت و لايتك بولايته و ولايته بولايتك».
و عن ابى جعفر محمد الباقر (ع): «من حق المومن على اخيه ان يشبع جوعته، و يوارى عورته، و يفرج عنه كربته، و يقضى دينه، و اذا مات خلفه فى اهله و ولده».
و عن ابى عبدالله جعفر الصادق (ع): «من حق المومن على المومن: الموده له فى صدره، و المواساه له فى ماله، و الخلف له فى اهله، و النصره له على من ظلمه، و ان كان نافله فى المسلمين و كان غائبا اخذ له بنصيبه، و اذا مات الزياره الى قبره، و ان لا يظلمه، و ان لا يغشه، و ان لا يخونه، و ان لا يخذله، و ان لا يكذبه، و ان لا يقول له اف، و ان قال له اف فليس بينهما ولايه، و اذا قال له: انت عدوى فقد كفر احدهما، و اذا اتهمه انماث الايمان فى قلبه كما ينماث الملح فى الماء».
و روى الشهيد الثانى فى رساله الغيبه- بسند له متصل- عن اميرالمومنين (ع) انه قال:
قال رسول الله (ص): «للمومن على اخيه ثلاثون حقا، لا براءه له منها الا باداء او بالعفو: يغفر زلته، و يرحم غربته، و يستر عورته، و يقيل عثرته، و يقبل معذرته، و يرد غيبته، و يديم نصيحته، و يحفظ خلته، و يرعى ذمته، و يعود مرضته، و يشهد ميته، و يجيب دعوته، و يقبل هديته، و يكافى صلته، و يشكر نعمته، و يحسن نصرته، و يحفظ حليلته، و يقضى حاجته، و يشفع مسالته، و يسمت عطسته، و يرشد ضالته، و يرد سلامه، و يطيب كلامه، و يبر انعامه، و يصدق اقسامه، و يواليه و لا يعاديه، و ينصره ظالما و مظلوما، فاما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه، و اما نصرته مظلوما فيعينه على اخذ حقه، و لا يسلمه، و لا يخذله، و يحب له من الخير ما يحب لنفسه، و يكره له من الشر ما يكره لنفسه»، ثم قال على (ع): سمعت رسول الله (ص) يقول: ان احدكم ليدع من حقوق اخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامه فيقضى له عليه».
و هكذا نجد الاهتمام الكبير فى المنهج الاسلامى فى خط اهل البيت (عليهم السلام)، بالتماسك الاجتماعى بين المسلمين فى مجتمعهم من خلال التاكيد على الحقوق التفصيليه التى تلا حق العلاقات العامه و الخاصه، لتضع لها البرنامج المحدد الذى يشمل كل القضايا الصغيره و الكبيره، حتى ليشعر الانسان امام هذه المفردات الاخلاقيه الحقوقيه ان الاسلام يريد للمسلمين ان يصلوا الى الدرجه العليا من الالتصاق الشعورى و العملى ببعضهم البعض، بحيث تكون المجتمع المسلم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الاعضاء بالحمى و السهر.
و فى ضوء ذلك نعرف الخطيئه الاخلاقيه التى تتمثل فى عدم توفير حق المومن اللازم للمومن الاخر، او عدم توفير الحق للناس كلهم.
«و من عيب مومن ظهر لى فلم استره» و هذه هى الخطيئه الاخلاقيه التى قد يقع فيها الانسان المومن فى علاقته بالمومن الاخر، فقد يطلع- بالصدفه- على بعض عيوب المومنين التى لا يريدون اظهارها و يعملون على اخفائها، لانها تمس موقعهم الاجتماعى و مصداقيتهم الايمانيه، الامر الذى يحمله مسووليه احترام ارادتهم فى سترها و عدم كشفها، لان الله لا يريد للمومنين ان يسيئوا الى الاخرين فى حرماتهم الذاتيه، و مناطقهم الخفيه، و لكن بعض الناس لا يقفون عند حدود الله، اما لعقده نفسيه ضد المومن الاخر، و اما لشهوه فى نشر الفضائح للاثاره الاجتماعيه، او لغير ذلك من الدوافع الخاصه التى يتبع فيها الانسان هواه. و قد وردت بعض الاحاديث عن ائمه اهل البيت (عليهم السلام) حول هذا الموضوع و تاثيره السلبى على علاقه الانسان بالله كعقوبه على ذلك، فقد جاء عن الامام جعفر الصادق (ع) قال: «حدثنى ابى عن آبائه عن على (ع) عن النبى (ص) انه قال: «ادنى الكفر ان يسمع الرجل عن اخيه الكلمه فيحفظها عليه يريد ان يفضحه بها، اولئك لاخلاق لهم».
و عنه (ع): حدثنى ابى عن آبائه عن على (ع) قال: «من قال فى مومن ما رات عيناه و سمعت اذناه مما يشينه و يهين مروته، فهو من الذين قال الله عز و جل فيهم: (ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشه فى الذين آمنوا لهم عذاب اليم فى الدنيا و الاخره) (النور: 19).
«و من كل اثم عرض لى فلم اهجره» و هذه هى الخطيئه السلوكيه التى قد يعيش الانسان- معها- امام الاثام التى تعرض له فى حياته من خلال النفس الاماره بالسوء التى تزين له القبيح و تقبح له الحسن، فتدفعه الى ارتكاب الاثام الشرعيه الى تودى به الى الخروج عن طاعه الله الى معصيته، و البعد عن ولايه الله للاقتراب بحياته من ولايه الشيطان.
و فى هذا ايحاء بان على الانسان ان يواجه حركته فى الحياه فى جانبها الايجابى فيبادر الى المحافظه على التزاماته الايجابيه، و فى جانبها السلبى فيبادر الى
الامتناع عن اجواء اللامبالاه التى تجعله يتهاون بالالتزامات السلبيه التى فرضها الله عليه.
و هكذا ينطلق الدعاء فى موقف الاعتذار الانسانى من الله من هذه الخطايا السلبيه و من امثالهن من القضايا الاخرى المتصله بحدود الله التى لا يريد للناس ان يتعدوها، و ذلك فى روحيه الندامه الخاشعه التى تعيش الرفض لكل الماضى الخاطى ء، فلا تسمح له ان يمتد الى الحاضر و المستقبل، ليكون ذلك واعظا لكل مبادره خاطئه فى ما يستقبله الانسان من افعاله و تروكه، فلا تنحرف عن الخط المستقيم.
و يختم الدعاء الموقف بالرغبه فى تاثير الموقف ايجابيا فى تاكيد التوبه التى تودى الى محبه الله الذى يحب التوابين الذين يخلصون فى التوبه فكرا و عملا.
اللهم انى اعتذر اليك من مظلوم ظلم بحضرتى فلم انصره، و من معروف اسدى الى فلم اشكره، و من مسى ء اعتذر الى فلم اعذره، و من ذى فاقه سالنى فلم اوثره، و من حق ذى حق لزمنى لمومن فلم اوفره، و من عيب مومن ظهر لى فلم استره، و من كل اثم عرض لى فلم اهجره.
لم انصر المظلوم..
يا رب، انا الخاطى ء الذى عاشت كل الموثرات المنحرفه فى داخل ذاتى من خلال اثاره كل الغرائز الكامنه فى شخصى، لا بتعد عنك فى كل سلوكى المتمرد على اوامرك و نواهيك، انا المسى ء الذى استغرق فى ذاتياته و ابتعد عن مبادئه و نسى ربه و ذكر شيطانه، و انفتح على شهوته و انغلق عن رسالته، و تحرك فى وساوسه و هو اجسه يمينا و شمالا بين فكر يجد الظلم عدلا و المعروف منكرا، و فكر يعيش الضباب فيغرقه الغموض فى متاهات الضياع.
و قد ابتعدت- يا رب- عنك كثيرا كثيرا، فقد اردت منى ان انصر المظلوم فلم ابال بذلك، فتركت نصرته من ظالمه، و انا ارقب الظلم يضغط على كل روحه و جسده امامى، لانى لم ارد اتعاب نفسى او ارباكها او اثارتها او تعقيد علاقاتها بالظالمين، فقد درست المساله فى ضوء مصالحى و اطماعى، فرايت انها تتاثر سلبا بالوقوف مع المظلوم الضعيف ضد الظالم القوى، و عرفت ان المظلوم لا ينفعنى بشى ء من خلال ضعفه، بينما يملك الظالم- فى قوته المتعدده- اكثر من فرصه للنفع او للضرر.
و هكذا سول لى الشيطان الموقف الحيادى بين الظالم و المظلوم،. و ربما امتد الامر بى- شعوريا- ان اكون مع الظالم ضد المظلوم.
لم اشكر المعروف...
يا رب، انا عبدك الذى امرته ان يشكر المعروف الذى اسدى اليه، لانك اردت للمعروف ان يمتد فى حياه الناس من خلال تشجيع صانعيه على حسن صنيعهم، و ذلك بالانفتاح عليهم- شعوريا- و تقدير اعمالهم- عمليا- و الاعلان عن ذلك بالكلمه الشاكره، و البسمه الحانيه، و اللفته و الرعايه الغاليه.
و لكنى- يا رب- تنكرت للمعروف الذى قدم الى من اكثر من انسان، بفعل المحبه تاره، و الخير اخرى، و العلاقات الاجتماعيه ثالثه، فخيل الى ان هولاء الذين احسنوا الى بمعروفهم لا ينطلقون من عمق روح الاحسان فى نفوسهم، بل من خلال خوف عندهم منى، او رغبه لهم عندى، لان شخصيتى تضخمت فى داخلى بما يشبه التورم الذاتى و الانفتاح النفسى من دون ان املك اى عنصر حقيقى يميزنى عن الاخرين.
و هكذا وسوس لى الشيطان ان ما فعلوه معى كان حقا لى عندهم، و واجبا الهيا عليهم، فكان يقول لى: لا شكر على واجب، الامر الذى جعلنى افقد فى عدم شكرى اياهم فرصتى فى الحصول على محبتك، و التحرك فى سبيل طاعتك.
لم اعذر المعتذر...
يا رب، انا الانسان الذى تتعقد الاساءه فى نفسى مما يمارسه الاخرون معى عن خطاء او غفله او عقده او انفعال طارى ء، فيموت العفو فى ضميرى، و يغيب السماح فى روحى، و تبتعد المحبه عن قلبى، و لا يبقى للرحمه معنى فى شعورى و احساسى، فاذا جاء المسى ء الى نادما معتذرا طالبا الصفح منى، و فى كلماته معنى الاعتذار، و فى عينيه نظره الندم، و فى وجهه ارتعاشه الخجل، تعبيرا عن الخطاء الصادر منه، و الاستقاله من الاساءه الحادثه منه، فاتلذذ بهذا الموقف الذليل الذى يقفه المسى ء المعتذر فى خشوع الخجل، فاراه فى هذا اللقاء مثال الانسان المتصاغر امامى فى موقف الوضاعه و الحقاره و الذل، لان الاعتذار موقف ذل، فيتنفس حقدى و ترتاح انانيتى، و اثار لنفسى و ارفض العذر كله ليعود خائبا حسيرا.
و هكذا فقدت عمق الاحساس الانسانى الذى ينفتح بكل روح السماح على الانسان الاخر الذى يقدم كل قلقه الروحى من موقفه السلبى فى اساءته الى، ما يجعل رفضى لقبول العذر حاله وحشيه لا تتناسب مع انسانيه الانسان.
لم احسن الى الفقير...
يا رب، انا الانانى الذى يعيش كل اهتمامه فى الحياه ان يشبع مع جوع الاخرين، و ان يروى مع ظماء الناس، و ان يكتسى مع عريهم، و ان يسكن مع تشريدهم الاخرين، فقد واجهت البعض من الفقراء الذين لا يملكون شيئا و انا القادر على معالجه بعض مشكلتهم، و لكنى فضلت ان اوفر لنفسى مشتهياتها و كمالياتها- لا ضرورياتها- فلم اوثر اخوانى المومنين من الفقراء على نفسى كما اردت منى و من المومنين ذلك.
انها انانيه الانسان الذى يستغرق فى ذاته و لا يفكر بالناس من حوله، لانه لا يعيش المسووليه فى معالجه مشاكلهم، فكيف اقف بين يديك و انت الذى اعطيتنا الرزق و جعلت فيه حقا للسائل و المحروم؟!
لم احترم حقوق الناس:
يا رب، انا المخلوق الذى عاش فى الحياه، و هو يحسب انه- وحده- من يملك الحق على الناس من خلال شخصيته الفريده، و لذلك فانه لا يحترم حقوق الناس بقدر ما يتعلق الامر بشخصه فى سلوكه معهم و علاقته بهم، لانه لا يرى لهم حقا، فى الوقت الذى اعرف فيه انك خلقت الناس فى حقوق متبادله فى الحياه و الحركه و العلاقات.
و هكذا ابتعدت عن منهجك الذى رسمته لنا و الزمتنا به فى القيام بحقوق الناس من حولنا، و وقفت عاريا امامك من كل ما يستر عوره الانسان فى معنوياته.
لم استر عيب المومن:
يا رب، انا الانسان المعقد الذى يتلذذ بفضيحه الاخرين، فيتجسس عليهم ليتعرف عيوبهم، و يتلصص عليهم ليكتشف اسرارهم، و يلاحق اوضاعهم ليخترق خفاياها ليطلع على خلفياتهم، فيقوم بالتحدث عن ذلك ليلا و نهارا، و يعمل على اظهارها سرا و جهارا، ليراهم، و هم يعيشون الارباك امام ذلك، فيتلذذ بمراقبه ردود فعلهم فى الالام التى يسببها ذلك لهم، و المشاكل التى تتحرك فى حياتهم، و التعقيدات التى تصيب كراماتهم. و كان الاجدر به ان يستر عليهم ما ستره الله من عيوبهم، و ان يفكر ان الله قادر على ان يفضح امره و يهتك ستره و يظهر عيوبه و يبين للناس فضائحه، فيسقط موقعه و يهدم موقعه، و يحطم عزته و كرامته، و لو فكر جيدا لعرف انه يختزن فى شخصه و حياته عيوبا كالتى يتحدث بها عن الاخرين، و انهم يمكن ان يفضحوه كما فضحهم، و يهتكوا ستره كما هتك سترهم، و لكن احترامهم لاسرار الاخرين و عيوبهم قد يهيى ء الفرصه لاحترامهم لاسراره و عيوبه، لان المجتمع الذى يرتكز على الاحترام المتبادل بين افراده هو الذى يحقق التوازن فى الحياه العامه و الخاصه.
اننى- يا رب- لم اكن الانسان الذى يستر عيوب الناس التى ظهرت له، بالصدفه او بوسائله الخاصه، و قد كان الاولى بى ان استرها احتراما لانسانيه الاخرين فى حرماتهم الخاصه، و امتثالا لامرك فى ذلك.
لم اهجر الاثم...
يا رب، انا الاثم الذى انفتح على حركه الاثم فى فكره و فى واقعه، فقد انطلق فى حياتى فكره وسوس الى بها شيطانى و اثارتها نفسى الاماره بالسوء، و حركتها غرائزى التى تدفعنى الى الانحراف فى عفويتها الغريزيه، و هكذا امتد الاثم فى حياتى فوقعت اسير المعصيه التى تجعلنى- وجها لوجه- امام عقابك و تدفعنى للتعرض لغضبك و سخطك.
و قد اردتنى ان اهجر الاثم و انفتح على الطاعه، لان ذلك هو الذى يصلح امر حياتى فى الدنيا و الاخره، و يبعدها عن السقوط فى هاويه الفساد التى تدمر كل امورى العامه و الخاصه، بينما يمثل خط الاثام الهلاك الخالد فى عذابك و الوقوع فى مشاكل الانحراف فى كل جوانب الحياه، من حيث ابتعاده عن الخير و الحق و الاستقامه فى خط الايمان.
و هكذا كانت النتيجه، اننى لم اهجر الاثم الذى عرض لى فكره و عملا و حركه.
فيا رب اننى اعتذر اليك من ذلك كله، فهل تقبل عذرى؟
اللهم اعتذر اليك من السيئات:
يا رب، قد لا اكون دقيقا فى تفاصيل الانحرافات عن خطك المستقيم التى اعتذرت اليك منها، فقد تكون هناك امور لم اذكرها... و انا الان فى موقف الرغبه بالحصول على رضاك، و الوصول الى مواقع القرب اليك، مما يدفعنى الى ان اقدم اعتذارى المنطلق من عمق احساسى بالندم و عزمى على تصحيح الواقع المنفتح على المستقبل، حتى يكون هذا الموقف الاعتذارى الصادق حركه وعظ داخلى ايحائى يبتعد بحياتى فى اقوالى و افعالى و علاقاتى فى المستقبل عن السقوط فى و هده معصيتك، فلا اتحرك فى المبادرات السلبيه المشابهه لما قمت به فى الماضى.
اننى- يا رب- هنا من اجل ان احقق لنفسى الصفاء الروحى، و النقاء الفكرى، و الاستقامه العمليه، لاكون من عبادك الصالحين و اوليائك المقربين، فاعطنى من لطفك- يا الهى- لطفا كريما يفتح عقلى على التوبه من الفكر المشرك الباطل، و قلبى على التوبه من العاطفه المنحرفه، و حياتى على التوبه من خطاياى الخبيثه، و اجعل ندامتى على الماضى المملوء بالزلل، المتحرك بالخطايا، و عزمى على تغيير الواقع- فى لحاضر و المستقبل- الى الافضل فى طاعتك و رضاك تجسيدا للتوبه الصادقه النصوح، لا حصل على محبتك التى هى غايه المومن فى ايمانه و عمله الصالح، لانها هى الوسيله للحصول على مواقع رضاك فى رحاب القرب منك، يا محب التوابين الذين يقدمون اليك- من عمق عقولهم و قلوبهم و امتداد حياتهم- كل ابتهال و خشوع و محبه و طاعه، فهل تقبل توبتى و عذرى؟!
هذا ما ارجوه يا من لا يخيب لديه رجاء الراجين.