دعاوه عند ختمه القرآن
القرآن كتاب هدايه و عقيده و شريعه:
للقرآن- فى العقيده الاسلاميه- معنى النور الذى يضى ء للناس الحقيقه فيهديهم الى سبل السلام الروحى و الفكرى و العملى، و يشق لهم الدرب الى الهدف العظيم فى سعاده الدنيا و الاخره.
و هو فى الوقت نفسه، الكتاب الالهى الذى يجمع الكتب كلها فى مضمونه المتحرك فى خط الرسالات منذ بدايه انطلاقها فى وحى الله، ليجمع للناس فيه خلاصه صحف ابراهيم و موسى و عيسى و داود مما انزله الله على الناس من خلالهم، فينفتح المسلم فيه على رحابه الاسلام فى اطلالته الرساليه على ما تقدمه من الرسالات، مصدقا لما بين يديه من التوراه و الانجيل، ليكون العنوان الاسلامى فى انفتاحه الفكرى فى الخطوط العامه كما فى قوله تعالى: (آمن الرسول بما انزل اليه من ربه و المومنون كل آمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله لا نفرق بين احد من رسله) (البقره: 285)، و فى ضوء ذلك فانه يتحدث مع الاخر فى موقف اعتراف به فى الخط العام ليدعوه الى الكلمه السواء انطلاقا من الايمان بالكتاب كله كما جاء فى قوله تعالى:
(قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمه سواء بيننا و بينكم الا نعبد الا الله و لا نشرك به شيئا و لا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون) (آل عمران: 64).
و هو- فى الوقت نفسه- يدعو الى الحوار مع الاخر ليحاور العقل البشرى، فى حركه التوحيد و الشرك و الايمان و الكفر و الانحراف و الاستقامه على اساس من الموضوعيه الفكريه التى تبتعد عن خصوصيه الذات فى واقع الحوار على هدى الايه الكريمه: (و انا او اياكم لعلى هدى او فى ضلال مبين) (سبا: 24).
و يدعو الى الدعوه الى سبيل الله بالحكمه و الموعظه و الجدال بالتى هى احسن، و يواجه المشاكل الطارئه فى الحياه العامه و الخاصه بقول الكلمه التى هى احسن، و بالعمل على تحويل الاعداء الى اصدقاء، و بالتاكيد- فى ذلك كله- على الحجه و البرهان، بعيدا عن الانفعاليه و الغو غائيه.
و ينادى بالعدل و الاحسان، و يركز الخط الرسالى فى كل الرسالات و الرسل و الكتب المنزله على اساس العدل الشامل لكل الناس حتى لو كانوا اعداء، و على كل الناس حتى لو كانوا من اقرب الاقرباء.
و يوكد على وحده الانسانيه من دون الغاء خصوصيه التنوع فى امتداداتها فى واقع الانسان، فقد اعلن ان الله خلق الناس كلهم من ذكر و انثى و جعلهم شعوبا و قبائل فى الخصوصيات العرقيه و اللونيه و القوميه و الجغرافيه، ليتعارفوا فيما بينهم على اساس تبادل الافكار و الخبرات و الطاقات التى بها يتعارفون و يتعاونون و يحققون للحياه قوتها و سلامتها و تطورها، و للانسان نموه و ابداعه و حركيته فى الدرجات العلى، و راى ان القيمه كل القيمه فى العلم، فالاكثر علما هو الاكثر قيمه، و ان كل الكرامه عند الله فى التقوى، فالاتقى هو الاقرب عند الله، بما تمثله التقوى من الاستقامه فى الخط العملى لانها هى التى تمثل التجسيد الحى للانضباط فى طاعه الله و السير على منهاجه، و الانسجام مع مواقع اراداته و رضاه.
ثبوت النص القرآنى:
و هو الكتاب الالهى الذى لا ياتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، فقد حفظه الله من النقص و الزياده و التحريف و ذلك هو قوله تعالى: (انا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون) (الحجر: 9)، و مهما اختلفت الروايات فى بعض الايحاءات و الكلمات بوجود نقصان هنا او تحريف هناك، فانها لم تستطع ان تفرض شيئا منها على القرآن فى الواقع التاريخى الممتد فى حياه المسلمين بكل تنوعاتها و اختلافاتها و تعقيداتها، حتى ان الذين ينقلون هذه الروايات فى كتبهم او يعتمدون الراى بصحه دعوى التحريف فى آرائهم، لم يضيفوا فى القرآن الذى يملكونه و يقراون فيه ايه كلمه زائده، و لم يغيروا ايه كلمه فيه عن وضعها القرآنى، مما يوحى بان الذهنيه الاسلاميه لم تستسلم لهذه الفكره، فقد كانت حارسه القرآن من اى تغيير او تبديل، و لهذا راينا ان العالم الاسلامى من ادناه الى اقصاه لا يملك ايه نسخه من القرآن مختلفه عن نسخه اخرى مهما اختلفت مذاهبهم و تنوعت آراوهم.
و قد عبر عن ذلك امين الاسلام الطبرسى فى تفسيره (مجمع البيان) قال: «اما الزياده فيه- اى القرآن- فمجمع على بطلانه، و اما النقصان منه فقد روى بعض اصحابنا و قوم من حشويه العامه ان فى القرآن تغييرا او نقصانا، و الصحيح من مذهب اصحابنا خلافه، و هو الذى نصره المرتضى قدس الله روحه، و ذكر ان القرآن كان على عهد رسول الله (ص) مجموعا مولفا على ما هو عليه الان، و استدل على ذلك بان القرآن كان يدرس و يحفظ جميعه فى ذلك الزمان، حتى عين على جماعه من الصحابه فى حفظهم له، و انه كان يعرض على النبى (ص) و يتلى عليه، و ان جماعه من الصحابه مثل عبدالله بن مسعود و ابى بن كعب و غيرهما ختموا القرآن على النبى (ص) عده ختمات، و كل ذلك يدل بادنى تامل على انه كان مجموعا مرتبا، غير مبتور و لا مبثوث، و ذكر ان من خالف فى ذلك من الاماميه و الحشويه لا يعتد بخلافهم، فان الخلاف فى ذلك مضاف الى قوم من اصحاب الحديث، نقلوا اخبارا ضعيفه ظنوا صحتها، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته».
و قد جاء فى كتاب الاعتقادات للصدوق ما نصه: «اعتقادنا ان القرآن الذى انزله الله تعالى على نبيه محمد (ص) ما بين الدفتين، و هو ما فى ايدى الناس ليس باكثر من ذلك، و مبلغ سوره عند الناس مائه و اربع عشره سوره، و عندنا ان الضحى و الم نشرح سوره واحده، و لا يلاف و الم تر كيف سوره واحده، و من نسب الينا بانا نقول انه اكثر من ذلك فهو كاذب».
و جاء فى كتاب التبيان للشيخ الطوسى قال:
«اسقاط بعض القرآن و تحريفه ثبت من طرقنا بالتواتر معنى، كما يظهر لمن تامل فى كتب الاحاديث من اولها الى آخرها، و دلت الاخبار على وجود مصحف غير هذا المشهور بين الناس، و هو موجود عند اهله، و الظاهر انا مامورون بقراءه هذا القرآن و لا يجوز لنا الزياده على ما فيه بما ورد فى بعض الروايات انه اسقط منه».
و لكننا نلا حظ على هذا الكلام ان الروايات التى ذكرها الشيخ الطوسى هى روايات ضعيفه فى السند و ضعيفه فى الدلاله على القول المذكور، و ان الحديث عن وجود مصحف آخر عند اهله لا يثبت امام النقد لان مساله القرآن من المسائل التى لا تحتمل التقيه لا سيما من اميرالمومنين على (ع)، فليس من الطبيعى ان لا يعمل بكل ما عنده من طاقه لاخراج ما عنده من القرآن الى الناس، و الدفاع عن ايه شبهه مضاده لا سيما فى ايام خلافته، و ان الامر بقراءه ما فى هذا القرآن و عدم جواز الزياده عليه، ليس امرا ناشئا من عنوان ثانوى يوجب ذلك بل هو ناشى ء من ان القرآن هو هذا الموجود بين الدفتين، و لذلك جعله الائمه من اهل البيت (ع) مقياسا للحكم بصحه الحديث و عدم صحته، مما يوحى بانه لا نقصان فيه و لا زياده، لان ذلك لو كان ثابتا لما جاز ان يكون مقياسا بالنحو المذكور، لامكان ان يكون الحديث المرفوض- مثلا- موافقا لما خفى من القرآن، و قد بحث استاذنا المحقق آيه الله السيد الخوئى (قدس سره) مساله التحريف فى القرآن فى مناقشه علميه شامله فى محاكمه الاحاديث الوارده فى هذا الموضوع فى كتابه «البيان فى تفسير القرآن»، فليراجع.
و هو الكتاب الذى يهدى للتى هى اقوم و يبشر المومنين الذين يعملون الصالحات ان لهم اجرا كبيرا، و ان الذين لا يومنون بالاخره اعتدنا لهم عذابا اليما، ليحدد للناس الخط الذى يتحركون فيه فى الحياه من خلال نهاياته الايجابيه و السلبيه.
و هو النور الذى يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام و يخرجهم من الظلمات الى النور باذنه و يهديهم الى صراط مستقيم.
و هو الكتاب الذى جعله الله قرآنا عربيا ليفتح للعقل ابوابه فى ام الكتاب لدى الله لعلى حكيم.
و هو الكتاب الذى يمثل الخطوط الفكريه للاسلام فى عقيدته و شريعته و منهجه و حركته فى نطاق الدعوه الى الله، و العمل فى سبيله، و الجهاد من اجل ان تكون كلمه الله هى العليا و كلمه الشيطان هى السفلى، و لذلك كان هو الميزان فى تصحيح الحديث الذى يرويه الرواه عن النبى محمد (ص) و عن الائمه الهداه من اهل البيت الذين يروون حديثه، فما خالف كتاب الله فهو زخرف و ما وافقه فهو الحق.
اصول و فضل تلاوه القرآن:
و قد تحدث الدعاء عن القرآن بمناسبه اختتام قراءته التى اراد الله للانسان ان يداوم عليها فى التزام و وعى و تدبر و تامل، و فى ترتيل جميل يوحى بالكثير من الجمال النفسى فى طريقه قراءته و تنظيم مخارج كلماته، و لم يرد للقارى ء ان يستعجل به لتكون القضيه عنده فى القراءه ان يبلغ نهايته فى وقت قليل، بل اراد له ان يتلبث فيه، و يتانى به، فقد ورد فى الكافى بسنده عن محمد بن عبدالله قال: «قلت لابى عبدالله جعفر الصادق (عليه السلام): اقراء القرآن فى ليله، قال: لا يعجبنى ان تقراه فى اقل من شهر».
و بسنده عن على بن ابى حمزه قال: «دخلت على ابى عبدالله (عليه السلام) فقال له ابوبصير: جعلت فداك اقراء القرآن فى شهر رمضان فى ليله؟ فقال: لا.
قال: ففى ليلتين؟ قال: لا، قال: ففى ثلاث؟ قال: لا، و اشار بيده، ثم قال: يا ابا محمد، ان لرمضان حقا و حرمه لا يشبهه شى ء من الشهور، و كان اصحاب محمد (ص) يقراء احدهم القرآن فى شهر او اقل، ان القرآن لا يقراء هذرمه، و لكن يرتل ترتيلا، فاذا مررت بايه فيها ذكر الجنه فقف عندها وسل الله عز و جل الجنه، و اذا مررت بايه فيها ذكر النار فقف عندها و تعوذ بالله من النار».
و جاء فى الكافى بسنده عن على بن الحسين (ع)، قال: و قد روى هذا الحديث عن ابى عبدالله (ع)، قال: «من استمع حرفا من كتاب الله عز و جل من غير قراءه، كتب الله له حسنه و محا عنه سيئه و رفع له درجه، و من قراء نظرا من غير صوت، كتب الله له بكل حرف حسنه، و محا عنه سيئه، و رفع له درجه، و من تعلم منه حرفا ظاهرا كتب الله له عشر حسنات و محا عنه عشر سيئات، و رفع له عشر درجات. قال: لا اقول بكل آيه، و لكن بكل حرف باء او تاء او شبههما. قال: و من قراء حرفا ظاهرا و هو جالس فى صلاته، كتب الله له به خمسين حسنه، و محا عنه خمسين سيئه، و رفع له خمسين درجه، و من قراء حرفا و هو قائم فى صلاته كتب الله له بكل حرف مائه حسنه و محا عنه مائه سيئه، و رفع له مائه درجه، و من ختمه كانت له دعوه مستجابه موخره او معجله. قال: قلت: جعلت فداك ختمه كله؟ قال: ختمه كله».
و قد جاء الحديث فى فضل قراءه القرآن فى المصحف على القراءه عن ظهر القلب، لان النظر فيه عباده مطلوبه.
فقد روى ثقه الاسلام «الكلينى» فى الكافى، بسنده عن اسحاق بن عمار عن ابى عبدالله (ع) قال: «قلت له: جعلت فداك انى احفظ القرآن عن ظهر قلبى، فاقراه على ظهر قلبى افضل، او انظر فى المصحف؟ قال: فقال لى: بل اقراه و انظر فى المصحف، فهو افضل، اما علمت ان النظر فى المصحف عباده». و ربما كان الاساس فى ذلك ربط الناس بالقرآن بشكل حسى بالالتزام بالكتاب ليبقى هو الارتباط به فى الواقع من حيث اقتنائه فى المنزل و الامساك به، بالاضافه الى الارتباط به فى الحفظ و الوجدان.
و قد جاء فى بعض الاحاديث ما يوحى برجحان و استحباب تحسين الصوت بالقراءه.
فقد روى ثقه الاسلام الكلينى- فى الكافى- بسنده عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال: قال النبى (ص): «لكل شى ء حليه، و حليه القرآن الصوت الحسن»، و عنه (ع) قال: قال رسول الله (ص): «اقراوا القرآن بالحان العرب و اصواتها، و اياكم و لحون اهل الفسق و اهل الكبائر، فانه سيجى ء من بعدى اقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانيه، لا يجوز تراقيهم، قلوبهم مقلوبه و قلوب من يعجبه شانهم».
و عنه (ع) قال: «كان على بن الحسين (صلوات الله عليه) احسن الناس صوتا بالقرآن، و كان السقاوون يمرون فيقفون ببابه يسمعون قراءته». و جاء عن ابى جعفر محمد الباقر انه قال لابى بصير: «رجع بالقرآن صوتك فان الله عز و جل يحب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعا».
و لعل الوجه فى ذلك ان للترجيع و للترديد و الترتيل بالصوت الحسن دورا فاعلا فى تعميق الاحساس الوجدانى بالكلمه، و وعى مضمونها الفكرى و الروحى، لانه يجسد الكلمه تجسيدا حيا فى معناها، فتنفتح عليها احاسيس الانسان و مشاعره، فتدخل الى عقله بطريقه حبيبه حميمه مما يزيد فى انفتاح العقل عليها، و لكن لابد من التدقيق فى الاسلوب الترجيعى و الطريقه الترتيليه و الموسيقى الصوتيه، لتكون منسجمه مع الاسلوب القرآنى، فلا تبتعد عن الجو الروحى و الايحاء الربانى، لان بعض الاساليب قد تقترب بالتجويد من العبث الموسيقى الذى يجعل الكلمه مجرد صوت لا يوحى بالمعنى و لا ينفتح على الروح، لان القرآن ليس صوتا فى الاذن و لكنه حركه فى الروح و القلب و العقل، الامر الذى يجعل الغناء القرآنى لونا جديدا ينفتح على الايحاء الروحى و يبتعد عن الحس الغريزى. و ربما كان الحديث النبوى الشريف فى حديثه عن هولاء الذين يرجعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانيه يشير الى الذين لا يعيشون القرآن بقلوبهم و لكن يطربون له باسماعهم.
المفاهيم الاساسيه فى الدعاء:
اما حديث الامام عن القرآن فى هذا الدعاء، فهو انه الكتاب الذى ينفتح بالنور المنطلق من وحى الله ليضى ء للانسان عقله و قلبه و روحه و حياته، فى منزلته الكبرى عند الله الذى جعله مهيمنا على الكتب التى انزلها على رسله كالتوراه و الانجيل و صحف ابراهيم و زبور داود، بما احتواه من معانيها، و ما تميز به عنها من مطالب جديده و تشريعات شامله، كما فضله- فى هذا الجو- على الاحاديث التى قصها على الناس مما فيه الموعظه و الوصيه و النصيحه و التشريع من خلال بعض الميزات الموضوعيه و البلاغيه، و لله فى كتبه شوون مما يفضل به كتابا على كتاب، و رساله على رساله حسب حكمته، و كلها و حيه و كلامه، و جعله فرقانا يفرق به بين حلاله و حرامه، فلا يختلط احدهما بالاخر من خلال فقدان الوضوح و ضبابيه التصور لدى الناس الذين قد يجهلون تفاصيل ذلك من خلال الشبهات، و هو القرآن الذى يعرب به عن شرائع احكامه و يفصل لعباده كل ما يتعلق بهم من مهمات و مسئووليات و اوضاع، و هو الوحى الذى انزله الله على عباده تنزيلا.
و هو النور الذى يمتد فى حركه الانسان فى الحياه ليهتدى به السائرون فى مواجهه قضاياهم و اداره شوونها، فينقذهم من ظلمات الضلاله الفكريه و الروحيه و العمليه و الجهاله الثقافيه اذا اتبعوا كلماته و انفتحوا على معانيه، و هو الدواء الناجع الذى يشفى به المتاملين المنصتين لاياته فى وعى روحى ينطلق بالقناعه و التصديق، فى الاستماع اليه ليطرد كل امراض الانسان الروحيه.
و هو الميزان العدل الذى لا يجور على الناس فى ما يقضى بينهم، و فى ما يختلفون فيه من قضايا الحياه المتصله بمصالحهم و مشاكلهم، فيعطى كل ذى حق حقه من خلال الخطوط البينه الواضحه التى تزن الامور بميزان دقيق على اساس الحق الذى تنطق به آياته، و هو نور الهدى الذى يبقى فى حاله اشراق مستمره بما يقدمه من البرهان الذى يوكد للناس حجته و حقيقته، و هو العلم الواضح الذى يودى الى النجاه فلا يضل من قصد السير فى اتجاهه، و انفتح على سنته، و لا يهلك من استمسك به و اعتصم بعروته.
ثم ينطلق الدعاء الى الله الذى سهل للمومن من تلاوته، و اعان اللسان على الحركه فى قراءته، ان يوفق لرعايته بالتدبر فيه، و ان يحقق الاذعان بالواضح البين من آياته، و الاقرار بالمتشابه و المحكم من بيناته. و ينفتح الدعاء على دور القرآن فى ثقافه النبى محمد (ص) الذى الهمه الله علم اسراره العجيبه كاملا غير منقوص، و ابقى لامته الارث العظيم الذى يتمثل فى تفسيره، و جعل لها الفضل على الجاهلين به، و القوه التى ترتفع بها فوق العاجزين على حمله.
و ينطلق الوعى القرآنى فى وجدان المومنين ليومنوا بانه وحى الله الذى لا ياتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، و انه ليس من البشر فلا مجال للشك فيه او للانحراف عن خطه المستقيم، و ليتحركوا فى خط هداه، و ليعتصموا بحبله، و ياووا الى معقله، و يشعروا بالسكينه فى ظله، و يهتدوا بضوئه، و يقتدوا به، و ليكون- وحده- الهادى الذى يهدى الى الحق فلا يلجاون الى غيره.
و هو الوسيله للحصول على كرامه الله، و السلامه فى المصير، و السبب فى النجاه فى القيامه و الوصول الى النعيم فى دار الخلود، و هو الذى يخطط للانسان الحركه فى استقامه السلوك و عمق الاخلاق، ليحصل الانسان على صفات الابرار، و يتخفف من الخطايا، و ينطلق فى مسيره القائمين لله فى الليل و النهار، فيتطهر بذلك من الدنس، و يتبع آثار الذين عاشوا القرآن نورا يضى ء عقولهم، و ينفتح على المسووليه فى خط العمل بعيدا عن الاستغراق التجريدى فى الامال الغراره.
و هو الذى يونس وحشه المومنين فى ظلمات الليل، و يحرسهم من نزغات الشيطان، و يحبس الاقدام عن الانطلاق فى دروب المعاصى، و يخرس الالسنه عن الخوض فى الاباطيل من دون ان يعطل نطقها، و يزجر الاعضاء عن التجرو على المعاصى، و يبعد الفكر عن الغفله فى مواقع العبره و العظه، و يفتح القلوب على فهم عجائبه و الوقوف امام زواجره القاسيه التى لا تتحملها الجبال الرواسى.
و للقرآن- مع ذلك كله- دور التاكيد على الوعى الروحى الذى يصلح للانسان ظاهر حياته، و يحجب الخواطر القلقه عن التاثير فى ضميره، و يغسل به قذاره قلبه و روابط الاثام، و يجمع الامور المتناثره، و يروى ظما روحه فى موقف القيامه، و يكسوه حلل الامان يوم النشور من كل هول و فزع، و يهيى ء الاجواء فى سد الخله من الفقر، و يسوق اليه رغد العيش و خصب السعه فى الرزق، و يحميه من الطبائع السيئه و الاخلاق الرذيله، و يعصمه من الكفر و النفاق من خلال الفكر الذى يركز العقيده و يقوى القيم الروحيه فى الاخلاص لله، فيكون سبيلا الى الرضوان، و يبعده عن التعدى لحدود الله، و ذلك بالوقوف عند احكامه فى ما احل من حلاله و حرم من حرامه ليشهد له.
فاذا وقف الانسان عند نهايه حياته، فان القرآن بايحاءاته يخفف كرب السياق فى الموت، و ضغط الواقع الجديد على الذات فى المعاناه التى تواجهها فى الخروج من عالم الحياه الى عالم الموت، و ينطلق الدعاء فى ابتهالات العقل و الروح ليبارك الله للانسان هذه الرحله الجديده الى العالم الجديد فى الاقامه فى اعماق الارض، و ليجعل القبور منازل الرحمه، و لتفسح الرحمه ما ضاق به من اللحود، و ليستر على المذنبين فلا يفضحهم يوم القيامه بذنوبهم.
ثم اذا وقف الناس فى موقف العرض على الله، كان القرآن هو الذى يرحم الله به عباده من ذل المقامه، و يثبت زلل الاقدام، و ينور به ظلمات القبور، و ينجى به كل كرب القيامه و اهوال الطامه الكبرى، و يبيض به الوجوه يوم تسود وجوه الكافرين و المتمردين، و يفتح قلوب المومنين به على الود للمومنين الداعين و لا يجعل الحياه تعبا و نصبا.
و يختم الدعاء بالدعاء للنبى ليرفع الله درجته، و يعظم قدره، و يصلى عليه بافضل صلواته بما يبلغه كل رحمه الله و لطفه و رضوانه.
اللهم انك اعنتنى على ختم كتابك الذى انزلته نورا، و جعلته مهيمنا على كل كتاب انزلته، و فضلته على كل حديث قصصته، و فرقانا فرقت به من بين حلالك و حرامك، و قرآنا اعربت به عن شرائع احكامك، و كتابا فصلته لعبادك تفصيلا، و وحيا انزلته على نبيك محمد صلواتك عليه و آله تنزيلا، و جعلته نورا نهتدى من ظلم الضلاله و الجهاله باتباعه، و شفاء لمن انصت بفهم التصديق الى استماعه، و ميزان قسط لا يحيف عن الحق لسانه، و نور هدى لا يطفا عن الشاهدين برهانه، و علم نجاه لا يضل من ام قصد سنته، و لا تنال ايدى الهلكات من تعلق بعروه عصمته.
القرآن نور و شفاء و هدى و نجاه لمن قراه و دعاه:
يا رب، ان هذا القرآن الذى وفقتنى لتلاوته سوره سوره و آيه آيه، و ساعدتنى على وعى معانيه و فهم حقائقه حتى بلغت آخره، هو كتابك الذى انزلته ليكون نورا فى العقل و القلب فى اشراقه الحقيقه فيه و اضاءه الخير فى كلماته، و جعلته فى قمه العلو فى الدرجه ازاء الكتب التى انزلتها على رسلك، فكان المصدق لها و المهيمن عليها، و ذلك هو قولك- سبحانك-: (و انزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب و مهيمنا عليه) (المائده: 48)، و فضلت حديثه على كل حديث مما قصصته على عبادك،
فكان فرقانا بين الحلال و الحرام فى ميزان دقيق يتعرف فيه الناس حدود الحلال و الحرام، و قرآنا تفصل به دقائق الشرائع من احكامك، ليكون كتاب الرساله التى بعثت بها محمدا (ص) ليبلغها للناس فى حركته الهاديه، و انطلاقته الواعيه، لتثبت به فواده و فواد المومنين، و لتفتح به العقول على معرفتك، فيكون نورا يهتدى به الناس، فيعرفون به حقائق الاشياء فى حركه العقيده و الشريعه و الحياه، فلا يتخبطون فى ظلمات الضلاله اذا اتبعوا نهجه لانه يدلهم على الطريق المستقيم، و لا يغرقون فى وحول الجهاله اذا قراوه و وعوه و ساروا على هداه، لانه يمنحهم العلم الذى يطل بهم على كل القضايا فى دينهم و دنياهم، فاذا مرضت عقولهم بالشبهات و صدورهم بالاضاليل، كان شفاء لهم من امراضهم الروحيه و الفكريه، فيقدم لهم دواء كل داء اذا انصتوا اليه بوعى و تدبر، فصدقوا به تصديق القناعه الوجدانيه المنفتحه على عمق الحقيقه، و وضعت فى آياته الناطقه بالحق الميزان الدقيق الذى يزن الامور بالعدل الذى لا يجور على احد اذا اختلف الناس فى قضاياهم، و تنازعوا فى اوضاعهم، و انرت ببراهينه الساطعه التى تمثل الحجج الواضحه القويه لتنير للسائرين طريق الهدى فى دروب الحياه، و وجهتهم الى سبيل النجاه فى كل مسالك الواقع بما حشدت فيه من علم الحق الذى ينمو به من سار على ضوئه، و تحرك فى طريقه، و لا يقع فى قبضه الهلاك من تمسك بعروته الوثقى التى لا انفصام لها.
اللهم اجعلنا ممن يرعى القرآن حق رعايته:
يا رب، انك اعطيتنا القوه و العون على قراءه القرآن، و يسرت لنا السبيل الى الانفتاح على ما فى كلماته من حسن و جمال و عذوبه و ابداع، بما حركت السنتنا به من خلال ما اودعته فيها من قوه الحركه الناطقه، فتلوناه كلمه كلمه، و آيه آيه- كما امرت- لنرتبط به ارتباط الصوت بالكلمه.
اللهم فاجعلنا فى الدرجه العليا من الوعى له و الايمان به و التدبر له، و الرعايه له بما يستحقه من الرعايه من حيث هو كلامك المنفتح على الحق كله، فلا يقترب الباطل اليه، مما يفرض علينا ان نتعبد بالاعتقاد المطلق المتمثل بالتسليم الواعى للواضح البين من ظواهر آياته، و الاقرار الثابت بكل ما ابهم علينا من متشابهاته التى لا يدرك الانسان حقيقه معانيها من خلال الغموض الذى يلفه، مما او ضحته منها بما بينته من ردها الى المحكمات، و كشفت اسرارها بطريقه او باخرى.
و هكذا يتيسر لنا ان نجد فى القرآن ثقافتنا الواعيه العميقه الممتده فى حركه الحقيقه فى الوجدان و فى الواقع، فقد انفتح عليه رسولك مجملا فى البدايه، و مفصلا فى النهايه، بما الهمته من العلم الذى ينفذ الى اسراره العجيبه من حيث ما يختزنه من التفصيلات الدقيقه التى توضح للناس بالبيان الكامل الذى يفسر كل آيه بكل جوانبها فى حاجات الانسان الفكريه و العمليه فى منهاج الحياه بما اراده الله منه، فورثنا علمه- كما علمنا نبيك مما علمته- بطريقه واضحه لا غموض فيها و لا خفاء، فاعطيتنا بذلك العلم الذى لا جهل معه، و قويتنا على الاستفاده منه بما يجعل لنا الفضل على الاخرين و الرفعه الثقافيه عليهم، ممن لم يقدر على حمله عقيده و عملا و حركه فى خط الواقع.
كيف تنزل القرآن الكريم؟
و قد اختلف الراى فى المراد من انزال القرآن على النبى (ص) مجملا، و الهام عجائبه مكملا.
ما معنى الاجمال هنا؟... ان حقيقه المجمل- كما يقول الراغب- هو المشتمل على جمله اشياء كثيره غير ملخصه اى غير مبينه. قال بعضهم:- كما فى رياض السالكين-: معنى انزاله تعالى القرآن مجملا: انه لم يبين له اسراره و عجائبه المستنبطه منه حال انزاله بل اوحاه اليه مجملا، ثم الهمه- بعد ذلك- علمه بالتمام، كما تدل عليه الفقره الثانيه.
و قيل: اجماله بالنسبه الى غيره (ع) لا اليه، ليكون هو الذى يفصله و يبينه. و قال صاحب رياض السالكين: و الاولى ان يكون المراد بقوله: مجملا، انه مشتمل على جمله اشياء كثيره من الاسرار و الاحكام غير مبينه و لا مشروحه فيه بحيث يعلمه كل احد، كما ورد فى الحديث عن ابى عبدالله ( ع) انه قال: «ما من امر يختلف فيه اثنان الا و له اصل فى كتاب الله عز و جل و لكن لا تبلغه عقول الرجال».
و عنه (ع): «انزل فى القرآن تبيان كل شى ء، و الله ما ترك شيئا يحتاج اليه العباد حتى لا يستطيع عبد يقول: لو كان هذا انزل فى القرآن الا و قد انزله الله فيه». و يتابع السيد على خان المدنى- رحمه الله- فيقول: «و الفرق بين هذا المعنى و بين المعنى الاول: ان علمه (ع) بما اجمل فيه لم يكن بعد عدم العلم به، بل علمه به بالتمام من نفس علمه به مجملا، فان النفوس القدسيه اذا علمت الجمل فقد علمت تفسيرها، و ذلك كما اذا نظرت الى زيد فقد ابصرت كله اجمالا و ابصرت اجزاءه و تفاصيله جميعا عند ابصار كله، بل ابصار الكل و الاجزاء ابصار واحد و انما يتفاوت بالاعتبار. و الفرق بينه و بين المعنى الثانى: ان اجماله بالنسبه اليه ايضا (ع) لا شتماله على جمله الاحكام و الاسرار التى اودعها- سبحانه- فيه، غير انه (ع) الهم علم ذلك مفصلا من علمه به مجملا بخلاف غيره».
و نلاحظ على كلامه- رحمه الله- ان المشكله لديه فى المصير الى هذا التاويل المخالف للظاهر، هو ان الاجمال اولا ثم التفصيل يستلزم عدم علم النبى بالتفاصيل فى وقت نزول الايه، مما لا يتناسب مع مقام النبوه الذى يرتفع الى رحاب القدس، فيطلع بعمق المعرفه القدسيه و امتدادها على كل الحقائق دفعه واحده، مما يفرض علينا تاويل النص الذى يدل على خلاف ذلك. و لكننا فى دراستنا للقرآن، نجد الكثير من الايات الداله على التدرج فى اعطاء النبى (ص) علم الرساله و علم الاشياء، فلم يكن- قبل النبوه- يعلم الكتاب و تفاصيل الايمان، و ذلك هو قوله تعالى: (و كذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدرى ما الكتاب و لا الايمان) (الشورى: 52). و قوله تعالى: (و انزل الله عليك الكتاب و الحكمه و علمك ما لم تكن تعلم و كان فضل الله عليك عظيما) (النساء: 113).
و قوله تعالى: (و قال الذين كفروا لو لا نزل عليه القرآن جمله واحده كذلك لنثبت به فوادك و رتلناه ترتيلا) (الفرقان: 32).
و غير ذلك من الايات التى توحى بان الله كان ينزل على رسوله مفردات العلم بشكل تدريجى مما يوحى به اليه او يلهمه علمه، و ليس هناك اى محذور عقلى على ذلك فى العقيده، لانه لا يمثل نقصا فى وعى الذات الثقافى، باعتبار ان هذه الامور المرتبطه بعلم الله مما لا يمكن للانسان ادراكه بعقله ليكون الجهل به نقصانا فى الشخصيه من حيث ضعف القدره العقليه و الفكريه، بل هى من الامور التى تتصل باسرار علم الله و غيبه مما يطلع عليه رسله و بعض عباده بما يحتاجون اليه فى مهمتهم الرساليه و دورهم النبوى، و لا ينافى ذلك ان الانبياء يتميزون بالروح القدسيه، لان قدسيه الروح لا تعنى ذاتيه ادراكها الاشياء المتصله بعلم الله فى مجملاتها و تفاصيلها الا من خلال تعليم الله لهم ذلك، و الله العالم.
اللهم اجعلنا ممن يعتصم بحبله:
يا رب، لقد اودعت فى عقولنا القدره على وعى المعرفه فى كل مفرداتها، و الطاقه على تحريك ذلك فى اغناء الانسانيه بكل الوان الثقافه فى جميع جوانبها، و هكذا انفتحت هذه العقول المودعه فينا على كتابك، فحملته حمل حفظ و الهام و تدبر و تامل، بما استطاعت به ان تتعرف على حدوده و احكامه و خصائصه و اسراره فى اوضاع الكون و الحياه و الوجود، فعرفنا بذلك- من خلال رحمتك فى وعى المعرفه التى هى النعمه الكبرى لدينا- شرفه فى اعجازه، و بركته و عمق الحكمه فيه، و سمو العلم فى آياته، و تميزه على ما عداه من الكتب، و تصديقه لما بين يديه، و كماله فى انفتاحه على الحقائق التى تمثل حاجه الانسان فى حركه انسانيته فى اوضاعه الخاصه و العامه.
و قد كان محمد (ص)- فى اسلوب هذا الدعاء- الخطيب به، لانه الرسول الذى اوكل اليه مهمه تبليغه و تلاوته على الناس، و تعليمهم الكتاب و الحكمه، ليقودهم بذلك الى تحقيق المصالح فى حياتهم، و ابعاد المفاسد عنهم، و ليخرجهم من الظلمات الى النور، و ليهديهم الى سبل السلام و الى الصراط المستقيم.
و كان آله- من الائمه الاطهار- خزان القرآن بما اعطاهم الله من امتداد المعرفه به و عمق الوعى له الهاما، و بما تعلموه من رسول الله من اسرار آياته و دقائق احكامه، و هذا ما تحدث به الامام على (ع)- فى ما رواه ابونعيم فى «حليه الاولياء»، و اخرجه من طريق ابى بكر بن عياش عن نصير «او نصر» بن سليمان الاحمسى عن ابيه عن على (ع) قال: «و الله ما نزلت آيه الا و قد علمت فيم انزلت و اين انزلت، ان ربى و هب لى قلبا عقولا و لسانا مسوولا»، و قد جاء الحديث عنه علمنى- رسول الله- الف باب من العلم يفتح لى من كل باب الف باب»... و جاء عن رسول الله (ص): «انا مدينه العلم و على بابها».
و جاء فى روايه جابر عن الامام محمد الباقر (ع) انه قال: سمعت اباجعفر (عليه السلام) يقول: «ما ادعى احد من الناس انه جمع القرآن كله كما انزل الا كذاب، و ما جمعه و حفظه كما نزله الله تعالى الا على بن ابى طالب و الائمه من بعده».
اللهم صل على محمد المبلغ لكتابك و على اهل بيته الحافظين له، و عمق فى ايماننا الايمان بانه الوحى النازل من عندك الذى لا ياتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، و لا يملك بشر او اى مخلوق آخر ان يصنع مثله، حتى لا نشك فيه و لا يدور فى خلجاتنا الذهنيه اى ميل عن الخط المستقيم فى الاعتراف به كوحى منزل من عندك، و ذلك من خلال دراستنا له فى اسرار بلاغته فى مستوى القمه منها، و فى امتداد معارفه و احكامه و مناهجه و ايحاءاته مما لا يبلغه الا خالق الكون كله.
اللهم ان القرآن ربيع قلوبنا و شفاء صدورنا و الركن الوثيق الذى نستند اليه و النور الذى نستضى ء به،
اللهم اجعلنا فى اجواء القرآن نعيش، و بحبله نعتصم، و بمعقله الحصين نجد الامن الفكرى و الروحى من كل جيوش الشبهات و متاهات المتشابهات، لان فى آياته اشراقه الحقيقه التى تزيل الضباب و تطرد الظلام و تشير الى الغايه الكبيره، و فى ايحاءاته سكينه الروح و طمانينه العقل، و فى مفاهيمه الضوء الصباحى الذى يزيح كل ليل الضلال ليتحرك الهدى من خلاله، فهو المصباح الذى لا مثل له فى روحيه الاشراق، و هو الهدى الذى لا يهتدى الناس بغيره و لا يجدون الوضوح فى سواه، كما قال الرسول الاعظم محمد (ص): «من ابتغى الهدى فى غيره- اى القرآن- اضله الله»... و فى ضوء ذلك كله، فان علينا ان ننفتح على القرآن فى حل مشاكلنا، ففيه الفكر المتوازن الذى يجمع العاطفه الى العقل، و الروح الى الماده، و الفرديه الى الجماعيه، مما يخترق عمق الانسان فى كل تصوراته و قضاياه، و هذا هو خط المنهج الاسلامى الذى لا بد للانسان المسلم من ان ينهجه و يهتدى به فى حركته الفكريه و العمليه، ليكون القرآن- الذى هو وحى الله- الاساس الثابت فى الواقع الوجودى للانسان المسلم.
اللهم اجعل القرآن وسيله لنا الى اشرف منازل الكرامه:
يا رب، لقد ارسلت محمدا (ص) ليكون الرسول الانسان الذى انفتحت آفاق انسانيته على كل آلام الناس و احلامهم، و اشرفت على كل قضاياهم، فتحرك من اجل ان يربط الانسان بالحياه المسووله من خلال ارتباطه بك، فلا تنفصل علاقته بربه عن علاقته بالناس من حوله و بالواقع المحيط به، و هكذا انطلق بالرساله من موقعه الذى جعلته فيه علما و منارا للدلاله عليك، ليتعرفوا اليك فى حقيقه المعرفه المنفتحه على كل اسرار عظمتك و مواقع نعمتك، ليعبدوك من موقع الوعى، و يرتبطوا بك من قاعده الايمان، و جعلت آله فى خط الرساله الذى يفتح نوافذ الرضى اليك، لانهم الموتمنون على اصاله الفكر، و وضوح الطريق، و عمق السر، و روحانيه الحركه، و استقامه النهج، من حيث هم الامتداد الرسالى لجدهم النبى (ص) من دون موقع الرساله، و قد جاء عن الامام جعفر الصادق (ع) انه قال: «ان الله اوضح بائمه الهدى من اهل بيت نبينا عن دينه و ابلج بهم عن سبيل منهاجه و فتح بهم عن باطن ينابيع علمه».
اللهم انك خططت لنا فى القرآن طريق الحق لنهتدى الى موقع القرب منك و رحاب الرضوان لديك، فوفقنا للسير فيه ليكون ذلك الوسيله للحصول على اشرف منازل الكرامه، و السلم الذى يرقى بنا الى مواقع الامن و السلامه، و السبب الذى نحصل منه على النجاه فى ساحه القيامه، و ننطلق من خلال ذلك كله لنرد على مواقع النعيم فى دار الخلود.
و هكذا نتخفف من ثقل خطايانا بالاكثار من حسناتنا فى العمل باوامر القرآن و نواهيه، و نحصل على الاخلاق الطيبه التى يتصف بها الابرار، و نقتفى آثار عبادك الصالحين الذين اخلصوا لك العباده فقاموا فى خشوع و خضوع ليتعبدوا لك فى ساعات الليل و بدايات النهار و نهاياته، فنجد فى ذلك الطهاره من كل دنس، من خلال ما يشتمل عليه من عناصر الطهاره المنطلقه من طهاره قدسك، و نكتشف فيه آثار الماضين الذين عاشوا نوره فى عقولهم و قلوبهم، فاستضاووا به فى ظلمات الطريق، و عرفوا الحقيقه فى جديه الحياه، فلم يشغلهم لهو الحياه و عبثها و خداع الصور المزخرفه التى تجتذب الانظار باشكالها الساحره عن الاحساس بالمسووليه فى العمل بما يرضى الله و يقرب اليه.
اللهم اجعل القرآن لنا من نزغات الشيطان حارسا:
يا رب، انك خلقتنا و اودعت فينا الاحساس بالوحشه فى ظلمات الليل، لان الليل يحجب عن عيوننا وضوح الرويا للاشياء، و يزحف على حياتنا فيغلق عنها نافذه الضياء، و يدفع بالاشباح فى حركتها فى قلق الروح الى داخل عقولنا، فنشعر بوحشه الكون فى ذعر الجسد و رعب الروح، فنبحث عن الانس الجسدى فيمن نلتقيه، و نتطلع الى انس الروح فى ابتهالاتنا الروحيه اليك، و نحن هنا- يا رب- ننفتح على استيحاء القرآن فى كلماتك، لنلتقى بك فى حديثك الالهى، المملوء بالحنان، الفياض بالرحمه، المنفتح على الوعى، فنانس به لاننا نلتقيك فى ايحاءاته و نستلهمك فى مواعظه و نصائحه، فتذهب عن نفوسنا كل آثار الوحشه، و كيف يستوحش من كنت انيسه، و كيف يخاف من كنت راعيه؟..
اللهم اجعل القرآن فى حديث الليل السمير الذى يرفع عنا وحشه الظلام لانه يفتح فى قلوبنا نور الفرح الروحى، فان انس الروح يمنح الجسد فى خلجاته و احاسيسه معنى السرور، و احرسنا- يا رب- من نزغات الشيطان الذى يستغل نوازع الغرائز ليثير فينا الاحاسيس الشريره و الوساوس الخبيثه من خلال عناصر الاثاره فى حركه الواقع المعاش، و اجعل القرآن الحارس الذى يحرس عقولنا من كل دسائسه و حبائله و خدعه و غروره، لان اشراقه الحق فى داخله تمنع ذلك كله، لان الشيطان ينفذ الى الانسان من خلال سيطره الغفله عن وجدانه، و للقرآن دوره الكبير فى تفجير اليقظه التى تفتح للانسان القارى ء له المتامل فى آياته كل افق لكل القضايا المعقده و الاشكالات المبهمه، من اجل توضيح المشكل و حل المعقد، و هذا ما اوضحه الامام على اميرالمومنين (ع)- كما فى الكافى-: «البيت الذى يقراء فيه القرآن و يذكر الله عز و جل فيه تكثر بركته و تحضره الملائكه و تهجره الشياطين»، لان قراءه القرآن تمثل حضور الله فى عقل البيت و قلبه و حركته فى معنى الانسان فيه.
و للقرآن دوره الوعظى، فى مواعظه التى تنفذ الى اعماق الروح و تلامس شعور القلب، و تدفع الجسد- من خلال كل موثراتها فى الوجدان- الى المزيد من الانضباط فى خط التقوى الذى يحرك خطوات الانسان نحو الجنه، بالرغبه فيها و الشوق اليها، و يبعدها عن النار، بالخوف منها و النفور منها، و يحبسها- فى هذا الاتجاه- عن الانتقال الى المعاصى التى تودى الى غضب الله و سخطه.
اللهم انا نبتهل اليك ان تجعلنا ممن تنفذ مواعظ القرآن و نصائحه الى عقولهم و قلوبهم، لتترك تاثيراتها فى حياتهم فى الابتعاد عن خط الانحراف فى معصيه الله فى اوامره و نواهيه، سواء فى كلماتنا التى قد تخوض فى الباطل و تتنكر للحق و تفيض فى مفردات الضلال، او فى ممارساتنا فى اعضائنا للاثام العمليه، لنحصل من خلال توفيقك على اخراس الالسنه عن الباطل كله و عن زجر الجسد عن نوازع الشر فى داخله.
و وجهنا- يا رب- فى حركه عقولنا و قلوبنا- الى مواقع اليقظه التى تنفتح بنا على العبره فى خط الفكره، و على الدرس فى ساحه التجربه، و ابعدنا- بالقرآن- عن كل اجواء الغفله التى تبتعد بنا عن وعى الحق فى آفاقك، لنصل- من خلال ذلك- بقلوبنا الى فهم اسراراه العجيبه و زواجر امثاله المتنوعه فى مواردها و مصادرها و ايحاءاتها التى لا تطيقها الجبال فى صلابتها و امتدادها و قوتها، فكيف بالانسان الضعيف الذى لا يملك ايه قوه فى معنى الجسد؟...
و قد جاء فى بعض الاحاديث: «القرآن هدى من الضلاله، و تبيان من العمى، و استقاله من العثره، و نور من الظلمه، و ضياء من الاحداث، و عصمه من الهلكه، و رشد من الغوايه، و بيان من الفتن، و بلاغ من الدنيا الى آلاخره، فيه كمال دينكم، و ما عدل احد عن القرآن الا الى النار».
و قد جاء- فى الكافى- ان الامام السجاد قال: «آيات القرآن خزائن، فكلما فتحت خزانه ينبغى لك ان تنظر ما فيها».
و هكذا نجد كيف ينفتح بنا الدعاء على القرآن فى آفاق العبره و اليقظه و الوعى و عجائب الفكر و زواجر القلب، فهو الامر الزاجر.
اللهم اغسل بالقران درن قلوبنا:
يا رب، لقد انزلت القرآن على رسولك من اجل تغيير الانسان فى ظاهره و باطنه الى الافضل، و فى تركيز حركته فى الحياه فى الداخل و الخارج على خط الاستقامه فى اتجاه توحيدك، باعتبار ان ذلك هو الذى يوصل انسانيته التى عمقت فيها الفطره التى توحى بالقيم الروحيه الانسانيه فى علاقته بربه و بنفسه و بالناس و الحياه من حوله، و ذلك من خلال التعاليم المفصله المتنوعه التى و زعتها على مختلف اوضاع الانسان فى اقواله و افعاله و علاقاته، و اودعت ذلك فى كتابك فى خطوطه العامه و الخاصه لاصلاح ظاهره فى ممارساته العمليه فى دائره التقوى، و لتركيز ظاهره فى افكاره المنفتحه على الحق، و فى دوافعه المنطلقه من الخير، و فى تطلعاته المرتكزه على الخط المستقيم.
اللهم الهمنا سلامه التصور للاشياء، و استقامه الفكر فى قضايا العقيده و الحياه، و قوه الاراده فى تاكيد الموقف، حتى نصلح حياتنا الخارجيه بالسير- مع التقوى- فى طريق رضاك، و نطرد فى واقعنا الداخلى فى الفكر و الروح و الشعور كل الوساوس الشيطانيه التى يزرعها الشيطان فى داخلنا، ليربك كل ما يختزنه الوجدان من عناصر الحق الفكرى و الروحى و الشعورى، فاننا نريد ان تكون صورتنا فى الشكل و المضمون فى صوره رضاك و فى عناوين الحقيقه بدلا من الوهم الذى يربطنا بالخرافه و الزيف الذى ينفتح بنا على الباطل، لانك تريدنا فى حركه الواقع ان تكون انسانيتنا فى موقع الايجابيه لبناء الحياه.
اللهم اجعل القرآن ينبوع طهر يغسل قلوبنا من امراضها بما قد تختزنه بفعل الموثرات المنحرفه من اللوم و الحقد و الحسد و البغضاء و غيرها، حتى نغتسل به فى كل صباح و مساء فى وعى للايه و فى انفتاح على الموعظه، و طهر- يا رب- بالقرآن فى ايحاءاته الفكريه و الروحيه كل واقعنا العملى من الذنوب الخفيه و الظاهره، حتى لا يبقى علينا ذنب يرهق طهارتنا الانسانيه، لان الذنوب ليست حاله طارئه فى رياح النفس، بل قد تكون حاله متجذره فى الاعماق من خلال الاوحال المتراكمه الكامنه فى النفس.
يا رب، و اجعل القرآن عنصر وحده، يوحد القلوب على المحبه و يجمع الناس على البر و التقوى، و يفتح لهم ابواب التعاون على رعايه كل امورهم بالخير و الحق، فلا تبقى امورهم الحيويه منتشره فى كل موقع، موزعه بين كل افق، بل تجتمع على مواقع رضاك فى وحى آياتك.
و هيى ء لنا الحصول على محبتك التى تروى اعماقنا فنرتوى بها- فى وحى القرآن- فى ظماء الاجواء الملتهبه بالحراره فى موقف العرض عليك يوم القيامه (يوم يقوم الناس لرب العالمين) (المطففين: 6) فلا نحس بالعطش و لا نسقط تحت تاثير حرارته، بل تتحول محبتك و رحمتك بردا و سلاما على عبادك الصالحين.
و البسنا- يا رب- حلل الامان، لنعيش الامن المنفتح على الثقه برحمتك، و الامل بمغفرتك، و التطلع الى رضوانك، فلا نقف فى حاله عرى كامل من تاثير الخوف فينا
فى يوم الفزع الاكبر فى ساحه النشور.
اللهم، و قد يسيطر علينا الفقر بفعل الاسباب الواقعيه التى تدفع به الى حياتنا فنعيش مرارته و جوعه و عريه و تشريده و حزنه و ياسه، و قد تتجمع المشاكل- من داخله- فى واقعنا فتعطل لدينا كل فرصه للحركه فى اتجاه الخلاص.
اللهم اننا نتوسل اليك بالقرآن الذى تحبه لانه وحى الحق فى كلماتك، بان تجبر هذا الكسر المادى لحياتنا بقوتك، فتخلصنا من الفقر بغناك، بما تهيوه لنا- فى غامض علمك- من الوسائل التى تفتح لنا ابواب السعه فى الرزق و الخصب فى الانتاج، و تغلق عنا ابواب التحرك بالذهنيه المغلقه، و بما تلهمنا من التفكير فى تفاصيل العمل المتحرك فى خط الرشد الاقتصادى فى الكسب و الانفاق، و ترزقنا من حيث نحتسب و من حيث لا نحتسب.
و ابتعد بنا- يا رب- من خلال و عينا للقرآن فى آياته التربويه و تعاليمه الاخلاقيه و تطلعاته الروحيه، عن كل الطبائع و السجايا السيئه المذمومه، و كل الاخلاق السافله الرذيله، حتى تكون اخلاقنا صوره لا خلاقك، و تنطلق طبائعنا فى الخط الذى يتحرك فى مواقع رضاك.
اللهم اعصمنا بالقرآن من الكفر و النفاق:
يا رب، هب لنا العصمه الفكريه من الانحراف الفكرى فى العقيده، الذى يبتعد عن خط الايمان، و ينحدر بنا فى هوه الكفر، و ذلك من خلال ما نتعمق فيه من آيات القرآن و دلائله و براهينه و حججه القويه، و اعطنا المناعه الروحيه بالانفتاح على آفاق الروح فى القرآن، و خطوط الاستقامه فى اخلاقياته، لنكون الصادقين فى مشاعرنا و افكارنا و اعمالنا، فلا نقع تحت تاثير بواعث النفاق فى التواءاته الروحيه و العمليه، حتى ننطلق- بعد الموت- الى يوم القيامه بقياده القرآن الفكريه و العمليه الى ساحه رضوانك و رحاب جنانك، و نبتعد- به- عن سخطك و تعدى حدودك فى حركتنا فى واقع الدنيا، و ننفتح به على الانسجام مع شريعتك فى تحليل حلال القرآن و تحريم حرامه، لنكون فى كل دنيانا و آخرتنا فى مواقع طاعتك، و مواقف رضوانك.
اللهم خفف ببركه القرآن اهوال القيامه:
يا رب، اننا نتطلع الى اللقاء بك فى رحاب رحمتك فى دار السلام، و لكن هناك غمرات و غمرات تنتظرنا فى الطريق اليك، فى الالام التى تصيبنا فى اجسادنا، و فى الكرب النازل بنا فى ساعات نزع الروح عن البدن، و فى تتابع الحشرجات اللاهثه فى الصرخات الخافته فى ترددات النفس، عندما تبلغ النفوس التراقى، و يصرخ الاهل باحثين عن الراقى الذى يعوذنا بكل تعاويذ الابتهال اليك، و يقترب ملك الموت منا ليقوم بمهمته التى اوكلتها اليه فى قبض ارواحنا، و يطلق اسهم الموت نحونا ليقودنا الى الاجواء التى نعيش فيها وحشه الفراق، و يسقينا بكاسه المسمومه، و يدفع بنا الى الاخره حيث نواجه الاعمال التى تثقل اعناقنا بالمسووليه ، و يطبق القبر بظلامه و وحشته علينا فى سكون دائم ينتظر حركه الصيحه الكبرى يوم المعاد.
اللهم خفف ببركه القرآن و شفاعته و قيمته عندك- و نحن من اهله القارئين له الملتزمين نهجه- كل هذه الاهوال، و كل هذه الالام، حتى تسهل علينا الطريق، و تجعل فى الموت راحه و انسا و سرورا و فرحا لا يشوبه حزن و لا الم- بلقاك.
اللهم ارحم- بالقرآن- ذل مقامنا فى القيامه:
يا رب... و نصل الى قبورنا التى تمثل دور الفناء الذى تتقطع فيه اعضاونا، و تتفرق فيه اوصالنا، و تتفتت فيه اجسادنا، و يمتد بنا هذا التفتت المتحرك فى اقامه طويله تحت اطباق الثرى.
اللهم بارك لنا فى ذلك حتى تمر بنا هذه التجربه الصعبه من دون صعوبه.
و اجعل قبورنا روضه من رياض الجنه نتروح فيها نسيم رضوانك لتكون خير منازلنا التى كنا ننزلها فى الدنيا، و افسح لنا من سعه رحمتك فى ملاحدنا الضيقه، لنشعر فيها بالامتداد المنفتح على رافتك، و اذا وقفنا بين يديك يوم القيامه، و معنا كل فضائح الاثام التى مارسناها فى حياتنا الماضيه فى الدنيا، فاعطنا من سترك الجميل ما يجنبنا الفضيحه على رووس الاشهاد.
يا رب، ان ذنوبنا التى اثقلت ظهورنا باثقالها توقفنا موقف الذل امامك فى موقف العرض عليك فى القيامه، و اى ذل اعظم من ذل الموقف الضعيف الذى لا يملك الانسان فيه حجه على اعماله، و لا يجد معه عذرا يبرر له كل ما اسلفه فى تاريخه الماضى، و ليس لنا- يا ربنا- فى ذلك الموقف الا رحمتك التى تفتح لنا ابواب مغفرتك، فتشعرنا- هناك- بالعز فى موقف الرضوان من عفوك، فارحمنا- يا رب-.
و اذا عبرنا جسر جهنم، و تحركنا عليه، و اضطرب فى اهتزازه، فثبت اقدامنا حتى لا تزل فتنقلب بنا فى نار جهنم، و هذا هو الذى تعبر عنه كلمه الصراط الذى قد يكون رمزا للخط المستقيم، و مهما كانت الكلمه رمزا او شكلا ماديا، فاننا- يا رب- نرجو- بكل استغاثه- ان تحمينا من السقوط فى نار جهنم بفعل الانحراف العملى او اهتزاز الخطوات فى الطريق التى تودى الى الموقف الحاسم.
يا رب، ان للقبر وحشته من خلال ظلمته، مما يجعلنا نعيش همه قبل ان ننزل فيه، و نحن هنا نتوسل اليك ببركه القرآن، ان تضى ء لنا داخله بالنور الذى يزيل الظلمه حتى نعيش فى فرح النور انتظارا لموعد القيامه، و ابعد عنا بفرح القرآن و روحانيته، كل هم و غم فى يوم القيامه من خلال حاله الخوف او الفزع التى تنتاب المذنبين الحائرين هناك، و شدائد الهول الكبير الذى يقتحم قلوبهم.
و اعطنا اشراقه وجوهنا من خلال ما تمنحنا اياه من عفوك و مغفرتك، مما يتم به نورنا الذى انطلق من نور ايماننا، فى ذلك اليوم الذى تسود فيه وجوه الظلمه الذين ظلموا انفسهم بالكفر و الضلال او بالبغى على عباد الله، و هو اليوم الذى تنفتح فيه النفس على مشاعر الحسره امام النتائج السلبيه التى تواجهنا فى حساب اعمالنا، و الندامه على الفرص الضائعه فى سالف ايامنا، و هب لنا- يا رب- محبه المومنين التى تتفاعل فى قلوبنا احساسا بالانتماء الانسانى الى المسيره الايمانيه السائره الى مواقع طاعتك و رحاب رضوانك.
و اجعل الحياه لنا- يا رب- برحمتك و لطفك و قدرتك فرحا و سروا و راحه، و لا تجعلها شديده قاسيه فى دائره العسر و الصعوبه.
يا رب، ان هذه الابتهالات الروحيه التى تنفتح فيها ارواحنا عليك، و تخشع- من خلالها- قلوبنا امامك، و تسجد- معها- ارادتنا و كل اعمالنا و اقوالنا بين يديك، هى انطلاقه ايمان يعيش فى قلوبنا و عقولنا، و خفقه محبه فى مشاعرنا، و نبضه احساس فى احاسيسنا، و حركه تعبير عن اخلاص عبوديتنا لك.
اللهم فارحم ابتهالاتنا و خشوعنا و سجودنا و نبضات قلوبنا و خفقات احاسيسنا، و صفاء كلماتنا و طهاره نياتنا، لنحصل على مواقع القرب منك، و درجات الرضوان لديك، بما تقضى به حاجاتنا، و ترفع به درجاتنا، و تحقق لنا احلامنا، و تخفف من آلامنا، و تنقذنا من صعوبات الحياه فى كل دنيانا، و تحقق لنا السعاده و النجاه و الحصول على النعيم فى جنتك فى آخرتنا.
فنحن امه القرآن التى تقراه و تتدبره و تعيشه و تتحرك فى خط تعاليمه و ارشاداته و منهجه فى الحياه.
اللهم صل على محمد و آله افضل ما جزيت احدا من خلقك:
يا رب، ان للنبى محمد (ص) فى عقولنا و قلوبنا الدرجه العليا فى احترامنا له، و تعظيمنا لنبوته، و تقديرنا للمدى الرسالى الذى فتحه و بلغه و جمع الناس على الانفتاح عليه، فهو الرسول الانسان الذى عاش انسانيته فى انسانيه الناس من حوله، من حيث تجسيده لانسانيه الرساله فى سيرته و علاقته بالناس و الحياه، و هو النبى الذى عاش المعاناه فى نفسه و روحه و جسده فى سبيل ابلاغ رسالته الى الناس كافه.
اللهم فارفع درجته من خلال صلاتك عليه، لانه بلغ رسالتك، و جهر بامرك، و اعطى النصيحه لعبادك من عقله و روحه و لسانه،
و قرب موقعه منك و مجلسه من مقامك، و وجاهته عندك، و شفاعته لديك، حتى يكون فى الدرجه الفضلى التى يتميز بها عن سائر الانبياء، لانه يستحق ذلك منك باخلاصه و روحه و جهاده و ذوبانه فيك و فى رسالتك.
اللهم، و انه قد شيد للدين بنيانا قويا صلبا لا يتزعزع، ليبقى للانسانيه فى كل امتداداتها فى الزمان، و ليشمل كل مواقعها فى المكان، اللهم فاجعل بنيانه اعلى بناء فى حمايته من ضغط الضاغطين، و تحريف المحرفين، و اجعل برهانه اعظم البرهان فى مواجهه الافكار الكافره و التيارات الضاله و الخطوط المنحرفه، و ثقل ميزانه بالحسنات، و تقبل شفاعته فى امته، و قرب كل وسائله فى الحظوه عندك و نيل الدرجه الرفيعه لديك، و اعطه- من كرامتك- من الكرامه و الفضيله مما يبقى وجهه فى اشراقه السرور فى ملامحه، و اتم له نوره فى رسالته و فى كل عطاءاته الروحيه و العمليه فى حياه الناس، و امنحه الدرجه الرفيعه عندك،
و اجعلنا- فى كل حياتنا- من السائرين على سنته فى كل مناهج حياتنا، و اذا توفيتنا و استحضرتنا دعوتك التى لا بد من اجابتها، فاجعل وفاتنا على خط دينه و توفنا مسلمين، و سر بنا فى منهاجه الفكرى و العملى فى كل قضايانا فى الحياه، و وجهنا للسير على طريقه القويم، و وفقنا لكل طاعته، و اجعلنا معه فى ساحه رضوانك، و اجعل لنا فرصه ورود حوضه الذى يسقى منه العطاشى فى ظماء يوم القيامه، ليسقينا بكاسه الاوفى شربه لا نظماء بعدها ابدا.
اللهم ان صلاتك على رسولك هى فوق كل صلاه، لانها ترفع الدرجه، و تنزل الرحمه، و تمنح الخير، و تعطى الفضل و الكرامه، اللهم صل عليه الصلاه التى تبلغه ذلك كله و تزيد عليه، فانك الرب الرحمن الرحيم، و صاحب الفضل الكريم.
اللهم اعطه جزاء جهده و معاناته فى ابلاغ رسالتك، و تلاوه آياتك، و النصح لعبادك، و الجهاد فى سبيلك، افضل الجزاء، و اعظم الثواب الذى منحته لملائكتك المقربين و لا نبيائك المرسلين الذين اصطفيتهم لدينك، و اخترتهم من بين خلقك لاداء رسالتك.
و له- منا- السلام اخلاصا و محبه له و على آله الطيبين الطاهرين الذين اتبعوا نهجه و اقتفوا اثره، و ساروا على خطه، و جاهدوا فى تعزيز رسالته و رحمه الله و بركاته.