دعاوه فى دفاع كيد الاعداء و باسهم
ايحاءات القوه فى الدعاء:
قد يعيش الانسان حياته امام القوى الغاشمه المضاده التى تتحرك فى ذهنيه الكبرياء الذاتيه، فتعمل على ممارسه الظلم للناس و الاضطهاد للمستضعفين منهم بمختلف انواع المكر و وسائل الكيد، مما لا يطيقون دفعه عن انفسهم، او يضعفون عن مواجهته بفعل نقاط الضعف الكامنه فى نفوسهم امام نقاط القوه الموجوده لدى الاخرين من هولاء المستكبرين، بحيث يعيشون الاهتزاز النفسى و العملى الذى يوحى اليهم باراده السقوط من خلال الايحاءات السلبيه التى تنفذ الى افكارهم و مشاعرهم، فيخيل اليهم انهم لا يملكون ايه قوه امامهم مما يدخلون فيه ساحه الصراع بقوه، فيسقطون تحت تاثير ذلك كله، كاى ضعيف يواجه مواقع القوه فى القوى بنقاط ضعفه.
و فى ضوء ذلك، تحركت التربيه الايحائيه لتستنفر ايمان الانسان بالله، الذى يومن بان له القوه جميعا، و ان له العزه جميعا، و ان المهيمن على الامر كله، الذى يوتى الملك من يشاء، و ينزع الملك ممن يشاء، و يعز من يشاء، و يذل من يشاء، بيده الخير و هو على كل شى ء قدير، و ان الناس- مهما كانت قوتهم- لا يملكون لانفسهم و لا لغيرهم ضرا و لا نفعا الا باذن الله، و ان الله ينصر الذين ينصرون كلمته و رسله و ينصرون انفسهم بالصمود و الثبات و يوحى اليهم بانه معهم فى مواقف الصراع.
و هنا ياتى دور الدعاء ليرتفع بروح الانسان الى الله ليبتعد بذلك عن كل نوازع الضعف فى وهده السقوط، فيعيش مع ربه الذى يمده بالاحساس بالقوه، و يبتعد به عن تهاويل التهديد الاستكبارى فى عمليه ايحاء نفسى تتلا حق احاسيسه و افكاره لتصرخ «ان الله معنا».
انه لا يمثل بديلا عن التهيئه و التعبئه و الاعداد و الاستعداد، لان الله لا يريد للانسان ان يستسلم للغيب بعيدا عن عناصر القوه الذاتيه التى لا بد له من ان يطورها و ينميها و يحركها فى اتجاه حمايه نفسه و كل الناس الذين يحيطون به او يدخلون فى نطاق مسووليته.
ان الدعاء- فى المنهج التربوى الاسلامى- يعمل على ربط الانسان بالموقع الالهى للقوه المطلقه، ليتماسك و يتوازن و يفرغ ذاته من كل التهاويل التى تضغط على تفكيره و ارادته، و يلتفت الى عناصر قوته و الى عناصر ضعف الاخرين، ليحاربهم فى نقاط ضعفهم بنقاط قوته، فى ايمان بان الله لن يخذله و انه يمده بالقوه التى يحتاجها عندما تضعف قوته، و ينصره اذا احتاج الى النصر، فيكون عنصر قوه اضافيه و وسيله توازن و ثبات.
و بهذا تتاصل الحقيقه الايمانيه التى لا تطلق للانسان فكره التوكل على الله، و استدفاع الضر به و الرجوع اليه فى حالات الخوف، لتبعده عن مواقع قوته الذاتيه ليهملها و يسقطها و يتركها للضياع فى ساحه الفراغ، بل انها تطلقها لتحمى الانسان من هو اجس الخوف من المستقبل، و من القوى الطاغيه التى تزيد على قوته، و من المفاجات غير المحسوبه، لتتكامل لديه مساله القوه، مما يملكه فى ذاته و مما يستلهمه من الامداد الغيبى من ربه، ليكون الانفتاح على الغيب الالهى مصدرا للثقه بالمستقبل من خلال الثقه بالله.
المفاهيم الاساسيه لمضمون الدعاء:
فى الفصل الاول من هذا الدعاء، يقف الانسان الخاطى ء امام ربه ليقدم اعترافه فى موقف توبه و ندامه، فقد هداه الله الى الطريق المستقيم، و لكنه ابتعد عن مسووليه الهدى الى اللهو العابث الذى يتحرك فى اجواء العبث و اللامبالاه، و وعظه الله بكلماته فى كتاب الوحى و بقصص الماضى المعبره فى كتاب التاريخ ليرق قلبه، فاستبدل بذلك القسوه المتحجره التى تحول قلبه الى حجر صلد لا يحمل ايه طراوه او نداوه، و افاض الله عليه بالجميل من الطاقه، و بالطيب من نعمه، و بالخير من كرمه، فلم يقابل ذلك بالشكر بل قابله بالمعصيه التى تجسد الكفران لذلك كله.. و هكذا كان الموقف سلبيا فى كل موقفه من ربه.
و لكن المساله تبدلت عند تبدل الجهل بالمعرفه، و الغفله باليقظه، من خلال نعمه المعرفه لكل الواقع السيى ء الذى صدر عنه، من خلال ما عرفه الله، فاستغفره، فقبل منه ليبدا الدرب فى خط الطاعه من جديد، و لكنه عاد الى المعصيه فلم يفضحه الله بل ستر عليه.
و هكذا اقتحم و ديان الهلكه، و سار فى مضائق الدروب الموديه الى التلف، و ذلك من خلال التعرض لسطوه الله و عقوبته، و لكنه فزع الى ايمانه بالتوحيد و جعله الوسيله الى مغفرته و الطريق الى رضوانه، فاذا كان قد عصى ربه فى اكثر من مساله، فان القاعده التى تحكم كل عقله و روحه هى الوحدانيه لله، فلا شريك له، و لا اله سواه.
و هكذا بدا رحله الفرار اليه، فلا مفر للمسى ء الا اليه، و فزع الى رضوانه فانه لا مفزع للضائع فى التيه المضيع للفرص الكثيره التى تجلب له الحظ الا هو.
و فى الفصل الثانى، ينطلق الى الحديث عن العدو الذى امتشق سيف العداوه ليقتله به، و حرك كل وسائل العدوان الحاده و السامه، و تحرك فى سهر دائم للاضرار به، و تدبير خفى لوقوع المكروه به، فوقف عند نقاط ضعفه الذاتى الذى لا يملك معه احتمال المصائب، و عجزه عن الانتصار فى خط المواجهه لهذا العدو المحارب، انطلاقا من وحدته امام العدو الكبير الذى يحاربه و يترصده لينزل به اكثر من بلاء فى نفسه و فى اهله و فى ماله، مما لا عهد له به و لا فكره له عنه، فالتجا الى ربه مبتهلا اليه، طالبا نصره، فاعطاه فرصه النصر بقدرته، و شد عضده بقوته، و كسر عدوه، و فرق جمعه، و اسقط موقعه، و رفعه- هو- الى الدرجه العليا، بينما رد كيد عدوه الى نحره، فلم يحصل على شفاء غيظه و تنفيس حقده، فانكفا راجعا الى موقعه يعض اصابعه ندما على ما اسلفه من خطايا و عدوان. و اذا كان هذا شان العدو فى نهايه عدوانه بالهزيمه و الانكفاء، فهناك الباغى الذى اعتدى عليه بكل وسائل الكيد لديه و عناصر البغى عنده، فقد صب كل اشراكه لا صطياده، و اقام كل عيونه التى ترصد حركته، و لازمه ملازمه السبع لطريدته، فى نفاق البشاشه الظاهره التى تخفى وراءها الغيظ الداخلى الذى يتمثل فى النظره الحانقه، و كاد ان يصل الى مبتغاه، و لكن الله الذى اطلع على سوء سريرته و خبث طويته، اوقعه فى البئر التى حفرها، فقلبه على راسه، و ابطل كل كيده، و قهره بكل قوه بعد ان كان متعاليا يخطط لينتظر وقوعه فى حباله، لكن رحمه الله انقذته من ذلك كله.
و هناك الحاسد الذى يعيش العقده الخفيه التى تاكل قلبه، لان الله انعم على عبده المومن بنعمته، فتمنى ان تزول عنه لتنتقل اليه، فتحول ذلك الى حاله من الغيظ الحاقد فى مشاعره، و من اللسان الحاد بكلماته، و اطلق التهمه المعيبه بدون حساب، و استهدف كرامته بكل سهامه، و نسب اليه الصفات المعيبه التى لا اساس لها، و خطط فى كيده و مكره لا سقاط موقعه و اهدار سمعته، فكانت استغاثته بربه للخلاص من بغيه فى ثقه عميقه ايمانيه باجابته له، لانه الرب الذى يمنح عباده الامن و الراحه و الطمانينه ممن يتفيا ظلاله و يلجا الى حصنه الحصين، فكان له ما اراد من تحصينه من عدوانه بقدرته التى شملت كل شى ء.
و تلك هى نعم الله المتمثله فى الغيوم الكثيفه من البلاء التى يجلوها عن عبده الراجع اليه، و فى النعم التى يغدقها عليه، و فى الرحمه التى تجرى فى حياته كالجداول التى تمنح الارض بركتها و خيراتها، و فى العافيه التى تتحرك فى جسده و فى حياته نشاطا و حيويه و حركه بالخير كله، و فى الاحداث المقبله بالشر التى محاها عن وجوده، و فى الكربات الغاضيه التى تغشى العقل و الحس و البصر التى ازالها، و فى حسن ظن عبده المومن و رجائه له مما حققه له فى حياته، و فى الفقر الذى سده فحوله الى غنى، و فى انعاشه من حاله السقوط التى حلت به، و فى شده المسكنه التى تحولت الى حاله رخاء، و هكذا كانت النعم تتتابع عليه بافضاله و كرمه بالرغم من تتابع المعاصى منه، و اشتداد الاساءه منه و امتداده فى ذلك، بحيث لم تمنعه النعم الوافره من السير فى خط الانحراف. و يبقى الله فى عطائه لعباده من موقع الحكمه التى تتحرك فى آفاق التدبير لا من موقع الجزاء، فهو يعطى المسى ء، و يرحم المذنب، فهو العالم بما يفعله، و لا يعلم احد من ذلك شيئا الا من حيث ما يعطيه من علم، فلا يملك احد ان يناقشه فى فعله.
انه الذى يعطى و يعطى ابتداء منه تاره، و بعد المساله اخرى، فلا يرد احدا ساله حاجته، و لا يمنع مخلوقا عطاءه، فهو المحسن المنان و المتطول بانعامه، بالرغم من اقتحام عبده حرماته و تعديه حدوده و غفلته عن باسه فى تنفيذ و عيده.
و فى الفصل الثالث، ينطلق الحمد من عمق الاحساس بالعبوديه و الايمان بالقدره التى لا تغلب و الاناه التى لا تعجل، و تنفتح الذات بكل احساسها بالذنب على الاعتراف بفيضان النعم التى يقابلها الانسان بالتقصير و الشهاده على نفسه بالتضييع لواجباته و مسوولياته.
و ينطلق التوسل بمحمد نبى الرحمه الذى منحه الله الشفاعه للمذنبين، و على رائد الحق الذى قربه الله اليه و ادناه، فاعطاه الكرامه عنده ليستعيذ بذلك من شر كل ذى شر، لانه القادر على كل شى ء، و المالك لكل شى ء، و ليحصل- فى تضرعه اليه- على الرحمه الدائمه و التوفيق المستمر الذى يعرج به الى مواقع رضاه و يحصل به على الامن من عقابه لانه ارحم الراحمين.
و هكذا نجد فى هذا الدعاء جوله فى واقع الناس الذين يحركون العداوه و البغى و الحسد فى العدوان على المستضعفين، مما قد لا يملكون القوه فى مواجهتهم، فيلجاون الى الله فى اعتراف و ابتهال و استرحام و استعطاف له من اجل الحصول على الامن من ذلك كله، الامر الذى يحس الانسان فيه بالثقه و الاستقرار فى حياته.
الهى هديتنى فلهوت، و وعظت فقسوت، و ابليت الجميل فعصيت، ثم عرفت ما اصدرت اذ عرفتنيه، فاستغفرت فاقلت، فعدت فسترت، فلك الهى الحمد، تقحمت اوديه الهلاك، و حللت شعاب تلف تعرضت فيها لسطواتك، و بحلولها عقوباتك، و وسيلتى اليك التوحيد، و ذريعتى انى لم اشرك بك شيئا، و لم اتخذ معك الها، و قد فررت اليك بنفسى، و اليك مفر المسى ء و مفزع المضيع لحظ نفسه الملتجى ء.
اللهم اليك المفر و اليك المفزع:
يا رب، لقد دللتنى على الحق الذى يمنحنى القوه فى حركه الحياه، و ارشدتنى الى آفاق النور التى تطرد عن عقلى كل غواشى الظلم، و هديتنى الى مواقع الخير التى احصل بها على الامن و الطمانينه فى رحله المسيره التى توصلنى اليك، لاكون قويا فى ارادتى فى حركه مسوولياتى، جديا فى مواجهه قضايا الحياه و الانسان، واعيا لما اعيشه من واقع، و لما ينتظرنى من مستقبل، و لكننى تركت ذلك للهو الذى يجعلنى فى حاله من العبث اللاهى الذى لا يسكن الى خير و لا يتحرك نحو مسووليه، و لا ينفتح على وعى، بل هى الغفله التى تستغرقنى فى كل امورى فتبعدنى عن طريق النجاه.
و قد اطلقت المواعظ فى آيات وحيك، و فى العبر التى قدمتها لى من حركه الحياه، ليرق قلبى، و يخشع احساسى، و تلين مشاعرى، فارجع اليك فى خضوع العبد لسيده، و لكنى ازددت قسوه فى كيانى كله، تماما كما هى الحجاره فى صلابتها التى لا تلين او اشد قسوه، لانى لم افتح عقلى و قلبى و روحى للمعانى الوعظيه التى تنساب فى الروح حبا لك و خشيه منك.
و قد انعمت على بالجميل الكثير من عطائك لتبلونى ااشكر ام اكفر، فتمتحن بذلك عمق ايمانى و ثباته و قوته، و لكنى قابلت ذلك بالكفران بما مارسته من حالات العصيان، و امتد بى العصيان فى غفلاتى، فتفضلت على بتعريفى كل ما اصدرته الى من فضلك، و وعيت- من خلال ذلك- سوء فعلى تجاهك، فجئتك مستغفرا تائبا مستقيلا، فاقلتنى عثرتى، و عفوت عنى، ثم عدت- من جديد- الى المعصيه، بفعل النفس الاماره بالسوء و بوسوسه الشيطان الذى يشدنى الى المعصيه، فسترت على ذلك كله بسترك.
فاى حمد من معانى حمدك احمدك بها، فلك الحمد كله.
يا رب، لقد كانت مسيرتى فى الحياه ضائعه لا تنفتح على هدى، تائهه لا تسكن الى قرار، فقد كنت انتقل من واد الى واد فى كل مضائق الوديان الممتده فى التواءاتها و اخطارها التى تودى الى الهلاك، فقد رميت نفسى فيها من دون وعى للنتائج المهلكه، و دخلت فى الدروب الضيقه التى تودى بى الى التلف لانها تبعدنى عن مواقع النجاه فى الاخذ بالحق و الابتعاد عن الباطل، و التحرك فى الدرب الذى تعرضنى كل مسالكه و مواقعه الى عقوباتك من خلال هذا الالحاح الغرائزى فى كيانى على التمرد على اوامرك و نواهيك،
و لكنى- يا رب- مهما امتد بى العصيان فى حركتى فى الواقع العملى فى حياتى، فانى ارتكز على القاعده الصلبه التى تشدنى اليها كلما اهتزت الاوضاع المنحرفه فى داخل الذات و خارجها، و هى التوحيد الصافى النقى الذى لا تشوبه ايه شائبه من الشرك، و هذا الذى ارى فيه الوسيله اليك، للحصول على مرضاتك من خلال غفرانك، فاذا اشرك البعض- شرك العقيده و الطاعه و العباده- فانى اشهد انك انت الله الذى لا اله الا انت.
و اذا كانت المعاصى تلا حقنى لتمتد فى تاثيراتها السلبيه من الدنيا الى الاخره، و تطبق على فى نتائجها المهلكه، فانى بدات الفرار نحوك، و الاتجاه اليك، طلبا للامن، و املا بالنجاه، و انت- يا رب- وحدك، المفزع لمن فزع اليك من الناس الذين اضاعوا طريق الهدى فاضاعوا حظوظهم فى النجاه، و الملجا لمن التجا اليك هربا من الاخطار التى احاطت به.
اللهم انت الذى ابتداتنى بنصرك:
يا رب، انا هنا لاتذكر كل تاريخ حياتى مع الطافك، مما مر بى من الحوادث، و اطبق على من التحديات من الناس الذين عشت معهم هنا و هناك، فقد التقيت- فى رحله الحياه- باكثر من عدو جرد كل سلاحه بكل انواعه، و دس لى كل سمومه الفكريه و الكلاميه و الحركيه، و صوب الى كل سهامه، و راقبنى مراقبه دقيقه فى عمليه رصد لكل حركاتى و اوضاعى، ليكتشف اسرارها، و يتعرف خفاياها، و يتجسس على خلفياتها، كل ذلك من اجل ان يخطط لا يقاعى فى المكروه من النتائج، و لتجرعى المر من شرابه، او السم من سمومه.
و كنت- يا رب- فى موقع الضعف الذاتى امام قوته فى مواجهه نوازل الدهر و مصائبه التى يفرضها على فى خططه الخبيثه، و رايت اننى لا املك ايه فرصه للانتصار عليه، و ايه ظروف موضوعيه للتخلص منه، و ليس لى من الانصار من استعين بهم عليه فى الوقت الذى كان يملك فيه الكثير من المساعدين له على، و لا املك من الوسائل ما استطيع به ان افسد عليه خططه الخفيه. و هكذا وقفت امام هذه التحديات موقف من لا حول له و لا قوه الا بك، لا لانى استضعفت نفسى فلم آخذ باسباب القوه التى و فرتها لى و وضعتها بين يدى، بل لانى استنفدت ذلك كله فلم يجدنى شيئا، فلجات اليك طالبا عونك، منتظرا نصرك، فمنحتنى القوه فى ثبات الموقف و صلابه الاراده، و شده العزيمه، و اعطيتنى النصر الذى مكنتنى فيه من الاستمرار فى الخط الذى وفقتنى اليه فى دروب الاستقامه على رسالتك، فعاد- من رحلته فى عدوانه- مهزوما سلاحه، مكسورا جناحه، مفرقا جمعه، يعانى من وحدته، و يتمزق فى غيظه الذى لم يجد له متنفسا، قد ارتدت اليه سهامه و رد اليه كيده فى نحره، و بداء يعض اصابع الندم، و رجع هاربا الى حيث لا يجد ملاذا فى كل اموره، فلك الحمد على ذلك كله.
اللهم انى افزع اليك من ظالم نصب لى شرك مصائده:
يا رب، قد اواجه فى حياتى ظالما يظلم الناس من حوله فيظلمنى معهم، و باغيا يبغى على الضعفاء الابرياء و يعتدى عليهم فى انفسهم و اموالهم و اعراضهم بكل وسائل الحيل الملتويه، و مصائد الخدع المتشابكه، و مراقبه دقيقه لكل اوضاعى و اقوالى و افعالى، قد نصب لى شباكه، و وكل بى العيون الراصده فى كل مكان، و لازمنى ملازمه الوحش لفريسته، يتحين الفرصه المناسبه للامساك بى و السيطره على فى تودد المنافقين و بشاشه المخادعين اخفاء لغيظه و سترا لحقده.
ففزعت اليك فزع الضعيف الذى يقوى بك ثقه بلطفك و ايمانا بقدرتك، و انت المطلع على ما يخفيه من غدره فى سريرته، و ما يكتمه من قبح طويته، فاستجبت لابتهالات الضعف الخاضعه المتوسله للرحمه فى امتداد قوتك، فقلبته راسا على عقب، و اسقطته من مواقعه، و رددته على اعقابه، و اوقعته فى الحفره التى حفرها لى، فوقع فى مهاوى القهر و الذل مقموعا بقوتك، و سقط فى الشباك التى كان قد نصبها لى ليرانى فيها، و لو لا لطفك بى و نصرك لى لوصل الى ما يريد.
اللهم انى الجاء اليك من غرض كل حاسد:
يا رب، قد تتمثل مشكلتى باكثر من حاسد يحسدنى فى نعمك على من موقع عقده مرضيه تاكل قلبه، و تعقد عقله، و تفسد مشاعره، فهو يعيش الغصه فى نفسه اذا راى نعمه فى بعض اوضاع حياتى مما تفضلت به على من نعمك الوافره، و يتفجر الغيظ فى صدره حتى كان هناك شيئا حادا يعترضه، او كان هناك ثقلا يطبق على روحه، فيسلط على حد لسانه بالكلمات القارصه و الالفاظ النابيه من دون اى ذنب، و يشتد على بحقده، فيتحدث عن عيوب فى ذاتى لم اعهد لها وجودا، و لكنها عيوبه التى يحاول الصاقها بى تنفيسا لعقدته، و يسدد سهامه الى مستهدفا كرامتى بها كما لو كانت عدوا يريد ان يقتله، و يخطط لايذائى و تدمير حياتى بكيده، و يتقصدنى- بالضرر- بمكره و حيلته.
ان مشكله الحاسدين- يا رب- ليست مشكله الحاله النفسيه التى يعيشونها فى ذاتهم من خلال عقده الحسد، و لكنها مشكله الحاله العدوانيه المتمثله بالبغى الذى يتنفس فيه الحاسد فى مواجهته للمحسود، ليعمل بكل قوته فى سبيل تدمير وجوده، لانه لا يطيق حركته فى الحياه فى عجزه عن ازاله النعمه عنه و انتقالها اليه.
و هكذا عانيت من هذه القوه المضاده التى يلتقى فيها الجانب النفسى بالجانب العملى فى عدوانيته المتحركه فى اكثر من موقع و المنطلقه فى اكثر من بعد.
و لم يكن لى- امام ضراوه عدوانه و شده طغيانه- الا الاستغاثه بك فى نداء المستغيثين، و اللجا اليك فى سوال السائلين، فى ثقه بانك الرب الذى يسرع الى اجابه ابتهالات عباده الضعفاء، و بانى لن اعانى من الاضطهاد الذى يتحدانى به الحاسدون الاقوياء ما دمت قد لجات الى ظلك فى ساحه قدسك، و فزعت الى الدخول فى حصنك الحصين الذى يجسد الانتصار على كل المعتدين، فخرجت من ذلك منتصرا عليه، آمنا من عدوانه بقدرتك.
الهى ابيت الا احسانا، و ابيت الا تعديا لحدودك:
يا رب، انى عندما اتطلع الى مواقع فضلك و كرمك و رحمتك و امتنانك على، فلن استطيع احصاء ذلك، لانه يتحرك فى كل مفردات حياتى فى كل جوانبها و اوضاعها، بحيث لا التقى بفضل الا التقيت بفضل آخر فى امتداد الحياه و حركه العمر، فى ابعاد المكروه عنى، و جلب المحبوب الى.
فقد عشت بعض حياتى تحت ظل الغيوم السوداء التى تحجب عنى كل اشراقه النور ، و تنذرنى- فى تاثيراتها السيئه- بكل مكروه، فبادرت- يا رب- الى ابعادها عنى و كشفها عن آفاقى، و فى مقابل ذلك كانت سحائب نعمك تمطر على ماء عذبا سلسبيلا، فتخضر بها ارض احلامى، و تخصب ببركاتها حياتى الجديبه .
و كانت جداول الرحمه التى نشرتها على فتدفقت بالرخاء لتمنحنى كل خير و بركه...، و انطلقت عافيتك التى البستنى اياها و متعتنى بها فى راحه العمر و طمانينته، ثم طمست كل عيون الاحداث و كشفت كل غواشى الكربات.
و تتابعت الالطاف، فقد تطلعت الى الطافك فى ربوبيتك، فقادنى اليك حسن ظنى بك، لانك عند حسن ظن عبدك المومن بك، فحققت ظنى بما رجوته من رحمتك و كرمك، و جبرت كسرى فى فقرى، فاعطيتنى وجود الغنى بعد ان كنت فى عدم الحاجه، و انعشتنى و رفعتنى من سقطتى التى كادت ان تصرعنى، فتخلصت من كل الورطه التى وقعت فيها و الشده التى حلت بى، و حولت حال المسكنه فى ظروفى الى حاله غنى و امتلاء.
و كان كل ذلك بفضل انعامك و افضالك فى الوقت الذى كنت فيه جادا فى الاخذ بمعصيتك و الاستغراق فى سخطك، فلم يمنعك ذلك كله عن الاستمرار فى الاحسان الى، لانك المحسن الذى لا تمنعه اساءه عبده عن الاحسان اليه، من دون ان يتحرك هذا العبد المذنب بعيدا عن مواقع سخطك تمردا منه و غفله عن مقام ربوبيتك.
ان احسانك- يا رب- لا ينطلق من رد فعل ليكون سلبيا فى مواجهه الافعال السلبيه لدى خلقك، او يكون ايجابيا فى موقع الفعل الايجابى منهم، بل انه فعل ينطلق من حكمتك فى حسابات رحمتك و فيوضات نعمك، فانت المستقل فى امرك و تدبيرك لا تسال عنه مما يسال فيه السائلون.
و قد قلت فى كتابك: (لا يسال عما يفعل و هم يسالون) (الانبياء: 23) لان فعلك- وحده- هو الذى يمثل الحكمه المطلقه، فلا موقع لان يرسم ايه علامه استفهام من اى جانب.
انك المعطى فى ابتداء العطاء قبل المساله، و فى استجابه السوال فى حركه الدعاء، و انت الذى لا ترد من استماح فضلك، انك الذى ابيت- من مواقع الفضل فى صفاتك- الا ان تحسن و تمن و تتطول و تنعم، و ابيت- انا- الا اقتحام حرماتك و التعدى لحدودك، و الغفله عن وعيدك.
فاى حمد- يجب ان اقدمه اليك- و لك الحمد كله، على ذلك كله، و انت- مع ذلك- صاحب القدره المطلقه التى لا تغلب، و صاحب الاناه التى لا تجعل، لان الذى يعجل هو الذى يريد ان ينتقم شفاء لغيظه، و انت المتعالى عن ذلك، فانك قد تمهل عبدك المتمرد ليعود الى رحاب طاعتك بالتوبه، و قد تمهله لتملى له ليزداد اثما و لتقيم الحجه عليه.
اللهم اتقرب اليك بمحمد (ص) و على (ع):
يا رب، ان دعائى- هذا- يمثل، فى تعداد النعم التى انعمت بها على، الاعتراف فى موقع العبوديه فى ذاتى بفيضان النعم التى قابلتها بالتقصير فى الشكر فى السير فى خط طاعتك، كما يمثل الشهاده بتضييعى لكل المسئووليات التى حملنى الله اياها مما امر به او نهى عنه.
اللهم انى اتقرب اليك بالنبوه المحمديه فى الدرجات الرفيعه التى منحتها لنبيك محمد (ص) و جعلته شفيع المذنبين، الذين اردت العفو عنهم، الى الجنه، و بالولايه العلويه البيضاء المشرقه بالحق التى جعلتها لعلى (ع) من خلال اخلاصه و محبته لك و جهاده فى سبيلك، فاعطيته الكرامه و الشفاعه و القرب اليك، و اتوجه اليك- بمكانتهما عندك و قربهما اليك- ان تنقذنى من كل الشرور الخاصه و العامه، فانك الواجد لكل ما اسالك من ذلك كله، فلا يضيق عليك شى ء منه، و لا يصعب عليك فى قليل او كثير، لانك على كل شى ء قدير.
و فى نهايه المطاف، هل تهب لى- يا رب- شيئا من رحمتك و فيضا من دوام توفيقك حتى يكون ذلك بمثابه السلم الروحى الذى اعرج به اليك، فاحصل على رضوانك، و آمن من عقابك، اننى آمل ذلك و اطلبه و اريده- يا رب العالمين -.