عربي
Saturday 18th of May 2024
0
نفر 0

الاجتناب من المعاصي في الروايات:

الاجتناب من المعاصي في الروايات:

هروب العارف من المعاصي، هي إحدى برامجه الأصلية في الحياة، فليس للعارف مصيبة أكبر، من تلوثه بالذنب. فتنفّر العارف الذنب هو تنفّر شديد.

من أهم ركائز الإسلام هو اجتناب الذنب والهروب منه، فتأكيد  الإسلام على الابتعاد من الذنب هو أكثر من تأكيده على العبادة.

إذا دققنا النظر إلى الطقوس الإلهية، نجد أن أفضل العبادات واثمنها؛ هو الابتعاد عن المعاصي والذنوب.

فقد ذكر في الروايات أن التقوى والورع هما من أفضل العبادات واثمنها.

فالعارف عالم كمال العلم بآثار الذنب في الدنيا وعقوبته الشديدة في الآخرة، وعلى أساس هذه المعرفة، فإنه يكتسب الخوف ويعتبر هذا الخوف في وجوده من أهم العوامل وأقوى الأسباب للهرب من الذنب.

من جملة الروايات في هذا الخصوص هي:

 

الآثار السيئة للذنب:

عَنْ أَبي جَعْفَر (عليه السلام) قالَ: إِنَّ الْعَبْدَ يَسْأَلُ اللّهَ الْحاجَةَ فَيَكُونُ مِنْ شَأْنِهِ قَضاءُها إِلى أَجَل قَريب أَوْ إِلى وَقْت بَطيئ فَيَذْنِبُ الْعَبْدُ ذَنْباً فَيَقُولُ اللّهُ تَبارَكَ وَتَعالى لِلْمَلَكِ: لانْقُضْ حاجَتَهُ وَأَحْرِمْهُ إِيّاها فَإِنَّهُ تَعَرَّضَ لِسُخْطي وَاسْتَوْجَبَ الْحِرْمانَ مِنّي([1]).

 

عَنْ أَبي عَبْدِاللّهِ (عليه السلام) قالَ: إِنَّ الْرَجُلَ يُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيُحْرَمُ صَلاةَ اللَّيْلِ وَإِنَّ الْعَمَلَ السَيِّئَ أَسْرَعُ فى صاحِبِهِ مِنَ السِّكِّينَ فى اللّحْمِ([2]).

 

قالَ أَميرُالْمُؤْمِنينَ (عليه السلام): لا وَجَعَ أَوْجَعُ لِلْقُلُوبِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَلا خَوْفَ أَشَدُّ مِنَ الْمَوْتِ، وَكَفى بِما سَلَفَ تَفَكُّراً وَكَفى بِالْمَوْتِ واعِظاً([3]).

 

عَن أَبي الْحَسَنِ (عليه السلام): إِنَّ للّهِ عَزَّوَجَلَّ في كُلّ يَوْم وَلَيْلَة مُنادِياً يُنادي: مَهْلاً مَهْلاً عِبادَ اللّهِ عَنْ مَعاصي اللّهِ، فَلَوْ لا بَهائِمُ رُتَّعٌ، وَصِبْيَةٌ رُضَّعُ، وَشُيُوخٌ رُكَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمُ الْعَذابُ صَبّاً، تُرَضُّونَ بِهِ رَضّاً([4]).

 

عَنْ نُعْمانِ الرّازي قال: سَمِعْتُ أَبا عَبْدِاللّهِ (عليه السلام) يَقُولُ: مَنْ زَنى خَرَجَ مِنَ الاِْيمانِ وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ خَرَجَ مِنَ الاِْيمانِ، وَمَنْ أَفْطَرَ يَوْماً مِنْ شَهْرِ رَمَضانِ مُتَعَمِّداً خَرَجَ مِنَ الإِيمانِ([5]).

 

عَنْ عُبَيْدَةِ بنِ زُرارة قالَ: سَأَلْتُ أَبا عَبْدِاللّهِ (عليه السلام) عَنِ الْكَبائِرِ: فَقالَ هُنَّ في كِتابِ عَلى سَبْعٌ: الْكُفْرُ بِاللّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوالِدَيْنِ، وَأَكْلُ الرِّبا بَعْدَ الْبَيِّنَةِ وَأَكْلُ مالِ الْيَتيمِ ظُلماً، وَالْفِرارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَالْتَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، قالَ: فَقُلْتُ: فَهذا أَكْبَرُ الْمَعاصس; قالَ نَعَمْ قُلْتُ: فَأَكْلُ درهَم مِن مالِ الْيَتيمِ ظُلْماً أَكْبَرُ أَمْ تَرْكُ الصَّلاةِ قالَ: تَرْكُ الصَّلاةِ قُلْتُ: فَما عَدَدْتَ تَرْكَ الصَّلاةِ في الْكَبائِرِ فَقالَ: أَىُّ شَيء أَوَّلُ ما قُلْتُ لَكَ قالَ: قُلْتُ الْكُفْرُ قالَ: فَإِنَّ تارِكَ الصَّلاةِ كافِرٌ يَعْني مِنْ غَيْرِ عِلَّة([6]).

 

ويعتقد العلامة المجلسي ان الجملة >مِنْ غَيْرِ عِلَّة< هو من كلام المرحوم الكليني أو الرواة.

كبائر الذنوب من وجه نظر العظماء:

يذكر المرحوم المجلسي (رحمه الله) عن الشيخ البهائي في تعريف كبائر الذنوب هذه الاقوال:

1 ـ كل ذنب هدّد به الله سبحانه وتعالى الإنسان في قرآنه الكريم بأن يعذبه عليه.

2 ـ كل معصية وضع الشرع له حد، وهدّد به القرآن الكريم.

3 ـ كل ذنب يكون ارتكابه دليل على عدم اهتمام الإنسان بالدين.

4 ـ كل ذنب تم اثبات تحريمه بالأدلة القطعية.

5 ـ كل معصية في كتابه وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) هُدّد مرتكبها بأشد العقاب.

6 ـ يقول ابن مسعود:

الذنوب من أول سورة النساء إلى هذه الآية {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ}([7]) تعتبر من الكبائر.

7 ـ كل ذنب يرتكبه الإنسان يعتبر من الكبائر، لأن كل معصية دليل على مخالفة الله سبحانه وتعالى وكبر وصغر الذنب يختلف في صعوده ونزوله، فمثلاً تقبيل المرأة بالنسبة إلى الزنا يعتبر صغيرة، وكبيرة بالنظر إليها.

ثم يقول العلامة الفاضل المرحوم المجلسي (رحمه الله):

ربما قصد البعض أن جميع الذنوب هي من الكبائر، ان لا نتهاون بالذنب ولا نعتبره صغيراً ولاشيء، كما جاء في الروايات والآخبار:

من كلام له (صلى الله عليه وآله وسلم): >لا تنظروا إلى صغير الذنب، ولكن انظروا إلى ما اجترأتم<([8]).

لكن هذا لا يتنافى مع ان بعض الذنوب بالنسبة لبعضها الآخر تعتبر كبيرة وأن نقسمها إلى صغائر وكبائر، فإذا ابتعد الإنسان عن الكبائر فإن ستغفر له الصغائر، ولكن ارتكاب الكبائر والاصرار على الصغائر ينافى مع العدالة.

أما بخصوص عدد الكبائر؛ فقد عدها البعض بسبعة:

1 ـ الشرك بالله. 2 ـ القتل. 3 ـ قذف المؤمنة. 4 ـ أكل مال اليتيم ظلماً. 5 ـ الزنا. 6 ـ الفرار من الزحف. 7 ـ عقوق الوالدين.

والبعض الآخر أضاف إليها 13 ذنباً آخر:

1 ـ اللواط. 2 ـ السحر. 3 ـ أكل الربا. 4 ـ الغيبة. 5 ـ اليمين الكاذبة. 6 ـ شهادة الزور. 7 ـ شرب المسكر. 8 ـ هتك حرمة الكعبة. 9 ـ السرقة. 10 ـ نقض العهد. 11 ـ التعرّب بعد الهجرة. 12 ـ اليأس من رحمة الله. 13 ـ الأمن من مكر الله.

وقد أضاف بعض العلماء والفضلاء 14 ذنباً آخر لما ذكرناه في الأعلى:

1 ـ أكل الميتة. 2 ـ شرب الدم. 3 ـ أكل الخنزير. 4 ـ أكل الذبيحة لغير الله. 5 ـ أكل السحت كالرشوة. 6 ـ لعب القمار. 7 ـ التطفيف. 8 ـ إعانة الظالم. 9 ـ منع المؤمن حقه مع اليسر. 10 ـ الإسراف. 11 ـ التبذير. 12 ـ الخيانة. 13 ـ إضاعة الوقت بالأعمال غير النافعة. 14 ـ الإصرار على الذنوب الصغيرة.

وبعد ذلك يقول العلامة المجلسي رحمة الله عليه:

فكل هذه الأقوال والتعاريف وعدد الذنوب لا يوجد لها دليل مطمئن. وربما في اخفاء الله للكبائر أو لعددها مصلحة، مثلما هنالك لإخفاء ليلة القدر والصلاة الوسطى([9]).

ويقول بعض أهل المعرفة والبصيرة:

إن المصلحة من إخفاء الكبائر وعددها، هو اجتناب الإنسان عن كل ذنب؛ فربّما تكون كبيرة ويكون موضع غضب الله وسخطه في تلك اللحظة، وتصعب توبته عليه، لأنه قد جاء في الروايات:

عن رسول الله أنه قال: >إن الله كتم ثلاثة في ثلاثة: كتم رضاه في طاعته، وكتم سخطه في معصيته، وكتم وليّه في خلقه، فلا يستخفّن أحدكم شيئاً من الطاعات، فإنّه لا يدري أيّها رضا الله، ولا يستقلنّ أحدكم شيئاً من المعاصي فإنّه لا يدري في أيّها سخط الله، ولا يزرين أحدكم بأحد من خلق الله فإنّه لا يدري أيّهم ولي الله<([10]).

 

عَنْ أَبي عَبْدِاللّهِ (عليه السلام) قالَ: قالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم): أَرْكانُ الْكُفْرِ أَرْبَعَةٌ: الرَّغْبَةُ وَالرَّهْبَةُ وَالسَّخَطُ وَالْغَضَبُ([11]).

 

عَنْ أَبي عَبْدِاللّهِ (عليه السلام) قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): إِنَّ أَوَّلَ مَا عُصِيَ اللّهُ عَزَّوَجَلَّ بِهِ سِتّ: حُبُّ الدُّنْيا، وَحُبُّ الرِئاسَةِ، وَحُبُّ الطَّعامِ، وَحُبُّ النَّوْمِ، وَحُبُّ الرَّاحَةِ، وَحُبُّ النِّساءِ([12]).

 

فالآثار السيئة لهذه الأمور الست التي ذُكرت في الرواية، هي في حالة الإفراط والتفريط. بعبارة أخرى، ان الإسلام لا يحب الإفراط أو التفريط، بل إن الاعتدال هو من أهم صفات هذا الدين الإلهي، الذي أوصى به حتى في العبادات.

عَنْ أَبي عَبْدِاللّهِ (عليه السلام) قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): مِنْ عَلاماتِ الشِّقاءِ جُمُودُ الْعَيْنِ وَقَسْوَةُ القَلْبِ وَشِدَّةُ الْحِرْصِ في طَلَبِ الدُّنْيا (الرِّزق) وَالإِصْرارِ عَلَى الذَّنْبِ([13]).

 

عَنْ أَبي عَبْداللّهِ (عليه السلام) قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فيهِ كانَ مُنافِقاً وَإِنْ صامَ وَصَلّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ: مَنْ إِذَا ائْتُمِنَ خانَ وَإِذا حَدَّثَ كَذِبَ وَإِذا وَعَدَ خَلَفَ، إِنَّ اللّهَ عَزَّوَجَلَّ قالَ في كِتابِهِ: {اِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنينَ} ([14]) وَقالَ: {أَنَّ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَيْهِ اِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبينَ}([15]) وفي قَوْلِهِ عَزَّوَجَلَّ {وَاذْكُرْ في الْكِتابِ اِسْماعيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيّاً}([16]).

 

كل ما ذكرناه هو نماذج من صفات العارفين الخائفين من الله سبحانه وتعالى ومن عذاب الآخرة.

فالذي لا يريد ان يعرف المحرّمات، ويعرفها ولا يجتنبها، فليس بمسلم والذي يجتنب المعاصي والمذنبين، ويهرب من العاصين والمذنبين المعاندين؛ كما تهرب الشاة من الذئب، فإنه عارف قد مُلئ قلبه بخوف الله سبحانه وتعالى، فخوفه وتهربه من المعاصي وأهلها، دليل على معنى كلام الإمام الصادق (عليه السلام) الذي قال: فَدَليلُ الْخَوْفِ الْهَرَبُ.

 



([1]) الكافي: 2/271 ، باب الذنوب ، حديث 14 .

([2]) الكافي: 2/272 ، باب الذنوب ، حديث 16 .

([3]) الكافي: 2/272 ، باب الذنوب ، حديث 28 .

([4]) الكافي: 2/272 ، باب الذنوب ، حديث 31 .

([5]) الكافي: 2/278 ، باب الكبائر ، حديث 5 .

([6]) الكافي: 2/278 ، باب الكبائر ، حديث 8 .

([7]) النساء (4): 31.

([8]) وسائل الشيعة: 15/313، باب 43، حديث 5/206.

([9]) يراجع الهامش في كتاب الكافي وكتاب مرآة العقول للعلامة المجلسي.

([10]) وسائل الشيعة: 15/313، باب 43، حديث 4/206.

([11]) أمالي الشيخ الصدوق: 419، المجلس الخامس والستون، حديث 8.

([12]) مجموعة ورّام : 2/205; الكافي: 2/289، باب في اصول الكفر، حديث 3.

([13]) الخصال: 243، اربع من علامات الشقاء، حديث 96; تحف العقول : 47 .

([14]) الانفال (8) : 58 .

([15]) النور (24) : 7 .

([16]) مريم (19) : 54 . الكافي: 2/290 ، باب في اصول الكفر واركانه ، حديث 8 .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

النفس ومراحلها السبعة:
أهل البيت^ وأمور المعاش والمعاد
أهل البيت^ في الزبور -5
إتّباع أهل البيت
أهل البيت^ الطريق إلى الله
الخوف من سوء العاقبة
النعم ومسؤليت الانسان
5. محذرا من العرفان بالجميل للمباركة
مراحل عبادة العارفين:
الطاقة الوجودية لأهل البيت^

 
user comment