عربي
Sunday 19th of May 2024
0
نفر 0

تحليل حول موضوع العارف والعرفان

العرفان؛ يصنع من الإنسان کائناً نبيلاً ذا وجود سامي، ويجعل منه مصدراً فيّاضاً وقوياً للخير، وسالكاً مخلصاً ومحارباً قوياً، و مجاهداً قديراً، و زاهداً مجللاً، وعابداً منقطعاً في الليل ومتضرعاً في السحر ومستغفراً في السجود وليثاً مصورأ في ميدان الحرب. 
تحليل حول موضوع العارف والعرفان

إذا اعتبرنا العرفان حالة ملكوتية وحقيقة روحانية وإلهية ـ كما يراها الكثير من أهل البصيرة والمعرفة والذين يسلكون طريق المحبة والعشق الإلهي ، ويعبّرون عنها بالحالة العرفانية والإلهية ـ فانه يجب علينا ان نبحث عنها في أعماق وباطن الروح وسرّ الوجود. 

و في هذه الحالة، يعتبر العرفان إلهام إلهي، وحقيقة فطرية تكون على شكل قوة وموهبة موجودة في جبلّة الإنسان يهبها الله لعباده، ومن أجل الوصول إلى تلك الحالة، يجب علينا أن نربّي أنفسنا على المعارف والأخلاق والأهداف الواردة في أدعية الأئمّة الطّاهرين(ع) وذلك عن طريق الاستعانة بالقرآن الكريم والروايات، حتى نستيطع ان نتخلّص من جميع الدّنس والخطايا ونحرّر الروح الإنسانية ولنرجّح الرحيل على التقوقع في هذه الدّنيا ويصبح الإنسان قدوة حقيقية لمعنى العارف[1]. 

وإذا حسبناها جزء من المسائل النظرية والعلمية كما يعتقد بذلک بعض الناس فيجب علينا ان نأخذ علمه من أهله والعمل بذلك يؤصلنا الی ان نحصل على تلك الحالة العرفانية. ووسعة معنى هذه المسألة، تحذرنا من أن ليس كل كتاب عنوانه العرفان أو كل شخص يشتهر بالعرفان له القابلية علی ان يرشد الإنسان في هذا الاتجاه. 

والكتاب الذي فيه الجذور الأصيلة للعرفان النظري، هو الكتاب الذي تنبع أصوله من كتاب الله والوحي و النبوة والإمامة فقط. 

والعارف الحقيقي؛ هو الذي يأخذ قواعد العرفان من المقربين لله والصديقين والصالحين والأولياء، وهو الذي يؤمن بتلك القواعد من أعماق وجوده ويعمل بذلك. 

و بناءً على الرأي الأول، فالعرفان، عبارة عن حالة ملكوتية ومنحة سماوية وفطرية والتي تظهر في المرحلة الأولى في أعماق الروح و النفس ومع نور الإيمان واليقين تصل إلى مرحلة للكمال، ويمكن رؤية آثار تلك الحالة في أعماق حركات وسلوك ذلك العارف. 

العرفان، هو الحبل المتين والرابط القوي الذي يربط الإنسان الترابي بباطن سرّ العالم الطاهر، بمعنى أنّه يربط الإنسان بخالق الوجود ويفتح أبواب رحمته وبركاته على قلبه وروحه. 

العرفان؛ يصنع من الإنسان کائناً نبيلاً ذا وجود سامي، ويجعل منه مصدراً فيّاضاً وقوياً للخير، وسالكاً مخلصاً ومحارباً قوياً، و مجاهداً قديراً، و زاهداً مجللاً، وعابداً منقطعاً في الليل ومتضرعاً في السحر ومستغفراً في السجود وليثاً مصورأ في ميدان الحرب. 

العرفان، هي جوهرة حياة الإنسان، والصراط المستقيم المفعم بالدفء الروحي، والعشق الباطني، مشعّاً بحبّ الإنسانية، يترنم بعشق اللّه خالق الكون عزّ وجلّ. 

العرفان، سبيل الله و طريق الأنبياء و جوهرة قلوب الأنبياء و طريق الأصفياء ومدرسة المعصومين(ع) العظيمة. 

العرفان، يعني رؤية الله عن طريق بصيرة القلب وما هي إلا نتيجة معرفة الإنسان لخالقه ولن تحصل هذه المعرفة للإنسان إلا عن طريق معرفة الأنبياء والقرآن والأئمة الأطهار والاقتداء بهم. 

والعبادة تفتقد المعنی التحقيق من دون وجود حالة من العرفان والتضرع والإنابة والتوبة والتوسل. 

العرفان، هو جوهر و حقيقة العبادة، والخشوع، والخضوع والتسليم لله والفقر إلى الله وكل هذه الحالات تحصل نتيجة رؤية الإنسان  لله ببصيرته في قلبه، ولن تُنال هذه السعادة إلا بالمحبّة؛ والمحبة مشروطة بالاقتداء بالرسول الأكرم(ص) والذي ينهض على المعرفة وهذا يستلزم منا إتباع ورثة الأنبياء(ع)([2]). 

العرفان، هو تزكية القلب من جميع أنواع التعلقّات الأخرى سوى التي تكون لله، فعليه ان يجعل حبه للآخرين؛ فقط لله عزّ وجلّ، ويزيّن أعضاءه وجوارحه بما يرضي الله؛ و أن تسمو روحه بالأخلاق الإلهية. 

العرفان، هو تحرير النفس من عبوديتها، و من المتعلقات المادية، والالتزام والدوام على عبادة الله، وتنوير الروح بنور الله وصبغه بالصبغة الالهية 

{صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ}[3]. 

العارف: هو الذي يملك الكرامة الإنسانية، و الشعور والحكمة وإرادة القوية، وهو الذي يسلك الصراط المستقيم انطلاقاً من المعارف الإلهية حتى يصبح قلبه حرم الله ويضيئ كعبه قلبه بنور ا لملكوت. 

يقول العارف الكبير السيد حيدر آملي في كتابه ـ الفريد في نوعه ـ «جامع الأسرار» حول موضوع العارف المؤمن:

«في قَلْبِ الْمؤمِنِ ثَلاثَةُ اَنْوار: نُورُ الْمَعْرِفَةِ، وَنُورُ الْعَقْلِ، وَنُورُ الْعِلْمِ. 

فَنُورُ الْمَعرِفَةِ كَالشّمْسِ، وَنُورُ الْعَقْلِ كَالْقَمَرِ وَنُورُ الْعِلْمِ كَالْكَوْكَبْ . 

فَنُورُ الْمَعْرِفَةِ يَسْتُرُ الْهَوى، وَنُورُالْعَقْلِ يَسْتُرُ الشّهوَةَ، وَنُورُالْعِلْمِ يَسْتُرُ الْجَهْلَ . 

بَنُورِ الْمَعْرِفَةِ يُرَى الْحَقُّ، وَبِنُورِ الْعَقْلِ يُقْبَلُ الْحَقُّ، وبِنُورُ الْعِلْمِ يَعْمَلُ بِالْحَقِّ»[4]. 

ويقول أهل المعرفة والبصيرة:

من أجل الوصول إلى الحق والحقيقة يجب علينا ان نجتاز عدة مراحل حتى تستطيع النفس ان تحصل على الحق والحقيقة وفق طاقاتها. 

الفرق بين أهل العرفان والفلاسفة يمکن في أن العرفاء لم يكتفوا بالاستدلال العقلي بل اجتازوا الی مرحلة أعلى من ذلك وهو ما يسمى بمرحلة الشهود. 

بعد اجتياز النفس مراحل الحس والعقل والبرهان؛ تستطيع السمو إلى مرحلة اعلى وذلك بممارسة الروحيات والمعراج الروحاني؛ وتستطيع النفس ان ترتقي إلى أعلى مرحلة؛ الى حد تكون لها القدرة على مشاهدة ودرك الحقائق دون الاحتياج إلى البرهان، وبصورة عامة فإنها تنطلق من مرحلة العلم إلى مرحلة البصيرة ومثل هذا العلم في مقابل الحكمة البرهانية؛ يسمى بالعرفان. 

والعارف الذي يحمل هذه البصيرة الإلهية ـ والتي حصل عليها عن طريق رياضة شرعية للنفس وتقوى خالصة والاهتمام بآيات القرآن الكريم وسنن المرسلين ـ يصل إلى توحيد شهودي، وفي هذه الرحلة لا يحتاج العارف إلى دليل وذلك لأنه أدرك هذه الحقيقة من أعماق قلبه وهي الدليل على ذلك ولا تكون له القدرة على ان يكون المرآة الكاملة لحضرة المحبوب. 

حيث نلاحظ ذلک في ما يستدل به إمام العارفين الإمام الحسين(ع) في دعاء عرفة ـ الذي يمثل العرفان الإسلامي الخالص ـ عند تضرعه لله رب العزة جل وعلا، في باب التوحيد الشهودي، فيقول: 

«كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ في وُجُودِهِ مُفْتَقَرٌ اِلَيْكَ؟»

 


[1]- موضوع هذا العلم هو معرفة الله تعالى وأسمائه وصفاته؛ وعموماً فإن السبيل والسلوك الذي اختاره السائرون إلى الله من أجل معرفته تعالى سمّي العرفان). 

العرفان يعني المعرفة، وفي الاصطلاح: المعرفة القلبية الحاصلة من الكشف والشهود، وليس البحث والاستدلال. فالعارف هو الذي يصل إلى معرفة الله من خلال معرفة النفس، وعلمه يتمركز في الحقائق ومعاني الالفاظ. 

ولقد كان العرفان في الإسلام وفي سائر الأديان الشرقية يعدّ من أرقى العلوم، حيث إن هناك تصوراً معيناً ومحدوداً عنه في عالم الطبيعة، غير أنه ـ في الواقع ـ يقدم نموذجاً يشتمل على العلوم الكونية التقليدية ـ بمستواها الحقيقي ـ . وفي هذا السياق فإن العرفان هو مصدر الحياة، والعارف يرى أن كل شيء إنما هو من تجليات الأصل الإلهي الذي هو أرقى من أي تعيّن بما في ذلك الوجود الذي هو أول تعين له. وفي مجال المعرفة الكونية العرفانية فإن جميع الموجودات التي تتجلى بشكل محسوس أو غير محسوس ـ بحسب الدرجة التي يعكسها العقل، وحسب طبيعة وجودها ـ لها ارتباط بهذا المركز. 

إن علم أي من الموجودات هو حلقة اتصاله المباشر بالعقل الكلي أو الكلمة- التي بواسطتها وجدت جميع الأشياء. وإن درجة وجود أي من المخلوقات هو تجلٍّ  من الوجود المحض بمستوىً ما من الوجود الكوني؛ ولذا فإن تجلي أي من الموجودات هو تجلٍّ شيئي وليس عدماً. 

إن المعرفة العرفانية غير قابلة للترديد، ذلك أن المعلوم ـ في العرفان ـ هو ذات الله وصفاته، وهذه المعرفة مبتنية على فرض أن الوجود واحد لا يشبه شيئاً ولا شيء يشبهه. وإن معرفة صفاته تعالى في إطار مفهوم أنه حيّ وعليم وسميع وبصير. وهذه المعرفة تتضمن أصلين، هما:

1 ـ الفعل العقلي، الموجودات التي لها ظهور عيني وتدرك بواسطة العقل. 

2 ـ الحصول، بمفهوم نتيجة الفعل الذي يمثل صورة الشيء في الذهن. 

إن العارف يجعل العالَم عالم شهود من ناحيتين: أـ الرمز المثبت (الابحابي). ب ـ الوهم المنفي (السلبي). والتجلي الذي له جنبة الحقيقة، هو مظهر لدرجة أعلى من الحقيقة، وهو وهمي بقدر ما ينفصل عن الأصل ويكون في غيرية منه. 

إن العالَم ـ في العرفان الإسلامي ـ هو هيكل (الكلمة)، ولأن الكلمة تتجلى لدى الإنسان بصورة عالَم صغير، فإن العارف بقدر ما يكون متصلاً بالمنبع النوراني، تكون وحدانيته مع العالم أكثر. ودعاء العارف هو أن يرى أنّ معرفة أي وجود جزئي وعلى أي مرتبة من العلم كان، دالة على معرفته الوجودية؛ وهذا المعنى يمثل أسس العرفان. 

فالعرفان ليس بفن، بل هو علم له موضوع ومبادئ ومسائل خاصة به، وهو أيضاً له ارتباط وتجانس مع جميع العلوم. 

العرفان الشيعي: 

العرفان هو المصدر، أي أنه المعرفة والدراية بعد الجهل، وجذره الثلاثي المجرد مأخوذ من عُرف، وعَرَف- وله معانٍ أخرى متعددة وردت في معاجم اللغة. وقد ذكرت مشتقات عَرَف- في إحدى وسبعين آية في القرآن الكريم. 

والعرفان هي الحالة التي تتناول الجانب العملي في علاقة الإنسان بنفسه وبالعالم وبالبارئ تعالى بما يوصل الإنسان إلى التوحيد الكامل سيراً وسلوكاً. 

إن العالَم بنظر العارف ليس إلا الخالق البارئ سبحانه وصفاته وتجلياته؛ فقد قال تعالى: {فَاَينما تُوَلُّوا فَثَمّ وَجهُ الله} الحديد: 3؛ وقال جل وعلا: {هو الاولُ والاخِرُ و الظاهرُ والباطنُ و هو بكلِّ شىء عليمٌ} البقرة: 115. 

والعرفان هو معرفة الحق والسبيل والطريقة التي اتخذها السائرون إلى الله لمعرفته سبحانه. يقول الخاقاني: 

كل مؤمن يكون من أهل العرفان،       يكون شمساً لسماء الفضل والإحسان. 

ويقول الحكيم ناصر خسرو:

رحلة العرفان هي الشفاء للآلام،       إذ العرفان ينير مجد الروح. 

وبالإضافة إلى ما ورد في القرآن الكريم من أمارات العرفان، فإن سيرة الرسول الأكرم(ص) تمثل تجسيداً للحياة المعنوية، وهي زاخرة بلمساته العرفانية. كما أننا نلحظ حياة الزهد التي عاشها ربيبه الإمام علي(ع) في طيات جواهر كلامه الذي ورد في نهج البلاغة، وكذلك أحاديث الإمام زين العابدين(ع) في الصحيفة السجادية؛ كلها تمثل دروساً جلية ونهجاً عملياً يقتدي به العرفاء. 

لقد كان الإمام علي(ع) ـ الذي عاش حياة مليئة بالزهد والإباء، وكان على معرفة بظواهر الأمور وبواطنها ـ  قدوة لشيعته. وإن العرفاء وأصحاب طرائق العرفان والتصوف الذين جاءوا في القرون اللاحقة، قد أولوا اهتماماً خاصاً في السير على نهجه لربط طريقهم بوجوده المقدس. وإن مضامين الأدعية الإسلامية مستقاة من الإشارات العرفانية التي تفضي إلى رسوخ ذكر الله في القلب، وتبعث على السير الشهودي والكشف الوجودي الذي يضعه الله تعالى في قلوب أهل الكمال، وفي هذا السياق يمكننا أن نشير إلى دعاء كميل ودعاء أبي حمزة الثمالي كنموذج على ذلك. 

وبعد الإمام علي(ع) كان هناك أربعة رجال شكلوا أركان الشيعة، وهم: سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر و المقداد بن عمرو؛ وهؤلاء المجاهدون كانوا من کبار الصحابة وأهل الزهد، الذين هم من المخلَصين والمؤمنين الأخيار المقتدين برسول الله(ص)، ومن ثم اصبحوا من  أصحاب الإمام علي(ع)، والعرفاء العارفين بالتشيع التحقيقي والعرفان الخالص. 
[2]- الرشحات: 2/628. 
[3]- البقرة 2: 138. 
[4]- جامع الأسرار: 584. 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الخوف الممدوح
من العبودية إلى الربوبية
نبع العرفان
الخوف من ضآلة النفس امام عظمة الخالق
النبّاش؛ سارق الأكفان
صفات الله في الأدعية
وصايا الإمام الصادق(ع) للمفضل
العرفان من لسان الإمام علي(ع)
مراحل الربوبية
طهارة القلب

 
user comment