فارسی
سه شنبه 18 ارديبهشت 1403 - الثلاثاء 27 شوال 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه
0
نفر 0

اسناد الصحیفه السجادیه- 1

يحيى: ‌هو‌ ابن الحسين النسابه ابن احمد المحدث ابن عمر ‌بن‌ يحيى ‌بن‌ الحسين ذى الدمعه ‌بن‌ زيد ‌بن‌ على ‌بن‌ الحسين ‌بن‌ على ‌بن‌ ابى طالب (عليهم السلام).


 قيل: القائل- حدثنا ‌فى‌ اول هذا السند- ‌هو‌ الشيخ الجليل على ‌بن‌ السكون ‌من‌ ثقاه علماء الاماميه، نقل ذلك بعضهم عن شيخنا البهائى رحمه الله عن مشايخه.
 ‌و‌ قيل: بل ‌هو‌ عميد الروساء هبه الله ‌بن‌ حامد ‌و‌ ‌هو‌ الصحيح كما ‌دل‌ عليه ‌ما‌ وجد بخط المحقق الشهيد (قدس سره) على نسخته المعارضه بنسخه ابن السكون المرقوم عليها بخط عميد الروساء ‌ما‌ صورته: قراها على السيد الاجل النقيب الاوحد العالم جلال الدين عماد الاسلام ابوجعفر القاسم ‌بن‌ الحسن ‌بن‌ محمد ‌بن‌ الحسن ‌بن‌ معيه ادام الله تعالى علوه، قراءه صحيحه مهذبه.
 ‌و‌ رويتها له عن السيد بهاءالشرف ابى الحسن محمد ‌بن‌ الحسن ‌بن‌ احمد عن رجاله المسمين ‌فى‌ باطن هذه الورقه، ‌و‌ ابحته روايتها عنى جسما وقفته عليه وحددته له.
 ‌و‌ كتب هبه الله ‌بن‌ حامد ‌بن‌ احمد ‌بن‌ ايوب ‌بن‌ على ‌بن‌ ايوب ‌فى‌ شهر ربيع الاخر ‌من‌ سنه ثلاث ‌و‌ ستمائه ‌و‌ الحمدلله.
 ‌و‌ نسخه ابن السكون التى بخطه طريق الاسناد على هذه الصوره:
 اخبرنا ابوعلى الحسن ‌بن‌ محمد ‌بن‌ اسماعيل ‌بن‌ اشناس البزاز، قراته عليه فاقربه.
 قال اخبرنا ابوالفضل محمد ‌بن‌ عبدالله ‌بن‌ المطلب الشيبانى الى آخر ‌ما‌ ‌فى‌ الكتاب.
 ثم المراد ‌من‌ قوله «حدثنا» السماع ‌من‌ لفظ السيد الاجل سواء كان املاء ‌من‌ حفظه ‌ام‌ ‌من‌ كتابه ‌و‌ ‌هو‌ ارفع طرق التحمل السبعه عند جمهور المحدثين.
 ‌و‌ قد اصطلح علماء الحديث على ‌ان‌ يقول الراوى فيما سمعه وحده ‌من‌ لفظ الشيخ ‌او‌ ‌شك‌ هل كان معه احد (حدثنى) ‌و‌ مع غيره (حدثنا). ‌و‌ فيما قرا عليه (اخبرنى) ‌و‌ فيما قرا بحضرته (اخبرنا).
 ‌و‌ ‌لا‌ يجوز عندهم ابدال كل ‌من‌ (حدثنا) ‌و‌ (اخبرنا) بالاخر ‌فى‌ الكتب المولفه. ‌و‌ اما (انبانا) فهم يطلقونه على الاجازه ‌و‌ المناوله ‌و‌ القراءه ‌و‌ السماع اصطلاحا، ‌و‌ الا فلا فرق بين الانباء ‌و‌ الاخبار لغه.
 ‌و‌ السيد: الماجد الشريف. ‌من‌ ساد يسود سياده.
 ‌و‌ الاسم: السودد بالضم ‌و‌ ‌هو‌ المجد ‌و‌ الشرف.
 ‌و‌ اختلف ‌فى‌ وزنه فقيل: اصله سويد ككريم ‌و‌ شريف فاستثقلت الكسره على الواو فحذفت فاجتمعت الواو ‌و‌ هى ساكنه والياء، فقلبت الواوياء ‌و‌ ادغمت ‌فى‌ الياء.
 ‌و‌ قيل: اصله فيعل بسكون الياء ‌و‌ كسر العين ‌و‌ ‌هو‌ مذهب البصريين. ‌و‌ قيل: بفتح العين ‌و‌ ‌هو‌ مذهب الكوفيين، لانه ‌لا‌ يوجد (فيعل) بكسر العين ‌فى‌ الصحيح الا (صيقل) اسم امراه، ‌و‌ المعتل محمول على الصحيح فتعين الفتح قياسا على عيطل ‌و‌ نحوه.
 ‌و‌ على كلا القولين: وقعت الواو عينا ‌و‌ اجتمعت مع ياء، ‌و‌ سكن السابق فقلبت ياء ‌و‌ ادغمت ‌فى‌ الياء فقيل: سيد ‌و‌ قد شاع ‌فى‌ العرف استعماله ‌فى‌ الشرفاء اولاد الحسنين (عليهماالسلام).
 ‌و‌ لعل اصله ‌من‌ قوله (صلى الله عليه ‌و‌ آله): «ان الحسن ‌و‌ الحسين سيدا شباب اهل الجنه».
 ‌و‌ الاجل: افعل تفضيل ‌من‌ ‌جل‌ يجل بالكسر ‌اى‌ عظم فهو جليل.
 ‌و‌ نجم الدين: ‌و‌ بهاء الشرف: لقبان يتضمنان مدحا.
 ‌و‌ ‌فى‌ الكلام مخالفه لاصلين:
 احدهما: ‌ان‌ «السيد الاجل» نعتان ل(نجم الدين) ‌و‌ ‌ما‌ ذكر بعده فقد ما.
 ‌و‌ النعت ‌لا‌ يتقدم على المنعوت.
 ‌و‌ الثانى: انه متى اجتمع الاسم ‌و‌ اللقب وجب على الافصح تقديم الاسم، لكون اللقب اشهر لان فيه العلميه مع شى ء ‌من‌ معنى النعت، فلو اتى ‌به‌ اولا لاغنى عن الاسم ‌و‌ قد قدم اللقب هنا على الاسم.
 ‌و‌ الجواب عن الاول: ‌ان‌ النعت اذا تقدم ‌و‌ كان صالحا لمباشره العامل فانه يعرب بحسب ‌ما‌ يقتضيه العامل ‌و‌ يجعل المنعوت بدلا، ‌و‌ يصير المتبوع تابعا ‌و‌ اضمحلت التبعيه كقوله تعالى: «الى صراط العزيز الحميد. الله» ‌فى‌ قراءه الخفض.
 ‌و‌ الجواب عن الثانى: ‌ان‌ اللقب هنا مسوق للمدح فاذا جرى لفظ المدح اولا تشوقت النفس الى الممدوح فاذا ذكر الممدوح بعد ذلك كان اوقع ‌فى‌ النفس على ‌ان‌ ذلك لغه.
 ‌و‌ قد اجتمع الامران ‌فى‌ قوله:
 انا ابن مزيقيا عمرو وجدى
 ابوه منذر ماء السماء
 ‌و‌ اما الكنيه: فلا ترتيب بينها ‌و‌ بين غيرها.
 فائده
 قال الجلال السيوطى ‌فى‌ الاوليات: اول ‌ما‌ حدث التلقيب بالاضافه الى الدين ‌فى‌ القرن الرابع.
 ‌و‌ سببه ‌ان‌ الترك لما تغلبوا على الخلافه تسموا بشمس الدوله ‌و‌ ناصر الدوله الى غير ذلك. فتشوقت نفوس بعض العوام الى تلك الاسماء فلم يجدوا اليها سبيلا فرجعوا الى امر الدين ثم فشا ذلك حتى انس ‌به‌ الناس ‌و‌ توطنوا عليه.
 قال الزمخشرى: الذى دعا العرب الى التكنيه: الاجلال عن التصريح بالاسم بالكنايه عنه، ثم ترقوا عن الكنى الى الالقاب الحسنه التى هى اضداد ‌ما‌ يتنابزبه مما نهى الله عنه ‌و‌ سماه فسوقا، فقل ‌من‌ المشاهير ‌فى‌ الجاهليه ‌و‌ الاسلام ‌من‌ ليس له لقب، ‌و‌ لم تزل الامم كلها ‌من‌ العرب ‌و‌ العجم تجرى ‌فى‌ المخاطبات ‌و‌ المكاتبات على ذلك ‌من‌ غير نكير.
 غير انها كانت تطلق على حسب استحقاق الموسومين بها، ‌و‌ اما ‌ما‌ استحدث ‌من‌ تلقيب السفله بالقاب العليه حتى زال التفاضل، ‌و‌ ذهب التفاوت، ‌و‌ انقلب الضعه ‌و‌ الشرف ‌و‌ النقص ‌و‌ الفضل شرعا واحدا، فمنكر. وهب ‌ان‌ العذر مبسوط ‌فى‌ ذلك، فما العذر ‌فى‌ تلقيب ‌من‌ ليس ‌من‌ الدين ‌فى‌ قبيل ‌و‌ ‌لا‌ دبير بجمال الدين ‌و‌ شرف الاسلام؟ هى لعمرى الغصه التى ‌لا‌ تساغ. نسال الله اعزاز دينه ‌و‌ اعلاء كلمته (ه) انتهى.
 ‌و‌ منع بعض العلماء المالكيه ‌من‌ الالقاب المضافه للدين فقال: مما ينبغى التحفظ عنه ‌من‌ البدع: الاعلام المخالفه للشرع المضافه للدين لما فيه ‌من‌ تزكيه النفس المنهى عنها.
 ‌و‌ اجاب بعضهم: بان اللقب لم يضعه الانسان لنفسه بل سماه ‌به‌ ابواه ‌فى‌ صغره ‌و‌ عدم تكليفه.
 ‌و‌ كونه تزكيه لنفسه غير صحيح. لان الاضافه قد تكون لادنى ملابسه، فهو مضاف للسبب تفاولا.
 ف«عزالدين» بمعنى ‌من‌ يعز الله بالدين ‌و‌ كذا «محى الدين» بمعنى محى لنفسه بالدين. ‌و‌ لو صح هذا منع (احمد) ‌و‌ (محمد) ‌و‌ (حسن) ‌و‌ ‌هو‌ محمود.
 ‌و‌ قال المحدثون: اذا اشتهر اللقب جاز، ‌و‌ ‌ان‌ كان ذما ك«اعرج» ‌و‌ «اعمش»، فما ذكر حرج ‌و‌ تضييق ‌فى‌ الدين. انتهى.
 تنبيه
 السيد نجم الدين بهاء الشرف المذكور: ليس له ذكر ‌فى‌ كتب الرجال. ‌و‌ لما كانت نسبه الصحيفه الشريفه الى صاحبها (عليه السلام) ثابته بالاستفاضه- التى كادت تبلغ ‌حد‌ التواتر- لم يقدح ‌فى‌ صحتها الجهل باحوال بعض رجال اسانيدها ‌و‌ ذكرهم لهولاء المشايخ انما ‌هو‌ لاجل التيمن بالاتصال ‌فى‌ الاسناد بالمعصوم (عليه السلام).
 الشيخ ابوعبدالله المذكور، ذكره الشيخ ابوالحسن على ‌بن‌ عبيدالله ‌بن‌ بابويه ‌فى‌ كتاب فهرست مشايخ الشيعه، ‌و‌ اثنى عليه بالفقه ‌و‌ الصلاح فقال: الشيخ محمد ‌بن‌ احمد ‌بن‌ شهريار الخازن بمشهد الغرى على ساكنه السلام، فقيه صالح
 ‌و‌ شهريار: اسم عجمى مركب ‌من‌ (شهر) ‌و‌ (يار) ‌و‌ معناه: عظيم البلد، على قاعده لغه الفرس ‌فى‌ تقديم المضاف اليه على المضاف.
 ‌و‌ كان الشيخ ابوعبدالله المذكور صهر شيخ الطائفه ابى جعفر محمد ‌بن‌ الحسن الطوسى «قدس الله روحه» على ابنته ‌و‌ هى ‌ام‌ ولده الشيخ الموفق: ابى طالب حمزه ‌بن‌ محمد ‌بن‌ احمد ‌بن‌ شهريار كما يستفاد ‌من‌ كتاب اليقين للسيد على ‌بن‌ طاووس نور الله مرقده.
 ‌و‌ قوله (عليه السلام): «شهر ربيع الاول» بتنوين ربيع، ‌و‌ جعل الاول صفه له تابعا ‌فى‌ الاعراب لشهر ‌او‌ ربيع، ‌و‌ كذا القول ‌فى‌ شهر ربيع الاخر.
 ‌و‌ قال ابن درستويه: ‌لا‌ يكونان صفه لربيع ‌و‌ ‌ان‌ كان معرفه، لانه ليس هناك ربيعان ‌و‌ انما هناك ربيع واحد، ‌و‌ شهر الربيع فهما صفه لشهر ‌لا‌ غير. انتهى.
 ‌و‌ تجوز الاضافه فيهما ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ باب اضافه الشى ء الى نفسه لاختلاف اللفظين نحو: حب الحصيد.
 ‌و‌ قال صاحب كتاب الازمنه: كان الحكم ‌ان‌ يقال: شهر ربيع الاول ‌و‌ شهر ربيع الاخر، الا انه اضيف فيه المنعوت الى النعت مثل دار الاخره ‌و‌ ‌حق‌ اليقين حكى ذلك الكسائى ‌و‌ اللحيانى.
 ‌و‌ سمى الاول منهما: بشهر ربيع الاول لانه صادف نقله اول الربيع، ‌و‌ الثانى بشهر ربيع الاخر لانه صادف نقله آخر الربيع.
 ‌و‌ يثنى لفظ الشهر فيهما ‌و‌ يجمع مضافا الى الجزء الثانى على قاعده تثنيه المتضائفين ‌و‌ جمعهما فيقال: شهرا ربيع ‌و‌ شهور ربيع.
 ‌و‌ حكى بعضهم انه يقال: ‌فى‌ جمعهما الاربعه الاوائل ‌و‌ الاربعه الاواخر، ‌و‌ فيه دلاله على ‌ان‌ علم الشهر ربيع بدون شهر.
 ‌و‌ قال التفتازانى: اجمعوا على ‌ان‌ العلم ‌فى‌ ثلاثه اشهر ‌هو‌ مجموع المضاف ‌و‌ المضاف اليه: شهر رمضان ‌و‌ شهر ربيع الاول ‌و‌ شهر ربيع الاخر(ه).
 ‌و‌ منع ذلك ابوحيان ‌و‌ قال: انه غير معروف ‌و‌ سياتى الكلام على ذلك ‌فى‌ شرح دعاء دخول شهر رمضان انشاءالله تعالى.
 ‌و‌ هذا النوع ‌من‌ تحمل الحديث- ‌و‌ ‌هو‌ القراءه على الشيخ- يسمى العرض لانك تعرضه على الشيخ، سواء قرات ‌او‌ قرا غيرك ‌و‌ انت تسمع.
 ‌و‌ هل ‌هو‌ ‌فى‌ مرتبه السماع ‌او‌ دونه؟
 خلاف الاشهر: ‌ان‌ السماع اعلى ‌و‌ العباره عن هذا الطريق ‌ان‌ يقول الراوى: قرات على فلان، ‌او‌ قرى ء عليه ‌و‌ انا اسمع فاقر به.
 ثم «حدثنا» ‌و‌ «اخبرنا» مقيدا بقوله: قرات عليه كما وقع هنا، ‌لا‌ مطلقا على الاظهر ‌فى‌ «حدثنا» دون «اخبرنا» فقد اجاز اطلاقه المتاخرون وفاقا لجمهور المتقدمين.
 الضمير ‌فى‌ «سمعتها» للصحيفه الكامله لدلاله السياق عليها، فاضمر ثقه بفهم السامع نحو «كل ‌من‌ عليها فان» عدى السماع ب(على) لتضمينه معنى العرض اى: سمعتها معروضه على الشيخ.
 ‌و‌ حقيقه التضمين ‌ان‌ يقصد بالفعل: معناه الحقيقى مع ملاحظه معنى فعل آخر ‌فى‌ ضمنه يناسبه ‌و‌ اعماله عمله بهذه الملاحظه. ‌و‌ لابرازه ‌فى‌ مقام التفسير طريقان:
 احدهما: جعل الاصل ثابتا، ‌و‌ المضمن حالا فيقال ‌فى‌ قولهم: «يقلب كفيه على كذا» اى: نادما على كذا.
 ‌و‌ ثانيهما: عكس هذا اى: يندم مقلبا كفيه على كذا ‌و‌ لابد ‌من‌ اعتبار الحال ‌و‌ الا كان مجازا محضا ‌لا‌ تضمينا.
 ‌و‌ مذهب البصريين: ‌ان‌ التضمين ‌لا‌ ينقاس ‌و‌ انما يصار اليه عند الضروره قاله ابوحيان، ‌و‌ الصحيح اطراده لكثرته ‌فى‌ كلام العرب حتى قال ابن جنى: لو جمعت تضمينات العرب ‌لا‌ جتمعت مجلدات.
 ‌و‌ العكبرى: بضم العين المهمله ‌و‌ سكون الكاف ‌و‌ فتح الباء الموحده ‌و‌ بعدها راء نسبه الى عكبرا بالقصر ‌و‌ المد ‌و‌ هى بليده على دجله فوق بغداد بعشره فراسخ، خرج منها جماعه ‌من‌ العلماء.
 ‌و‌ قد يقال ‌فى‌ النسبه اليها: عكبراوى، بالالف بعد الراء.
 ‌و‌ المعدل: اسم مفعول، ‌من‌ عدل الشاهد تعديلا اذا نسبه الى العداله ‌و‌ وصفه بها، ‌و‌ عرفت بانها: ملكه راسخه ‌فى‌ النفس تبعث على ملازمه التقوى ‌و‌ المروه.
 ‌و‌ قيل: بل هى كون الشخص متظاهرا بالصلاح مستور الحال غير ظاهر الفسق. اذا سئل عنه خلطاوه قالوا: ‌لا‌ نعلم منه الا خيرا.
 هذا ‌فى‌ الشاهد ‌و‌ امام الجماعه، ‌و‌ اما ‌فى‌ الراوى فهى كونه: متحرجا عن الكذب، ضابطا لما ينقله.
 ‌و‌ اشتهر الوصف بالمعدل لمن عدل ‌و‌ زكى ‌و‌ قبلت شهادته عند القضاه.
 ‌و‌ العكبرى المعدل المذكور: لم اجد له ذكرا فيما وقفت عليه ‌من‌ كتب الرجال لاصحابنا.
 ‌و‌ ذكره ابن السمعانى ‌فى‌ كتاب الانساب فقال: ‌هو‌ ابومنصور محمد ‌بن‌ محمد ‌بن‌ احمد ‌بن‌ الحسين ‌بن‌ عبدالعزيز العكبرى كتب عن جماعه ‌من‌ المحدثين بعكبرى ‌و‌ غيرها، حدثنا عنه جماعه ‌من‌ الشيوخ ببغداد ‌و‌ اصبهان، مات سنه اثنتين ‌و‌ سبعين ‌و‌ اربعمائه. ‌و‌ ابوه ابونصر محمد حدث عن احمد ‌بن‌ يوسف ‌بن‌ خلاد ‌و‌ ابى على ‌بن‌ الصواف ‌و‌ ابيه احمد ‌بن‌ الحسين العكبرى، عن ابنه ابومنصور محمد ‌و‌ ابوعبدالله محمد ‌بن‌ على ‌بن‌ محمد الصورى، ‌و‌ ابوطاهر عبدالعزيز ‌بن‌ احمد الكنانى، ‌و‌ مات بعكبرى ‌فى‌ شهر ربيع الاول سنه عشرين ‌و‌ اربعمائه، ‌و‌ كان صدوقا. ‌و‌ عمه ابوالحسن عبدالواحد ‌بن‌ احمد ‌بن‌ الحسين ‌بن‌ عبدالعزيز العكبرى المعدل روى عنه ابن اخيه ابومنصور ‌و‌ كان صدوقا متشيعا ‌و‌ مات ‌فى‌ رجب سنه تسع عشره ‌و‌ اربعمائه بعكبرى. انتهى كلام السمعانى.
 هو: ابوالمفضل محمد ‌بن‌ عبدالله ‌بن‌ محمد ‌بن‌ عبيدالله ‌بن‌ البهلول ‌بن‌ همام ‌بن‌ المطلب ‌بن‌ همام ‌بن‌ بحر ‌بن‌ مطر ‌بن‌ مره الصغرى ‌بن‌ همام ‌بن‌ مره ‌بن‌ ذهل ‌بن‌ شيبان.
 قال النجاشى: كان سافر ‌فى‌ طلب الحديث عمره، ‌و‌ كان ‌فى‌ اول امره ثبتا ثم خلط. ‌و‌ رايت ‌جل‌ اصحابنا يغمزونه ‌و‌ يضعفونه، له كتب كثيره منها: كتاب شرف التربه، كتاب مزار اميرالمومنين (عليه السلام)، كتاب مزار الحسين (عليه السلام)، كتاب فضائل العباس، كتاب الدعاء، كتاب ‌من‌ روى حديث غدير خم، كتاب رساله ‌فى‌ التقيه ‌و‌ الاذاعه، كتاب ‌من‌ روى عن زيد ‌بن‌ على ‌بن‌ الحسين (عليهم السلام)، كتاب فضائل زيد، كتاب الشافى ‌فى‌ علوم الزيديه، كتاب اخبار ابى حنيفه، كتاب القلم، رايت هذا الشيخ ‌و‌ سمعت منه كثيرا ثم توقفت عن الروايه عنه الا بواسطه بينى ‌و‌ بينه انتهى.
 ‌و‌ قال شيخ الطائفه ‌فى‌ الفهرست: محمد ‌بن‌ عبدالله ‌بن‌ المطلب الشيبانى يكنى اباالمفضل، كثير الروايه حسن الحفظ غير انه ضعفه جماعه ‌من‌ اصحابنا. له كتاب الولادات الطيبه، ‌و‌ له كتاب الفرائض، ‌و‌ له كتاب المزار ‌و‌ غير ذلك. اخبرنا بجميع رواياته عنه جماعه ‌من‌ اصحابنا انتهى.
 ‌و‌ قال ابن الغضائرى فيه: انه وضاع كثير المناكير، رايت كتبه ‌و‌ فيه الاسانيد ‌من‌ دون المتون، ‌و‌ المتون ‌من‌ دون الاسانيد، ‌و‌ ارى ترك ‌ما‌ ينفرد ‌به‌ انتهى.
 ‌و‌ ذكره العلامه ‌فى‌ الخلاصه مرتين، مره كما ذكره النجاشى، ‌و‌ مره كما ذكره ابن الغضائرى. ‌و‌ ذكره ابن داود ‌فى‌ رجاله ثلاث مرات، مره ‌فى‌ الموثقين ‌و‌ مرتين ‌فى‌ المجروحين، ‌و‌ الله اعلم.
 ذكر النجاشى: الشريف المذكور فقال: بعد ‌ان‌ سرد نسبه ‌هو‌ والد ابى قيراط، ‌و‌ ابنه يحيى ‌بن‌ جعفر روى الحديث ‌و‌ كان وجها ‌فى‌ الطالبيين متقدما، ‌و‌ كان ثقه ‌فى‌ اصحابنا سمع ‌و‌ اكثر ‌و‌ عمر ‌و‌ علا اسناده. له كتاب التاريخ العلوى، ‌و‌ كتاب الصخره ‌و‌ البئر. اخبرنا شيخنا محمد ‌بن‌ محمد قال: حدثنا محمد ‌بن‌ عمر ‌بن‌ محمد الجعابى قال: حدثنا جعفر بكتبه. ‌و‌ مات ‌فى‌ ذى القعده سنه ثمان ‌و‌ ثلاثمائه، ‌و‌ له نيف ‌و‌ تسعون سنه. ‌و‌ ذكر عنه انه قال: ولدت بسر ‌من‌ راى سنه اربع ‌و‌ عشرين ‌و‌ ماتين.
 ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ تاريخ ولادته ‌و‌ وفاته ‌لا‌ يوافق ‌ما‌ ذكره ‌من‌ انه مات ‌و‌ له نيف ‌و‌ تسعون سنه.
 ‌و‌ ارخ العلامه ‌فى‌ الخلاصه: وفاته سنه ثمانين ‌و‌ ثلاثمائه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌لا‌ يوافق ذلك ايضا، ‌و‌ الظاهر انه سبق قلم ‌و‌ الله اعلم.
 قال الفيومى:خطب الى القوم: اذا طلب ‌ان‌ يتزوج منهم، ‌و‌ الاسم الخطبه بالكسر فهو خاطب، ‌و‌ خطاب مبالغه، ‌و‌ ‌به‌ سمى.
 ‌و‌ هذا الرجال ليس له ذكر ‌فى‌ رجال اصحابنا مطلقا.
 قال بعضهم: لما كان اخبار السعيد ابى عبدالله الخازن سنه ست عشره ‌و‌ خمسمائه، ‌و‌ تحديث عبدالله ‌بن‌ عمر المذكور سنه خمس ‌و‌ ستين ‌و‌ ماتين، ‌و‌ كانت عده الرواه المتخلله بينهما ‌فى‌ هذا الاسناد ثلاثه مع ‌ان‌ الزمان المتوسط بين الاخبارين يرتقى الى ماتين ‌و‌ احدى ‌و‌ خمسين سنه، ‌و‌ كان الظاهر لقاء هولاء الرواه الثلاثه بعضهم بعضا كما ينص عليه
 قوله: «حدثنا» ‌و‌ كما تشعر ‌به‌ العنعنه ‌و‌ مقدار هذا الزمن بالنسبه الى عده هذا السند رحب واسع طويل، استبان ‌ان‌ هذا السند عال بالمعنى المستفيض عن المحدثين حيث قالوا: (العالى السند) هو: القليل الواسطه مع اتصاله، ‌و‌ قد امتدحوه ‌و‌ رجحوه على ‌ما‌ خالفه حتى كان طلبه سنه عند اكثر السلف. ‌و‌ قد كانوا يشدون الرجال الى المشايخ الى اقصى البلاد لاجله لان يعلو السند ‌و‌ يبعد الحديث عن الخلل المتطرق الى كل راو، اذ ‌ما‌ ‌من‌ راو ‌من‌ رجال السند الا ‌و‌ الخطا جائز عليه، فكلما كثرت الوسائط وطال السند كثرت مظان التجويز، ‌و‌ كلما قلت، قلت.

نكته
 اخبرنى بعض الاصحاب بمكه المشرقه قال: لقى بعض النواصب ‌فى‌ المسجد الحرام. رجلا عجميا ‌من‌ الشيعه ‌فى‌ يده الصحيفه الكامله فانتزعها ‌من‌ يده قهرا ‌و‌ نظر ‌فى‌ اولها فوقع نظره على عبدالله ‌بن‌ عمر ‌بن‌ الخطاب المذكور فظنه عبدالله ‌بن‌ عمر ‌بن‌ الخطاب فاعادها عليه ‌و‌ شكره ‌و‌ قال: ‌ما‌ رايت عجميا سنيا غيرك.
 النعمان بالضم: علم منقول ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ اسماء الدم.
 ‌و‌ الاعلم: مشقوق الشفه العليا، ‌و‌ قد علم علما محركه ‌من‌ باب تعب فهو اعلم ‌و‌ هى علماء كاحمر ‌و‌ حمراء.
 فان كان الشق ‌فى‌ الشفه السفلى فهو: الفلح بالفاء ‌و‌ الحاء المهمله محركه ‌و‌ ‌هو‌ افلح ‌و‌ هى فلحاء. قال النجاشى: على ‌بن‌ النعمان الاعلم النخعى: ابوالحسن مولاهم كوفى، روى عن الرضا (عليه السلام)، ‌و‌ اخوه داود اعلى منه، ‌و‌ ابنه الحسن ‌بن‌ على، ‌و‌ ابنه احمد رويا الحديث.
 ‌و‌ كان على ثقه وجها ثبتا صحيحا واضح الطريقه. له كتاب يرويه جماعه، اخبرنا على ‌بن‌ احمد ‌بن‌ محمد قال: حدثنا محمد ‌بن‌ الحسن قال: حدثنا محمد ‌بن‌ الحسن الصفار ‌و‌ عبدالله ‌بن‌ جعفر ‌و‌ سعد قالوا: حدثنا ابن ابى الخطاب، عن على ‌بن‌ النعمان، انتهى.
 ‌و‌ ليس ‌فى‌ كتب الرجال على ‌بن‌ النعمان سواه.
 الثقفى بفتح الثاء المثلثه ‌و‌ القاف ‌و‌ الفاء: نسبه الى ثقيف كامير ‌و‌ هى قبيله مشهوره بالطائف.
 ‌و‌ البلخى بفتح الباء الموحده ‌و‌ سكون اللام ‌و‌ بعدها خاء معجمه: نسبه الى بلخ ‌و‌ هى مدينه عظيمه ‌من‌ بلاد خراسان فتحها الاحنف ‌بن‌ قيس التميمى المضروب ‌به‌ المثل ‌فى‌ الحلم ‌فى‌ خلافه عثمان ‌بن‌ عفان.
 قال النجاشى: المتوكل ‌بن‌ عمير ‌بن‌ المتوكل، روى عن يحيى ‌بن‌ زيد دعاء الصحيفه. اخبرنا الحسين ‌بن‌ عبيدالله، عن ابن اخى طاهر، عن ابيه، عن عمير ‌بن‌ المتوكل، عن ابيه متوكل، عن يحيى ‌بن‌ زيد بالدعاء انتهى.
 ‌و‌ ‌لا‌ يخفى: ‌ان‌ اول كلامه ظاهر ‌فى‌ ‌ان‌ الراوى عن يحيى ‌بن‌ زيد دعاء الصحيفه هو: المتوكل ‌بن‌ عمير ‌و‌ يظهر ‌من‌ سنده انه المتوكل جده كما ‌فى‌ المتن.
 ‌و‌ يمكن التوفيق بنوع عنايه ‌و‌ لم ينص احد ‌من‌ الاصحاب على توثيق المتوكل المذكور غير ‌ان‌ الحسن ‌بن‌ داود ذكر سبطه متوكل ‌بن‌ عمير ‌فى‌ قسم الموثقين ‌من‌ كتابه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌لا‌ يجدى كما توهم بعضهم.
 هو: يحيى ‌بن‌ زيد ‌بن‌ على ‌بن‌ الحسين ‌بن‌ على ‌بن‌ ابى طالب (عليهم السلام)، امه: ريطه بنت ابى هاشم عبدالله ‌بن‌ محمد ‌بن‌ الحنفيه رضى الله عنه.
 ‌و‌ لما قتل ابوه زيد ‌بن‌ على، خرج يحيى حتى نزل بالمدائن، فبعث يوسف ‌بن‌ عمر ‌فى‌ طلبه، فخرج الى الرى ثم الى نيسابور ‌من‌ خراسان، فسالوه المقام بها فقال: بلده لم ترفع فيها لعلى ‌و‌ آله رايه ‌لا‌ حاجه لى ‌فى‌ المقام بها، ثم خرج الى سرخس ‌و‌ اقام بها عند يزيد ‌بن‌ عمر التميمى سته اشهر، حتى مضى هشام ‌بن‌ عبدالملك لسبيله، ‌و‌ ولى بعده الوليد ‌بن‌ يزيد فكتب الى نصر ‌بن‌ سيار ‌فى‌ طلبه فاخذه ببلخ وقيده ‌و‌ حبسه، فقال عبدالله ‌بن‌ معاويه ‌بن‌ عبدالله ‌بن‌ جعفر ‌بن‌ ابى طالب رضى الله عنه، لما بلغه ذلك:
 اليس بعين الله ‌ما‌ تفعلونه
 عشيه يحيى موثق بالسلاسل
 كلاب عوت ‌لا‌ قدس الله سرها
 فجئن بصيد ‌لا‌ يحل لاكل
 ‌و‌ كتب نصر ‌بن‌ سيار الى يوسف ‌بن‌ عمر يخبره بحبسه ‌و‌ كتب يوسف الى الوليد، فكتب الوليد اليه بان يحذره الفتنه ‌و‌ يخلى سبيله فخلى سبيله ‌و‌ اعطاه الفى درهم ‌و‌ بغلين، فخرج حتى نزل الجوزجان فلحق ‌به‌ قوم ‌من‌ اهلها ‌و‌ من، زهاء خمسمائه رجل، فبعث اليه نصر ‌بن‌ سيار، سالم ‌بن‌ احور، فاقتتلوا اشد قتال ثلاثه ايام حتى قتل جميع اصحاب يحيى ‌و‌ بقى وحده فقتل عصر يوم الجمعه سنه خمس ‌و‌ عشرين ‌و‌ مائه، ‌و‌ له ثمانى عشره سنه، ‌و‌ بعث براسه الى الوليد، فبعث ‌به‌ الوليد الى المدينه، فوضع ‌فى‌ حجر امه ريطه فنظرت اليه ‌و‌ قالت: شردتموه عنى طويلا ‌و‌ اهديتموه الى قتيلا، صلوات الله عليه ‌و‌ على آبائه بكره ‌و‌ اصيلا.
 فلما قتل عبدالله ‌بن‌ على ‌بن‌ عبدالله ‌بن‌ العباس، مروان ‌بن‌ محمد ‌بن‌ مروان، بعث براسه حتى وضع ‌فى‌ حجر امه فارتاعت. فقال: هذا بيحيى ‌بن‌ زيد، ‌و‌ كان الذى احتز راس يحيى ‌بن‌ زيد، سوره ‌بن‌ ابحر، ‌و‌ اخذ العنبرى سلبه، ‌و‌ هذان اخذهما ابومسلم المروزى فقطع ايديهما ‌و‌ ارجلهما ‌و‌ صلبهما. ‌و‌ ‌لا‌ عقب ليحيى ‌بن‌ زيد.
 احفى بالحاء المهمله: ‌اى‌ الحف ‌و‌ بالغ ‌فى‌ السئوال ‌من‌ قولهم: احفى الرجل شاربه: اذا بالغ ‌فى‌ قصه.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: احفى شاربه: الزق جزه، ‌و‌ احفى القوم المرعى: لم يتركوا منه شيئا، ‌و‌ ‌من‌ المجاز: احفى ‌فى‌ السئوال: الحف. ‌و‌ جعفر ‌بن‌ محمد: ‌هو‌ الامام ابوعبدالله جعفر الصادق ‌بن‌ محمد الباقر ‌بن‌ على ‌بن‌ الحسين ‌بن‌ على ‌بن‌ ابى طالب صلوات الله عليهم، امه: ‌ام‌ فروه بنت القاسم ‌بن‌ محمد ‌بن‌ ابى بكر، ‌و‌ امها: اسماء بنت عبدالرحمن ‌بن‌ ابى بكر، ‌و‌ لهذا كان الصادق (عليه السلام) يقول: ولدنى ابوبكر مرتين، ولد بالمدينه سنه ثلاث ‌و‌ ثمانين ‌من‌ الهجره ‌و‌ قبض بها ‌فى‌ شوال سنه ثمان ‌و‌ اربعين ‌و‌ مائه، ‌و‌ له خمس ‌و‌ ستون سنه.
 ‌و‌ قيل: ثمان ‌و‌ ستون على ‌ان‌ مولده سنه ثمانين، ‌و‌ دفن بالبقيع مع ابيه (عليه السلام).
 قال الشيخ المفيد: لم ينقل العلماء عن احد ‌من‌ اهل بيته مثل ‌ما‌ نقل عنه ‌من‌ العلوم ‌و‌ الاثار، فان اصحاب الحديث قد جمعوا اسماء الرواه عنه ‌من‌ الثقاه على اختلافهم ‌فى‌ الاراء ‌و‌ المقالات فكانوا اربعه آلاف رجل.
 ‌و‌ قال الشيخ كمال الدين ‌بن‌ طلحه الشافعى: اما مناقبه ‌و‌ صفاته فتكاد تفوت عدد الحاصر ‌و‌ يحار ‌فى‌ انواعها فهم اليقظ الباصر، حتى ‌ان‌ ‌من‌ كثره علومه المفاضه على قلبه ‌من‌ سجال التقوى صارت الاحكام التى ‌لا‌ تدرك عللها، ‌و‌ العلوم التى تقصر الافهام عن الاحاطه بحكمها تضاف اليه ‌و‌ تروى عنه.
 ‌و‌ قال الذهبى ‌فى‌ الكاشف: قال ابوحنيفه: ‌ما‌ رايت افقه منه، ‌و‌ قد دخلنى له ‌من‌ الهيبه ‌ما‌ لم يدخلنى ‌من‌ المنصور.
 ‌و‌ عن عمرو ‌بن‌ ابى المقدام قال: كنت اذا نظرت الى جعفر ‌بن‌ محمد علمت انه ‌من‌ سلاله النبيين.
 ‌و‌ عن صالح ‌بن‌ الاسود قال: سمعت جعفر ‌بن‌ محمد يقول: سلونى قبل ‌ان‌ تفقدونى فانه ‌لا‌ يحدثكم احد بعدى بمثل حديثى.
 هو: ابوالحسن زيد ‌بن‌ على ‌بن‌ الحسين ‌بن‌ على ‌بن‌ ابى طالب (عليهم السلام)، امه: ‌ام‌ ولد كان جم الفضائل عظيم المناقب ‌و‌ كان يقال له حليف القرآن.
 روى ابونصر البخارى عن ابن الجارود قال: قدمت المدينه فجعلت كل ‌ما‌ سالت عن زيد ‌بن‌ على، قيل لى: ذاك حليف القرآن، ذاك اسطوانه المسجد ‌من‌ كثره صلاته.
 قال الشيخ المفيد ‌فى‌ كتاب الارشاد: كان زيد ‌بن‌ على عين اخوته بعد ابى جعفر الباقر (عليه السلام) ‌و‌ افضلهم ‌و‌ كان ورعا، عابدا فقيها سخيا شجاعا ‌و‌ ظهر بالسيف يامر بالمعروف ‌و‌ ينهى عن المنكر ‌و‌ يطلب بثارات الحسين (عليه السلام) ‌و‌ اعتقد كثير ‌من‌ الشيعه فيه الامامه ‌و‌ كان سبب اعتقادهم فيه ذلك خروجه بالسيف، يدعو الى الرضا ‌من‌ ‌آل‌ محمد (عليهم السلام) ‌و‌ ظنوه يريد بذلك لنفسه، ‌و‌ لم يكن يريده لنفسه لمعرفته باستحقاق اخيه الامامه ‌من‌ قبله ‌و‌ وصيته الى ابى عبدالله (عليه السلام)، انتهى.
 ‌و‌ قال اهل التاريخ: كان السبب ‌فى‌ خروجه ‌و‌ خلعه طاعه بنى مروان انه وفد على هشام ‌بن‌ عبدالملك شاكيا ‌من‌ خالد ‌بن‌ عبدالملك ‌بن‌ الحرث ‌بن‌ الحكم، امير المدينه فجعل هشام ‌لا‌ ياذن،له، ‌و‌ زيد يرفع اليه القصص، ‌و‌ كلما رفع اليه قصه كتب هشام ‌فى‌ اسفلها ارجع الى ارضك فيقول زيد: ‌و‌ الله ‌لا‌ ارجع الى ابن الحرث ابدا.
 ثم اذن له بعد حبس طويل، فلما قعد بين يديه قال له هشام: بلغنى انك تذكر الخلافه ‌و‌ تتمناها ‌و‌ لست هناك لانك ابن امه، فقال زيد: ‌ان‌ لك جوابا، قال: تكلم قال: انه ليس احد اولى بالله ‌من‌ نبى بعثه ‌و‌ ‌هو‌ اسماعيل ‌بن‌ ابراهيم ‌و‌ ‌هو‌ ابن امه قد اختاره الله لنبوته ‌و‌ اخرج منه خير البشر، فقال هشام: فما يصنع اخوك البقره! فغضب زيد حتى كاد يخرج ‌من‌ اهابه.
 ثم قال: سماه رسول الله الباقر ‌و‌ تسميه انت البقره لشد ‌ما‌ اختلفتما، ‌و‌ لتخالفنه ‌فى‌ الاخره كما خالفته ‌فى‌ الدنيا فيرد الجنه ‌و‌ ترد النار. فقال هشام: خذوا بيد هذا الاحمق المائق، فاخرجوه، فاخرج زيد ‌و‌ اشخص الى المدينه ‌و‌ معه نفر يسير حتى طردوه عن حدود الشام، فلما فارقوه عدل الى العراق ‌و‌ دخل الكوفه فبايعه اكثر اهلها، ‌و‌ العامل عليها ‌و‌ على العراق يوسف ‌بن‌ عمر الثقفى فكان بينهما ‌من‌ الحرب ‌ما‌ ‌هو‌ مذكور ‌فى‌ كتب التواريخ.
 ‌و‌ خذل اهل الكوفه زيدا ‌و‌ ثبت معه ممن بايعه نفر يسير، ‌و‌ ابلى بنفسه بلاء حسنا ‌و‌ جاهد جهادا عظيما حتى اتاه سهم غرب فاصاب جانب جبهته اليسرى فثبت ‌فى‌ دماغه فحين نزع عنه مات. ‌و‌ كان مقتله يوم الاثنين لليلتين خلتا ‌من‌ صفر سنه احدى ‌و‌ عشرين ‌و‌ مائه، ‌و‌ له اثنان ‌و‌ اربعون سنه، ثم صلب جسده الشريف بكناسه الكوفه اربعه اعوام، فسدت العنكبوت على عورته، ‌و‌ بعث براسه الى المدينه ‌و‌ نصب عند قبر النبى (صلى الله عليه ‌و‌ آله) يوما ‌و‌ ليله.
 ‌و‌ عن جرير ‌بن‌ ابى حازم قال: رايت النبى (صلى الله عليه ‌و‌ آله) ‌فى‌ المنام كان مستندا الى خشبه زيد ‌بن‌ على ‌و‌ ‌هو‌ يقول: هكذا، تفعلون بولدى؟
 ‌و‌ لما هلك هشام، ‌و‌ ولى بعده الوليد ‌بن‌ يزيد كتب الى يوسف ‌بن‌ عمر اما بعد: فاذا اتاك كتابى فاعمد الى عجل اهل العراق فحرقه ثم انسفه ‌فى‌ اليم نسفا، فانزله ‌و‌ حرقه ثم ذراه ‌فى‌ الهواء.
 ‌و‌ لما قال الحكم ‌بن‌ عباس الكلبى:
 صلبنا لكم زيدا على جذع نخله
 ‌و‌ لم ار مهديا على الجذع يصلب
 فبلغ قوله الصادق (عليه السلام)، رفع يديه الى السماء ‌و‌ هما ترعشان فقال:«اللهم ‌ان‌ كان عبدك كاذبا فسلط عليه كلبك».
 فبعثه بنواميه الى الكوفه فافترسه الاسد ‌و‌ اتصل خبره بالصادق (عليه السلام) فخر ساجدا ‌و‌ قال: «الحمد لله الذى انجزنا ‌ما‌ وعدنا».
 ‌و‌ روى ابن بابويه ‌فى‌ كتاب عيون اخبار الرضا (عليه السلام) باسناده الى عبدالله ‌بن‌ سيابه قال: خرجنا ‌و‌ نحن سبعه نفر فاتينا المدينه فدخلنا على ابى عبدالله (عليه السلام) فقال: اعندكم خبر عمى زيد؟ فقلنا: قد خرج ‌او‌ ‌هو‌ خارج، قال: فان اتاكم خبر فاخبرونى، فمكثنا اياما فاتى رسول السام الصير ‌فى‌ بكتاب فيه اما بعد: فان زيد ‌بن‌ على خرج يوم الاربعاء غره صفر فمكث الاربعاء ‌و‌ الخميس ‌و‌ قتل يوم الجمعه ‌و‌ قتل معه فلان ‌و‌ فلان، فدخلنا على الصادق (عليه السلام) ‌و‌ دفعنا اليه الكتاب فقراه ‌و‌ بكى ثم قال: «انا لله ‌و‌ انا اليه راجعون، عند الله احتسب عمى انه كان نعم العم، ‌ان‌ عمى كان رجلا لدنيانا ‌و‌ آخرتنا، مضى ‌و‌ الله عمى شهيدا، مضى ‌و‌ الله عمى شهيدا، كشهداء استشهدوا مع رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) ‌و‌ على ‌و‌ الحسن ‌و‌ الحسين صلوات الله عليهم».
 ‌و‌ باسناده عن الفضيل ‌بن‌ يسار: قال: انتهيت الى زيد ‌بن‌ على صبيحه خرج بالكوفه فسمعته يقول: ‌من‌ يعيننى منكم على قتال انباط اهل الشام فو الذى بعث محمدا بالحق بشيرا ‌و‌ نذيرا ‌لا‌ يعيننى منكم على قتالهم احد الا اخذت بيده يوم القيامه فادخلته الجنه باذن الله تعالى.
 فلما قتل اكثريت راحله ‌و‌ توجهت نحو المدينه فدخلت على ابى عبدالله (عليه السلام) فقلت ‌فى‌ نفسى: ‌و‌ الله ‌لا‌ اخبرته بقتل زيد ‌بن‌ على فيجزع عليه، فلما دخلت عليه قال: ‌ما‌ فعل عمى زيد؟ فخنقتنى العبره، فقال: قتلوه؟ قلت: ‌اى‌ ‌و‌ الله قتلوه، قال: ‌و‌ صلبوه؟ قلت: ‌اى‌ ‌و‌ الله صلبوه، قال: فاقبل يبكى ‌و‌ دموعه تتحدر على جانبى خده كانهما الجمان، ثم قال: ‌يا‌ فضيل شهدت مع عمى قتال اهل الشام؟ قلت: نعم، قال: فكم قتلت منهم؟ قلت: سته، قال: فلعلك شاك ‌فى‌ دمائهم؟ فقلت: لو كنت شاكا ‌ما‌ قتلتهم، فسمعته ‌و‌ ‌هو‌ يقول: اشركنى الله ‌فى‌ تلك الدماء، مضى ‌و‌ الله زيد عمى شهيدا مثل ‌ما‌ مضى عليه على ‌بن‌ ابى طالب (عليه السلام) ‌و‌ اصحابه- اخذنا ‌من‌ الحديث موضع الحاجه-.
 ‌و‌ روى ابوخالد الواسطى قال: سلم الى ابوعبدالله (عليه السلام) الف دينار ‌و‌ امرنى ‌ان‌ اقسمها ‌فى‌ عيال ‌من‌ اصيب مع زيد، فاصاب عبدالله ‌بن‌ الزبير، اخى فضيل منها اربعه دنانير.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام باسناده الى سليمان ‌بن‌ خالد قال: قال لى ابوعبدالله (عليه السلام): كيف صنعتم بعمى زيد؟ قلت: انهم كانوا يحرسونه، فلما شف الناس اخذنا خشبته فدفناه ‌فى‌ جرف على شاطى الفرات، فلما اصبحوا جالت الخيل يطلبونه فوجدوه فاحرقوه فقال: افلا ‌او‌ قرتموه حديدا ‌و‌ القيتموه ‌فى‌ الفرات؟ صلى الله عليه ‌و‌ لعن الله قاتله.
 ‌و‌ باسناده عن الحسن ‌بن‌ على الوشا، عمن ذكره، عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال: «ان الله ‌عز‌ ذكره اذن ‌فى‌ هلاك بنى اميه بعد احراقهم زيدا بسبعه ايام».
 ‌و‌ روى الكشى باسناده عن فضيل الرسان قال: دخلت على ابى عبدالله (عليه السلام) بعد ‌ما‌ قتل زيد ‌بن‌ على، فادخلت بيتا جوف بيت فقال لى:«يا فضيل قتل عمى زيد؟ قلت: نعم جعلت فداك، قال: رحمه الله اما انه كان مومنا ‌و‌ كان عارفا ‌و‌ كان عالما صدوقا، اما انه لو ظفر لوفى، اما انه لو ملك لعرف كيف بعضها».
 ‌و‌ عن ابى ولاد الكاهلى قال: قال لى الصادق (عليه السلام): «ارايت عمى زيدا؟ قلت: نعم رايته مصلوبا ‌و‌ رايت الناس بين شامت حنق ‌و‌ بين محزون محترق، فقال: اما الباكى فمعه ‌فى‌ الجنه ‌و‌ اما الشامت فشريك ‌فى‌ دمه.
 ‌و‌ روى الصدوق باسناده عن ابى الجارود زياد ‌بن‌ المنذر قال: انى لجالس عند ابى جعفر محمد ‌بن‌ على الباقر (عليهماالسلام)، اذ اقبل زيد ‌بن‌ على فلما نظر اليه ابوجعفر ‌و‌ ‌هو‌ مقبل قال: هذا سيد ‌من‌ اهل بيته ‌و‌ الطالب باوتارهم لقد انجبت ‌ام‌ ولدتك ‌يا‌ زيد.
 ‌و‌ باسناده الى جابر ‌بن‌ يزيد الجعفى عن ابى جعفر محمد ‌بن‌ على الباقر (عليه السلام) عن آبائه عن على (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم) للحسين (عليه السلام): ‌يا‌ حسين يخرج ‌من‌ صلبك رجل يقال له زيد يتخطى ‌هو‌ ‌و‌ اصحابه يوم القيامه رقاب الناس غرا محجلين يدخلون الجنه بلا حساب.
 ‌و‌ باسناده الى ابن ابى عبدون قال: لما حمل زيد ‌بن‌ موسى ‌بن‌ جعفر الى المامون ‌و‌ كان قد خرج بالبصره ‌و‌ احرق دور ولد العباس، وهب المامون جرمه لاخيه على ‌بن‌ موسى الرضا (عليهماالسلام) ‌و‌ قال له: ‌يا‌ اباالحسن لئن خرج اخوك ‌و‌ فعل ‌ما‌ فعل فقد خرج قبله زيد ‌بن‌ على فقتل، ‌و‌ لو ‌لا‌ مكانك منى لقتلته فليس ‌ما‌ اتاه بصغير فقال الرضا (عليه السلام): ‌يا‌ اميرالمومنين ‌لا‌ تقس اخى زيدا الى زيد ‌بن‌ على (عليه السلام) فانه كان ‌من‌ علماء ‌آل‌ محمد غضب لله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ فجاهد اعدائه حتى قتل ‌فى‌ سبيله، ‌و‌ لقد حدثنى ابى موسى ‌بن‌ جعفر (عليهماالسلام) انه سمع اباه جعفر ‌بن‌ محمد ‌بن‌ على (عليهم السلام) يقول: رحم الله عمى زيدا انه دعا الى الرضا ‌من‌ ‌آل‌ محمد ‌و‌ لو ظفر لوفى بما دعا اليه، ‌و‌ لقد استشارنى ‌فى‌ خروجه فقلت له: ‌يا‌ عم ‌ان‌ رضيت ‌ان‌ تكون المقتول المصلوب بالكناسه فشانك، فلما ولى قال جعفر ‌بن‌ محمد (عليهماالسلام): ويل لمن سمع داعيته ‌و‌ لم يجبه، فقال المامون: ‌يا‌ اباالحسن اليس قد جاء فيمن ادعى الامامه بغير حقها ‌ما‌ جاء! فقال الرضا (عليه السلام): ‌ان‌ زيد ‌بن‌ على لم يدع ‌ما‌ ليس له بحق، ‌و‌ انه كان اتقى الله ‌من‌ ذلك، انه قال: ادعوكم الى الرضا ‌من‌ ‌آل‌ محمد (عليهم السلام) ‌و‌ انما جاء ‌ما‌ جاء فيمن يدعى ‌ان‌ الله نص عليه، ثم يدعو الى غير دين الله ‌و‌ يضل عن سبيله بغير علم ‌و‌ كان زيد ‌و‌ الله ممن خوطب بهذه الاته: «و جاهدوا ‌فى‌ الله ‌حق‌ جهاده ‌هو‌ اجتباكم».
 ثم الروايات ‌فى‌ فضل زيد ‌بن‌ على عليهماالسلام كثيره ‌و‌ لجماعه ‌من‌ علماء الشيعه مولفات مكثوره على ذلك فلنكتف منها بهذا المقدار روما للاختصار ‌و‌ الله اعلم.
 هو: ابوجعفر محمد الباقر ‌بن‌ على زين العابدين ابن الحسين ‌بن‌ على ‌بن‌ ابى طالب (عليهم السلام) ‌و‌ لقب بالباقر لما رواه جابر ‌بن‌ عبدالله الانصارى عن النبى (صلى الله عليه ‌و‌ آله) انه قال له: ‌يا‌ جابر انك ستعيش حتى تدرك رجلا ‌من‌ اولادى اسمه اسمى يبقر العلم بقرا فاذا رايته فاقراه منى السلام فلما دخل محمد الباقر على جابر ‌و‌ ساله عن نسبه فاخبره قام اليه فاعتنقه ‌و‌ قال له: جدك رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) يقرا عليك السلام، ‌و‌ امه: ‌ام‌ الحسن فاطمه بنت الحسن ‌بن‌ على ‌بن‌ ابى طالب (عليهم السلام) ‌و‌ ‌هو‌ اول ‌من‌ اجتمعت له ولاده الحسن ‌و‌ الحسين (عليهماالسلام) ‌و‌ فيه يقول الشاعر:
 ‌يا‌ باقر العلم لاهل التقى
 ‌و‌ خير ‌من‌ لبى على الاجبل
 ‌و‌ كانت ولادته سنه تسع ‌و‌ خمسين بالمدينه ‌فى‌ حياه جده الحسين (عليه السلام) ‌و‌ توفى ‌فى‌ شهر ربيع الاخر سنه اربع عشره ‌و‌ مائه ‌و‌ ‌هو‌ ابن خمس ‌و‌ خمسين سنه.
 ‌و‌ قيل غير ذلك ‌و‌ دفن بالبقيع.
 عن عطاء المكى قال: ‌ما‌ رايت العلماء عند احد قط اصغر منهم عند ابى جعفر محمد ‌بن‌ على ‌بن‌ الحسين (عليهم السلام) ‌و‌ لقد رايت الحكم ‌بن‌ عتيبه مع جلالته ‌فى‌ القوم بين يديه كانه صبى بين يدى معلمه.
 ‌و‌ كان جابر ‌بن‌ يزيد الجعفى اذا روى عن محمد ‌بن‌ على (عليهماالسلام) شيئا قال: حدثنى وصى الاوصياء ‌و‌ وارث علم الانبياء محمد ‌بن‌ على ‌بن‌ الحسين (عليهم السلام).
 ‌و‌ اما ‌ما‌ تضمنته روايه المتن: ‌من‌ ‌ان‌ الباقر (عليه السلام) اشار على زيد ‌بن‌ على بترك الخروج ‌و‌ عرفه مصير امره ‌ان‌ ‌هو‌ خرج، فيدل عليه ايضا ‌ما‌ رواه الحسن ‌بن‌ راشد قال: ذكرت زيد ‌بن‌ على فتنقصته عند ابى عبدالله (عليه السلام) فقال: ‌لا‌ تفعل رحم الله عمى زيدا فانه اتى ابى فقال: انى اريد الخروج على هذه الطاغيه فقال: ‌لا‌ تفعل ‌يا‌ زيد فانى اخاف ‌ان‌ تكون المقتول المصلوب بظهر الكوفه اما علمت ‌يا‌ زيد انه ‌لا‌ يخرج احد ‌من‌ ولد فاطمه على احد ‌من‌ السلاطين قبل خروج السفيانى الا قتل، ثم قال: ‌يا‌ حسن ‌ان‌ فاطمه احصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار، ‌و‌ فيهم نزل «ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا ‌من‌ عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ‌و‌ منهم مقتصد ‌و‌ منهم سابق بالخيرات». فالظالم لنفسه: الذى ‌لا‌ يعرف الامام، ‌و‌ المقتصد: العارف بحق الامام، ‌و‌ السابق بالخيرات: ‌هو‌ الامام ثم قال: ‌يا‌ حسن انا اهل بيت ‌لا‌ نخرج ‌من‌ الدنيا حتى نقر لكل ذى فضل فضله.
 ‌و‌ ورد بذلك روايات اخرى.
 هل: حرف استفهام يطلب ‌به‌ التصديق الايجابى دون التصور ‌و‌ التصديق السلبى.
 ‌و‌ قول ابن سيده:«لا يكون الفعل معها الا مستقبلا».
 سهو، قال الله تعالى: «فهل وجدتم ‌ما‌ وعد ربكم حقا». ‌و‌ مثله عباره المتن. ‌و‌ لقيه يلقاه: ‌من‌ باب تعب، لقيا ‌و‌ لقى- بالضم مع القصر- ‌و‌ لقاء- بالكسر مع المد ‌و‌ القصر-: اجتمع ‌به‌ ‌و‌ صادفه، ‌و‌ كل شى ء استقبل شيئا ‌او‌ صادفه فقد لقيه ‌و‌ ‌لا‌ قاه.
 ‌و‌ نعم:- بفتح النون ‌و‌ العين- ‌و‌ كنانه: تكسر العين، ‌و‌ بها قرا الكسائى، ‌و‌ هى هنا للاعلام لوقوعها بعد الاستفهام، ‌و‌ حيث وقعت بعده فهى حرف اعلام فان وقعت بعد الخبر فهى حرف تصديق ‌او‌ بعد امر ‌او‌ نهى فهى حرف وعد.
 ‌و‌ يذكر: على وزن يكتب ‌اى‌ يجرى على لسانه ‌من‌ الذكر (بالكسر ‌و‌ الضم) بمعنى اجراء الشى ء على اللسان، ‌و‌ يكون بمعنى الحفظ للشى ء. ‌و‌ انكر الفراء الكسر ‌فى‌ معنى الحفظ ‌و‌ قال: اجعلنى على ذكر منك (بالضم) ‌لا‌ غير، ‌و‌ لهذا اقتصر عليه جماعه.

لكن نص ابوعبيده ‌و‌ ابن قتيبه ‌و‌ جماعه: على جواز الضم ‌و‌ الكسر ‌فى‌ الذكر باللسان ‌و‌ القلب معا.
 ‌و‌ الامر: الحال، ‌و‌ منه امره مستقيم ‌و‌ يجمع على امور، ‌و‌ اما الامر بمعنى طلب الشى ء فيجمع على اوامر فرقا بين المعنيين.
 ‌و‌ قوله: «بم ذكرنى» ‌اى‌ باى شى ء، ‌و‌ «ما»: استفهاميه تحذف الفها وجوبا اذا جرت، ‌و‌ تبقى الفتحه دليلا عليها نحو: فيم ‌و‌ بم ‌و‌ الام ‌و‌ علام، ‌و‌ ربما تبعت الفتحه الالف ‌فى‌ الحذف ‌و‌ ‌هو‌ مختص بالشعر كقوله: ‌يا‌ اباالاسود لم خلفتنى، ‌و‌ عله الحذف للالف منها: الفرق بين الاستفهام ‌و‌ الخبر فلهذا حذفت ‌فى‌ نحو: «فناظره بم يرجع المرسلون» «فيم انت ‌من‌ ذكرايها» «لم تقولون ‌ما‌ ‌لا‌ تفعلون» ‌و‌ ثبتت ‌فى‌ نحو: «لمسكم ‌فى‌ ‌ما‌ افضتم فيه عذاب عظيم» «يومنون بما انزل اليك» «ما منعك ‌ان‌ تسجد لما خلقت بيدى».
 ‌و‌ كما ‌لا‌ تحذف الالف ‌فى‌ الخبر، ‌لا‌ تثبت ‌فى‌ الاستفهام.
 ‌و‌ اما قراءه عكرمه ‌و‌ عيسى: «عما يتساءلون» بالالف، فنادر.
 ‌و‌ اما قول حسان:
 على ‌ما‌ قام يشتمنى لئيم... فضروره.
 قوله: «جعلت فداك» اى: عوضك ‌من‌ المكاره.
 قال ‌فى‌ القاموس: فداه، يفديه، فداء، ‌و‌ فدى- ‌و‌ يفتح- ‌و‌ افتدا ‌به‌ وفاداه: اعطاه شيئا فانقذه، ‌و‌ الفداء: ككساء ‌و‌ كعلى ‌و‌ الى ‌و‌ كفيته ذلك المعطى، ‌و‌ فداه تفديه: قال له: جعلت فداك، انتهى.
 ‌و‌ قال بعض اهل اللغه: الفدى مقصوره بفتح الفاء ‌و‌ كسرها: مصدر فداه ‌و‌ اما الفداء بالكسر ‌و‌ المد: فمصدر فاداه مفاداه ‌و‌ فداء مثل: قاتله مقاتله ‌و‌ قتالا.
 قال المبرد: المفاداه ‌ان‌ تدفع رجلا ‌و‌ تاخذ رجلا، ‌و‌ الفدى ‌ان‌ تشتريه، ‌و‌ قيل: هما واحد.
 قوله: «ما احب» احببت الشى ء بالالف فهو محب ‌و‌ حببته، احبه ‌من‌ باب ضرب فهو محبوب ‌و‌ القياس: احبه (بالضم) لكنه غير مستعمل، ‌و‌ حببته، احبه ‌من‌ باب تعب لغه ‌و‌ احببت بالالف اكثر ‌من‌ حببت ‌و‌ ‌ان‌ جرى عليها محبوب كثيرا حتى استغنى بها عن محب، فلا تكاد تجده الا ‌فى‌ قول عنتره:
 ‌و‌ لقد نزلت فلا تظنى غيره
 منى بمنزله المحب المكرم
 ‌و‌ نظيره: محسوس، ‌من‌ حس ‌و‌ الاكثر احس ‌و‌ ‌لا‌ تكاد تجد محسا.
 قوله: «ان استقبلك بما سمعته منه» ‌اى‌ اواجهك بالذى سمعته منه ‌فى‌ امرك فتكون (ما): موصوله، ‌او‌ بشى ء سمعته منه فتكون نكره موصوفه ‌و‌ انما كره الروى ‌ان‌ يستقبله بما سمعه منه ‌فى‌ امره لانه اشفق عليه ‌ان‌ يحزن خوفا ‌من‌ القتل، ففهم يحيى ذلك فقال:
 ابالموت تخوفنى؟ الهمزه: للانكار التوبيخى ‌و‌ يعبر عنه بالتقريع ‌و‌ ‌ان‌ كان اصلها الاستفهام الا انها انسلخت عن معنى الاستفهام الحقيقى هنا فوردت لمعنى التوبيخ ‌و‌ ‌هو‌ يقتضى ‌ان‌ ‌ما‌ بعد الهمزه واقع ‌و‌ ‌ان‌ فاعله ملوم ‌و‌ مثله: «ائفكاء الهه دون الله تريدون» «اغير الله تدعون».
 ‌و‌ قوله: «بالموت» متعلق بتخوفنى ‌و‌ قدم للعنايه ‌و‌ الاهتمام بانكار التخويف به.
 قوله: «هات ‌ما‌ سمعته» هات: فعل امر بكسر التاء الا مع الواو فبالضم لانه بمنزله ارم ناقص مبنى على حذف الياء.
 قال الخليل اصل هات ‌من‌ اتى يوتى ايتاء فقلبت الهمزه هاء
 ‌و‌ قيل: الهاء اصليه غير منقلبه عن الهمزه ‌و‌ انما حكم بفعليته لدلالته على الطلب ‌و‌ تصرفه تصرف الافعال افرادا ‌و‌ تثنيه ‌و‌ جمعا، تقول: هات، هاتيا، هاتوا، هاتى، هاتين، ‌و‌ ‌ان‌ قال الجوهرى: ‌لا‌ يقال منه هاتيت ‌و‌ ‌لا‌ ينهى منه. فهذا ‌لا‌ يقدح ‌فى‌ فعليته ‌و‌ قصاراه ‌ان‌ يكون تصرفه ليس تاما، على ‌ان‌ بعضهم حكى انه يقال:
 هات ‌لا‌ هاتيت ‌و‌ هات ‌ان‌ كانت بك مهاتاه ‌و‌ ‌ما‌ اهاتيك كما اعاطيك.
 ‌و‌ ذهب بعضهم الى انه اسم فعل لاعط مقابله لها بمعنى خذ، ‌و‌ اعتذر عن لحوق الضمائر له بقوه مشابهته للافعال لفظا فعومل معاملتها ‌فى‌ ذلك، ‌و‌ قال ‌فى‌ نحو هاتيت ‌و‌ مهاتاه: انه مشتق ‌من‌ هات كاحاشى ‌من‌ حاشا، ‌و‌ بسمل ‌من‌ بسم الله.
 قوله: «تقتل ‌و‌ تصلب كما قتل ابوك ‌و‌ صلب» ما: مصدريه اى: كقتله ‌و‌ صلبه، ‌و‌ مثله: «آمنوا كما آمن الناس» ‌و‌ كذا حيث اقترنت بكاف التشبيه بين فعلين متماثلين.
 قوله: «فتغير وجهه» الفاء: عاطفه سببيه مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «فتلقى آدم ‌من‌ ربه كلمات فتاب عليه»، ‌و‌ كثيرا ‌ما‌ تاتى الفاء للسببيه اذا كانت عاطفه جمله كما ذكر ‌او‌ صفه كقوله تعالى: «لاكلون ‌من‌ شجر ‌من‌ زقوم فمالون منها البطون» ‌و‌ قد تجى ء ‌فى‌ ذلك لمجرد الترتيب نحو: «فراغ الى اهله، فجاء بعجل سمين»، «فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا».
 ‌و‌ تغير الوجه: عباره عن امتقاع اللون، يقال: تغير وجهه ‌و‌ امتقع لونه: اذا تحول عما كان عليه ‌من‌ فزع ‌او‌ حزن.
 قوله: «و قال: يمحوا الله ‌ما‌ يشاء ‌و‌ يثبت ‌و‌ عنده ‌ام‌ الكتاب» المحو: اذهاب اثر الكتابه ‌و‌ نحوها، ‌و‌ انما تلا هذه الايه رجاء ‌ان‌ يكون ‌ما‌ اخبر ‌به‌ الصادق (عليه السلام) ‌من‌ قتله ‌و‌ صلبه كما قتل ابوه ‌و‌ صلب ‌من‌ الامور الموقوفه عند الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ التى يمحو منها ‌ما‌ يشاء ‌و‌ يثبت ‌ما‌ يشاء، ‌لا‌ ‌من‌ الامور المحتومه التى حتمها الله تعالى قبل اوان وجودها فهو يوجدها ‌فى‌ اوقاتها ‌لا‌ محاله ‌و‌ ‌لا‌ يمحوها.
 فقد ورد عن الباقر (عليه السلام): «ان ‌من‌ الامور امورا موقوفه عند الله يقدم منها ‌ما‌ يشاء ‌و‌ يوخر ‌ما‌ يشاء» ‌و‌ ‌فى‌ هذا المعنى روايات اخر، ‌و‌ هذا معنى البداء الذى ذهبت الفرقه الاماميه الى القول به.
 ‌و‌ قد استدل الصادق (عليه السلام) على وقوعه بالايه المذكوره فقال: «هل يمحى الا ‌ما‌ كان ثابتا؟ ‌و‌ هل يثبت الا ‌ما‌ لم يكن».
 ‌و‌ بيان الاستدلال: ‌ان‌ قوله تعالى: (يمحو) يستدعى كونا ثابتا اولا، لان المحو ليس سلبا صرفا، ‌و‌ لهذا ‌لا‌ يقال لما لم يوجد قط انه يمحى، ‌و‌ كذلك قوله: «يثبت» يستدعى عدما سابقا.
 فتحقق ‌ان‌ كلا ‌من‌ المحو ‌و‌ الاثبات يقتضى سنوح امر ‌و‌ زوال آخر ‌فى‌ بعض الصحف العلويه.
 قال بعض المحققين: فعلى هذا عند الله تعالى كتابان:
 احدهما: اللوح المحفوظ المثبت، فيه احوال جميع الخلق الى يوم القيامه ‌و‌ ‌هو‌ المعبر عنه بام الكتاب، ‌و‌ هذا ‌لا‌ يتغير ‌ما‌ اثبت فيه.
 ‌و‌ ثانيهما: كتاب المحو ‌و‌ الاثبات الذى يمحو الله منه ‌ما‌ يشاء ‌و‌ يثبت فيه ‌ما‌ يشاء، ‌و‌ ‌فى‌ المقام كلام طويل طويناه على غره، فان مساله البداء ‌من‌ غوامض المسائل الالهيه ‌و‌ عويصات المعارف الربانيه.
 فان قلت: ‌ما‌ قررته ‌من‌ رجاء يحيى لان يكون ‌ما‌ اخبر ‌به‌ الصادق (عليه السلام) ‌من‌ امره ‌من‌ الامور الموقوفه عند الله التى يمحو منها ‌ما‌ يشاء ‌و‌ يثبت ‌ما‌ يشاء، ينافيه ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى باسناده الى الفضيل ‌بن‌ يسار قال: سمعت اباجعفر (عليه السلام) يقول: «العلم علمان: فعلم عند الله مخزون لم يطلع عليه احدا ‌من‌ خلقه، ‌و‌ علم علمه ملائكته ‌و‌ رسله فما علمه ملائكته ‌و‌ رسله فانه سيكون لايكذب نفسه ‌و‌ ملائكته ‌و‌ رسله».
 ‌و‌ ‌ما‌ رواه ايضا باسناده عن ابى بصير، عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال: ‌ان‌ لله علمين: علم مكنون مخزون ‌لا‌ يعلمه الا هو، ‌من‌ ذلك يكون البداء، ‌و‌ علم علمه ملائكته ‌و‌ رسله ‌و‌ انبيائه فنحن نعلمه.
 فعلى هذا يكون ‌ما‌ اخبر ‌به‌ الصادق (عليه السلام) ‌من‌ امر يحيى ‌من‌ العلم الذى علمه الله تعالى ملائكته ‌و‌ رسله ‌و‌ علمه الائمه (عليهم السلام) ‌و‌ قد حكم بانه سيكون على وفق ‌ما‌ علمهم ‌من‌ غير تغيير ‌و‌ ‌لا‌ تبديل، حذرا ‌من‌ التكذيب، ‌و‌ ‌ان‌ البداء انما يكون ‌فى‌ العلم المخزون المكنون الذى ‌لا‌ يعلمه الا الله سبحانه ‌و‌ تعالى فكيف يرجو يحيى ‌ان‌ يكون ‌ما‌ اخبر ‌به‌ الصادق (عليه السلام) ‌من‌ العلم الذى يكون فيه البداء بعد علم الصادق (عليه السلام) له بتعليم الله تعالى. قلت: ‌لا‌ ‌شك‌ ‌ان‌ ‌ما‌ اخبر ‌به‌ الصادق (عليه السلام) ‌من‌ العلم الذى لم يجز فيه بداء ‌و‌ لذلك وقع كما اخبر ‌به‌ (عليه السلام)، ‌و‌ لكن قبل وقوعه ‌لا‌ ينافيه رجاء يحيى، فان المراد بالتعليم ‌فى‌ الروايه المذكوره: التعليم المقرون بما يفيد القطع بوقوع متعلقه، فانه لابد ‌من‌ وقوعه لما مر، ‌و‌ اما التعليم المجرد عن ذلك فيجوز ‌ان‌ ‌لا‌ يقع متعلقه لجواز ‌ان‌ يكون متعلقه مقيدا بشرط ‌فى‌ علم الله تعالى كما ‌فى‌ حديث وفاه الملك الذى رواه الصدوق ‌فى‌ كتاب العيون باسناده عن ابى الحسن الرضا (عليه السلام) لاثبات البداء، انه قال (عليه السلام): لقد اخبرنى ابى عن آبائه ‌ان‌ رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) قال: ‌ان‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ اوحى الى نبى ‌من‌ انبيائه ‌ان‌ اخبر فلانا الملك انى متوفيه الى كذا ‌و‌ كذا، فاتاه ذلك النبى فاخبره، فدعا الله الملك ‌و‌ ‌هو‌ على سريره حتى سقط ‌من‌ السرير، ‌و‌ قال: ‌يا‌ رب اجلنى حتى يشب طفلى ‌و‌ اقضى امرى، فاوحى الله الى ذلك النبى ‌ان‌ ائت فلانا الملك فاعلمه انى قد انسيت اجله ‌و‌ زدت ‌فى‌ عمره خمس عشره سنه فقال ذلك النبى: ‌يا‌ رب انك تعلم انى لم اكذب قط، فاوحى الله تعالى اليه: انما انت عبد مامور فابلغه ذلك ‌و‌ الله ‌لا‌ يسئل عما يفعل».
 فان وفاه الملك كانت مقيده ‌فى‌ علم الله تعالى بترك الدعاء ‌و‌ التضرع، فلما وجدا لم تقع لانتفاء الشرط.
 ‌و‌ اخبار النبى ذلك الملك عن الله تعالى بانه متوفيه لم يكن كذبا ‌فى‌ نفس الامر، فان قوله: «متوفيه» ‌من‌ كلامه تعالى ‌و‌ ‌هو‌ مقيد ‌فى‌ علمه سبحانه بما ذكر ‌و‌ عدم علم النبى بذلك القيد ‌لا‌ ينافى صدق ذلك الكلام المقيد ‌فى‌ نفس الامر، ‌و‌ ‌لا‌ يكون الاخبار ‌به‌ كذبا، ‌و‌ انما يكون كذبا لو لم يومر بالاخبار فاخبره. ‌و‌ قد وردت احاديث اخر تضاهى الحديث المذكور، ‌و‌ فيها دلاله على ‌ان‌ الانبياء (عليهم السلام) ‌لا‌ يعلمون جميع اسرار القدر ‌و‌ لعل الغرض ‌من‌ تبليغهم امثال ذلك، ‌ان‌ يظهر للخلق ‌ان‌ لله تعالى علوما ‌لا‌ يعلمها الا هو، فعلم ‌ان‌ رجاء يحيى ‌لا‌ ينافيه ‌ما‌ ذكر ‌من‌ الحديث السابق ‌و‌ ‌ان‌ ظهر بعد ذلك ‌ان‌ ‌ما‌ اخبر ‌به‌ الصادق (عليه السلام): ‌من‌ امره، كان ‌من‌ الامور المحتومه التى لم يقع فيها تغيير ‌و‌ ‌لا‌ تبديل فتامل.
 ايده تاييدا: قواه، ‌من‌ آد، يئيد، ايدا، اذا قوى ‌و‌ اشتد، ‌و‌ المراد بهذا الامر: الدين الحق، ‌و‌ الشريعه المحمديه.
 ‌و‌ قوله: (بنا) ‌اى‌ اهل البيت (عليهم السلام)، ‌و‌ هذا الكلام منه تمهيد للعذر ‌فى‌ اصراره على الخروج المفهوم ‌من‌ قوله: ابالموت تخوفنى؟ مع علمه بصدق المخبر، بما يصير اليه امره ‌من‌ القتل ‌و‌ الصلب.
 ‌لا‌ يقال: هذا يدل على اعتقاده مذهب الزيديه الذين ساقوا الامامه ‌فى‌ اولاد فاطمه (عليهماالسلام) ‌و‌ لم يجوزوا ثبوت الامامه ‌فى‌ غيرهم، ‌و‌ قالوا: ‌ان‌ كل فاطمى يكون عالما، زاهدا، سخيا، شجاعا، خرج بالسيف يكون اماما واجب الطاعه سواء كان ‌من‌ اولاد الحسن ‌او‌ ‌من‌ اولاد الحسين (عليهم السلام)، ‌و‌ ‌من‌ هذا قالت طائفه منهم: بامامه محمد، ‌و‌ ابراهيم ابنى عبدالله ‌بن‌ الحسن المثنى الذين خرجا ‌فى‌ زمن المنصور، ‌و‌ قتلا على ذلك، ‌و‌ جوزوا خروج امامين ‌فى‌ قطرين يستجمعان هذه الخصال، ‌و‌ يكون كل واحد منهما واجب الطاعه.
 لانا نقول: يجوز ‌ان‌ يكون مراده انه جعل لنا السيف لتاييد الدين بالامر بالمعروف ‌و‌ النهى عن المنكر، حتى يرجع الحق الى اهله ‌و‌ يصل الى صاحبه ‌من‌ الائمه المعصومين.
 كما يحكى عن زيدانه لما خفقت الرايه على راسه قال: الحمدلله الذى اكمل لى دينى، ‌و‌ الله انى كنت استحى ‌من‌ رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله)، ‌ان‌ ارد عليه الحوض غدا ‌و‌ لم آمر بين امته بمعروف ‌و‌ لم انه عن منكر.
 ‌و‌ روى جابر الجعفى عنه انه قال: شهدت هشاما ‌و‌ رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) يسب عنده فلم ينكر ذلك ‌و‌ لم يغيره، فو الله لو لم يكن الا انا ‌و‌ ابنى لخرجت عليه.
 ‌و‌ اما الامامه: فلا ‌شك‌ انه كان عارفا بصاحبها. فقد روى الصدوق باسناده عن عمرو ‌بن‌ خالد قال: قال زيد ‌بن‌ على ‌بن‌ الحسين ‌بن‌ على ‌بن‌ ابى طالب (عليهم السلام): ‌فى‌ كل زمان رجل منا اهل البيت يحتج الله ‌به‌ على خلقه، ‌و‌ حجه زماننا ابن اخى جعفر ‌بن‌ محمد (عليهماالسلام)، ‌لا‌ يضل ‌من‌ تبعه ‌و‌ ‌لا‌ يهتدى ‌من‌ خالفه.
 ‌و‌ روى النجاشى: باسناده عن عمار الساباطى قال: كان سليمان ‌بن‌ خالد الهلالى خرج مع زيد ‌بن‌ على حين خرج فقال له رجل- ‌و‌ نحن وقوف ‌فى‌ ناحيه ‌و‌ زيد واقف ‌فى‌ ناحيه-: ‌ما‌ تقول ‌فى‌ زيد؟ ‌هو‌ خير ‌ام‌ جعفر؟ قال سليمان: قلت: ‌و‌ الله ليوم ‌من‌ جعفر خير ‌من‌ زيد ايام الدنيا، قال: فحرك دابته ‌و‌ اتى زيدا ‌و‌ قص عليه القصه قال: فمضيت نحوه ‌و‌ انتهيت الى زيد ‌و‌ ‌هو‌ يقول: جعفر، امامنا ‌فى‌ الحلال ‌و‌ الحرام، انتهى.
 هذا الى ‌ما‌ تقدم ‌من‌ الاحاديث عن الصادق ‌و‌ الرضا (عليهماالسلام) ‌فى‌ صحه اعتقاده ‌و‌ براءه ساحته مما ترميه الزيديه به.
 اميل منهم اليك: ‌اى‌ اشد حبا له، ‌من‌ مال اليه، اى: احبه كما نص عليه الزمخشرى ‌فى‌ الاساس.
 ‌و‌ ‌هو‌ مفعول ثان لرايت لانها قلبيه، ‌اى‌ علمت ‌و‌ وجدت الناس، وصح تفضيل الناس على انفسهم لكونه باعتبارين: فهم باعتبار ميلهم الى ابن عمه فاضلون، ‌و‌ باعتبار ميلهم اليه ‌و‌ الى ابيه مفضولون.
 ‌و‌ منهم: متعلق باميل ‌و‌ كذا (الى) ‌فى‌ الموضعين ‌من‌ قوله: (الى ابن عمك) ‌و‌ (اليك).
 ‌و‌ عدم جواز تعلق حرفين متحدين لفظا ‌و‌ معنى بعامل واحد، بلا عطف ‌و‌ ‌لا‌ بدليه، انما ‌هو‌ فيما عدا افعل التفضيل ‌من‌ العوامل لاتحاد حيثيه عملها.
 ‌و‌ اما افعل التفضيل: فحيث ‌دل‌ على اصل الفعل ‌و‌ زياده، جرى مجرى عاملين كانه قيل: ميلهم الى ابن عمك زائد على ميلهم اليك.
 ‌و‌ قيل: تعلق الجارين ‌به‌ لشبههما بالظرفين ‌و‌ لذلك جاز تقديم الجار الاول على افعل التفضيل لاتساعهم ‌فى‌ الظروف- كما جاز كل يوم لك ثوب- بالاتفاق، ‌و‌ ‌لا‌ حاجه الى تكلف القول بتعلقه بمحذوف ‌دل‌ عليه هذا الظاهر، ‌و‌ ‌هو‌ اميل بناء على ‌ان‌ صله افعل ‌لا‌ تتقدم عليه، لان الظرف ‌و‌ اخاه يكفيهما رائحه الفعل كما نص عليه الرضى ‌و‌ غيره.
 ‌و‌ دعوا الناس الى الحياه: ‌اى‌ امراهم بالكف عن الجهاد ‌و‌ القتال، ‌و‌ نحن دعوناهم الى الخروج معنا، ‌و‌ حب الحياه ‌و‌ كراهيه الموت ‌من‌ لوازم الطباع، اما دعاوهما الناس الى الحياه فقد كان ‌من‌ مذهبهما ‌و‌ مذهب ابنائهما الطاهرين (عليهم السلام اجمعين) عدم الخروج ‌و‌ الصمت ‌و‌ التقيه، ‌و‌ كانوا يامرون شيعتهم بذلك حتى يقوم القائم ‌من‌ ‌آل‌ محمد (عليهم السلام).
 ‌و‌ دلت على ذلك روايات كثيره.
 منها: ‌ما‌ روى عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال: كفوا السنتكم ‌و‌ الزموا بيوتكم فانه ‌لا‌ يصيبكم امر تخصون ‌به‌ ابدا، ‌و‌ ‌لا‌ تزال الزيديه لكم وقاء.
 ‌و‌ عن سدير قال: قال لى ابوعبدالله (عليه السلام): ‌يا‌ سدير، الزم بيتك ‌و‌ ‌كن‌ حلسا ‌من‌ احلاسه، ‌و‌ اسكن ‌ما‌ سكن الليل ‌و‌ النهار، فاذا بلغك ‌ان‌ السفيانى قد خرج فارحل الينا ‌و‌ لو على رجلك.
 ‌و‌ عنهم عليهم السلام: عليكم بهذا البيت فحجوه اما يرضى احدكم ‌ان‌ يكون ‌فى‌ بيته ينفق على عياله ‌من‌ طوله، ينتظر امرنا فان ادركه كان كمن شهد مع رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) بدرا، ‌و‌ ‌ان‌ مات منتظرا لامرنا كان كمن كان مع قائمنا صلوات الله عليه، الحديث طويل اخذنا منه موضع الحاجه ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ هذا المعنى مستفيضه جدا.
 اطرق الرجل: سكت ‌و‌ لم يتكلم ‌و‌ عداه ب(الى) لتضمينه معنى نظر ‌اى‌ اطرق ناظرا الى الارض.
 ‌و‌ الملى: كعلى، الطائفه ‌من‌ الزمان ‌لا‌ ‌حد‌ لها، يقال: مضى ملى ‌من‌ الزمان، ‌و‌ ملى ‌من‌ النهار، ‌و‌ ملى ‌من‌ الدهر، ‌اى‌ طائفه منه ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الملاوه مثلثه، ‌و‌ هى البرهه ‌من‌ الدهر ‌و‌ اما الملى ء بالهمزه بمعنى الغنى المتمول ‌من‌ الملاءه: بمعنى الغنى ‌و‌ الثروه.
 ‌و‌ عن ابى على الفارسى: «الملى» المتسع، يقال: انتظرته مليا ‌من‌ الدهر ‌اى‌ متسعا منه، قال: ‌و‌ ‌هو‌ صفه استعملت استعمال الاسماء.
 ‌و‌ قيل: ‌فى‌ قوله تعالى: «و اهجرنى مليا» اى: دهرا طويلا عن الحسن، ‌و‌ مجاهد، ‌و‌ سعيد ‌بن‌ جبير. ‌و‌ قيل: ‌اى‌ مليا بالذهاب الى الهجران، ‌اى‌ مطيقا له قويا عليه.
 قال بعضهم: لعله انما اطرق للتقيه ‌او‌ للتفكر ‌فى‌ ‌ان‌ مراد المتوكل بالعلم هل هى العلوم النظريه ‌او‌ الحكمه العمليه المعبر عنها بالسياسات المدينه؟ ‌او‌ لاجل ابانه انه ليس بينه ‌و‌ بين هولاء الذين ‌هم‌ ‌من‌ اصحاب العصمه، نسبه لعدم المجانسه.
 ‌و‌ حمل كلام يحيى على الحميه البشريه بعيد، انتهى.
 قلت: بل الظاهر ‌ان‌ اطراقه انما ‌هو‌ للتفكر، هل استفهام المتوكل ‌من‌ باب تجاهل العارف، ليعلم حقيقه اعتقاد يحيى ‌فى‌ جعفر ‌و‌ ابيه (عليهماالسلام)؟ ‌او‌ ‌هو‌ على صرافته استفهام حقيقى؟ ‌او‌ ‌هو‌ للانكار التوبيخى، مثل قوله تعالى: «قل ءانتم اعلم ‌ام‌ الله»؟ ثم رجح الوجه الثانى لعلمه بمقام السائل فقال: كلنا له علم اى: كل فرد منا له علم.
 قيل: ‌و‌ كل محتمل لقسمى الاستغراق الافرادى اعنى الحقيقى، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يراد كل فرد مما يتناوله اللفظ بحسب اللغه، ‌و‌ العرق: ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يراد كل فرد مما يتناوله اللفظ بحسب متفاهم العرف.
 قلت: هذا ‌هو‌ الاظهر لان المراد كل فرد ترشح للرياسه ‌و‌ هدايه الخلق ‌لا‌ مطلقا.
 ‌و‌ ‌لا‌ ‌شك‌ ‌ان‌ زيدا (رضى الله عنه) كان له علم كما يدل عليه صريحا قول الرضا (عليه السلام): انه كان ‌من‌ علماء ‌آل‌ محمد، ‌و‌ قد تقدم الحديث، ‌و‌ قول زيد لمومن الطاق حين دعاه الى الخروج معه فامتنع: ‌ان‌ عندى لصحيفه قتلى ‌و‌ صلبى لكن ليس هذا العلم كعلم الائمه المعصومين (عليهم السلام) فان علمهم على وجوه:
 منها: ‌ما‌ ‌هو‌ وراثه ‌من‌ رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله).
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ ‌هو‌ الهام ‌من‌ الله تعالى.
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ ‌هو‌ سماع ‌من‌ الملك كما وردت ‌به‌ الاثار المستفيضه عنهم (عليهم السلام)، ‌و‌ اما علم غيرهم ‌من‌ اهل البيت فبتعليم منهم (عليهم السلام) ‌لا‌ غير، ‌و‌ قد اعترف بذلك يحيى حيث قال: غير انهم يعلمون كل ‌ما‌ نعلم ‌و‌ ‌لا‌ نعلم كل ‌ما‌ يعلمون، ‌و‌ انما لم يقل ‌فى‌ الجواب: ‌هم‌ اعلم لاحتماله التفضيل ‌فى‌ كيفيه العلم دون كميته، فعدل الى هذه العباره الصريحه ‌فى‌ الدلاله على المطلوب. كتبت ‌من‌ ابن عمى: ‌اى‌ مستمليا منه، ففيه تضمين.
 ‌و‌ من: ابتدائيه، ‌و‌ الغالب ‌فى‌ نونها ابتدائيه كانت ‌او‌ غيرها انها تفتح مع حرف التعريف ‌و‌ تكسر مع غيره نحو: ‌من‌ الناس ‌من‌ الذين فرقوا (بالفتح) ‌من‌ ابنك ‌من‌ ابن عمى (بالكسر).
 ‌و‌ ‌قل‌ عكسه، ‌اى‌ الكسر مع حرف التعريف ‌و‌ الفتح مع غيره كما وقع ‌فى‌ نسخه هنا مضبوطه بفتح النون لكن الفتح مع غير حرف التعريف ‌و‌ ‌ان‌ كان قليلا اكثر ‌من‌ الكسر معه.
 قوله: «فاخرجت اليه وجوها ‌من‌ العلم» ‌اى‌ ابوابا ماخوذ ‌من‌ الوجه ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يتوجه اليه الانسان ‌من‌ عمل ‌و‌ غيره، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون ‌من‌ قولهم: وجوه القوم: ‌اى‌ ساداتهم ‌و‌ المراد مسائل شريفه ‌من‌ العلم.
 قوله: «املاه على» ‌اى‌ القاه، ‌من‌ امليت الكتاب املاء، ‌و‌ يقال: امللته املالا، ‌و‌ الاولى لغه تميم ‌و‌ قيس، ‌و‌ الاخرى لغه الحجاز ‌و‌ بنى اسد، ‌و‌ جاء الكتاب العزيز بهما قال تعالى: «فهى تملى عليه بكره ‌و‌ اصيلا» ‌و‌ قال ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ «وليملل الذى عليه الحق».
 ‌و‌ قيل: الثانيه اصل للاولى، فالاملاء اصله: املال ابدلت اللام ياء، كما ‌فى‌ تمطى ‌و‌ تظنى اى: تمطط ‌و‌ تظنن، ‌و‌ كذلك تفعل العرب اذا اجتمع حرفان ‌من‌ جنس واحد جعلوا بدل الثانى ‌من‌ غير ذلك الجنس، ‌و‌ عليه قوله تعالى: «و قد خاب ‌من‌ دسيها» ‌اى‌ دسسها ‌و‌ قيل: بل كل منهما اصل براسه، فليس جعل احدهما اصلا ‌و‌ الاخر فرعا اولى ‌من‌ العكس.
 ‌و‌ قال ابوالطيب اللغوى: ليس المراد بالابدال: ‌ان‌ العرب تتعمد تعويض حرف ‌من‌ حرف، ‌و‌ انما هى لغات مختلفه لمعان متفقه تتفاوت اللفظتان ‌فى‌ لغتين لمعنى واحد حتى ‌لا‌ يختلفا الا ‌فى‌ حرف واحد، ‌و‌ الدليل على ذلك: ‌ان‌ قبيله واحده ‌لا‌ تتكلم بكلمه طورا مهموزه ‌و‌ طورا غير مهموزه مثلا: انما يقول: هذا قوم ‌و‌ ذاك آخرون
 قوله: «و اخبره انه ‌من‌ دعاء ابيه» ‌من‌ فيه: ابتدائيه، ‌او‌ للتبعيض لامكان ‌سد‌ بعض مسدها ‌اى‌ بعض دعاء ابيه.
 قوله: «من دعاء الصحيفه الكامله» بدل ‌من‌ قوله: ‌من‌ دعاء ابيه كقوله تعالى:«اسكنوهن ‌من‌ حيث سكنتم ‌من‌ وجدكم» ‌و‌ ‌ان‌ اعرب الزمخشرى ‌من‌ وجدكم عطف بيان لقوله: ‌من‌ حيث سكنتم ‌و‌ تفسير له، قال: ‌و‌ ‌من‌ تبعيضيه حذف مبعضها ‌اى‌ اسكنوهن مكانا ‌من‌ مسكنكم مما تطيقون انتهى.
 فانما اراد البدل لان الخافض ‌لا‌ يعاد الا معه، ‌و‌ انما عبر عن البدل بعطف البيان لتاخيهما، ‌و‌ هذا امام الصناعه سيبويه يسمى التوكيد صفه ‌و‌ عطف البيان صفه، قاله ابن هشام ‌فى‌ المغنى.
 ‌و‌ الصحيفه: قطعه ‌من‌ جلد ‌او‌ قرطاس كتب فيها، ‌و‌ الجمع صحف ‌و‌ صحائف ‌و‌ اذا نسب الى الصحيفه قيل: صحفى (بفتحتين) يقال: هذا رجل صحفى. ياخذ العلم ‌من‌ الصحيفه دون المشائخ، كما ينسب الى حنيفه ‌و‌ بجيله، حنفى ‌و‌ بجلى ‌و‌ ‌ما‌ اشبه ذلك، ‌و‌ سمى الدعاء بالصحيفه مجازا ‌من‌ تسميه الظرف باسم المظروف، ‌و‌ الصحيفه الكامله هى الملقبه بانجيل اهل البيت ‌و‌ زبور ‌آل‌ محمد (عليهم السلام).
 قال ابن شهر اشوب ‌فى‌ معالم العلماء ‌فى‌ ترجمه يحيى ‌بن‌ على ‌بن‌ محمد الحسينى الرقى: يروى عن الصادق (عليه السلام) الدعاء المعروف بانجيل اهل البيت ‌و‌ قال: دعاء الصحيفه يلقب بزبور ‌آل‌ محمد (عليهم السلام)، ‌و‌ وصفها بالكامله لكمالها فيما الفت له، ‌او‌ لكمال مولفها على ‌حد‌ كل شى ء ‌من‌ الجميل جميل.
 قال ابن شهر اشوب ‌فى‌ معالم العلماء: قال الغزالى: اول كتاب صنف ‌فى‌ الاسلام كتاب ابن جريح ‌فى‌ الاثار، ‌و‌ حروف التفاسير، عن مجاهد ‌و‌ عطاء بمكه، ثم كتاب معمر ‌بن‌ راشد الصنعانى باليمن، ثم كتاب الموطا بالمدينه لمالك ‌بن‌ انس، ثم جامع سفيان الثورى، بل الصحيح ‌ان‌ اول ‌من‌ صنف فيه اميرالمومنين (عليه السلام)، جمع كتاب الله ‌جل‌ جلاله، ثم سلمان الفارسى (رضى الله عنه)، ثم ابوذر الغفارى (رحمه الله) ثم الاصبغ ‌بن‌ نباته، ثم عبيدالله ‌بن‌ رافع، ثم الصحيفه الكامله عن زين العابدين (عليه السلام).
 قوله: «حتى اتى على آخره» ‌اى‌ انهاه، نظرا ‌من‌ قولهم: اتى عليهم الدهر: ‌اى‌ افناهم.
 قوله: «اتاذن ‌فى‌ نسخه» اذنت له ‌فى‌ كذا: اطلقت له فعله. ‌و‌ نسخت الكتاب نسخا ‌من‌ باب نفع: نقلته ‌و‌ انتسخته.
 كذلك قال ابن فارس: ‌و‌ كل شى ء خلف شيئا فقد انتسخه. ‌و‌ كتاب منسوخ ‌و‌ منتسخ اى: منقول، ‌و‌ النسخه: الكتاب المنقول، ‌و‌ الجمع: نسخ، مثل غرفه ‌و‌ غرف.
 قوله: «فيما ‌هو‌ عنكم» ‌اى‌ ماخوذ عنكم ‌او‌ منقول عنكم، ‌و‌ ‌فى‌ نسخه عندكم بدل عنكم، ‌اى‌ موجود عندكم.
 اما بفتح الهمزه ‌و‌ تخفيف الميم: حرف استفتاح بمنزله (الا) ‌و‌ يكثر وقوعه قبل القسم كما وقع هنا.
 ‌و‌ اللام ‌فى‌ قوله: «لاخرجن» لجواب القسم، ‌و‌ القسم محذوف لدلاله الجواب عليه ‌و‌ التقدير: ‌و‌ الله لاخرجن، ‌و‌ كثيرا ‌ما‌ يحذف القسم استغناء عنه بجوابه، ‌و‌ ذلك حيث قيل: لافعلن، ‌او‌ لقد فعل ‌او‌ لئن فعل نحو: «لاعذبنه عذابا شديدا» الايه «و لقد صدقكم الله وعده» ‌و‌ «لئن اخرجوا ‌لا‌ يخرجون معهم»، ففى كل جمله قسم مقدره.
 قوله: «مما حفظه ابى» الحفظ يقال تاره: لقوه النفس التى تثبت ‌ما‌ يودى اليها الفهم، ‌و‌ تاره لاستعمال تلك القوه، ‌و‌ تاره لضبط الشى ء ‌فى‌ النفس، ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا. ‌و‌ عداه ب«عن» لتضمينه معنى النقل اى: ناقلا عن ابيه.
 قوله: «و ‌ان‌ ابى اوصانى بصونها» اى: امرنى ‌به‌ ‌من‌ قولهم: اوصيته بالصلاه، اى: امرته بها، ‌و‌ عليه قوله تعالى: «يوصيكم الله ‌فى‌ اولادكم» اى: يامركم.
 ‌و‌ ‌فى‌ حديث خطب رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله): فاوصى بتقوى الله اى: امر، ‌و‌ الصون: المنع ‌من‌ الضياع ‌و‌ الابتذال، صنته صونا وصيانا وصيانه فهو مصون على النقص.
 ‌و‌ وزنه مفول- ناقص العين- ‌و‌ مصوون على التمام، ‌و‌ وزنه مفعول ‌و‌ صوان الثوب وصيانه (مثلثين) ‌ما‌ يصان فيه.
 قوله: «و منعها عن غير اهلها» ‌هم‌ الظالمون ‌و‌ المنافقون ‌و‌ السفهاء ‌من‌ النساء ‌و‌ الصبيان ‌و‌ نحوهم. كما ورد عن الباقر (عليه السلام) ‌فى‌ دعاء السمات: لاتبدوه للسفهاء ‌و‌ النساء ‌و‌ الصبيان ‌و‌ الظالمين ‌و‌ المنافقين.
 ‌و‌ انما امر بمنعها هولاء لئلا يستعملون الدعاء بها فيما ‌لا‌ يحل سفها ‌او‌ ظلما.
 فقمت اليه: ضمن قام معنى توجه ‌او‌ بادر، فعداه ب(الى) اى: فقمت متوجها اليه ‌او‌ مبادرا اليه.
 قوله: «فقبلت راسه» اى: لثمته ‌من‌ التقبيل بمعنى اللثم، ‌و‌ القبله بالضم: اللثمه، ‌و‌ البوس بالفتح: بهذا المعنى فارسى معرب ‌من‌ بوس بالضم.
 قال بعض المولدين موريا:
 اد زكاه الجمال بوسا
 فاننى البائس الفقير.
 قوله: «لادين الله بحبكم» اى: اتعبده به.

يقال: دان بالاسلام دينا (بالكسر): تعبد ‌به‌ ‌و‌ تدين ‌به‌ كذلك فهو دين، مثل ساد فهو سيد، ‌و‌ الباء: للملابسه اى: ملتبسا بحبكم، ‌و‌ الحب: ميل القلب الى ‌ما‌ يوافقه، ‌و‌ الطاعه: اسم ‌من‌ اطاعه اطاعه اذا انقاد له، ‌و‌ طاعه طوعا ‌من‌ باب قال، ‌و‌ بعضهم يعديه بالحرف فيقول: طاع له، ‌و‌ ‌فى‌ لغه ‌من‌ باب باع، قالوا: ‌و‌ ‌لا‌ تكون الطاعه الا عن امر، كما ‌ان‌ الجواب ‌لا‌ يكون الا عن قول، يقال: امره فاطاع.
 قال ابن فارس: اذا مضى لامره فقد اطاعه، ‌و‌ اذا وافقه فقد طاعه.
 قوله: «و انى لارجو» ‌اى‌ اومل، رجوته ارجوه رجوا على فعول، ‌و‌ الاسم: الرجاء، ‌و‌ رجيته ‌من‌ باب رمى لغه.
 قوله: «يسعدنى» يقال: سعد فلان ‌فى‌ دين اودنيا، يسعد: ‌من‌ باب تعب فهو سعيد، ‌و‌ الجمع: سعداء، ‌و‌ السعاده: اسم منه، ‌و‌ يعدى بالحركه ‌فى‌ لغه، فيقال: سعده الله يسعده- بفتحتين- فهو مسعود، ‌و‌ قرى ‌فى‌ السبعه بهذه اللغه ‌فى‌ قوله تعالى: «و اما الذين سعدوا» بالبناء للمفعول، ‌و‌ الاكثر ‌ان‌ يتعدى بالهمزه فيقال: اسعده الله فهو مسعود ايضا، ‌و‌ ‌لا‌ يقال: مسعد.
 ‌و‌ عرفت السعاده: بانها نيل ‌ما‌ تشتهيه النفس مع الشعور به.
 قوله: «فى حياتى ‌و‌ مماتى» السعاده ‌فى‌ الحياه قسمان: دنيويه ‌و‌ اخرويه.
 ‌و‌ الدنيويه قسمان: بدنيه كالصحه ‌و‌ الجمال، ‌و‌ وفور القوه ‌و‌ نحو ذلك، ‌و‌ خارجيه كالاهل ‌و‌ الاولاد ‌و‌ الاموال، ‌و‌ ترتب اسباب المعيشه.
 ‌و‌ الاخرويه قسمان: علميه ‌و‌ هى: العلم المعبر عنه بالايمان الحقيقى ‌و‌ عمليه: كالطاعات ‌و‌ الخيرات، ‌و‌ السعاده ‌فى‌ الممات هى غايه السعاده الاخرويه، ‌و‌ هى البقاء الذى ‌لا‌ فناء له، ‌و‌ اللذه التى ‌لا‌ الم فيها، ‌و‌ العلم الذى ‌لا‌ جهل معه، ‌و‌ الغنى الذى ‌لا‌ فقر معه، ‌و‌ تسمى سعاده الاخره.
 قوله: «بولايتكم» الباء: للسببيه، ‌و‌ الولايه- بالفتح ‌و‌ الكسر- النصره ‌و‌ المحبه، ‌و‌ اضافتها الى ضمير المخاطب ‌من‌ باب اضافه المصدر الى المفعول.
 رماها: ‌اى‌ القاها ‌من‌ يده.
 ‌و‌ الغلام: الابن الصغير، ‌و‌ يطلق على الرجل مجازا باسم ‌ما‌ كان عليه، كما يقال للصغير: شيخ مجازا باسم ‌ما‌ يوول اليه.
 ‌و‌ كتب كتبا: ‌من‌ باب قتل ‌و‌ اصل الكتب: الجمع، ‌و‌ منه الكتيبه.
 ‌و‌ الخط ‌فى‌ العرف. تصوير اللفظ بحروف هجائه.
 ‌و‌ البين: كسيد الواضح ‌من‌ بان يبين: اذا وضح.
 قوله: «و اعرضه على» اى: ارنيه، يقال: عرضت عليه الشى ء ‌من‌ باب ضرب: اذا اريته اياه.
 قوله: «لعلى احفظه» لعل هنا: للترجى ‌او‌ للتعليل عند ‌من‌ اثبته، ‌اى‌ لاحفظه عن ظهر قلبى، يقال: حفظ القرآن اذا وعاه عن ظهر قلبه. قوله: «كنت اطلبه» اى: احاول اخذه.
 ‌و‌ حفظه الله: ‌اى‌ حرسه ‌و‌ رعاه.
 قوله: «فيمنعنيه» يقال: منعه الشى ء، ‌و‌ منعه منه: اذا لم يعطه اياه.
 ندم على ‌ما‌ فعل: كفرح، ندما ‌و‌ ندامه اذا حزن ‌و‌ اسف ‌او‌ فعل شيئا ثم كرهه.
 قوله: «على ‌ما‌ فعلت» ‌اى‌ على اخراجى له الدعاء ‌و‌ اذنى له ‌فى‌ نسخه.
 ‌و‌ تقدم اليه ‌فى‌ كذا: امره ‌و‌ اوصاه به.
 ‌و‌ دفعت اليه الشى ء: اسلمته اياه.
 دعا بعيبه: ‌اى‌ استحضرها كقوله تعالى: «يدعون فيها بفاكهه» ‌و‌ الباء: للتعديه، ‌و‌ العيبه: زنبيل ‌من‌ ادم ‌و‌ ‌ما‌ يجعل فيه الثياب، ‌و‌ ‌من‌ المستعار هو: عيبه فلان اذا كان موضع سره، ‌و‌ مقفله: اسم مفعول ‌من‌ اقفله اذا وضع عليه القفل.
 ‌و‌ حكى الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: تعديه بنفسه ايضا فقال: اقفلت الباب ‌و‌ قفلته.
 ‌و‌ ختمت الكتاب ‌و‌ نحوه ختما ‌و‌ ختمت عليه ‌من‌ باب ضرب: طبعت، ‌و‌ منه الخاتم- بفتح التاء ‌و‌ كسرها- ‌و‌ الكسر اشهر، قالوا: ‌و‌ الخاتم حلقه ذات فص ‌من‌ غيرها فان لم يكن لها فص فهى فتخه بفاء ‌و‌ تاء مثناه ‌من‌ فوق، ‌و‌ خاء معجمه على وزن قصبه.
 ‌و‌ قال الازهرى: الخاتم بالكسر: الفاعل، ‌و‌ بالفتح: ‌ما‌ يوضع على الطينه، ‌و‌ الختام الذى يختم ‌به‌ على الكتاب.
 ‌و‌ فض الخاتم: ‌من‌ باب قتل: كسره.
 ‌و‌ نشر الثوب ‌و‌ الكتاب: ‌من‌ باب كتب: خلاف طواه.
 ‌و‌ امرها على وجهه: ‌من‌ المرور بمعنى الجواز يقال: امر عليه يده ‌و‌ امر عليه القلم ‌و‌ امر الموسى على راس الاقرع، ‌و‌ انما فعل ذلك تعظيما لها ‌و‌ تبركا بها.
 جواب القسم قوله: «لو ‌لا‌ ‌ما‌ ذكرت» ‌و‌ هى جمله ‌لا‌ محل لها ‌من‌ الاعراب، ‌و‌ «لو لا» حرف يدخل على جمله اسميه ‌او‌ فعليه لربط امتناع الثانيه بوجود الاولى كما وقع هنا، ‌و‌ هى كلمه براسها ‌لا‌ مركبه ‌من‌ (لو) ‌و‌ (لا) على الصحيح، ‌و‌ ‌هو‌ مذهب البصريين.
 ‌و‌ (ما) ‌فى‌ قوله: «ما ذكرت» موصول ‌و‌ ‌هو‌ مرفوع بالابتداء ‌و‌ خبره كون مطلق محذوف وجوبا عند الاكثر.
 ‌و‌ قول ابن الطراوه: ‌ان‌ جواب لو ‌لا‌ ابدا ‌هو‌ خبر المبتدا، يرده انه ‌لا‌ رابط بينهما.
 قوله: «اننى اقتل ‌و‌ اصلب» ‌ان‌ كسرت ان، فالجمله ‌فى‌ محل نصب محكيه بالقول، ‌و‌ الاصل: انه يقتل ‌و‌ يصلب، ثم عدل الى التكلم لانه تكلم عن نفسه كقوله تعالى:«فحق علينا قول ربنا انا لذائقون» الاصل: انكم لذائقون عذابى ثم عدلوا الى التكلم لتعبيرهم عن انفسهم كما قال:
 الم ‌تر‌ انى يوم جو سويقه
 بكيت فنادتنى هنيده ماليا
 ‌و‌ ‌ان‌ فتحتها فالجمله مفعول لذكرت، ‌و‌ لذلك ضبطت ‌فى‌ النسخ كلها- بالفتح ‌و‌ الكسر-.
 ‌و‌ (من) ‌فى‌ قوله: «من قول ابن عمى» بيانيه.
 ‌و‌ النون ‌فى‌ قوله: «اننى» للوقايه، ‌و‌ يجوز حذفها. فيقال: انى كما وقع ‌فى‌ نسخه ابن ادريس.
 قوله: «و لكنت بها ضنينا» الضنين: البخيل، ضن يضن ‌من‌ باب تعب ضنا ‌و‌ ضنه- بالكسر- ‌و‌ ضنانه- بالفتح- فهو ضنين، ‌و‌ ‌من‌ باب ضرب لغه.
 قال بعضهم: ‌و‌ لما كانت الضنه صفه غير محموده، فالمقصود منها الضنه بها على غير اهلها كما يشعر ‌به‌ قوله سابقا: «و منعها ‌من‌ غير اهلها» ‌او‌ الضنه بها عن المتوكل لاحتمال كونه غير مستجمع للصفات ‌و‌ الشرائط التى ينبغى ‌ان‌ يتحلى بها الداعى كما ‌هو‌ مشروح ‌فى‌ مظنته فكانت الضنه بها بالنسبه اليه محموده، فلما علم انه يقتل ‌و‌ خاف عليها ‌ان‌ تقع ‌فى‌ ايدى بنى اميه، ‌و‌ كان المتوكل لحسن عقيدته ‌و‌ معرفته احق بها منهم، دفعها اليه بعد ضنته بها.
 قلت: بل المراد ضنته بهذه الصحيفه التى هى بخط ابيه زيد ‌و‌ املاء جده على ‌بن‌ الحسين (عليهماالسلام) بعينها، فكان بها ضنينا ‌ان‌ تخرج ‌من‌ يده لكونها بهذه- المثابه، ‌و‌ هى ضنه ‌فى‌ محلها ‌و‌ انما كان يحتاج الى العذر عن الضنه بها لو ظن بالاستفاده منها قراءه، ‌و‌ حفظا، ‌و‌ انتساخا، ‌و‌ ليس ‌فى‌ الكلام ‌ما‌ يدل عليه، بل ‌هو‌ صريح ‌فى‌ ‌ما‌ ذكرناه.
 يعنى انه اخذ قوله عن ابيه ‌و‌ ابوه، عن ابيه الى ‌ان‌ ينتهى الى رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله)، ‌و‌ ‌هو‌ عن جبرئيل، عن الله ‌عز‌ ‌و‌ جل. فلا ريب ‌فى‌ حقيته ‌و‌ صدقه ‌و‌ صحه وقوعه.
 قال بعض المحققين: اعلم انه ليس المراد باخذه عن آبائه حتى ينتهى الى رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) ‌ما‌ يفهمه الظاهريون ‌من‌ الناس، ‌ان‌ ‌من‌ شانهم حفظ الاقوال خلفا عن سلف حتى يكون فضلهم على سائر الناس بقوه الحفظ للمسموعات ‌او‌ بكثره المحفوظات، بل المراد ‌ان‌ نفوسهم القدسيه قد استكملت بنور العلم ‌و‌ قوه العرفان بسبب اتباع الرسول (صلى الله عليه ‌و‌ آله) بالمجاهده ‌و‌ الرياضه، مع زياده استعداد اصلى ‌و‌ صفاء ‌و‌ طهاره ‌فى‌ الغريزه فصارت كمراه مجلوه يحاذى بها شطر الحق بواسطه مرآه اخرى ‌او‌ بغير واسطه.
 الا ترى ‌ان‌ المرائى المتعدده المتحاذيه، ‌او‌ المحاذيه لمرآه اخرى هى بحذآء الشمس ينعكس ضوء الشمس الى جميعها، فهكذا حال ‌من‌ اتبع الرسول ‌حق‌ المتابعه يصير محبوب الحق كما قال تعالى: «قل ‌ان‌ كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله» ‌و‌ ‌من‌ احبه الله تعالى افاض الله عليه كما افاض على حبيبه صلوات الله عليه، لكن الفرق ثابت بين المتبوع ‌و‌ التابع.
 ‌و‌ بالجمله: يجب ‌ان‌ يعلم ‌ان‌ علوم الائمه (عليهم السلام) ليست اجتهاديه ‌و‌ ‌لا‌ سمعيه ‌من‌ طرق الحواس، بل علومهم كشفيه لدنيه تفيض على قلوبهم انوار العلم ‌و‌ العرفان عن الله سبحانه، ‌لا‌ بواسطه امر مباين ‌من‌ سماع، ‌او‌ كتابه محسوسه، ‌او‌ روايه، ‌او‌ شى ء ‌من‌ هذا الفبيل.
 ‌و‌ مما يدل على ‌ما‌ بيناه ‌و‌ اوضحناه: قول اميرالمومنين (عليه السلام) «علمنى رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) الف باب ‌من‌ العلم فانفتح لى ‌من‌ كل باب الف باب».
 ‌و‌ قول الرسول (صلى الله عليه ‌و‌ آله): «اعطيت جوامع الكلم». «و اعطى على جوامع العلم» ‌و‌ معنى تعليم الرسول له (عليه السلام) هو: اعداد نفسه الشريفه القابله لانوار الهدايه على طول الصحبه ‌و‌ دوام الملازمه بتعليمه ‌و‌ ارشاده الى كيفيه السلوك الى الله تعالى، بتطويع النفس الحيوانيه ‌و‌ قواها لما امرها ‌به‌ ‌و‌ استخدمها فيه الروح العقلى الا لهى، ‌و‌ اشارته (صلى الله عليه ‌و‌ آله) الى اسباب التطويع ‌و‌ الرياضه حتى استعد (عليه السلام) للانتقاش بالامور الغيبيه ‌و‌ الاخبار عن المغيبات.
 ‌و‌ ليس التعليم البشرى، سواء كان المعلم رسولا ‌او‌ غيره ‌هو‌ ايجاد العلم، ‌و‌ ‌ان‌ كان امرا يلزمه الايجاد ‌و‌ الافاضه ‌من‌ الله تعالى.
 ‌و‌ ‌فى‌ قوله (صلى الله عليه ‌و‌ آله): «و اعطى على جوامع العلم» بصيغه البناء للمفعول دليل ظاهر على ‌ان‌ المعطى لعلى جوامع العلم ليس ‌هو‌ النبى (صلى الله عليه ‌و‌ آله) بل الذى اعطاه ذلك ‌هو‌ المعطى للنبى جوامع الكلم، ‌و‌ ‌هو‌ الحق سبحانه ‌و‌ تعالى، فافهم هذا المقام فانه ‌من‌ مزال الاقدام، انتهى
 تنبيه
 ‌لا‌ ينافى هذا التحقيق ‌ما‌ ورد عنهم (عليهم السلام) ‌ان‌ عندهم الجفر ‌و‌ الجامعه ‌و‌ مصحف فاطمه (عليهماالسلام) ‌و‌ ‌ان‌ ‌فى‌ كل منها ‌من‌ العلوم ‌ما‌ ‌لا‌ يعلمه الا هم، ‌و‌ فيها علم ‌ما‌ يحتاج اليه ‌و‌ علم ‌ما‌ كان ‌و‌ ‌ما‌ يكون، لان علومهم (عليهم السلام) لم تكن مقصوره عليها ‌و‌ ‌لا‌ منحصره فيها، بل علومهم اللدنيه الكشفيه غير ‌ما‌ تضمنته هذه الكتب ‌من‌ العلوم.
 كما يدل عليه: ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام باسناده عن ابى بصير قال: دخلت على ابى عبدالله (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك انى اريد ‌ان‌ اسالك عن مساله ‌ها‌ هنا احد يسمع كلامى، قال: فرفع ابوعبدالله (عليه السلام) سترا بينه ‌و‌ بين بيت آخر فاطلع فيه، ثم قال: ‌يا‌ ابامحمد سل عما بدا لك، قال: قلت: جعلت فداك ‌ان‌ شيعتك يتحدثون ‌ان‌ رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) علم عليا (عليه السلام) بابا يفتح له الف باب، قال فقال: ‌يا‌ ابا محمد علم رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) عليا (عليه السلام) الف باب يفتح ‌من‌ كل باب الف باب، قال: فقلت: هذا ‌و‌ الله العلم، قال: فنكت ساعه ‌فى‌ الارض ثم قال: انه لعلم ‌و‌ ‌ما‌ ‌هو‌ بذاك؟ قال: ثم قال: ‌يا‌ ابامحمد ‌و‌ ‌ان‌ عندنا الجامعه ‌و‌ ‌ما‌ يدريهم ‌ما‌ الجامعه؟ قال: قلت: جعلت فداك ‌و‌ ‌ما‌ الجامعه؟ قال: صحيفه طولها سبعون ذراعا بذراع رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) ‌و‌ املائه ‌من‌ فلق فيه ‌و‌ ‌خط‌ على بيمينه فيها كل حلال ‌و‌ حرام ‌و‌ كل شى ء يحتاج اليه الناس حتى الارش ‌فى‌ الخدش، ‌و‌ ضرب بيده الى ‌و‌ قال: تاذن لى ‌يا‌ بامحمد، قال: قلت: جعلت فداك انما انا لك فاصنع ‌ما‌ شئت، قال: فغمزنى بيده ‌و‌ قال: حتى ارش هذا! كانه مغضب، قال: قلت: هذا ‌و‌ الله العلم، قال: انه لعلم ‌و‌ ليس بذاك، ثم سكت ساعه ثم قال: ‌و‌ ‌ان‌ عندنا الجفر ‌و‌ ‌ما‌ يدريهم ‌ما‌ الجفر؟ قال: قلت: ‌و‌ ‌ما‌ الجفر؟ قال: وعاء ‌من‌ ادم فيه علم النبيين ‌و‌ الوصيين ‌و‌ علم العلماء الذين مضوا ‌من‌ بنى اسرائيل، قال: قلت: ‌ان‌ هذا ‌هو‌ العلم، قال: انه لعلم ‌و‌ ليس بذاك، ثم سكت ساعه، ثم قال: ‌و‌ ‌ان‌ عندنا لمصحف فاطمه (عليهاالسلام)، ‌و‌ ‌ما‌ يدريهم ‌ما‌ مصحف فاطمه؟ قال: قلت: ‌و‌ ‌ما‌ مصحف فاطمه؟. قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، ‌و‌ الله ‌ما‌ فيه ‌من‌ قرآنكم حرف واحد، قال: قلت: هذا ‌و‌ الله العلم، قال: انه لعلم ‌و‌ ‌ما‌ ‌هو‌ بذاك، ثم سكت ساعه، ثم قال: ‌ان‌ عندنا علم ‌ما‌ كان ‌و‌ علم ‌ما‌ ‌هو‌ كائن الى ‌ان‌ تقوم الساعه، قال: قلت: جعلت فداك هذا ‌و‌ الله ‌هو‌ العلم، قال: انه لعلم ‌و‌ ليس بذاك، قال: قلت: جعلت فداك فاى شى ء ‌هو‌ العلم، قال: ‌ما‌ يحدث بالليل ‌و‌ النهار الامر بعد الامر ‌و‌ الشى ء بعد الشى ء الى يوم القيامه، انتهى.
 قال بعض العلماء: قوله (عليه السلام): «ليس بذاك» يعنى: ليس بالعلم الخاص الذى ‌هو‌ اشرف علومنا فانما يحصل بالسماع ‌و‌ قراءه الكتب ‌و‌ حفظها تقليد ‌و‌ ليس بعلم، ‌و‌ لكن العلم ‌ما‌ يفيض ‌من‌ عند الله سبحانه على قلب العارف يوما فيوما ‌و‌ ساعه فساعه فينكشف ‌به‌ ‌من‌ الحقائق ‌ما‌ تطمئن ‌به‌ النفس ‌و‌ ينشرح ‌به‌ الصدر ‌و‌ يشرق ‌به‌ القلب ‌و‌ يتحققه العالم كانه ينظر اليه ‌و‌ يشاهده. ‌و‌ الله اعلم.
 تتمه
 قال المحقق الشريف ‌فى‌ شرح المواقف ‌فى‌ مبحث تعلق العلم الواحد بمعلومين: ‌ان‌ الجفر ‌و‌ الجامعه كتابان لعلى كرم الله وجهه، قد ذكر فيهما على طريقه علم الحروف، الحوادث التى تحدث الى انقراض العالم ‌و‌ كان الائمه المعروفون ‌من‌ اولاده يعرفونهما ‌و‌ يحكمون بهما.
 ‌و‌ ‌فى‌ كتاب قبول العهد الذى كتبه على ‌بن‌ موسى الرضا (رضى الله عنهما) الى المامون: انك قد عرفت ‌من‌ حقوقنا ‌ما‌ لم يعرفه آباوك فقبلت منك عهدك الا ‌ان‌ الجفر ‌و‌ الجامعه يدلان على انه ‌لا‌ يتم، ‌و‌ لمشايخ المغاربه نصيب ‌من‌ علم الحروف ينتسبون فيه الى اهل البيت، ‌و‌ رايت بالشام نظما اشير فيه بالرموز الى احوال ملوك مصر، ‌و‌ سمعت انه مستخرج ‌من‌ ذينك الكتابين، الى هنا كلام الشريف.
 ‌و‌ بعض العامه ينسب الجفر الى الصادق (عليه السلام) قال ابن قتيبه ‌فى‌ كتاب ادب الكاتب: ‌و‌ كتاب الجفر جلد جفر كتب فيه الامام جعفر ‌بن‌ محمد الصادق (رضى الله عنهما) لاهل البيت كلما يحتاجون الى علمه ‌و‌ كل ‌ما‌ يكون الى يوم القيامه، انتهى.
 اى: فخشيت وقوع مثل هذا العلم الى بنى اميه ‌و‌ ‌هو‌ امر منتظر مظنون، فصح استعمال الخوف بمعنى الخشيه فيه، ‌و‌ قد يستعمل الخوف بمعنى العلم.
 قال الواحدى: لان ‌فى‌ الخوف طرفا ‌من‌ العلم، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ القائل اذا قال: اخاف ‌ان‌ يقع كذا، كانه يقول: اعلم، ‌و‌ انما يخاف لعلمه بوقوعه، فاستعمل الخوف ‌فى‌ العلم، قال تعالى: «فمن خاف ‌من‌ موص جنفا» ‌و‌ قال: «الا ‌ان‌ يخافا الا يقيما حدود الله».
 ‌و‌ قال غيره: انما استعمل الخوف ‌و‌ الخشيه مقام العلم، لان الخوف منشاه ظن محدود، ‌و‌ بين العلم ‌و‌ الظن مشابهه ‌من‌ وجوه كثيره فصح اطلاق احدهما على الاخر استعمالا شائعا، ‌من‌ ذلك قولهم: اخاف ‌ان‌ ترسل السماء، يريدون التوقع ‌و‌ الظن الغالب الجارى مجرى العلم، انتهى.
 ‌و‌ ‌لا‌ يخفى صحه اراده هذا المعنى هنا.
 قوله: «مثل هذا العلم» مثل مقحمه اى: هذا العلم كقولهم: مثلك ‌لا‌ يبخل، ‌و‌ مثل الامير حمل على الادهم، اى: انت ‌لا‌ تبخل ‌و‌ الامير حمل على الادهم، ‌و‌ انما اقحموا لفظ مثل لانهم سلكوا طريق الكنايه قصدا الى المبالغه لانهم اذا اثبتوا الفعل لمن يماثله ‌و‌ لمن يكون على اخص اوصافه ‌او‌ نفوه عنه ‌و‌ ارادوا ‌ان‌ ‌من‌ كان على هذه الصفه التى ‌هو‌ عليها، كان ‌من‌ مقتضى القياس ‌و‌ موجب العرف ‌ان‌ يفعل كذا ‌او‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يفعل كذا لزم الثبوت لذاته ‌او‌ النفى عنها بالطريق الاولى، ‌و‌ هكذا الكلام ‌فى‌ عباره المتن، فانه اذا خاف وقوع ‌ما‌ يماثل هذا العلم فخوفه ‌من‌ وقوع ذات هذا العلم بطريق اولى.
 قوله: «الى بنى اميه» متعلق بيقع اى: يصير اليهم ‌او‌ يحصل ‌من‌ قولهم وقع الصيد ‌فى‌ الشرك، اى: حصل وعداه ب(الى) لتضمينه معنى يوول ‌او‌ يصير.
 قوله: «فيكتموه ‌و‌ يدخروه» بحذف النون فيهما نيابه عن الفتحه لنصبهما بالعطف على يقع المنصوب ب(ان).
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه ابن ادريس: فيكتمونه ‌و‌ يدخرونه باثبات النون فيهما، ‌و‌ وجهه: ‌ان‌ المعتمد بالعطف ‌هو‌ الجمله ‌لا‌ الفعل، اى: فهم يكتمونه ‌و‌ يدخرونه حينئذ.
 ‌و‌ كتم الشى ء، يكتمه ‌من‌ باب قتل: اخفاه.
 فقوله: «فيكتموه» بضم التاء، ‌و‌ ‌فى‌ نسخه ابن ادريس فيكتمونه بكسرها، ‌و‌ الاصل فيها الضم، الا انه اوثر الكسر للمزاوجه بينه ‌و‌ بين الفعل الذى بعده، كما قالوا: اخذه ‌ما‌ قدم، ‌و‌ ‌ما‌ حدث بضم دال حدث، لمزاوجه الفعل الاول ‌و‌ اصله الفتح، ‌و‌ اصل يدخروه: يذتخروه على يفتعلوه ‌من‌ الذخر بالذال المعجمه فقلبت التاء دالا لموافقتها لها ‌فى‌ الجهر، ‌و‌ ادغمت الذال ‌فى‌ الدال بعد قلبها اليها لتقاربهما.
 ‌و‌ الادخار: اعداد الشى ء لوقت الحاجه اليه، يقال: ذخرته ذخرا ‌من‌ باب نفع، ‌و‌ الاسم: الذخر- بالضم- ‌و‌ مثله ادخرت على افتعلت.
 قوله: «فى خزائنهم» جمع خزانه- بالكسر- ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يخزن فيه الشى ء كالمخزن، ‌و‌ الضابط ‌فى‌ هذا الجمع ‌و‌ امثاله ‌ان‌ حرف العله الواقع بعد الالف التى لم يكن قبلها واو ‌او‌ ياء ‌ان‌ كانت اصليه، كما ‌فى‌ مقاوم ‌و‌ معايش جمع مقامه ‌و‌ معيشه، تبقى على حالها ‌و‌ ‌ان‌ كانت زائده كما ‌فى‌ خزائن ‌و‌ رسائل ‌و‌ عجائز ‌و‌ صحائف تقلب همزه فرقا بين الاصليه ‌و‌ الزائده، ‌و‌ الزائده اولى بالتغيير، ‌و‌ جاء معائش بالهمزه ‌و‌ ‌هو‌ ضعيف، ‌و‌ التزم همزه مصائب تنبيها على وروده على خلاف الاصل كما سياتى بيانه.
 اما اذا كان قبل الالف واو ‌او‌ ياء بان اكتنفها ‌و‌ ‌او‌ ‌ان‌ كاوائل جمع اول ‌او‌ ياء ‌ان‌ كخيائر جمع خير، ‌او‌ كان قبل الالف واو ‌و‌ بعدها ياء كبوائع، ‌او‌ كان قبلها ياء ‌و‌ بعدها واو كسيائق جمع سيقه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ استاقه العدو ‌من‌ الدواب، فيقلب حرف العله همزه سواء كانت اصليه ‌او‌ زائده، ‌و‌ اما ضياون جمع ضيون ‌و‌ ‌هو‌ السنور الذكر فشاذ.
 قبض الشى ء: ‌من‌ باب ضرب: اخذه، ‌و‌ اكفنيها: ‌اى‌ قم مقامى ‌فى‌ حفظها ‌من‌ قولهم: كفاه الامر: ‌اى‌ قام مقامه فيه.
 ‌و‌ التربص: المكث ‌و‌ الانتظار.
 ‌و‌ قضى يقضى قضاء: اذا حكم ‌و‌ فصل، ‌و‌ قضاء الشى ء: احكامه ‌و‌ امضاوه ‌و‌ الفراغ منه.
 ‌و‌ القوم: جماعه الرجال ليس فيهم امراه، الواحد: رجل ‌من‌ غير لفظه، ‌و‌ الجمع: اقوام، سموا بذلك لقيامهم بالعظائم ‌و‌ المهمات، ‌و‌ يذكر القوم ‌و‌ يونث فيقال: قام القوم ‌و‌ قامت القوم، ‌و‌ كذلك كل اسم جمع ‌لا‌ واحد له ‌من‌ لفظه نحو: رهط ‌و‌ نفر.
 ‌و‌ الامانه ‌فى‌ الاصل: مصدر امن الخائف- بالكسر- امانه ثم استعمل المصدر ‌فى‌ الاعيان مجازا فقيل للوديعه: امانه.
 قوله: «حتى توصلها» يحتمل ‌ان‌ تكون حتى للغايه بمعنى الى ‌و‌ ‌هو‌ الظاهر نحو: «حتى يرجع الينا موسى»، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ تكون للتعليل بمعنى ‌كى‌ نحو: «فقاتلوا التى تبغى حتى تفى ء الى امر الله» ‌و‌ الفعل بعدها منصوب بان مضمره على الصحيح كما ‌هو‌ مذهب البصريين ‌لا‌ ب«حتى» نفسها خلافا للكوفيين، ‌و‌ ‌ان‌ المضمره ‌و‌ الفعل ‌فى‌ تاويل مصدر مخفوض ب«حتى» لانه قد ثبت انها تخفض الاسماء الصريحه، ‌و‌ ‌ما‌ يعمل ‌فى‌ الاسماء ‌لا‌ يعمل ‌فى‌ الافعال ‌و‌ بالعكس.
 ‌و‌ محمد ‌و‌ ابراهيم: ابنا عبدالله المذكوران هما الخارجان على ابى جعفر المنصور.
 قال الشهرستانى ‌فى‌ كتاب الملل ‌و‌ النحل: كان يحيى ‌بن‌ زيد قد فوض الامر اليهما فخرجا بالمدينه، ‌و‌ مضى ابراهيم الى البصره ‌و‌ اجتمع الناس عليهما فقتلا، انتهى.
 اما محمد: فيلقب بالنفس الزكيه لما سياتى، ‌و‌ يكنى اباعبدالله ‌و‌ قيل: اباالقاسم، ‌و‌ كان تمتاما، احول، بين كتفيه خال اسود كالبيضه، ‌و‌ لقب بالمهدى للحديث المشهور عن رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله): ‌ان‌ المهدى ‌من‌ ولدى، اسمه: اسمى ‌و‌ اسم ابيه اسم ابى
 حكى: ‌ان‌ المنصور اخذ بركابه ذات يوم فقيل له: ‌من‌ هذا الذى تفعل ‌به‌ هذا فقال للسائل: ويحك هذا مهدينا اهل البيت، هذا محمد ‌بن‌ عبدالله، ‌و‌ تطلعت اليه نفوس بنى هاشم ‌و‌ عظموه.
 ‌و‌ كان المنصور قد بايع له ‌و‌ لاخيه ابراهيم ‌فى‌ جماعه ‌من‌ بنى هاشم فلما بويع لبنى العباس ‌و‌ استبدوا بالامر، اختفى محمد ‌و‌ ابراهيم مده خلافه السفاح، فلما ملك المنصور علم انهما على عزم الخروج فجد ‌فى‌ طلبهما ‌و‌ قبض على ابيهما ‌و‌ جماعه ‌من‌ اهلهما، فيحكى انهما اتيا اباهما ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ الحبس ‌فى‌ زى بدويين، فقالا له: يقتل رجلان ‌من‌ ‌آل‌ محمد خير ‌من‌ ‌ان‌ يقتل ثمانيه، فقال لهما: ‌ان‌ منعكما ابوجعفر ‌ان‌ تعيشا كريمين فلا يمنعكما ‌ان‌ تموتا كريمين.
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ كتاب الروضه: عن معلى ‌بن‌ خنيس قال: كنت عند ابى عبدالله (عليه السلام) اذ اقبل محمد ‌بن‌ عبدالله فرق له ابوعبدالله (عليه السلام) ‌و‌ دمعت عيناه فقلت له: لقد رايتك صنعت ‌به‌ ‌ما‌ لم تكن تصنع، فقال: رققت له لانه ينسب لامر ليس له، لم اجده ‌فى‌ كتاب على (عليه السلام) ‌من‌ خلفاء هذه الامه ‌و‌ ‌لا‌ ‌من‌ ملوكها.
 ‌و‌ كان اقبح ‌ما‌ صنعه محمد لما ظهر بالمدينه ‌ان‌ دعا الصادق (عليه السلام) الى بيعته، فابى عليه اباء شديدا، فامر بحبسه واصطفى ماله ‌و‌ ‌ما‌ كان له ‌و‌ لقومه ممن لم يخرج معه، فلم يمهله الله حتى قتل صاغرا.
 ‌و‌ روى ‌من‌ جمله حديث عن الباقر (عليه السلام) انه قال ‌فى‌ صفته «الاحول مشووم قومه ‌من‌ ‌آل‌ الحسن يدعو الى نفسه قد تسمى بغير اسمه» انتهى.
 ‌و‌ لما عزم على الخروج واعد اخاه ابراهيم على الخروج ‌فى‌ يوم واحد فذهب ابراهيم الى البصره، ‌و‌ اتفق انه مرض فخرج محمد بالمدينه، فلما ايل ابراهيم ‌من‌ مرضه اتاه خبر اخيه انه قتل، ‌و‌ كان المنصور قد ارسل لقتال محمد، عيسى ‌بن‌ موسى ‌بن‌ على ‌بن‌ عبدالله ‌بن‌ العباس ‌فى‌ جيش كثيف، فحاربهم محمد خارج المدينه ‌و‌ تفرق اصحابه عنه حتى بقى وحده، فلما احس الخذلان دخل داره ‌و‌ امر بالتنور فسجر، ثم عمد الى الدفتر الذى اثبت فيه اسماء ‌من‌ بايعه فالقاه ‌فى‌ التنور فاحترق، ثم خرج فقاتل حتى قتل باحجار الزيت. ‌و‌ كان ذلك على ‌ما‌ يزعمون مصداق تلقيبه بالنفس الزكيه، لما روى عن النبى (صلى الله عليه ‌و‌ آله) انه قال: «يقتل باحجار الزيت ‌من‌ ولدى نفس زكيه». ‌و‌ كان قتله سنه خمس ‌و‌ اربعين ‌و‌ مائه ‌فى‌ شهر رمضان.
 ‌و‌ قيل: ‌فى‌ الخامس ‌و‌ العشرين ‌من‌ رجب، ‌و‌ ‌هو‌ ابن خمس ‌و‌ اربعين سنه، ‌و‌ هذا اشهر، لانه ولد سنه مائه بلا خلاف.

و اما ابراهيم، فيكنى ابا الحسن كان شديد الايد ‌و‌ القوه، ‌و‌ كان متفننا ‌فى‌ كثير ‌من‌ العلوم.
 قيل: كان يرى مذهب الاعتزال، ‌و‌ كان ظهوره بالبصره ليله الاثنين غره شهر رمضان، سنه خمس ‌و‌ اربعين ‌و‌ مائه، ‌و‌ بايعه وجوه الناس، ‌و‌ تلقب باميرالمومنين، ‌و‌ عظم شانه، ‌و‌ احب الناس ولايته ‌و‌ ارتضوا سيرته، ‌و‌ كان ابوحنيفه قد افتى الناس بالخروج معه ‌و‌ كتب اليه:
 اما بعد: فانى جهزت اليك اربعه آلاف درهم ‌و‌ لم يكن عندى غيرها، ‌و‌ لو ‌لا‌ امانات للناس عندى للحقت بك، فاذا لقيت القوم ‌و‌ ظفرت بهم فافعل كما فعل ابوك ‌فى‌ اهل صفين، اقتل مدبرهم، ‌و‌ اجهز على جريحهم، ‌و‌ ‌لا‌ تفعل كما فعل ‌فى‌ اهل الجمل، فان القوم لهم فئه.
 ‌و‌ يقال: ‌ان‌ هذا الكتاب وقع الى المنصور فكان سبب تغيره على ابى حنيفه، ‌و‌ لما بلغ المنصور خروج ابراهيم ندب عيسى ‌بن‌ موسى ‌من‌ المدينه الى قتاله، ‌و‌ سار ابراهيم ‌من‌ البصره حتى التقيا بباخمرى قريه قريبه ‌من‌ الكوفه، فنشبت الحرب بينهم، ‌و‌ انهزم عسكر عيسى ‌بن‌ موسى، فنادى ابراهيم: ‌لا‌ يتبعن احد منهزما، فعاد اصحابه فظن اصحاب عيسى انهم انهزموا، فكروا عليهم فقتلوه ‌و‌ قتلوا اصحابه الا قليلا، ‌و‌ لما اتصل بالمنصور انهزام عسكره قلق قلقا عظيما، ثم جاءه بعد ذلك خبر الظفر وجى ء براس ابراهيم فوضع ‌فى‌ طست بين يديه فلما نظر اليه قال: وددت انه فاء الى طاعتى، ‌و‌ كان قتله لخمس بقين ‌من‌ ذى القعده ‌و‌ قيل: ‌فى‌ ذى الحجه سنه خمس ‌و‌ اربعين ‌و‌ مائه، ‌و‌ ‌هو‌ ابن ثمان ‌و‌ اربعين سنه ‌و‌ الله اعلم.
 صرت الى المدينه: ‌اى‌ رجعت اليها، ‌و‌ (ال) ‌فى‌ الحديث عهديه ‌و‌ معهودها خارجى، ‌اى‌ الحديث المذكور سابقا.
 ‌و‌ بكى يبكى، بكى ‌و‌ بكاء بالقصر ‌و‌ المد، ‌و‌ قيل: القصر مع خروج الدموع، ‌و‌ المد: مع خروج الصوت، ‌و‌ قد جمع الشاعر اللغتين ‌فى‌ قوله:
 بكت عينى ‌و‌ ‌حق‌ لها بكاها
 ‌و‌ ‌ما‌ يغنى البكاء ‌و‌ ‌لا‌ العويل
 ‌و‌ الوجد بالفتح ‌لا‌ غير: الحزن، يقال: وجدت ‌به‌ بالكسر ‌اى‌ حزنت عليه فان اردت معنى احببته قلت: وجدت ‌به‌ بفتح العين وجدا بالفتح ‌لا‌ غير، ‌و‌ اما مصدر وجدت المطلوب فيفتح ‌و‌ يضم، ‌و‌ الوجد: بمعنى الغنى مثلث.
 قوله: «رحم الله ابن عمى» الجمله ‌فى‌ محل نصب واقعه مفعولا لقال، ‌و‌ هل هى مفعول ‌به‌ ‌او‌ مفعول مطلق نوعى كالقرفصاء ‌من‌ قعد القرفصاء اذ هى داله على نوع خاص ‌من‌ القول؟ فيه مذهبان:
 الاول: قول الجمهور.
 ‌و‌ الثانى: اختيار ابن الحاجب، قال: ‌و‌ الذى غر الاكثرين انهم ظنوا ‌ان‌ تعلق الجمله بالقول كتعلقها بعلم ‌فى‌ «علمت لزيد منطلق»، ‌و‌ ليس كذلك لان الجمله نفس القول، ‌و‌ العلم غير المعلوم فافترقا.
 قال ابن هشام: ‌و‌ الصواب قول الجمهور: اذ يصح ‌ان‌ يخبر عن الجمله بانها مقوله كما يصح ‌ان‌ يخبر عن زيد ‌من‌ ضربت زيدا بانه مضروب بخلاف القرفصاء ‌فى‌ المثال، فلا يصح ‌ان‌ يخبر عنها بانها مقعوده لانها نفس القعود.
 ‌و‌ اما تسميه النحويين الكلام قولا، فكتسميتهم اياه لفظا، ‌و‌ انما الحقيقه انه مقول ‌و‌ ملفوظ.
 قوله: «و الحقه بابائه ‌و‌ اجداده» اى: جعله لاحقابهم ‌فى‌ دخول الجنه ‌او‌ ‌فى‌ الدرجه، لما روى انه (عليه السلام) قال: «انه تعالى يرفع ذريه المومن ‌فى‌ درجته ‌و‌ ‌ان‌ كانوا دونهم لتقربهم عينه» ثم تلا قوله تعالى: «و الذين امنوا ‌و‌ اتبعتهم ذريتهم بايمان الحقنا بهم ذريتهم ‌و‌ ‌ما‌ التناهم ‌من‌ عملهم ‌من‌ شى ء» ‌و‌ عن اهل البيت (عليهم السلام) ‌فى‌ تفسير هذه الايه: انه قصرت الابناء عن عمل الاباء فالحق الابناء بالاباء لتقر بذلك اعينهم.
 قال المفسرون: قوله تعالى: «بايمان» متعلق بالاتباع، ‌اى‌ اتبعتهم ذريتهم بايمان ‌فى‌ الجمله، قاصر عن رتبه ايمان الاباء، ‌لا‌ يوهلهم لدرجه الاباء.
 ‌و‌ قيل: متعلق بما بعده ‌اى‌ بسبب ايمان عظيم، رفيع المحل ‌و‌ ‌هو‌ ايمان الاباء، الحقنا بدرجاتهم ذريتهم ‌و‌ ‌ان‌ كانوا ‌لا‌ يستاهلون تفضلا عليهم ‌و‌ على آبائهم ليتم سرورهم، ‌و‌ يكمل نعيمهم.
 ‌و‌ قوله تعالى: «و ‌ما‌ التناهم ‌من‌ عملهم ‌من‌ شى ء» اى: ‌و‌ ‌ما‌ نقصنا الاباء بهذا الالحاق ‌من‌ ثواب عملهم شيئا بان اعطينا بعض مثوباتهم ابنائهم، فتنقص مثوبتهم ‌و‌ تنحط درجتهم، ‌و‌ انما رفعناهم الى درجتهم بمحض التفضل ‌و‌ الاحسان.
 قوله: «و اجداده» عطف الاجداد على الاباء مع دخولهم فيهم، لفائده التاكيد المعتبره ‌فى‌ الاطناب كعطف الشى ء على مرادفه.
 تنبيه
 ‌فى‌ بكائه (عليه السلام) على يحيى ‌بن‌ زيد، ‌و‌ شده وجده به، ‌و‌ دعائه له دليل على ‌ان‌ يحيى كان عارفا بالحق معتقدا له، ‌و‌ ‌ان‌ حاله ‌فى‌ الخروج كحال ابيه رضى الله عنه.
 ‌و‌ يدل على ذلك ايضا ‌ما‌ رواه الحافظ العلامه ابن الخزاز القمى ‌فى‌ كفايه الاثر: قال: حدثنا على ‌بن‌ الحسين قال: حدثنا عامر ‌بن‌ عيسى، عن ابى عامر السيرافى بمكه ‌فى‌ ذى الحجه، سنه احدى ‌و‌ ثمانين ‌و‌ ثلاثمائه، قال: حدثنى ابومحمد الحسن ‌بن‌ محمد ‌بن‌ يحيى ‌بن‌ الحسن ‌بن‌ جعفر ‌بن‌ عبيدالله ‌بن‌ الحسين ‌بن‌ على ‌بن‌ الحسين ‌بن‌ على ‌بن‌ ابى طالب (عليهم السلام) قال: حدثنا محمد ‌بن‌ مطهر، قال: حدثنا ابى، قال: حدثنا عمير ‌بن‌ المتوكل ‌بن‌ هارون البلخى، عن ابيه المتوكل ‌بن‌ هارون قال: لقيت يحيى ‌بن‌ زيد بعد قتل ابيه ‌و‌ ‌هو‌ متوجه الى خراسان، فما رايت رجلا ‌فى‌ عقله ‌و‌ فضله، فسالته عن ابيه فقال: انه قتل ‌و‌ صلب بالكناسه، ثم بكى ‌و‌ بكيت حتى غشى عليه فلما سكن قلت: ‌يا‌ ابن رسول الله ‌و‌ ‌ما‌ الذى اخرجه الى قتال هذا الطاغيه ‌و‌ قد علم ‌من‌ اهل الكوفه ‌ما‌ علم؟ قال: نعم لقد سالته عن ذلك فقال: سمعت ابى يحدث عن ابيه الحسين ‌بن‌ على (عليهماالسلام) قال: وضع رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) يده على صلبى، فقال: ‌يا‌ حسين يخرج ‌من‌ صلبك رجل يقال له زيد يقتل شهيدا، اذا كان يوم القيامه يتخطى ‌هو‌ ‌و‌ اصحابه رقاب الناس ‌و‌ يدخل الجنه، فاحببت ‌ان‌ اكون كما وصفنى رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله)، ثم قال: رحم الله ابى زيدا كان ‌و‌ الله احد المتعبدين، قائم ليله، صائم نهاره، جاهد ‌فى‌ سبيل الله ‌حق‌ جهاده، فقلت: ‌يا‌ ابن رسول الله هكذا يكون الامام بهذه الصفه؟ فقال: ‌يا‌ عبدالله ‌ان‌ ابى لم يكن بامام، ‌و‌ لكن كان ‌من‌ السادات الكرام ‌و‌ زهادههم، ‌و‌ كان ‌من‌ المجاهدين ‌فى‌ سبيل الله، فقلت: يابن رسول الله اما ‌ان‌ اباك قد ادعى الامامه، ‌و‌ قد جاء عن رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) فيمن ادعى الامامه كاذبا؟ فقال: مه، مه ‌يا‌ عبدالله ‌ان‌ ابى كان اعقل ‌من‌ ‌ان‌ يدعى ‌ما‌ ليس له بحق، انما قال: ادعوكم الى الرضا ‌من‌ ‌آل‌ محمد، عنى بذلك ابن عمى جعفرا، قلت: فهو اليوم صاحب الامر؟ قال: نعم ‌هو‌ افقه بنى هاشم، ثم قال: ‌يا‌ عبدالله انى اخبرك عن ابى (عليه السلام) ‌و‌ زهده ‌و‌ عبادته انه كان يصلى (عليه السلام) ‌فى‌ نهاره ‌ما‌ شاء الله، فاذا ‌جن‌ عليه الليل نام نومه خفيفه، ثم يقوم فيصلى ‌فى‌ جوف الليل ‌ما‌ شاء الله، ثم يقوم قائما على قديمه يدعو الله تعالى الى الفجر، ‌و‌ يتضرع له ‌و‌ يبكى بدموع جاريه حتى يطلع الفجر، فاذا طلع الفجر سجد سجده، ثم يقوم فيصلى الغداه اذا وضح الفجر، فاذا فرغ ‌من‌ صلاته قعد ‌فى‌ التعقيب الى ‌ان‌ يتعالى النهار، ثم يقوم ‌فى‌ حاجته ساعه فاذا كان ‌فى‌ قرب الزوال قعد ‌فى‌ مصلاه فسبح الله ‌و‌ مجده الى وقت الصلاه، ‌و‌ قام فصلى الاولى ‌و‌ جلس هنيئه ‌و‌ صلى العصر، ‌و‌ قعد ‌فى‌ تعقيبه ساعه، ثم سجد سجده، فاذا غابت الشمس صلى المغرب ‌و‌ العتمه، قلت: كان يصوم دهره؟ قال: ‌لا‌ ‌و‌ لكنه كان يصوم ‌فى‌ السنه ثلاثه اشهر، ‌و‌ ‌فى‌ الشهر ثلاثه ايام، قلت: ‌او‌ كان يفتى الناس؟ قال: ‌ما‌ اذكر ذلك عنه، ثم اخرج الى صحيفه كامله فيها ادعيه على ‌بن‌ الحسين (عليهماالسلام)، انتهى.
 فهذا الحديث صريح ‌فى‌ انه كان عارفا بالحق، معتقدا له رحمه الله تعالى.
 الواو ‌من‌ قوله (عليه السلام): «و اين» ابتدائيه، ‌و‌ يعبر عنها بواو الاستيناف، ‌و‌ اين: اسم استفهام عن المكان، مبنى على الفتح خبر للصحيفه قدم على المبتدا وجوبا لتضمنه معنى الاستفهام، وها ‌فى‌ قوله (عليه السلام): «ها هى» للتنبيه، ‌و‌ اذا كانت له فهى تدخل على واحد ‌من‌ اربعه:
 احدها: اسم الاشاره غير المختصه بالبعيد نحو: هذا، بخلاف ثم ‌و‌ نحوه.
 الثانى: ضمير الرفع المخبر عنه باسم الاشاره نحو: هولاء.
 الثالث: نعت ‌اى‌ ‌فى‌ النداء نحو: ‌يا‌ ايها الرجل، ‌و‌ هى ‌فى‌ هذا واجبه للتنبيه على انه المقصود بالنداء.
 الرابع: اسم الله تعالى ‌فى‌ القسم عند حذف الحرف نحو: ‌ها‌ الله، بقطع الهمزه ‌و‌ وصلها ‌و‌ كلاهما مع اثبات الف «ها» ‌و‌ حذفها.
 ‌و‌ حكى الزمخشرى ‌فى‌ المفصل: انه يقال: ‌ها‌ ‌ان‌ زيدا منطلق ‌و‌ ‌ها‌ افعل كذا.
 قيل: ‌و‌ ‌لا‌ شاهد له.
 قلت: قد وقع ‌فى‌ دعاء الصحيفه: «ها نحن عبادك بين يديك»، ‌و‌ كفى ‌به‌ شاهدا.
 فان قلت: مدخول «ها» ‌فى‌ عباره المتن ليس شيئا ‌من‌ المذكورات، بل ‌هو‌ ضمير رفع مونث فقط.
 قلت: مدخول «ها» محذوف، ‌و‌ ‌هو‌ اسم اشاره الى مونث قريب، ‌و‌ ‌هو‌ المبتدا المخبر عنه ب«هى»، ‌و‌ التقدير هذه هى، ف«هى» خبر للمحذوف المقدر ‌و‌ انما حذف لدلاله الخبر عليه كقوله تعالى: «لم يلبثوا الا ساعه ‌من‌ نهار بلاغ» اى: هذا بلاغ، ‌و‌ قد صرح ‌به‌ ‌فى‌ «هذا بلاغ للناس» ‌و‌ لك ‌ان‌ تجعل المحذوف ‌هو‌ الخبر، ‌و‌ ‌هو‌ اسم اشاره ايضا كما مر فتكون هى مبتدا ‌و‌ التقدير: ‌ها‌ هى ذى فمدخول «ها» على الوجه الاول ‌من‌ الاول، ‌و‌ على الثانى ‌من‌ الثانى، فلم يخرج عن المذكورات.
 ‌و‌ ترجيح احد الوجهين على الاخر يبتنى على خلافهم ‌فى‌ انه اذا دار الامر بين كون المحذوف مبتدا ‌و‌ كونه خبرا فايهما اولى؟
 فقيل: كونه المبتدا لان الخبر محط الفائده، ‌و‌ لان حذفه اكثر، فالحمل عليه اولى. ‌و‌ قيل: الاولى كونه الخبر، لان التجوز ‌فى‌ اواخر الجمل اسهل.
 قوله: «عمى زيد» زيد: عطف بيان على عمى ‌و‌ يجوز اعرابه بدل كل ‌من‌ كل لما فيه ‌من‌ البيان، ‌و‌ كذا الكلام ‌فى‌ جدى على ‌بن‌ الحسين (عليهماالسلام).
 اسماعيل ‌بن‌ جعفر الصادق (عليه السلام): ‌هو‌ الذى ذهبت فرقه ‌من‌ الشيعه الى القول بامامته، ‌و‌ يعرفون بالاسماعيليه، يكنى ابامحمد ‌و‌ يعرف بالاعرج، ‌و‌ امه: فاطمه بنت الحسين الاثرم ‌بن‌ الحسن ‌بن‌ على ‌بن‌ ابى طالب (عليهماالسلام).
 ‌و‌ كان اكبر ولد ابيه، كان (عليه السلام) يحبه حبا شديدا ‌و‌ يكرمه اكراما عظيما، حتى كان يتوهم ‌من‌ يراه انه الامام بعده.
 مات ‌فى‌ حياه ابيه بالعريض قرب المدينه، ‌و‌ حمل على اعناق الرجال، حتى دفن بالبقيع.
 روى ‌ان‌ اباعبدالله (عليه السلام) جزع عليه جزعا شديدا، ‌و‌ وجد ‌به‌ وجدا عظيما، ‌و‌ تقدم سريره بغير حذاء ‌و‌ ‌لا‌ رداء، ‌و‌ امر بوضع سريره على الارض قبل دفنه مرارا كثيره، ‌و‌ كان يكشف عن وجهه ‌و‌ ينظر اليه يريد بذلك تحقيق امر وفاته عند الظانين خلافته له ‌من‌ بعده ‌و‌ ازاله الشبهه عنهم ‌فى‌ حياته.
 ‌و‌ كانت وفاته سنه ثلاث ‌و‌ ثلاثين ‌و‌ مائه قبل وفاه الصادق (عليه السلام) بعشرين سنه، ‌و‌ مع ذلك فقد قالت فرقه ‌من‌ الاسماعيليه: انه لم يمت الا انه اظهر موته تقيه ‌من‌ خلفاء بنى العباس، ‌و‌ عقد محضرا ‌و‌ اشهد عليه عامل المنصور بالمدينه خوفا عليه ‌من‌ ‌ان‌ يقصد بالقتل. قالوا: ‌و‌ ‌من‌ الدليل على ذلك: ‌ان‌ محمدا ‌و‌ ‌هو‌ اخوه لامه كان صغيرا، فمضى الى السرير الذى كان اسماعيل نائما عليه، ‌و‌ رفع الملاءه ‌و‌ ابصره، ‌و‌ قد فتح عينه، فعدا الى ابيه فزعا ‌و‌ قال: عاش اخى، عاش اخى، فقال والده: ‌ان‌ اولاد الرسول كذا تكون حالهم ‌فى‌ الاخره. قالوا: ‌و‌ قد ظهر ‌سر‌ الاشهاد على موته، ‌و‌ كتب المحضر عليه، ‌و‌ لم نعهد ميتا سجل على موته، ‌و‌ ذلك انه لما رفع الى المنصور ‌ان‌ اسماعيل ‌بن‌ جعفر رئى بالبصره واقفا على رجل مقعد فدعا له فبرا باذن الله، بعث المنصور الى الصادق (عليه السلام) ‌ان‌ ابنك اسماعيل ‌فى‌ الاحياء ‌و‌ انه رئى بالبصره فانفذ السجل اليه ‌و‌ عليه شهاده عامله بالمدينه فسكت.
 ‌و‌ قالت فرقه منهم: ‌ان‌ موته صحيح، ‌و‌ لكن اباه نص عليه بالامامه، ‌و‌ النص ‌لا‌ يرجع القهقرى، ‌و‌ الفائده ‌فى‌ النص: بقاء الامامه ‌فى‌ اولاد المنصوص عليه دون غيره، فالامام بعد اسماعيل محمد ‌بن‌ اسماعيل، فمنهم ‌من‌ وقف عليه ‌و‌ قال: برجعته بعد غيبته، ‌و‌ منهم ‌من‌ ساق الامامه ‌فى‌ المستورين منهم، ثم ‌فى‌ القائمين الظاهرين ‌من‌ بعدهم، ‌و‌ هولاء يقال لهم: الباطنيه، ‌و‌ انما الزمهم هذا اللقب لحكمهم، لان لكل ظاهر باطنا، ‌و‌ لكل تنزيل تاويلا، ‌و‌ يقال لهم: التعليميه ‌و‌ الملحده.
 فائده
 روى عن الصادق (عليه السلام): انه قال: ‌ما‌ بدا لله امر كما بدا له ‌فى‌ اسماعيل، فتوهم بعضهم ‌ان‌ معناه انه جعله اولا قائما بعده مقامه، فلما توفى نصب الكاظم (عليه السلام) بدله، ‌و‌ هذا وهم باطل ‌و‌ خطا محض، كيف ‌و‌ قد ثبت ‌و‌ صح ‌من‌ طرق الاماميه، ‌و‌ رواياتهم ‌ان‌ النبى (صلى الله عليه ‌و‌ آله) قد انبا بائمه امته، ‌و‌ اوصيائه ‌من‌ عترته ‌و‌ انه سماهم باعيانهم (عليهم السلام)، ‌و‌ ‌ان‌ جبرئيل (عليه السلام) نزل بصحيفه ‌من‌ السماء فيها اسماوهم ‌و‌ كناهم، كما شحنت بالروايات ‌فى‌ ذلك كتب الحديث سيما كتاب الحجه ‌من‌ الكافى، ‌و‌ انما معنى الحديث المذكور ‌ان‌ صح ‌و‌ ثبت ‌ما‌ قاله الصدوق قدس سره ‌فى‌ كتاب التوحيد انه يقول: ‌ما‌ ظهر لله امركما ظهر له ‌فى‌ اسماعيل اذ اخترمه قبلى ليعلم انه ليس بامام بعدى، ‌و‌ الله اعلم.
 قوله (عليه السلام): «بمشهد منى» متعلق بقوله: ‌و‌ املاء جدى، ‌و‌ المشهد: يجوز ‌ان‌ يكون مصدرا ميميا ‌من‌ شهد يشهد بمعنى حضر، ‌و‌ الباء: للمصاحبه اى: بحضور منى. ‌و‌ ‌ان‌ يكون اسم زمان ‌او‌ مكان، ‌و‌ الباء: ظرفيه اى: ‌فى‌ زمان حضورى ‌او‌ مكانه.
 «ان رايت»: ‌من‌ الراى، يقال: راى ‌فى‌ الامر رايا اى: ‌ان‌ اقتضى رايك ‌ان‌ اعرضها، ‌و‌ جمله جواب الشرط محذوفه اى: فاذن لى، بدليل فاذن لى، ‌و‌ كثيرا ‌ما‌ يحذف جواب الشرط ‌فى‌ السعه اذا كان فعل الشرط ماضيا كقوله تعالى: «فان استطعت ‌ان‌ تبتغى نفقا ‌فى‌ الارض» اى: فافعل، ‌و‌ قوله تعالى: «ارايتكم ‌ان‌ اتيكم عذاب الله بغته ‌او‌ جهره هل يهلك الا القوم الظالمون» اى: فاخبرونى هل يهلك الا القوم الظالمون؟ ‌و‌ مثله ‌فى‌ القرآن المجيد كثير.
 قوله: «اعرضها مع صحيفه زيد» اى: اقراها، يقال: عرضت الكتاب عرضا: ‌اى‌ قراته، ‌و‌ مقصوده: معارضتها بصحيفه زيد اى: مقابلتها بها، يقال: عارضت كتابى بكتابه اى: قابلته به.
 قوله: «قد رايتك لذلك اهلا» اى: علمتك لان الرويه بمعنى العلم، ‌و‌ الظن هى التى تتعدى الى مفعولين.
 ‌و‌ اما بمعنى الابصار ‌و‌ هى رويه العين، فانما تتعدى الى مفعول واحد لان افعال الحواس ‌لا‌ تتعدى الا الى واحد.
 ‌و‌ اما نحو: رايته قائما اى: ابصرته، فقائما: منصوب على الحال ‌لا‌ مفعول ثان.
 قوله: «اهلا» اى: مستحقا ‌و‌ مستوجبا يقال: فلان اهل للاكرام اى: مستحق له. ‌و‌ اهله لذلك تاهيلا: رآه له اهلا.
 ‌و‌ اما استاهله بمعنى استحقه فقال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: يقال: فلان اهل لذلك، ‌و‌ قد استاهل ذلك، ‌و‌ ‌هو‌ مستاهل له، سمعت اهل الحجاز يستعملونه استعمالا واسعا.
 ‌و‌ قال الفيروز ابادى ‌فى‌ القاموس: استاهله: استوجبه لغه جيده، ‌و‌ انكار الجوهرى باطل، انتهى.
 ‌و‌ عبارته ‌فى‌ الصحاح: تقول: فلان اهل لكذا ‌و‌ ‌لا‌ تقل مستاهل، ‌و‌ العامه تقوله.
 ‌و‌ وافقه القاضى نشوان الحميرى ‌فى‌ شمس العلوم: فقال: استاهل الرجل: اذا اكل الاهاله ‌و‌ هى: الودك، قال الشاعر:
 ‌لا‌ بل كلى ‌يا‌ ‌ام‌ ‌و‌ استاهلى
 ‌ان‌ الذى انفقت ‌من‌ ماليه
 ‌و‌ ‌لا‌ يقال: فلان مستاهل لكذا، ‌و‌ انما يقال: فلان اهل لكذا، انتهى.
 قوله: «فنظرت ‌و‌ اذا هما شى ء واحد» هكذا وقع ‌فى‌ جميع النسخ بالواو قبل (اذا)، ‌و‌ الصواب: فاذا هما شى ء واحد- بالفاء- لان اذا للمفاجاه هنا، ‌و‌ الفاء لازمه لها داخله عليها نحو: خرجت فاذا الاسد بالباب، نص على ذلك جميع النحويين.
 ‌و‌ هل هى زائده، ‌او‌ جزائيه، ‌او‌ عاطفه؟ خلاف، ثم وقفت عليه بالفاء ‌فى‌ نسخه قديمه كما ‌هو‌ الصواب ‌و‌ لله الحمد.
 قوله: «و لم اجد حرفا» المراد بالحرف هنا: ‌ما‌ يتركب منه الكلم ‌من‌ الحروف المبسوطه، ‌و‌ قد يطلق على الكلمه ايضا تجوزا.
 ‌و‌ حمله على هذا المعنى هنا صحيح ظاهر، ‌و‌ ‌ان‌ كان الاول ابلغ.
 ‌هو‌ عبدالله ‌بن‌ الحسن ‌بن‌ الحسن ‌بن‌ على ‌بن‌ ابى طالب (عليهماالسلام) يكنى: ابامحمد، ‌و‌ يدعى بالمحض، لان اباه الحسن ‌بن‌ الحسن، ‌و‌ امه فاطمه بنت الحسين، ‌و‌ ‌هو‌ اول ‌من‌ جمع ولاده الحسنين ‌من‌ ال الحسن، ‌و‌ اول ‌من‌ جمعها ‌من‌ ال الحسين الباقر (عليه السلام).
 ‌و‌ كان عبدالله شيخا ‌من‌ شيوخ الطالبيين، ‌و‌ ربما قال ‌من‌ الشعر شيئا فمنه قوله:
 بيض حرائر ‌ما‌ هممن بريبه
 كظباء مكه صيدهن حرام
 يحسبن ‌من‌ لين الكلام فواسقا
 ‌و‌ يصدهن عن الخنا الاسلام
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الروضه: باسناده عن على ‌بن‌ جعفر قال: حدثنى معتب ‌او‌ غيره قال: بعث عبدالله ‌بن‌ الحسن الى ابى عبدالله (عليه السلام) يقول لك: ابومحمد انا اشجع منك، ‌و‌ انا اسخى منك، ‌و‌ انا اعلم منك. فقال: اما الشجاعه فوالله ‌ما‌ كان لك موقف يعرف ‌به‌ جبنك ‌من‌ شجاعتك، ‌و‌ اما السخاء فهو الذى ياخذ الشى ء ‌من‌ جهته فيضعه ‌فى‌ حقه، ‌و‌ اما العلم فقد اعتق ابوك على ‌بن‌ ابى طالب (عليه السلام) الف مملوك فسم لنا خمسه منهم ‌و‌ انت عالم. فعاد اليه الرسول فاعلمه ثم اعاد اليه فقال: يقول: انك رجل صحفى. فقال له ابوعبدالله (عليه السلام): ‌قل‌ له انها ‌و‌ الله صحف ابراهيم ‌و‌ موسى ‌و‌ عيسى ورثتها عن آبائى (عليهم السلام).
 ‌و‌ كان ابوجعفر المنصور يسمى عبدالله ‌بن‌ الحسن اباقحافه تهكما ‌به‌ لان ابنه محمدا ادعى الخلافه، ‌و‌ ابوه عبدالله حى ‌و‌ لم يل الخلافه ‌من‌ ابوه حى قبله سوى ابى بكر ‌بن‌ ابى قحافه ‌و‌ كان ابوالعباس السفاح يكرم عبدالله ‌بن‌ الحسن اكراما تاما، فيحكى ‌ان‌ عبدالله قال له يوما: لم ارمائه الف قط مجتمعه، فقال له ابوالعباس: ستراها الان، ثم امر له بمائه الف درهم، ‌و‌ لم يتعرض له ‌و‌ ‌لا‌ لاحد ‌من‌ اهل بيته بمكروه مده خلافته حتى مضى بسبيله، ‌و‌ قام ‌من‌ بعده اخوه المنصور فقلب للطالبيين ظهر المجن ‌و‌ خاف خروجهم عليه، ‌و‌ قد بلغه ذلك عنهم فحج سنه اربعين ‌و‌ مائه، ‌و‌ رجع على طريق المدينه فقبض على عبدالله ‌بن‌ الحسن ‌و‌ اخيه ابراهيم ‌و‌ سائر اخوته ‌و‌ اولادهم ‌و‌ سيرهم معه ‌فى‌ الحديد الى الكوفه فحبسهم هناك، ثم امر المنصور بقتل عبدالله فقتل، ‌و‌ ‌هو‌ ابن خمس ‌و‌ سبعين سنه ‌و‌ ذلك ‌فى‌ سنه خمس ‌و‌ اربعين ‌و‌ مائه.
 روى خلاد ‌بن‌ عمير قال: دخلت على ابى عبدالله (عليه السلام) فقال: هل لكم علم بال الحسن الذين خرج بهم مما قبلنا؟ ‌و‌ كان قد اتصل بناعنهم خبر فلم نحب ‌ان‌ نبداه به. فقلنا: نرجو ‌ان‌ يعافيهم الله، فقال: ‌و‌ اين ‌هم‌ ‌من‌ العافيه؟ ثم بكى حتى علا صوته ‌و‌ بكينا ثم قال: حدثنى ابى عن فاطمه بنت الحسين (عليه السلام) قالت: سمعت ابى صلوات الله عليه يقول: يقتل منك ‌او‌ يصاب منك نفر بشط الفرات ‌ما‌ سبقهم الاولون ‌و‌ ‌لا‌ يدركهم الاخرون، ‌و‌ انه لم يبق ‌من‌ ولدها غيرهم.
 ذكر المفسرون: ‌ان‌ هذه الايه نزلت يوم الفتح ‌فى‌ شان عثمان ‌بن‌ طلحه ‌بن‌ عبدالدار، سادن الكعبه المعظمه، ‌و‌ ذلك: ‌ان‌ رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) حين دخل مكه يوم الفتح اغلق عثمان الكعبه فطلب رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) المفتاح فقيل: انه مع عثمان، فقيل لعثمان: ‌ان‌ رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) طلب المفتاح فابى ‌و‌ قال: لو علمت انه رسول الله ‌ما‌ منعته، فلوى على ‌بن‌ ابى طالب يده ‌و‌ اخذ منه المفتح ‌و‌ فتح الباب فدخل رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) البيت ‌و‌ صلى ركعتين فلما خرج ساله العباس ‌ان‌ يعطيه المفتاح ‌و‌ يجمع له بين السقايه ‌و‌ السدانه، فانزل الله تعالى: «ان الله يامركم ‌ان‌ تودوا الامانات الى اهلها» فامر رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) عليا (عليه السلام) ‌ان‌ يرد المفتاح على عثمان ‌و‌ يعتذر اليه، ففعل ذلك على (عليه السلام) فقال له عثمان: ‌يا‌ على اكرهت ‌و‌ آذيت ثم جئت ترفق؟ فقال: لقد انزل الله ‌فى‌ شانك قرآنا فقرا عليه هذه الايه، فقال عثمان: اشهد ‌ان‌ ‌لا‌ اله الله ‌و‌ اشهد ‌ان‌ محمدا رسول الله، فهبط جبرئيل ‌و‌ قال للنبى (صلى الله عليه ‌و‌ آله): مادام هذا البيت كان المفتاح ‌و‌ السدانه ‌فى‌ اولاد عثمان فقال (صلى الله عليه ‌و‌ آله): خذوها ‌يا‌ بنى طلحه بامانه الله ‌لا‌ ينزعها منكم الا ظالم، ثم ‌ان‌ عثمان هاجر ‌و‌ دفع المفتاح الى اخيه شيبه ‌و‌ ‌هو‌ الى اليوم ‌فى‌ ايديهم
 ‌و‌ ‌فى‌ تفسير اهل البيت (عليهم السلام): ‌ان‌ الخطاب ‌فى‌ الايه للائمه (عليهم السلام)، امر كل منهم ‌ان‌ يودى للامام الذى بعده ‌و‌ يوصى اليه.
 ‌و‌ على كل تقدير فالعبره بعموم اللفظ، ‌لا‌ بخصوص السبب، فالخطاب عام لكل احد، ‌فى‌ كل امانه.
 ‌و‌ ‌فى‌ تصدير الايه بكلمه التاكيد ‌و‌ اظهار الاسم الجليل ‌و‌ ايراد الامر على صوره الاخبار ‌من‌ الفخامه ‌و‌ تاكيد وجوب الامتثال لمضمونها ‌و‌ الدلاله على الاعتناء بشانها ‌ما‌ ‌لا‌ مزيد عليه.
 ‌و‌ قد عظم الله تعالى امر الامانه ‌فى‌ مواضع ‌من‌ كتابه العزيز فقال: «انا عرضنا الامانه» الايه ‌و‌ قال: «و الذين ‌هم‌ لاماناتهم ‌و‌ عهدهم راعون».
 ‌و‌ قال رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله): «لا ايمان لمن ‌لا‌ امانه له».
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام قال: «ان الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ لم يبعث نبيا الا بصدق الحديث ‌و‌ اداء الامانه».
 ‌و‌ عنه (عليه السلام): «اد الامانه لمن ائتمنك ‌و‌ اراد منك النصيحه ‌و‌ لو الى قاتل الحسين (عليه السلام).
 ‌و‌ عن يونس ‌بن‌ عبدالرحمن قال: سالت موسى ‌بن‌ جعفر (عليهماالسلام) عن قول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «ان الله يامركم ‌ان‌ تودوا الامانات الى اهلها» فقال: هذه مخاطبه لنا خاصه، امر الله كل امام منا ‌ان‌ يودى الى الامام الذى بعده ‌و‌ يوصى اليه، ثم هى جاريه ‌فى‌ سائر الامانات، ‌و‌ لقد حدثنى ابى، عن ابيه: ‌ان‌ على ‌بن‌ الحسين (عليهماالسلام) قال لاصحابه: «عليكم باداء الامانات فلو ‌ان‌ قاتل ابى الحسين ابن على (عليهماالسلام) ائتمننى على السيف الذى قتله ‌به‌ لاديته اليه».
 ‌و‌ الروايات ‌فى‌ هذا المعنى كثيره جدا.
 قوله: «نعم فادفعها اليهما» نعم: للاعلام بانه قد اذن، ‌اى‌ نعم قد اذنت لك فادفعها اليهما.
 نهض ينهض، كمنع يمنع، نهضا ‌و‌ نهوضا: قام، ‌و‌ انهضته للامر- بالالف-: اقمته.
 قوله: «مكانك» اسم فعل منقول ‌من‌ الظرف بمعنى اثبت، ‌و‌ ‌هو‌ مبنى على الفتح لمشابهته مبنى الاصل ‌و‌ ‌هو‌ هنا فعل الامر ‌و‌ ليس ‌هو‌ بظرف منصوب بفعل مقدر تقديره: الزم مكانك كما ذهب اليه الزجاج ‌و‌ جماعه، ‌و‌ ‌لا‌ يستعمل ‌هو‌ ‌و‌ اخواته ‌من‌ اسماء الافعال المنقوله عن الظرف ‌و‌ الجار ‌و‌ المجرور كدونك ‌و‌ عليك الا بكاف الخطاب فلا يقال: مكانه بمعنى ليثبت، ‌و‌ محل الضمير المتصل ‌به‌ قيل: رفع، ‌و‌ قيل: نصب، ‌و‌ قيل: جر ‌و‌ ‌هو‌ الاصح.
 ‌و‌ قال ابن بابشاذ: الكاف: حرف خطاب. ‌لا‌ محل له ‌من‌ الاعراب.
 قوله: «ثم وجه» اى: ارسل اليهما رسولا يقال: وجهه اليه توجيها اى: ارسله.
 قال بعضهم: الظاهر ‌ان‌ مقصوده (عليه السلام) ‌من‌ التوجيه اليهما تعظيم الصحيفه لئلا تحمل اليهما، بل وجه اليهما ليتشرفا ‌و‌ يتبركا بلقائها ‌و‌ استقبالها.
 قلت: بل الظاهر انه انما وجه اليهما ليشترط عليهما عدم الخروج بالصحيفه ‌من‌ المدينه كما يدل عليه تتمه الكلام.
 الميراث: اسم لما يورث، ‌و‌ اصله موراث انقلبت الواو ياء لانكسار ‌ما‌ قبلها.
 ‌و‌ خصه بالشى ء، ‌من‌ باب قعد جعله له دون غيره، ‌و‌ الاصل ‌فى‌ لفظ الخصوص ‌و‌ ‌ما‌ يتفرع منه ‌ان‌ يستعمل بادخال الباء على المقصور عليه اعنى ماله الخاصه فيقال: خص المال بزيد ‌اى‌ المال له دون غيره، لكن الشايع ‌فى‌ الاستعمال ادخالها على المقصور اعنى: الخاصه كما وقع هنا، ‌و‌ مثله قوله تعالى: «يختص برحمته ‌من‌ يشاء» ‌و‌ ‌هو‌ اما بناء على تضمين معنى التمييز ‌و‌ الافراد، ‌او‌ على جعل التخصيص مجازا عن التمييز، مشهورا ‌فى‌ العرف، ‌و‌ الجمله ‌فى‌ محل رفع على انها خبرثان لهذا ‌ان‌ جعل الظرف قبلها حالا، ‌و‌ خبر ثالث ‌ان‌ جعل خبرا ثانيا.

او ‌فى‌ محل نصب على الحال ‌من‌ الميراث، ‌و‌ العامل: معنى الاشاره.
 قوله: «دون اخوته» معنى دون ‌فى‌ الاصل ادنى مكان ‌من‌ شى ء يقال: هذا دون ذلك: ‌اى‌ احط منه قليلا ثم استعير للتفاوت ‌فى‌ الاحوال ‌و‌ الرتب فقيل: زيد دون عمرو اى: ‌فى‌ العلم ‌و‌ الشرف، ثم اتسع فيه فاستعمل ‌فى‌ كل تجاوز ‌حد‌ الى حد، ‌و‌ تخطى حكم الى حكم ‌من‌ غير ملاحظه انحطاط احدهما ‌من‌ الاخر فجرى مجرى اداه الاستثناء، ‌و‌ ‌هو‌ ظرف لغو لتعلقه بخصكما، ‌و‌ المعنى: خصكما ‌به‌ متجاوزا اخوته، ‌و‌ قد يستعمل بمن كقوله تعالى: «و ادعوا شهداءكم ‌من‌ دون الله» اى: ادعوهم متجاوزين الله.
 ‌و‌ الاخوه: جمع اخ ‌و‌ لامه محذوفه ‌و‌ هى واو، ‌و‌ ترد ‌فى‌ التثنيه على الاشهر، فيقال: اخوان، ‌و‌ يجمع على اخوان ايضا.
 ‌و‌ قيل: الاخوه ‌فى‌ النسب، ‌و‌ الاخوان ‌فى‌ الصداقه.
 ‌و‌ ‌هو‌ غلط، بل يقال ‌فى‌ الانسباء ‌و‌ الاصدقاء: اخوه ‌و‌ اخوان، قال تعالى: «انما المومنون اخوه» لم يعن النسب ‌و‌ قال: «و ‌لا‌ يبدين زينتهن الا لبعولتهن» الى قوله: «او اخوانهن» ‌و‌ هذا ‌فى‌ النسب.
 قال الزجاج: اصل الاخ ‌فى‌ اللغه: ‌من‌ التوخى ‌و‌ ‌هو‌ القصد ‌و‌ الطلب، فالاخ نسبيا كان ‌او‌ صديقا مقصده مقصد اخيه، ‌و‌ كسر الهمزه ‌من‌ اخوه ‌و‌ اخوان ‌و‌ ضمها لغتان
 ‌و‌ اخوه يحيى ‌هم‌ الحسين ‌و‌ عيسى ‌و‌ محمد ابناء زيد ‌بن‌ على ‌بن‌ الحسين ‌بن‌ على (عليهم السلام).
 اما الحسين ‌بن‌ زيد: فبكنى اباعبدالله، ‌و‌ يقال له: ذو الدمعه ‌و‌ ذو العبره، لكثره بكائه، قتل ابوه ‌و‌ ‌هو‌ صغير فرباه الصادق (عليه السلام) ‌و‌ علمه، مات سنه خمس ‌و‌ ثلاثين ‌و‌ مائه. ‌و‌ قيل: سنه اربعين.
 ‌و‌ اما عيسى ‌بن‌ زيد: فيكنى ابا يحيى، ‌و‌ امه ‌ام‌ ولد نوبيه اسمها «سكن»، ولد ‌فى‌ المحرم سنه تسع ‌و‌ مائه، ‌و‌ مات بالكوفه ‌و‌ له ستون سنه، ‌و‌ استتر خوفا ‌من‌ بنى العباس نصف عمره، ‌و‌ كان قد قتل اسدا له اشبال فسمى موتم الاشبال، خرج مع ابراهيم ‌بن‌ عبدالله ‌بن‌ الحسن قتيل باخمرى ‌و‌ كان صاحب رايته، ‌و‌ كان ابراهيم قد جعل الامر له ‌من‌ بعده فلم يتم له الخروج، ‌و‌ استتر ايام المنصور ‌و‌ ايام المهدى ‌و‌ بعضا ‌من‌ ايام الهادى، ‌و‌ صلى عليه الحسن ‌بن‌ صالح سرا ‌و‌ دفنه.
 ‌و‌ اما محمد ‌بن‌ زيد: فيكنى اباجعفر، ‌و‌ امه ‌ام‌ ولد سنديه، ‌و‌ ‌هو‌ اصغر ولد ابيه ‌و‌ كان ‌فى‌ غايه الفضل ‌و‌ نهايه النبل، فيحكى ‌ان‌ المنصور عرض عليه جوهر فاخر ‌و‌ ‌هو‌ بمكه فعرفه ‌و‌ قال: هذا جوهر كان لهشام ‌بن‌ عبدالملك ‌و‌ قد بلغنى انه عند ابنه محمد ‌و‌ لم يبق منهم غيره، ثم قال للربيع: اذا كان غد ‌و‌ صليت بالناس ‌فى‌ المسجدالحرام فاغلق الابواب كلها ‌و‌ وكل بها ثقاتك، ثم افتح بابا واحدا وقف عليه ‌و‌ ‌لا‌ يخرج الا ‌من‌ تعرفه، ففعل الربيع ذلك ‌و‌ عرف محمد ‌بن‌ هشام انه المطلوب، فتحير ‌و‌ اقبل محمد ‌بن‌ زيد المذكور فرآه متحيرا ‌و‌ ‌هو‌ ‌لا‌ يعرفه فقال له: ‌يا‌ هذا اراك متحيرا، فمن انت؟ قال: ولى الامان؟ قال: ولك الامان، ‌و‌ انت ‌فى‌ ذمتى حتى اخلصك، قال: انا محمد ‌بن‌ هشام ‌بن‌ عبدالملك، فمن انت؟ قال: انا محمد ‌بن‌ زيد، فقال: عند الله احتسب نفسى اذا، فقال: ‌لا‌ باس عليك، فانك لست بقاتل زيد، ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ قتلك درك بثاره، الان خلاصك اولى ‌من‌ اسلامك، ‌و‌ لكن تعذرنى ‌فى‌ مكروه اتناولك به، ‌و‌ قبيح اخاطبك ‌به‌ يكون فيه خلاصك؟ قال: انت ‌و‌ ذاك، فطرح بردائه على راسه ‌و‌ وجهه ‌و‌ اقبل يجره، فلما اقبل على الربيع لطمه لطمات ‌و‌ قال: ‌يا‌ اباالفضل ‌ان‌ هذا الخبيث جمال ‌من‌ اهل الكوفه اكرانى جماله ذهابا ‌و‌ ايابا ‌و‌ قد هرب منى ‌فى‌ هذا الوقت ‌و‌ اكرى قواد الخراسانيه ولى عليه بذلك بينه، فضم الى حارسين لئلا يفلت منى، فضم اليه حارسين فمضيا معه فلما بعد ‌من‌ المسجد قال له: ‌يا‌ خبيث تودى الى حقى؟ قال: نعم ‌يا‌ ابن رسول الله فقال للحرسين: انطلقا، ثم اطلقه فقبل محمد ‌بن‌ هشام راسه ‌و‌ قال: بابى انت ‌و‌ امى، الله اعلم حيث يجعل رسالته، ثم اخرج له جوهرا له قدر فدفعه اليه ‌و‌ قال: تشرفنى بقبول هذا، فقال: انا اهل بيت ‌لا‌ نقبل على المعروف ثمنا، ‌و‌ قد تركت لك اعظم ‌من‌ هذا، ‌دم‌ زيد ‌بن‌ على، انصرف راشدا ‌و‌ وار شخصك حتى يرجع هذا الرجل فانه مجد ‌فى‌ طلبك.
 فعدت هذه الفعله ‌من‌ مكارم شيمه ‌و‌ عظيم همته.
 قال الشارح عفا الله عنه: ‌و‌ نسبى ينتهى الى محمد، ‌بن‌ زيد المذكور، فانا على، ‌بن‌ احمد، ‌بن‌ محمد معصوم، ‌بن‌ احمد، ‌بن‌ ابراهيم، ‌بن‌ سلام الله، ‌بن‌ مسعود، ‌بن‌ محمد، ‌بن‌ منصور، ‌بن‌ محمد، ‌بن‌ ابراهيم، ‌بن‌ محمد، ‌بن‌ اسحاق، ‌بن‌ على، ‌بن‌ عرب شاه، ‌بن‌ امير انبه ‌بن‌ اميرى، ‌بن‌ حسن، ‌بن‌ حسين، ‌بن‌ على، ‌بن‌ زيد الاعشم، ‌بن‌ على، ‌بن‌ محمد، ‌بن‌ على ابى الحسن نقيب نصيبين، ‌بن‌ جعفر، ‌بن‌ احمد السكين، ‌بن‌ جعفر، ‌بن‌ محمد، ‌بن‌ زيد الشهيد، ‌بن‌ على، ‌بن‌ الحسين، ‌بن‌ على ‌بن‌ ابى طالب اميرالمومنين صلوات الله عليهم اجمعين.
 اولئك آبائى فجئنى بمثلهم
 اذا جمعتنا ‌يا‌ جرير المجامع.
 الشرط: الزام الشى ء ‌و‌ التزامه ‌فى‌ البيع ‌و‌ نحوه، ‌و‌ الجمع شروط، ‌و‌ ‌فى‌ المثل الشرط املك: عليك ‌ام‌ لك، شرط عليه كذا يشترط ‌و‌ يشرط ‌من‌ بابى ضرب ‌و‌ قتل، ‌و‌ اشترط عليه: اذا الزمه، ‌و‌ الشرطه- بالضم- ‌ما‌ اشترطت، يقال: خذ شرطتك.
 ‌و‌ الفاء ‌فى‌ قوله: «فقولك المقبول» للسببيه كقوله تعالى: «فاخرج منها فانك رجيم» فهى داخله على ‌ما‌ ‌هو‌ الشرط ‌فى‌ المعنى كما تقول: اكرم زيدا فانه فاضل، فان عكست ‌و‌ قلت: زيد فاضل فاكرمه، كانت داخله على ‌ما‌ ‌هو‌ الجزاء ‌فى‌ المعنى.
 قوله: «لا تخرجا بهذه الصحيفه» الباء: للتعديه ‌و‌ تسمى باء النقل ايضا، ‌و‌ هى المعاقبه للهمزه ‌فى‌ تصيير الفاعل مفعولا، تقول ‌فى‌ ذهب زيد: ذهبت بزيد، ‌و‌ اذهبته، ‌و‌ منه: «ذهب الله بنورهم» ‌و‌ قرى «اذهب الله نورهم».
 ‌و‌ قال المبرد، ‌و‌ السهيلى: ‌ان‌ بين التعديتين فرقا، ‌و‌ انك اذا قلت: ذهبت بزيد كنت مصاحبا له ‌فى‌ الذهاب. بخلاف اذهبته.
 قال ابن هشام: ‌و‌ ‌هو‌ مردود بالايه.
 ‌و‌ اجيب بانه يجوز ‌ان‌ يكون تعالى وصف نفسه بالذهاب على معنى يليق ‌به‌ كما وصف نفسه بالمجى ء ‌فى‌ قوله: «و جاء ربك» ‌و‌ ‌هو‌ ظاهر البعد.
 ‌و‌ وافق الزمخشرى، المبرد، ‌و‌ السهيلى ‌فى‌ القول بالفرق.
 فقال ‌فى‌ الكشاف: الفرق بين اذهبه ‌و‌ ذهب ‌به‌ ‌ان‌ معنى اذهبه: ازاله ‌و‌ جعله ذاهبا، ‌و‌ يقال: ذهب به: اذا استصحبه ‌و‌ مضى ‌به‌ معه، ‌و‌ ذهب السلطان بماله: اخذه، ‌و‌ منه: ذهبت ‌به‌ الخيلاء، ‌و‌ معنى «ذهب الله بنورهم» اخذ الله نورهم ‌و‌ امسكه ‌و‌ ‌ما‌ يمسكه الله فلا مرسل له، انتهى.
 ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ما‌ فيه ‌من‌ الاشاره الى الجواب عن الايه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ هذا معنى آخر لذهب مع الباء ‌لا‌ محذور ‌فى‌ نسبته الى الله تعالى.
 اذا عرفت ذلك فقوله عليه السلام: «لا تخرجا بهذه الصحيفه» معناه، على قول القائلين بالفرق بين التعديتين: ‌لا‌ تستصحباها ‌و‌ ‌لا‌ تمضيا بها معكما ‌فى‌ الخروج ‌من‌ المدينه.
 ‌و‌ ‌هو‌ الظاهر ‌من‌ سوق الكلام ‌و‌ فحوى المقام، ‌و‌ على القول بعدم الفرق معناه: ‌لا‌ تخرجاها كما وقع ‌فى‌ نسخه ابن ادريس: ‌لا‌ تخرجا هذه الصحيفه
 اى: اخاف سببه عليكما، لان الامر الذى خافه يحيى على الصحيفه هو: ‌ان‌ تقع الى بنى اميه فيكتموها ‌و‌ يدخروها ‌فى‌ خزائنهم لانفسهم كما قاله سابقا، ‌و‌ هذا ‌لا‌ يخافه عليهما ‌و‌ انما يخاف عليهما القتل الذى بسببه خاف يحيى وقوع الصحيفه الى بنى اميه، ‌و‌ المضاف كثيرا ‌ما‌ يحذف ‌من‌ الكلام ‌و‌ يقام المضاف اليه مقامه، ‌و‌ قد وقع ‌فى‌ القرآن المجيد ‌فى‌ غير موضع كقوله تعالى: «لمن كان يرجوا الله» اى: رحمته، «يخافون ربهم» اى: عذابه، بدليل ‌و‌ يرجون رحمته، ‌و‌ يخافون عذابه، ‌و‌ قوله: «فذلكن الذى لمتننى فيه» اى: ‌فى‌ حبه، ‌او‌ ‌فى‌ مراودته.
 قوله: «حين علم» اى: وقت علمه، فالجمله مضاف اليها، ‌و‌ هى ‌فى‌ تاويل المفرد ‌و‌ محلها الجر.
 قال ابوحاتم: ‌و‌ غلط كثير ‌من‌ العلماء فجعلوا (حين) بمعنى: حيث، ‌و‌ الصواب ‌ان‌ يقال: (حيث) بالمثلثه ظرف مكان، ‌و‌ (حين) بالنون: ظرف زمان فيقال: قمت حيث قمت اى: ‌فى‌ الموضع الذى قمت فيه، ‌و‌ اذهب حيث شئت اى: الى ‌اى‌ موضع شئت، ‌و‌ اما (حين) بالنون، فيقال: قمت حين قمت: ‌اى‌ ‌فى‌ ذلك الوقت، ‌و‌ ‌لا‌ يقال: حيث خرج الحاج- بالمثلثه- ‌و‌ ضابطه: ‌ان‌ كل موضع حسن فيه (اين) ‌و‌ (اى) اختص ‌به‌ حيث- بالمثلثه- ‌و‌ ضابطه: كل موضع حسن فيه (اذا) ‌و‌ (لما) ‌و‌ (يوم) ‌و‌ (وقت) اختص ‌به‌ (حين)- بالنون»-.
 قوله: «و انتما فلا تامنا» الفاء: زائده عند ‌من‌ اجاز زيادتها ‌فى‌ الخبر، فاجازها الاخفش مطلقا، ‌و‌ حكى اخوك فوجد.
 ‌و‌ قيد الفراء ‌و‌ الاعلم، ‌و‌ جماعه، جوازها بكون الخبر امرا ‌او‌ نهيا، فالامر كقوله: انت فانظر لاى ذلك تصير، ‌و‌ النهى نحو: زيد فلا تضربه، ‌و‌ مثله عباره المتن: «و انتما فلا تامنا».
 ‌و‌ تاول المانعون (انت فانظر) على ‌ان‌ التقدير: انظر فانظر، فخذف انظر الاول وحده فبرز ضميره.
 فقيل: (انت فانظر) فالفاء للعطف ‌لا‌ زائده، ‌و‌ تاولوا نحو: زيد فلا تضربه بتقدير «اما».
 ‌و‌ يمكن تاويل عباره المتن على حذف المعطوف عليه فيكون التقدير: ‌و‌ انتما خفتما فلا تامنا، بدليل قولهما: انما خاف عليها حين علم انه يقتل، ‌و‌ لك تاويلها بتقدير «اما» ايضا.
 فان قيل: بلزوم التفصيل فيها كما ‌هو‌ مذهب بعضهم، كان تكرارها متروكا استغناء عنه بذكر القسم الاخر فيكون التقدير: اما ‌هو‌ فقتل، ‌و‌ اما انتما فلا تامنا.
 ‌و‌ ‌من‌ انكر لزوم التفصيل لم يحتج الى هذا التقدير.
 قوله: «فو الله انى ‌لا‌ علم» قيل: هذا يدل على ‌ان‌ الامام عليه السلام يجوز له ‌ان‌ يحلف على ‌ما‌ يعلمه ‌من‌ المغيبات ‌و‌ ‌ان‌ لم يعلمه بالحواس الظاهره، ‌و‌ هذا لاينافى ‌ان‌ تكون التكاليف الشرعيه بالنسبه اليهم موقوفه مقصوره على ‌ما‌ يعلمونه بالعلوم الظاهريه ‌لا‌ تتعدى الى معلوماتهم بالعلوم الالهاميه الغيبيه كحال على (عليه السلام) مع ابن ملجم اللعين، ‌و‌ حال الحسين (عليه السلام) ‌فى‌ خروجه الى الكوفه مع علمهما بحقيقه المال، انتهى.
 فتامل. ‌و‌ قد مر ذكر خروجهما ‌و‌ قتلهما كما اخبر ‌به‌ (عليه السلام).
 قوله: «فقاما ‌و‌ هما يقولان: ‌لا‌ حول ‌و‌ ‌لا‌ قوه الا بالله العلى العظيم» ‌و‌ هما يقولان جمله ‌فى‌ محل النصب على الحال اى: فقاما قائلين، ‌و‌ لك ‌فى‌ الاسمين ‌من‌ ‌لا‌ حول ‌و‌ ‌لا‌ قوه خمسه اوجه ‌من‌ الاعراب: فتحهما، ‌و‌ رفعهما، ‌و‌ فتح الاول ‌و‌ نصب الثانى، ‌و‌ فتح الاول ‌و‌ رفع الثانى، ‌و‌ رفع الاول ‌و‌ فتح الثانى.
 ‌و‌ استشكل الاستثناء على الوجه الاول ‌من‌ جهه انه راجع ‌فى‌ المعنى الى الجملتين، ‌و‌ ‌لا‌ يصح لفظا لان الا الواحده ‌لا‌ يستثنى بها ‌من‌ شيئين.
 قال ابن الحاجب: ‌و‌ الاشبه ‌ان‌ يقال: ‌ان‌ الحول ‌و‌ القوه لما كانا بمعنى صح رجوع الاستثناء اليهما لتنزلهما منزله شى ء واحد.
 ‌و‌ قال غيره: ‌هو‌ ‌من‌ باب الحذف مثل: ‌ما‌ قام ‌و‌ قعد الا زيد اى: ‌لا‌ حول الا بالله ‌و‌ ‌لا‌ قوه الا بالله.
 ‌و‌ ‌ما‌ قاله ابن الحاجب ‌هو‌ تفسير بعض اللغويين: ‌ان‌ الحول: ‌هو‌ القوه، ‌و‌ القوه: هى الحول، كلاهما مترادفان.
 ‌و‌ روى ابن بابويه ‌فى‌ كتاب معانى الاخبار: باسناده الى جابر ‌بن‌ يزيد الجعفى عن ابى جعفر (عليه السلام) قال: سالته عن معنى ‌لا‌ حول ‌و‌ ‌لا‌ قوه الا بالله فقال: معناه ‌لا‌ حول لنا عن معصيه الله الا بعون الله، ‌و‌ ‌لا‌ قوه لنا على طاعه الله الا بتوفيق الله
 فالحول على هذا بمعنى التحول، فيكون وجه تقديم الحول على القوه: ‌ان‌ التخليه مقدمه على التحليه، كما اشتهر بين ارباب العرفان، فتخليه النفس ‌و‌ تحويلها ‌من‌ المعاصى الى الطاعات ‌و‌ اعدادها لها مقدمه على تحليتها بالطاعات.
 ‌و‌ الى هذا المعنى اشار بعض المشايخ ‌و‌ قد ساله مريد له، استغفر الله ‌ام‌ اسبحه؟
 فقال: الثوب الوسخ احوج الى الصابون ‌من‌ البخور.
 ‌و‌ ‌فى‌ نهج البلاغه: ‌ان‌ اميرالمومنين (عليه السلام) قال: ‌و‌ قد سئل عن معنى ‌لا‌ حول ‌و‌ ‌لا‌ قوه الا بالله: انا ‌لا‌ نملك مع الله شيئا ‌و‌ ‌لا‌ نملك الا ‌ما‌ ملكنا، فمتى ملكنا ‌ما‌ ‌هو‌ املك ‌به‌ منا كلفنا، ‌و‌ متى اخذه منا وضع تكليفه عنا.
 قال شارحوا كلامه: معنى هذا الكلام انه (عليه السلام) جعل الحول عباره عن الملكيه ‌و‌ التصرف، ‌و‌ جعل القوه عباره عن التكليف كانه يقول: ‌لا‌ تملك ‌و‌ ‌لا‌ تصرف الا بالله، ‌و‌ ‌لا‌ تكليف لامر ‌من‌ الامور الا بالله، فنحن ‌لا‌ نملك مع الله شيئا لانه لو ‌لا‌ اقداره ايانا ‌و‌ خلقه لنا احياء لم نكن مالكين ‌و‌ ‌لا‌ متصرفين، فاذا ملكنا شيئا ‌هو‌ املك ‌به‌ منا ‌اى‌ اقدر عليه منا، صرنا مالكين له كالمال مثلا حقيقه ‌و‌ كالعقل ‌و‌ الجوارح ‌و‌ الاعضاء مجازا، ‌و‌ حينئذ يكون مكلفا لنا امرا يتعلق بما ملكنا اياه نحو ‌ان‌ يكلفنا الزكاه عند تمليكنا المال، ‌و‌ يكلفنا النظر عند تمليكنا العقل، ‌و‌ يكلفنا الجهاد ‌و‌ الصلاه ‌و‌ الحج عند تمليكنا الاعضاء ‌و‌ الجوارح، ‌و‌ متى اخذ منا المال وضع عنا تكليف الزكاه، ‌و‌ متى اخذ العقل سقط تكليف النظر، ‌و‌ متى اخذ الاعضاء ‌و‌ الجوارح سقط تكليف الجهاد ‌و‌ ‌ما‌ يجرى مجراه.
 هذا ‌هو‌ تفسير قوله عليه السلام.
 ‌و‌ ‌فى‌ هذه الكلمه الشريفه تسليم للقضاء ‌و‌ القدر، ‌و‌ اظهار للفقر الى الله تعالى بطلب المعونه منه ‌فى‌ جميع الامور، ‌و‌ ابراز لعجز البشر لسلب القوه ‌و‌ الحركه ‌فى‌ الخيرات ‌و‌ الطاعات عنهم، ‌و‌ اثباتهما للملك العلام توقيرا ‌و‌ تعظيما له، ‌و‌ دلاله على التوحيد الخفى لانه اذا نفى الحيله ‌و‌ الحركه ‌و‌ القوه ‌و‌ الاستطاعه عن غيره سبحانه، ‌و‌ اثبتها له على الحصر الحقيقى ‌و‌ بين انها بايجاده ‌و‌ اعانته ‌و‌ توفيقه لزمه القول بانه لم يخرج شى ء ‌من‌ ملكه ‌و‌ ملكوته ‌و‌ انه ‌لا‌ شريك له تحقيقا لمعنى الحصر.
 قوله: «كيف قال لك يحيى» كيف: اسم مبنى على الفتح لتضمنه معنى حرف الشرط، ‌او‌ الاستفهام فترد شرطا: نحو كيف تصنع اصنع، ‌و‌ استفهاما: ‌و‌ ‌هو‌ الغالب اما حقيقيا نحو: كيف زيد؟ ‌او‌ غيره نحو: كيف تكفرون بالله؟ فانه اخرج مخرج التعجب، فان جاء بعدها ‌ما‌ ‌لا‌ يستغنى ‌به‌ نحو كيف زيد؟ فهى ‌فى‌ محل رفع على انها خبر المبتدا فتقول ‌فى‌ جوابها: صحيح ‌او‌ سقيم، ‌و‌ ‌فى‌ البدل منه اصحيح ‌ام‌ سقيم، فان دخلت على نواسخ الابتداء فكيف ‌فى‌ محل النصب جزءا ثانيا لمطلوبى ذلك الناسخ نحو: كيف اصبحت؟ ‌و‌ كيف ظننت زيدا؟
 ‌و‌ ‌ان‌ جاء بعدها قول يستغنى ‌به‌ نحو كيف يقوم زيد؟ فهى منصوبه المحل على الحال، فجوابها ‌و‌ البدل منها منصوبان، تقول ‌فى‌ الجواب: متكئا على آخر ‌او‌ معتمدا عليه، ‌و‌ ‌فى‌ البدل: كيف يقوم زيد امتكئا ‌ام‌ معتمدا؟.
 اذا عرفت ذلك، فكيف ‌فى‌ عباره المتن ‌فى‌ محل النصب على الحال لان الواقع بعدها قول يستغنى به، ‌و‌ صاحب الحال يحيى، ‌و‌ العامل فيها قال، اى: على ‌اى‌ حاله قال لك يحيى ذلك، معبرا بهذه العباره ‌ام‌ بغيرها، فكان الجواب: نعم قال ذلك، ‌اى‌ بهذه العباره.
 قوله: «يرحم الله يحيى» تعريض بخطائه ‌و‌ جنايته ‌فى‌ هذا القول، ‌و‌ الاصل اخطا، ‌و‌ بئس ‌ما‌ قال، لكنه عدل الى الترحم عليه تحفيا ‌به‌ ‌و‌ تحننا عليه.
 قال صاحب الكشف: ‌ان‌ الدعاء قد يستعمل للتعريض بالاستقصار كقوله عليه الصلاه ‌و‌ السلام: «يرحم الله اخى لوطا لقد كان ياوى الى ركن شديد».
 ‌و‌ قال صاحب الكشاف: ‌فى‌ قوله تعالى: «عفى الله عنك لم اذنت لهم» كنايه عن الجنايه لان العفو رادف لها ‌و‌ معناه: اخطات ‌و‌ بئس ‌ما‌ فعلت، ‌و‌ تعقبه بعضهم فقال: لقد اخطاو اساء الادب ‌و‌ بئس ‌ما‌ قال ‌و‌ كتب: هب انه كنايه اليس ايثارها على التصريح بالجنايه للتلطف ‌فى‌ الخطاب ‌و‌ التخفيف للعتاب؟ وهب ‌ان‌ العفو مستلزم للخطا فهل ‌هو‌ مستلزم لكونه ‌من‌ القبح ‌و‌ استتباع اللائمه بحيث يصحح هذه المرتبه ‌من‌ المشافهه بالسوء ‌او‌ يسوغ انشاء الاستقباح بكلمه بئس ‌ما‌ المنبئه عن بلوغ القبح الى رتبه يتعجب منها، انتهى.
 ‌و‌ اجاب عنه بعضهم بانه اراد ‌ان‌ الاصل ذلك، ‌و‌ ابدل بالعفو تعظيما لشانه (صلى الله عليه ‌و‌ آله) ‌و‌ تنبيها على لطف مكانه ‌و‌ لذلك قدم العفو على ‌ما‌ يوجب الجنايه ‌و‌ ليس تفسيره.
 هذا بناء على ‌ان‌ العدول الى عفا الله ‌لا‌ للتعظيم حتى يخطا، ‌و‌ اما المستعمل لمجرد التعظيم فهو اذا كان دعاء ‌لا‌ خبرا على ‌ان‌ الدعاء قد يستعمل للتعريض كقوله (عليه السلام): «يرحم الله اخى لوطا» الحديث.
 ‌و‌ تحقيقه انه ‌لا‌ يخلو ‌من‌ حفاوه بشان المخاطب ‌او‌ الغائب حسب اختلاف الصيغه، ‌و‌ اما التعظيم ‌و‌ التعريض فقد ‌و‌ قد انتهى.
 ‌و‌ وجه خطا يحيى ‌ان‌ ظاهر قوله: «دعوا الناس الى الحياه ‌و‌ دعوناهم الى الموت» يفهم عنه رغبتهما عن الجهاد ‌و‌ القيام بالامر بالمعروف ‌و‌ النهى عن المنكر ‌و‌ تثبط الناس عن ذلك حبا للحياه ‌و‌ تفاديا عن الموت، ‌و‌ هذا معنى ‌لا‌ يليق بشانهما (عليهماالسلام)، ‌و‌ القول ‌به‌ خطا محض ‌و‌ جهل صريح ‌لا‌ ‌شك‌ ‌فى‌ هلاك القائل ‌به‌ معتقدا له، الا ‌ان‌ تداركه الرحمه فيرجع عنه قبل موته كما ‌هو‌ الظن بيحيى، بل انما دعوا الناس الى الحياه بسبب آخر لم يعلمه يحيى ‌و‌ لو علمه ‌ما‌ عبر بتلك العباره، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ بينه (عليه السلام) بقوله: «ان ابى حدثنى» الى آخر الحديث.
 قوله: «اخذته نعسه» التاء: للوحده كالضربه، ‌و‌ النعاس: اول النوم، ثم الوسن: ‌و‌ ‌هو‌ ثقل النعاس، ثم الترنيق: ‌و‌ ‌هو‌ مخالطه النعاس العين، ثم الكرى ‌و‌ الغمض: ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يكون الانسان بين النائم ‌و‌ اليقضان، ثم التغفيق بالغين المعجمه ‌و‌ بعدها فاء ‌و‌ هو: النوم ‌و‌ انت تسمع كلام القوم، ثم الهجوع ‌و‌ الهجود ‌و‌ هو: النوم الغرق، ثم النشيج ‌و‌ هو: اشد النوم.
 قال الازهرى: حقيقه النعاس: الوسن ‌من‌ غير نوم.
 ‌و‌ على هذا فقوله (عليه السلام): فراى ‌فى‌ منامه ‌من‌ اطلاق الشى ء على ‌ما‌ يقاربه.
 قوله: «و ‌هو‌ على منبره» المنبر: مفعل ‌من‌ نبر الشى ء اذا رفعه، سمى بذلك لارتفاعه، ‌و‌ كسرت ميمه على التشبيه باسم الاله.
 قوله: «ينزون» ‌اى‌ يثبون، يقال: نزا الفحل نزوا، ‌من‌ باب قتل، ‌و‌ نزوانا بالتحريك: اذا وثب، ‌و‌ الاسم: النزاء، مثل: كتاب ‌و‌ غراب.
 قوله: «نزو القرده» الاصل: نزوا مثل نزو القرده، فحذف الموصوف ‌و‌ ‌هو‌ نزوا ثم المضاف ‌و‌ ‌هو‌ مثل ‌و‌ اقيم المضاف اليه مقامه ‌و‌ ‌هو‌ مفعول مطلق مبين لنوع عامله،
 ‌و‌ القرده: كعنبه جمع قرد بالكسر ‌و‌ السكون: ‌و‌ ‌هو‌ حيوان خبيث معروف.
 ‌و‌ لما كانت الصوره ‌فى‌ عالم الملكوت تابعه للمعنى ‌و‌ الصفه، لاجرم يرى المعنى الحسن كالملك ‌فى‌ صوره حسنه جميله، ‌و‌ يرى المعنى القبيح كالشيطان ‌فى‌ صوره قبيحه، ‌و‌ تكون تلك الصوره عنوان المعانى، ‌و‌ لذلك يدل القرد ‌و‌ الخنزير ‌فى‌ المنام على انسان خبيث الباطن، ‌و‌ تدل الشاه على انسان سليم الجانب، ‌و‌ هكذا جميع ابواب التعبير ‌و‌ التاويل.
 قوله: «يردون الناس على اعقابهم القهقرى» اى: يرجعونهم الى الكفر ‌من‌ قولهم: رجع فلان على عقبه اى: على طريق عقبه ‌و‌ هى التى كانت خلفه ‌و‌ جاء منها.
 ‌و‌ العقب بكسر القاف: موخر القدم، ‌و‌ هى مونثه ‌و‌ تسكن للتخفيف، ‌و‌ الجمع: اعقاب.
 ‌و‌ القهقرى: مفعول مطلق، ‌و‌ الاصل: يردونهم ‌رد‌ القهقرى، فحذف المصدر ‌و‌ انيب عنه لفظ دال على نوع منه، لان القهقرى نوع ‌من‌ الرجوع ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يمشى الى خلف ‌من‌ غير ‌ان‌ يعيد وجهه الى جهه مشيه.
 ‌و‌ فيه تنبيه على ‌ان‌ ردهم عن الاسلام بنحو خاص، ‌و‌ ‌هو‌ اخراجهم منه مع ادعائهم له ‌و‌ عدم صرف وجوههم عنه بالمره.
 قوله: «فاستوى جالسا» اى: استفر، ‌و‌ جالسا: حال مبنيه لهيئه الفاعل، ‌و‌ الجلوس غير القعود، فان الجلوس: ‌هو‌ الانتقال ‌من‌ سفل الى علو، ‌و‌ القعود بعكسه.
 فعلى الاول: يقال لمن ‌هو‌ نائم ‌او‌ ساجد: اجلس.
 ‌و‌ على الثانى: يقال لمن ‌هو‌ قائم: اقعد.
 ‌و‌ قال الفارابى ‌و‌ جماعه: الجلوس نقيض القيام فهو اعم ‌من‌ القعود، ‌و‌ قد يستعملان بمعنى الكون ‌و‌ الحصول فيكونان بمعنى واحد، ‌و‌ منه يقال: جلس متربعا ‌و‌ قعد متربعا اى: حصل ‌و‌ تمكن.
 قوله: «و الحزن يعرف ‌فى‌ وجهه» الجمله ‌فى‌ محل نصب على الحال ‌من‌ الضمير ‌فى‌ قوله: فاستوى.
 ‌و‌ الحزن بالضم ‌و‌ السكون، ‌و‌ الحزن- محركه-: الهم، حزن ‌هو‌ ‌من‌ باب تعب، ‌و‌ قريش تعديه بالحركه فتقول: حزنه الامر ‌من‌ باب قتل، ‌و‌ تميم تعديه بالهمزه فتقول: احزنه، ‌و‌ عرفه الحكماء: بانفعال النفس عن توارد المكروهات ‌او‌ تخيلها.
 قالوا: ‌و‌ هذا الانفعال كيفيه تتبعها حركه الروح الى الداخل قليلا قليلا هربا مما ذكر، ‌و‌ فرقوا بينه ‌و‌ بين الهم، فقالوا: الهم ‌ما‌ تتبعه حركه الروح الى الداخل ‌و‌ الخارج لحدوث امر يتصور فيه خير متوقع ‌و‌ ‌شر‌ منتظر، فهو مركب ‌من‌ رجاء ‌و‌ خوف، فايهما غلب على الفكر تركن الروح الى جهته، فللخير المتوقع الى الخارج ‌و‌ للشر المنتظر الى الداخل، فلذلك قيل: انه جهاد فكرى.
 ‌و‌ قيل: الحزن اسفك على ‌ما‌ فات، ‌و‌ يرادفه الغم ‌و‌ الهم على ‌ما‌ لم يات، ‌و‌ يرادفه الخوف.
 فائده
 ‌فى‌ حقيقه النوم ‌و‌ الرويا
 اعلم: ‌ان‌ الروح الحيوانى ‌و‌ ‌هو‌ الجوهر البخارى اللطيف الحاصل ‌من‌ لطيف الاغذيه المنتشر ‌فى‌ الاعضاء ‌و‌ العروق، ‌و‌ بسببه يحصل للاعضاء قوه الحس ‌و‌ الحركه، ‌و‌ ‌هو‌ مركب الروح الانسانى اذا انتشر ‌فى‌ جميع اعضاء البدن باطنه ‌و‌ ظاهره حصل الحس ‌و‌ الحركه ‌و‌ هذا ‌هو‌ اليقضه، ‌و‌ ‌ان‌ بقى ‌فى‌ الباطن ‌و‌ لم يتصل الى الظاهر تعطلت الحواس الظاهره ‌و‌ هذا ‌هو‌ النوم. ‌و‌ بقاوه ‌فى‌ الباطن يكون لاسباب: منها: طلب الاستراحه عن كثره الحركه.
 ‌و‌ منها: تحلله بسبب الافعال الكثيره الصادره ‌من‌ الحواس فتشتغل الطبيعه بنضج الغذاء ليستمد الروح ‌من‌ لطيفه.
 ‌و‌ منها: انسداد المجارى، فان الانسان اذا شرب الشراب مثلا تصاعدت ابخرته ‌من‌ المعده الى الدماغ ‌و‌ نزلت الى الاعصاب فامتلات المجارى ‌و‌ انسدت فلا يقدر الروح على النفوذ كما ينبغى، ‌و‌ ربما كان اكل الطعام موجبا للنوم لهذا السبب، فاذا بقى الروح ‌فى‌ الباطن ‌و‌ ركدت الحواس بقيت النفس فارغه ‌من‌ شغل الحواس لانها ‌لا‌ تزال مشغوله بالتفكر فيما تورده الحواس عليها فاذا وجدت فرصه الفراغ ‌و‌ ارتفعت عنها الموانع، اتصلت بالجواهر الروحانيه الشريفه ‌من‌ عالم الملكوت التى فيها نقوش جميع الموجودات كليه ‌و‌ جزئيه ‌ما‌ كان ‌و‌ ‌ما‌ يكون ‌و‌ ‌ما‌ ‌هو‌ كائن ‌و‌ هى المسماه بالكتاب المبين، ‌و‌ ‌ام‌ الكتاب، ‌و‌ اللوح المحفوظ، فانتقشت بحسب استعدادها بما فيها ‌من‌ صور الاشياء ‌لا‌ سيما ‌ما‌ ناسب اغراضها ‌و‌ كان مهما لها، ففس بمنزله مراه ينطبع فيها كل ‌ما‌ قابلها ‌من‌ مرآه اخرى عند حصول الاسباب ‌و‌ ارتفاع الحجاب بينهما. ‌و‌ الحجاب هنا: اشتغال النفس بما تورده الحواس، فاذا ارتفع ظهر فيها ‌من‌ تلك المرائى ‌ما‌ يناسبها ‌و‌ يحاذيها.
 فهذا ‌هو‌ سبب الرويا الصادقه ‌و‌ هى اما صريحه، فتستغنى عن التاويل، ‌و‌ هى التى لم تتصرف فيها المتخيله الحاكيه للاشياء بتمثيلها.
 ‌و‌ اما خفيه: ‌و‌ هى ‌ما‌ حكته المتخيله بصوره مناسبه له، فان النفس اذا انتقش فيها معنى ركبت المتخيله صوره لذلك المعنى تناسبه فترسلها الى الحس المشترك فتصير مشاهده، ‌و‌ هذه الرويا هى المفتقره الى التاويل، ‌و‌ نظر المعبر ‌فى‌ الاستدلال بتلك الصوره على ذلك المعنى، ‌و‌ كثيرا ‌ما‌ تحكى المتخيله عن تلك الصوره حكايه اخرى ‌و‌ تنقلها الى صور كثيره حتى يعجز المعبر عن ادراك تلك الانتقالات ‌و‌ سببه استيلاء قوه التخيل ‌و‌ تعودها للتركيبات التى ‌لا‌ اصل لها، ‌و‌ لهذا ‌لا‌ يعتمد على رويا الكذوب ‌و‌ الشاعر، لان مخيلتهما اعتادت تخيل الصور التى ‌لا‌ وجود لها ‌و‌ اختراعها. ‌و‌ قد تكون للرويا اسباب اخر:
 احدها: ‌ان‌ الصور المحفوظه ‌فى‌ خزانه الخيال تظهر وقت النوم ‌فى‌ لوح الحس المشترك لفراغه حينئذ، لانه وقت اليقظه مشغول بالصور التى توديها اليه الحواس.
 الثانى: ‌ان‌ القوه المفكره ربما ركبت صورا حال اليقظه اما بسبب اشتياقها الى شى ء، ‌او‌ لغمها لفوات شى ء، ‌او‌ توقع مكروه، فتظهر تلك الصور ‌فى‌ حاله النوم ‌فى‌ الحس المشترك.
 الثالث: ‌ان‌ مزاج روح القوه المتخيله اذا تغير تخيل افعالا بحسب ذلك التغير مثلا اذا استولت عليه الحراره فانه يرى النيران، ‌و‌ اذا استولت البروده راى الثلج، ‌و‌ اذا استولت الرطوبه راى الامطار ‌و‌ نحوها، ‌و‌ اذا استولت اليبوسه راى كانه يطير ‌فى‌ الهواء، ‌و‌ اذا استولى عليه البخار السوداوى راى الظلمه.
 ‌و‌ كل رويا يكون سببها احد هذه الاشياء فهى اضغاث الاحلام التى ‌لا‌ يلتفت اليها ‌و‌ الله اعلم.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5
اسناد الصحیفه السجادیه- 1
الدعاء 1- 3
الدعاء 3- 1
الدعاء 31- 2
الدعاء 48- 2
الدعاء 6- 2

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 45- 1

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^