فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 32- 1

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ ‌به‌ نستعين


 الحمد لله غافر الذنب لمن اعترف له بذنبه، قابل التوب ممن تاب اليه قبل الحسره على التفريط ‌فى‌ جنبه، والصلاه والسلام على نبيه الذى ارسله رحمه للعالمين، كرما منه ‌و‌ جودا، المنزل عليه «و ‌من‌ الليل فتهجد ‌به‌ نافله لك عسى ‌ان‌ يبعثك ربك مقاما محمودا» ‌و‌ على آله الذين جعلهم « بصائر للناس ‌و‌ هدى ‌و‌ رحمه لقوم يوقنون»، والذين «كانوا قليلا ‌من‌ الليل ‌ما‌ يهجعون ‌و‌ بالاسحارهم يستغفرون».


 ‌و‌ بعد: فهذه الروضه الثانيه ‌و‌ الثلاثون ‌من‌ رياض السالكين، تتضمن شرح الدعاء الثانى ‌و‌ الثلاثين، ‌من‌ صحيفه سيدالعابدين، صلى الله عليه ‌و‌ آبائه ‌و‌ ابنائه الطاهرين، املاء راجى فضل ربه السنى، على ‌بن‌ احمد الحسينى الحسنى، كان الله تعالى لهما وليا، ‌و‌ جعل لهما لسان صدق عليا.
 
صلاه الليل: تطلق ‌فى‌ الاحاديث تاره على الركعات الثمانى، ‌و‌ اخرى على الاحدى عشره باضافه الشفع ‌و‌ الوتر، ‌و‌ اخرى على الثلاث عشره باضافه ركعتى الفجر. ‌و‌ على هذا فيحتمل قراءه الدعاء بعد الثمانى، ‌و‌ بعد الاحدى عشره، ‌و‌ بعد الثلاث عشره. فلو نذر قراءته، ‌او‌ قراءه غيره بعد صلاه الليل، برئت ذمته بعد كل منها ‌ما‌ لم يقصد معينا.
 ‌و‌ قد اورده شيخنا البهائى- رحمه الله- بعد ركعتى الفجر ‌فى‌ المفتاح، تبعا لشيخ الطائفه ‌فى‌ المصباح، فقال: ‌و‌ ينبغى ‌ان‌ تدعو بعد فراغك ‌من‌ صلاه الليل، اعنى الثلاث عشره ركعه، بما كان يدعو ‌به‌ سيد العابدين عليه السلام، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ ادعيه الصحيفه، ‌و‌ اورد الدعاء.
 ‌و‌ ذكره الكفعمى بعد صلاه الوتر.
 
و قد اجمع علماونا- رضوان الله- عليهم على ‌ان‌ اول وقت صلاه الليل انتصاف الليل، ‌و‌ انها كلما قربت ‌من‌ الفجر الثانى كانت افضل. فان طلع الفجر، ‌و‌ قد تلبس باربع منها اتمها مخففه بالحمد اداء. ‌و‌ المشهور تجويز تقديمها على الانتصاف لذى العذر، ‌و‌ قضاوها افضل ‌من‌ تقديمها.
 ‌و‌ اعترف بذنبه اعترافا: اقربه، ‌و‌ قد تقدم الكلام على توجيه اعتراف المعصومين عليهم السلام بالذنوب مستوفى، فليرجع اليه.
 
«الميم»: ‌فى‌ «اللهم» عوض ‌من‌ «يا» ‌و‌ لذلك ‌لا‌ يجتمعان الا شاذا، قياسا ‌و‌ استعمالا، كانهم لما ارادوا ‌ان‌ يكون نداوه تعالى متميزا عن نداء عباده باسمائهم حذفوا حرف النداء، ‌و‌ عوضوا منه الميم، ‌و‌ شددت لانها عوض ‌من‌ حرفين، ‌و‌ قد مر الكلام عليها مستوفى.
 «و ذا الملك»: صاحبه. لكن ذو تقتضى تعظيم ‌ما‌ اضيفت اليه ‌و‌ الموصوف بها، بخلاف صاحب فيهما.
 قال الخليل رحمه الله: وزن ذو «فعل» بالسكون.
 ‌و‌ الصحيح: ‌ان‌ وزنه «فعل» بفتح الفاء ‌و‌ العين، بدليل مونثه ‌و‌ ‌هو‌ ذات، ‌و‌ اصلها ذوات، كنواه لقولهم ‌فى‌ مثناها ذواتا، فحذفت العين ‌فى‌ ذات لكثره الاستعمال، ‌و‌ لو كانت ساكنه العين لكانت «ذيه» كطيه. ‌و‌ اللام محذوفه ‌فى‌ جميع متصرفات «ذو» الا ‌فى‌ ذوات ‌و‌ ذواتا، ‌و‌ لامه ياء، لان عينه واو، بدليل ذواتا
 
و ذوات، ‌و‌ باب طويت اكثر ‌من‌ باب القوه، ‌و‌ الحمل على الاغلب اولى.
 ‌و‌ الملك:- بالضم- يطلق على الولايه العامه على الخلق- ‌و‌ يعبر عنه بالسلطنه- ‌و‌ على المملكه. ‌و‌ مملكته تعالى عباره عن الموجودات كلها، ‌و‌ ‌هو‌ صاحبها ‌و‌ مالكها.
 قال الغزالى: الموجودات كلها مملكه واحده له تعالى، ‌و‌ ‌هو‌ صاحبها ‌و‌ مالكها. ‌و‌ انما كانت الموجودات كلها مملكه واحده، لانها مرتبطه بعضها ببعض، فانها ‌و‌ ‌ان‌ كانت كثيره ‌من‌ وجه فلها وحده. ‌و‌ مثالها بدن الانسان، فانه مملكه لحقيقه الانسان، ‌و‌ هى اعضاء كثيره مختلفه، ‌و‌ لكنها كالمتعاونه على تحقيق غرض مدبر واحد. فكذلك العالم كله كشخص واحد، ‌و‌ اجزاء العالم كاعضائه، ‌و‌ هى متعاونه على مقصود واحد، ‌و‌ ‌هو‌ اتمام غايه الخير الممكن وجوده على ‌ما‌ اقتضاه الجود الالهى، ‌و‌ لاجل انتظامها على ترتيب منسق، ‌و‌ ارتباطها رابطه واحده كانت مملكه واحده، ‌و‌ الله تعالى صاحبها ‌و‌ مالكها. انتهى.
 ‌و‌ المتابد: اسم فاعل ‌من‌ تابد الشى ء تابدا: بقى على الابد، ‌و‌ ‌هو‌ استمرار الوجود ‌فى‌ ازمنه مقدره، غير متناهيه ‌فى‌ المستقبل. ‌و‌ ‌فى‌ روايه «المتابد»- بفتح الباء- كانه اسم مفعول ‌من‌ تابده تابدا، بمعنى ابده تابيدا.
 قال الفارابى: ‌من‌ وجوه باب تفعل ‌ما‌ يكون داخلا على التفعيل، كالتقسم بمعنى التقسيم، ‌و‌ التقطع بمعنى التقطيع، قال الله تعالى «فتقطعوا امرهم بينهم».
 ‌و‌ ‌فى‌ الصحاح: تقسمهم الدهر فتقسموا: ‌اى‌ فرقهم فتفرقوا، ‌و‌ التقسيم التفريق. انتهى.
 ‌و‌ ‌ما‌ وقع ‌فى‌ بعض الحواشى ‌من‌ انه بالفتح، اسم مكان، ‌اى‌ موضع الابد ‌و‌ الابديه ، ‌و‌ موضوع الدوام ‌و‌ السرمديه، فلا يخفى ‌ما‌ فيه.
 ‌و‌ الخلود: دوام البقاء. يقال: خلد الشى ء خلودا- ‌من‌ باب قعد-.
 
قال الزمخشرى: الخلد: الثبات الدائم، ‌و‌ البقاء اللازم الذى ‌لا‌ ينقطع. قال الله تعالى: «و ‌ما‌ جعلنا لبشر ‌من‌ قبلك الخلد، افان مت فهم الخالدون» انتهى.
 ‌و‌ هذا المعنى ‌هو‌ المراد هنا. ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌فى‌ الاصل الثبات المديد دام ‌او‌ لم يدم، ‌و‌ قد تقدم الكلام على ذلك مستوفى.
 ‌و‌ الباء للملابسه، ‌اى‌ ملتبسا بالخلود، ‌و‌ تسمى باء الحال، فتكون ظرفا مستقرا، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ تكون متعلقه بالمتابد، فتكون ظرفا لغوا.
 قال صاحب اللباب: ‌لا‌ مانع عندى ‌من‌ جعل الباء لغوا ‌فى‌ نحو: اشتريت الفرس بسرجه، فتعلق الباء فيه ب«اشتريت»، كما ‌فى‌ كتبت بالقلم، فان وجوه التعلق مختلفه. انتهى.
 فان قلت: ‌ما‌ المراد بالملك المتابد بالخلود؟ امعنى السلطنه ‌ام‌ معنى المملكه؟
 قلت: كل ‌من‌ المعنيين محتمل. فان حملناه على معنى السلطنه، فوجه اتصافها بالخلود ‌ان‌ سلطنته تعالى بعلمه ‌و‌ قدرته على الممكنات عند اصحاب العصمه عليهم السلام سواء اوجد الممكنات ‌ام‌ لا، فهى لم تزل ‌و‌ ‌لا‌ تزال. ‌و‌ ‌ان‌ حملناه على معنى المملكه، فخلودها باعتبار انه تعالى لما لم يكن زمانا ‌و‌ ‌لا‌ زمانيا ، ‌و‌ ‌لا‌ مكانا ‌و‌ ‌لا‌ مكانيا، ‌و‌ ‌لا‌ امتداد فيه، كانت نسبته الى ملكه- ‌و‌ ‌هو‌ الموجودات العينيه قبل انشائها، ‌و‌ حال انشائها، ‌و‌ بعد فنائها- نسبه واحده، ‌لا‌ تقدم ‌و‌ ‌لا‌ تاخر فيها، بل كلها حاضره عنده، ‌لا‌ باعتبار انها كانت ‌فى‌ الازل، ‌او‌ تكون معه فيما ‌لا‌ يزال، لبطلان ذلك، بل باعتبار انه ‌لا‌ يجرى فيه زمان ‌و‌ احكامه، ‌و‌ ‌ان‌ نسبته الى الازل ‌و‌ الابد ‌و‌ الوسط واحده. فالعقل الصحيح اذا تجرد عن شبهات الاوهام، ‌و‌ لواحق الزمان، ‌و‌ ‌لا‌ حظ انه ‌لا‌ امتداد ‌فى‌ قدس وجود الحق يحكم حكما جازما بانه تعالى ‌لا‌ يخلو ‌من‌ الملك قبل انشائه ‌و‌ بعد فنائه. هكذا قرره بعض المحققين ‌من‌ اصحابنا المتاخرين، ‌فى‌
 
بيان قول اميرالمومنين صلوات الله عليه ‌فى‌ خطبته الطالوتيه «و ‌لا‌ كان خلوا عن الملك قبل انشائه، ‌و‌ ‌لا‌ يكون خلوا منه بعد ذهابه».
 ‌و‌ لبعض ارباب العرفان ‌من‌ اصحابنا تقرير آخر ‌فى‌ بيان ذلك، فانه قال: بيان ذلك ‌و‌ تحقيقه: ‌ان‌ المخلوقات- ‌و‌ ‌ان‌ لم تكن موجوده ‌فى‌ الازل لانفسها، ‌و‌ بقياس بعضها الى بعض على ‌ان‌ يكون الازل ظرفا لوجوداتها كذلك، الا انها- موجوده ‌فى‌ الازل لله سبحانه، وجودا جمعيا وحدانيا غير متغير، بمعنى ‌ان‌ وجوداتها اللايزاليه الحادثه ثابته لله سبحانه ‌فى‌ الازل كذلك. ‌و‌ هذا كما ‌ان‌ الموجودات الذهنيه موجوده ‌فى‌ الخارج اذا قيدت بقيامها بالذهن، ‌و‌ اذا اطلقت ‌من‌ هذا القيد فلا وجود لها الا ‌فى‌ الذهن. فالازل يسع القديم ‌و‌ الحادث، ‌و‌ الازمنه، ‌و‌ ‌ما‌ فيها ‌و‌ ‌ما‌ خرج عنها، ‌و‌ ليس الازل كالزمان ‌و‌ اجزائه محصورا مضيقا، يغيب بعضه عن بعض، ‌و‌ يتقدم جزء ‌و‌ يتاخر آخر، فان الحصر ‌و‌ الضيق ‌و‌ الغيبه ‌من‌ خواص الزمان ‌و‌ المكان، ‌و‌ ‌ما‌ يتعلق بهما.
 ‌و‌ الازل: عباره عن اللازمان السابق على الزمان سبقا غير زمانى، ‌و‌ ليس بين الله سبحانه ‌و‌ بين العالم بعد مقدر، لانه ‌ان‌ كان موجودا يكون ‌من‌ العالم، ‌و‌ الا لم يكن شيئا. ‌و‌ ‌لا‌ ينسب احدهما الى الاخر ‌من‌ حيث الزمان بقبليه ‌و‌ ‌لا‌ بعديه ‌و‌ ‌لا‌ معيه، لانتفاء الزمان عن الحق، ‌و‌ عن ابتداء العالم. فسقط السئوال بمتى عن العالم، كما ‌هو‌ ساقط عن وجود الحق، لان متى سئوال عن الزمان، ‌و‌ ‌لا‌ زمان قبل العالم. فليس الا وجود بحث خالص ليس ‌من‌ العدم- ‌و‌ ‌هو‌ وجود الحق-، ‌و‌ وجود ‌من‌ العدم،- ‌و‌ ‌هو‌ وجود العالم-، فالعالم حادث ‌فى‌ غير زمان.
 ‌و‌ انما يتعسر فهم ذلك على الاكثرين، لتوهمهم الازل جزءا ‌من‌ الزمان بتقدم سائر الاجزاء، ‌و‌ ‌ان‌ لم يسموه بالزمان، فانهم اثبتوا له معناه، ‌و‌ توهموا ‌ان‌ الله سبحانه
 
فيه، ‌و‌ ‌لا‌ موجود فيه سواه، ثم اخذ يوجد الاشياء شيئا فشيئا ‌فى‌ اجزاء اخر منه.
 ‌و‌ هذا توهم باطل، ‌و‌ امر محال، فان الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ليس ‌فى‌ زمان، ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ مكان، بل ‌هو‌ محيط بهما، ‌و‌ بما فيهما، ‌و‌ ‌ما‌ معهما، ‌و‌ ‌ما‌ تقدمهما. قال: ‌و‌ تحقيق المقام يقتضى بسطا ‌من‌ الكلام ‌لا‌ تسعه العقول المشوبه بالاوهام، ‌و‌ نحن نشير الى لمعه منه لمن كان ‌من‌ اهله، فنقول:
 ليعلم ‌ان‌ نسبه ذاته سبحانه الى مخلوقاته تمتنع ‌ان‌ تختلف بالمعيه ‌و‌ اللامعيه، ‌و‌ الا فتكون بالفعل مع بعض، ‌و‌ بالقوه مع آخرين، فتتركب ذاته سبحانه ‌من‌ جهتى فعل ‌و‌ قوه، ‌و‌ تتغير صفاته حسب تغير المتجددات المتعاقبات، تعالى عن ذلك. بل نسبه ذاته التى هى فعليه صرفه، ‌و‌ غناء محض ‌من‌ حيث الوجوه الى الجميع- ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌من‌ الحوادث الزمانيه- نسبه واحده، ‌و‌ معيه قيوميه ثابته، غير زمانيه، ‌و‌ ‌لا‌ متغيره اصلا، ‌و‌ الكل بغنائه بقدر استعداداتها مستغنيات، كل ‌فى‌ وقته ‌و‌ محله، ‌و‌ على حسب طاقته، ‌و‌ انما فقرها ‌و‌ فقدها ‌و‌ نقصها بالقياس الى ذواتها، ‌و‌ قوابل ذواتها، ‌و‌ ليس هناك امكان ‌و‌ قوه البته. فالمكان ‌و‌ المكانيات باسرها بالنسبه الى الله سبحانه كنقطه واحده ‌فى‌ معيه الوجود «و السموات مطويات بيمينه»، ‌و‌ الزمان ‌و‌ الزمانيات بازالها ‌و‌ آبادها كان واحد عنده ‌فى‌ ذلك، جف القلم بما ‌هو‌ كائن، ‌ما‌ ‌من‌ نسمه كائنه الا هى كائنه، ‌و‌ الموجودات كلها، شهادياتها ‌و‌ غيبياتها، كموجود واحد ‌فى‌ الفيضان عنه، «ما خلقكم ‌و‌ ‌لا‌ بعثكم الا كنفس واحده».
 ‌و‌ انما التقدم ‌و‌ التاخر، ‌و‌ التجدد ‌و‌ التصرم، ‌و‌ الحضور ‌و‌ الغيبه، ‌فى‌ هذه كلها بقياس بعضها الى بعض، ‌و‌ ‌فى‌ مدارك المحبوسين ‌فى‌ مطموره الزمان، المسجونين ‌فى‌ سجن المكان ‌و‌ ‌لا‌ غير، ‌و‌ ‌ان‌ كان هذا مما تستغر ‌به‌ الاوهام، ‌و‌ يشمئز منه قاصر الافهام.
 
و اما قوله تعالى: «كل يوم ‌هو‌ ‌فى‌ شان» فهو كما قاله بعض اهل العلم: انها شوون يبديها، ‌لا‌ شوون يبتديها. ‌و‌ لعل ‌من‌ لم يفهم بعض هذه المعانى يضطرب فيصول، ‌و‌ يرجع فيقول: كيف يكون وجود الحادث ‌فى‌ الازل؟ ‌ام‌ كيف يكون المتغير ‌فى‌ نفسه ثابتا عند ربه؟ ‌ام‌ كيف يكون الامر المتكثر المتفرق وحدانيا جمعيا؟، ‌ام‌ كيف يكون الامر الممتد- اعنى الزمان- واقعا ‌فى‌ غير الممتد- اعنى اللازمان- مع التقابل الظاهر بين هذه الامور؟
 فلنمثل له بمثال حسى يكسر سوره استبعاده، فان مثل هذا المعترض لم يتجاوز بعد درجه الحس ‌و‌ المحسوس، فلياخذ شيئا ممتدا كحبل ‌او‌ خشب مختلف الاجزاء ‌فى‌ اللون، ثم ليمرره ‌فى‌ محاذاه نمله ‌او‌ نحوها مما تضيق حدقته عن الاحاطه بجميع ذلك الامتداد، فان تلك الالوان المختلفه متعاقبه ‌فى‌ الحضور لديها، تظهر لها شيئا فشيئا، واحدا بعد آخر، لضيق نظرها، ‌و‌ متساويه ‌فى‌ الحضور لديه، يراها كلها دفعه، لقوه احاطه نظره، وسعه حدقته «و فوق كل ذى علم عليم». انتهى كلامه.
 ‌و‌ وقع ‌فى‌ بعض النسخ «المتابد» بالنصب على انه نعت للمضاف، قال بعضهم: ‌و‌ على هذا فينبغى ‌ان‌ يكون قوله: «الممتنع» بالنصب، ‌و‌ ليس بلازم، بل جره على انه صفه للسلطان المجرور بالعطف، على الملك المجرور بالاضافه.
 
و السلطان: كالملك يطلق على الولايه، ‌و‌ على المملكه.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: السلطان: قدره الملك.
 ‌و‌ الممتنع: القوى ‌فى‌ نفسه. ‌من‌ امتنع اذا منع نفسه ‌و‌ حمى جانبه.
 ‌و‌ الجنود: جمع جند، ‌و‌ ‌هو‌ العسكر ‌و‌ الانصار.
 ‌و‌ الاعوان: جمع عون- بالفتح- ‌و‌ ‌هو‌ الظهير ‌و‌ المعين على الامر.
 
و ‌فى‌ محكم اللغه: الظهير الواحد ‌و‌ المثنى ‌و‌ الجمع ‌و‌ المونث فيه سواء، ‌و‌ قد حكى ‌فى‌ تكسيره: اعوان.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس: هولاء عونك، ‌و‌ اعوانك، ‌و‌ هذه عونك.
 «و لا» ‌من‌ قوله: «و ‌لا‌ اعوان» لدفع توهم المعيه، ‌و‌ يسمونها زائده.
 قال ابن هشام: ‌و‌ ليست بزائده البته، الا ترى انه اذا قيل: ‌ما‌ جاءنى زيد ‌و‌ عمرو، احتمل ‌ان‌ يكون المراد نفى مجيى ء كل منهما على كل حال، ‌و‌ ‌ان‌ يراد نفى اجتماعهما ‌فى‌ وقت المجيى ء. فاذا جيى ء ب«لا» صار الكلام نصا ‌فى‌ المعنى الاول.
 ‌و‌ وصف سلطانه تعالى بالامتناع بلا جنود ‌و‌ ‌لا‌ اعوان، تنزيه له عن الاستعانه بالغير، اذ كان ذلك ‌من‌ لوازم الضعف ‌و‌ العجز ‌و‌ النقصان. ‌و‌ انما يحتاج الى الجنود ‌و‌ الاعوان ذو العجز ‌و‌ النقصان، ‌فى‌ ملكه الذى ‌لا‌ يستطيع ‌ان‌ يمتنع بنفسه، دون الاستعانه بغيره. ‌و‌ ‌هو‌ سبحانه المنزه عن الضعف ‌و‌ العجز، ‌و‌ الغنى المطلق ‌فى‌ كل شى ء، عن كل شى ء، ‌و‌ الغرض تنزيهه تعالى عن صفات المخلوقين، ‌و‌ خواص المحدثين.
 
و العز: خلاف الذل ‌و‌ الغلبه ‌و‌ الرفعه ‌و‌ الامتناع. ‌و‌ رجل عزيز: منيع ‌لا‌ يغلب ‌و‌ ‌لا‌ يقهر.
 ‌و‌ بقى الشى ء- ‌من‌ باب رضى- بقاء- بالمد-: فهو باق لم ينفد، ‌و‌ لم يغن.
 ‌و‌ «على» بمعنى مع نحو: «و ‌ان‌ ربك لذو مغفره للناس على ظلمهم» اى: مع ظلمهم.
 ‌و‌ مر يمر مرورا: ذهب ‌اى‌ الباقى مع ذهاب الدهور ‌و‌ انقضائها، ‌و‌ هى جمع دهر،
 
بمعنى الزمان الطويل. ‌و‌ جمعه باعتبار اجزائه التى كل واحد منها زمان.
 قال الفارسى: الدهر: زمان ‌من‌ ليل ‌و‌ نهار، ‌و‌ ليس بينهما فرق، الا ‌ان‌ ‌فى‌ الدهر ازمنه كثيره.
 ‌و‌ قال ابن السيد: الدهر مده الاشياء الساكنه، ‌و‌ الزمن مده الاشياء المتحركه .
 ‌و‌ يقال: الزمن مده الاشياء المحسوسه، ‌و‌ الدهر مده الاشياء المعقوله.
 ‌و‌ خوالى الاعوام: مواضيها، جمع خاليه، ‌من‌ خلى بمعنى مضى. ‌و‌ منه قوله تعالى: «بما اسلفتم ‌فى‌ الايام الخاليه»، ‌و‌ اضافتها الى الاعوام ‌من‌ اضافه الصفه الى الموصوف.
 ‌و‌ الاعوام: السنون، جمع عام. ‌و‌ فرق بعضهم بين العام ‌و‌ السنه، ‌و‌ قد تقدم ذكره.
 ‌و‌ الازمان: جمع زمن، كسبب ‌و‌ اسباب، ‌و‌ ‌هو‌ اسم لقليل الوقت ‌و‌ كثيره، كالزمان.
 ‌و‌ قال الحكماء: ‌هو‌ مقدار حركه الفلك الاعظم. ‌و‌ ‌هو‌ ينقسم الى الاعوام ‌و‌ الشهور ‌و‌ الاسابيع ‌و‌ الايام ‌و‌ الساعات ‌و‌ الدقائق.
 ‌و‌ الايام: جمع يوم، اصله: ايوام، كعون ‌و‌ اعوان، قلبت الواو ياء، ‌و‌ ادغمت فيها الياء. ‌و‌ ‌هو‌ جزء ‌من‌ الزمان، اوله طلوع الفجر الثانى الى غروب الشمس.
 ‌و‌ بقاء عزه تعالى: عباره عن بقاء قدرته ‌و‌ غلبته على الممكنات، ‌و‌ ذلك عين ذاته سبحانه، فاستحال ‌ان‌ يسبقه عدم، ‌او‌ يلحقه انقطاع، بل ‌هو‌ باق ازلا ‌و‌ ابدا، ‌و‌ ‌ان‌ مرت الدهور ‌و‌ الاعوام، ‌و‌ مضت الازمان ‌و‌ الايام، اذ ‌لا‌ غايه له ‌من‌ الزمان ينتهى اليها ‌و‌ ‌لا‌ مده مضروبه منه يقف عليها، كما يكون للزمانيات ‌من‌ زمانها، لان الدهور
 
و الازمان، ‌و‌ الاعوان ‌و‌ الايام ‌من‌ جمله مخلوقاته. ‌و‌ وجوده تعالى ‌و‌ ‌ان‌ كان مساوقا لوجود الزمان، بمعنى انه معه ‌فى‌ الوجود، اذ كان تعالى ‌هو‌ موجده ‌و‌ خالقه، الا ‌ان‌ مساوقه الزمان ‌لا‌ تقتضى الكون ‌فى‌ الزمان كالعالم فانه مع الخردله، ‌و‌ ليس ‌فى‌ الخردله. ‌و‌ اذا كان تعالى ليس ‌فى‌ الزمان، لم تكن له غايه منه يقف عندها، فثبت انه تعالى باق دائم على مر الدهور ‌و‌ الازمان.
 ‌و‌ لما كان البقاء لغه اعم ‌من‌ الدوام، الذى ‌هو‌ استمرار الوجود بلا انقطاع، قيد عليه السلام الباقى بقوله: «على مر الدهور» الى آخره نصا على ‌ان‌ المراد بالباقى ‌فى‌ صفته تعالى ‌هو‌ بمعنى الدائم، ‌و‌ لذلك قال بعضهم: وصفه تعالى بالباقى معناه انه الذى ‌لا‌ ينتهى تقدير وجوده ‌فى‌ الاستقبال الى آخر. انتهى.
 ‌و‌ تضمن مع ذلك الاشاره الى تنزيهه تعالى عما يلحق الزمانيات ‌من‌ التغير ‌و‌ البلى، كما قال جده سيد الاوصياء عليه السلام: ‌لا‌ تبليه الليالى ‌و‌ الايام، ‌و‌ ‌لا‌ يغيره الضياء ‌و‌ الظلام، ‌و‌ ذلك لانه تعالى ليس بزمانى يدخل تحت تصريف الزمان حتى يبليه ‌او‌ يغيره، بخلاف غيره ‌من‌ الممكنات الزمانيه، التى مر الدهور ‌و‌ الازمان ‌من‌ الاسباب المعده لتغيرها ‌و‌ بلاها، كما قال الشاعر:
 ‌ان‌ الجديدين اذا ‌ما‌ استوليا
 على جديد ادنياه للبلى
 ‌و‌ قال الاخر:
 افنى الشباب الذى ابليت جدته
 ‌كر‌ الجديدين ‌من‌ آت ‌و‌ منطلق
 ‌و‌ قال الاخر:
 
من عاش اخلقت الايام جدته
 ‌و‌ خانه ثقتاه السمع ‌و‌ البصر
 ‌و‌ نسبه ذلك الى الزمان، ‌و‌ اسناده اليه انما ‌هو‌ جرى على ‌ما‌ ‌فى‌ اوهام العرب، ‌و‌ ‌ان‌ كان الفاعل ‌هو‌ الله تعالى ‌و‌ انما للزمان الاعداد.
 ‌و‌ قد ينسبون ذلك الى الشمس، كما قال:
 منع البقاء تقلب الشمس
 ‌و‌ طلوعها ‌من‌ حيث ‌لا‌ تمسى
 ‌و‌ قد ينسب الى القمرين كما وقع ‌فى‌ خطبه لاميرالمومنين عليه السلام «و الشمس ‌و‌ القمر دائبان، يبليان كل جديد، ‌و‌ يقربان كل بعيد».
 ‌و‌ ذلك لكون حركاتهما ‌من‌ الاسباب المعده لحدوث الحوادث ‌فى‌ هذا العالم ‌و‌ تغيراته، ‌و‌ الله اعلم.
 
 تبصره
 
 قال جدنا العلامه استاذ البشر السيد غياث الدين منصور- قدس الله سره- ‌فى‌ تذكرته: الواجب بالذات ممتنع العدم دائما، لانه واجب الوجود دائما. ‌و‌ كل واجب الوجود دائما ممتنع العدم دائما، لان كل ‌ما‌ كان واجب الوجود لذاته ‌فى‌ وقت فهو واجب الوجود ‌فى‌ جميع الاوقات ازلا ‌و‌ ابدا مادام الذات، لان الواجب بالذات ‌ما‌ يكون مجرد ذاته كافيا ‌فى‌ كونه واجب الوجود، ‌و‌ كل ‌ما‌ كان مجرد ذاته كافيا ‌فى‌ كونه واجبا وجب وجوده ‌فى‌ كل وقت، اذ لو وجد ‌فى‌ وقت دون وقت آخر لزم الترجيح بلا مرجح، ‌او‌ الوقوع بسبب. انتهى.
 
العز: الرفعه ‌و‌ الغلبه ‌و‌ الامتناع.
 
و الحد: مصدر ‌حد‌ الشى ء حدا، اذا ميزه بغايه ينتهى اليها.
 ‌و‌ المراد بالاوليه ‌و‌ الاخريه: الابتداء ‌و‌ الانتهاء، فان ياء النسبه اذا لحقت آخر الاسم، ‌و‌ بعدها تاء التانيث افادت معنى المصدر، نحو الانسانيه.
 الباء: للملابسه ‌فى‌ الموضعين، اى: لاحد له ملتبسا باوليه، ‌و‌ ‌لا‌ منتهى له ملتبسا باخريه.
 ‌و‌ المعنى: انه ‌لا‌ اول له، ‌هو‌ مبداه، ‌و‌ ‌لا‌ آخر له يقف عنده، ‌و‌ ينتهى اليه، بل ‌هو‌ دائم سرمدى، لانه ممتنع العدم دائما كما عرفت. ‌و‌ كل ‌ما‌ امتنع عدمه كان سرمديا ضروره، ‌اى‌ ‌لا‌ اول له ‌و‌ ‌لا‌ آخر.
 ‌و‌ ‌عز‌ سلطانه- ‌جل‌ شانه- عباره عن تمام قدرته الباهره، ‌و‌ كمال غلبته القاهره، ‌و‌ ذلك عين ذاته المقدسه، ‌و‌ لذلك وصفه بالسرمديه.
 
و استعلى الشى ء علا، ‌اى‌ ارتفع. فالاستفعال هنا بمعنى الفعل.
 ‌و‌ علوا: مصدر جار على غير الفعل، فهو نائب عن «استعلاء»، نحو: «و الله انبتكم ‌من‌ الارض نباتا» ‌و‌ «تبتل اليه تبتيلا».
 ‌و‌ استعلاء ملكه تعالى: عباره عن عظمته، باعتبار كمال اقتداره، ‌و‌ تمام استيلائه على مخلوقاته.
 ‌و‌ لما كانت ذاته المقدسه هى مبدء كل موجود حسى ‌و‌ عقلى، ‌و‌ علته التامه المطلقه التى ‌لا‌ يتصور فيها نقصان بوجه، ‌و‌ كان اعلى مراتب الكمال العقلى ‌هو‌ مرتبه العليه كان المراد بعلوه تعالى العلو العقلى المطلق، بمعنى انه ‌لا‌ رتبه فوق رتبته. فكانت مرتبه ملكه ‌و‌ اقتداره، الذى ‌هو‌ عين ذاته المقدسه، اعلى المراتب العقليه مطلقا، ‌و‌ لها الفوق المطلق ‌فى‌ الوجود العارى عن الاضافه الى شى ء، ‌و‌ عن امكان ‌ان‌
 
يكون ‌فى‌ مرتبته ‌او‌ فوقها شى ء، ‌و‌ ذلك معنى استعلاء ملكه علوا سقطت الاشياء دون بلوغ امده، لتفرده ‌فى‌ العلو المطلق، وفواته لكل شى ء غيره ‌ان‌ يلحقه فيه. فهو ‌فى‌ اوج الكمال الاعلى ‌و‌ كل شى ء سواه ‌فى‌ حضيض النقصان الذاتى، بذل الحاجه ‌و‌ خضوع الافتقار.
 ‌و‌ سقط الشى ء سقوطا- ‌من‌ باب قعد-: وقع ‌من‌ اعلى الى اسفل.
 ‌و‌ «دون»: نقيض فوق، ‌و‌ ‌هو‌ تقصير عن الغايه. ‌و‌ قد سبق الكلام عليه مستوفى.
 ‌و‌ الامد: الغايه. ‌و‌ سقوط الاشياء دون بلوغ امده، اى: قبل الوصول الى غايه علو ملكه، عباره عن عجزها ‌و‌ قصورها عن ادراك مالقدرته ‌من‌ التمام ‌و‌ الكمال الذى ‌لا‌ نهايه له، حتى لو ارتفعت لتدرك منقطع علو قدرته لسقطت دونه، ‌و‌ وقعت قبل الوصول اليه. ‌و‌ هذا ‌من‌ باب نفى الشى ء بنفى لازمه، اى: ‌لا‌ امد له ‌و‌ ‌لا‌ منقطع، فلا بلوغ ‌و‌ ‌لا‌ ادراك، كقوله: «و ‌لا‌ ترى الضب بها ينجحر» اى: ‌لا‌ ضب ‌و‌ ‌لا‌ انجحار. ‌و‌ قد مر نظير ذلك ‌فى‌ الروضه الاولى، ‌و‌ بسطنا الكلام على بيانه هناك، فليرجع اليه.
 
قوله عليه السلام «و ‌لا‌ يبلغ ادنى ‌ما‌ استاثرت ‌به‌ ‌من‌ ذلك اقصى نعت الناعتين» ادنى: افعل تفضيل ‌من‌ دنى يدنو دنوا، بمعنى: قرب.
 ‌و‌ استاثر بالشى ء استبد به، ‌و‌ خص ‌به‌ نفسه.
 ‌و‌ الاقصى: الابعد.
 ‌و‌ نعته نعتا- ‌من‌ باب نفع-: وصفه.
 قال ‌فى‌ محكم اللغه: نعته: وصفه، ‌و‌ رجل ناعت: واصف، ‌من‌ قوم نعاه، قال: انعتها انى ‌من‌ نعاتها. ‌و‌ النعت: ‌ما‌ نعت به، ‌و‌ الجمع نعوت، ‌لا‌ يكسر على غير ذلك.
 
و ‌فى‌ النهايه لابن الاثير: النعت وصف الشى ء بما ‌هو‌ فيه ‌من‌ حسن. ‌و‌ ‌لا‌ يقال: ‌فى‌ القبيح الا ‌ان‌ يتكلف متكلف فيقول: نعت سوء، ‌و‌ الوصف يقال: ‌فى‌ الحسن ‌و‌ القبيح. انتهى.
 ‌و‌ الاشاره بذلك الى ‌عز‌ سلطانه، ‌و‌ علو ملكه- ‌جل‌ شانه- ‌و‌ ‌ما‌ فيه ‌من‌ معنى البعد، مع قرب العهد بالمشار اليه، للايذان ببعده ‌فى‌ مراتب العلو، ‌و‌ كونه ‌فى‌ الغايه القصوى ‌من‌ العظمه ‌و‌ الجلال، تنزيلا لبعد درجته، ‌و‌ رفعه محله منزله بعد المسافه.
 ‌و‌ المعنى: ‌ان‌ غايه نعت جميع الناعتين- لان الجمع المحلى باللام يفيد الاستغراق- ‌لا‌ تدرك ادنى ‌ما‌ خص ‌به‌ نفسه تعالى ‌من‌ ‌عز‌ السلطان، ‌و‌ علو الملك، لان الناعتين ‌ان‌ بالغوا ‌فى‌ النعت، ‌و‌ انتهوا ‌به‌ الى اقصى غاياته، لم ينعتوه بما ‌هو‌ نعته، ‌و‌ لم يصفوه بما ‌هو‌ حقه، ‌و‌ لم ينالوا حقيقه وصفه على الوجه اللائق به، لان لسان النعت ‌و‌ التعبير انما يخبر عما ‌فى‌ الضمير، ‌و‌ كل ‌ما‌ ‌هو‌ ‌فى‌ الضمير مخلوق مثله، كما ‌دل‌ عليه قول الباقر عليه السلام «كل ‌ما‌ ميزتموه باوهامكم ‌فى‌ ادق معانيه مصنوع مثلكم، مردود اليكم».
 فان قلت: قوله عليه السلام «ادنى ‌ما‌ استاثرت ‌به‌ ‌من‌ ذلك» يقتضى ‌ان‌ ‌عز‌ سلطانه، ‌و‌ علو ملكه، ينقسم الى ادنى ‌و‌ اعلى، فيلزم ‌ان‌ يتطرق اليه الزياده ‌و‌ النقصان، ‌و‌ ‌لا‌ شى ء ‌من‌ كمال الواجب الاول سبحانه كذلك، لتنزهه عن النقصان ‌و‌ التفاوت بوجه ما.
 قلت: ‌هو‌ اما على حذف مضاف، ‌اى‌ ادنى نعت ‌ما‌ استاثرت به، ‌و‌ اما على ‌ان‌ الدنو ‌و‌ العلو ‌و‌ التفضيل فيهما انما ‌هو‌ بالاضافه الى نظر الناظرين، ‌و‌ معقولهم بحسب متعلقات القدره ‌و‌ آثارها، ‌و‌ الا فعز السلطان، ‌و‌ علو الملك، اللذان هما عباره عن تمام الاقتدار، ‌و‌ كمال القدره ‌لا‌ تفاوت فيه راسا، ‌و‌ على ذلك جرى قوله تعالى:
 
«و ‌هو‌ الذى يبدوا الخلق ثم يعيده ‌و‌ ‌هو‌ اهون عليه»، ‌اى‌ بالاضافه الى نظركم ‌و‌ قياسكم ‌من‌ ‌ان‌ الاعاده اهون ‌من‌ الابداء، ‌و‌ الا فهما عليه سواء، ‌لا‌ تفاوت ‌فى‌ قدرته القاهره عليهما حتى يقع التفضيل على حده. ‌و‌ مثله قوله تعالى: «لخلق السموات ‌و‌ الارض اكبر ‌من‌ خلق الناس» ‌اى‌ بالاضافه الى عقول البشر، ‌و‌ اذعانها بانها خلق عظيم، ‌لا‌ يقادر قدره، ‌و‌ خلق الناس بالقياس اليه شى ء قليل مهين، ‌و‌ الا فالخلقان عند قدرته ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ على ‌حد‌ سواء.
 اذا عرفت ذلك، فالمراد ب«ادنى ‌ما‌ استاثرت ‌به‌ ‌من‌ ذلك» قدرته المتعلقه بادنى مقدوراته عند بديهه العقل، كالبعوضه مثلا، فان ‌فى‌ خلقها ‌من‌ العجائب ‌و‌ الغرائب ‌و‌ الاعجاز ‌ما‌ تقصر عن معرفه الطريق اليه ارباب الالباب، ‌و‌ تتحير ‌فى‌ كيفيته حكمه الحكماء، ‌و‌ تتناهى دون علم ذلك عقول العقلاء، ‌و‌ ترجع خاسئه حسيره، معترفه بالعجز عن الاطلاع على كنه صنعه ‌فى‌ انشائها، مقره بالقصور عن نعت حقيقه ايجادها ‌و‌ تكوينها. ‌و‌ الى هذا المعنى يشير قول اميرالمومنين عليه السلام، ‌فى‌ خطبه له: «سبحانك ‌ما‌ اعظم ‌ما‌ نرى ‌من‌ خلقك، ‌و‌ ‌ما‌ اصغر عظيمه ‌فى‌ جنب قدرتك، ‌و‌ ‌ما‌ اهول ‌ما‌ نرى ‌من‌ ملكوتك، ‌و‌ ‌ما‌ احقر ذلك فيما غاب عنا ‌من‌ سلطانك.
 ‌اى‌ بالقياس الى ‌ما‌ تعتبره العقول ‌من‌ مقدوراته تعالى، ‌و‌ ‌ما‌ يمكن ‌فى‌ كمال قدرته ‌من‌ الممكنات الغير المتناهيه. ‌و‌ الله اعلم.
 
ضل الرجل يضل- ‌من‌ باب ضرب- ضلالا ‌و‌ ضلاله: عدل عن الطريق، فلم يهتد اليه. ‌و‌ الضلال ‌فى‌ الدين: العدول عن الحق. ‌و‌ لم يعطف الجمله على ‌ما‌ قبلها لما بينهما ‌من‌ كمال الاتصال لكونها موكده للاولى، ‌و‌ يحتمل الاستيناف البيانى.
 ‌و‌ تفسخت الفاره ‌فى‌ الماء: تقطعت. ‌و‌ تفسخ الفصيل تحت الحمل الثقيل:
 
ضعف ‌و‌ عجز.
 ‌و‌ المعنى: ‌ان‌ الصفات لم تهتد الى طريق ‌ما‌ يجب له، ‌و‌ يليق بشانه تعالى، ‌من‌ مراتب الكمال، لان ذلك موقوف على تعقلها كما هى، ‌و‌ ‌هو‌ بعيد عن مدارك العقل الواهى.
 ‌و‌ كذلك النعوت تقطعت ‌او‌ ضعفت ‌و‌ عجزت قبل الوصول الى ‌ما‌ يستحقه- ‌جل‌ شانه- ‌من‌ المدح ‌و‌ الثناء. فهى ‌و‌ ‌ان‌ بولغ فيها بالتعظيم ‌و‌ التكريم، كان له- ‌عز‌ شانه- وراء ذلك اطوار ‌من‌ استحقاق المدحه ‌و‌ الثناء تقف دونها بمراحل، كما قال سيد المرسلين عليه الصلاه ‌و‌ السلام:
 ‌لا‌ احصى ثناء عليك، انت كما اثنيت على نفسك.
 ‌و‌ حار ‌فى‌ امره يحار حيره- ‌من‌ باب تعب-: لم يدر وجه الصواب.
 ‌و‌ الكبرياء: الشرف ‌و‌ العظمه، ‌و‌ التجبر كالكبر، ‌و‌ صاحبها متكبر. ‌و‌ هى صفه مدح لله تعالى، ‌و‌ ذم لغيره. ‌و‌ ذلك ‌ان‌ حقيقه الكبر هيئه نفسانيه، تنشا ‌من‌ تصور الانسان ‌فى‌ نفسه امرين احدهما: كونه اكمل ‌من‌ غيره، ‌و‌ الثانى: كونه اعلى رتبه ممن سواه.
 ‌و‌ لما كان هذان الاعتباران انما يصدقان حقيقه على الله سبحانه، لعلمه بكمال ذاته المقدسه، ‌و‌ شرفه ‌و‌ علوه على مخلوقاته كان الكبر ‌و‌ الكبرياء له صفه مدح، ‌و‌ لغيره صفه ذم. ‌و‌ لذلك ورد ‌فى‌ الحديث عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: يقول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «الكبرياء ردائى، ‌و‌ العظمه ازارى، فمن نازعنى واحدا منهما القيته ‌فى‌ جهنم».
 ‌و‌ الاوهام: جمع وهم. ‌و‌ ‌هو‌ قوه جسمانيه، محلها آخر التجويف الاوسط ‌من‌ الدماغ، ‌من‌ شانها ادراك المعانى الجزئيه المتعلقه بالمحسوسات، كشجاعه زيد،
 
و سخاوه عمرو. ‌و‌ هذه القوه هى التى تحكم ‌فى‌ الشاه بان الذئب مهروب عنه، ‌و‌ ‌ان‌ الولد معطوف عليه. ‌و‌ هى قوه حاكمه على القوى الجسمانيه كلها، مستخدمه اياها استخدام العقل القوى العقليه باسرها.
 ‌و‌ اضافه اللطائف الى الاوهام، اما ‌من‌ باب اضافه النوع الى الجنس مثل: اكابر الناس، ‌اى‌ ‌ما‌ لطف ‌و‌ دق ‌من‌ الاوهام، ‌او‌ ‌من‌ باب اضافه الفعل الى الفاعل، ‌اى‌ ‌ما‌ لطف ‌و‌ دق ‌من‌ ملاحظه الاوهام ‌و‌ مداركها. ‌و‌ على كل تقدير، فالغرض تنزيه ساحه كبريائه تعالى عن مدارك الاوهام، اذ كانت الاوهام انما تتعلق بالمعانى الجزئيه، المتعلقه بالمحسوسات ذات الصور ‌و‌ الاحياز ‌و‌ المحال الجسمانيه. فالوهم ‌و‌ ‌ان‌ تلطف ‌فى‌ ارسال طرفه الى قبله وجوب الوجود، ‌و‌ تعمق ‌فى‌ تقليب حدقته نحو حرم ذى الكبرياء ‌و‌ الجود، فلن يرجع الا حيرانا خاسئا حسيرا، اذ كان غايته ‌ان‌ يرجع بمعنى جزئى يتعلق بمحسوس ‌لا‌ بدله ‌فى‌ ادراكه ‌من‌ بعث المتخيله على تشبيحه بمثال ‌من‌ الصور الجسمانيه ليثبته، حتى ‌ان‌ الوهم انما يدرك نفسه ‌فى‌ مثال ‌من‌ صوره ‌و‌ حجم ‌و‌ مقدار. فانى له ادراك ‌ما‌ ليس داخل العالم ‌و‌ ‌لا‌ خارجه، ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ جهه، ‌و‌ ليس بجسم، ‌و‌ ‌لا‌ عرض ‌و‌ ‌هو‌ ‌لا‌ يثبت موجودا بهذه الصفه، ‌و‌ ‌لا‌ يتصوره بل ينكره، لان ‌من‌ شانه انكار ‌ما‌ ‌لا‌ يتصوره، ‌و‌ ‌من‌ هنا كان اكثر الناس يرى ربه ‌فى‌ جهه ‌و‌ يشير اليه، متحيزا ذا مقدار ‌و‌ صوره، ‌و‌ لذلك وردت الكتب الالهيه، ‌و‌ النواميس الشرعيه مشحونه بصفات التجسم كالعين ‌و‌ اليد ‌و‌ الاصبع. ‌و‌ الاستواء على العرش ‌و‌ نحو ذلك خطابا للخلق بما تدركه اوهامهم، ‌و‌ توطينا لهم، ‌و‌ ايناسا، حتى ‌ان‌ الشارع لو اخذ ‌فى‌ مبدء الامر، يبين لهم ‌ان‌ الصانع ليس بجسم ‌و‌ ‌لا‌ عرض، ‌و‌ ‌لا‌ ‌هو‌ ‌فى‌ مكان ‌و‌ ‌لا‌ زمان الى غير ذلك ‌من‌ صفاته ‌جل‌ شانه لاشتد نفار اكثرهم عن قبوله، ‌و‌ عظم انكارهم له، لما علمت ‌من‌ ‌ان‌ الوهم ‌فى‌ طبيعته ‌لا‌ يثبت هذا القسم ‌من‌ الموجودات بل ينكره.
 ‌و‌ الخطابات الشرعيه ‌و‌ ‌ان‌ وردت بصفات التجسيم، الا ‌ان‌ الالفاظ الموهمه
 
لذلك لما كانت قابله للتاويل محتمله له، كانت وافيه بالمقاصد، اذ العامى المغمور ‌فى‌ ظلمات الجهل يحمله على ظاهره، ‌و‌ يحصل بذلك تقيده عن تشتت اعتقاده، ‌و‌ ذو البصيره المترقى عن تلك الدرجه يحمله على ‌ما‌ يحتمله عقله ‌من‌ التاويل، ‌و‌ كذلك حال ‌من‌ ‌هو‌ اعلى منه، ‌و‌ الناس ‌فى‌ ذلك على مراتب، فكان ايرادها حسنا ‌و‌ حكمه.
 قال بعض اصحابنا المحققين: ‌و‌ يمكن ‌ان‌ يراد بالاوهام النفس ‌و‌ قواها، لان النفس ‌فى‌ معرفه الصانع- ‌جل‌ شانه- كالوهم، ‌فى‌ ‌ان‌ ‌ما‌ احاطت ‌به‌ ليس ‌هو‌ الصانع سبحانه.
 ‌و‌ يمكن ‌ان‌ يقال: ‌ان‌ التنزيه عن ادراك الاوهام يستلزم التنزيه عن ادراك سائر القوى الباطنه، لان الوهم اعم ادراكا منها، لانه يدرك كل ‌ما‌ يدركه غيره ‌من‌ القوى الباطنه ‌من‌ غير عكس.
 ‌و‌ الاولى: ‌ان‌ يكون المراد بالوهم الادراك المتعلق بالقوه العقليه المتعلقه بالمعقولات، ‌و‌ القوه الوهميه المتعلقه بالمحسوسات جميعا، ‌و‌ قد شاع ذلك ‌فى‌ الاستعمال، ‌و‌ ‌دل‌ عليه مضامين الاخبار دون الاخير فقط، ‌و‌ قد اوضحنا ذلك ‌فى‌ الروضه الاولى، فليرجع اليه.
 
قوله عليه السلام «كذلك انت الاول ‌فى‌ اوليتك» الى آخره كلام مستانف للثناء عليه سبحانه بثبوت ‌ما‌ ذكر ‌من‌ الممادج له ‌جل‌ شانه، ازلا ‌و‌ ابدا، لان صفه القديم ‌لا‌ تكون الا قديمه، لان القديم ‌لا‌ يحدث له شى ء، ‌و‌ ‌لا‌ يزول عنه شى ء، كما عرف ذلك ‌فى‌ محله، ‌و‌ ذلك اشاره الى جميع ‌ما‌ ذكره عليه السلام ‌من‌ الصفات ‌و‌ النعوت، ‌و‌ ‌ما‌ فيه ‌من‌ معنى البعد، للاشعار ببعد مرتبته ‌فى‌ الشرف ‌و‌ العلو.
 ‌و‌ الجار ‌و‌ المجرور ‌فى‌ محل رفع على انه خبر، ‌و‌ «انت» مبتدا، ‌و‌ التقديم لافاده القصر.
 ‌و‌ «الله الاول» بيان على جهه المدح، كالبيت الحرام ‌من‌ قوله تعالى: «جعل
 
الله الكعبه البيت الحرام».
 ‌و‌ «فى اوليتك» حال، ‌اى‌ على نحو هذه الصفه انت كائنا ‌فى‌ اوليتك قبل وجود الممكنات، ‌و‌ ليس ذلك طارئا عليك، ‌و‌ حادثا لك بعد ‌ان‌ لم يكن.
 ‌و‌ الاوليه: عدم المسبوقيه بالغير مع السابقيه على الكل. ‌و‌ التشبيه ب«كذلك» ‌من‌ باب تشبيه الشى ء بنفسه ‌فى‌ حالين، لان الغرض بيان ثبوت ذلك له سبحانه ازلا، كثبوته له حالا.
 ‌و‌ قوله عليه السلام «و على ذلك انت» بيان لثبوته له ابدا، فانت مبتدا، ‌و‌ على ذلك خبر.
 ‌و‌ «دائم» عطف بيان ‌او‌ بدل كاحد ‌من‌ «قل ‌هو‌ الله احد».
 ‌و‌ جمله «لا تزول» نعت لدائم، يقتضى توكيده، كنفخه واحده، لدفع توهم كون المراد بالدوام طول البقاء لاشتهار ذلك عرفا، نحو قولهم: ادام الله عزك.
 فان قلت: قد ورد ‌فى‌ كثير ‌من‌ الروايات عن اهل البيت عليهم السلام نفى الاوليه ‌و‌ الاخريه عنه تعالى، كقول اميرالمومنين عليه السلام: سبحان الذى ليس له اول مبتدا، ‌و‌ ‌لا‌ غايه منتهى، ‌و‌ كقول سيدالعابدين عليه السلام فيما تقدم ‌من‌ هذا الدعاء «عز سلطانك عزا لاحد له باوليه»، فكيف اثبت له الاوليه هنا؟
 قلت: المراد بالاوليه ‌و‌ الاخريه المنفيتين عنه- ‌عز‌ شانه- هما الزمانيتان، المعبر عنهما بالابتداء ‌و‌ الانتهاء، ‌و‌ المراد بالاوليه ‌و‌ الاخريه اللتين تثبتان له كونه قبل وجود الممكنات، ‌و‌ بقاوه بعد فنائها، ‌او‌ ‌ان‌ اوليته عباره عن قدمه، ‌و‌ آخريته عن استحاله عدمه، فلا منافاه ‌فى‌ اثباتهما له، ‌و‌ نفيهما عنه تعالى.
 ‌و‌ ‌من‌ العجيب ‌ما‌ وقع لبعض المعاصرين ‌فى‌ اعراب هذه الجمله ‌من‌ الدعاء
 
و تفسيرها، ‌و‌ عبارته:
 قوله عليه السلام: «و كذلك» خبر مبتدا محذوف، ‌و‌ التقدير: ذلك كذلك، ليكون تاكيدا لجميع الجمل السابقه ‌و‌ «انت» مبتدا، ‌و‌ «الله» الخبر، ‌و‌ «الاول» نعت، ‌او‌ خبرثان ‌و‌ «فى اوليتك» حال منه، ‌اى‌ ليست الاوليه بالاضافه الى شى ء كاوليه غيرك، بل اوليتك ذاتيه، اى: منسوبه الى ذلك «و على ذلك» حال ‌من‌ المبتدا ‌و‌ ‌هو‌ «انت» ‌و‌ «دائم» الخبر، ‌و‌ «لا تزول» خبرثان انتهى بنصه.
 فلينظر الى هذا الاعراب ‌فى‌ المعنى ‌و‌ الاعراب، ‌و‌ الله يقول الحق، ‌و‌ ‌هو‌ يهدى السبيل.
 
«الواو» للاستئناف، ‌لا‌ عاطفه، كما توهمه بعضهم.
 ‌و‌ «عملا، ‌و‌ املا» تمييزان رافعان اجمال نسبه، محولان عن الفاعل، ‌و‌ الاصل: الضعيف عمله، الجسيم امله فحول الاسناد الى الضمير، ‌و‌ نصبا على التمييز مبالغه ‌و‌ توكيدا، لان ذكر الشى ء مبهما، ثم مفسرا اوقع ‌من‌ ذكره ‌من‌ اول الامر مفسرا.
 ‌و‌ العمل لغه: فعل الجارحه، كما ‌ان‌ العلم فعل القلب، ‌و‌ شرعا: ‌هو‌ الفعل الانسانى سواء كان بالقلب ‌او‌ بالقالب. ‌و‌ لذلك روى عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله انه فسر قوله تعالى: «ليبلوكم ايكم احسن عملا» بقوله: ايكم احسن عقلا، ‌و‌ اورع عن محارم الله، ‌و‌ اسرع ‌فى‌ طاعه الله تعالى.
 ‌و‌ ضعف العمل قد يكون ‌من‌ جهه الكميه كقله الحسنات، ‌و‌ قد يكون ‌من‌ جهه الكيفيه كعدم خلوصه ‌من‌ الشوائب، ‌و‌ ضعفه ‌من‌ هذه الجهه اشد ضررا ‌من‌ ضعفه
 
من الجهه الاولى، كما روى عن ابى عبدالله عليه السلام ‌فى‌ قوله تعالى: «ليبلوكم ايكم احسن عملا» قال: ليس يعنى اكثركم عملا، ‌و‌ لكن اصوبكم عملا، ‌و‌ انما الاصابه خشيه الله، ‌و‌ النيه الصادقه.
 ‌و‌ عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: اتمكم عقلا ‌و‌ اشدكم لله خوفا، ‌و‌ اورع عن محارم الله، ‌و‌ اسرع ‌فى‌ طاعه الله، ‌و‌ ‌ان‌ كان اقلكم تطوعا.
 ‌و‌ جسم جسامه مثل ضخم ضخامه: عظم، فهو جسيم. ‌و‌ اصله ‌فى‌ الجسم ‌و‌ ‌هو‌ الجسد، ثم استعمل ‌فى‌ المعانى مجازا.
 قال ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز امر جسيم، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ اجسام الامور ‌و‌ جسيمات الخطوب.
 ‌و‌ الامل: الطمع ‌و‌ الرجاء. ‌و‌ عرف بانه ارتياح النفس لانتظار ‌ما‌ ‌هو‌ محبوب عندها، ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا الامل لرحمه الله تعالى ‌و‌ عفوه ‌و‌ رضوانه. ‌و‌ ‌فى‌ هاتين الفقرتين اشاره الى امور:
 احدها: الاقرار بالتقصير ‌فى‌ العمل، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ اشرف مقامات العبوديه، لشرف مبداه ‌و‌ ثمرته.
 اما مبداه: فهو استشعار عظمه الله سبحانه ‌و‌ ‌عز‌ جلاله، فان ‌من‌ اشعر قلبه عظمه ربه، ‌و‌ جلال كبريائه علم ‌ان‌ ليس احد- ‌و‌ ‌ان‌ اشتد ‌فى‌ طلب مرضاه الله حرصه، ‌و‌ طال ‌فى‌ العمل اجتهاده- ببالغ حقيقه ‌ما‌ الله سبحانه اهله ‌من‌ الطاعه له، حتى ‌ان‌ الانبياء ‌و‌ الاوصياء عليهم السلام- مع اتيانهم بما ‌هو‌ المطلوب ‌من‌ الانسان على نهايه ‌ما‌ يتصور ‌من‌ القدره ‌و‌ الامكان- اعترفوا بالتقصير، ‌و‌ نظروا الى اعمالهم بعين التحقير. ‌و‌ ‌فى‌ الصحيح ‌ان‌ الكاظم عليه السلام قال لبعض ولده: ‌يا‌ بنى عليك
 
بالجد، ‌لا‌ تخرجن نفسك ‌من‌ ‌حد‌ التقصير ‌فى‌ عباده الله- ‌عز‌ ‌و‌ جل- ‌و‌ طاعته، فان الله ‌لا‌ يعبد ‌حق‌ عبادته.
 ‌و‌ اما ثمرته: فنفى العجب الذى ‌هو‌ ‌من‌ المهلكات، كما قال عليه السلام: ثلاث مهلكات: شح مطاع، ‌و‌ هوى متبع، ‌و‌ اعجاب المرء بنفسه، ‌و‌ اثبات الذل ‌و‌ الانكسار. فان ‌من‌ عرف تقصير نفسه، ‌و‌ ضعف عمله، كان ‌فى‌ مقام الذل ‌و‌ الحاجه ‌و‌ الانكسار، ‌و‌ ‌لا‌ عبوديه اشرف منها.
 الثانى: استضعاف العمل تفاديا عن الاتكال عليه، ‌و‌ الاخلاد اليه ‌فى‌ النجاه ‌و‌ الفوز بنيل الدرجات، بل الرجاء لفضل الله ‌و‌ رحمته، ‌و‌ الوثوق بكرمه ‌و‌ منته، ‌هو‌ التسبب الاقوى، ‌و‌ الذريعه العظمى، كما جاء ‌فى‌ الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله انه قال: قال الله تبارك ‌و‌ تعالى: «لا يتكل العاملون لى على اعمالهم التى يعملونها لثوابى، فانهم لو اجتهدوا ‌و‌ اتعبوا انفسهم اعمارهم ‌فى‌ عبادتى، كانوا مقصرين غير بالغين ‌فى‌ عبادتهم كنه عبادتى، فيما يطلبون عندى ‌من‌ كرامتى، ‌و‌ النعيم ‌فى‌ جناتى، ‌و‌ رفيع الدرجات العلى ‌فى‌ جوارى، ‌و‌ لكن برحمتى فليثقوا، ‌و‌ فضلى فليرجوا، ‌و‌ الى حسن الظن ‌بى‌ فليطمئنوا، فان رحمتى عند ذلك تدركهم، ‌و‌ منى يبلغهم رضوانى، ‌و‌ مغفرتى تلبسهم عفوى، فانى انا الله الرحمن الرحيم ‌و‌ بذلك تسميت».
 الثالث: كون ضعف العمل ‌لا‌ يوجب ضعف الامل، بل ينبغى لمن ضعف عمله ‌ان‌ يعظم ‌فى‌ الله سبحانه امله، ‌و‌ هذا امر يشهد باثباته العقل، اذ كان العبد عند اناره العنايه الالهيه بصيرته، يعلم استناد جميع الموجودات كليتها ‌و‌ جزئيتها الى مدبر حكيم ‌و‌ رب رووف رحيم، فيظهر له ‌من‌ ذلك ‌ان‌ ايجاده له ‌و‌ اخذ العهد عليه
 
بالطاعه ‌و‌ العباده، ليس الا لينجذب الى موطنه الاصلى، ‌و‌ مبدئه الاول بالتوحيد المحقق، ‌و‌ الحمد المطلق، عن نار اججت، ‌و‌ جحيم سعرت، فلا يياس ‌من‌ روح الله تعالى عند وقوع تقصير منه ‌فى‌ اسباب ذلك الانجذاب، بل يكون برجائه اوثق، ‌و‌ قلبه بشمول العنايه له اعلق، فانه ‌لا‌ يياس ‌من‌ روح الله الا الذين عميت ابصار بصائرهم عن اسرار الله، فهم ‌فى‌ طغيانهم يعمهون، ‌و‌ اولئك ‌هم‌ الخاسرون، كما قال سبحانه «و ‌من‌ يقنط ‌من‌ رحمه ربه الا الضالون».
 
 تنبيه
 
 اعلم: ‌ان‌ الامر المحبوب الذى تتوقعه النفس، ‌و‌ تنتظره ‌فى‌ المستقبل لابد ‌و‌ ‌ان‌ يكون لسبب، فان كان توقعه لاجل حصول اكثر اسبابه فاسم الرجاء ‌و‌ الامل صادق عليه، ‌و‌ ‌ان‌ كان سببه غير معلوم الوجود ‌و‌ الانتفاء فاسم التمنى اصدق على توقعه، ‌و‌ ‌ان‌ كان سببه معلوم الانتفاء فاسم الغرور ‌و‌ الحمق اصدق على انتظاره .
 اذا عرفت ذلك فاعلم: ‌ان‌ ارباب العرفان قد علموا ‌ان‌ الدنيا مزرعه الاخره، فالنفس هى الارض، ‌و‌ بذرها حب المعارف الالهيه، ‌و‌ سائر انواع الطاعات جاريه مجرى اصلاح هذه الارض، ‌من‌ تقليبها ‌و‌ تنقيتها ‌و‌ اعدادها للزراعه، ‌و‌ سياقه الماء اليها. ‌و‌ النفس المستغرقه بحب الدنيا ‌و‌ الميل اليها كالارض السبخه التى ‌لا‌ تقبل الزرع ‌و‌ الانبات، لمخالطه الاجزاء الملحيه، ‌و‌ يوم القيامه يوم الحصاد، فلا حصاد الا ‌من‌ زرع، ‌و‌ ‌لا‌ زرع الا ‌من‌ بذر، ‌و‌ كما ‌لا‌ ينفع الزرع ‌فى‌ ارض سبخه كذلك ‌لا‌ ينفع عمل مع خبث النفس، ‌و‌ سوء الاخلاق المنافيه للايمان، فينبغى ‌ان‌ يقاس عمل العبد ‌و‌ رجاوه لرضوان الله بامل صاحب الزرع ‌و‌ رجائه، ‌و‌ الناس ‌فى‌ ذلك على ثلاث درجات، سابق، ‌و‌ ‌لا‌ حق، ‌و‌ مقصر:
 
فالاول: ‌من‌ طيب ارضا، ‌و‌ بذرها ‌فى‌ وقت الزراعه بذرا غير متعفن ‌و‌ ‌لا‌ متاكل، ثم امده بالماء العذب ‌و‌ سائر ‌ما‌ يحتاج اليه ‌فى‌ اوقاته، ثم نقاه وصانه عما يمنع نباته ‌و‌ يفسده ‌من‌ النباتات الخبيثه، ثم انتظر ‌من‌ فضل الله تعالى منع الافات المفسده له الى تمام زرعه، ‌و‌ بلوغ غايته، فذلك امله ‌و‌ رجاوه ‌فى‌ محله، اذ كان ‌فى‌ مظنه ‌ان‌ يفوز مقصوده ‌من‌ ذلك الزرع. ‌و‌ هكذا حال العبد اذا بذر المعارف الالهيه ‌فى‌ ارض نفسه ‌فى‌ وقته، ‌و‌ ابانه، ‌و‌ ‌هو‌ مقتبل العمر، ‌و‌ مبدء التكليف، ‌و‌ دام على سقيه بالطاعات، ‌و‌ اجتهد ‌فى‌ طهاره نفسه عن شوائب الاخلاق الرديه التى تمنع نماء العلم ‌و‌ زياده الايمان، ‌و‌ توقع ‌من‌ فضل الله تعالى ‌و‌ كرمه ‌ان‌ يثبته على ذلك الى زمان وصوله، ‌و‌ حصاد عمله، فذلك التوقع ‌هو‌ الامل المحمود ‌و‌ الرجاء الممدوح، ‌و‌ ‌هو‌ درجه السابقين.
 ‌و‌ الثانى: ‌من‌ بذر ‌فى‌ ارض طيبه كذلك، الا انه بذر ‌فى‌ اخريات الناس، ‌و‌ لم يبادر اليه ‌فى‌ اول وقته، ‌او‌ قصر ‌فى‌ بعض اسبابه، ثم اخذ ينتظر ثمره ذلك الزرع، ‌و‌ يرجو الله ‌فى‌ سلامته له، فهو ‌من‌ جمله الموملين ‌و‌ الراجين ايضا. ‌و‌ كذلك العبد اذا القى بذر الايمان ‌فى‌ نفسه، لكنه قصر ‌فى‌ بعض اسبابه، اما ببطئه ‌فى‌ البذر ‌او‌ ‌فى‌ السقى، الى غير ذلك مما يوجب ضعفه، ثم اخذ ينتظر وقت الحصاد، ‌و‌ يتوقع ‌من‌ فضل الله تعالى ‌ان‌ يبارك له فيه، ‌و‌ يعتمد على انه ‌هو‌ الرزاق ذو القوه المتين، فيصدق عليه انه ذو امل ‌و‌ رجاء ايضا، اذ اكثر اسباب المطلوب التى ‌من‌ جهته حاصله، ‌و‌ هذه درجه اللاحقين.
 ‌و‌ الثالث: ‌من‌ لم يحصل على بذر، ‌او‌ بذر ‌فى‌ ارض سبخه، ‌او‌ ذات شاغل عن الانبات، ثم اخذ يتوقع الحصاد، فتوقعه ‌هو‌ الحمق ‌و‌ الغرور، ‌و‌ مثله حال العبد اذا لم يزرع ‌من‌ قواعد الايمان ‌فى‌ نفسه شيئا اصلا، ‌او‌ زرع ‌و‌ لم يلتفت الى سقيه بماء
 
الطاعه، ‌و‌ ‌لا‌ صيانته عن موجبات فاسده، ‌من‌ شوك الاخلاق الرديه، بل انهمك ‌فى‌ طلب آفات الدنيا، ثم جعل ينتظر الفضل ‌من‌ الله، ‌و‌ يتوقع نيل الحسنى لديه، فذلك الانتظار ‌و‌ التوقع غرور ‌و‌ حمق، ‌و‌ ليس بامل ‌فى‌ الحقيقه، ‌و‌ هذه درجه المقصرين.
 فتبين: ‌ان‌ اسم الامل ‌و‌ الرجاء انما يصدق على توقع ‌ما‌ حصل جميع اسبابه، ‌او‌ اكثرها، الداخله تحت اختيار العبد، ‌و‌ لم يبق الا ‌ما‌ ‌لا‌ يدخل تحت اختياره، ‌و‌ ‌هو‌ فضل الله، بصرف القواطع ‌و‌ المفسدات.
 فاحذر ‌ان‌ يغرك الشيطان، ‌و‌ يثبطك عن العمل، ‌و‌ يريك الحمق ‌و‌ الغرور ‌فى‌ صوره الرجاء ‌و‌ الامل، فان ‌من‌ هذه حاله، ‌لا‌ يامن ‌ان‌ يكون ‌من‌ اهل الحسره ‌و‌ الندامه ، ‌فى‌ يوم القيامه يقول «يا ليتنى قدمت لحياتى فيومئذ ‌لا‌ يعذب عذابه احد ‌و‌ ‌لا‌ يوثق وثاقه احد»، ‌و‌ ‌فى‌ المعنى ‌ما‌ قيل:
 اذا انت لم تزرع ‌و‌ عاينت حاصدا
 ندمت على التفريط ‌فى‌ زمن البذر
 ‌و‌ عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: الاحمق ‌من‌ اتبع نفسه هواها، ‌و‌ تمنى على الله.
 ‌و‌ عن الصادق عليه السلام انه سئل عن قوم يعملون بالمعاصى ‌و‌ يقولون: نرجو، فقال: هولاء قوم يترجحون ‌فى‌ الامانى، كذبوا، ليسوا براجين، ‌من‌ رجا شيئا طلبه، ‌و‌ ‌من‌ خاف ‌من‌ شى ء هرب منه.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه اولئك قوم ترجحت بهم الامانى، ‌من‌ رجا شيئا عمل له، ‌و‌ ‌من‌ خاف ‌من‌ شى ء هرب منه.
 ‌و‌ الى الاقسام الثلاثه المذكوره اشار اميرالمومنين عليه السلام بقوله: ساع سريع
 
نجا، ‌و‌ طالب بطى ء رجا، ‌و‌ مقصر ‌فى‌ النار.
 ‌و‌ انما خص عليه السلام القسم الثانى بالرجاء، اذ كان كما علمت، عمدته ضعف عمله، ‌و‌ قله الاسباب ‌من‌ جهته.
 ‌و‌ اليها الاشاره ايضا بقوله تعالى: «فمنهم ظالم لنفسه ‌و‌ منهم مقتصد ‌و‌ منهم سابق بالخيرات باذن الله ذلك ‌هو‌ الفضل الكبير».
 قوله عليه السلام: «خرجت ‌من‌ يدى اسباب الوصلات» جمله مستانفه.
 ‌و‌ الاسباب: جمع سبب، ‌و‌ ‌هو‌ كل شى ء يتوصل ‌به‌ الى امر ‌من‌ الامور، ‌و‌ اصله الحبل.
 ‌و‌ الوصلات: جمع وصله- بالضم- على وزن غرفه، يقال: بينهما وصله، اى: اتصال. ‌و‌ الوصله ايضا ‌ما‌ يتوصل ‌به‌ الى الشى ء، يقال: هذا وصله الى كذا.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: الوصله- بالضم- الاتصال، ‌و‌ كل ‌ما‌ اتصل بشى ء فما بينهما وصله، ‌و‌ الجمع كصرد.
 قال بعض المترجمين: الموجود ‌فى‌ نسخ الصحيفه الشريفه ضبط الوصلات- بالضمتين -. ‌و‌ الظاهر ‌من‌ عباره القاموس المذكوره فتح الصاد. انتهى.
 ‌و‌ هذا جهل منه بعلم الصرف، فقد نص علماء العربيه، ‌ان‌ الاسم الثلاثى المونث اذا كان مضموم الفاء، ساكن العين، غير معتلها، ‌و‌ ‌لا‌ مدغمها، ‌و‌ لم تكن لامه ياء، جاز ‌فى‌ عينه الفتح للخفه، ‌و‌ الضم للاتباع، ‌و‌ السكون ‌فى‌ لغه تميم، سواء ‌فى‌ ذلك صحيح الفاء ‌و‌ معتلها، كغرفه ‌و‌ ظلمه ‌و‌ وصله ‌و‌ وكنه، قال امروالقيس:
 ‌و‌ قد اعتدى ‌و‌ الطير ‌فى‌ وكناتها
 
قال الشارح ابوعبدالله الزوزنى: الوكنات: مواقع الطير، واحدتها ‌و‌ كنه- بالضم- ثم تجمع الوكنه على الوكنات- بضم الفاء ‌و‌ العين-، ‌و‌ على الوكنات- بضم الفاء ‌و‌ فتح العين-، ‌و‌ على الوكنات- بضم الفاء ‌و‌ سكون العين، ‌و‌ تكسر على الوكن، ‌و‌ هكذا حكم فعله نحو ظلمه ‌و‌ ظلمات ‌و‌ ظلم. انتهى بنصه.
 ‌و‌ مثله ‌فى‌ الصحاح للجوهرى.
 ‌و‌ الاستثناء ‌من‌ قوله عليه السلام: «الا ‌ما‌ وصله رحمتك» يجوز ‌ان‌ يكون متصلا ‌و‌ ‌هو‌ الظاهر، فالموصول ‌فى‌ محل نصب على الاستثناء، اى: الا السبب الذى وصله رحمتك، فانه لم يخرج ‌من‌ يدى. ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون منقطعا على ‌ان‌ «ما» مبتدا، حذف خبره، فتكون الجمله ‌فى‌ محل نصب على الاستثناء ‌اى‌ لكن ‌ما‌ وصله رحمتك لم يخرج ‌من‌ يدى.
 نبه على ذلك ابن مالك ‌فى‌ شواهد التوضيح حيث قال: ‌حق‌ المستثنى ب«الا» ‌من‌ كلام تام موجب ‌ان‌ ينصب، ‌و‌ ‌لا‌ يعرف اكثر المتاخرين فيه الا النصب، ‌و‌ قد اغفلوا وروده مرفوعا بالابتداء، ثابت الخبر ‌و‌ محذوفه فمن الاول قول ابى قتاده: احرموا كلهم الا ابوقتاده لم يحرم، فالا بمعنى لكن، ‌و‌ ابوقتاده مبتداء، ‌و‌ لم يحرم خبره. ‌و‌ ‌من‌ الثانى: قوله عليه السلام: «كل امتى معافى الا المجاهرون» ‌اى‌ المجاهرون بالمعاصى ‌لا‌ يعافون. انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه ابن ادريس «الا وصله رحمتك» بالنصب على انه مستثنى متصل، ‌و‌ المراد: انه قد فاتتنى الاسباب التى يتوصل بها الى السعادات الاخرويه الا السبب الذى ‌هو‌ رحمتك، فانه ‌لا‌ يفوت ‌من‌ احد.
 قوله عليه السلام: «و تقطعت عنى عصم الامال» العصم: جمع عصمه. قال
 
الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: العصمه: الحبل، قال الله تعالى «و ‌لا‌ تمسكوا بعصم الكوافر.
 ‌و‌ ‌فى‌ الكشاف: العصمه: ‌ما‌ يعتصم ‌به‌ ‌من‌ عقد ‌و‌ سبب. انتهى.
 ‌و‌ اصله ‌من‌ العصم، ‌و‌ ‌هو‌ المنع، يقال: عصمه الله، اى: منعه ‌و‌ وقاه، ‌و‌ اعتصم بالله: امتنع. ‌و‌ انما سمى الحبل ‌و‌ نحوه عصمه، لان المتمسك ‌به‌ يعتصم ‌به‌ ‌من‌ السقوط ‌و‌ نحوه.
 ‌و‌ قوله: «الا ‌ما‌ انا معتصم ‌به‌ ‌من‌ عفوك» اى: ‌من‌ رجاء عفوك.
 ‌و‌ الكلام ‌فى‌ الفقرتين استعاره، ‌و‌ الغرض التبرى ‌من‌ جميع الوسائل التى يتصول بها الى الله سبحانه ‌من‌ الطاعات ‌و‌ الاعمال الصالحه، ‌و‌ التمسك بمحض رجاء رحمه الله تعالى ‌و‌ عفوه، ايذانا بعدم اتكاله ‌و‌ اعتماده عليه السلام على شى ء ‌من‌ ذلك سوى رحمه ربه، ‌و‌ رجاء عفوه عملا بمقتضى الحديث القدسى المقدم ذكره. ‌و‌ الله اعلم بمقاصد اوليائه.
 
قد يكون المراد بالقله ‌ضد‌ الكثره، ‌و‌ قد يكون المراد بها العدم، فانهم كثيرا ‌ما‌ يعبرون بالقله عن العدم، ‌و‌ منه حديث «كان صلى الله عليه ‌و‌ آله يقل اللغو»، ‌اى‌ ‌لا‌ يلغو اصلا، ‌و‌ عليه حمل قوله تعالى: «فقليلا ‌ما‌ يومنون»، ‌اى‌ ‌لا‌ ايمان لهم اصلا، ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا، لدلاله ‌ما‌ قبله ‌و‌ ‌ما‌ بعده عليه.
 ‌و‌ اعتددت بالشى ء- على افتعلت-: ادخلته ‌فى‌ العد ‌و‌ الحساب، فهو معتد به، محسوب غير ساقط.
 
و انما قال: «كثر على» ‌و‌ لم يقل: «عندى» كما قال ‌فى‌ الفقره الاولى، لان ‌ما‌ يبوء ‌به‌ ‌من‌ المعصيه امر يكرهه ‌و‌ يستثقله، فجاء ب«على» ايذانا بانه قد علاه ‌و‌ بهظه ثقله.
 قال ابن جنى: تستعمل «على» ‌فى‌ الافعال الشاقه المستثقله، ‌من‌ حيث كانت كلفا ‌و‌ مشاق تخفض الانسان ‌و‌ تضعه ‌و‌ تعلوه ‌و‌ تتقرعه، تقول: قد سرنا عشرا، ‌و‌ بقيت علينا ليلتان، ‌و‌ كذلك يقال ‌فى‌ الاعتداد على الانسان بذنوبه، ‌و‌ قبح افعاله. انتهى.
 ‌و‌ باء بذنبه يبوء بوءا: ‌اى‌ احتمله، ‌و‌ قيل: اعترف به، ‌و‌ قيل: ثقل به، ‌و‌ قيل: رجع به.
 ‌و‌ قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: باء باثمه: ‌اى‌ احتمله، ‌و‌ باءوا بغضب: ‌اى‌ رجعوا، ‌و‌ باء بحقه: ‌اى‌ اقر.
 فان قلت: كيف فصل قوله: «قل عندى ‌ما‌ اعتد ‌به‌ ‌من‌ طاعتك» ‌و‌ لم يعطفه على ‌ما‌ قبله؟
 قلت: يحتمل ‌ان‌ يكون فصله للاستئناف على وجه التعليل، كانه سئل: كيف خرجت ‌من‌ يدك اسباب الوصلات، ‌و‌ تقطعت عنك عصم الامال؟ فقال: لانه ‌قل‌ عندى ‌ما‌ اعتد ‌به‌ ‌من‌ طاعتك، ‌و‌ كثر على ‌ما‌ ابوء ‌به‌ ‌من‌ معصيتك، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون فصله لانه بصدد تعداد احواله.
 قوله عليه السلام: «و لن يضيق عليك عفو عن عبدك». الواو: عاطفه، ‌او‌ للاستئناف، ‌و‌ ‌لا‌ يتوهم انها للحال، فان الجمله الحاليه ‌لا‌ تصدر بدليل استقبال.
 ‌و‌ «لن» لنفى المستقبل ك«لا»، غير ‌ان‌ النفى بها ابلغ ‌من‌ النفى ب«لا»، فهى لتاكيد
 
النفى كما ذكره الزمخشرى ‌و‌ ابن الخباز. حتى قال بعضهم: ‌ان‌ منعه مكابره.
 ‌و‌ ادعى الزمخشرى ايضا: انها لتابيد النفى، كقوله تعالى: «لن يخلقوا ذبابا» «و لن تفعلوا»، ‌و‌ وافقه على ذلك ابن عطيه.
 ‌و‌ ضاق عليه الامر: شق عليه، كانه لم يجد فيه مقرا تطمئن اليه نفسه كمن ‌لا‌ يسعه مكانه. ‌و‌ منه قولهم: ضاقت عليه الحيله، فهو استعاره بالكنايه قصد فيه الى تشبيه العفو بالمكان ‌فى‌ عدم الاتساع، ‌و‌ جعل اثبات الضيق تنبيها على ذلك، ولك جعله استعاره تبعيه ‌و‌ تمثيليه كما تقدم بيانه ‌فى‌ نظيره.
 ‌و‌ قوله «عن عبدك ‌و‌ ‌ان‌ اساء»، اصله عنى ‌و‌ ‌ان‌ اسات، لكنه وضع الظاهر موضع المضمر للاستعطاف، فان ‌فى‌ ذكر عبدك ‌من‌ استحقاق الرحمه، ‌و‌ ترقب الشفقه ‌و‌ العطف ‌ما‌ ليس ‌فى‌ لفظ عنى، كقوله: «الهى عبدك العاصى اتاكا».
 قال السيد الشريف: ‌هو‌ على ترك الحكايه عن النفس الى المظهر، ليكون ادخل ‌فى‌ الاستعطاف، فان لفظ «العبد» فيه ادخل ‌من‌ الضمير، خصوصا اذا اضيف الى المخاطب. انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ لفظ «عبدك» ‌فى‌ عباره الدعاء مع ‌ما‌ ذكر ايماء الى انه سبحانه ‌لا‌ يضيق عليه عفو عمن اتصف بعبوديته تعالى، كائنا ‌من‌ كان، ‌هو‌ ‌او‌ غيره، اظهارا لسعه عفوه ‌جل‌ شانه.
 قوله عليه السلام: «و ‌ان‌ اساء» ‌و‌ ‌ان‌ هذه هى المسماه بالوصليه، ‌و‌ هى ‌ان‌ الشرطيه. ‌و‌ ‌ما‌ تقدم ‌من‌ الكلام كالعوض عن جزائها، لدلالته عليه.
 ‌و‌ الواو للعطف على جمله شرط حاليه محذوفه، ‌و‌ الاصل: ‌ان‌ لم يسى ء ‌و‌ ‌ان‌ اساء، كما تقول: آتيك ‌ان‌ لم تهجرنى ‌و‌ ‌ان‌ هجرتنى.
 
و يجوز ‌فى‌ الجمله الشرطيه ‌ان‌ تقع حالا اذا شرط فيه الشى ء ‌و‌ نقيضه، نحو: لاضربنه ‌ان‌ ذهب ‌و‌ ‌ان‌ مكث، ‌و‌ ذلك لانسلاخ معنى الشرط، ‌من‌ جهه ‌ان‌ الشى ء الواحد ‌لا‌ يكون مشروطا بالشى ء ‌و‌ نقيضه، فتعين كون الشرط غير مراد. ‌و‌ الذى سوغ حذف الشرطيه الاولى ‌ان‌ الثانيه ابدا منافيه لثبوت الحكم، ‌و‌ الاولى مناسبه لثبوته، ‌و‌ اذا ثبت الحكم على تقدير وجود المنافى، ‌دل‌ ذلك على ثبوته على تقدير المناسب ‌من‌ باب الاولى، ‌و‌ ‌دل‌ هذا على ذلك المقدر، ‌و‌ متى اسقطت الواو ‌من‌ مثل هذه العباره فسد المعنى.
 ‌و‌ لذلك قال بعض المحققين: كلمه «ان» ‌فى‌ هذا المقام ليست لقصد التعليق ‌و‌ الاستقبال، فلا يلاحظ لها جواب قد حذف تعويلا على دلاله ‌ما‌ قبلها عليه ملاحظه قصديه الا عند القصد الى بيان الاعراب على القواعد الصناعيه، بل هى لبيان تحقق ‌ما‌ يفيده الكلام السابق ‌من‌ الحكم على كل حال مفروض ‌من‌ الاحوال المقارنه له على الاجمال بادخالها على ابعدها منه، ‌و‌ اشدها منافاه، ليظهر بثبوته معه ثبوته مع ماعداه ‌من‌ الاحوال بطريق الاولويه، لان الشى ء اذا تحقق مع المنافى القوى، فلان يتحقق مع غيره اولى. ‌و‌ لهذا ‌لا‌ يذكر معه شى ء ‌من‌ سائر الاحوال، ‌و‌ يكتفى عنه بذكر الواو العاطفه على نظيرتها المقابله لها، المتناوله لجميع الاحوال المغايره لها، ‌و‌ هذا معنى قولهم: انها لاستقصاء الاحوال على وجه الاجمال.
 ‌و‌ على هذا السر يدور ‌ما‌ ‌فى‌ «لو» ‌و‌ «ان» الوصليتين ‌من‌ المبالغه ‌و‌ التاكيد.
 ‌و‌ مال الكلام: لن يضيق عليك عفو عن عبدك، حال عدم اساته، ‌و‌ حال اساءته.
 ‌و‌ قيل: الواو حاليه، ‌و‌ ليس بواضح.
 ‌و‌ قيل: اعتراضيه، ‌و‌ ليس بسديد. ‌و‌ الحق ‌ما‌ ذكرناه، ‌و‌ قد تقدم الكلام على ذلك
 
فى اوائل الروضه الثانيه فليرجع اليه.
 فان قلت: عفو الله سبحانه: ‌هو‌ محو السيئه، ‌و‌ التجاوز عنها، ‌و‌ ترك العقوبه عليها، فلا يتحقق معنى العفو مع عدم الاساءه، فكيف تكون الاساءه منافيه للعفو، ‌و‌ عدمها مناسبا لثبوته حتى يصح انه اذا ثبت الحكم على تقدير وجود المنافى، ‌دل‌ ذلك على ثبوته، على تقدير المناسب ‌من‌ باب الاولى؟!
 قلت: ليس المراد بالاساءه ‌فى‌ قوله عليه السلام: «و ‌ان‌ اساء» الاساءه مطلقا، بل التى يقارنها العفو، ‌و‌ يكون العبد ملتبسا بها وقت حصول العفو عنه، ‌و‌ هى الاساءه مع الاصرار، ‌و‌ عدم التوبه كما تفيده الحاليه، لان الغرض ‌من‌ الحال تخصيص وقوع مضمون عاملها بوقت حصول مضمون الحال. ‌و‌ هذا معنى المقارنه: ‌و‌ ‌لا‌ ‌شك‌ ‌ان‌ الاساءه مع الاصرار ‌و‌ عدم التوبه منافيه للعفو، لاستحقاق العبد العقوبه معها، ‌لا‌ العفو، ‌و‌ ‌فى‌ هذا دليل على جواز العفو مع عدم التوبه.
 ‌و‌ اما الاساءه قبل التوبه فالعفو عنها ‌لا‌ يكون مقارنا لها ‌و‌ ليس العبد ملتبسا بها وقت حصول العفو عنه، فصح ‌ان‌ العفو عنه لم يكن ‌فى‌ حال اساءته. ‌و‌ بهذا تبين ‌ما‌ ذكرناه ‌من‌ ‌ان‌ مال التقدير ‌من‌ قولنا: ‌ان‌ لم يسى ء ‌و‌ ‌ان‌ اساء، حال عدم اساءته، ‌و‌ حال اساءته.
 ‌و‌ نظير عباره الدعاء قوله تعالى: «و ‌ان‌ ربك لذو مغفره للناس على ظلمهم». قال القاضى: التقييد بقوله: «على ظلمهم» دليل جواز العفو قبل التوبه، فان التائب ليس على ظلمه.
 ‌و‌ قال السيد المرتضى: ‌فى‌ هذا دلاله على جواز المغفره للمذنبين ‌من‌ اهل القبله، لانه تعالى دلنا على انه يغفر لهم مع كونهم ظالمين، ‌و‌ يجرى مجرى قول القائل: انا اود
 
فلانا على غدره، ‌و‌ اصله على هجره.
 ‌و‌ قال صاحب الكشف: الاسلوب يدل على انه تعالى بليغ المغفره للناس مع استحقاقهم لخلافها، لتلبسهم بما العقاب اولى بهم عنده. انتهى.
 ‌و‌ الدلاله المذكوره انما جاءت ‌من‌ كون قوله: «على ظلمهم» حالا مقارنه لعاملها، ‌و‌ ‌هو‌ المغفره. كما ‌ان‌ قوله: «و ‌ان‌ اساء» ‌فى‌ الدعاء حال مقارنه لعاملها، ‌و‌ ‌هو‌ العفو.
 ‌و‌ ‌من‌ هنا فسرت احدى العبارتين بالاخرى، فقال العمادى ‌فى‌ تفسيره: ‌اى‌ على ظلمهم انفسهم بالذنوب ‌و‌ المعاصى، ‌و‌ محلها النصب على الحاليه، ‌اى‌ ظالمين، ‌و‌ العامل فيه المغفره، ‌و‌ المعنى: ‌و‌ ‌ان‌ ربك لغفور للناس ‌لا‌ يعجل لهم العقوبه ‌و‌ ‌ان‌ كانوا ظالمين.
 ‌و‌ قال الامام المرزوقى ‌فى‌ شرح الحماسه عند الكلام على قوله:
 ساشكر عمرا ‌ان‌ تراخت منيتى
 ايادى لم تمنن، ‌و‌ ‌ان‌ هى جلت
 يعنى ‌ان‌ آلائه ‌و‌ نعمه صافيه ‌من‌ المن ‌و‌ الاذى على جلالتها ‌و‌ فخامتها. انتهى.
 فترى هذين الامامين كيف فسر كل منهما احدى العبارتين بالاخرى، ‌و‌ ‌ما‌ ذلك الا للوجه الذى ذكرناه.
 فان قلت: قد قررت ‌ان‌ المراد بقوله عليه السلام: «عن عبدك ‌و‌ ‌ان‌ اساء» نفسه على ترك الحكايه الى المظهر، فكيف يجوز ‌ان‌ يكون المراد بالاساءه ‌من‌ قوله «و ‌ان‌ اساء» الاساءه مع الاصرار، ‌و‌ عدم التوبه.
 قلت: لما اعترف عليه السلام ‌فى‌ الجمله السابقه بعدم ‌ما‌ يعتد ‌به‌ ‌من‌ الطاعه
 
لديه، ‌و‌ كثره ‌ما‌ يبوء ‌به‌ ‌من‌ المعصيه لديه، ‌و‌ كانت التوبه طاعه معتدا بها، داخله فيما اعترف بعدمه لديه، تعين ‌ان‌ المراد بالاساءه ‌من‌ قوله: ‌و‌ ‌ان‌ اساء» الاساءه المذكوره، ‌و‌ كان ذلك منه عليه السلام ‌من‌ باب عدم الالتفات الى طاعته ‌و‌ توبته، ‌و‌ الانقطاع الى محض عفو الله ‌و‌ رحمته. ‌و‌ الله اعلم بمقاصد اوليائه.
 قوله عليه السلام «فاعف عنى» «الفاء»: فصيحه- ‌اى‌ اذا كان لن يضيق عليك عفو عن عبدك، ‌و‌ ‌ان‌ اساء فاعف عنى- ‌و‌ عدل عن الغيبه الى التكلم ‌و‌ لم يقل: فاعف عنه، ايثارا لما ‌هو‌ ادل على المقصود ‌من‌ طلب العفو لنفسه، ‌و‌ تنبيها على انه ‌هو‌ المراد بذلك العبد المسى ء ‌فى‌ قوله: «عن عبدك ‌و‌ ‌ان‌ اساء». ‌و‌ الله اعلم.
 
اشرف على الشى ء اشرافا: اطلع عليه ‌من‌ فوق.
 ‌و‌ الخفايا: جمع خفيه، كهدايا جمع هديه، ‌من‌ خفى الشى ء يخفى- ‌من‌ باب علم- خفا- بالفتح ‌و‌ المد-: ‌اى‌ استتر فلم يظهر، فهو خاف ‌و‌ خفى.
 ‌و‌ كشفت الشى ء كشفا- ‌من‌ باب ضرب- فانكشف: اظهرته فظهر. ‌و‌ اصله رفع شى ء عما يواريه ‌و‌ يستره، كرفع الثوب ‌و‌ الغطاء.
 ‌و‌ دون: بمعنى عند، ‌اى‌ عند خبرك، ‌و‌ منه الحديث «من قتل دون ماله» اى: عنده، ‌و‌ ‌فى‌ روايه ابن ابى الحديد: «عند خبرك».
 ‌و‌ الخبر- بالضم-: العلم، ‌و‌ منه: صدق الخبر الخبر.
 ‌و‌ طويت عنه الحديث: كتمته ‌و‌ اخفيته، ‌و‌ اصله ‌من‌ ‌طى‌ الثوب، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ضد‌ نشره.
 
و دقائق الامور: غوامضها، ‌من‌ دق الشى ء فهو دقيق اذا لم يتضح. ‌او‌ جمع دقيقه، خلاف الجليله، ‌و‌ منه ‌ما‌ دق ‌و‌ ‌ما‌ جل.
 ‌و‌ الامور: جمع امر، بمعنى الشان ‌و‌ الحال.
 ‌و‌ عزب الشى ء- ‌من‌ باب قتل، ‌و‌ ضرب-: غاب ‌و‌ خفى، ‌و‌ منه: «لا يعزب عنه مثقال ذره»، اى: ‌لا‌ يغيب.
 ‌و‌ الغيبات: جمع غيبه، مونث غيب، على وزن فيعل- بكسر العين- بمعنى الغائب، كطيبات ‌و‌ طيبه.
 ‌و‌ الغيب- بالتخفيف- بمعنى الغائب مخفف منه، بحذف الياء الثانيه ‌او‌ الاولى ، لاجتماع ياءين ‌و‌ كسره.
 قال الزمخشرى ‌و‌ غيره ‌من‌ المفسرين ‌فى‌ قوله تعالى: «يومنون بالغيب»: ‌هو‌ بمعنى الغائب، اما تسميته بالمصدر مبالغه، ‌و‌ اما ‌ان‌ يكون فيعلا فخفف كما قيل. قيل: ‌و‌ ميت وهين، ‌و‌ اصلها قيل: ميت وهين بالتشديد.
 ‌و‌ قول العمادى: «لكن لم يستعمل فيه الاصل كما استعمل ‌فى‌ نظائره» مردود بعباره الدعاء، ‌و‌ كفى بها شاهدا.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه «غائبات السرائر»، ‌و‌ روايه ابن ابى الحديد «خبايا السرائر».
 ‌و‌ اما «غنبات»- بالنون قبل الباء الموحده- على ‌ما‌ يوجد ‌فى‌ هوامش كثير ‌من‌ النسخ، معزوا الى نسخه ابن ادريس، ‌و‌ انه كذا بخطه ‌و‌ ضبطه، فلا اعرف له معنى يناسب المقام. ‌و‌ اغرب ‌من‌ فسره فقال: الغنب- بالفتح-: الغنيمه الكثيره.
 ‌و‌ السرائر: جمع سريره، ‌و‌ هى السر.
 
و ‌فى‌ الكشاف: السرائر ‌ما‌ اسر ‌فى‌ القلوب ‌من‌ العقائد ‌و‌ النيات ‌و‌ غيرها ‌و‌ ‌ما‌ اخفى ‌من‌ الاعمال.
 ‌و‌ اضافه الغيبات الى السرائر بيانيه، ‌اى‌ الغائبات ‌من‌ السرائر، ‌و‌ هى التى ‌لا‌ يحيط بها الا علم اللطيف الخبير.
 ‌و‌ مدار هذه الفقرات على الثناء عليه سبحانه بنفوذ علمه ‌فى‌ كل خفى ‌و‌ مستتر، ‌و‌ عدم خفاء شى ء عليه ‌من‌ دقائق الاحوال ‌و‌ غوامضها، ‌و‌ مكنونات الاسرار ‌و‌ غوايبها، بحيث ‌لا‌ يشذ شى ء منها عن احاطه علمه. اذ كان الخفاء ‌و‌ الستر ‌و‌ الغيب انما تطلق بالقياس الى مخفى عنه، ‌و‌ مستور ‌و‌ غائب عنه، ‌و‌ هى القلوب المحجوبه بحجب الطبيعه ‌و‌ استار الهيئه البدنيه، ‌و‌ الارواح المستولى عليها نقصان الامكان، الحاكم عليها بجهل ‌ما‌ خفى عليها، ‌و‌ استتر ‌و‌ غاب عنها، ‌و‌ كل ذلك لما ينزه قدس الحضره الالهيه عنه.
 ‌و‌ كرر عليه السلام بيان احاطه علمه تعالى بذلك، دفعا للاحكام الفاسده الوهميه، كما توهم بعض القاصرين انه ‌لا‌ علم له سبحانه بالاشياء قبل وجودها، ‌و‌ بعضهم انه ‌لا‌ علم له بالجزئيات، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^