فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 3- 2

فى الروحانيين: لغتان ضم الراء ‌و‌ فتحها، ‌و‌ الموجود ‌فى‌ النسخ هنا بفتح الراء فقط.


 قال الحليمى، ‌و‌ البيهقى، ‌و‌ القونوى: اما الضم فلانهم ارواح ليس معها ماء ‌و‌ ‌لا‌ نار ‌و‌ ‌لا‌ تراب، ‌و‌ ‌من‌ قال هذا قال: الروح جوهر ‌و‌ قد يجوز ‌ان‌ يولف الله ارواحا فيجسمها ‌و‌ يخلق منها خلقا ناطقا عاقلا فيكون الروح مخترعا ‌و‌ التجسيم ‌و‌ النطق ‌و‌ العقل اليه حادثا ‌من‌ بعد، ‌و‌ يجوز ‌ان‌ تكون اجسام الملائكه على ‌ما‌ هى عليه اليوم
 
مخترعه كما اخترع عيسى ‌و‌ ناقه صالح عليهاالسلام.
 اما الفتح: فبمعنى انهم ليسوا محصورين ‌فى‌ الابنيه ‌و‌ الظلل ولكنهم ‌فى‌ فسحه ‌و‌ بساط، انتهى.
 ‌و‌ قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه ‌ما‌ معناه: الملائكه الروحانيون: يروى بضم الراء ‌من‌ الروح الذى يقوم ‌به‌ الجسد ‌و‌ بفتحها كانه نسب الى الروح بالفتح ‌و‌ ‌هو‌ نسيم الريح ‌و‌ الالف ‌و‌ النون ‌من‌ زيادات النسب، ‌و‌ يريد انها اجسام لطيفه ‌لا‌ يدركها البصر، انتهى.
 ‌و‌ قال الشهرستانى: «روحانى» بالرفع ‌من‌ الروح ‌و‌ «روحانى» بالنصب ‌من‌ الروح، ‌و‌ الروح ‌و‌ الروح متقاربان ‌و‌ كان الروح جوهر ‌و‌ الروح حالته الخاصه به، انتهى.
 ‌و‌ قيل: ‌ان‌ الروحانيين- بالفتح- ‌هم‌ ملائكه الرحمه فيكون نسبته الى الروح بالفتح بمعنى الرحمه.
 اخرج البيهقى ‌فى‌ شعب الايمان عن على ‌بن‌ ابى طالب عليه السلام قال: ‌ان‌ ‌فى‌ السماء السابعه حظيره يقال لها حظيره القدس فيها ملائكه يقال لهم الروحانيون فاذا كان ليله القدر استاذنوا ربهم ‌فى‌ النزول الى الدنيا فياذن لهم فلا يمرون على مسجد الا ‌و‌ يصلى فيه ‌و‌ ‌لا‌ يستقبلون احدا ‌فى‌ طريق الا دعوا له فاصابهم منهم بركه.
 ‌و‌ الزلفه بالضم: القرب ‌و‌ التقدم كالزلفى، ‌و‌ المراد بهم: الملائكه المقربون، ‌و‌ ليس المراد بالقرب، القرب المكانى لتنزهه تعالى عن المكان، بل قرب المنزله
 
و الرتبه منه، ‌و‌ ‌هم‌ الذين علمهم ‌به‌ سبحانه اكثر ‌و‌ خوفهم ‌و‌ خشيتهم له اشد، ‌و‌ ‌من‌ كان كذلك كان ادنى منزله عنده ‌و‌ اقرب مرتبه لديه، ‌و‌ يقال لهم: الكروبيون ‌من‌ كرب اذا قرب.
 روى ابوجعفر الصفار ‌فى‌ كتاب بصائر الدرجات: عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ‌ان‌ الكروبيين قوم ‌من‌ شيعتنا ‌من‌ الخلق الاول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم، ثم قال: ‌ان‌ موسى عليه السلام لما ‌ان‌ سال ربه ‌ما‌ سال امر رجلا ‌من‌ الكروبيين فتجلى للجبل فجعله دكا.
 ‌و‌ سئل ابوالخطاب ‌بن‌ دحيه عن الكروبيين هل يعرف ‌فى‌ اللغه ‌ام‌ لا؟ فقال: الكروبيون بتخفيف الراء ساده الملائكه ‌و‌ ‌هم‌ المقربون ‌من‌ كرب اذا قرب.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ ربيع الابرار: ‌و‌ ‌فى‌ الكروبى ثلاث مبالغات: الكروب ابلغ ‌من‌ القرب ‌و‌ اقصر مسافه، تقول: كربت الشمس ‌ان‌ تقرب ‌اى‌ كادت، ‌و‌ فعول بناء مبالغه ‌و‌ ياء النسب التى ‌فى‌ نحو الاحمرى.
 الحمال: بضم اوله ‌و‌ تشديد ثانيه جمع كثره لحامل كعامل ‌و‌ عمال.
 ‌و‌ الغيب: اما مصدر وصف ‌به‌ الغائب مبالغه كالشهاده ‌فى‌ قوله تعالى: «عالم الغيب ‌و‌ الشهاده». ‌او‌ فيعل خفف كهين ‌فى‌ هين ‌و‌ ميت ‌فى‌ ميت، لكن قيل: لم يستعمل فيه الاصل كما استعمل ‌فى‌ نظائره. ‌و‌ ايا ‌ما‌ كان فهو ‌ما‌ غاب عن الحس ‌و‌ العقل غيبه كامله بحيث ‌لا‌ يدرك بواحد منهما بطريق البداهه ‌و‌ ‌هو‌ قسمان:
 
 
قسم: ‌لا‌ دليل عليه، ‌و‌ ‌هو‌ الذى اريد بقوله تعالى: «و عنده مفاتح الغيب ‌لا‌ يعلمها الا هو».
 ‌و‌ قسم: نصب عليه دليل، كوجود الصانع ‌و‌ صفاته ‌و‌ النبوات ‌و‌ ‌ما‌ يتعلق بها ‌من‌ الشرائع ‌و‌ الاحكام ‌و‌ الاخبار عن اليوم الاخر ‌و‌ احواله ‌من‌ البعث ‌و‌ النشور ‌و‌ الحساب ‌و‌ الجزاء، ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا: ‌ما‌ اوحاه تعالى الى رسله ‌و‌ انبيائه ‌من‌ النوعين ‌و‌ افاضه عليهم بواسطه الملائكه، ‌و‌ قد عرفت السر ‌فى‌ هذه الوساطه فيما تقدم قريبا، ‌و‌ لعل المراد بالموتمنين على الوحى هنا ‌من‌ اوحى الله تعالى اليه ‌من‌ ملائكته ‌و‌ ائتمنه على اسرار وحيه ‌و‌ ‌هم‌ غير الوسائط بينه تعالى ‌و‌ بين رسله اذ قد سبق ذكر اهل الامانه على رسالاته الذين ‌هم‌ الوسائط، فيكون المراد بالموتمنين على الوحى هنا غيرهم تفاديا عن التكرار، ‌و‌ الله اعلم.
 
القبائل: ‌فى‌ الاصل للراس، ‌و‌ هى قطعه المتصل بعضها ببعض ‌و‌ منه قبائل العرب، الواحده قبيله ‌و‌ ‌هم‌ بنواب واحد، ‌و‌ لما كانت الملائكه ‌من‌ عالم واحد اطلق على طوائفهم لفظ القبائل كانهم بنواب واحد، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يراد بالقبائل هنا جمع قبيله لغه ‌فى‌ القبيل ‌و‌ ‌هو‌ الجماعه ثلاثه فصاعدا سواء كانوا بنى اب واحد ‌او‌ ‌من‌ نجر واحد ‌او‌ ‌من‌ اقوام شتى.
 ‌و‌ اختص فلان فلانا: جعله خاصه ‌و‌ قربه منه حتى انه يضاف اليه.
 ‌و‌ قوله: «لنفسك» ‌اى‌ صرفت جميع همههم الى طاعتك ‌و‌ عبادتك حتى ‌لا‌ يشتغلوا بغير ‌ما‌ اهلتهم له ‌و‌ كلفتهم به، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون ‌من‌ باب التمثيل مثل حالهم بحال ‌من‌ يراه بعض الملوك اهلا للتقريب ‌و‌ التكريم بخصائص فيه فيختصه بالكرامه
 
و يستخلصه لنفسه فلا يبصر الا بعينه ‌و‌ ‌لا‌ يسمع الا باذنه ‌و‌ ‌لا‌ ياتمن على مكنون سره سواه ‌و‌ ذكر النفس لكونها ادخل ‌فى‌ معنى الاختصاص.
 ‌و‌ اغنيته بكذا عن غيره: كفيته ‌به‌ فاستغنى، ‌و‌ غنى كرضى غناء بالفتح ‌و‌ المد اكتفى، ‌و‌ الاسم الغنيه بالضم.
 ‌و‌ الطعام: اسم لما يوكل كالشراب اسم لما يشرب هذا اذا اجتمعا، ‌و‌ اما اذا انفرد الطعام فقد يطلق على ‌ما‌ يشرب ايضا.
 قال ابن فارس ‌فى‌ المجمل ‌و‌ غيره ‌من‌ اهل اللغه: الطعام يقع على كل ‌ما‌ يطعم حتى الماء، قال الله تعالى: «فمن شرب منه فليس منى ‌و‌ ‌من‌ لم يطعمه فانه منى».
 ‌و‌ قال النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم- ‌فى‌ زمزم-: «انها طعام طعم ‌و‌ شفاء سقم» ‌اى‌ يشبع منه. يقال: طعام طعم بالضم ‌اى‌ يشبع ‌من‌ اكله، ‌و‌ المعنى اعطيتهم قوه الطاعمين ‌و‌ الشاربين بذكرك الذى يقدسونك ‌و‌ ينزهونك عما ‌لا‌ يليق بمقدس جنابك.
 ‌و‌ ‌فى‌ الخبر: ‌ان‌ الله تعالى خلق الملائكه صمدا ليس لهم اجواف.
 ‌و‌ البطون: جمع بطن. ‌و‌ ‌هو‌ خلاف الظهر، ‌و‌ جوف كل شى.
 ‌و‌ الاطباق: جمع طبق بفتحتين كسبب ‌و‌ اسباب، ‌و‌ يجمع على طباق ايضا كجبل ‌و‌ جبال.
 قال الله تعالى: «خلق سبع سماوات طباقا» ‌اى‌ طبقه فوق طبقه ‌و‌ الاصل ‌فى‌ الطبق غطاء الشى الذى يكون على مقداره مطبقا له ‌من‌ جميع جوانبه فكان كل
 
سماء طبق للاخرى، ‌و‌ بطون اطباقها اشاره الى ‌ما‌ بين السماوات كما قال اميرالمومنين عليه السلام ‌فى‌ خطبه له: «ثم فتق ‌ما‌ بين السماوات العلى فملاهن اطوارا ‌من‌ ملائكته».
 ‌و‌ اعلم: ‌ان‌ سكان السماوات على نوعين:
 احدهما: الارواح الموكله بها ‌و‌ المتصرفه فيها بالتحريك ‌و‌ الاراده باذن الله تعالى. ‌و‌ الثانى: الارواح المبرءه عن تدبير الاجسام المستغرقه ‌فى‌ جمال حضره الربوبيه ‌و‌ جمالها على تفاوت مراتبهم.
 قال بعض الحكماء: ‌ان‌ لم يكن ‌فى‌ فضاء السماوات وسعه الافلاك خلائق كيف يليق بحكمه البارى تركها فارغه خاويه مع شرف جوها ‌و‌ ‌هو‌ لم يدرك قعور البحار المالحه المظلمه فارغه حتى خلق فيها انواع الحيوانات، ‌و‌ كذلك ‌ما‌ ترك جو الهواء الرقيق حتى خلق له انواع الطير تسبح فيه كما يسبح السمك ‌فى‌ الماء ‌و‌ لم يترك البرارى اليابسه ‌و‌ الاجام الوحله ‌و‌ الجبال الراسيه حتى خلق فيها انواع السباع ‌و‌ الوحوش ‌و‌ لم يترك ظلمات التراب حتى خلق فيها انواع الهوام ‌و‌ الحشرات، ‌و‌ الله عليم حكيم.
 
الارجاء: جمع رجا مقصورا ‌و‌ ‌هو‌ ناحيه الموضع، ‌و‌ اصله الواو لانه يثنى على رجوين ‌و‌ ‌فى‌ المثل «لا يرمى ‌به‌ الرجوان» يضرب لمن ‌لا‌ يخدع فيزال عن وجه الى وجه، ‌و‌ اصله الدلو يرمى بها رجوا البئر، ‌و‌ الضمير ‌فى‌ ارجائها عائد الى السماوات، ‌اى‌ الذين يصيرون ‌او‌ يقفون على جوانب السماوات ‌و‌ حافاتها عند نزول الامر ‌و‌ الحكم بانجاز ‌ما‌ وعد سبحانه ‌من‌ قيام الساعه فتنشق السماء فتعدل الملائكه عن مواضع الشق الى جوانب السماء كما قال تعالى: «فيومئذ وقعت الواقعه ‌و‌ انشقت
 
السماء فهى يومئذ واهيه ‌و‌ الملك على ارجائها...» ‌و‌ لعل المراد بهم المستثنون عن الصعق ‌فى‌ قوله تعالى: «و نفخ ‌فى‌ الصور فصعق ‌من‌ ‌فى‌ السماوات ‌و‌ ‌من‌ ‌فى‌ الارض الا ‌من‌ شاء الله» ‌و‌ الا فسائر الملائكه يموتون ‌فى‌ النفخه الاولى فكيف يقفون على ارجاء السماء ‌او‌ لعلهم يقفون لحظه ثم يموتون.
 ‌و‌ قال بعضهم: المراد بالملائكه الذين على ارجائها المحركون للسماء الحركه الدوريه المانعه عن الانشقاق المتوقف على الحركه المستقيمه فانهم اذا صاروا على ارجائها لم يبق لهم تحريك فامكن تحريك النفخ لها بالقسر على الاستقامه فلا يمتنع انشقاقها.
 
الخزان: جمع خازن ‌من‌ خزنت المال ‌من‌ باب (قتل) خزنا: اذا وضعته ‌فى‌ الخزانه، ‌و‌ هى ‌ما‌ يحفظ فيه نفائس الاموال. شبه الملائكه الموكلين بالمطر بالجماعه الذين يحفظون خزائن الاموال ‌و‌ يخرجون منها ‌ما‌ امروا باخراجه فذكر الخزانه على طريق الاستعاره التخييليه.
 اخرج ابن جرير عن على ‌بن‌ ابى طالب عليه السلام قال: لم تنزل قطره ‌من‌ ماء الا بكيل على يدى الملك الا يوم نوح فانه اذن للماء دون الخزان فطغى الماء على الخزان فخرج، فذلك قوله تعالى: «انا لما طغى الماء».
 ‌و‌ الزواجر: جمع زاجره، اى: الملائكه الذين يزجرون السحاب ‌من‌ زجر الابل يزجرها ‌من‌ باب قتل: اذا حثها ‌و‌ حملها على السرعه، ‌و‌ الاصل ‌فى‌ الزجر: المنع يقال: زجرته عن كذا: ‌اى‌ منعته، ‌و‌ انما قيل: لحث الابل ‌و‌ سوقها زجر لان الزاجر لها يمنعها عن البطء ‌فى‌ السير ‌و‌ التوانى ‌فى‌ المشى.
 
و عن ابن عباس ‌فى‌ قوله تعالى: «فالزاجرات زجرا» قال: يعنى الملائكه الموكلين بالسحاب.
 
الصوت: كيفيه تحدث ‌فى‌ الهواء ‌من‌ قلع ‌او‌ قرع فيحملها الى الصماخ.
 ‌و‌ الزجل: بفتحتين اختلاط الاصوات، ‌و‌ الصوت الرفيع العالى.
 ‌و‌ الرعود: جمع رعد. ‌و‌ ‌هو‌ الصوت الذى يسمع ‌من‌ السحاب سمى باسم الملك المصوت ‌به‌ الذى ‌هو‌ موكل بالسحاب كما ورد ‌فى‌ اخبار كثيره ‌من‌ طرق الخاصه ‌و‌ العامه.
 اخرج غير واحد عن ابن عباس قال: اقبلت يهود الى رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم فقالت: اخبرنا ‌ما‌ هذا الرعد؟ قال: ملك ‌من‌ ملائكه الله موكل بالسحاب، بيده مخراق ‌من‌ نار يزجر ‌به‌ السحاب يسوقه حيث امر الله. قالوا: فما هذا الصوت الذى نسمع؟ قال: صوته. قالوا: صدقت.
 ‌و‌ عنه: انه ملك ‌من‌ الملائكه اسمه الرعد ‌و‌ ‌هو‌ الذى تسمعون صوته.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه: انه بمنزله الرجل يكون ‌فى‌ الابل فيزجرها هاد هاد كهيئه ذلك.
 ‌و‌ سبحت الفرس: تسبح ‌من‌ باب منع مدت يديها ‌فى‌ الجرى كانها تسبح بهما.
 ‌و‌ الحفيفه: بالحاء المهمله فعيله ‌من‌ حف الفرس حفيفا: اذا سمع دوى جوفه ‌او‌
 
صوت جريه عند الركض، ‌و‌ فيه استعاره تخييليه مرشحه، شبه القطعه ‌من‌ السحاب التى يسمع لها دوى عند مرورها بالفرس الذى يسمع دوى جوفه عند ركضه ثم قرنها بما يلائم المستعار منه ‌من‌ السبح، يقال: فرس سابح ‌و‌ سبوح، ‌و‌ ‌فى‌ نسخه ابن ادريس خفيقه بالخاء المعجمه ‌و‌ الفاء ثم القاف بعد المثناه التحتيه ‌و‌ هى فعيله بمعنى مفعوله، ‌من‌ خفقه: اذا ضربه بالدره ‌اى‌ مضروبه السحاب التى ضربها الملك بمخراقه، ‌و‌ الباء ‌فى‌ «به» للسببيه، ‌و‌ الضمير عائد الى صوت زجره، ‌و‌ قول بعضهم: الخفيقه احدى خوافق السماء ‌و‌ هى الجهات التى تهب منها الرياح الاربع ‌لا‌ وجه له، على ‌ان‌ واحده الخوافق خافقه ‌لا‌ خفيقه ‌و‌ جمع الخفيقه خفائق ‌لا‌ خوافق.
 ‌و‌ التمعت: ‌اى‌ اضاءت، ‌و‌ ‌هو‌ افتعال ‌من‌ اللمع يقال: لمع البرق كمنع لمعا ‌و‌ لمعانا محركه اضاء كالتمع، ‌و‌ ‌فى‌ الالتماع زياده ‌فى‌ المعنى كانها اجتهدت ‌و‌ بالغت ‌فى‌ اللمعان.
 ‌و‌ الصواعق: جمع صاعقه ‌و‌ هى: نار تحدث ‌من‌ حركه صوت الملك كما ‌فى‌ الحديث.
 ‌و‌ قيل: هى قصفه الرعد الشديد ‌من‌ السحاب تخرج منه نار تحرق ‌لا‌ تمر بشى الا اتت عليه، ‌و‌ بناوها: اما ‌ان‌ يكون لقصفه الرعد فالتاء للتانيث، ‌او‌ للرعد ‌و‌ التاء للمبالغه كما ‌فى‌ الروايه، ‌او‌ هى مصدر كالعافيه.
 ‌و‌ البروق: جمع برق ‌و‌ ‌هو‌ سوط ‌من‌ نار يزجر ‌به‌ الملك السحاب.
 ‌و‌ عن جابر ‌بن‌ عبدالله: ‌ان‌ رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم سئل عن منشا السحاب، فقال: ‌ان‌ ملكا موكلا بالسحاب يلم القاصيه ‌و‌ يلحم الرابيه ‌فى‌ يده مخراق فاذا رفع برقت ‌و‌ اذا زجر رعدت ‌و‌ اذا ضرب صعقت.
 
تبصره
 
 قال بعض الطبيعيين: ‌ان‌ سبب البرق ‌و‌ الرعد ‌ان‌ البخار الممتزج بالدخان الصاعد ‌من‌ الارض اذا وصل الكره الزمهريريه يحتبس ‌فى‌ ‌ما‌ بين السحاب، فما صعد الى العلو لشده لطافته ‌و‌ يبسه ‌او‌ هبط الى السفل لتكاثفه بالبرد الشديد الواصل اليه مزق السحاب صاعدا ‌او‌ هابطا تمزيقا عنيفا فيحصل صوت هائل ‌و‌ ‌هو‌ الرعد ‌و‌ يشتعل الدخان بالتسخين القوى الحاصل ‌من‌ الحركه الشديده ‌و‌ المصاكه العنيفه، فان كان لطيفا ‌و‌ ينطفى بسرعه كان برقا ‌و‌ يرى قبل الرعد لان الصوت لابد له ‌من‌ حركه الهواء ‌و‌ ‌لا‌ حركه دفعيه فيحتاج الى زمان، ‌و‌ ‌لا‌ كذلك الرويه ‌و‌ لذلك ترى حركه يد القصار قبل سماع الدق بزمان. ‌و‌ ‌ان‌ كان كثيفا ‌لا‌ ينطفى بسرعه بل يصل الى الارض كان صاعقه. فربما صار لطيفا بحيث ينفذ ‌فى‌ المتخلخل ‌و‌ ‌لا‌ يحرقه ‌و‌ يذيب المندمج فيذيب الذهب ‌فى‌ الكيس دون ‌ان‌ يحرقه الا ‌ما‌ احترقت ‌من‌ الذائب. ‌و‌ ربما كان كثيفا غليظا جدا فيحرق كل شى اصابه ‌و‌ كثيرا ‌ما‌ يقع على الجبل فيدكه دكا.
 ‌و‌ قال بعضهم: ‌ان‌ السحاب فيه كثافه ‌و‌ لطافه بالنسبه الى الهواء ‌و‌ الماء، ‌و‌ اذا هبت ريح قويه تخرقه بعنف فيحدث الصوت الرعد فيخرج منه النار للمصادمه العنيفه بينهما كما تخرج ‌من‌ ضربان الحديد على الحجر ‌و‌ ‌هو‌ البرق ‌او‌ الصاعقه على مامر.
 قال بعض اصحابنا العارفين: اعلم ‌ان‌ الانسان عند نظره الى حدوث الامطار بعد انعقاد السحاب ‌و‌ الرعد ‌و‌ البرق، ‌و‌ كان قد قرع سمعه ‌من‌ طريق الشرع ‌ان‌ ملكا يزجر السحاب ‌و‌ يسوقه الى مواضع ‌و‌ يضربه بسوطه ليمطر ‌و‌ هذا الرعد صوت زجره ‌او‌
 
ضربه، ‌و‌ البرق نار تحدث ‌من‌ حركه سوطه ‌و‌ كان له رويه قلبيه ‌و‌ بصيره باطنيه علم يقينا ‌ان‌ ماورد ‌فى‌ هذا الباب ‌حق‌ ‌و‌ صدق ‌و‌ انما يقوله الطبيعيون تخمينات ‌لا‌ تغنى ‌من‌ الحق شيئا.
 
المشيع: اسم فاعل ‌من‌ التشييع، قال صاحب المحكم: شيعه ‌و‌ شايعه كلاهما خرج معه ليودعه ‌و‌ يبلغه منزله.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌ان‌ يخرج معه يريد صحبته ‌و‌ ايناسه الى موضع ‌ما‌ انتهى، ‌و‌ المراد بهم هنا الملائكه النازلون مع الثلج ‌و‌ البرد ليبلغوهما حيث امر الله تعالى.
 قال بعض الطبيعيين: هما ‌ما‌ تصاعد ‌من‌ الابخره الى كره الزمهرير ليكون مطرا فيتعاكس عليه الرياح البارده فينعقد ‌و‌ يسقط ‌فى‌ البلاد البعيده عن الشمس اما كالدقيق ‌و‌ يخص باسم الثلج ‌او‌ كالبنادق ‌و‌ يعرف بالبرد اصطلاحا.
 ‌و‌ قال بعضهم: ‌ان‌ الشمس ‌و‌ غيرها ‌من‌ القوى الفلكيه اذا اثرت ‌فى‌ الارض خرج منها ابخره متصاعده الى الكره الزمهريريه التى ‌لا‌ يصل اليها اثر شعاع الشمس المنعكس ‌من‌ وجه الارض، ‌و‌ هى منشا السحب ‌و‌ ‌ما‌ يتعلق بها ‌من‌ الصواعق ‌و‌ البرق ‌و‌ الرعد ‌و‌ غيرها، فاذا وصلت تلك الابخره الى هذه الطبقه تتكاثف بالبرد ‌و‌ تصير سحابا، فاما ‌ان‌ ‌لا‌ يكون البرد قويا فتتقاطر ‌او‌ يكون قويا، فان اثر ‌فى‌ الاجزاء المائيه قبل اجتماعها حصل الثلج، ‌و‌ ‌ان‌ اثر بعده حصل البرد، ‌و‌ قد يبرد الهواء بردا مفرطا فينجمد ‌و‌ ينعقد سحابا ‌و‌ ينزل منه المطر ‌او‌ الثلج ‌او‌ البرد. هذا ‌ما‌ عليه الطبيعيون.
 ‌و‌ الذى يدل عليه ظاهر قوله تعالى: «و ينزل ‌من‌ السماء ‌من‌ جبال فيها. ‌من‌ برد» ‌ان‌ ‌فى‌ السماء جبالا ‌من‌ برد خلقها الله تعالى فيها كما خلق ‌فى‌ الارض جبالا ‌من‌ حجر، ‌و‌ ‌هو‌ الذى عليه عامه المفسرين، ‌و‌ هذا ‌و‌ ‌ان‌ كان مما يستبعده الغافلون
 
لكن وجب قبوله اذا خبر ‌به‌ المخبر الصادق كما ‌فى‌ سائر الاسرار الالهيه، ‌و‌ ليس ‌فى‌ العقل ‌ما‌ ينفيه ‌من‌ قاطع.
 ‌و‌ قال المتاولون: ‌ان‌ المراد بالسماء هاهنا الغيم المرتفع على الرووس اذ كل ‌ما‌ علا الراس فهو سماء ‌و‌ بالجبال الكثره كما يقال: فلان يملك جبالا ‌من‌ ذهب، ‌او‌ القطع العظام التى تشبه الجبال ‌فى‌ عظمها ‌و‌ جمودها.
 حكى ابن الديبع ‌فى‌ بغيه المستفيد انه وقع باليمن سنه خمس ‌و‌ تسعين ‌و‌ ستمائه مطر نزلت فيه برده كالجبل الصغير لها شرفات تزيد كل واحده منها على ذراع فوقعت ‌فى‌ مفازه فغاب ‌فى‌ الارض اكثرها ‌و‌ بقى بعضها على الارض كان يدور ‌و‌ حوله عشرون رجلا ‌لا‌ يرى بعضهم بعضا، ‌و‌ وقعت برده اخرى حاول قلعها خمسون رجلا فما امكنهم فسبحان ‌من‌ ‌هو‌ على كل شى ء قدير.
 قوله عليه السلام: «و الهابطين مع قطر المطر» الهبوط: النزول هبط يهبط ‌من‌ باب «ضرب» هبوطا: نزل، ‌و‌ ‌فى‌ لغه قليله يهبط هبوطا ‌من‌ باب «قعد» ‌و‌ هبطه انزله لازم ‌و‌ متعد.
 ‌و‌ القطر: ‌ما‌ يقطر واحده قطره كتمر ‌و‌ تمره، ‌و‌ المطر ‌فى‌ الاصل مصدر مطرت السماء تمطر مطرا ‌من‌ باب طلب ثم سمى الغيث بالمصدر.
 روى عن اميرالمومنين عليه السلام ‌ان‌ تحت العرش بحرا فيه ماء ينبت ارزاق الحيوانات فاذا اراد الله ‌ان‌ ينبت ‌ما‌ يشاء لهم رحمه منه لهم اوحى الله اليه فمطر ‌ما‌ شاء ‌من‌ سماء الى سماء حتى يصير الى سماء الدنيا فيلقيه الى السحاب، ‌و‌ السحاب بمنزله الغربال فتقطر على النحو الذى يامرها ‌به‌ فليس ‌من‌ قطره تقطر الا ‌و‌ معها ملك يضعها موضعها. ‌و‌ الحديث طويل نقلنا بعضه.
 
القوام: جمع قائم ‌من‌ قام الامير على الرعيه اذا وليها ‌و‌ ملك امرها.
 ‌و‌ الخزائن: جمع خزانه ‌و‌ قد تقدم الكلام عليها ‌فى‌ شرح الاسناد.
 ‌و‌ الرياح: جمع ريح ‌و‌ العين فيهما واو ‌و‌ قلبت ياء لانكسار ‌ما‌ قبلها ‌و‌ جمع القله ارواح بالواو اذ لم يوجد فيه ‌ما‌ يوجب الاعلال، زعم الحكماء ‌ان‌ حدوث الرياح ‌من‌ تموج الهواء بحركته الى الجهات، ‌و‌ كيفيه حدوثها ‌ان‌ الادخنه التى تحدث ‌من‌ تاثير الشمس ‌فى‌ الارض ‌و‌ غيرها ‌من‌ الاشياء اليابسه اذا وصلت الى الطبقه البارده اما ‌ان‌ ينكسر حرها ‌و‌ اما ‌ان‌ تبقى على حرارتها، فان انكسر حرها تكاثفت ‌و‌ قصدت النزول فيتموج بها الهواء، ‌و‌ ‌ان‌ بقيت على حرارتها تصاعدت الى كره النار المتحركه بحركه الفلك الدوريه الى اسفل فيتموج بها الهواء ايضا فتحدث منه الرياح.
 ‌و‌ اصولها اربعه: الشمال: ‌و‌ مهبها ‌من‌ مطلع بنات نعش الى مغرب الشمس، ‌و‌ الجنوب: ‌و‌ مهبها ‌من‌ مطلع سهيل الى مشرق الشمس، ‌و‌ الصبا: ‌و‌ مهبها ‌من‌ المشرق الى بنات نعش، ‌و‌ الدبور: ‌و‌ مهبها ‌من‌ المغرب الى مطلع سهيل، ‌و‌ لكل واحده منها ملك يهبها ‌و‌ يحركها بامر الله. كما وردت ‌به‌ الروايه الصحيحه غن (عن) ابى جعفر عليه السلام ‌لا‌ كما زعمه الحكماء.
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الروضه باسناد صحيح عن ابى بصير قال: سالت اباجعفر عليه السلام عن الرياح الاربع: الشمال ‌و‌ الجنوب ‌و‌ الصبا ‌و‌ الدبور، ‌و‌ قلت: ‌ان‌ الناس يذكرون ‌ان‌ الشمال ‌من‌ الجنه ‌و‌ الجنوب ‌من‌ النار فقال: ‌ان‌ لله جنودا ‌من‌ رياح يعذب بها ‌من‌ يشاء ممن عصاه، ‌و‌ لكل ريح منها ملك موكل بها فاذا اراد الله ‌عز‌ ذكره ‌ان‌ يعذب قوما بنوع ‌من‌ العذاب اوحى الى الملك الموكل بذلك النوع ‌من‌ الريح التى يريد ‌ان‌ يعذبهم بها، قال: فيامرها الملك فتهيج كما يهيج الاسد المغضب. قال: ‌و‌ لكل ريح منها اسم، اما تسمع قوله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «كذبت عاد فكيف كان
 
عذابى ‌و‌ نذر انا ارسلنا عليهم ريحا صرصرا ‌فى‌ يوم نحس مستمر». ‌و‌ قال: «الريح العقيم» ‌و‌ قال: «ريح فيها عذاب اليم». ‌و‌ قال: «فاصابها اعصار فيه نار فاحترقت» ‌و‌ ‌ما‌ ذكر ‌من‌ الرياح التى يعذب الله بها ‌من‌ عصاه قال: ‌و‌ لله ‌عز‌ ذكره رياح رحمه لواقح ‌و‌ غير ذلك ينشرها بين يدى رحمته منها ‌ما‌ يهيج السحاب للمطر ‌و‌ منها رياح تحبس السحاب بين السماء ‌و‌ الارض ‌و‌ منها رياح تعصر السحاب فتمطره باذن الله تعالى، ‌و‌ منها رياح مما عدد الله ‌فى‌ الكتاب، فاما الرياح الاربع: الشمال ‌و‌ الجنوب ‌و‌ الصبا ‌و‌ الدبور. فانما هى اسماء الملائكه الموكلين بها، فاذا اراد الله ‌ان‌ يهب شمالا امر الملك الذى اسمه الشمال فيهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامى فضرب بجناحه فتفرقت ريح الشمال، حيث يريد الله ‌من‌ البر ‌و‌ البحر، ‌و‌ اذا اراد الله ‌ان‌ يبعث جنوبا امر الملك الذى اسمه الجنوب فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامى فضرب بجناحه فتفرقت ريح الجنوب ‌فى‌ البر ‌و‌ البحر حيث يريد الله، ‌و‌ اذا اراد ‌ان‌ يبعث الصبا امر الملك الذى اسمه الصبا فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامى فضرب بجناحه فتفرقت ريح الصبا حيث يريد الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌فى‌ البر ‌و‌ البحر، ‌و‌ اذا اراد الله ‌ان‌ يبعث دبورا امر الملك الذى اسمه الدبور فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامى فضرب بجناحه فتفرقت ريح الدبور حيث يريد الله ‌من‌ البر ‌و‌ البحر،- ثم قال ابوجعفر عليه السلام:- اما تسمع لقوله، ريح الشمال ‌و‌ ريح الجنوب ‌و‌ ريح الصبا ‌و‌ ريح الدبور انما تضاف الى الملائكه الموكلين بها.
 ‌و‌ روى رئيس المحدثين ‌فى‌ كتاب العلل باسناده عن العرزمى قال: كنت مع
 
ابى عبدالله عليه السلام جالسا ‌فى‌ الحجر تحت الميزاب ‌و‌ رجل يخاصم رجلا ‌و‌ احدهما يقول لصاحبه: ‌و‌ الله ‌ما‌ تدرى ‌من‌ اين تهب الريح، فلما اكثر عليه قال له ابوعبدالله عليه السلام: هل تدرى انت ‌من‌ اين تهب الريح؟ فقال: لا، ولكنى اسمع الناس يقولون، فقلت لابى عبدالله عليه السلام: ‌من‌ اين تهب الريح ؟ فقال: ‌ان‌ الريح مسجونه تحت هذا الركن الشامى، فاذا اراد الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌ان‌ يرسل منها شيئا اخرجه اما جنوبا فجنوب، ‌و‌ اما شمالا فشمال، ‌و‌ اما صبا فصبا، ‌و‌ اما دبورا فدبور، ثم قال: ‌و‌ آيه ذلك انك ‌لا‌ تزال ترى هذا الركن متحركا ابدا ‌فى‌ الشتاء ‌و‌ الصيف ‌و‌ الليل ‌و‌ النهار.
 ‌و‌ اخرج ابن جرير عن على عليه السلام انه قال: لم ينزل شى ‌من‌ الريح الا بكيل على يد ملك الا يوم عاد فانه اذن لها دون الخزان فخرجت، فذلك قوله تعالى: «بريح صرصر عاتيه» عتت على الخزان.
 الموكل: اسم مفعول ‌من‌ وكلته بالامر توكيلا اذا جعلت له القيام به، ‌و‌ الجبال: جمع جبل ‌و‌ ‌هو‌ معروف، قال بعضهم: ‌و‌ ‌لا‌ يكون جبلا الا اذا كان مستطيلا. قال الحكماء: اذا امتزج الماء بالطين ‌و‌ ‌فى‌ الطين لزوجه ‌و‌ اثرت فيه حراره الشمس مده طويله صار حجرا كما ترى ‌ان‌ النار اذا اثرت ‌فى‌ الطين جعلته آجرا، ‌و‌ الاجر ضرب ‌من‌ الحجر، ‌و‌ كلما كان اثر النار فيه اكثر كان اصلب ‌و‌ اشبه بالحجر، فزعموا ‌ان‌ تولد الجبال ‌من‌ اجتماع الماء ‌و‌ الطين ‌و‌ حراره الشمس، ‌و‌ اما سبب ارتفاعها ‌و‌ شموخها فجاز ‌ان‌ يكون بسبب زلزله فيها خسف فينخفض بعض الارض ‌و‌ يرتفع بعضها ثم ذلك البعض يصير حجرا كما ذكر، ‌و‌ جاز ‌ان‌ يكون بسبب ‌ان‌ الرياح تنقل التراب
 
من مكان الى مكان فتحدث تلال ‌و‌ وهاد ثم تتحجر بالسبب المذكور.
 ‌و‌ ‌فى‌ الخبر: ‌ان‌ الله تعالى خلق الارض فجعلت تمور فقال الملائكه: ‌ما‌ هى بمقر احد على ظهرها فاصبحت ‌و‌ قد ارسيت بالجبال لم تدر الملائكه مم خلقت.
 ‌و‌ روى رئيس المحدثين ‌فى‌ كتاب العلل باسناده عن اميرالمومنين عليه السلام ‌فى‌ حديث طويل: انه قام اليه رجل ‌من‌ اهل الشام فقال: ‌يا‌ اميرالمومنين انى اسالك عن اشياء، فقال: سل تفقها ‌و‌ ‌لا‌ تسال تعنتا فاحدق الناس بابصارهم. فقال: اخبرنى عن اول ‌ما‌ خلق الله تبارك ‌و‌ تعالى؟ فقال: خلق النور. قال: فمم خلق السماوات؟ قال: ‌من‌ بخار الماء. قال: فمم خلق الارض؟ قال: ‌من‌ زبد الماء. قال: فمم خلقت الجبال؟ قال: ‌من‌ الامواج. ‌و‌ الحديث طويل الذيل اخذنا منه موضع الحاجه.
 ‌و‌ روى عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم انه قال: جاءنى جبرئيل فقال: ‌يا‌ محمد ‌ان‌ ربك يقروك السلام، ‌و‌ هذا ملك الجبال قد ارسله معك ‌و‌ امره ‌ان‌ ‌لا‌ يفعل شيئا الا بامرك. فقال ملك الجبال: ‌ان‌ شئت دمدمت عليهم الجبال، ‌و‌ ‌ان‌ شئت رميتهم بالحصباء، ‌و‌ ‌ان‌ شئت خسفت بهم الارض. قال: ‌يا‌ ملك الجبال فانى اانى بهم لعلهم ‌ان‌ يخرج منهم ذريه يقولون ‌لا‌ اله الا الله. فقال ملك الجبال: انت كما سماك ربك رووف رحيم.
 قوله: «فلا تزول» الفاء للسببيه، اى: فبسبب توكلهم بها ‌لا‌ تزول، ‌و‌ اغرب ‌من‌ قال: انها رابطه، ‌او‌ للاستئناف. ‌و‌ تزول: اما ‌من‌ الزوال بمعنى الذهاب ‌اى‌ فلا تنهد ‌و‌ تندك فتذهب، ‌او‌ بمعنى الانتقال عن مكانها ‌اى‌ فلا تستقر ‌فى‌ مواضعها.
 
المثاقيل: جمع مثقال ‌و‌ ‌هو‌ ميزان الشى ‌اى‌ ‌ما‌ يعادله ‌فى‌ الوزن.
 قال ابن الاثير: المثقال ‌فى‌ الاصل مقدار ‌من‌ الوزن ‌اى‌ شى كان ‌من‌ قليل ‌او‌ كثير، فمعنى مثقال ذره: وزن ذره، ‌و‌ الناس يطلقونه ‌فى‌ العرف على الدينار ‌و‌ ليس كذلك.
 ‌و‌ المياه: جمع ماء، اصله ماه بالهاء.
 ‌و‌ قيل: موه تحركت الواو ‌و‌ انفتح ‌ما‌ قبلها فقلبت الفا ‌و‌ قلبت الهاء همزه لاجتماعها مع الالف ‌و‌ هما حرفان حلقيان ‌و‌ وقوعهما طرفا، ‌و‌ لهذا يرد الى اصله ‌فى‌ الجمع ‌و‌ التصغير. فيقال: مياه ‌و‌ مويه. ‌و‌ قالوا: امواه ايضا مثل باب ‌و‌ ابواب. ‌و‌ ربما قالوا: امواء بالهمز على لفظ الواحد.
 ‌و‌ ‌فى‌ الخبر: ‌ما‌ يخرج ‌من‌ الماء شى الا عليه خزان يعلمون قدره ‌و‌ عدده ‌و‌ وزنه ‌و‌ كيله حتى كان امر نوح فاندفق منه شى ‌لا‌ يعلمون قدره ‌و‌ ‌لا‌ وزنه ‌و‌ ‌لا‌ كيله غضبا لله تعالى فلذلك سمى طاغيا.
 ‌و‌ الكيل تحرير مقدار الشى ء بظرف مخصوص.
 قال ‌فى‌ النهايه: ‌و‌ الذى يعرف ‌به‌ اصل الكيل ‌و‌ الوزن ‌ان‌ كل مالزمه اسم القفيز ‌و‌ المكوك ‌و‌ الصاع ‌و‌ المد فهو كيل، ‌و‌ كل مالزمه اسم الارطال ‌و‌ الامناء ‌و‌ الاواقى فهو وزن، انتهى.
 ‌و‌ قد يطلق الكيل على الوزن ‌و‌ مطلق المقايسه.
 قال ‌فى‌ القاموس: كال الدراهم: وزنها، ‌و‌ الشى ء بالشى ء: قاسه ‌و‌ اللواعج جمع لاعج ‌من‌ لعجه الحزن: اشتد عليه.
 
قال صاحب المحكم: لعج الحزن ‌و‌ الحب يلعج لعجا: استحر ‌فى‌ القلب، ‌اى‌ اشتد.
 ‌و‌ العوالج: جمع عالج، ‌و‌ ‌هو‌ المجتمع ‌من‌ الرمل.
 قال ‌فى‌ المحكم: تعلج الرمل: اجتمع ‌و‌ عالج، رمل بالباديه كانه منه بعد طرح الزائد، انتهى.
 ‌و‌ قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: ‌و‌ ‌فى‌ حديث الدعاء «و ‌ما‌ تحويه عوالج الرمال» ‌هو‌ جمع عالج ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ تراكم ‌من‌ الرمل ‌و‌ دخل بعضه ‌فى‌ بعض، انتهى.
 ‌و‌ المعنى كيل ‌ما‌ تحويه الامطار الشديده ‌و‌ المتراكمه القطر ‌من‌ الماء فهو ‌من‌ باب اضافه الصفه الى الموصوف، ‌و‌ الاصل الامطار اللواعج، ‌و‌ العوالج فقدم الصفه ‌و‌ جعلها نوعا مضافا الى الجنس مثل كرام الناس، ‌و‌ ‌لا‌ يرد ‌ان‌ المضاف ‌فى‌ عوالجها ضمير، ‌و‌ الضمير ‌لا‌ يوصف ‌و‌ ‌لا‌ يوصف ‌به‌ لان الحكم بان المضمر ‌لا‌ يوصف فيما اذا كانت الصفه جاريه عليه ‌لا‌ مضافه اليه.
 
الى ‌و‌ الباء: كلاهما متعلق برسلك، تقول: ارسلته الى فلان بكذا، ‌و‌ الباء: للمصاحبه نحو اهبط بسلام.
 ‌و‌ المكروه ‌ما‌ يكرهه الانسان ‌و‌ يشق عليه ‌و‌ ‌ما‌ موصوله ‌و‌ ‌من‌ البلاء بيان لها.
 ‌و‌ البلاء: اسم ‌من‌ بلاه يبلوه بمعنى امتحنه.
 ‌و‌ المحبوب: مفعول ‌من‌ حبه يحبه ‌من‌ باب ضرب، ‌و‌ القياس ‌ان‌ يكون بالضم ‌من‌ باب قتل لكنه غير مستعمل ‌و‌ هى لغه ‌فى‌ احبه بالالف ‌و‌ هى الكثيره المستعمله لكنهم استغنوا بمحبوب عن محب كما تقدم بيانه ‌فى‌ شرح الاسناد.
 
و الرخاء: بالفتح ‌و‌ المد سعه العيش يقال: رخى عيشه، ‌و‌ رخو، ‌من‌ باب تعب ‌و‌ كرم رخاوه ‌اى‌ اتسع فهو رخى على فعيل، ‌و‌ الاسم الرخاء، ‌و‌ زيد رخى البال: ‌اى‌ ‌فى‌ نعمه ‌و‌ خصب.
 ‌و‌ قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: الرخاء: مصدر قولك رخى البال.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: تعرف الى الله ‌فى‌ الرخاء يعرفك ‌فى‌ الشده.
 
قيل: السفره: ‌هم‌ الكتبه ‌من‌ الملائكه ينسخون الكتب ‌من‌ اللوح على انه جمع سافر ‌من‌ السفر ‌و‌ ‌هو‌ الكتب، ‌و‌ قيل ‌هم‌ الذين يسفرون بالوحى بينه تعالى ‌و‌ بين انبيائه عليهم السلام على انه جمع سفير ‌من‌ السفاره، ‌و‌ اصل السفاره الاصلاح، يقال: سفرت بين القوم سفاره- بالكسر- ‌اى‌ اصلحت ثم سمى الرسول سفيرا لانه يسعى ‌فى‌ الاصلاح ‌و‌ يبعث له غالبا.
 ‌و‌ قيل: انما سموا سفره لنزولهم غالبا بما يقع ‌به‌ الصلاح بين الناس تشبيها بالسفير ‌و‌ ‌هو‌ المصلح.
 ‌و‌ المراد بكونهم كراما: انهم اعزاء على الله تعالى ‌او‌ متعطفون على المومنين مستغفرون لهم.
 ‌و‌ قال عطاء: اراد انهم يتكرمون عن ‌ان‌ يكونوا مع ابن آدم اذا خلامع زوجته للجماع ‌و‌ عند قضاء الحاجه.
 ‌و‌ بكونهم برره: انهم اتقياء مطيعون لله تعالى فاعلون للخيرات منزهون عن النقائص ‌من‌ البر بالكسر، ‌و‌ ‌هو‌ التقى ‌و‌ الصلاح ‌و‌ فعل الخير، ‌و‌ ‌هم‌ الذين ذكرهم الله تعالى ‌فى‌ قوله: «فى صحف مكرمه مرفوعه مطهره بايدى سفره كرام برره»
 
قال بعضهم: ‌و‌ هذه اللفظه يعنى السفره مختصه بالملائكه ‌لا‌ تكاد تطلق على غيرهم ‌و‌ ‌ان‌ جاز الاطلاق بحسب اللغه، انتهى.
 الحفظه: محركه جمع حافظ ‌من‌ حفظ المال: اذا رعاه. ‌و‌ توكل ‌به‌ فهو حافظ ‌و‌ حفيظ ثم اطلق على الذين يحصون اعمال العباد ‌من‌ الملائكه ‌و‌ ‌هم‌ الحافظون قال تعالى: «و ‌ان‌ عليكم لحافظين كراما كاتبين» ‌و‌ ‌هم‌ طائفتان: ملائكه اليمين للحسنات، ‌و‌ ملائكه الشمال للسيئات. قال تعالى: «اذ يتلقى المتلقيان عن اليمين ‌و‌ عن الشمال قعيد».
 عن الصادق عليه السلام انه قال: استعبدهم الله بذلك ‌و‌ جعلهم شهودا على خلقه ليكون العباد لملازمتهم اياهم اشد على طاعه الله مواظبه ‌و‌ عن معصيته اشد انقباضا، ‌و‌ ‌كم‌ ‌من‌ عبد ‌هم‌ بمعصيه فذكر مكانهم فارعوى ‌و‌ كف، فيقول: ربى يرانى ‌و‌ حفظتى على. بذلك تشهد. قال المفسرون: ‌و‌ ‌فى‌ تعظيم الكاتبين بالثناء عليهم تفخيم لامر الجزاء ‌و‌ انه عند الله تعالى ‌من‌ جلائل الامور حيث يستعمل فيه هولاء الكرام.
 ‌و‌ اعلم: ‌ان‌ الحفظه على قسمين: حفظه على العباد ‌و‌ ‌هم‌ الكرام الكاتبون المذكورون. ‌و‌ حفظه للعباد ‌و‌ ‌هم‌ الذين يحفظونهم بامر الله تعالى ‌من‌ الافات التى تعرض لهم كما قال تعالى: «له معقبات ‌من‌ بين يديه ‌و‌ ‌من‌ خلفه يحفظونه ‌من‌ امر الله».
 عن ابى جعفر عليه السلام يقول: ‌من‌ امر الله ‌من‌ ‌ان‌ يقع ‌فى‌ ركى ‌او‌ يقع
 
عليه حائط ‌او‌ يصيبه شى ء حتى اذا جاء القدر خلوا بينه ‌و‌ بينه فيدفعونه الى المقادير ‌و‌ هما ملكان يحفظانه بالليل ‌و‌ ملكان بالنهار يتعاقبانه.
 
 تكميل
 
 قال بعض القدماء: ‌ان‌ هذه النفوس البشريه ‌و‌ الارواح الانسانيه مختلفه بجواهرها، فبعضها خيره ‌و‌ بعضها شريره، ‌و‌ كذا القول ‌فى‌ البلاده ‌و‌ الذكاء ‌و‌ الفجور ‌و‌ العفه ‌و‌ الدناءه ‌و‌ الشرف ‌و‌ غيرها ‌من‌ الهيئات، ‌و‌ لكل طائفه ‌من‌ هذه الارواح السفليه روح سماوى ‌هو‌ لها كالاب الشفيق ‌و‌ السيد الرحيم يعينها على مهماتها ‌فى‌ يقظتها ‌و‌ منامها، تاره على سبيل الرويا، ‌و‌ اخرى على سبيل الالهامات ‌و‌ ‌هو‌ مبدا لما يحدث فيها ‌من‌ خير ‌و‌ شر، ‌و‌ تعرف تلك المبادى ء ‌فى‌ مصطلحهم بالطباع التام يعنى: ‌ان‌ تلك الارواح الفلكيه ‌فى‌ تلك الطبائع ‌و‌ الاخلاق تامه بالنسبه الى هذه الارواح السفليه ‌و‌ هى الحافظه لها ‌و‌ عليها، ‌و‌ هذا ‌هو‌ المراد بالحفظه.
 ‌و‌ قال بعضهم: ‌ان‌ الله سبحانه خلق الطبائع المتضاده ‌و‌ مزج بين العناصر المتنافره حتى استعد ذلك الممتزج بسبب ذلك الامتزاج لقبول النفس المدبره ‌و‌ القوى الحسيه ‌و‌ المحركه، قالمراد بالحفظه: المرسله ‌فى‌ قوله تعالى: «و يرسل عليكم حفظه» هى تلك النفس، ‌و‌ القوى الذى تحفظ تلك الطبائع المقهوره على امتزاجاتها ‌و‌ هى الضابطه على انفسها اعمالها، ‌و‌ المكتوب ‌فى‌ الواحها صوره ‌ما‌ تفعله لتشهد ‌به‌ على انفسها يوم القيامه كما قال تعالى: «قالوا شهدنا على انفسنا ‌و‌ غرتهم الحياه الدنيا ‌و‌ شهدوا على انفسهم انهم كانوا كافرين». ‌و‌ هى المعقبات ‌من‌
 
بين يدى الانسان ‌و‌ ‌من‌ خلفه الحافظون له ‌من‌ امر الله.
 ‌و‌ قال آخرون: ‌ان‌ للنفوس المتعلقه بهذه الاجساد مشاكله ‌و‌ مشابهه بالنفوس المفارقه عن الاجساد فيكون لتلك المفارقه ميل الى النفوس التى لم تفارق فيكون لها تعلق ايضا بوجه ‌ما‌ بهذه الابدان بسبب ‌ما‌ بينها ‌و‌ بين نفوسها ‌من‌ المشابهه ‌و‌ الموافقه فتصير معاونه لهذه النفوس على مقتضى طباعها ‌و‌ شاهده عليها كما قال تعالى: «ما يلفظ ‌من‌ قول الا لديه رقيب عتيد».
 هذه جمله اقوال ارباب المعقول ‌فى‌ حقيقه الحفظه. ‌و‌ الذى يقتضيه ظاهر القرآن ‌و‌ دلت عليه الاخبار: انهم ارواح سماويه كلفهم الله تعالى بحفظ عباده فمنهم حافظون لهم ‌و‌ منهم حافظون عليهم كما عرفت ‌و‌ الايمان بذلك اظهر ‌و‌ اسلم، ‌و‌ الله اعلم.
 ملك الموت: عباره عن الروح المتولى لافاضه صوره العدم على قوى اعضاء هذا البدن ‌و‌ لحال مفارقه النفس له ‌و‌ اسمه على ‌ما‌ وردت ‌به‌ الاخبار المستفيضه عزرائيل.
 عن ابى الحسن الاول عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: ‌ان‌ الله تبارك ‌و‌ تعالى اختار ‌من‌ الملائكه اربعه: جبرئيل، ‌و‌ ميكائيل، ‌و‌ اسرافيل، ‌و‌ ملك الموت».
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه: ‌ان‌ هولاء الاربعه ‌هم‌ المدبرات امرا فالمقسمات امرا
 ‌و‌ عن اسباط ‌بن‌ سالم مولى ابان قال: قلت لابى عبدالله عليه السلام: جعلت فداك يعلم ملك الموت نفس ‌من‌ يقبض؟ قال: ‌لا‌ انما هى صكاك تنزل ‌من‌
 
السماء اقبض نفس فلان.
 ‌و‌ الاعوان: جمع عون بالفتح ‌و‌ ‌هو‌ الظهير على الامر ‌و‌ المعاون عليه اعانه اعانه ‌و‌ عاونه معاونه.
 روى الصدوق ‌فى‌ الفقيه قال: سئل الصادق عليه السلام عن قول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «الله يتوفى الانفس حين موتها» ‌و‌ عن قول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «قل يتوفيكم ملك الموت الذى ‌و‌ كل بكم» ‌و‌ عن قول الله تعالى: «الذين تتوفيهم الملائكه طيبين» ‌و‌ «الذين تتوفيهم الملائكه ظالمى انفسهم» ‌و‌ عن قوله تعالى: «توفته رسلنا» ‌و‌ عن قوله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «و لو ترى اذ يتوفى الذين كفروا الملائكه» ‌و‌ قد يموت ‌فى‌ الساعه الواحده ‌فى‌ جميع الافاق ‌ما‌ ‌لا‌ يحصيه الا الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ فكيف هذا؟ فقال: ‌ان‌ الله تبارك ‌و‌ تعالى جعل لملك الموت اعوانا ‌من‌ الملائكه، يقبضون الارواح بمنزله صاحب الشرطه له اعوان ‌من‌ الانس يبعثهم ‌فى‌ حوائجه فتوفاهم الملائكه ‌و‌ يتوفاهم ملك الموت ‌من‌ الملائكه مع ‌ما‌ يقبض ‌هو‌ ‌و‌ يتوفاهم الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌من‌ ملك الموت.
 ‌و‌ عن ابن عباس ‌فى‌ قوله تعالى: «توفته رسلنا» قال: اعوان ملك الموت ‌من‌ الملائكه.
 قال بعض الصوفيه: ‌حق‌ ملك الموت ‌ان‌ يحبه المسلم ‌من‌ بين الملائكه فضل محبه ‌من‌ حيث انه سبب بتعويض الحياه السنيه الابديه ‌من‌ الحياه الدنيه الدنيويه، ‌و‌ لهذا امرنا بان نقول ‌فى‌ دعائنا: «اللهم صل على جبرئيل ‌و‌ ميكائيل ‌و‌ ملك الموت» فان جبرئيل ‌و‌ ميكائيل سببان لانبائنا عن ذلك العالم بما فيه خلاصنا ‌من‌ دار الكون ‌و‌ الفساد، ‌و‌ ملك الموت سبب لاخراجنا ‌من‌ دار الكون ‌و‌ الفساد فاذا
 
 
حقه عظيم ‌و‌ شكره لازم.
 منكر: اسم مفعول ‌من‌ انكر الشى ء انكارا خلاف عرفه.
 ‌و‌ النكير فعيل بمعنى الانكار. سمى بهما ملكا القبر كما تظافرت ‌به‌ الاحاديث، ‌و‌ انكر بعض اهل الاسلام تسميتهما بهذين الاسمين، ‌و‌ قالوا: ‌ان‌ المنكر ‌هو‌ ‌ما‌ يصدر عن الكافر ‌من‌ التلجلج عن سوالهما اياه، ‌و‌ النكير ‌هو‌ ‌ما‌ يصدر عنهما ‌من‌ التقريع له، فليس للمومن منكر ‌و‌ ‌لا‌ نكير عند هولاء، ‌و‌ الاحاديث المستفيضه ‌من‌ طرق الخاصه ‌و‌ العامه صريحه ‌فى‌ خلافهم.
 اخرج الطبرانى ‌من‌ العامه ‌فى‌ الاوسط بسند حسن عندهم عن ابن عباس قال: اسم الملكين اللذين ياتيان ‌فى‌ القبر: منكر ‌و‌ نكير.
 ‌و‌ اخرج البيهقى ‌فى‌ كتاب عذاب القبر عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: كيف انت ‌يا‌ عمر اذا انتهى بك الى الارض فحفر لك ثلاثه اذرع ‌و‌ شبر ‌فى‌ ذراعين ‌و‌ شبر، ثم اتاك منكر ‌و‌ نكير اسودان يجران اشعارهما كان اصواتهما الرعد القاصف، ‌و‌ كان اعينهما البرق الخاطف يحفران لك الارض بانيابهما فاجلساك فزعا فتلتلاك ‌و‌ توهلاك؟ قال: ‌يا‌ رسول الله ‌و‌ انا يومئذ على ‌ما‌ انا عليه قال: نعم. قال: اكفيكهما باذن الله.
 تلتله: حركه ‌و‌ اقلقه، ‌و‌ توهله: عرضه لان يهل اى: يغلط ‌و‌ يسهو.
 ‌و‌ اخرج الترمذى ‌و‌ البيهقى عن ابى هريره قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: اذا قبر الميت اتاه ملكان اسودان ازرقان. يقال: لاحدهما منكر ‌و‌ للاخر نكير.
 
و عن ابى عبدالله عليه السلام قال: يجى ء الملكان منكر ‌و‌ نكير الى الميت حين يدفن، اصواتهما كالرعد القاصف ‌و‌ ابصارهما كالبرق الخاطف يخطان الارض بانيابهما ‌و‌ يطان ‌فى‌ شعورهما.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ملكا القبر ‌و‌ هما قعيدا القبر منكر ‌و‌ نكير.
 قوله عليه السلام: «و رومان» فتان القبور، رومان: بضم الراء المهمله اسم احد ملائكه القبر، ‌و‌ ‌هو‌ فعلان ‌من‌ الروم يقال: رامه يرومه روما اذا طلبه.
 اخرج ابونعيم عن ضمره ‌بن‌ حبيب قال: فتان القبر ثلاثه: انكر ‌و‌ ناكور ‌و‌ رومان.
 ‌و‌ اخرج ابوالحسن القطان ‌فى‌ المطولات عن ضمره قال: فتان القبور اربعه: منكر ‌و‌ نكير ‌و‌ ناكور ‌و‌ سيدهم رومان.
 ذكر ذلك الجلال السيوطى ‌فى‌ الحبائك.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه عبدالله ‌بن‌ سلام قال: سالت رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم عن اول ملك يدخل ‌فى‌ القبر على الميت قبل منكر ‌و‌ نكير. فقال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: ملك يتلالا وجهه كالشمس اسمه: رومان يدخل على الميت ثم يقول له: اكتب ‌ما‌ عملت ‌من‌ حسنه ‌و‌ سيئه. فيقول: باى شى ء اكتب؟ اين قلمى ‌و‌ دواتى ‌و‌ مدادى؟ فيقول: ريقك مدادك ‌و‌ قلمك اصبعك، فيقول: على ‌اى‌ شى ء اكتب ‌و‌ ليس معى صحيفه؟ قال: صحيفتك كفنك فاكتب. فيكتب ‌ما‌ عمله ‌فى‌ الدنيا خيرا، ‌و‌ اذا بلغ سيئاته يستحى منه فيقول له الملك: ‌يا‌ خاطى ء ‌ما‌ تستحى ‌من‌ خالقك حين عملته ‌فى‌ الدنيا فتستحى الان، فيرفع الملك العمود
 
ليضربه. فيقول: ارفع عنى حتى اكتبها فيكتب فيها جميع حسناته ‌و‌ سيئاته ثم يامره ‌ان‌ يطوى ‌و‌ يختم. فيقول: باى شى ء اختم؟ ‌و‌ ليس معى خاتم. فيقول: اختمها بظفرك ‌و‌ علقها ‌فى‌ عنقك الى يوم القيامه. كما قال الله تعالى: «و كل انسان الزمناه طائره ‌فى‌ عنقه ‌و‌ نخرج له يوم القيامه كتابا يلقيه منشورا».
 ‌و‌ فتان ‌من‌ ابنيه المبالغه ‌فى‌ الفتنه.
 قال ابن الاثير ‌و‌ ‌فى‌ حديث الكسوف: «و انكم تفتنون ‌فى‌ القبور» يريد مساءله منكر ‌و‌ نكير ‌من‌ الفتنه الامتحان ‌و‌ الاختبار ‌و‌ قد كثرت استعاذته ‌من‌ فتنه القبر ‌و‌ فتنه الدجال ‌و‌ فتنه المحيا ‌و‌ الممات ‌و‌ غير ذلك.
 ‌و‌ منه الحديث: «فبى تفتنون ‌و‌ عنى تسالون» ‌اى‌ تمتحنون ‌بى‌ ‌فى‌ قبوركم ‌و‌ يتعرف ايمانكم بنبوتى. انتهى.
 ‌و‌ اصل الفتنه للفضه ‌و‌ هى سبكها بالنار ليتميز رديها ‌من‌ جيدها، ‌و‌ اضافه فتان الى القبور اما ‌من‌ اضافه اسم الفاعل الى معموله على حذف مضاف ‌اى‌ فتان اصحاب القبور ‌او‌ الى غير معموله كمصارع مصر ‌و‌ هذا اولى، ‌و‌ نصبه ‌فى‌ روايه ابن ادريس على القطع باضمار اعنى.
 
 تبصره
 
 القول بسوال منكر ‌و‌ نكير ‌و‌ فتنه القبر ‌و‌ عذابه ‌و‌ ثوابه ‌حق‌ يجب الايمان ‌به‌ لما تواترت ‌به‌ الاخبار، بل ‌هو‌ ‌من‌ ضروريات الدين ‌و‌ الاظهر الاسلم ‌فى‌ الايمان بذلك
 
ان يصدق بانها موجوده، ‌و‌ ‌ان‌ هناك ملكين ‌او‌ اكثر على الصوره المحكيه ‌و‌ ‌ان‌ كنا ‌لا‌ نشاهد ذلك، اذ ‌لا‌ تصلح هذه العين لمشاهده الامور الملكوتيه. ‌و‌ كل ‌ما‌ يتعلق بالاخره فهو ‌من‌ عالم الملكوت كما كانت الصحابه يومنون بنزول جبرئيل، ‌و‌ ‌ان‌ النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم يشاهده ‌و‌ ‌ان‌ لم يكونوا يشاهدونه، ‌و‌ كما ‌ان‌ جبرئيل ‌لا‌ يشبه الناس فكذلك منكر ‌و‌ نكير ‌و‌ رومان، فوجب التصديق بوجودهم ‌و‌ الايمان بسوالهم ‌و‌ فتنتهم كما اخبر ‌به‌ المخبر الصادق.
 ‌و‌ اما التاويل الوارد عن غير ارباب العصمه على تقدير احتمال صحته فلا موجب للقول ‌به‌ فضلا عن الاذعان به.
 طاف بالشى ء يطوف طوفا ‌و‌ طوافا: استدار به. ‌و‌ البيت المعمور ‌هو‌ المسمى بالضراح بضم الضاد المعجمه ‌و‌ فتح الراء المهمله المخففه ‌و‌ بعد الالف حاء مهمله على وزن غراب ‌من‌ المضارحه ‌و‌ هى: المقابله ‌و‌ المصارعه، ‌و‌ راوى الصاد مصحف، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ السماء الرابعه كما وردت ‌به‌ روايات، ‌و‌ ‌فى‌ روايه ‌فى‌ السماء السادسه، ‌و‌ ‌فى‌ اخرى ‌فى‌ السابعه.
 ‌و‌ عن ابى جعفر عليه السلام: ‌ان‌ اركان البيت الحرام ‌فى‌ الارض حيال البيت المعمور ‌فى‌ السماء.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى باسناده عن محمد ‌بن‌ مروان قال: سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول: كنت مع ابى ‌فى‌ الحجر، فبينما ‌هو‌ قائم يصلى اذ اتاه رجل فجلس اليه فلما انصرف سلم عليه ثم قال: انى اسالك عن ثلاثه اشياء ‌لا‌ يعلمها الا انت ‌او‌ رجل آخر. قال: ‌ما‌ هى؟ قال: اخبرنى ‌اى‌ شى ء كان سبب الطواف بهذا البيت؟ فقال: ‌ان‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ لما امر الملائكه ‌ان‌ يسجدوا لادم عليه السلام
 
ردوا عليه فقالوا: «اتجعل فيها ‌من‌ يفسد فيها ‌و‌ يسفك الدماء ‌و‌ نحن نسبح بحمدك ‌و‌ نقدس لك» قال الله تبارك ‌و‌ تعالى: «انى اعلم ‌ما‌ ‌لا‌ تعلمون» فغضب عليهم ثم سالوه التوبه فامرهم ‌ان‌ يطوفوا بالضراح ‌و‌ ‌هو‌ البيت المعمور، ‌و‌ مكثوا يطوفون ‌به‌ سبع سنين، يستغفرون الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ مما قالوا، ثم تاب عليهم ‌من‌ بعد ذلك ‌و‌ رضى عنهم، فهذا كان اصل الطواف، ثم جعل الله البيت الحرام حذو الضراح توبه لمن اذنب ‌من‌ بنى آدم ‌و‌ طهورا لهم. فقال: صدقت.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه اخرى عنه عليه السلام: ‌ان‌ الله امر ملكا ‌من‌ الملائكه ‌ان‌ يجعل له بيتا ‌فى‌ السماء السادسه يسمى الضراح بازاء عرشه، فصيره لاهل السماء يطوف ‌به‌ سبعون الف ملك ‌فى‌ كل يوم ‌لا‌ يعودون ‌و‌ يستغفرون.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌ان‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ امر للملائكه ببيت ‌من‌ مرمر، سقفه ياقوته حمراء، ‌و‌ اساطينه الزبرجد، يدخله كل يوم سبعون الف ملك، ‌لا‌ يدخلونه بعد ذلك الى يوم الوقت المعلوم. قال: ‌و‌ يوم الوقت المعلوم «يوم ينفخ ‌فى‌ الصور نفخه واحده».
 ‌و‌ خرج الازرقى عن على ‌بن‌ الحسين عليهماالسلام ‌من‌ جمله حديث: ‌ان‌ الله سبحانه ‌و‌ تعالى وضع تحت العرش بيتا على اربع اساطين ‌من‌ زبرجد ‌و‌ غشاهن بياقوته حمراء، ‌و‌ سمى البيت: الضراح. ثم قال الله للملائكه: طوفوا بهذا البيت ‌و‌ دعوا العرش، فطافت الملائكه بالبيت ‌و‌ تركت العرش، فصار اهون عليهم، ‌و‌ ‌هو‌ البيت المعمور الذى ذكره الله يدخله كل يوم ‌و‌ ليله سبعون الف ملك ‌لا‌ يعودون فيه ابدا.
 
مالك: اسم مقدم خزنه النار، اعاذنا الله منها، ‌و‌ ‌هو‌ اسم مشتق ‌من‌ الملك ‌و‌ القوه حيث تصرفت حروفه، قال تعالى: «و نادوا ‌يا‌ مالك ليقض علينا ربك قال انكم ماكثون».
 ‌و‌ الخزنه: الملائكه المتولون لامرها، قال ‌عز‌ ‌و‌ جل: «و قال الذين ‌فى‌ النار لخزنه جهنم» ‌و‌ قال تعالى: «عليها ملائكه غلاظ شداد».
 روى عن رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم انه قال: ‌و‌ الذى نفسى بيده لقد خلقت ملائكه جهنم قبل ‌ان‌ تخلق جهنم بالف (بالاف) عام، فهم كل يوم يزدادون قوه الى قوتهم.
 رضوان: بكسر الراء ‌و‌ ضمها علم منقول ‌من‌ الرضوان بمعنى: الرضا، ‌و‌ ‌هو‌ خلاف السخط، ‌و‌ لما كان رضوان الله تعالى اعظم السعادات ‌و‌ اشرف المرغوبات كما قال تعالى: «و رضوان ‌من‌ الله اكبر» سمى الله تعالى رئيس خزان الجنان برضوان اذ كان دخول الجنان ‌و‌ سكناها ‌من‌ مقتضيات رضوانه.
 ‌و‌ السدنه: جمع سادن ‌من‌ السدانه بالكسر، ‌و‌ هى خدمه الاماكن المعظمه كالكعبه ‌و‌ المسجد.
 قال ابن الاثير: سدانه الكعبه هى خدمتها ‌و‌ تولى امرها ‌و‌ فتح بابها ‌و‌ اغلاقه انتهى.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: سدنه البيت: حجبته، ‌و‌ سدن الستر ‌و‌ سدله: ارخاه، ‌و‌ ‌هو‌ سادن فلان ‌و‌ آذنه لحاجبه انتهى. فظهر ‌ان‌ السدانه مشتقه ‌من‌ السدن كالستر ‌و‌ زنا ‌و‌ معنى، كما ‌ان‌ الحجابه مشتقه ‌من‌ الحجاب ثم اطلقت على
 
خدمه الكعبه ‌و‌ نحوها.
 ‌و‌ الجنان: جمع جنه، ‌و‌ اشتقاقها ‌من‌ الستر ‌و‌ التغطيه، ‌و‌ منه: الجنين لاستتاره ‌فى‌ البطن، ‌و‌ الجان لاستتاره عن العيون، ‌و‌ سمى البستان جنه لانه يستر داخله بالاشجار ‌و‌ يغطيه فلا يستحق هذا الاسم الا موضع كثير الاشجار متهدل الاغصان.
 ‌و‌ الجنان المذكوره ‌فى‌ القرآن ثمان ‌و‌ هى: جنه النعيم، ‌و‌ جنه الفردوس، ‌و‌ جنه الخلد، ‌و‌ جنه الماوى، ‌و‌ جنه عدن، ‌و‌ دار السلام، ‌و‌ دار القرار، ‌و‌ جنه عرضها السماوات ‌و‌ الارض اعدت للمتقين، ‌و‌ ‌من‌ وراء الكل: عرش الرحمن ذى الجلال ‌و‌ الاكرام. ‌و‌ سدنتها ‌هم‌ خزنتها الذين اشار اليهم سبحانه ‌و‌ تعالى بقوله: «حتى اذا جاءوها ‌و‌ فتحت ابوابها ‌و‌ قال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين».
 
اقتباس ‌من‌ قوله تعالى: «نارا وقودها الناس ‌و‌ الحجاره عليها ملائكه غلاظ شداد ‌لا‌ يعصون الله ‌ما‌ امرهم ‌و‌ يفعلون ‌ما‌ يومرون».
 قال المفسرون: ‌هم‌ الزبانيه، ‌و‌ ذكره عليه السلام للزبانيه بعد هذا يدل على انهم غيرهم.
 ‌و‌ قوله: «ما امرهم» ‌فى‌ محل نصب على انه بدل اشتمال ‌من‌ الله اى: ‌لا‌ يعصون امره، ‌او‌ على نزع الخافض اى: فيما امرهم.
 ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ عدم العصيان يستلزم قبول الامر ‌و‌ امتثاله، فصرح بما عرف ضمنا قائلا: «و يفعلون ‌ما‌ يومرون» اى: يودون ‌ما‌ يومرون ‌به‌ ‌من‌ غير تثاقل ‌و‌ ‌لا‌ توان.
 
و يجوز ‌ان‌ يكون الاول متعلقا بالماضى ‌من‌ الامر، ‌و‌ الثانى بالمستقبل منه.
 
اقتباس آخر ‌من‌ قوله تعالى: «و الملائكه يدخلون عليهم ‌من‌ كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار». اى: قائلين ذلك.
 فقولهم: «سلام عليكم» بشاره بدوام السلامه لاهل الجنه ‌من‌ جميع الافات.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «بما صبرتم» متعلق بالسلام ‌و‌ المعنى: انما حصلت لكم هذه السلامه بسبب صبركم على الطاعات ‌و‌ عن المعاصى.
 ‌و‌ قيل: متعلقها محذوف اى: هذه الكرامه العظمى بسبب صبركم ‌او‌ بدل ‌ما‌ احتملتم ‌من‌ مشاق الصبر ‌و‌ متاعبه، فالباء: للبدليه ‌و‌ المعنى: لئن تعبتم ‌فى‌ الدنيا لقد استرحتم الساعه.
 ‌و‌ نعم: بكسر النون ‌و‌ سكون العين: فعل جامد للزومه انشاء المدح على سبيل المبالغه.
 ‌و‌ عقبى الدار: مرفوع على الفاعليه له. ‌و‌ العقبى: مصدر كالعاقبه ‌و‌ مثلها البشرى ‌و‌ القربى. ‌و‌ المراد بالدار: الدنيا ‌و‌ عقباها الجنه لانها التى اراد الله ‌ان‌ تكون عاقبه الدنيا ‌و‌ مرجع اهلها، يقولون: نعم ‌ما‌ اعقبكم الله بعد الدار الاولى.
 ‌و‌ لعل المراد بالملائكه المذكورين سكان الجنه الذين ‌هم‌ غير خزانها، ‌و‌ ‌هم‌ الذين يتلقون عباد الله المخلصين بالشفقه ‌و‌ البشاره بما تقربه اعينهم، ‌و‌ يدخلون عليهم ‌من‌ كل باب ‌من‌ ابواب قصورهم فيونسوهم ‌و‌ يسترونهم بما تنشرح ‌به‌ صدورهم ‌و‌ يزيد ‌به‌ سرورهم.
 
الزبانيه: الشرط ‌و‌ ‌هم‌ اعوان الولاه، قيل: هى جمع ‌لا‌ واحد له، ‌و‌ قيل: واحده
 
زبنيه كعفريه، ‌و‌ قيل: زبنى بالكسر كانه نسب الى الزبن ‌و‌ كسر الزاى لتغيير النسب كامسى، ‌و‌ اصلها: زبانى فقيل: زبانيه بتعويض التاء عن الياء، ‌و‌ اشتقاقها ‌من‌ الزبن ‌و‌ ‌هو‌ الدفع، يقال: زبنت الشى ء زبنا: اذا دفعته سمى بها ملائكه العذاب لانهم يدفعون اهل النار اليها، ‌و‌ ‌فى‌ خبر: ‌ان‌ الزبانيه ارجلهم ‌فى‌ الارض ‌و‌ رووسهم ‌فى‌ السماء.
 ‌و‌ الضمير ‌فى‌ خذوه: عائد على المستحق للجحيم ‌و‌ ‌ان‌ لم يجر له ذكر لدلاله السياق عليه.
 ‌و‌ قوله: «فغلوه» اى: شدوه ‌فى‌ الاغلال.
 ‌و‌ الجحيم: النار الشديده التاجج، ‌و‌ كل نار بعضها فوق بعض، ‌و‌ كل نار عظيمه ‌فى‌ مكان هاو.
 ‌و‌ صلاه النار تصليه: ادخله اياها ‌و‌ اثواه فيها. ‌و‌ تقديم الجحيم على التصليه للحصر اى: ‌لا‌ تصلوه الا الجحيم.
 ‌و‌ ابتدر الشى ء كبادره: عاجله.
 ‌و‌ سراعا: ‌اى‌ مسرعين ‌و‌ ‌هو‌ جمع سريع كصغير ‌و‌ صغار.
 ‌و‌ الانظار: الامهال، اى: لم يمهلوه.
 روى: انه اذا قيل خذوه ابتدر اليه مائه الف ملك ‌و‌ تجمع يده الى عنقه.
 
اوهم الشى ء ايهاما: تركه، ‌و‌ اوهم ‌فى‌ الحساب مائه: اسقطها.
 ‌و‌ لم نعلم مكانه: ‌اى‌ منزلته ‌و‌ مرتبته.
 منك: ‌اى‌ عندك، مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «لن تغنى عنهم اموالهم ‌و‌ ‌لا‌ اولادهم
 
من الله شيئا» اى: عنده.
 ‌و‌ الواو ‌من‌ قوله: «و لم نعلم» يحتمل ‌ان‌ تكون عاطفه اى: ‌و‌ ‌من‌ لم نعلم مكانه، ‌و‌ ‌ان‌ تكون للحال ‌اى‌ ‌و‌ ‌من‌ ‌او‌ همنا ذكره ‌و‌ الحال انا لم نعلم مكانه.
 ‌و‌ قوله: «و باى امر وكلته» عطف على قوله مكانه، اى: ‌و‌ لم نعلم باى امر وكلته. ‌و‌ فيه دلاله على انه ‌لا‌ يعلم اصناف الملائكه غير خالقها كما قال تعالى: «و ‌ما‌ يعلم جنود ربك الا هو»، حتى قيل: ‌ما‌ ‌من‌ ذره ‌من‌ ذرات العالم الا قد ‌و‌ كل ‌به‌ ملك ‌او‌ ملائكه.
 روى ابوجعفر الصفار ‌فى‌ كتاب بصائر الدرجات باسناده عن حماد ‌بن‌ عيسى قال: سال رجل اباعبدالله عليه السلام فقال: الملائكه اكثر ‌ام‌ بنو آدم فقال: ‌و‌ الذى نفسى بيده لملائكه الله ‌فى‌ السماوات اكثر ‌من‌ عدد التراب ‌فى‌ الارض ‌و‌ ‌ما‌ ‌فى‌ السماء موضع قدم الا ‌و‌ فيه ملك يسبح له (يسبحه) ‌و‌ يقدسه ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ الارض شجره ‌و‌ ‌لا‌ مثل غرزه ابره الا ‌و‌ فيها ملك موكل ياتى الله كل يوم بعلمها ‌و‌ الله اعلم بها، ‌و‌ ‌ما‌ منهم احد الا ‌و‌ يتقرب الى الله ‌فى‌ كل يوم بولايتنا اهل البيت، ‌و‌ يستغفر لمحبينا ‌و‌ يلعن اعداءنا، ‌و‌ يسال الله ‌ان‌ يرسل عليهم العذاب ارسالا.
 ‌و‌ اخرج الواحدى ‌و‌ البيهقى ‌فى‌ الدلائل عن خارجه ‌بن‌ ابراهيم عن ابيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم لجبرئيل: ‌من‌ القائل يوم بدر اقدم حيزوم ؟ فقال جبرئيل: ‌ما‌ كل اهل السماء اعرف.
 
الهواء بالمد: الجو، ‌و‌ المراد بسكانه هنا: سكانه ‌من‌ الملائكه ‌و‌ الا فله سكان آخرون كما ورد ‌فى‌ بعض الروايات: ‌ان‌ الاعراب خرجوا يجتنون الكماءه فاصابوا
 
فى البدو خلقا ملقى، فاتوا ‌به‌ الربيع حاجب المنصور فادخله على المنصور ليعجبه منه فوضعه بين يديه، فلما رآه قال: نحه وادع لى جعفر ‌بن‌ محمد، فدعاه فقال: ‌يا‌ اباعبدالله اخبرنى عن الهواء ‌ما‌ فيه؟ فقال: ‌فى‌ الهواء موج مكفوف. فقال: فيه سكان؟ قال: نعم. قال: ‌و‌ ‌ما‌ سكانه؟ قال: خلق ابدانهم خلق الحيتان ‌و‌ رووسهم رووس الطير ‌و‌ لهم اعراف كاعراف الديكه ‌و‌ نغانغ كنغانغ الديكه، ‌و‌ اجنحه كاجنحه الطير ‌فى‌ الوان اشد بياضا ‌من‌ الفضه المجلوه. قال الربيع: فقال المنصور: هلم الطست فجئت بها ‌و‌ فيها ذلك الخلق، فاذا ‌هو‌ ‌و‌ الله كما وصف جعفر ‌بن‌ محمد فلما نظر اليه جعفر قال: هذا ‌هو‌ الخلق الذى يسكن الموج المكفوف. فاذن له بالانصراف فلما خرج قال: ويلك ‌يا‌ ربيع هذا الشجا المعترض ‌فى‌ حلقى ‌من‌ اعلم الناس.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المراد بسكان الهواء ‌و‌ الارض ‌و‌ الماء: ملائكه العناصر، فقد صرحوا بان ‌من‌ اصناف الملائكه ملائكه العناصر ‌و‌ ‌ان‌ يكونوا غيرهم.
 روى الصدوق ‌فى‌ الفقيه قال: نهى النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم عن الغسن تحت السماء الا بمئزر، ‌و‌ نهى عن دخول الانهار الا بمئزر ‌و‌ قال: ‌ان‌ للماء اهلا ‌و‌ سكانا.
 ‌و‌ عن عبدالرحمن ‌بن‌ ابى ليلى قال: دخل الحسن ‌بن‌ على عليهماالسلام الفرات ‌فى‌ برده كانت عليه قال: فقلت له: لو نزعت ثوبك فقال لى: ‌يا‌ عبدالرحمن ‌ان‌ للماء سكانا.
 اى: موكل على جميع المخلوقات السماويه ‌و‌ الارضيه، فقد روى: ‌ان‌ ‌ما‌ ‌من‌
 
شى ء ‌من‌ خلق الله الا ‌و‌ ملك موكل عليه.
 قال بعض العلماء: روى انه ‌ما‌ ‌من‌ ذره ‌و‌ ‌لا‌ قطره الا ‌و‌ قد ‌و‌ كل بها ملك ‌او‌ ملائكه ‌و‌ اذا كان هذا حال الذرات ‌و‌ القطرات فما ظنك بالسماوات ‌و‌ الكواكب ‌و‌ الهواء ‌و‌ الغيوم ‌و‌ الرياح ‌و‌ الامطار ‌و‌ الارض ‌و‌ الجبال ‌و‌ القفار ‌و‌ البحار ‌و‌ العيون ‌و‌ الانهار ‌و‌ المعادن ‌و‌ النبات، فبالملائكه صلاح العالم، ‌و‌ تمام الموجودات، ‌و‌ كمال الاشياء بتقدير العزيز العليم.
 
قائم: ‌اى‌ مطالب، ‌من‌ قام على غريمه اذا طالبه، ‌و‌ منه قوله تعالى: «الا ‌ما‌ دمت عليه قائما». ‌و‌ ‌فى‌ روايه ابن ادريس سائق ‌و‌ شهيد، ‌و‌ ‌هو‌ المطابق للتنزيل، قال تعالى: «و جاءت كل نفس معها سائق ‌و‌ شهيد» اى: معها ملكان احدهما يسوقها الى الحشر ‌و‌ الاخر يشهد بعملها.
 ‌و‌ ‌ما‌ قيل ‌من‌ احتمال كون السائق ‌و‌ الشهيد ملكا واحدا جامعا بين الوصفين كانه قيل معها ملك يسوقها ‌و‌ يشهد عليها.
 يرده ‌ما‌ رواه جابر عن رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: ‌ان‌ ابن آدم اذا قامت الساعه انحط عليه ملك الحسنات ‌و‌ ملك السيئات ‌و‌ انتشطا كتابا معقودا ‌فى‌ عنقه ثم حضرا معه واحد سائق ‌و‌ الاخر شهيد.
 ‌و‌ ‌ما‌ روى عن الصادق عليه السلام: سائق يسوقها الى محشرها، ‌و‌ شاهد يشهد
 
عليها بعملها.
 ‌و‌ محل «معها» النصب على الحاليه ‌من‌ «كل» لاضافته الى ‌ما‌ ‌هو‌ ‌فى‌ حكم المعرفه كانه قبل كل النفوس، ‌او‌ الجر على انه وصف لنفس ‌او‌ الرفع على انه وصف ل«كل».
 
الكرامه: الاسم ‌من‌ الاكرام. ‌و‌ اكرامهم: تقريبهم منه تعالى كما قال: «بل عباد مكرمون».
 ‌و‌ طهارتهم: تقدسهم عن المعاصى ‌و‌ الخروج عن الطاعات ‌و‌ جواذب الشهوات.
 ‌و‌ لما كانت مراتب استحقاق نعم الله تعالى على اصناف خلقه غير متناهيه دعا لهم عليه السلام ‌ان‌ يزيدهم كرامه على كرامتهم، ‌و‌ طهاره على طهارتهم.
 ‌و‌ «على» للاستعلاء المعنوى بمعنى: فوق، كما ‌فى‌ قوله تعالى: «ظلمات بعضها فوق بعض» ‌و‌ يجوز ‌ان‌ تكون بمعنى: «مع» اى: مع كرامتهم.
 
اذا: ظرف للمستقبل متضمن معنى الشرط ‌و‌ جوابه، قوله: «فصل عليهم» اذ كان ذكر المومنين لاحد بالخير سببا لرحمه الله تعالى اياه، ‌و‌ ‌فى‌ نسخه «فصل علينا» ‌و‌ ‌هو‌ الانسب، بقوله: «بما فتحت لنا».
 ‌و‌ «الباء» للسببيه اى: بسبب ‌ما‌ فتحت لنا ‌اى‌ يسرت على الفهم ‌و‌ الفكر ‌و‌ اللسان.
 
و «من»: بيانيه.
 ‌و‌ المراد بحسن القول فيهم: وصفهم بالجميل ‌و‌ الدعاء لهم.
 ‌و‌ الجواد: الكثير الانعام ‌و‌ الاحسان.
 ‌و‌ «الكريم» اعم منه، ‌و‌ لذلك قال بعض الفضلاء: الكريم: ‌هو‌ الذى اذا قدر عفا، ‌و‌ اذا وعد وفا، ‌و‌ اذا اعطى زاد على منتهى الرجاء، ‌و‌ لم يبل بما اعطى ‌و‌ ‌لا‌ لمن اعطى، ‌و‌ ‌ان‌ دفعت الى غيره حاجه ‌لا‌ يرضى، ‌و‌ اذا جفى عاتب ‌و‌ ‌ما‌ استقصى، ‌و‌ ‌لا‌ يضيع ‌من‌ لاذ ‌به‌ ‌و‌ التجا، ‌و‌ يغنيه عن الوسائل ‌و‌ الشفعاء، فمن اجتمعت له هذه الاعتبارات حقيقه ‌من‌ غير تكلف فهو الكريم المطلق ‌و‌ ليس ذلك الا الله تعالى.
 ‌و‌ الجمله تعليل للدعاء ‌و‌ مزيد استدعاء الاستجابه، ‌و‌ اوردها موكده لكمال تحققه لمضمونها ‌و‌ ‌هو‌ جوده ‌و‌ كرمه تعالى.
 نسال الله تعالى بجوده ‌و‌ كرمه ‌ان‌ يسبغ علينا سوابغ نعمه ‌و‌ ‌ان‌ يجعل ‌ما‌ اوردته ‌فى‌ هذه السطور حجه لى ‌لا‌ على يوم النشور. ‌و‌ الحمد لله رب العالمين ‌و‌ الصلاه على نبيه ‌و‌ آله الاكرمين.
 قال مولفه غفر الله له: مكان الفراغ ‌من‌ تحرير هذه الروضه لثلاث عشره خلون ‌من‌ صفر الخير، عام ست ‌و‌ تسعين ‌و‌ الف.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^