فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 1
100% این مطلب را پسندیده اند

الدعاء 1- 1

بسم الله الرحمن الرحيم


 الحمد لله الذى جعل الحمد مفتاحا لذكره، ‌و‌ خلق الاشياء كلها ناطقه بحمده ‌و‌ شكره، ‌و‌ الصلاه ‌و‌ السلام على نبيه محمد المشتق اسمه ‌من‌ اسمه المحمود، ‌و‌ على آله الطاهرين اولى المحامد ‌و‌ المكارم ‌و‌ الجود.


 ‌و‌ بعد: فهذا شرح الدعاء الاول ادعيه صحيفه سيد العابدين ‌من‌ الشرح المسمى «برياض السالكين» املاء راجى فضل ربه السنى على الصدر الحسينى الحسنى وفقه الله سبحانه ‌لا‌ كماله ‌و‌ كتبه حسنه ‌فى‌ صحيفه اعماله آمين.


 الواو: للاستيناف ‌و‌ معناه الابتداء.
 قال الخليل ‌بن‌ احمد ‌فى‌ جمل الاعراب: كل (واو) توردها ‌فى‌ اول كلامك فهى واو استيناف، ‌و‌ ‌ان‌ شئت قلت واو ابتداء، انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ اعراب عباره هذا العنوان ‌و‌ جهان:
 
احدهما: ‌ان‌ يكون اسم كان مقدرا ‌و‌ ‌هو‌ اما المصدر المدلول عليه بقوله اذا ابتدا بالدعاء بدا بالتحميد.
 ‌او‌ الشان المفهوم ‌من‌ سياق الكلام اى: كان ‌من‌ كيفيه دعائه (عليه السلام) بدوه بالتحميد، ‌او‌ كان الشان ‌من‌ دعائه.
 ‌و‌ مجموع الجملتين ‌من‌ قوله اذا ابتدا بالدعاء بدا بالتحميد مفسر لذلك المقدر ‌و‌ نظيره قوله تعالى: «ثم بدالهم ‌من‌ بعد ‌ما‌ راوا الايات ليسجننه» قالوا: فاعل (بدا) اما مصدره، ‌او‌ الراى المفهوم ‌من‌ السياق، ‌او‌ المصدر المدلول عليه بقوله: ليسجننه ‌اى‌ بدالهم بداء، ‌او‌ راى ‌او‌ سجنه، ‌و‌ مجموع الجملتين ‌من‌ القسم المقدر ‌و‌ جوابه الذى ‌هو‌ ليسجننه مفسر لذلك المقدر.
 قال ابن هشام: ‌و‌ ‌لا‌ يمنع ‌من‌ ذلك كون القسم انشاء لان المفسر ‌ها‌ هنا ‌هو‌ المعنى المتحصل ‌من‌ الجواب ‌و‌ ذلك المعنى ‌هو‌ سجنه.
 الثانى: ‌ان‌ يكون اسمها جمله قوله بدا بالتحميد ‌و‌ ‌من‌ دعائه خبرها، ‌و‌ نظيره قول الكوفيين: ‌ان‌ جمله ليسجننه ‌فى‌ الايه ‌هو‌ فاعل بدا بناء على مذهبهم ‌من‌ وقوع الجمله فاعلا، لكن قال الدمامينى: ‌ما‌ اظن ‌ان‌ احدا ‌من‌ الكوفيين ‌و‌ ‌لا‌ غيرهم ينازع ‌فى‌ ‌ان‌ ‌من‌ خصائص الاسم كونه مسندا اليه فينبغى حمل كلامهم على معنى ‌ان‌ المصدر المفهوم ‌من‌ الجمله ‌هو‌ الفاعل المسند اليه معنى، ‌و‌ غايته ‌ان‌ التاويل هنا وقع بغير  واسطه حرف مصدرى فهو كما يقول الجميع ‌فى‌ نحو: قمت حين قام زيد، ‌من‌ ‌ان‌ الجمله وقعت مضافا اليه، مع ‌ان‌ الاضافه ‌من‌ خصائص الاسم كالاسناد اليه، لكن الجمله هنا عندهم مووله بمفرد ‌اى‌ حين قيام زيد، ‌و‌ ‌لا‌ بدع ‌فى‌ هذا، لانه وجد مطردا ‌فى‌ الاضافه ‌و‌ ‌فى‌ باب التسويه نحو: سواء على اقمت ‌ام‌ قعدت اى: قيامك ‌و‌ قعودك، ‌و‌ ‌فى‌ ‌لا‌ تاكل السمك ‌و‌ تشرب اللبن، ‌اى‌ ‌لا‌ يكن منك اكل سمك مع شرب لبن، فهم الحقوا ‌ما‌ وقعت فيه الجمله فاعلا ‌فى‌ الظاهر بتلك الابواب، انتهى.
 فعلى هذا فاسم (كان) ‌و‌ ‌ان‌ وقع ‌فى‌ الظاهر جمله لكن ‌من‌ حيث تاويلها بمفرد ‌و‌ ‌هو‌ المصدر المفهوم منها، ‌اى‌ ‌و‌ كان ‌من‌ كيفيه دعائه بدوه بالحمد ‌و‌ الثناء اذا ابتدا بالدعاء.
 
 تنبيه
 
 اذا ‌فى‌ قوله اذا ابتدا بالدعاء: للاستمرار ‌فى‌ الاحوال الماضيه ‌و‌ الحاضره ‌و‌ المستقبله ‌اى‌ كان هذا شانه دائما ‌و‌ هى كثيرا ‌ما‌ تستعمل له كما يستعمل الفعل المضارع لذلك ‌و‌ منه قوله تعالى: «و اذا قاموا الى الصلاه قاموا كسالى» «و اذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ‌و‌ اذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا معكم» ‌اى‌ هذا شانهم ابدا.
 
تبصره
 
 انما كان (عليه السلام) يبدا بالتحميد لله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌و‌ الثناء عليه اقتداء بكتاب الله تعالى ‌و‌ عملا بما اشتهر عن رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله): «كل امر ذى بال لم يبدا فيه بالحمد- ‌و‌ ‌فى‌ روايه بحمد الله- فهو اقطع» ‌اى‌ مقطوع البركه.
 ‌و‌ لما ‌فى‌ كتاب اميرالمومنين (عليه السلام): «ان المدحه قبل المساله».
 ‌و‌ روى عن ابى عبدالله (عليه السلام) انه قال: «كل دعاء ‌لا‌ يكون قبله تحميد فهو ابتر، انما التحميد ثم الدعاء».
 ‌و‌ عن ابى كهمس قال: سمعت اباعبدالله (عليه السلام) يقول: «دخل رجل المسجد فابتدا بالدعاء قبل الثناء على الله ‌و‌ الصلاه على النبى (صلى الله عليه ‌و‌ آله) فقال رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله): عاجل العبد ربه، ثم دخل آخر فصلى ‌و‌ اثنى على الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌و‌ صلى على رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) فقال رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله): سل تعطه».
 
تتمه مهمه
 الدعاء بالضم ‌و‌ المد لغه: النداء، تقول: دعوت فلانا اذا ناديته.
 ‌و‌ عرفا: الرغبه الى الله تعالى، ‌و‌ طلب الرحمه منه على وجه الاستكانه ‌و‌ الخضوع، ‌و‌ قد يطلق على التمجيد ‌و‌ التقديس لما فيه ‌من‌ التعرض للطلب.
 سئل عطاء عن معنى قول النبى (صلى الله عليه ‌و‌ آله): «خير الدعاء دعائى ‌و‌ دعاء الانبياء ‌من‌ قبلى ‌و‌ ‌هو‌ ‌لا‌ اله الا الله وحده ‌لا‌ شريك له، له الملك ‌و‌ له الحمد. يحيى ‌و‌ يميت ‌و‌ ‌هو‌ حى ‌لا‌ يموت بيده الخير ‌و‌ ‌هو‌ على كل شى ء قدير، ‌و‌ ليس هذا دعاء انما ‌هو‌ تقديس ‌و‌ تمجيد» فقال: هذا اميه ابن الصلت يقول: ‌فى‌ ابن جذعان:
 اذا اثنى عليك المرء يوما
 كفاه ‌من‌ تعرضه الثناء
 افيعلم ابن جذعان ‌ما‌ يراد منه بالثناء عليه ‌و‌ ‌لا‌ يعلم رب العالمين ‌ما‌ يراد منه بالثناء عليه».
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ الدعاء ‌من‌ معظم ابواب العبادات ‌و‌ اعظم ‌ما‌ يستعصم ‌به‌ ‌من‌ الافات ‌و‌ امتن ‌ما‌ يتوسل ‌به‌ الى استنزال الخيرات، ‌و‌ وجوبه ‌و‌ فضله معلوم ‌من‌ العقل ‌و‌ الشرع لقوله تعالى: «ادعونى استجب لكم».
 ‌و‌ روى زراره عن ابى جعفر (عليه السلام) قال: ‌ان‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ يقول: «ان الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين» قال: ‌هو‌ الدعاء، قلت:  ان ابراهيم لاواه حليم، قال: الاواه: الدعاء».
 ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ فضله ‌و‌ الترغيب فيه ‌و‌ الحث عليه متواتره ‌من‌ طرق الخاصه ‌و‌ العامه حتى صار شرعيته ‌من‌ ضروريات الدين ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ شعار الصالحين ‌و‌ آداب الانبياء ‌و‌ المرسلين، بل ‌من‌ اجل مقامات الموحدين ‌و‌ افضل درجات السالكين لكونه مشعرا بالذل ‌و‌ الانكسار ‌و‌ مظهرا الصفه العجز ‌و‌ الافتقار، ‌و‌ ‌هو‌ ‌لا‌ ينافى القضاء ‌و‌ ‌لا‌ يدافع الرضاء.
 روى ميسر ‌بن‌ عبدالعزيز عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال: قال لى ‌يا‌ ميسر ادع ‌و‌ ‌لا‌ تقل: ‌ان‌ الامر قد فرغ منه ‌ان‌ عند الله منزله ‌لا‌ تنال الا بمساله، ‌و‌ لو ‌ان‌ عبدا ‌سد‌ فاه ‌و‌ لم يسال لم يعط شيئا فسل تعط ‌يا‌ ميسر، انه ليس ‌من‌ باب يقرع الا يوشك ‌ان‌ يفتح لصاحبه.
 فظهر ‌من‌ كلامه (عليه السلام) ‌ان‌ الدعاء سبب ‌من‌ اسباب حصول المطلوب، فكون الشى ء متوقفا على سببه ‌لا‌ يدافع كونه مما قضى الله حصوله، اذ كما جرى ‌فى‌ القضاء حصوله فقد جرى ايضا حصول هذا السبب، ‌و‌ كونه مسببا عنه.
 ‌و‌ ‌من‌ التوهمات الباطله ‌و‌ الظنون الفاسده ‌ما‌ قاله بعض الظاهريين ‌من‌ المتكلمين: انه ‌لا‌ فائده ‌فى‌ الدعاء لان المطلوب ‌ان‌ كان معلوم الوقوع عند الله تعالى كان واجب الوقوع ‌و‌ الا فلا يقع لان الاقدار سابقه ‌و‌ الاقضيه واقعه، ‌و‌ قد جف القلم بما ‌هو‌ كائن، فالدعاء لايزيد ‌و‌ ‌لا‌ ينقص فيها شيئا. 
و لان المقصود ‌ان‌ كان ‌من‌ مصالح العباد فالجواد المطلق ‌لا‌ يبخل به، ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن ‌من‌ مصالحهم لم يجز طلبه.
 ‌و‌ لان اجل مقامات الصديقين الرضا ‌و‌ اهمال حظوظ النفس، ‌و‌ الاشتغال بالدعاء ينافى ذلك.
 ‌و‌ هذا ظن فاسد ‌و‌ قول سخيف صادر عن جاهل ‌لا‌ يعرف الحقائق عن مواضعها ‌و‌ اصولها فان الدعاء مما يقاوم القضاء ‌لا‌ ‌من‌ حيث انه فعل العبد فانه ‌من‌ هذه الحيثيه مما يتحكم فيه القضاء لانه لو لم يقض عليه ‌ان‌ يدعو لم يكن يدعو ‌و‌ لكن ‌من‌ حيث ‌ما‌ علمنا الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌و‌ امرنا ‌به‌ حيث قال: «ادعونى استجب لكم» ‌و‌ قال: «ادعوا ربكم» فان الدعاء ‌من‌ هذه الحيثيه انما ينبعث ‌من‌ حيث ينبعث القضاء فلا تسلط للقضاء عليه فان كلا منهما ‌من‌ الله تعالى ‌و‌ لسان العبد ‌و‌ الحاله هذه ترجمان الدعاء لانه لم يدع بنفسه، ‌و‌ لكن بامر الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌و‌ كل ‌من‌ فعل شيئا بامر احد فيده يد الامر، كما اذا امر الملك بعض خدامه ‌ان‌ يضرب ابنا للملك، فان يد الخادم ‌و‌ الحاله هذه يد الملك، ‌و‌ لو كان اليد يده لم يستطع ‌ان‌ يمدها الى ابن الملك، ‌و‌ ليبست دون ذلك يده.
 ‌و‌ انك لتعلم ‌ان‌ الدعاء ‌لا‌ يتحكم على الله ‌و‌ انما يتحكم علينا ‌و‌ الله غالب على امره، فاذا كان الدعاء موصول الاصل بالموضع الذى اتصل ‌به‌ القضاء، فالقضاء ‌و‌ الدعاء يتعالجان ‌و‌ الحكم لما غلب ‌و‌ ‌من‌ غلب سلب، هذا ‌ما‌ ذكره بعض المحققين.
 ‌و‌ قال النظام النيسابورى ‌فى‌ تفسير قوله تعالى: «و اذا سالك عبادى عنى فانى قريب»: قال جمهور العقلاء: ‌ان‌ الدعاء ‌من‌ اعظم مقامات العبوديه، ‌و‌ القرآن ناطق  بصحته عن الصديقين، ‌و‌ الاحاديث مشحونه بالادعيه الماثوره بحيث ‌لا‌ مساغ للانكار ‌و‌ ‌لا‌ مجال للعناد، ‌و‌ السبب العقلى فيه ‌ان‌ كيفيه علم الله تعالى ‌و‌ قضائه غير معلومه للبشر، غائبه عن العقول ‌و‌ الحكمه الالهيه، تقتضى ‌ان‌ يكون العبد معلقا بين الخوف ‌و‌ الرجاء اللذين بهما تتم العبوديه ‌و‌ بهذا الطريق صححنا القول بالتكاليف مع الاعتراف باحاطه علم الله ‌و‌ بجريان قضائه ‌و‌ قدره ‌فى‌ الكل.
 ‌و‌ ‌ما‌ روى عن جابر انه جاء سراقه ‌بن‌ مالك فقال: ‌يا‌ رسول الله بين لنا ديننا كانا خلقنا الان ففيم العمل اليوم افيما جفت ‌به‌ الاقلام، ‌و‌ جرت ‌به‌ المقادير، ‌ام‌ فيما يستقبل؟ فقال: بل فيما جفت ‌به‌ الاقلام، ‌و‌ جرت ‌به‌ المقادير، قال: ففيم العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له ‌و‌ كل عامل بعمله منبه على ‌ما‌ قلناه فانه (صلى الله عليه ‌و‌ آله) علقهم بين الامرين، رهبهم بسابق القدر، ثم رغبهم ‌فى‌ العمل ‌و‌ لم يترك احد الامرين للاخر، فقال: كل ميسر لما خلق له يريد انه ميسر ‌فى‌ ايام حياته للعمل الذى سبق ‌به‌ القدر قبل وجوده.
 الا انك يجب ‌ان‌ تعلم الفرق بين الميسر ‌و‌ المسخر ‌كى‌ ‌لا‌ تغرق ‌فى‌ لجه القضاء ‌و‌ القدر، ‌و‌ كذا القول ‌فى‌ باب الرزق ‌و‌ الكسب.
 ‌و‌ الحاصل: ‌ان‌ الاسباب ‌و‌ الوسائط ‌و‌ الروابط معتبره ‌فى‌ جميع امور هذا العالم ‌و‌ ‌من‌ جمله الوسائط ‌و‌ الوسائل ‌فى‌ قضاء الاوطار الدعاء ‌و‌ الالتماس كما ‌فى‌ الشاهد، فلعل الله سبحانه قد جعل دعاء العبد سببا لبعض مناجحه، فاذا كان كذلك فلابد ‌ان‌ يدعوا حتى يصل الى مطلوبه، ‌و‌ لم يكن شى ء ‌من‌ ذلك خارجا عن قانون القضاء السابق ‌و‌ ناسخا للكتاب المسطور انتهى كلامه.
 
و قال بيان الحق ابوالقاسم النيسابورى: لئن كان الدعاء غير معقول كانت العباده غير معقوله، ‌و‌ قد تكون طاعه ‌و‌ عباده ‌من‌ غير دعاء ‌و‌ مساله ‌و‌ ‌لا‌ يكون دعاء ‌و‌ مساله الا مع طاعه ‌و‌ عباده، اذ ‌لا‌ دعاء الا مع الاعتراف بالذله ‌و‌ النقص ‌و‌ الاضطرار ‌و‌ العجز عقدا ‌و‌ لسانا ‌و‌ هيئه، ‌و‌ انه ‌لا‌ فرج له الا ‌من‌ لدن سيده ‌و‌ ‌لا‌ خير له الا ‌من‌ عنده قولا ‌و‌ ضميرا فيتردد لسانه بانواع التضرع ‌و‌ الحوار ‌و‌ تتصرف يداه نحو السماء ‌فى‌ ضروب ‌من‌ الشكل ‌و‌ الحركات كما يروى عن جعفر ‌بن‌ محمد الصادق (عليهماالسلام) انه قال هكذا الرغبه ‌و‌ اظهر ‌و‌ ابرز باطن راحته الى السماء، ‌و‌ هكذا الرهبه ‌و‌ جعل ظاهر كفه الى السماء، ‌و‌ هكذا التضرع ‌و‌ حرك اصابعه يمينا ‌و‌ شمالا، ‌و‌ هكذا التبتل ‌و‌ رفع اصابعه مره ‌و‌ وضعها اخرى، ‌و‌ هكذا الابتهال ‌و‌ مديده تلقاء وجهه الى القبله، ‌و‌ كان ‌لا‌ يبتهل حتى يذرى دموعه ‌و‌ يشخص بصره، ‌و‌ هل اخلاص العباده الا هذه الاحوال فكان الدعاء ‌من‌ اشرف العباده، ‌و‌ بحسب العباده يتم الشرف الانسانى ‌و‌ يخلص الغرض الالهى كما قال الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «و ‌ما‌ خلقت الجن ‌و‌ الانس الا ليعبدون» ‌و‌ لانه ‌لا‌ يمتنع ظهور رحمه الله ‌و‌ سابغ كرمه ‌فى‌ ‌حق‌ العبد ‌من‌ غير مسالته ‌و‌ كرامته بالاجابه، ‌و‌ تمتنع كرامته بالاجابه الا مع ظهور جوده ‌و‌ اتصال رحمته حتى يطمئن بفضله ‌و‌ يثق بقبوله ‌و‌ يعلم انه العبد الذى دعا مولاه فلباه ‌و‌ ساله فاعطاه، فكان الدعاء ‌فى‌ امتراء المزيد ‌و‌ استجماع اسباب الرحمه مع الكرامه فوق الطاعه ‌و‌ العباده ‌و‌ لهذا كان رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) يرغب فيه الى خيار  خاصته ‌و‌ يساله لنفسه عن صفوه امته، انتهى.
 ‌و‌ اما القول بان الاشتغال بالدعاء ينافى الرضا بالقضاء الذى ‌هو‌ اجل مقامات الصديقين فجوابه: انه انما ينافيه لو كان الباعث عليه حظ النفس.
 ‌و‌ اما اذا كان الداعى عارفا بالله عالما بانه ‌لا‌ يفعل الا ‌ما‌ وافق مشيته، ‌و‌ دعاه امتثالا لامره ‌فى‌ قوله: «ادعونى» ‌و‌ نحوه ‌من‌ غير ‌ان‌ يكون ‌فى‌ دعائه حظ ‌من‌ حظوظ نفسه، فلا منافاه بينهما ‌و‌ الله اعلم.
 قال سيدنا ‌و‌ مولانا الامام المعصوم خليفه الله ‌فى‌ ارضه القائم بسنته ‌و‌ فرضه زين العابدين ‌و‌ سيد الساجدين صلوات الله عليه ‌و‌ على آبائه الابرار ‌و‌ ابنائه الائمه الاطهار.
 
الحمد: ‌هو‌ الثناء على ذى علم بكماله ذاتيا كان كوجوب الوجود ‌و‌ الاتصاف بالكمالات ‌و‌ التنزه عن النقائص، ‌او‌ وصفيا ككون صفاته كامله واجبه، ‌او‌ فعليا ككون افعاله مشتمله على حكمه فاكثر تعظيما له ‌و‌ اثره على المدح الذى ‌هو‌ الثناء على الشى ء بكماله ذا علم كان اولا، لان الكمال الذى ‌لا‌ يعتبر معه العلم ‌لا‌ يكون كمالا مطلقا ‌و‌ يقابلهما الذم، ‌و‌ على الشكر ‌و‌ ‌هو‌ مقابله الانعام بالتعظيم ذكرا باللسان، ‌او‌ اعتقادا بالجنان، ‌او‌ خدمه بالاركان مع صرف ‌ما‌ انعم ‌به‌ الى ‌ما‌ انعم لاجله، لانه ‌و‌ ‌ان‌ عم جهات الشاكر قصر عن احاطه كمالات المشكور، اذ ‌لا‌ يتعلق باللازمه ‌و‌ يقابله الكفران، ‌و‌ على الثناء الذى ‌هو‌ ذكر الاوصاف كمالات كانت ‌او‌ نقائص اذ ‌هو‌ وصف بمدح ‌او‌ ذم، ‌و‌ لذلك يقيد بالجميل اذا اريد المدح.
 ‌و‌ لام الحمد: للجنس ‌و‌ معناه الاشاره الى الحقيقه ‌من‌ حيث هى حاضره ‌فى‌ ذهن السامع.
 ‌و‌ الجاره: للاختصاص فتختص حقيقه الحمد ‌به‌ فيكون جميع افرادها مختصا ‌به‌  سبحانه، لان النعوت الكماليه كلها ترجع اليه لانه فاعلها ‌و‌ غايتها كما حقق ‌فى‌ مقامه، ‌و‌ لانه الموجود الحقيقى كما يعرفه العارفون.
 ‌و‌ ثبوت الصفه فرع ثبوت الموصوف ‌و‌ ذلك انهم يرون كل قدره مستغرقه ‌فى‌ القدره بالذات ‌و‌ كل علم مستغرقا ‌فى‌ العلم بالذات، ‌و‌ هكذا ‌فى‌ كل صفه كماليه.
 فاذن المحامد كلها راجعه اليه سبحانه، ‌و‌ لهذا ذكر اسم الله دون غيره ‌من‌ الاسماء لدلالته بحسب المفهوم على جامعيه الاوصاف الجماليه ‌و‌ الجلاليه كلها ‌و‌ ربوبيته لانواع الاشياء كلها، ‌و‌ كل اسم غيره انما يدل على صفه ‌و‌ ربوبيه نوع واحد.
 ‌و‌ عمم بعض المحققين الثناء ‌فى‌ تعريف الحمد بكونه قالا ‌او‌ حالا بطريق عموم المجاز لادخال حمد الحق سبحانه نفسه ‌و‌ ذلك حيث بسط بساط الوجود على ممكنات ‌لا‌ تعد ‌و‌ ‌لا‌ تحصى، ‌و‌ وضع عليه موائد كرمه التى ‌لا‌ تتناهى فكل ذره ‌من‌ ذرات الوجود لسان حال ناطق عنه بحمده، ‌و‌ مثل هذا الحمد ‌لا‌ يحيط ‌به‌ نطاق النطق، ‌و‌ ‌من‌ ثم قال (صلى الله عليه ‌و‌ آله): «لا احصى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك».
 
 تنبيه
 
 الى ‌ما‌ ذكرناه ‌من‌ رجوع المحامد كلها اليه سبحانه اشار ابوجعفر الباقر فيما رواه عنه ابنه الصادق (عليهماالسلام) قال: «فقد ابى بغله له فقال: لئن ردها الله تعالى لاحمدنه بمحامد يرضاها، فما لبث ‌ان‌ اتى بها بسرجها ‌و‌ لجمامها، فلما استوى عليها  و ضم اليه ثيابه رفع راسه الى السماء فقال: الحمدلله ‌و‌ لم يزد، ثم قال: ‌ما‌ نركت ‌و‌ ‌ما‌ بقيت شيئا جعلت كل انواع المحامد لله ‌عز‌ ‌و‌ جل، فما ‌من‌ حمد الا ‌هو‌ داخل فيما قلت، انتهى.
 ‌و‌ ارتفاع الحمد بالابتداء ‌و‌ خبره الظرف ‌و‌ اصله النصب كما ‌هو‌ شان المصادر المنصوبه بافعالها المضمره التى ‌لا‌ تكاد تستعمل معها نحو: شكرا ‌و‌ عجبا، ‌و‌ ايثار الرفع عليه مع انه الاصل للايذان بان ثبوت الحمد له تعالى لذاته ‌لا‌ لاثبات مثبت ‌و‌ ‌ان‌ ذلك امر دائم مستمر ‌لا‌ حادث متجدد، ‌و‌ لهذا كانت تحيه الخليل (عليه السلام) للملائكه (عليهم السلام) احسن ‌من‌ تحيتهم له ‌فى‌ قوله تعالى: «قالوا سلاما قال سلام» ‌و‌ لم يقدم الخبر لقصد الاختصاص لحصوله ب«لامى» التعريف ‌و‌ الجر مع ‌ان‌ ‌فى‌ تاخيره اشعارا بانه المرجع.
 ‌و‌ الله: لفظ دال على المعبود بالحق، ‌و‌ كما تاهت العقول ‌فى‌ ذاته تعالى ‌و‌ صفاته لاحتجابها بانوار العظمه، تحيروا ايضا ‌فى‌ لفظ الله كانما انعكس اليه ‌من‌ تلك الانوار اشعه بهرت اعين المستبصرين فاختلفوا، اسريانى ‌هو‌ ‌ام‌ عربى؟ اسم ‌او‌ صفه مشتق؟ ‌و‌ مم اشتقاقه؟ ‌و‌ ‌ما‌ اصله، علم ‌او‌ غير علم؟
 فقيل: ‌هو‌ سريانى ‌و‌ اصله (لاها) فعرب بحذف الالف الثانيه، ‌و‌ ادخال الالف ‌و‌ اللام عليه.
 ‌و‌ قيل: بل ‌هو‌ عربى، ‌و‌ ‌هو‌ المختار، ‌و‌ اصله (الاله) فحذفت همزته على غير قياس، كما ينبى ء ‌به‌ وجوب الادغام ‌و‌ تعويض الالف ‌و‌ اللام عنها حيث لزماه ‌و‌ جردا عن معنى التعريف، ‌و‌ لذلك قيل: ‌يا‌ الله بالقطع فان المخذوف القياسى ‌فى‌  حكم الثابت فلا يحتاج الى التدارك بما ذكر ‌من‌ الادغام ‌و‌ التعويض.
 ‌و‌ قيل: على قياس تخفيف الهمزه فيكون الادغام ‌و‌ التعويض ‌من‌ خواص هذا الاسم الشريف ليمتاز بذلك عما عداه امتياز مسماه عما سواه بما لايوجد الا فيه ‌من‌ نعوت الكمال.
 ‌و‌ الاله ‌فى‌ الاصل: اسم جنس يقع على كل معبود بحق ‌او‌ باطل ‌اى‌ مع قطع النظر عن وصف الحقيه ‌و‌ البطلان ‌لا‌ مع اعتبار احدهما ‌لا‌ بعينه، ثم غلب على المعبود بالحق كالنجم على الثريا، ‌و‌ البيت على الكعبه.
 ‌و‌ اما الله بحذف الهمزه فعلم مختص بالمعبود بالحق لم يطلق على غيره اصلا، ‌و‌ اشتقاقه ‌من‌ الالهه ‌و‌ الالوهه بمعنى العباده كما نص عليه الجوهرى على انه اسم منها بمعنى المالوه كالكتاب بمعنى المكتوب، ‌لا‌ على انه صفه منها بدليل انه يوصف ‌و‌ ‌لا‌ يوصف ‌به‌ حيث يقال: اله واحد ‌و‌ ‌لا‌ يقال: شى ء اله كما يقال: كتاب مرقوم ‌و‌ ‌لا‌ يقال: شى ء كتاب.
 ‌و‌ قيل: اشتقاقه ‌من‌ اله كعلم بمعنى تحير، لانه تعالى يحار ‌فى‌ شانه العقول ‌و‌ الافهام.
 ‌و‌ اما (اله) كعبد ‌و‌ زنا ‌و‌ معنى فمشتق ‌من‌ الا له المشتق ‌من‌ (اله) بالكسر ‌و‌ كذا تاله ‌و‌ استاله اشتقاق استنوق ‌و‌ استحجر ‌من‌ الناقه ‌و‌ الحجر.
 ‌و‌ قيل: ‌من‌ اله الى فلان، اى: سكن اليه لاطمينان القلوب بذكره، ‌و‌ سكون الارواح الى معرفته.
 ‌و‌ قيل: ‌من‌ اله: اذا فزع ‌من‌ امر نزل به، ‌و‌ الهه غيره: اذا اجاره، اذ العائذ ‌به‌ تعالى يفزع اليه ‌و‌ ‌هو‌ يجيره.
 
و قيل: اصله (لاه) على انه مصدر ‌من‌ لاه يليه بمعنى احتجب ‌و‌ ارتفع، اطلق على الفاعل مبالغه.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ اسم علم لذات الواجب ابتداء ‌و‌ عليه مدار التوحيد ‌فى‌ قولنا: ‌لا‌ اله الا الله.
 ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ اختصاص الاسم الجليل بذاته سبحانه بحيث ‌لا‌ يمكن اطلاقه على غيره اصلا كاف ‌فى‌ ذلك ‌و‌ ‌لا‌ يقدح فيه كون ذلك الاختصاص بطريق الغلبه بعد ‌ان‌ كان اسم جنس ‌فى‌ الاصل.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ وصف ‌فى‌ الاصل لكنه لما غلب عليه تعالى بحيث لايطلق على غيره اصلا، صار كالعلم.
 ‌و‌ يرده: امتناع الوصف ‌به‌ ‌و‌ تفخيم لامه اذا لم ينكسر ‌ما‌ قبله سنه ‌و‌ حذف الفه لحن.
 ‌و‌ اما قوله: «الا ‌لا‌ بارك الله ‌فى‌ سهيل» فلضروره الشعر.
 ‌و‌ الاول: ذهب جمهور البصريين الى ‌ان‌ وزنه افعل، ثم اختلفوا فاكثرهم على انه ‌من‌ (و ول) ‌اى‌ حروفه الاصول واو، ‌و‌ واو، ‌و‌ لام، فاصله على هذا (او ول) ادغمت الفاء ‌فى‌ العين، قالوا: ‌و‌ لم يستعمل هذا التركيب الا ‌فى‌ اول ‌و‌ متصرفاته.
 ‌و‌ قال بعضهم: انه ‌من‌ وال يئل والا، اى: نجا، لان النجاه ‌فى‌ السبق، فاصله: اوال قلبت الهمزه الثانيه واوا ‌و‌ ادغمت.
 ‌و‌ قيل: اصله ااول ‌من‌ ‌آل‌ يوول اولا، اى: رجع لان كل شى ء يرجع الى اوله قلبت الهمزه واوا، ‌و‌ ادغمت ايضا فهو افعل بمعنى المفعول، كاشهر ‌و‌ احمد.
 ‌و‌ الصحيح: القول الاول لئلا يلزم قلب الهمزه شاذا على القولين الاخيرين.
 
و ذهب الكوفيون ‌و‌ طائفه ‌من‌ البصريين: الى انه فوعل ‌من‌ ‌و‌ ول قلبت الواو الاولى همزه ثم زيدت واو ثانيه فصار ‌او‌ ول ‌و‌ ادغمت الواو التى هى واو فوعل ‌فى‌ الواو التى هى عين، فصار اول، ‌و‌ انما ذهبوا الى ذلك لان الواو تزاد ثانيه كثيرا، كجوهر ‌و‌ كوثر.
 ‌و‌ الصحيح مذهب جمهور البصريين لتصريفه تصريف افعل التفضيل ‌و‌ استعماله بمن، ‌و‌ ذلك يبطل كونه فوعلا. ثم «لاول» استعمالان:
 احدهما: ‌ان‌ يكون صفه، اى: افعل تفضيل بمعنى اسبق، فيعطى حكم افعل التفضيل ‌من‌ منع الصرف ‌و‌ عدم تانيثه بالتاء، ‌و‌ ذكر (من) التفضيليه بعده ظاهره نحو: هذا اول ‌من‌ هذين، ‌و‌ لقيته عاما اول، بنصب اول ممنوع الصرف على انه صفه للمنصوب.
 الثانى: ‌ان‌ يكون اسما مجردا عن الوصفيه، فيكون مصروفا، ‌و‌ منه قولهم: ماله اول ‌و‌ ‌لا‌ آخر.
 قال ابوحيان ‌فى‌ الارتشاف: ‌و‌ ‌فى‌ محفوظى ‌ان‌ هذا يونث بالتاء، ‌و‌ يصرف ايضا فيقال: اوله ‌و‌ آخره بالتنوين انتهى.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ اساس البلاغه: جمل اول، ‌و‌ ناقه اوله: اذا تقدما الابل. ‌و‌ على هذا يحمل ‌ما‌ ورد ‌فى‌ بعض الاحاديث عن ارباب العصمه (عليهم السلام) ‌من‌ لفظ الاوله ‌و‌ الاولتين.
 ‌و‌ قد يستعمل الاسم ظرفا بمعنى قبل فيعطى حكمها ‌فى‌ الاعراب ‌و‌ البناء فتقول اذا صرحت بالمضاف اليه: ابدا ‌به‌ اول فعلك، بالنصب على الظرفيه كما تقول:
 
جئت قبلك، ‌و‌ تقول اذا قطعت عن الاضافه لفظا ‌و‌ معنى قصدا للتنكير: ابدا ‌به‌ اولا بالنصب ‌و‌ التنوين على الظرفيه ايضا كقول الشاعر:
 فساغ لى الشراب ‌و‌ كنت قبلا
 ‌و‌ ‌ان‌ قطعت عن الاضافه بان حذفت المضاف اليه لكن نويت لفظه، اعربته بلا تنوين لانتظار المضاف اليه، فتقول: ابدا ‌به‌ ‌من‌ اول بالكسر فقط كقوله: ‌و‌ ‌من‌ قبل نادى كل مولى قرابه، كذا رواه الثقاه بكسر اللام ‌من‌ قبل.
 ‌و‌ ‌ان‌ حذفت المضاف اليه ‌و‌ نويت معناه، بنيته على الضم فقلت ... ‌به‌ ‌من‌ اول، قال الشاعر:
 لعمرك ‌ما‌ ادرى ‌و‌ انى لاوجل
 على اينا تعدو المنيه اول
 اذا عرفت ذلك، فما وقع لبعض اكابر الساده ‌من‌ علماء العجم ‌من‌ قوله: ‌ان‌ سلخته عن الوصفيه، ‌و‌ استعملته على انه ظرف كان مبنيا على الضم ابدا، كسائر الظروف المقطوعه عن الاضافه فتقول: ‌ان‌ اتيتنى اول فلك كذا ليس بصحيح، بل انما يبنى على الضم اذا حذف المضاف اليه ‌و‌ نوى معناه.
 ‌و‌ مطلق استعماله ظرفا ‌و‌ قطعه عن الاضافه ‌لا‌ يوجب كونه مبنيا على الضم كما عرفت.
 ‌و‌ قوله ايضا: اذا قلت فعلت كذا اولا، لم يصح حمله على الصفه ‌و‌ ‌لا‌ على الظرف اذ على الاول يتعين (اول) بالنصب ‌من‌ جهه منع الصرف، ‌و‌ على الثانى (اول) بالرفع للبناء على الضم.
 ‌و‌ ‌لا‌ يسوغ (اولا) بالتنوين على الظرف اصلا ليس بصحيح ايضا، بل يصح كونه ظرفا غير مضاف ‌لا‌ لفظا ‌و‌ ‌لا‌ تقديرا عند الجمهور، ‌و‌ التنوين فيه متحتم، ‌و‌ ‌هو‌ تنوين تمكين، لانه حينئذ نكره، فنون تنوين سائر النكرات.
 ‌و‌ قال بعضهم: ‌هو‌ معرفه بنيه الاضافه، ‌و‌ التنوين: تنوين تعويض.
 
و استحسنه ابن مالك ‌فى‌ شرح الكافيه.
 ‌و‌ انما تعرضنا لذلك مع عدم تعلق الغرض ‌به‌ ‌و‌ تكفل كتب النحو ببيانه لان السيد المذكور تعرض له ‌فى‌ تعليقته على الصحيفه ‌فى‌ هذا المقام فنبهنا على ذلك لئلا يقع غيره فيما وقع فيه.
 ‌و‌ اوليته تعالى عباره: عن كونه قبل وجود الممكنات باسرها، ‌و‌ انه مبدا كل شى ء، ‌و‌ منه نشا وجود الاشياء كلها، ‌و‌ انه موجود بذاته، لم ينشا وجوده عن غيره.
 فان قلت: افعل التفضيل يقتضى المشاركه ‌و‌ الزياده، ‌و‌ الله سبحانه ‌و‌ تعالى ‌لا‌ يشاركه شى ء ‌فى‌ السبق، لان سبقه تعالى اعتبار ذهنى، ‌و‌ سبق ‌ما‌ عداه زمانى.
 قلت: قد يقصد بافعل، تجاوز صاحبه ‌و‌ تباعده عن غيره ‌فى‌ الفعل، ‌لا‌ بمعنى تفضيله بعد المشاركه ‌فى‌ اصل الفعل، فيفيد عدم وجود اصل الفعل ‌فى‌ غيره، فيحصل كمال التفضيل، ‌و‌ ‌هو‌ المعنى الاوضح ‌فى‌ افعل ‌فى‌ صفاته تعالى.
 ‌و‌ بهذا المعنى ورد قوله تعالى: «و ‌هو‌ اهون عليه» ‌و‌ قول يوسف (عليه السلام): «رب السجن احب الى»
 ‌و‌ هذا اولى ‌من‌ جعل المشاركه تقديرا كما اجاب ‌به‌ بعضهم، ‌و‌ ‌من‌ التشريك بما ‌لا‌ مشاركه فيه كما اجاب ‌به‌ آخرون.
 
و لك ‌ان‌ تريد بالاوليه مطلق السبق، فتحقق المشاركه، ‌و‌ يصح التفضيل بلا تاويل.
 قوله: «بلا اول كان قبله» متعلق بمحذوف حالا عن الاول.
 ‌و‌ الباء: للملابسه، اى: ملتبسا بلا اول.
 ‌و‌ لا: هنا عند الكوفيين اسم بمعنى غير، فقيل: نقل اعرابها الى ‌ما‌ بعدها لكونها على صوره الحرف.
 ‌و‌ قيل: ‌ان‌ الجار دخل عليها نفسها، ‌و‌ ‌ان‌ ‌ما‌ بعدها خفض بالاضافه.
 ‌و‌ عند غيرهم: حرف زائد بين الجار ‌و‌ المجرور، ‌و‌ ‌ان‌ كانت مفيده لمعنى، ‌و‌ ‌هم‌ قد يريدون بالزائد: المعترض بين شيئين متطالبين، ‌و‌ ‌ان‌ لم يصح اصل المعنى باسقاطه.
 ‌و‌ الواقع ‌فى‌ النسخ المشهوره: جر اول بالكسر، ‌و‌ التنوين مصروفا على انه اسم. ‌و‌ ‌فى‌ نسخه ابن ادريس: بالفتح ممنوعا، على انه صفه، اى: بلاذى اوليه كان قبله.
 ‌و‌ قول بعض اكابر الساده: فتحه ممنوعا، على انه افعل التفضيل، ‌و‌ جره مصروفا على انه افعل الصفه ‌لا‌ افعل التفضيل ظاهر التناقض، فان افعل ‌لا‌ يكون صفه لغير تفضيل الا ‌فى‌ لون ‌و‌ عيب.
 نعم، قال الرضى: لما لم يكن لفظ اول مشتقا ‌من‌ شى ء مستعمل على القول   الصحيح، ‌لا‌ مما استعمل منه فعل كاحسن، ‌و‌ ‌لا‌ مما استعمل منه اسم كاحنك، خفى فيه معنى الوصفيه، اذ هى انما تظهر باعتبار المشتق منه، ‌و‌ اتصاف ذلك المشتق ‌به‌ كاعلم، اى: ذو علم اكثر ‌من‌ علم غيره، ‌و‌ احنك، اى: ذو حنك اشد ‌من‌ حنك غيره.
 ‌و‌ انما تظهر وصفيه اول بسبب تاويله بالمشتق ‌و‌ ‌هو‌ اسبق، فصار بمنزله رجل اسد، اى: جرى، فلا جرم لم تعتبر وصفيته الا مع ذكر الموصوف قبله ظاهرا نحو: يوما اول، ‌او‌ ذكر (من) التفضيليه بعده ظاهره اذ هى دليل على ‌ان‌ افعل ليس اسما صريحا كافكل فان خلا منهما معا ‌و‌ لم يكن مع اللام، ‌و‌ الاضافه دخل فيه التنوين مع الجر لخفاء وصفيته كما مر، كقول على (عليه السلام): «احمده اولا باديا» ‌و‌ يقال: ‌ما‌ تركت له اولا ‌و‌ ‌لا‌ آخرا، انتهى كلامه.
 ‌و‌ قضيته: ‌ان‌ اولا المصروف كان ‌فى‌ الاصل صفه فغلبت عليه الاسميه.
 ‌و‌ رده الدمامينى ‌فى‌ شرح التسهيل: بانه لو كان ‌فى‌ الاصل صفه لم تضره غلبه الاسميه ‌و‌ عروضها، بخلاف ‌ما‌ اذا كان ‌فى‌ الاصل اسما، فوجب القول بانه نوعان:
 اسم، ‌و‌ صفه كما مر، ‌و‌ الغرض تاكيد اوليته تعالى بانه اول الاوائل، لانه قبل كل شى ء ‌و‌ سابق عليه بالعليه لاستناد جميع الموجودات على تفاوت مراتبها ‌و‌ كمالاتها اليه ‌و‌ ‌هو‌ مبدا كل موجود، فلم يكن قبله اول، بل ‌هو‌ الاول الذى لم يتقدمه شى ء.
 قال النيسابورى: ‌و‌ ‌هو‌ سبحانه متقدم على ‌ما‌ سواه بجميع اقسام التقدمات الخمسه التى هى تقدم التاثير ‌و‌ الطبع ‌و‌ الشرف ‌و‌ المكان ‌و‌ الزمان.
 اما بالتاثير فظاهر، ‌و‌ اما بالطبع فلان ذات الواجب ‌من‌ حيث ‌هو‌ ‌لا‌ يفتقر الى  الممكن ‌من‌ حيث ‌هو‌ ‌و‌ حال الممكن بالخلاف، ‌و‌ اما بالشرف فظاهر، ‌و‌ اما بالمكان فلانه وراء كل الاماكن ‌و‌ معها، كقوله تعالى: «فاينما تولوا فثم وجه الله».
 ‌و‌ قد جاء ‌فى‌ الحديث: «لو دليتم بحبل الى الارض السفلى لهبط على الله، ثم قرا: «هو الاول ‌و‌ الاخر». ‌و‌ اما بالزمان فاظهر.
 فبطل قول الفخر الرازى: ‌ان‌ تقدم الواجب تعالى على ‌ما‌ عداه خارج عن الاقسام الخمسه، ‌و‌ كيفيته لايعلمها الا ‌هو‌ فتامل.
 قوله: «و الاخر» بكسر الخاء على فاعل ‌و‌ ‌هو‌ خلاف الاول، ‌اى‌ الذى ‌لا‌ نهايه له ، ‌و‌ الباقى بعد فناء وجود الممكنات ‌و‌ لو بالنظر الى ذاتها مع قطع النظر عن مبدعها، فان جميع الموجودات الممكنه اذا قطع النظر عن مبدعها فهى فانيه، ‌او‌ الذى تنتهى اليه الاسباب لانك اذا نظرت الى شى ء ‌و‌ فتشت عن سببه، ثم عن سبب سببه ‌و‌ هكذا انتهيت بالاخره اليه تعالى، فهو الذى ينحل عنده اجتماع اسباب الشى ء.
 ‌و‌ قال بعض العارفين: ‌هو‌ الاخر، بمعنى انه الغايه القصوى التى تطلبها الاشياء، ‌و‌ الخير الاعظم الذى يتشوقه الكل، ‌و‌ يقصده طبعا ‌و‌ اراده، ‌و‌ العرفاء المتالهون حكموا بسريان نور المحبه له ‌و‌ الشوق اليه سبحانه ‌فى‌ جميع المخلوقات على تفاوت طبقاتهم، ‌و‌ ‌ان‌ الكائنات السفليه كالممدعات العلويه على اغتراف شوق ‌من‌ هذا البحر العظيم، ‌و‌ اعتراف شاهد مقر بوحدانيه الحق القديم، فهو الاول الذى منه ابتدا امر العالم حتى انتهى الى ارض الاجسام ‌و‌ الاشباح.
 ‌و‌ ‌هو‌ الاخر الذى ينساق اليه وجود الاشياء حتى يرتقى الى سماء العقول  و الارواح، ‌و‌ ‌هو‌ آخر ايضا بالاضافه الى سير المسافرين فانهم ‌لا‌ يزالون مترقين ‌من‌ رتبه الى رتبه حتى يقع الرجوع الى تلك الحضره بفنائهم عن ذواتهم، ‌و‌ اندكاك جبال ‌هو‌ ياتهم، فهو اول ‌من‌ حيث الوجود ‌و‌ آخر ‌من‌ حيث الوصول ‌و‌ الشهود.
 ‌و‌ قيل: اوليته اخبار عن قدمه، ‌و‌ آخريته اخبار عن استحاله عدمه.
 ‌و‌ روى رئيس المحدثين ‌فى‌ معانى الاخبار: باسناده عن ميمون البان قال: سمعت اباعبدالله (عليه السلام) ‌و‌ قد سئل عن قوله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «هو الاول ‌و‌ الاخر» فقال: «الاول ‌لا‌ عن اول قبله، ‌و‌ ‌لا‌ عن بدء سبقه، ‌و‌ الاخر ‌لا‌ عن نهايه كما يعقل ‌من‌ صفات المخلوقين، ‌و‌ لكن قديم اول ‌و‌ آخر لم يزل ‌و‌ ‌لا‌ يزال، بلا بدء ‌و‌ ‌لا‌ نهايه، ‌لا‌ يقع عليه الحدوث، ‌و‌ ‌لا‌ يحول ‌من‌ حال الى حال خالق كل شى ء»، انتهى.
 
 تنبيه
 
 اعلم انه تعالى اول بما ‌هو‌ آخر، ‌و‌ آخر بما ‌هو‌ اول، ‌من‌ غير اختلاف ‌فى‌ ذاته ‌و‌ صفاته، اذ ‌هو‌ برى ء عن لحوق المكان، ‌و‌ وجوده ‌فى‌ الزمان، فاوليته ‌و‌ آخريته راجعتان الى ‌ما‌ تعتبره الاذهان ‌من‌ حاله تقدمه على وجود الاشياء ‌و‌ تاخره عنها، فهما اعتباران ذهنيان له يلحقان بالاضافه الى مخلوقاته، ‌و‌ ليس هناك اوليه ‌و‌ آخريه، لانهما فرع الوقت ‌و‌ الزمان ‌و‌ ‌هو‌ تعالى مقدس عنهما، اذ ‌لا‌ وقت ‌و‌ ‌لا‌ زمان ‌فى‌ عالم القدس، بل نسبته الى الازال ‌و‌ الاباد نسبه واحده، فظهر ‌ان‌ اوليته عين آخريته، ‌و‌ آخريته عين اوليته.
 قوله: «بلا آخر يكون بعده» بكسر الخاء المعجمه، ‌من‌ آخر، ‌و‌ خفضه بالكسر  منونا على ‌ما‌ ‌فى‌ النسخ المشهوره.
 ‌و‌ وقع ‌فى‌ نسخه ابن ادريس: بكسر الخاء ‌و‌ فحتها معا مع فتح الراء.
 ‌و‌ ‌هو‌ مع كسر الخاء شاذ، لان (لا) التبرئه ‌لا‌ تعمل الا بشرط عدم دخول الجار عليها، لكنه سمع شاذا: جئت بلا شى ء بالفتح على الاعمال، ‌و‌ التركيب.
 قال ابن جنى: ‌و‌ وجهه ‌ان‌ الجار دخل بعد التركيب نحو: ‌لا‌ خمسه عشر، ‌و‌ ليس حرف الجر معلقا، بل ‌و‌ ‌لا‌ ‌ما‌ ركب معها ‌فى‌ موضع جر، لانهما جريا مجرى الاسم الواحد.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ الخاطريات: ‌ان‌ (لا) نصبت شى ء ‌و‌ ‌لا‌ خبر لها لانها صارت فضله، نقله عن ابى على الفارسى، ‌و‌ اقر.
 ‌و‌ اما مع فتح الخاء، فهو بمعنى غير، ‌و‌ ‌هو‌ ممنوع الصرف للوصف، ‌و‌ الفتحه فيه نائبه عن الكسره، ‌و‌ المعنى على هذا: بلا آخر، آخر، اى: غيره يكون بعده، فالاخر المفتوح الخاء المنفى بلا صفه لمحذوف، ‌من‌ جنس المذكور ‌و‌ ‌هو‌ آخر بكسر الخاء لانه ‌لا‌ يستعمل الا فيما ‌هو‌ ‌من‌ جنس المذكور، فاذا قيل: جائنى زيد ‌و‌ آخر، فالمراد رجل آخر، بخلاف جائنى زيد ‌و‌ غيره.
 ‌و‌ على كل تقدير: فالمقصود تاكيد آخريته تعالى، بانه آخر الاواخر لانتهاء وجود كل ممكن اليه ‌و‌ عدم انتهائه، فلا يكون بعده آخر.
 
اكمال
 
 ذهب جهم ‌بن‌ صفوان الى انه تعالى يوصل الثواب الى اهل الثواب، ‌و‌ العقاب الى اهل العقاب ثم يفنى الجنه ‌و‌ اهلها، ‌و‌ النار ‌و‌ اهلها، ‌و‌ العرش ‌و‌ الكرسى ‌و‌ الملك ‌و‌ الفلك، ‌و‌ ‌لا‌ يبقى مع الله شى ء اصلا ‌فى‌ ابد الاباد، كما لم يكن معه شى ء ‌فى‌ ازل الازال، فيتحقق كونه آخرا كما كان اولا
 ‌و‌ ابطله الفخر الرازى: بان امكان استمرار هذه الاشياء حاصل الى الابد بدليل ‌ان‌ هذه الماهيات لو زال امكانها، لزم انقلاب الممكن الى الممتنع، ‌و‌ لزم ‌ان‌ تنقلب قدره الله تعالى ‌من‌ صلاحيه التاثير الى امتناع التاثير.
 ‌و‌ ‌رد‌ بان هذه مغالطه، اذ ‌لا‌ يلزم ‌من‌ الامكان الذاتى للشى ء وقوعه ‌فى‌ الخارج، ‌و‌ ‌لا‌ ‌من‌ عدم وقوعه ‌فى‌ الخارج، الامتناع الذاتى.
 ‌و‌ التعويل ‌فى‌ ابديه الجنه ‌و‌ النار ‌و‌ اهليهما، انما ‌هو‌ على اخبار المخبر الصادق ‌و‌ اجماع المسلمين، فيكون معنى كونه آخرا اى: الباقى بعد فناء الموجودات، بقاوه بعد فنائها حقيقه بالنسبه الى ‌ما‌ يفنى منها ‌و‌ حكما بالنسبه الى الموبد منها، اى: نظر الى ذاتها مع قطع النظر عن علتها كما مر، ‌او‌ بقاوه بعد فنائها ‌و‌ قبل ايجادها ‌و‌ تابيدها فانه تعالى يفنى جميع العالم، ليتحقق كونه آخرا، ثم يوجده ‌و‌ يبقيه ابدا.
 
و زيف: بان هذا حقيق بان يسمى توسطا ‌لا‌ آخريه، ‌و‌ لهذا فسر بعضهم الاخر بانه: الباقى مع ‌ما‌ عداه ‌من‌ الاواخر ‌و‌ بعد ‌ما‌ يفنى منها.
 ‌و‌ اختار النيسابورى ‌فى‌ تفسيره معنى الاول ‌و‌ الاخر انه اول ‌فى‌ ترتيب الوجود، ‌و‌ آخر اذا عكس الترتيب فانه ينطبق على السلسله المترتبه ‌من‌ العلل الى المعلولات ‌و‌ ‌من‌ الاشرف الى الاخس، ‌و‌ على الاخذ ‌من‌ الوحده الى الكثره ممايلى الازل الى مايلى الابد، ‌و‌ ممايلى المحيط الى ‌ما‌ يقرب ‌من‌ المركز، فهو تعالى اول بالترتيب الطبيعى ‌و‌ آخر بالترتيب المنعكس، قال: ‌و‌ بهذا البيان يتضح صحه اطلاق التقدمات الخمسه ‌و‌ مقابلاتها عليه سبحانه، ‌و‌ هذا ‌من‌ غوامض الاسرار ‌و‌ قد وفقنى الله لحلها ‌و‌ بيانها.
 
قصرت بالضم، ‌فى‌ جميع النسخ، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ القصر: كعنب خلاف الطول فيكون ‌من‌ باب الاستعاره التبعيه. ‌و‌ اما القصور بمعنى العجز ففعله قصر بالفتح كقعد، ‌و‌ منه قصر السهم عن الهدف: اذا لم يبلغه.
 ‌و‌ الرويه: معاينه العين للشى ء، ‌و‌ اضافتها الى الضمير ‌من‌ اضافه المصدر الى المفعول.
 ‌و‌ الابصار، جمع بصر، كسبب ‌و‌ اسباب: ‌و‌ ‌هو‌ قوه مرتبه ‌فى‌ العصبه المجوفه، مدركه لما يقابل العين بتوسط جرم شفاف، ‌لا‌ بخروج شعاع يلاقى المبصرات، ‌و‌ ‌لا‌ بانعكاسه، ‌و‌ ‌لا‌ بانطباع الصور المرئيه ‌فى‌ الرطوبه الجليديه، ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ ملتقى العصبتين المجوفتين، ‌و‌ ‌لا‌ باستدلال، لبطلان ذلك كله كما بين ‌فى‌ محله.
 بل بمقابله المستنير للعين السليمه، ‌و‌ هى ‌ما‌ فيها رطوبه صافيه شفافيه صقيله مرآتيه، فحينئذ يقع للنفس علم اشراقى حضورى على ذلك المبصر المقابل لها،  فتدركه النفس مشاهده.
 ‌و‌ انما قصرت الابصار عن رويته تعالى لان المرئى بالبصر يجب ‌ان‌ يكون ‌فى‌ جهه ‌و‌ ‌هو‌ تعالى منزه عنها، ‌و‌ الا وجب كونه عرضا ‌او‌ جوهرا جسمانيا، ‌و‌ ‌هو‌ محال.
 هكذا استدل اهل الحق على نفى الرويه.
 ‌و‌ اعترضه الغزالى بان احد الاصلين ‌من‌ هذا القياس مسلم، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ كونه ‌فى‌ جهه يوجب المحال ‌و‌ لكن الاصل الاخر ‌و‌ ‌هو‌ ادعاء هذا اللازم على اعتقاد الرويه ممنوع. فنقول: لم قلتم انه ‌ان‌ كان مرئيا فهو ‌فى‌ جهه ‌من‌ الرائى؟ اعلمتم ذلك ضروره ‌ام‌ بنظر؟ ‌لا‌ سبيل الى دعوى الضروره.
 ‌و‌ اما النظر فلا ‌بد‌ ‌من‌ بيانه، ‌و‌ منتها ‌هم‌ انهم لم يروا الى الان شيئا الا ‌و‌ كان ‌فى‌ جهه ‌من‌ الرائى مخصوصه، ‌و‌ لو جاز هذا الاستدلال لجاز للجسم ‌ان‌ يقول: ‌ان‌ البارى تعالى جسم، لانه فاعل، فانا لم نر الى الان فاعلا الا جسما.
 ‌و‌ حاصله يرجع الى الحكم بان ‌ما‌ شوهد ‌و‌ علم ينبغى ‌ان‌ يوافقه ‌ما‌ لم يشاهد ‌و‌ لم يعلم.
 ‌و‌ اجاب بعض المحققين ‌من‌ اصحابنا المتاخرين: بان دعوى كون المرئى بهذه العين مطلقا يجب ‌ان‌ يكون ‌فى‌ جهه ليس مبناهم على ‌ان‌ المرئيات ‌فى‌ هذا العالم ‌لا‌ تكون الا ‌فى‌ جهه حتى يكون ‌من‌ باب قياس الغائب على الشاهد، بل النظر  و البرهان يوديان اليه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ القوه الباصره التى ‌فى‌ عيوننا قوه جسمانيه وجودها ‌و‌ قوامها بالماده الوضعيه، ‌و‌ كل ‌ما‌ وجوده ‌و‌ قوامه بشى ء، فقوام فعله ‌و‌ انفعاله بذلك الشى ء، اذ الفعل ‌و‌ الانفعال بعد الوجود ‌و‌ فرعه، اذ الشى ء يوجد اولا اما بذاته ‌او‌ بغيره، ثم يوثر ‌فى‌ شى ء، ‌او‌ يتاثر عنه، فكل ‌ما‌ كان وجود القوه بنفسها متعلقا فيه بماده جسمانيه بما لها ‌من‌ الوضع، كان تاثيرها، ‌او‌ تاثرها ايضا بمشاركه الماده، ‌و‌ وضعها بالقياس الى ‌ما‌ توثر فيه، ‌او‌ تتاثر عنه فلاجل ذلك، نحكم بان البصر ‌لا‌ يرى الا ‌ما‌ له نسبه وضعيه الى محل، فالباصره ‌و‌ السامعه ‌لا‌ تبصر ‌و‌ ‌لا‌ تسمع الا ‌ما‌ وقع منهما ‌فى‌ جهه ‌او‌ اكثر، فهذا ‌هو‌ البرهان.
 
 تذنيب
 
 ذهب اهل السنه الى جواز رويته تعالى ‌فى‌ الدنيا عقلا، ‌و‌ اختلفوا ‌فى‌ وقوعها، ‌و‌ الى جوازها ‌فى‌ الاخره عقلا، ‌و‌ وقوعها فيها اجماعا.
 منهم قالوا: ‌ان‌ رويه الله تعالى جائزه ‌فى‌ الدنيا عقلا، لانه تعالى علق رويه موسى (عليه السلام) على استقرار الجبل، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ نفسه امر ممكن، ‌و‌ المعلق على الممكن ممكن، ‌و‌ لانها لو كانت ممتنعه لم يسالها بقوله: «رب ارنى انظر اليك» لان العاقل ‌لا‌ يطلب المحال، فدل سئواله على انه كان يعتقد جوازها فتكون جائزه ‌و‌ الا لزم جهل النبى العظيم المعزز بالتكليم بما يجوز عليه سبحانه، ‌و‌ يمتنع.
 ‌و‌ اختلف ‌فى‌ وقوعها، ‌و‌ ‌فى‌ ‌ان‌ الرسول (عليه السلام) هل رآه ليله الاسراء ‌ام‌ لا؟ فانكرته عائشه، ‌و‌ جماعه ‌من‌ الصحابه، ‌و‌ التابعين، ‌و‌ المتكلمين.
 
و اثبت ذلك ابن عباس ‌و‌ قال: ‌ان‌ الله تعالى اختصه بالرويه، ‌و‌ موسى بالكلام، ‌و‌ ابراهيم بالخله، ‌و‌ اخذ ‌به‌ جماعه ‌من‌ السلف، ‌و‌ الاشعرى ‌فى‌ جماعه ‌من‌ اصحابه. ‌و‌ ابن حنبل.
 ‌و‌ كان الحسن يقسم لقدراه، ‌و‌ توقف فيه جماعه.
 هذا حال رويته ‌فى‌ الدنيا، ‌و‌ اما رويته ‌فى‌ الاخره فجائزه عقلا، ‌و‌ اجمع على وقوعها اهل السنه للايات ‌و‌ تواتر الروايات، ‌و‌ احالها المعتزله، ‌و‌ المرجئه، ‌و‌ الخوارج.
 
و الفرق بين الدنيا ‌و‌ الاخره ‌ان‌ القوى ‌و‌ الادراكات ضعيفه ‌فى‌ الدنيا حتى اذا كانوا ‌فى‌ الاخره ‌و‌ خلقهم للبقاء قوى ادراكهم فاطاقوا رويته سبحانه، هذا ملخص كلامهم.
 ‌و‌ اجاب المانعون عن الشبهه الاولى: بانا ‌لا‌ نسلم ‌ان‌ المعلق عليه ‌هو‌ استقرار الجبل مطلقا فانه كان مستقرا مشاهدا حال التعليق، بل استقراره حال التجلى، ‌و‌ امكانه حينئذ ممنوع، ‌و‌ دون اثباته القتاده ‌و‌ الخرط.
 ‌و‌ عن الثانيه: بالمعارضه ‌و‌ الحل.
 اما المعارضه: فلان رويته تعالى لو كانت جائزه لما عد طلبها امرا عظيما، ‌و‌ لما سماه ظلما، ‌و‌ لما ارسل عليهم صاعقه ‌و‌ لما قال: «فقد سالوا موسى اكبر ‌من‌ ذلك، فقالوا ارنا الله جهره فاخذتهم الصاعقه بظلمهم».
 ‌و‌ لما وردت عليهم هذه المعارضه تحيروا فقالوا تاره: ‌ان‌ الاستعظام انما كان لطلبهم الرويه تعنتا ‌و‌ عنادا.
 ‌و‌ تاره: ‌ان‌ رويته تعالى جايزه ‌فى‌ الدنيا ‌لا‌ على طريق المقابله ‌و‌ الجهه كما ‌هو‌ المعروف ‌فى‌ رويه الممكنات، فانها ممتنعه على هذه الطريقه، فاستعظامها ‌و‌ انكارها بناء على ‌ان‌ طلبها وقع ‌من‌ هذه الطريقه الممتنعه.
 ‌و‌ ‌لا‌ خفاء بما ‌فى‌ هذا الجواب ‌من‌ السخافه، لان طلبه للرويه ‌من‌ هذه الطريقه  كيف يصلح ‌ان‌ يكون دليلا على جواز الرويه ‌من‌ غير هذه الطريقه، على انه يلزم ‌ان‌ يكون النبى المكرم بالتكليم جاهلا بما يجوز عليه ‌و‌ يمتنع.
 ‌و‌ اما الحل: فلان سئوال موسى (عليه السلام) لم يكن محمولا على طلب الرويه لعلمه باستحالتها، بل على اظهاره شانه تعالى على الجماعه الحاضرين معه ‌و‌ الطالبين رويته القائلين له: «ارنا الله جهره» فقال ذلك القول يسمعوا الجواب ب«لن ترانى» فيعلمون ‌ان‌ رويته غير ممكنه، ‌و‌ يرجعوا عن اعتقادهم.
 ‌و‌ الذى يدل على ذلك قوله حين اخذتهم الصاعقه:
 «اتهلكنا بما فعل السفهاء منا».
 ‌و‌ الجواب عما نقل عن ابن عباس: انه ليس صريحا ‌فى‌ الرويه العينيه لجواز ‌ان‌ يكون المراد بالرويه التى خص بها (صلى الله عليه ‌و‌ آله) الرويه القلبيه يعنى الادراك العلمى على الوجه الكامل، ‌و‌ قد نقل عنه ايضا انه قال رآه بقلبه.
 ‌و‌ عما نقل عن الحسن انه ‌ان‌ كان قول الحسن ‌من‌ عند نفسه فليس حجه، ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌من‌ ظاهر الايات ‌و‌ الروايات فكذلك، لان فهمه ليس حجه على غيره، ‌و‌ الظاهر قد ‌لا‌ يعمل به.
 ‌و‌ الجواب عن وقوع الرويه ‌فى‌ الاخره للايات ‌و‌ تواتر الروايات، ‌ان‌ كثيرا ‌من‌ الايات ‌و‌ الاخبار ماوله عن ظاهرها اتفاقا كقوله تعالى: «و مكر الله» «الله يستهزى بهم».
 
و ‌ما‌ وقع ‌فى‌ رواياتكم عن ابى هريره، عن رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله): «ان ‌من‌ العبيد يوم القيامه ‌من‌ يدعو الله تعالى حتى يضحك الله، فاذا ضحك منه قال: ادخل الجنه».
 ‌و‌ عن ابن مسعود: ‌ان‌ بعض اهل النار اذا خرج منها، ‌و‌ وصل الى باب الجنه يقول: ‌اى‌ رب ادخلنيها فيقول: يابن آدم ايرضيك ‌ان‌ اعطيك الدنيا ‌و‌ مثلها فيقول: ‌يا‌ رب اتستهزى ‌بى‌ ‌و‌ انت رب العالمين».
 ‌و‌ امثال ذلك كثيره، ‌و‌ انتم قد اولتم المكر ‌و‌ الضحك ‌و‌ الاستهزاء بالجزاء، ‌و‌ الرضا ‌و‌ الخذلان، فاذا جاز التاويل فكيف تتمسكون بالظواهر ‌فى‌ الامور العقليه ‌و‌ تجزمون بها، ‌و‌ قد انصف بعض علمائهم المتاخرين حيث قال: ‌ان‌ صح الاجماع المذكور فهو  العمده ‌فى‌ اثبات هذا المطلب ‌و‌ الا فهذه الظواهر ‌لا‌ تفيد الا ظنا ‌لا‌ يجوز التعويل عليه ‌فى‌ المسائل العلميه، مع انها معارضه بمثلها، ‌و‌ ‌ان‌ كانت قابله للتاويل، ‌و‌ الاحاديث الوارده ‌فى‌ هذا الباب آت فيها ذلك مع كونها كلها آحادا على تقدير صحتها، ‌و‌ الدليل العقلى متعذر ‌او‌ متعسر.
 قال سيد المحققين ‌فى‌ شرح المواقف: الاولى ‌ما‌ قيل: ‌ان‌ التعويل ‌فى‌ هذه المساله على الدليل العقلى متعذر فلنذهب الى ‌ما‌ اختاره الشيخ ابوالمنصور الما تريدى ‌من‌ التمسك بالظواهر النقليه، انتهى.
 فلا مطمع حينئذ ‌فى‌ تحصيل اليقين ‌فى‌ هذه المساله، بل ‌و‌ ‌لا‌ الظن لما عرفت ‌من‌ تعارض الادله النقليه، انتهى.
 
 تبصره
 
 قال جدنا السيد نظام الدين احمد (قدس سره) ‌فى‌ رسالته ‌لا‌ ثبات الواجب تعالى : قد ثبت ‌فى‌ محله انه يجوز ‌ان‌ تعلم بعض النفوس المجرده الالهيه الكامله، ذات الواجب تعالى بالعلم الحضورى الذى ‌هو‌ عباره عن مشاهده ذاته ‌من‌ غير تكيف ‌و‌ ‌لا‌ مسامته ‌و‌ ‌لا‌ محاذاه، ‌و‌ اذا جاز ذلك فما المانع ‌من‌ قول ‌من‌ يجوز رويته تعالى ‌فى‌ الاخره، فان الرويه ‌فى‌ الحقيقه عباره عن مشاهده حضوريه، ‌و‌ ‌لا‌ يشترط فيها وقوعها بالجارحه المخصوصه، بل بعض القائلين بجوازها صرح بان رويته تعالى ‌لا‌ يجب ‌ان‌ تكون بتوسط تلك الجارحه المخصوصه.
 قال ‌فى‌ شرح التجريد: ‌و‌ ‌لا‌ يلزم ‌من‌ نفى الرويه بالبصر، نقى الرويه مطلقا، اذ  يمكن ‌ان‌ يرى ‌لا‌ بتلك الجارحه المخصوصه كما ‌هو‌ المدعى، فان المثبتين لرويته تعالى، يدعون ‌ان‌ الحاله المخصوصه التى تحصل لنا بالبصر ‌فى‌ الدنيا، ‌و‌ تسمى رويه، تحصل لنا ‌فى‌ تلك النشاه بعينها بالنسبه اليه تعالى، ‌من‌ غير توسط تلك الجارحه، انتهى.
 ‌و‌ يويد ‌ما‌ ذكرناه ‌ما‌ قال المعلم الثانى ‌فى‌ فصوصه: ‌من‌ ‌ان‌ كل ادراك يحصل بلا واسطه استدلال فهو المختص باسم المشاهده، ‌و‌ كل ‌ما‌ ‌لا‌ يحتاج ‌فى‌ ادراكه الى الاستدلال فهو ليس بغائب، بل ‌هو‌ شاهد، فادراك الشاهد ‌هو‌ المشاهده، ‌و‌ الشهاده اما بمباشره ‌و‌ ملاقاه، ‌و‌ اما ‌من‌ غير مباشره ‌و‌ ملاقاه، ‌و‌ هذا ‌هو‌ الرويه، ‌و‌ الحق الاول تعالى ‌لا‌ تخفى عليه ذاته.
 ‌و‌ ليس ذلك باستدلال فجاز على ذاته مشاهده كماله ‌من‌ ذاته، فاذا تجلى لغيره مغنيا عن الاستدلال ‌و‌ كان بلا مباشره ‌و‌ ‌لا‌ مماسه كان مرئيا لذلك الغير.
 فانه صريح فيما ذكرنا.
 فان قلت: اذا كانت المشاهده الحضوريه هى الرويه فلا مانع منها ‌فى‌ هذه النشاه ايضا، فلم اختص جواز الرويه بالنشاه الاخره، كما ‌هو‌ مذهب اكثر القائلين بجوازها.
 قلت: لعل هولاء ‌لا‌ يمنعون الجواز، بل الوقوع ‌و‌ لعل السر ‌فى‌ ذلك ‌ما‌ صرح ‌به‌ بعض الاعاظم ‌من‌ ‌ان‌ النفس سيما الكامله المشرقه اذا شاهدت المبدا الاول ‌و‌ التذت بلذات مشاهدته، ‌قل‌ اقبالها على الجسم ‌و‌ عالم التجسيم، ‌و‌ كلما زاد اقبالها عليه نقص توجهها الى هذا العالم فينقص توجهها الى ‌ما‌ تدبره ‌من‌ الجسم بل تعرض  عنه بالكليه فيتفتت اجزاء بدنها ‌و‌ يفسد ‌و‌ ينحل تركيبه ‌و‌ يبطل نظام اعضائه ‌و‌ اتصالها، فلم تبق حياه بدنيه لاعراضها عن البدن بالكليه، فان نظام اجزاء البدن ‌و‌ اتصالها ‌من‌ آثار المجرد المدبر على ‌ما‌ ‌هو‌ المشهور.
 ‌و‌ بهذا يظهر تفسير الايه الكريمه الحاكيه عن سئوال موسى (عليه السلام) فانه حيث سال الرويه ‌و‌ هى المشاهده الحضوريه، اجيب ب لن ترانى، اى: لن تشاهدنى ‌و‌ انت ‌فى‌ هذه النشاه التعلقيه.
 ‌و‌ يويد هذا ‌ما‌ ‌فى‌ التوراه: «لا يرانى ابن آدم ‌و‌ ‌هو‌ حى» ‌اى‌ ‌فى‌ حال حياته البدنيه.
 فان قيل: فلا يمكن الرويه مع بقاء الحياه ‌فى‌ النشاه الاخره ايضا.
 قلت: لعل البدن الذى ‌فى‌ النشاه الاخره غير قابل للتفرق ‌و‌ التفتت، ‌او‌ لعل النفس لكمال قوتها التى التبستها ‌فى‌ تلك النشاه اذا شاهدت المبدا الاول فيها فاقبلت عليه اقبالا كليا، ‌لا‌ تعرض عن البدن بالكليه ‌و‌ ‌لا‌ يشغلها شان عن شان.
 ‌و‌ ‌لا‌ يخفى على الخبير ‌ان‌ ‌ما‌ ذكرناه ليس توجيها لكلام القائلين بجواز رويته تعالى، ‌و‌ ‌هم‌ الاشاعره فان جمهورهم صرحوا بان الله تعالى يرى ‌فى‌ الاخره بهذه الجارحه المخصوصه، بل ‌هو‌ تفسير ‌و‌ تاويل للايات ‌و‌ الاخبار الداله على جواز رويته تعالى ‌و‌ وقوعها ‌فى‌ النشاه الاخره فيكون جوابا لاستدلالهم بتلك الايات ‌و‌ الروايات، سيما ‌ما‌ ذكروه ‌من‌ ‌ان‌ طلب موسى الرويه دال على جوازها، ‌و‌ الا لزم ‌ان‌ يكون جاهلا بصفاته تعالى فانه انما طلب المشاهده الحضوريه الصرفه الخاليه عن شوب الخيالات ‌و‌ الاوهام، ‌لا‌ الرويه بالبصر.
 ‌و‌ ‌لا‌ حاجه ‌فى‌ جوابه الى تكلفات ارتكبها القائلون بامتناعها، فافهم انتهى كلامه.
 ‌و‌ اقتفى اثره بعض المحققين ‌من‌ اصحابنا المتاخرين فقال: الذى يصح عندنا ‌من‌  طلب موسى الرويه ‌هو‌ انه اراد ‌ان‌ يحصل له الانكشاف التام، ‌و‌ الرويه العقليه لان الرويه هى الادراك على سبيل المشاهده، ‌و‌ حضور المعلوم ‌و‌ زياده الكشف، ‌لا‌ انه طلب الرويه بهذه الاله الجسمانيه الكدره، الظلمانيه، لان منصبه اجل ‌من‌ ‌ان‌ يطلب امرا محالا، ‌او‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يعلم ‌ان‌ القوه الجسمانيه الحاله ‌فى‌ عضو ‌من‌ الاعضاء ‌لا‌ تدرك خالق الارض ‌و‌ السماء.
 ‌و‌ اما ‌ما‌ ورد ‌فى‌ الادعيه الماثوره، ‌و‌ وقع ‌فى‌ السنه الطائفه الاسلاميه ‌فى‌ ابتهالاتهم ‌و‌ تضرعاتهم ‌من‌ طلب لذه النظر الى وجهه الكريم، فذلك ‌لا‌ يدل على جواز رويته تعالى بهذا العضو المخصوص، سيما ‌و‌ قد نص بعض النحارير على ‌ان‌ العضو المخصوص ليس بركن ‌فى‌ حقيقه الرويه، فاذا كان لحقيقه الرويه افراد متعدده بعضها صحيح ‌فى‌ حقه تعالى، ‌و‌ بعضها فاسد، وجب ‌ان‌ يحمل الوارد ‌فى‌ الكتاب ‌و‌ الشريعه ‌من‌ الفاظ الرويه على الوجه الصحيح ‌فى‌ حقه تعالى ‌لا‌ غير كما ‌فى‌ سائر الالفاظ ‌و‌ الصفات المشتركه بين الحق ‌و‌ الخلق، انتهى.
 «عجز» عن الشى ء عجزا، ‌من‌ باب ضرب: ضعف عنه ‌و‌ عجز عجزا، ‌من‌ باب تعب: لغه لبعض قيس غيلان، ذكرها ابوزيد، ‌و‌ هذه اللغه غير معروفه عندهم
 ‌و‌ قد روى ابن فارس بسنده الى ابن الاعرابى انه ‌لا‌ يقال: عجز الانسان
 
- بالكسر- الا اذا عظمت عجيزته.
 ‌و‌ «النعت»: الوصف ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ ‌دل‌ على الذات باعتبار معنى ‌هو‌ المقصود ‌من‌ جوهر حروفه، ‌اى‌ يدل على الذات بصفه كاحمر، فانه بجوهر حروفه يدل على معنى مقصود، ‌هو‌ الحمره.
 ‌و‌ «الاوهام»: جمع وهم، ‌و‌ ‌هو‌ قوه جسمانيه للانسان محلها آخر التجويف الاوسط ‌من‌ الدماغ، ‌من‌ شانها ادراك المعانى الجزئيه، المتعلقه بالمحسوسات، كشجاعه زيد، ‌و‌ سخاوته، ‌و‌ هذه القوه هى التى تحكم ‌فى‌ الشاه بان الذئب مهروب عنه، ‌و‌ ‌ان‌ الولد معطوف عليه، ‌و‌ هى حاكمه على القوى الجسمانيه، كلها مستخدمه اياها استخدام العقل، القوى العقليه باسرها، لكن المراد بالوهم هنا، الادراك المتعلق بالقوه العقليه، المتعلقه بالمعقولات ‌و‌ القوه الوهميه المتعلقه بالمحسوسات جميعا، ‌و‌ قد شاع ذلك ‌فى‌ الاستعمال، ‌و‌ دلت عليه مضامين الاخبار.
 قال بعض المحققين: اعلم ‌ان‌ جوهر الوهم بعينه، ‌هو‌ جوهر العقل، ‌و‌ مدركاته بعينها مدركات العقل، ‌و‌ الفرق بينهما بالقصور ‌و‌ الكمال، فما دامت القوه العقليته ناقصه، كانت ذات علاقه بالمواد الحسيه، منتكسه النظر اليها، ‌لا‌ تدرك المعانى الا متعلقه بالمواد، مضافه اليها، ‌و‌ ربما تذعن لاحكام الحس لضعفها، ‌و‌ غلبه الحواس ‌و‌ المحسوسات عليها، فتحكم على غير المحسوس حكمها على المحسوس، فما دامت ‌فى‌ هذا المقام اطلق عليها اسم الوهم، فاذا استقام ‌و‌ قوى، صار الوهم عقلا ‌و‌ خلص عن الزيغ، ‌و‌ الضلال، ‌و‌ الافه، ‌و‌ الوبال، انتهى.
 ‌و‌ المراد بعجز الاوهام عن نعته سبحانه: عجزها عن الاطلاع على كيفيه نعته  كما هى، لان وصف الشى ء انما يتصور اذا كان مطابقا لما ‌هو‌ عليه ‌فى‌ نفس الامر ‌و‌ ذلك غير ممكن، الا بتعقل ذاته ‌و‌ كنهه، لكن ‌لا‌ يمكن العقول تعقل حقيقته تعالى، ‌و‌ ‌ما‌ له ‌من‌ صفات الكمال ‌و‌ نعوت الجلال، لان ذلك التعقل اما بحصول صوره مساويه لذاته تعالى ‌و‌ صفاته الحقيقيه، ‌او‌ بحضور ذاته المقدسه، ‌و‌ شهود حقيقته.
 ‌و‌ الاول: محال اذ ‌لا‌ مثل لذاته، ‌و‌ كل ماله مثل ‌او‌ صوره مساويه له فهو ذو ماهيه كليه، ‌و‌ ‌هو‌ تعالى ‌لا‌ ماهيه له.
 ‌و‌ الثانى: محال ايضا، اذ كل ‌ما‌ سواه ‌من‌ العقول ‌و‌ النفوس ‌و‌ الذوات ‌و‌ الهويات فوجوده منقهر تحت جلاله ‌و‌ عظمته انقهار عين الخفاش ‌فى‌ مشهد النور الشمسى، فلا يمكن العقول لقصورها عن درجه الكمال الواجبى، ادراك ذاته على وجه الاكتناه ‌و‌ الاحاطه، بل كل عقل له مقام معلوم ‌لا‌ يتعداه الى ‌ما‌ فوقه، ‌و‌ لهذا قال جبرئيل (عليه السلام) حين تخلف عن رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) ليله المعراج: لو دنوت انمله لاحترقت فانى للعقول البشريه الاطلاع على النعوت الالهيه، ‌و‌ الصفات الاحديه كما هى عليه ‌من‌ كمالها ‌و‌ غايتها، التى ‌لا‌ غايه لها، ‌و‌ كيف يدرك ‌ما‌ يتناهى كنه ‌ما‌ ‌لا‌ يتناهى.
 فان قيل: اذا استحال حصول الحقيقه الالهيه، ‌و‌ الهويه الاحديه ‌فى‌ شى ء ‌من‌ المدارك ‌و‌ العقول فمن اين يعرف اتصافه بصفاته التى وصف بها نفسه ‌فى‌ كتبه على السنه رسله؟ ‌و‌ كيف يحكم عليه بصدق مدلولاتها؟
 فالجواب: ‌ان‌ البرهان العقلى يودى بنا الى ‌ان‌ نعتقد ‌ان‌ سلسله افتقار الممكنات تنتهى الى مبدا موجود بذاته، ‌و‌ انه احدى الذات بلا تركيب بوجه، ‌و‌ كونه تام الحقيقه بلا نقص ‌و‌ قصور، ‌و‌ ‌ان‌ له ‌من‌ كل ‌ما‌ ‌هو‌ كمال للموجود بما ‌هو‌ موجود  غاياتها ‌و‌ نهاياتها، ‌و‌ حيث ‌لا‌ مخرج عن النقيضين فله ‌من‌ كل صفه كماليه، ‌و‌ نعت وجودى اشرفها ‌و‌ اتمها ‌و‌ ارفعها، فله الاسماء الحسنى، ‌و‌ الصفات العليا.
 ‌و‌ بالجمله ليس ‌من‌ شرط الحكم على امر بمحمولات عقليه ‌و‌ اوصاف كليه، ‌ان‌ يوجد ذات الموضوع ‌فى‌ العقل، ‌و‌ تتصور ‌و‌ تتمثل فيه بالكنه، بل يكفى لذلك تصور مفهوم عنوانى، يجعل عنوانا لعقد حملى يجزم العقل بسرايه الحكم الموقع على العنوان الى ‌ما‌ يطابقه ‌فى‌ الواقع، ‌و‌ ‌ان‌ لم يدرك العقل كنهه.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المراد، بعجز الاوهام عن نعته تعالى: عجزها عن بلوغ تمام نعته، يعنى ‌ان‌ الواصفين ‌و‌ ‌ان‌ بالغوا ‌فى‌ التوصيف، ‌و‌ انتقلوا ‌من‌ نعت الى ‌ما‌ ‌هو‌ اشرف ‌و‌ اعظم عندهم، لم يبلغوا مرتبه وصفه، ‌و‌ لم ينعتوه بكمال نعته، بل كلما بلغوا مرتبه ‌من‌ مراتب النعت ‌و‌ الثناء كان وراءها اطوار ‌من‌ النعوت، اشرف ‌و‌ اعلى كما اشار اليه سيد المرسلين (صلى الله عليه ‌و‌ آله) بقوله: «لا احصى ثناء عليك، انت كما اثنيت على نفسك».
 ‌و‌ ارشد اليه سيد الوصيين صلوات الله عليه بقوله: «هو فوق ‌ما‌ يصفه الواصفون».
 
 تنبيه
 
 قال بعض المحققين ‌من‌ اصحابنا المتاخرين: ‌لا‌ يلزم ‌من‌ عدم ادراك العقول كنه كماله، ‌و‌ غايه جلاله، ‌ان‌ ‌ما‌ يدركه العارفون ‌من‌ صفاته بالبراهين، ‌و‌ يصفونه ‌به‌ لم  يكن ثابتا ‌فى‌ حقه، صادقا عليه كما زعمه كثير ‌من‌ الفضلاء قائلين: ‌ان‌ ‌ما‌ يدركه الانسان ‌من‌ صفاته تعالى، انما ‌هو‌ سلوب ‌و‌ تنزيهات فقط، فعلمه عباره عن نفى الجهل، ‌و‌ قدرته عباره عن نفى العجز، ‌و‌ على هذا القياس ‌فى‌ السمع ‌و‌ البصر ‌و‌ غيرهما.
 ‌و‌ مما يحملهم على هذا الحسبان، ‌و‌ يوكده ‌ما‌ نقل عن الباقر (عليه السلام) ‌من‌ قوله: «كلما ميزتموه باوهامكم ‌فى‌ ادق معانيه مخلوق مثلكم مردود اليكم» الحديث.
 ‌و‌ عندنا ليس كذلك، ‌و‌ ليس كل صفاته تعالى التى نصفه بها سلوبا، ‌و‌ تنزيهات، فان كونه موجودا، واجبا حقا، قيوما، عالما، قادرا، حيا، سميعا، بصيرا اوصاف ‌و‌ نعوت وجوديه ليس منها ‌من‌ السلب ‌فى‌ شى ء.
 ‌و‌ اما الحديث المنقول عن الباقر (عليه السلام)، فيجب ‌ان‌ يكون المراد ‌من‌ المذكور فيه ادراكات النفوس الغير العارفه، ‌او‌ التصورات الوهميه ‌و‌ الخياليه الواقعه عن العقول العاميه، كما يدل عليه تتمه الحديث ‌و‌ ‌هو‌ قوله: ‌و‌ لعل النمل الصغار تتوهم ‌ان‌ لله زبانتين، فان ذلك، كمالها، ‌و‌ تتوهم ‌ان‌ عدمهما نقصان لمن ‌لا‌ يتصف بهما انتهى.
 ‌لا‌ الصفات التى ادركها اهل الكمال بقوه البرهان ‌و‌ نور الاحوال.
 فان قلت: فما معنى قول اميرالمومنين صلوات الله عليه: «كمال التوحيد نفى الصفات عنه».
 قلت: معناه نفى كونها صفات عارضه موجوده بوجود زائد كالعالم ‌و‌ القادر ‌فى‌  المخلوقات فان العلم فينا صفه زائده على ذاتنا، ‌و‌ كذا القدره فينا كيفيه نفسانيه، ‌و‌ كذلك غيرهما ‌من‌ الصفات، ‌و‌ المراد ‌ان‌ هذه المفهومات ليست صفات له تعالى، بل صفاته ذاته، ‌و‌ ذاته صفاته، ‌لا‌ ‌ان‌ هناك شيئا ‌هو‌ الذات ‌و‌ اشياء اخر هى الصفات ليلزم التركيب فيه، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
 ‌و‌ حاصله: ‌ان‌ صفاته كلها موجوده بوجود واحد ‌هو‌ بعينه وجود ذاته، فذاته وجود، ‌و‌ علم، ‌و‌ قدره ‌و‌ حياه، ‌و‌ اراده، ‌و‌ سمع، ‌و‌ بصر، ‌و‌ ‌هو‌ ايضا موجود، عالم، قادر، حى، مريد، سميع، بصير، فاحفظ هذا المقام فانه ‌من‌ مزله الاقدام.
 الا ترى ‌ان‌ اكثر الناس لما راوا ‌ان‌ مفهومات الصفات متغايره، ظنوا ‌ان‌ تغايرها ‌من‌ حيث المعنى ‌و‌ المفهوم يوجب اختلاف الحيثيات الوجوديه، فذهبوا الى نفى العلم ‌و‌ القدره ‌و‌ سائر الصفات عن ذاته، ‌و‌ جعلوا الذات الاحديه خاليه عن هذه النعوت الكماليه، لكن جعلوها نائبه مناب تلك الصفات ‌فى‌ ترتب الاثار، فيلزم على ‌ما‌ ذهبوا اليه ‌ان‌ تكون الاسماء ‌و‌ الصفات كلها مجازات ‌من‌ الالفاظ ‌فى‌ حقه تعالى، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ تكون ذاته مصداقا لشى ء ‌من‌ معانى الاسماء ‌و‌ الصفات، ‌و‌ هل هذا الا تعطيل محض.
 بل الحق الحقيق بالتحقيق: ‌ان‌ جميع هذه الصفات موجود فيه بوجود اصيل متاكد ‌فى‌ غايه التاكد، اعلى ‌و‌ اشرف ‌من‌ وجود غيره، فالعلم الذى له تعالى اعلى ‌و‌ اشرف اقسام العلم وجودا، ‌و‌ القدره التى له اوكد انحاء القدره وجودا ‌و‌ تحققا ‌لا‌ مفهوما ‌و‌ ماهيه، اذ ‌لا‌ تفاوت بين افراد المعنى الواحد ‌و‌ الماهيه الواحده ‌فى‌ نفس المعنى ‌و‌ الماهيه، بل انما التفاوت يقع بين انحاء الموجودات بالقوه ‌و‌ الضعف، ‌و‌ الوجوب ‌و‌ الامكان، ‌و‌ التقدم ‌و‌ التاخر.
 هذا حاصل كلامه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌و‌ ‌ان‌ كان خلاف ‌ما‌ عليه الاكثرون لكنه عند التامل ‌و‌ التحقيق احرى بالقبول ‌و‌ التصديق، ‌و‌ الله اعلم.
 

0
100% (نفر 1)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^